صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ محي الدين السنة قامع البدعة أبو عبد الله الشهير بابن قيم
الجوزية رحمه الله ورضى عنه
قاعدة جليلة اذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته
وسماعه
والق سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه اليه فانه خاطب
منه لك على لسان رسوله قال تعالي ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو القى
السمع وهو شهيد وذلك ان تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ومحل
قابل وشرط لحصول الأثر وانتفاء المانع الذي يمنع منه تضمنت الآية بيان ذلك
كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد فقوله ان في ذلك لذكري اشار الى ما
تقدم من أول السورة الى ههنا وهذا هو المؤثر وقوله لمن كان له قلب فهذا هو
المحل القابل والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعالى إن
هو الا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا أي حي القلب وقوله أو ألقى السمع
أي وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه الى ما يقال له وهذا شرط التأثر بالكلام
وقوله وهو شهيد أي شاهد القلب حاضر غير غائب قال ابن قتيبة استمع كتاب
الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساه وهو اشارة الى المانع من
حصول التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله
فاذا حصل المؤثر وهو القرآن والمحل القابل وهو القلب الحي ووجد الشرط وهو
الاصغاء وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه
عنه الي شيء آخر حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر
فان قيل اذا كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه فما وجه دخول أداة
أو في قوله
أو القى السمع والموضع موضع واو الجمع لا موضع أو التي هي لأحد الشيئين
قيل هذا سؤال جيد والجواب عنه أن يقال خرج الكلام بأو باعتبار حال المخاطب
المدعو فأن من الناس من يكون حي القلب واعيه تام الفطرة فإذا فكر بقلبه
وجال بفكره دله قلبه وعقله على صحة القرآن وأنه الحق وشهد قلبه بما أخبر
به القرآن فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة وهذا وصف الذين
قيل فيهم ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل اليك من ربك هو الحق وقال في
حقهم الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في
زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا
غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من
يشاء فهذا نور الفطرة على نور الوحي وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي قال
ابن القيم وقد ذكرنا ما تضمنت هذه الآية من الأسرار والعبر في كتاب اجتماع
الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة والجهمية فصاحب القلب يجمع بين قلبه
وبين معاني القرآن فيجدها كأنها قد كتبت فيه فهو يقرأها عن ظهر قلب ومن
الناس من لا يكون تام الاستعداد واعي القلب كامل الحياة فيحتاج الى شاهد
يميز له بين الحق والباطل ولم تبلغ حياة قلبه ونوره وزكاء فطرته مبلغ صاحب
القلب الحي الواعي فطريق حصول هدايته ان يفرغ سمعه للكلام وقلبه لتأمله
والتفكير فيه وتعقل معانيه فيعلم حينئذ انه الحق فالأول حال من رأى بعينه
ما دعى اليه وأخبر به والثاني حال من علم صدق المخبر وتيقنه وقال يكفيني
خبره فهو في مقام الايمان والأول في مقام الاحسان هذا قد وصل الى علم
اليقين وترقي قلبه منه الى فنزلة عين اليقين وذاك معه التصديق الجازم الذي
خرج به من الكفر ودخل به في الاسلام فعين اليقين نوعان نوع في الدنيا ونوع
في الآخرة فالحاصل في الدنيا نسبته الى القلب كنسبة الشاهد
الى العين وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة
بالابصار وفي لدنيا بالبصائر فهو عين يقين في المرتبتين
فصل وقد جمعت هذه السورة من أصول الايمان ما يكفي ويشفي ويغني عن
كلام أهل الكلام ومعقول أهل المعقول فانها تضمنت تقرير المبدأ والمعاد
والتوحيد والنبوة والايمان بالملائكة وانقسام الناس الى هالك شقي وفائز
سعيد وأوصاف هؤلاء وهؤلاء وتضمنت اثبات صفات الكمال لله وتنزيهه عما يضاد
كمله من النقائص والعيوب وذكر فيها القيامتين الصغرى والكبرى والعالمين
الأكبر وهو عالم الآخرة والأصغر وهو عالم الدنيا وذكر فيها خلق الانسان
ووفاته واعادته وحاله عند وفاته ويوم معاده واحاطته سبحانه به من كل وجه
حتى علمه بوساوس نفسه واقامة الحفظة عليه يحصون عليه كل لفظة يتكلم بها
وانه يوافيه يوم القيامة ومعه سائق يسوقه اليه وشاهد يشهد عليه فاذا أحضره
السائق قال هذا ما لدى عتيد أي هذا الذي أمرت باحضاره قد احضرته فيقال عند
احضاره القيا في جهنم كل كفار عنيد كما يحضر الجاني الي حضرة السلطان
فيقال هذا فلان قد أحضرته فيقول اذهبوا به الى السجن وعاقبوه بما يستحقه
وتأمل كيف دلت السورة صريحا على أن الله سبحانه يعيد هذا الجسد بعينه الذي
أطاع وعصى فينعمه ويعذبه كما ينعم الروح التي آمنت بعينها ويعذب التي كفرت
بعينها لا انه سبحانه يخلق روحا أخرى غير هذه فينعمها ويعذبها كما قاله من
لم يعرف المعاد الذي أخبرت به الرسل حيث زعم ان الله سبحانه يخلق بدنا غير
هذا البدن من كل وجه عليه يقع النعيم والعذاب والروح عنده عرض من أعراض
البدن فيخلق روحا غير هذه الروح وبدنا غير هذا البدن
وهذا غير ما اتفقت عليه الرسل ودل عليه القرآن والسنة وسائر كتب
الله تعالي وهذا في الحقيقة انكار للمعاد وموافقة لقول من أنكره من
المكذبين فانهم لم ينكروا قدرة الله علي خلق أجسام أخر غير هذه الأجسام
يعذبها وينعمها كيف وهم يشهدون النوع الانساني يخلق شيئا بعد شيء فكل وقت
يخلق الله سبحانه أجساما وأرواحا غير الأجسام التي فنيت فكيف يتعجبون من
شيء يشاهدونه عيانا وانما تعجبوا من عودهم باعيانهم بعد أن مزقهم البلي
وصاروا عظاما ورفاتا فتعجبوا ان يكونوا هم باعيانهم مبعوثين للجزاء ولهذا
قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون وقالوا ذلك رجع بعيد ولو
كان الجزاء انما هو لاجسام غير هذه ل يكن ذلك بعثا ولا رجعا بل يكون
ابتداء ولم يكن لقوله قد علمنا ما تنقص الأرض منهم كبير معني فأنه سبحانه
جعل هذا جوابا لسؤال مقدر وهو انه يميز تلك الأجزاء التي اختلطت بالارض
واستحالت الي العناصر بحيث لا تتميز فأخبر سبحانه انه قد علم ما تنقصه
الارض من لحومهم وعظامهم وأشعارهم وانه كما هو عالم بتلك الأجزاء فهو قادر
على تحصيلها وجمعها بعد تفرقها وتأليفها خلقا جديدا وهو سبحانه يقرر
المعاد بذكر كمال علمه وكمال قدرته وكمال حكمته فان شبه المنكرين له كلها
تعود الى ثلاثة أنواع أحدها اختلاط اجزائهم بأجزاء الارض علي وجه لا يتميز
ولا يحصل معها تميز شخص عن شخص الثاني ان القدرة لا تتعلق بذلك الثالث ان
ذلك أمر لا فائدة فيه أو انما الحكمة اقتضت دوام هذا النوع الانساني شيئا
بعد شيء هكذا ابدا كلما مات جيل خلفه جيل آخر فأما ان يميت النوع الانساني
كله ثم يحيه بعد ذلك فلا حكمة في ذلك فجاءت براهين المعاد في القرآن مبينة
على ثلاثة أصول أحدها تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال في جواب من قال
من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم
وقال وان الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل ان ربك هو الخلاق العليم وقال
قد علمنا
ما تنقص الأرض منهم والثاني تقرير كمال قدرته كقوله أو ليس الذي
خلق السموات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم وقوله بلي قادرين على أن نسوي
بنانه وقوله ذلك بأن الله هو الحق وانه يحي الموتى وانه على كل شيء قدير
ويجمع سبحانه بين الأمرين كما في قوله أو ليس الذي خلق السموات والارض
بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم الثالث كمال حكمته كقوله
وما خلقنا السموات والارض وما بينهما لاعبين وقوله وما خلقنا السماء
والارض وما بينهما باطلا وقوله أيحسب الانسان أن يترك سدى وقوله أفحسبتم
انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق وقوله أم
حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء
محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ولهذا كان الصواب ان المعاد معلوم بالعقل مع
الشرع وان كمال الرب تعالي وكمال اسمائه وصفاته تقتضيه وتوجبه وأنه منزه
عما يقوله منكروه كما ينزه كماله عن سائر العيوب والنقائص ثم أخبر سبحانه
أن المنكرين لذلك لما كذبوا بالحق اختلط عليهم أمرهم فهم في أمر مريج
مختلط لا يحصلون منه على شيء ثم دعاهم الي النظر في العالم العلوي وبنائه
وارتفاعه واستوائه وحسنه والتئامه ثم الى العالم السفلي وهو الارض وكيف
بسطها وهيأها بالبسط لما يراد منها وثبتها بالجبال وأودع فيها المنافع
وأنبت فيها من كل صنف حسن من أصناف النبات على اختلاف أشكاله وألوانه
ومقاديره ومنافعه وصفاته وأن ذلك تبصرة اذا تأملها العبد المنيب وتبصر بها
تذكر ما دلت عليه مما اخبرت به الرسل من التوحيد والمعاد فالناظر فيها
يتبصر أولا ثم يتذكر ثانيا وان هذا لا يحصل الا لعبد منيب الي الله بقلبه
وجوارحه ثم دعاهم الي التفكر في مادة أرزاقهم وأقواتهم وملابسهم ومراكبهم
وجناتهم وهو الماء الذي أنزله من السماء وبارك فيه حتي أنبت به جنات
مختلفة الثمار والفواكه ما بين أبيض وأسود وأحمر وأصفر وحلو وحامض وبين
ذلك مع اختلاف منابعها وتنوع أجناسها وأنبت به
الحبوب كلها علي تنوعها واختلاف منافعها وصفاتها واشكالها
ومقاديرها ثم أفرد النخل لما فيه من موضع العبرة والدلالة التي لا تخفي
علي المتأمل وأحيا به الارض بعد موتها ثم قال كذلك الخروج أي مثل هذا
الاخراج من الارض الفواكه والثمار والأقوات والحبوب خروجكم من الارض بعد
ما غيبتم فيها وقد ذكرنا هذا القياس وامثاله من المقاييس الواقعة في
القرآن في كتابنا المعالم وبينا بعض ما فيها من الاسرار والعبر ثم انتقل
سبحانه الي تقرير النبوة باحسن تقرير وأوجر لفظ وأبعده عن كل شبهه وشك
فأخبر انه ارسل الى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم فرعون رسلا فكذبوهم
فاهلكهم بأنواع الهلاك وصدق فيهم وعيده الذي أو عدتهم به رسله ان لم
يؤمنوا وهذا تقرير لنبوتهم ولنبوة من أخبر بذلك عنهم من غير أن يتعلم ذلك
من معلم ولا قرأه في كتاب بل أخبر به إخبارا مفصلا مطابقا لما عند أهل
الكتاب ولا يرد على هذا الا سؤال البهت والمكابرة على جحد الضروريات بانه
لم يكن شيء من ذلك أو أن حوادث الدهر ونكباته أصابتهم كما أصابت غيرهم
وصاحب هذا السؤال يعلم من نفسه انه باهت مباحث جاحد لما شهد به العيان
وتناقلته القرن قرنا بعد قررن فانكاره بمنزلة انكار وجود المشهورين من
الملوك والعلماء والبلاد النائية ثم عاد سبحانه الي تقرير المعاد بقوله
أفعيينا بالخلق الأول يقال لكل من عجز عن شيء عيى به وعيى فلان بهذا الأمر
قال الشاعر
عيوا بأمرهم كما ... عييت ببيضتها الحمامة ومنه قوله تعالى ولم يعي بخلقهن
قال ابن عباس يريد افعجزنا وكذلك قال مقاتل قلت هذا تفسير بلازم اللفظة
وحقيقتها أعم من ذلك فان العرب تقول أعياني أن اعرف كذا وعييت به اذا لم
تهتد له لوجهه ولم تقدر على معرفته وتحصيله فتقول أعياني دواؤك اذا لم
تهتد ولم تقف عليه ولازم هذا المعنى العجز عنه والبيت الذي استشهدوا به
شاهد لهذا المعنى فان الحمامة لم تعجز عن
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بيضتها ولكن أعيادها اذا أرادت أن تبيض أين ترمي بالبيضة فهي
تدور وتجول حتى ترمي بها فاذا باضت أعياها أين تحفظها وتودعها حتى لا تنال
فهي تنقلها من مكان الى مكان وتحار أين تجعل مقرها كما هو حال من عي بأمره
فلم يدر من أين يقصد له ومن أين يأتيه وليس المراد بالاعياء في هذه الآية
التعب كما يظنه من لم يعرف تفسير القرآن بل هذا المعنى هو الذي نفاه
سبحانه عن نفسه في آخر السورة بقوله وما مسنا من لغوب ثم أخبر سبحانه انهم
في لبس من خلق جديد أي أنهم التبس عليهم اعادة الخلق خلقا جديدا ثم نبههم
على ما هو من أعظم آيات قدرته وشواهد ربوبيته وأدلة المعاد وهو خلق
الانسان فانه من أعظم الأدلة علي التوحيد والمعاد وأي دليل أوضح من تركيب
هذه الصورة الآدمية بأعضائها وقواها وصفاتها وما فيها من اللحم والعظم
والعروق والأعصاب والرباطات والمنافذ والآلات والعلوم والارادات والصناعات
كل ذلك من نطفة ماء فلو أنصف العبد ربه لاكتفى بفكره في نفسه واستدل
بوجوده على جميع ما أخبرت به الرسل عن الله واسمائه وصفاته ثم أخبر سبحانه
عن احاطة علمه به حتى علم وساوس نفسه ثم أخبر عن قربه إليه بالعلم
والاحاطه وان ذلك أدنى إليه من العرق الذي هو داخل بدنه فهو أقرب إليه
بالقدرة عليه والعلم به من ذلك العرق وقال شيخنا المراد بقول نحن أى
ملائكتنا كما قال فاذا قرأناه فاتبع قرآنه اى اذا قرأه عليك رسولنا جبريل
قال ويدل عليه قوله اذ يتلقى المتلقيان فقيد القرب المذكور بتلقي الملكين
ولو كان المراد به قرب الذات لم يتقيد بوقت تلقي الملكين فلا في صحبه
الآية لحلولى ولا معطل ثم أخبر سبحانه أن على يمينه وشماله ملكين يكتبان
أعماله وأقواله ونبه باحصاء الاقوال وكتابتها على كتابة الاعمال التي هي
أقل وقوعا وأعظم أثرا من الاقوال وهي غايات الاقوال ونهايتها ثم أخبر عن
القيامة الصغرى وهي سكرة الموت وانها تجيء بالحق وهو لقاؤه سبحانه والقدوم
عليه وعرض الروح عليه والثواب والعقاب الذي تعجل
لها قبل القيامة الكبرى ثم ذكر القيامة الكبرى بقول ونفخ فى
الصور ذلك يوم الوعيد ثم أخبر عن أحوال الخلق فى هذا اليوم وان كل أحد
يأتي الله سبحانه ذلك اليوم ومعه سائق يسوقه وشهيد يشهد عليه وهذا غير
شهادة جوارحه وغير شهادة الأرض التي كان عليها له عليه وغير شهادة رسوله
والمؤمنين فان الله سبحانه يستشهد على العبد الحفظة والأنبياء والأمكنة
التى عملوا عليها الخير والشر والجلود التى عصوه بها ولا يحكم بينهم بمجرد
علمه وهو أعدل العادلين وأحكم الحاكمين
ولهذا أخبر نبيه أنه يحكم بين الناس بما سمعه من اقرارهم وشهادة البينة لا
بمجرد علمه فكيف يسوغ لحاكم أن يحكم بمجرد علمه من غير بينة ولا اقرار ثم
أخبر سبحانه ان الانسان فى غفلة من هذا الشأن الذى هو حقيق بأن لا يغفل
عنه وان لا يزال على ذكره وباله وقال فى غفلة من هذا ولم يقل عنه كما قال
وانهم لفى شك منه مريب ولم يقل فى شك فيه وجاء هذا فى المصدر وان لم يجىء
فى الفعل فلا يقال غفلت منه ولا شككت منه كأن غفلته وشكه ابتداء منه فهو
مبدأ غفلته وشكه وهذا أبلغ من أن يقال فى غفلة عنه وشك فيه فإنه جعل ما
ينبغى أن يكون مبدأ التذكرة واليقين ومنشأهما مبدأ للغفلة والشك ثم أخبر
أن غطاء الغفلة والذهول يكشف عنه ذلك اليوم كما يكشف غطاء النوم عن القلب
فيستيقظ وعن العين فتنفتح فنسبه كشف هذا الغطاء عن العبد عند المعاينة
كنسبه كشف غطاء النوم عنه عند الانتباه ثم أخبر سبحانه أن قرينه وهو الذى
قرن به فى الدنيا من الملائكة يكتب عمله وقوله يقول لما يحضره هذا الذى
كنت وكلتنى به في الدنيا قد أحضرته وأتيتك به هذا قول مجاهد وقال ابن
قتيبة المعنى هذا ما كتبته عليه وأحصيته من قوله وعمله حاضر عندى والتحقيق
ان الآية نتضمن الأمرين اى هذا الشخص الذي وكلت به وهذا عمله الذي أحصيته
عليه فحينئذ يقال ألقيا فى جهنم وهذا اما أن يكون خطابا للسائق والشهيد
أو خطابا للملك الموكل بعذابه وان كان واحدا وهو مذهب معروف من
مذاهب العرب فى خطابها أو تكون الالف منقلبة عن نون التأكيد الخفيفة ثم
أجري الوصل مجري الوقف ثم ذكر صفات هذا الملقى فذكر له ست صفات أحدها أنه
كفار لنعم الله وحقوقه كفار بدينه وتوحيده واسمائه وصفاته كفار برسله
وملائكته كفار بكتبه ولقائه الثانية انه معاند للحق بدفعه جحدا وعنادا
الثالثة انه مناع للخير وهذا يعم منعه للخير الذى هو احسان الى نفسه من
الطاعات والقرب الى الله والخير الذى هو احسان الى الناس فليس فيه خير
لنفسه ولا لبنى جنسه كما هو الحال أكثر الخلق الرابعة أنه مع منعه للخير
معتد على الناس ظلوم غشوم معتد عليهم بيده ولسانه الخامسة انه مريب أي
صاحب ريب وشك ومع هذا فهو آت لكل ريبة يقال فلان مريب اذا كان صاحب ريبة
السادسة انه مع ذلك مشرك بالله قد اتخذ مع الله الها آخر يعبده ويحبه
ويغضب له ويرضي له ويحلف باسمه وينذر له ويوالي فيه ويعادى فيه فيختصم هو
وقرينه من الشياطين ويحيل الامر عليه وانه هو الذى أطغاه وأضله فيقول
قرينه لم يكن لى قوة أن أضله وأطغيه ولكن كان فى ضلال بعيد اختاره لنفسه
وآثره على الحق كما قال ابليس لاهل النار وما كان لى عليكم من سلطان الا
ان دعوتكم فاستجبتم لي وعلي هذا فالقرين هنا هو شيطانه يختصمان عند الله
وقالت طائفة بل قرينه ههنا هو الملك فيدعى عليه انه زاد عليه فيما كتبه
عليه وطغى وانه لم يفعل ذلك كله وانه أعجله بالكتابة عن التوبة ولم يمهله
حتى يتوب فيقول الملك ما زدت فى الكتابة على ما عمل ولا أعجلته عن التوبة
ولكن كان فى ضلال بعيد فيقول الرب تعالي لا تختصموا لدى وقد أخبر سبحانه
عن اختصام الكفار والشياطين بين يديه فى سورة الصافات والأعراف واخبر عن
اختصام الناس بين يديه فى سورة الزمر وأخبر عن اختصام أهل النار فيها فى
سورة الشعراء وسورة ص ثم اخبر سبحانه انه لا يبدل القول لديه فقيل المراد
بذلك قوله لاملأن جهنم من الجنة والناس
أجمعين ووعده لاهل الايمان بالجنة وان هذا لا يبدل ولا يخلف قال
ابن عباس يريد مالو عدي خلف لاهل طاعتى ولا أهل معصيتي قال مجاهد قد قضيت
ما أنا قاض وهذا اصح القولين فى الآية وفيها قول آخر ان المعنى ما يغير
القول عندى بالكذب والتلبيس كما يغير عند الملوك والحكام فيكون المراد
بالقول قول المختصمين وهو اختيار الفراء وابن قتيبة قال الفراء المعني ما
يكذب عندى لعلمى بالغيب وقال ابن قتيبة اى ما يحرف القول عندى ولا يزاد
فيه ولا ينقص منه قال لانه قال القول عندى ولم يقل قولي وهذا كما يقال لا
يكذب عندى فعلي القول الاول يكون قوله وما انا بظلام للعبيد من تمام قوله
ما يبدل القول لدى فى المعنى أى ما قلته ووعدت به لا بد من فعله ومع هذا
فهو عدل لا ظلم فيه ولا جور وعلى الثاني يكون قد وصف نفسه بأمرين أحدهما
ان كمال علمه واطلاعه يمنع من تبديل القول بين يديه وترويج الباطل عليه
وكمال عدله وغناه يمنع من ظلمه لعبيده ثم أخبر عن سعة جهنم وانها كلما
القى فيها تقول هل من مزيد وأخطأ من قال ان ذلك للنفى اى ليس من مزيد
والحديث الصحيح يرد هذا التأويل ثم أخبر عن تقريب الجنة من المتقين وان
أهلها هم الذين اتصفوا بهذه الصفات الاربع أحداها ان يكون أوابا أي رجاعا
الى الله من معصيته الى طاعته ومن الغفلة عنه الي ذكره قال عبيد بن عمير
الاواب الذي يتذكر ذنوبه ثم يستغفر منها وقال مجاهد هو الذي اذا ذكر ذنبه
في الخلاء استغفر منه وقال سعيد بن المسيب هو الذى يذنب ثم يتوب ثم يذنب
ثم يتوب الثانية ان يكون حفيظا قال ابن عباس لما ائتمنه الله عليه وافترضه
وقال قتادة حافظ لما استودعه الله من حقه ونعمته ولما كانت النفس لها
قوتان قوة الطلب وقوة الامساك كان الأواب مستعملا لقوة الطلب فى رجوعه الى
الله ومرضاته وطاعته والحفيظ مستعملا لقوة الحفظ فى الامساك عن معاصيه
ونواهيه فالحفيظ الممسك نفسه عما حرم عليه والأواب المقبل على الله بطاعته
الثالثة
قوله من خشى الرحمن بالغيب يتضمن الاقرار بوجوده وربوبيته
وقدرته وعلمه واطلاعه على تفاصيل أحوال العبد ويتضمن الاقرار بكتبه ورسله
وأمره ونهيه ويتضمن الاقرار بوعده ووعيده ولقائه فلا تصح خشية الرحمن
بالغيب الا بعد هذا كله الرابعة قوله وجاء بقلب منيب قال ابن عباس راجع عن
معاصى الله مقبل علي طاعة الله وحقيقة الانابة عكوف القلب علي طاعة الله
ومحبته والاقبال عليه ثم ذكر سبحانه جزاء من قامت به هذه الأوصاف بقوله
ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ثم خوفهم
بان يصيبهم من الهلاك ما أصاب من قبلهم وانهم كانوا أشد منهم بطشا ولم
يدفع عنهم الهلاك شدة بطشهم ولهم عند الهلاك تقلبوا وطافوا فى البلاد وهل
يجدون محيصا ومنجى من عذاب الله قال قتادة حاص أعداء الله فوجدوا أمر الله
لهم مدركا وقال الزجاج طوفوا وفتشوا فلم يرو محيصا من الموت وحقيقة ذلك
أنهم طلبوا المهرب من الموت فلم يجدوه ثم أخبر سبحانه ان فى هذا الذى ذكر
ذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد ثم أخبر انه خلق السموات
والارض وما بينهما فى ستة أيام ولم يمسه من تعب ولا اعياء تكذيب لاعدائه
من اليهود حيث قالوا انه استراح فى اليوم السابع ثم أمر نبيه بالتأسى به
سبحانه فى الصبر على ما يقول اعداؤه فيه كما انه سبحانه صبر على قول
اليهود انه استراح ولا أحد أصبر علي أذى يسمعه منه ثم أمره بما يستعين به
على الصبر وهو التسبيح بحمد ربه قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وبالليل
وأدبار السجود فقيل هو الوتر وقيل الركعتان بعد المغرب والاول قول ابن
عباس والثاني قول عمر وعلي وأبي هريرة والحسن بن على واحدي الروايتين عن
ابن عباس وعن ابن عباس رواية ثالثة انه التسبيح باللسان أدبار الصلاة
المكتوبات ثم ختم السورة بذكر المعاد ونداء المنادى برجوع الأرواح الي
أجسادها للحشر وأخبر ان هذا النداء من مكان قريب يسمعه كل أحد يوم يسمعون
الصيحة بالحق
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بالبعث ولقاء الله يوم تشقق الارض عنهم كما تشقق عن النبات
فيخرجون سراعا من غير مهلة ولا بطء ذلك حشر يسير عليه سبحانه ثم أخبر
سبحانه انه عالم بما يقول اعداؤه وذلك يتضمن مجازاته لهم بقولهم اذ لم يخف
عليه وهو سبحانه يذكر علمه وقدرته لتحقيق الجزاء ثم أخبره انه ليس بمسلط
عليهم ولا قهار ولم يبعث ليجبرهم على الاسلام ويكرههم عليه وأمره أن يذكر
بكلامه من يخاف وعيده فهو الذي ينتفع بالتذكير وأما من لا يؤمن بلقائه ولا
يخاف وعيده ولا يرجو ثوابه فلا ينتفع بالتذكير فائدة
قول النبى لعمر وما يدريك ان الله اطلع علي أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم
فقد غفرت لكم أشكل علي كثير من الناس معناه فأن ظاهره
إباحة كل الأعمال لهم وتخييرهم فيما شاؤا منها وذلك ممتنع فقالت
طائفة منهم ابن الجوزي ليس المراد من قوله اعملوا الاستقبال وانما هو
للماضي وتقديره أي عمل كان لكم فقد غفرته قال ويدل على ذلك شيئان أحدهما
أنه لو كان للمستقبل كان جوابه قوله فسأغفر لكم والثانى انه كان يكون
اطلاقا فى الذنوب ولا وجه لذلك وحقيقة هذا الجواب اني قد غفرت لكم بهذه
الغزوة ما سلف من ذنوبكم لكنه ضعيف من وجهين أحدهما ان لفظ اعملوا يأباه
فانه للاستقبال دون الماضى وقوله قد غفرت لكم لا يوجب أن يكون اعملوا مثله
فان قوله قد غفرت تحقيق لوقوع المغفرة فى المستقبل كقوله أتي أمر الله
وجاء ربك ونظائره الثاني أن نفس الحديث يرده فان سببه قصة حاطب
وتجسسه علي النبى وذلك ذنب واقع بعد غزوة بدر لا قبلها وهو سبب
الحديث فهو مراد منه قطعا فالذي نظن فى ذلك والله أعلم ان هذا خطاب لقوم
قد علم الله سبحانه أنهم لا يفارقون دينهم بل يموتون على الاسلام وانهم قد
يقارفون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب ولكن لا يتركهم سبحانه مصرين عليها
بل يوفقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تمحو أثر ذلك ويكون تخصيصهم بهذا
دون غيرهم لانه قد تحقق ذلك فيهم وأنهم مغفور لهم ولا يمنع ذلك كون
المغفرة حصلت بأسباب تقوم بهم كما لا يقتضي ذلك أن يعطلوا الفرائض وثوقا
بالمغفرة فلو كانت قد حصلت بدون الاستمرار علي القيام بالأوامر لما
احتاجوا بعد ذلك الى صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة ولا جهاد وهذا محال
ومن أوجب الواجبات التوبة بعد الذنب فضمان المغفرة لا يوجب تعطيل اسباب
المغفرة ونظير هذا قوله فى الحديث الآخر أذنب عبد ذنبا فقال أى رب أذنبت
ذنبا فاغفره لى فغفر له ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب ذنبا آخر فقال
أى رب أصبت ذنبا فاغفر لى فغفر له ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب
ذنبا آخر فقال رب أصبت ذنبا فاغفره لى فقال الله علم عبدى ان له ربا يغفر
الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدى فليعمل ما شاء فليس فى هذا اطلاق واذن منه
سبحانه له فى المحرمات والجرائم وانما يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك
اذا أذنب تاب
واختصاص هذا العبد بهذا لانه قد علم انه لا يصر على ذنب وانه
كلما أذنب تاب حكم يعم كل من كانت حاله حاله لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك
كما قطع به لاهل بدر وكذلك كل من بشره رسول الله بالجنة أو أخبره بأنه
مغفور له لم يفهم منه هو ولا غيره من الصحابة اطلاق الذنوب والمعاصى له
ومسامحته بترك الواجبات بل كان هؤلاء أشد اجتهادا وحذرا وخوفا بعد البشارة
منهم قبلها كالعشرة المشهود لهم بالجنة وقد كان الصديق شديد الحذر
والمخافة وكذلك عمر فلهم علموا أن البشارة المطلقة مقيدة بشروطها
والاستمرار عليها الى الموت ومقيدة بانتقاء موانعها ولم يفهم أحد منهم من
ذلك الاطلاق الاذن فيما شاؤا من الأعمال
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فائدة جليلة قوله تعالى
هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه
النشور أخبر سبحانه أنه جعل الارض ذلولا منقادة للوطء عليها وحفرها وشقها
والبناء عليها ولم يجعلها مستصعبة ممتنعة على من أراد ذلك منها واخبر
سبحانه انه جعلها مهادا وفراشا وبساطا وقرارا وكفاتا وأخبر أنه دحاها
وطحاها واخرج منها ماءها ومرعاها وثبتها بالجبال ونهج فيها الفجاج والطرق
وأجرى فيها الأنهار والعيون وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ومن بركتها ان
الحيوانات كلها وأرزاقها وأقواتها تخرج منها ومن بركاتها انك تودع فيها
الحب فتخرجه لك أضعاف أضعاف ما كان ومن بركاتها انها تحمل الأذى علي ظهرها
وتخرج لك من بطنها أحسن الأشياء وأنفعها فتواري منه كل قبيح وتخرج له كل
مليح ومن بركتها أنها تستر قبائح العبد وفضلات بدنه وتواريها وتضمه وتؤويه
وتخرج له طعامه وشرابه فهى أحمل شىء للأذى وأعوده بالنفع فلا كان من
التراب خير منه وأبعد من الأذى وأقرب الى الخير
والمقصود انه سبحانه جعل لنا الارض كالجمل الذلول الذي كيفما
يقاد ينقاد وحسن التعبير بمناكبها عن طرقها وفجاجها لما تقدم من وصفها
بكونها ذلولا فالماشي عليها يطأ علي مناكبها وهو أعلى شيء فيها ولهذا فسرت
المناكب بالجبل كمناكب الانسان وهي أعاليه قالوا وذلك تنبيه علي أن المشي
في سهولها أيسر وقالت طائفة بل المناكب الجوانب والنواحي ومنه مناكب
الانسان لجوانبه والذي يظهر ان المراد بالمناكب الأعالي وهذا الوجه الذي
يمشي عليه الحيوان هو العالي من الارض دون الوجه المقابل له فان سطح الكره
أعلاها والمشي انما يقع في سطحها وحسن التعبير عنه بالمناكب لما تقدم من
وصفها بأنها ذلول ثم أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها فذللها لهم
ووطأها وفتق فيها السبل والطرق التي يمشون فيها وأودعها رزقهم فذكر تهيئة
المسكن للانتفاع والتقلب فيه بالذهاب والمجيء والأكل مما أودع فيها للساكن
ثم نبه بقوله وإليه النشور على انا في هذا المسكن غير مستوطنين ولا مقيمين
بل دخلناه عابري سبيل فلا يحسن ان نتخذه وطنا ومستقرا وإنما دخلناه لنتزود
منه الى دار القرار فهو منزل عبور لا مستقر حبور ومعبر وممر لا وطن ومستقر
فتضمنت الآية الدلالة على ربوبيته ووحدانيته وقدرته وحكمته ولطفه والتذكير
بنعمه واحسانه والتحذير من الركون الى الدنيا واتخاذها وطنا ومستقرا بل
نسرع فيها السير الى داره وجنته فالله في ما ضمن هذه الآية من معرفته
وتوحيده والتذكير بنعمه والحث على السير اليه والاستعداد للقائه والقدوم
عليه والاعلام بأنه سبحانه يطوي هذه الدار كأن لم تكن وانه يحي أهلها بعد
ما أماتهم واليه النشور
فائدة للانسان قوتان قوة علمية نظرية وقوة عملية ارادية وسعادته
التامة موقوفة على استكمال قوتيه العلمية الارادية واستكمال القوة العلمية
انما يكون بمعرفة
فاطره وبارئه ومعرفة أسمائه وصفاته ومعرفة الطريق التي توصل
اليه ومعرفة آفاتها ومعرفة نفسه ومعرفة عيوبها فبهذه المعارف الخمسة يحصل
كمال قوته العلمية وأعلم الناس أعرفهم بها وأفقههم فيها استكمال القوة
العلمية الارادية لا تحصل الا بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد والقيام بها
اخلاصا وصدقا ونصحا واحسانا ومتابعة وشهودا لمنته عليه وتقصيره هو في أداء
حقه فهو مستحي من مواجهته بتلك الخدمة لعلمه انها دون ما يستحقه عليه ودون
دون ذلك وانه لا سبيل له إلى استكمال هاتين القوتين الا بمعونته فهو مضطر
الى ان يهديه الصراط المستقيم الذي هدى اليه أولياءه وخاصته وان يجنبه
الخروج عن ذلك الصراط اما بفساد في قوته العلمية فيقع في الضلال واما في
قوته العملية فيوجب له الغضب
فكمال الانسان وسعادته لا تتم الا بمجموع هذه الأمور وقد تضمنتها سورة
الفاتحة وأنتظمتها أكمل انتظام فان قوله الحمد لله رب العالمين الرحمن
الرحيم مالك يوم الدين يتضمن الاصل الاول وهو معرفة الرب تعالى ومعرفة
اسمائه وصفاته وأفعاله والأسماء المذكورة في هذه السورة هي أصول الاسماء
الحسنى وهي اسم الله والرب والرحمن فأسم الله متضمن لصفات الألوهية واسم
الرب متضمن الربوبية واسم الرحمن متضمن لصفات الاحسان والجود والبر ومعاني
أسمائه تدور لى هذا وقوله إياك نعبد وإياك نستعين يتضمن معرفة الطريق
الموصلة اليه وانها ليست الا عبادته وحده بما يحبه ويرضاه واستعانته على
عبادته وقوله إهدنا الصراط المستقيم يتضمن بيان ان العبد لا سبيل له الى
سعادته الا باستقامته على الصراط المستقيم وانه لا سبيل له الي الاستقامة
الا بهداية ربه له كما لا سبيل له الى عبادته بمعونته فلا سبيل له الي
الاستقامة علي الصراط الا بهدايته وقوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين
يتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم وان الانحراف الى احد
الطرفين انحراف الي الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد والانحراف الى
الطرف الآخر انحراف الي الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل
فأول السورة رحمة وأوسطها هداية وآخرها نعمة وحظ العبد من
النعمة على قدر حظه من الهداية وحظه منها على قدر حظه من الرحمة فعاد
الأمر كله الى نعمته ورحمته والنعمة والرحمة من لوازم ربوبيته فلا يكون
الا رحيما منعما وذلك من موجبات الهيته فهو الأله الحق وان جحده الجاحدون
وعدل به المشركون فمن تحقق بمعاني الفاتحة علما ومعرفة وعملا وحالا فقد
فاز من كماله بأوفر نصيب وصارت عبوديته عبودية الخاصة الذين ارتفعت درجتهم
عن عوام المتعبدين والله المستعان
هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه
النشور أخبر سبحانه أنه جعل الارض ذلولا منقادة للوطء عليها وحفرها وشقها
والبناء عليها ولم يجعلها مستصعبة ممتنعة على من أراد ذلك منها واخبر
سبحانه انه جعلها مهادا وفراشا وبساطا وقرارا وكفاتا وأخبر أنه دحاها
وطحاها واخرج منها ماءها ومرعاها وثبتها بالجبال ونهج فيها الفجاج والطرق
وأجرى فيها الأنهار والعيون وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ومن بركتها ان
الحيوانات كلها وأرزاقها وأقواتها تخرج منها ومن بركاتها انك تودع فيها
الحب فتخرجه لك أضعاف أضعاف ما كان ومن بركاتها انها تحمل الأذى علي ظهرها
وتخرج لك من بطنها أحسن الأشياء وأنفعها فتواري منه كل قبيح وتخرج له كل
مليح ومن بركتها أنها تستر قبائح العبد وفضلات بدنه وتواريها وتضمه وتؤويه
وتخرج له طعامه وشرابه فهى أحمل شىء للأذى وأعوده بالنفع فلا كان من
التراب خير منه وأبعد من الأذى وأقرب الى الخير
والمقصود انه سبحانه جعل لنا الارض كالجمل الذلول الذي كيفما
يقاد ينقاد وحسن التعبير بمناكبها عن طرقها وفجاجها لما تقدم من وصفها
بكونها ذلولا فالماشي عليها يطأ علي مناكبها وهو أعلى شيء فيها ولهذا فسرت
المناكب بالجبل كمناكب الانسان وهي أعاليه قالوا وذلك تنبيه علي أن المشي
في سهولها أيسر وقالت طائفة بل المناكب الجوانب والنواحي ومنه مناكب
الانسان لجوانبه والذي يظهر ان المراد بالمناكب الأعالي وهذا الوجه الذي
يمشي عليه الحيوان هو العالي من الارض دون الوجه المقابل له فان سطح الكره
أعلاها والمشي انما يقع في سطحها وحسن التعبير عنه بالمناكب لما تقدم من
وصفها بأنها ذلول ثم أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها فذللها لهم
ووطأها وفتق فيها السبل والطرق التي يمشون فيها وأودعها رزقهم فذكر تهيئة
المسكن للانتفاع والتقلب فيه بالذهاب والمجيء والأكل مما أودع فيها للساكن
ثم نبه بقوله وإليه النشور على انا في هذا المسكن غير مستوطنين ولا مقيمين
بل دخلناه عابري سبيل فلا يحسن ان نتخذه وطنا ومستقرا وإنما دخلناه لنتزود
منه الى دار القرار فهو منزل عبور لا مستقر حبور ومعبر وممر لا وطن ومستقر
فتضمنت الآية الدلالة على ربوبيته ووحدانيته وقدرته وحكمته ولطفه والتذكير
بنعمه واحسانه والتحذير من الركون الى الدنيا واتخاذها وطنا ومستقرا بل
نسرع فيها السير الى داره وجنته فالله في ما ضمن هذه الآية من معرفته
وتوحيده والتذكير بنعمه والحث على السير اليه والاستعداد للقائه والقدوم
عليه والاعلام بأنه سبحانه يطوي هذه الدار كأن لم تكن وانه يحي أهلها بعد
ما أماتهم واليه النشور
فائدة للانسان قوتان قوة علمية نظرية وقوة عملية ارادية وسعادته
التامة موقوفة على استكمال قوتيه العلمية الارادية واستكمال القوة العلمية
انما يكون بمعرفة
فاطره وبارئه ومعرفة أسمائه وصفاته ومعرفة الطريق التي توصل
اليه ومعرفة آفاتها ومعرفة نفسه ومعرفة عيوبها فبهذه المعارف الخمسة يحصل
كمال قوته العلمية وأعلم الناس أعرفهم بها وأفقههم فيها استكمال القوة
العلمية الارادية لا تحصل الا بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد والقيام بها
اخلاصا وصدقا ونصحا واحسانا ومتابعة وشهودا لمنته عليه وتقصيره هو في أداء
حقه فهو مستحي من مواجهته بتلك الخدمة لعلمه انها دون ما يستحقه عليه ودون
دون ذلك وانه لا سبيل له إلى استكمال هاتين القوتين الا بمعونته فهو مضطر
الى ان يهديه الصراط المستقيم الذي هدى اليه أولياءه وخاصته وان يجنبه
الخروج عن ذلك الصراط اما بفساد في قوته العلمية فيقع في الضلال واما في
قوته العملية فيوجب له الغضب
فكمال الانسان وسعادته لا تتم الا بمجموع هذه الأمور وقد تضمنتها سورة
الفاتحة وأنتظمتها أكمل انتظام فان قوله الحمد لله رب العالمين الرحمن
الرحيم مالك يوم الدين يتضمن الاصل الاول وهو معرفة الرب تعالى ومعرفة
اسمائه وصفاته وأفعاله والأسماء المذكورة في هذه السورة هي أصول الاسماء
الحسنى وهي اسم الله والرب والرحمن فأسم الله متضمن لصفات الألوهية واسم
الرب متضمن الربوبية واسم الرحمن متضمن لصفات الاحسان والجود والبر ومعاني
أسمائه تدور لى هذا وقوله إياك نعبد وإياك نستعين يتضمن معرفة الطريق
الموصلة اليه وانها ليست الا عبادته وحده بما يحبه ويرضاه واستعانته على
عبادته وقوله إهدنا الصراط المستقيم يتضمن بيان ان العبد لا سبيل له الى
سعادته الا باستقامته على الصراط المستقيم وانه لا سبيل له الي الاستقامة
الا بهداية ربه له كما لا سبيل له الى عبادته بمعونته فلا سبيل له الي
الاستقامة علي الصراط الا بهدايته وقوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين
يتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم وان الانحراف الى احد
الطرفين انحراف الي الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد والانحراف الى
الطرف الآخر انحراف الي الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل
فأول السورة رحمة وأوسطها هداية وآخرها نعمة وحظ العبد من
النعمة على قدر حظه من الهداية وحظه منها على قدر حظه من الرحمة فعاد
الأمر كله الى نعمته ورحمته والنعمة والرحمة من لوازم ربوبيته فلا يكون
الا رحيما منعما وذلك من موجبات الهيته فهو الأله الحق وان جحده الجاحدون
وعدل به المشركون فمن تحقق بمعاني الفاتحة علما ومعرفة وعملا وحالا فقد
فاز من كماله بأوفر نصيب وصارت عبوديته عبودية الخاصة الذين ارتفعت درجتهم
عن عوام المتعبدين والله المستعان
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فائدة الرب تعالى يدعو عباده في القرآن الي معرفته من طريقين
احدهما
النظر في مفعولاته والثاني التفكر في آياته وتدبرها فتلك آياته المشهودة
وهذه آياته المسموعة المعقولة فالنوع الأول كقوله ان في خلق السموات
والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس
الي آخرها وقوله إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات
لأولي الألباب وهو كثير في القرآن والثاني كقوله أفلا يتدبرون القرآن
وقوله أفلم يدبروا القول وقوله كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وهو
كثير أيضا
فأما المفعولات فأنها دالة على الأفعال والأفعال دالة على الصفات فان
المفعول يدل علي فاعل فعله وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه
لاستحالة صدور الفعل الاختيارى من معدوم أو موجود لا قدرة له ولا حياة ولا
علم ولا ارادة ثم ما في المفعولات من التخصيصات المتنوعة دال على ارادة
الفاعل وان فعله ليس بالطبع بحيث يكون واحدا غير متكرر وما فيها من
المصالح والحكم والغايات المحمودة دال على حكمته تعالى وما فيها من النفع
والاحسان والخير دال على رحمته وما فيها من البطش والأنتقام والعقوبة دال
على غضبه وما فيها من الاكرام والتقريب والعناية دال على محبته
وما فيها من الاهانة والابعاد والخذلان دال على بغضه ومقته وما فيها من
ابتداء الشيء في غاية النقص والضعف ثم سوقه الى تمامه ونهايته دال على
وقوع المعاد وما فيها من أحوال النبات والحيوان وتصرف المياه دليل على
امكان المعاد وما فيها من ظهور آثار الرحمة والنعمة على خلقه دليل على صحة
النبوات وما فيها من الكمالات التي لو عدمتها كانت ناقصة دليل على أن معطي
تلك الكمالات أحق بها فمفعولاته من أدل شيء على صفاته وصدق ما أخبرت به
رسله عنه فالمصنوعات شاهدة تصدق الآيات المسموعات منبهه علي الاستدلال
بالآيات المصنوعات قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي
يتبين لهم انه الحق أي أن القرآن حق فاخبر انه لا بد من ان يريهم من آياته
المشهودة ما يبين لهم أن آياته المتلوة حق ثم أخبر بكفاية شهادته على صحة
خبره بما أقام من الدلائل والبراهين علي صدق رسوله فآياته شاهدة بصدقة وهو
شاهد بصدق رسوله بآياته وهو الشاهد والمشهود له وهو الدليل والمدلول عليه
فهو الدليل بنفسه على نفسه كما قال بعض العارفين كيف أطلب لدليل على من هو
دليل علي كل شيء فأي دليل طلبته عليه فوجده أظهر منه ولهذا قال الرسل
لقومهم أفي الله شك فهو أعرف من كل معروف وأبين من كل دليل فالأشياء عرفت
به في الحقيقة وان كان عرف بها في النظر والاستدلال بأفعاله واحكامه عليه
فائدة في المسند وصحيح أبي الحاتم من حديث عبد الله بن مسعود قال
قال رسول الله ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال اللهم اني عبدك وابن عبدك ابن
أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به
نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت
به في علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء
حزني وذهاب همي وغمي الا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحا قالوا يا
رسول الله أفلا نتعلمهن قال بلى ينبغي لمن سمعهن ان يتعلمهن فتضمن هذا
الحديث العظيم أمورا من المعرفة والتوحيد والعبودية منها ان الداعي به صدر
سؤاله بقوله اني عبدك ابن عبدك ابن أمتك وهذا يتناول من فوقه من آبائه
وأمهاته الى ابويه آدم وحواء وفي ذلك تملق له واستخذا بين يديه واعتراف
بانه مملوكه وآباؤه مماليكه وان العبد ليس له غير باب سيده وفضله واحسانه
وان سيده ان اهمله وتخلى عنه هلك ولم يؤوه احد ولم يعطف عليه بل يضيع أعظم
ضيعة فتحت هذا الاعتراف اني لا غنى بي عنك طرفة عين وليس لى من أعوذ به
وألوذ به غير سيدي الذي انا عبده وفي ضمن ذلك الاعتراف بأنه مربوب مدبر
مأمور منهى انما يتصرف بحكم العبودية لا بحكم الاختيار لنفسه فليس هذا شأن
العبد بل شأن الملوك والأحرار واما العبيد فتعرفهم على محض العبودية
فهؤلاء عبيد الطاعة المضافون اليه سبحانه في قوله إن عبادي ليس لك عليهم
سلطان وقوله وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا ومن عداهم عبيد
القهر والربوبية فاضافتهم اليه كاضافة سائر البيوت الى ملكه واضافة أولئك
كاضافة البيت الحرام اليه اضافة ناقته اليه وداره التي هي الجنة اليه
واضافة عبودية رسوله اليه بقوله وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا
سبحان الذي أسرى بعبده وإنه لما قام عبد الله يدعوه وفي التحقيق بمعنى
قوله اني عبدك التزام عبوديته من الذل والخضوع والانابة وامتثال امر سيده
واجتناب نهيه ودوام الافتقار اليه واللجأ اليه والاستعانة به والتوكل عليه
وعياذ العبد به ولياذه به وان لم لا يتعلق قلبه بغيره محبة وخوفا ورجاء
وفيه أيضا أني عبد من جميع الوجوه صغيرا وكبيرا حيا وميتا ومطيعا وعاصيا
معافى ومبتلي بالروح والقلب واللسان والجوارح وفي ايضا ان مالي ونفسي ملك
لك فان العبد وما
يملك لسيده وفيه ايضا انك أنت الذي مننت علي بكل مل انا فيه من
نعمة فذلك كله من انعامك على عبدك وفيه ايضا اني لا أتصرف فيما خولتني من
مالي ونفسي الا بأمرك كما لا يتصرف العبد الا باذن سيده واني لا املك
لنفسي ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فان صح له شهود ذلك فقد
قال اني عبدك حقيقة ثم قال ناصيتي بيدك أي انت المتصرف في تصرفي كيف تشاء
لست انا المتصرف في نفسي وكيف يكون له في نفسه تصرف من نفسه بيد ربه وسيده
وناصيته بيده وقلبه بين أصبعين من أصابعه وموته وحياته وسعادته وشقاوته
وعافيته وبلاؤه كله اليه سبحانه ليس الى العبد منه شيء بل هو في قبضة سيده
اضعف من مملوك ضعيف حقير ناصيته بيد سلطان قاهر مالك له تحت تصرفه وقهره
بل الأمر فوق ذلك ومتى شهد العبد ان ناصيته ونواصي العباد كلها بيد الله
وحده يصرفهم كيف يشاء لم يخفهم بعد ذلك ولم يرجهم ولم ينزلهم منزلة
المالكين بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين المتصرف فيهم سواهم والمدبر لهم
غيرهم فمن شهد نفسه بهذا المشهد صار فقره وضرورته الى ربه وصفا لازما له
ومتى شهد الناس كذلك لم يفتقر اليهم ولم يعلق أمله ورجاءه بهم فاستقام
توحيده وتوكله وعبوديته ولذا قال هود لقومه اني توكلت على الله ربي وربكم
ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم وقوله ماض في حكمك
عدل في قضاؤك تضمن هذا الكلام أمرين أحدهما مضاء حكمه في عبده والثاني
يتضمن حمده وعدله وهو سبحانه له الملك وله الحمد وهذا معنى قول نبيه هود
ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ثم قال ان ربي على صراط مستقيم أي مع كونه
مالكا قاهرا متصرفا في عباده نواصيهم بيده فهو على صراط مستقيم وهو العدل
الذي يتصرف به فيهم فهو على صراط مستقيم في قوله وفعله وقضائه وقدره وأمره
ونهيه وثوابه وعقابه فخبره كله صدق وقضاؤه كله عدل وأمره كله مصلحة والذي
نهى عنه كله ومفسدة وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ورحمته وعقابه لمن
يستحق العقاب بعدله وحكمته وفرق بين
الحكم والقضاء وجعل المضاء للحكم والعدل لقضاء فان حكمه سبحانه
يتناول حكمه الدينى الشرعى وحكمه الكونى القدرى والنوعان نافذان في العبد
ان ماضيان فيه وهو مقهور تحت الحكمين قد مضيا فيه ونفذا فيه شاء ام أبي
لكن الحكم الكونى لا يمكنه مخالفته واما الديني الشرعى فقد يخالفه
ولما كان القضاء هو الاتمام والاكمال وذلك انما يكون بعد مضيه ونفوذه قال
عدل في قضاؤك أي الحكم الذي أكملته وأتممته ونفذته في عبدك عدل منك فيه
واما الحكم فهو ما يحكم به سبحانه وقد يشاء تنفيذه وقد لا ينفذه فان كان
حكما دينيا فهو ماض فى العبد وان كان كونيا فان نفذه سبحانه مضي فيه وان
لم ينفذه اندفع عنه فهو سبحانه يقضى ما يقضى به وغيره قد يقضي بقضاء ويقدر
أمر ولا يستطيع تنفيذه وهو سبحانه يقضي ويمضى فله القضاء والامضاء وقوله
عدل فى قضاؤك يتضمن جميع أقضيته فى عبده من كل الوجوه من صحة وسقم وغني
وفقر ولذة وألم وحياة وموت وعقوبة وتجاوز وغير ذلك قال تعالي وما أصابكم
من مصيبة فيما كسبت أيديكم وقال وان تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فان
الانسان كفور فكل ما يقضى علي العبد فهو عدل فيه
فان قيل فالمعصية عندكم بقضائه وقدره فما وجه العدل فى قضائها فان العدل
فى العقوبة عليها ظاهر قيل هذا سؤال له شأن ومن أجله زعمت طائفة ان العدل
هو المقدور والظلم ممتنع لذاته قالوا لان الظلم هو التصرف فى ملك الغير
والله له كل شيء فلا يكون تصرفه فى خلقه الا عدلا وقالت طائفة بل العدل
انه لا يعاقب على ما قضاه وقدره فلما حسن منه العقوبة على الذنب علم انه
ليس بقضائه وقدره فيكون العدل هو جزاؤه علي الذنب بالعقوبة والذم إما فى
الدنيا وإما فى الآخرة وصعب على هؤلاء الجمع بين العدل وبين القدر فزعموا
ان من أثبت القدر لم يمكنه ان يقول بالعدل ومن قال بالعدل لم يمكنه ان
يقول بالقدر كما صعب عليهم الجمع بين التوحيد واثبات الصفات فزعموا انه لا
يمكنهم اثبات التوحيد الا بانكار الصفات فصار توحيدهم تعطيلا
وعدلهم تكذيبا بالقدر وأما أهل السنة فهم مثبتون للأمرين والظلم
عندهم هو وضع الشيء فى غير موضعه كتعذيب المطيع ومن لا ذنب له وهذا قد نزه
الله نفسه عنه فى غير موضع من كتابه وهو سبحانه وان أضل من شاء وقضي
بالمعصية والغى على من شاء فذلك محض العدل فيه لانه وضع الاضلال والخذلان
فى موضعه اللائق به كيف ومن أسمائه الحسني العدل الذي كل أفعاله وأحكامه
سداد وصواب وحق وهو سبحانه قد أوضح السبل وأرسل الرسل وأنزل الكتب وأزاح
العلل ومكن من أسباب الهداية والطاعة بالاسماع والابصار والعقول وهذا عدله
ووفق من شاء بمزيد عناية وأراد من نفسه ان يعينه ويوفقه فهذا فضله وخذل من
ليس بأهل لتوفيقه وفضله وخلي بينه وبين نفسه ولم يرد سبحانه من نفسه أن
يوفقه فقطع عنه فضله ولم يحرمه عدله وهذا نوعان أحدهما ما يكون جزاء منه
للعبد على اعراضه عنه وايثار عدوه فى الطاعة والموافقة عليه وتناسى ذكره
وشكره فهو أهل ان يخذله ويتخلى عنه والثاني ان لا يشاء له ذلك ابتداء لما
يعلم منه انه لا يعرف قدر نعمة الهداية ولا يشكره عليه ولا يثنى عليه بها
ولا يحبه فلا يشاؤها له لعدم صلاحية محله قال تعالى وكذلك فتنا بعضهم ببعض
ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين وقال
ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم فاذا قضى على هذه النفوس بالضلال والمعصية
كان ذلك محض العدل كما اذا قضى على الحية بان تقتل وعلى العقرب وعلى الكلب
العقور كان ذلك عدلا فيه وان كان مخلوقا على هذه الصفة وقد استوفينا
الكلام فى هذا فى كتابنا الكبير فى القضاء والقدر
والمقصود أن قوله ماض فى حكمك عدل فى قضاؤك رد على الطائفتين القدرية
الذين ينكرون عموم أقضية الله فى عبده ويخرجون أفعال العباد عن كونها
بقضائه وقدره ويردون القضاء الى الأمر والنهى وعلى الجبرية الذين يقولون
كل مقدور عدل فلا يبقى لقوله عدل فى قضاؤك فائدة فان العدل عندهم كل ما
يمكن
فعله والظلم هو المحال لذاته فكأنه قال ماض ونافذ فى قضاؤك وهذا
هو الأول بعينه وقوله أسألك بكل اسم الي آخره توسل اليه بأسمائه كلها ما
علم العبد منها وما لم يعلم وهذه أحب الوسائل اليه فانها وسيلة بصفاته
وأفعاله التي هى مدلول اسمائه وقوله ان تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى
الربيع المطر الذي يحيى الأرض شبه القرآن به لحياة القلوب به وكذلك شبهه
الله بالمطر وجمع بين الماء الذى تحصل به الحياة والنور الذى تحصل به
الاضاءة والاشراق كما جمع بينهما سبحانه فى قوله أنزل من السماء ماء فسالت
أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه فى النار ابتغاء
حلية وفى قوله مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله
بنورهم ثم قال أو كصيب من السماء وفي قوله الله نور السموات والارض مثل
نوره الآيات ثم قال ألم تر أن الله يزجي السحاب ثم يؤلف بينه الآية فتضمن
الدعاء أن يحيي قلبه بربيع القرآن وان ينور به صدره فتجتمع له الحياة
والنور قال تعالى أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في
الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها
ولما كان الصدر أوسع من القلب كان النور الحاصل له يسري منه الى القلب
لأنه قد حصل لما هو أوسع منه ولما كانت حياة البدن والجوارح كلها بحياة
القلب تسري الحياة منه الي الصدر ثم الى الجوارح سأل الحياة له بالربيع
الذي هو مادتها ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته سأل
أن يكون ذهابها بالقرآن فانها أحرى أن لا تعود وأما اذا ذهبت بغير القرآن
من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد فانها تعود بذهاب ذلك والمكروه
الوارد على القلب ان كان من أمر ماض أحدث الحزن زان كان من مستقبل أحدث
الهم وان كان من أمر حاضر أحدث الغم والله أعلم
احدهما
النظر في مفعولاته والثاني التفكر في آياته وتدبرها فتلك آياته المشهودة
وهذه آياته المسموعة المعقولة فالنوع الأول كقوله ان في خلق السموات
والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس
الي آخرها وقوله إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات
لأولي الألباب وهو كثير في القرآن والثاني كقوله أفلا يتدبرون القرآن
وقوله أفلم يدبروا القول وقوله كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وهو
كثير أيضا
فأما المفعولات فأنها دالة على الأفعال والأفعال دالة على الصفات فان
المفعول يدل علي فاعل فعله وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه
لاستحالة صدور الفعل الاختيارى من معدوم أو موجود لا قدرة له ولا حياة ولا
علم ولا ارادة ثم ما في المفعولات من التخصيصات المتنوعة دال على ارادة
الفاعل وان فعله ليس بالطبع بحيث يكون واحدا غير متكرر وما فيها من
المصالح والحكم والغايات المحمودة دال على حكمته تعالى وما فيها من النفع
والاحسان والخير دال على رحمته وما فيها من البطش والأنتقام والعقوبة دال
على غضبه وما فيها من الاكرام والتقريب والعناية دال على محبته
وما فيها من الاهانة والابعاد والخذلان دال على بغضه ومقته وما فيها من
ابتداء الشيء في غاية النقص والضعف ثم سوقه الى تمامه ونهايته دال على
وقوع المعاد وما فيها من أحوال النبات والحيوان وتصرف المياه دليل على
امكان المعاد وما فيها من ظهور آثار الرحمة والنعمة على خلقه دليل على صحة
النبوات وما فيها من الكمالات التي لو عدمتها كانت ناقصة دليل على أن معطي
تلك الكمالات أحق بها فمفعولاته من أدل شيء على صفاته وصدق ما أخبرت به
رسله عنه فالمصنوعات شاهدة تصدق الآيات المسموعات منبهه علي الاستدلال
بالآيات المصنوعات قال تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي
يتبين لهم انه الحق أي أن القرآن حق فاخبر انه لا بد من ان يريهم من آياته
المشهودة ما يبين لهم أن آياته المتلوة حق ثم أخبر بكفاية شهادته على صحة
خبره بما أقام من الدلائل والبراهين علي صدق رسوله فآياته شاهدة بصدقة وهو
شاهد بصدق رسوله بآياته وهو الشاهد والمشهود له وهو الدليل والمدلول عليه
فهو الدليل بنفسه على نفسه كما قال بعض العارفين كيف أطلب لدليل على من هو
دليل علي كل شيء فأي دليل طلبته عليه فوجده أظهر منه ولهذا قال الرسل
لقومهم أفي الله شك فهو أعرف من كل معروف وأبين من كل دليل فالأشياء عرفت
به في الحقيقة وان كان عرف بها في النظر والاستدلال بأفعاله واحكامه عليه
فائدة في المسند وصحيح أبي الحاتم من حديث عبد الله بن مسعود قال
قال رسول الله ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال اللهم اني عبدك وابن عبدك ابن
أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به
نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت
به في علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء
حزني وذهاب همي وغمي الا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحا قالوا يا
رسول الله أفلا نتعلمهن قال بلى ينبغي لمن سمعهن ان يتعلمهن فتضمن هذا
الحديث العظيم أمورا من المعرفة والتوحيد والعبودية منها ان الداعي به صدر
سؤاله بقوله اني عبدك ابن عبدك ابن أمتك وهذا يتناول من فوقه من آبائه
وأمهاته الى ابويه آدم وحواء وفي ذلك تملق له واستخذا بين يديه واعتراف
بانه مملوكه وآباؤه مماليكه وان العبد ليس له غير باب سيده وفضله واحسانه
وان سيده ان اهمله وتخلى عنه هلك ولم يؤوه احد ولم يعطف عليه بل يضيع أعظم
ضيعة فتحت هذا الاعتراف اني لا غنى بي عنك طرفة عين وليس لى من أعوذ به
وألوذ به غير سيدي الذي انا عبده وفي ضمن ذلك الاعتراف بأنه مربوب مدبر
مأمور منهى انما يتصرف بحكم العبودية لا بحكم الاختيار لنفسه فليس هذا شأن
العبد بل شأن الملوك والأحرار واما العبيد فتعرفهم على محض العبودية
فهؤلاء عبيد الطاعة المضافون اليه سبحانه في قوله إن عبادي ليس لك عليهم
سلطان وقوله وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا ومن عداهم عبيد
القهر والربوبية فاضافتهم اليه كاضافة سائر البيوت الى ملكه واضافة أولئك
كاضافة البيت الحرام اليه اضافة ناقته اليه وداره التي هي الجنة اليه
واضافة عبودية رسوله اليه بقوله وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا
سبحان الذي أسرى بعبده وإنه لما قام عبد الله يدعوه وفي التحقيق بمعنى
قوله اني عبدك التزام عبوديته من الذل والخضوع والانابة وامتثال امر سيده
واجتناب نهيه ودوام الافتقار اليه واللجأ اليه والاستعانة به والتوكل عليه
وعياذ العبد به ولياذه به وان لم لا يتعلق قلبه بغيره محبة وخوفا ورجاء
وفيه أيضا أني عبد من جميع الوجوه صغيرا وكبيرا حيا وميتا ومطيعا وعاصيا
معافى ومبتلي بالروح والقلب واللسان والجوارح وفي ايضا ان مالي ونفسي ملك
لك فان العبد وما
يملك لسيده وفيه ايضا انك أنت الذي مننت علي بكل مل انا فيه من
نعمة فذلك كله من انعامك على عبدك وفيه ايضا اني لا أتصرف فيما خولتني من
مالي ونفسي الا بأمرك كما لا يتصرف العبد الا باذن سيده واني لا املك
لنفسي ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فان صح له شهود ذلك فقد
قال اني عبدك حقيقة ثم قال ناصيتي بيدك أي انت المتصرف في تصرفي كيف تشاء
لست انا المتصرف في نفسي وكيف يكون له في نفسه تصرف من نفسه بيد ربه وسيده
وناصيته بيده وقلبه بين أصبعين من أصابعه وموته وحياته وسعادته وشقاوته
وعافيته وبلاؤه كله اليه سبحانه ليس الى العبد منه شيء بل هو في قبضة سيده
اضعف من مملوك ضعيف حقير ناصيته بيد سلطان قاهر مالك له تحت تصرفه وقهره
بل الأمر فوق ذلك ومتى شهد العبد ان ناصيته ونواصي العباد كلها بيد الله
وحده يصرفهم كيف يشاء لم يخفهم بعد ذلك ولم يرجهم ولم ينزلهم منزلة
المالكين بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين المتصرف فيهم سواهم والمدبر لهم
غيرهم فمن شهد نفسه بهذا المشهد صار فقره وضرورته الى ربه وصفا لازما له
ومتى شهد الناس كذلك لم يفتقر اليهم ولم يعلق أمله ورجاءه بهم فاستقام
توحيده وتوكله وعبوديته ولذا قال هود لقومه اني توكلت على الله ربي وربكم
ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم وقوله ماض في حكمك
عدل في قضاؤك تضمن هذا الكلام أمرين أحدهما مضاء حكمه في عبده والثاني
يتضمن حمده وعدله وهو سبحانه له الملك وله الحمد وهذا معنى قول نبيه هود
ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ثم قال ان ربي على صراط مستقيم أي مع كونه
مالكا قاهرا متصرفا في عباده نواصيهم بيده فهو على صراط مستقيم وهو العدل
الذي يتصرف به فيهم فهو على صراط مستقيم في قوله وفعله وقضائه وقدره وأمره
ونهيه وثوابه وعقابه فخبره كله صدق وقضاؤه كله عدل وأمره كله مصلحة والذي
نهى عنه كله ومفسدة وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ورحمته وعقابه لمن
يستحق العقاب بعدله وحكمته وفرق بين
الحكم والقضاء وجعل المضاء للحكم والعدل لقضاء فان حكمه سبحانه
يتناول حكمه الدينى الشرعى وحكمه الكونى القدرى والنوعان نافذان في العبد
ان ماضيان فيه وهو مقهور تحت الحكمين قد مضيا فيه ونفذا فيه شاء ام أبي
لكن الحكم الكونى لا يمكنه مخالفته واما الديني الشرعى فقد يخالفه
ولما كان القضاء هو الاتمام والاكمال وذلك انما يكون بعد مضيه ونفوذه قال
عدل في قضاؤك أي الحكم الذي أكملته وأتممته ونفذته في عبدك عدل منك فيه
واما الحكم فهو ما يحكم به سبحانه وقد يشاء تنفيذه وقد لا ينفذه فان كان
حكما دينيا فهو ماض فى العبد وان كان كونيا فان نفذه سبحانه مضي فيه وان
لم ينفذه اندفع عنه فهو سبحانه يقضى ما يقضى به وغيره قد يقضي بقضاء ويقدر
أمر ولا يستطيع تنفيذه وهو سبحانه يقضي ويمضى فله القضاء والامضاء وقوله
عدل فى قضاؤك يتضمن جميع أقضيته فى عبده من كل الوجوه من صحة وسقم وغني
وفقر ولذة وألم وحياة وموت وعقوبة وتجاوز وغير ذلك قال تعالي وما أصابكم
من مصيبة فيما كسبت أيديكم وقال وان تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فان
الانسان كفور فكل ما يقضى علي العبد فهو عدل فيه
فان قيل فالمعصية عندكم بقضائه وقدره فما وجه العدل فى قضائها فان العدل
فى العقوبة عليها ظاهر قيل هذا سؤال له شأن ومن أجله زعمت طائفة ان العدل
هو المقدور والظلم ممتنع لذاته قالوا لان الظلم هو التصرف فى ملك الغير
والله له كل شيء فلا يكون تصرفه فى خلقه الا عدلا وقالت طائفة بل العدل
انه لا يعاقب على ما قضاه وقدره فلما حسن منه العقوبة على الذنب علم انه
ليس بقضائه وقدره فيكون العدل هو جزاؤه علي الذنب بالعقوبة والذم إما فى
الدنيا وإما فى الآخرة وصعب على هؤلاء الجمع بين العدل وبين القدر فزعموا
ان من أثبت القدر لم يمكنه ان يقول بالعدل ومن قال بالعدل لم يمكنه ان
يقول بالقدر كما صعب عليهم الجمع بين التوحيد واثبات الصفات فزعموا انه لا
يمكنهم اثبات التوحيد الا بانكار الصفات فصار توحيدهم تعطيلا
وعدلهم تكذيبا بالقدر وأما أهل السنة فهم مثبتون للأمرين والظلم
عندهم هو وضع الشيء فى غير موضعه كتعذيب المطيع ومن لا ذنب له وهذا قد نزه
الله نفسه عنه فى غير موضع من كتابه وهو سبحانه وان أضل من شاء وقضي
بالمعصية والغى على من شاء فذلك محض العدل فيه لانه وضع الاضلال والخذلان
فى موضعه اللائق به كيف ومن أسمائه الحسني العدل الذي كل أفعاله وأحكامه
سداد وصواب وحق وهو سبحانه قد أوضح السبل وأرسل الرسل وأنزل الكتب وأزاح
العلل ومكن من أسباب الهداية والطاعة بالاسماع والابصار والعقول وهذا عدله
ووفق من شاء بمزيد عناية وأراد من نفسه ان يعينه ويوفقه فهذا فضله وخذل من
ليس بأهل لتوفيقه وفضله وخلي بينه وبين نفسه ولم يرد سبحانه من نفسه أن
يوفقه فقطع عنه فضله ولم يحرمه عدله وهذا نوعان أحدهما ما يكون جزاء منه
للعبد على اعراضه عنه وايثار عدوه فى الطاعة والموافقة عليه وتناسى ذكره
وشكره فهو أهل ان يخذله ويتخلى عنه والثاني ان لا يشاء له ذلك ابتداء لما
يعلم منه انه لا يعرف قدر نعمة الهداية ولا يشكره عليه ولا يثنى عليه بها
ولا يحبه فلا يشاؤها له لعدم صلاحية محله قال تعالى وكذلك فتنا بعضهم ببعض
ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين وقال
ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم فاذا قضى على هذه النفوس بالضلال والمعصية
كان ذلك محض العدل كما اذا قضى على الحية بان تقتل وعلى العقرب وعلى الكلب
العقور كان ذلك عدلا فيه وان كان مخلوقا على هذه الصفة وقد استوفينا
الكلام فى هذا فى كتابنا الكبير فى القضاء والقدر
والمقصود أن قوله ماض فى حكمك عدل فى قضاؤك رد على الطائفتين القدرية
الذين ينكرون عموم أقضية الله فى عبده ويخرجون أفعال العباد عن كونها
بقضائه وقدره ويردون القضاء الى الأمر والنهى وعلى الجبرية الذين يقولون
كل مقدور عدل فلا يبقى لقوله عدل فى قضاؤك فائدة فان العدل عندهم كل ما
يمكن
فعله والظلم هو المحال لذاته فكأنه قال ماض ونافذ فى قضاؤك وهذا
هو الأول بعينه وقوله أسألك بكل اسم الي آخره توسل اليه بأسمائه كلها ما
علم العبد منها وما لم يعلم وهذه أحب الوسائل اليه فانها وسيلة بصفاته
وأفعاله التي هى مدلول اسمائه وقوله ان تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى
الربيع المطر الذي يحيى الأرض شبه القرآن به لحياة القلوب به وكذلك شبهه
الله بالمطر وجمع بين الماء الذى تحصل به الحياة والنور الذى تحصل به
الاضاءة والاشراق كما جمع بينهما سبحانه فى قوله أنزل من السماء ماء فسالت
أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه فى النار ابتغاء
حلية وفى قوله مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله
بنورهم ثم قال أو كصيب من السماء وفي قوله الله نور السموات والارض مثل
نوره الآيات ثم قال ألم تر أن الله يزجي السحاب ثم يؤلف بينه الآية فتضمن
الدعاء أن يحيي قلبه بربيع القرآن وان ينور به صدره فتجتمع له الحياة
والنور قال تعالى أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في
الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها
ولما كان الصدر أوسع من القلب كان النور الحاصل له يسري منه الى القلب
لأنه قد حصل لما هو أوسع منه ولما كانت حياة البدن والجوارح كلها بحياة
القلب تسري الحياة منه الي الصدر ثم الى الجوارح سأل الحياة له بالربيع
الذي هو مادتها ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته سأل
أن يكون ذهابها بالقرآن فانها أحرى أن لا تعود وأما اذا ذهبت بغير القرآن
من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد فانها تعود بذهاب ذلك والمكروه
الوارد على القلب ان كان من أمر ماض أحدث الحزن زان كان من مستقبل أحدث
الهم وان كان من أمر حاضر أحدث الغم والله أعلم
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى