صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل مبنى الدين على قاعدتين الذكر والشكر قال تعالى
فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون وقال النبي لمعاذ والله اني لأحبك
فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وليس
المراد بالذكر مجرد الذكر اللسان بل الذكر القلبى واللسانى وذكره يتضمن
ذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه وذلك يستلزم معرفته
والايمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليه بأنواع المدح وذلك لا
يتم الا بتوحيده فذكره الحقيقى يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر نعمه وآلائه
وإحسانه الي خلقه
وأما الشكر فهو القيام بطاعته والتقرب اليه بأنواع محابه ظاهرا وباطنا
وهذان الأمران هما جماع الدين فذكره مستلزم لمعرفته وشكره متضمن لطاعته
وهذان هما الغاية التي خلق لأجلها الجن والانس والسموات والارض ووضع
لاجلها الثواب والعقاب وأنزل الكتب وارسل الرسل وهى الحق الذي به خلقت
السماوات والأرض وما بينهما وضدها هو الباطل والعبث الذي يتعالى
ويتقدس عنه وهو ظن أعدائه به قال تعالى وما خلقنا السماوات والأرض وما
بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا وقال وما خلقنا السموات والأرض وما
بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق وقال وما خلقنا السموات والأرض وما
بينهما إلا بالحق وان الساعة لآتية وقال بعد ذكر آياته في أول سورة يونس
ما خلق الله ذلك إلا بالحق وقال أيحسب الإنسان إن يترك سدى وقال أفحسبتم
أنما خلقناكم عبثا وإنكم إلينا لا ترجعون وقال وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن
لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وقال جعل
الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك
لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم
فثبت بما ذكر أن غاية الخلق والأمر أن يذكر وأن يشكر يذكر فلا ينسى ويشكر
فلا يكفر وهو سبحانه ذاكر لمن ذكره شاكر لمن شكره فذكره سبب لذكره وشكره
سبب لزيادته من فضله فالذكر للقلب واللسان والشكر للقلب محبة وإنابة
وللسان ثناد وحمد وللجوارح طاعة وخدمة
فصل تكرر في القرآن جعل الأعمال القائمة بالقلب والجوارح سبب
الهداية
والإضلال فيقوم بالقلب والجوارح أعمال تقتضي الهدى اقتضاء السبب لمسببه
والمؤثر لأثره وكذلك الضلال فأعمال البر تثمر الهدى وكلما ازداد منها
ازداد هدى وأعمال الفجور بالضد وذلك أن الله سبحانه يحب أعمال البر فيجازى
عليها بالهدى والفلاح ويبغض أعمال الفجور ويجازي عليها بالضلال والشقاء
وأيضا فانه البر ويحب أهل البر فيقرب قلوبهم منه بحسب ما قاموا به من البر
ويبغض الفجور وأهله فيبعد قلوبهم منه بحسب ما اتصفوا به من
الفجور فمن الأصل الأول قوله تعالى الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
وهذا يتضمن أمرين أحدهما انه يهدي به من اتقى ما خطه قبل نزول الكتاب فان
الناس على اختلاف مللهم ونحلهم قد استقر عندهم أن الله سبحانه يكره الظلم
والفواحش والفساد في الأرض ويمقت فاعل ذلك ويحب العدل والإحسان والجود
والصدق والإصلاح في الأرض ويحب فاعل ذلك فلما نزل الكتاب أثاب سبحانه أهل
البر بأن وفقهم للإيمان به جزاء لهم على برهم وطاعتهم وخذل أهل الفجور
والفحش والظلم بأن حال بينهم وبين الاهتداء به والأمر الثاني أن العبد إذا
آمن بالكتاب واهتدى به مجملا وقبل أوامره وصدق بأخباره كان ذلك سببا
لهداية أخرى تحصل له على التفصيل فان الهداية لا نهاية لها ولو بلغ العبد
فيها ما بلغ ففوق هدايته هداية أخرى وفوق تلك الهداية هداية أخرى إلى غير
غاية فكلما اتقى العبد ربه ارتقى إلى هداية أخرى فهو في مزيد هداية ما دام
في مزيد من التقوى وكلما فوت خطا من التقوى فاته حظ من الهداية بحسبه
فكلما اتقى زاد هداه وكلما اهتدى زادت تقواه قال تعالى قد جاءكم من الله
نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من
الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم وقال تعالى الله يجتبي
إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وقال سيذكر من يخشى وقال وما يتذكر إلا
من ينيب وقال إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم فهداهم
أولا للإيمان فلما آمنوا هداهم للإيمان هداية بعد هداية ونظير هذا قوله
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى وقوله تعالى يا أيها الذين أمنوا إن تتقوا
الله يجعل لكم فرقانا ومن الفرقان ما يعطيهم من لنور الذي يفرقون به بين
الحق والباطل والنصر والعز الذي يتمكنون به من إقامة الحق وكسر الباطل فسر
الفرقان بهذا وبهذا وقال تعالى إن في ذلك لآية لكل عبد منيب وقال
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور في سورة لقمان وسورة إبراهيم
وسبأ والشورى فأخبر عن آياته المشهودة العيانية أنها إنما ينتفع بها أهل
الصبر والشكر كما أخبر عن آياته الإيمانية القرآنية أنها إنما ينتفع بها
أهل التقوى والخشية والإنابة ومن كان قصده اتباع رضوانه وأنها يتذكر بها
من يخشاه سبحانه كما قال طه أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى
وقال في لساعة إنما أنت منذر من يخشاها وأما من لا يؤمن بها ولا يرجوها
ولا يخشاها فلا تنفعه الآيات العيانية ولا القرآنية ولهذا لما ذكر سبحانه
في سورة هود عقوبات الأمم المكذبين للرسل وما حل بهم في الدنيا من الخزي
قال بعد ذلك إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة فأخبر أن عقوباته
للمكذبين عبرة لمن خاف عذاب الآخرة وأما من لا يؤمن بها ولا يخاف عذابها
فلا يكون ذلك عبرة وآية في حقه اذا سمع ذلك قال لم يزل في الدهر الخير
والشر والنعيم والبؤس والسعادة والشقاوة وربما أحال ذلك على أسباب فلكية
وقوى نفسانية وإنما كان الصبر والشكر سببا لانتفاع صاحبهما بالآيات ينبني
على الصبر والشكر فنصفه صبر ونصفه شكر فعلى حسب صبر العبد وشكره تكون قوة
إيمانه وآيات الله إنما ينتفع بها من آمن بالله ولا يتم له الإيمان إلا
بالصبر والشكر فإن رأس الشكر التوحيد ورأس الصبر ترك إجابة داعي الهوى
فإذا كان مشركا متبعا هواه لم يكن صابرا ولا شكورا فلا تكون الآيات نافعة
له ولا مؤثرة فيه إيمانا
فصل وأما الأصل الثاني وهو اقتضاء الفجور والكبر والكذب للضلال
فكثير
أيضا في القرآن كقوله تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا
الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر
الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون وقال تعالى يثبت الله
الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله
الظالمين ويفعل الله ما يشاء وقال تعالى فما لكم في المنافقين فئتين والله
أركسهم بما كسبوا وقال تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم
فقليلا ما يؤمنون وقال تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول
مرة فأخبر أنه عاقبهم على تخلفهم عن الإيمان لما جاءهم وعرفوه وأعرضوا عنه
بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم وحال بينهم وبين الإيمان كما قال تعالى يا أيها
الذين آمنوا أستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلم أن الله
يحول بين المرء وقلبه فأمرهم بالأستجابة له ولرسوله حين يدعوهم الى ما فيه
حياتهم ثم حذرهم من التخلف والتأخر عن الأستجابة الذي يكون سببا لأن يحول
بينهم وبين قلوبهم قال تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي
القوم الفاسقين وقال تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فأخبر
سبحانه أن كسبهم غطى على قلوبهم وحال بينها وبين الايمان بآياته فقالوا
أساطير الأولين وقال تعالى في المنافقين نسوا الله فنسيهم فجازاهم على
نسيانهم له أن نسيهم فلم يذكرهم بالهدى والرحمة وأخبر أنه أنساهم أنفسهم
فلم يطلبوا كمالها بالعلم النافع والعمل الصالح وهما الهدى ودين الحق
فأنساهم طلب ذلك ومحبته ومعرفته والحرص عليه عقوبة لنسيانهم له وقال تعالى
في حقهم أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم والذين اهتدوا
زادهم هدى وآتاهم تقواهم فجمع لهم بين اتباع الهوى والضلال الذي هو ثمرته
وموجبه كما جمع للمهتدين بين التقوى والهدى
فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون وقال النبي لمعاذ والله اني لأحبك
فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وليس
المراد بالذكر مجرد الذكر اللسان بل الذكر القلبى واللسانى وذكره يتضمن
ذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه وذلك يستلزم معرفته
والايمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليه بأنواع المدح وذلك لا
يتم الا بتوحيده فذكره الحقيقى يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر نعمه وآلائه
وإحسانه الي خلقه
وأما الشكر فهو القيام بطاعته والتقرب اليه بأنواع محابه ظاهرا وباطنا
وهذان الأمران هما جماع الدين فذكره مستلزم لمعرفته وشكره متضمن لطاعته
وهذان هما الغاية التي خلق لأجلها الجن والانس والسموات والارض ووضع
لاجلها الثواب والعقاب وأنزل الكتب وارسل الرسل وهى الحق الذي به خلقت
السماوات والأرض وما بينهما وضدها هو الباطل والعبث الذي يتعالى
ويتقدس عنه وهو ظن أعدائه به قال تعالى وما خلقنا السماوات والأرض وما
بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا وقال وما خلقنا السموات والأرض وما
بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق وقال وما خلقنا السموات والأرض وما
بينهما إلا بالحق وان الساعة لآتية وقال بعد ذكر آياته في أول سورة يونس
ما خلق الله ذلك إلا بالحق وقال أيحسب الإنسان إن يترك سدى وقال أفحسبتم
أنما خلقناكم عبثا وإنكم إلينا لا ترجعون وقال وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن
لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وقال جعل
الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك
لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم
فثبت بما ذكر أن غاية الخلق والأمر أن يذكر وأن يشكر يذكر فلا ينسى ويشكر
فلا يكفر وهو سبحانه ذاكر لمن ذكره شاكر لمن شكره فذكره سبب لذكره وشكره
سبب لزيادته من فضله فالذكر للقلب واللسان والشكر للقلب محبة وإنابة
وللسان ثناد وحمد وللجوارح طاعة وخدمة
فصل تكرر في القرآن جعل الأعمال القائمة بالقلب والجوارح سبب
الهداية
والإضلال فيقوم بالقلب والجوارح أعمال تقتضي الهدى اقتضاء السبب لمسببه
والمؤثر لأثره وكذلك الضلال فأعمال البر تثمر الهدى وكلما ازداد منها
ازداد هدى وأعمال الفجور بالضد وذلك أن الله سبحانه يحب أعمال البر فيجازى
عليها بالهدى والفلاح ويبغض أعمال الفجور ويجازي عليها بالضلال والشقاء
وأيضا فانه البر ويحب أهل البر فيقرب قلوبهم منه بحسب ما قاموا به من البر
ويبغض الفجور وأهله فيبعد قلوبهم منه بحسب ما اتصفوا به من
الفجور فمن الأصل الأول قوله تعالى الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
وهذا يتضمن أمرين أحدهما انه يهدي به من اتقى ما خطه قبل نزول الكتاب فان
الناس على اختلاف مللهم ونحلهم قد استقر عندهم أن الله سبحانه يكره الظلم
والفواحش والفساد في الأرض ويمقت فاعل ذلك ويحب العدل والإحسان والجود
والصدق والإصلاح في الأرض ويحب فاعل ذلك فلما نزل الكتاب أثاب سبحانه أهل
البر بأن وفقهم للإيمان به جزاء لهم على برهم وطاعتهم وخذل أهل الفجور
والفحش والظلم بأن حال بينهم وبين الاهتداء به والأمر الثاني أن العبد إذا
آمن بالكتاب واهتدى به مجملا وقبل أوامره وصدق بأخباره كان ذلك سببا
لهداية أخرى تحصل له على التفصيل فان الهداية لا نهاية لها ولو بلغ العبد
فيها ما بلغ ففوق هدايته هداية أخرى وفوق تلك الهداية هداية أخرى إلى غير
غاية فكلما اتقى العبد ربه ارتقى إلى هداية أخرى فهو في مزيد هداية ما دام
في مزيد من التقوى وكلما فوت خطا من التقوى فاته حظ من الهداية بحسبه
فكلما اتقى زاد هداه وكلما اهتدى زادت تقواه قال تعالى قد جاءكم من الله
نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من
الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم وقال تعالى الله يجتبي
إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وقال سيذكر من يخشى وقال وما يتذكر إلا
من ينيب وقال إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم فهداهم
أولا للإيمان فلما آمنوا هداهم للإيمان هداية بعد هداية ونظير هذا قوله
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى وقوله تعالى يا أيها الذين أمنوا إن تتقوا
الله يجعل لكم فرقانا ومن الفرقان ما يعطيهم من لنور الذي يفرقون به بين
الحق والباطل والنصر والعز الذي يتمكنون به من إقامة الحق وكسر الباطل فسر
الفرقان بهذا وبهذا وقال تعالى إن في ذلك لآية لكل عبد منيب وقال
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور في سورة لقمان وسورة إبراهيم
وسبأ والشورى فأخبر عن آياته المشهودة العيانية أنها إنما ينتفع بها أهل
الصبر والشكر كما أخبر عن آياته الإيمانية القرآنية أنها إنما ينتفع بها
أهل التقوى والخشية والإنابة ومن كان قصده اتباع رضوانه وأنها يتذكر بها
من يخشاه سبحانه كما قال طه أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى
وقال في لساعة إنما أنت منذر من يخشاها وأما من لا يؤمن بها ولا يرجوها
ولا يخشاها فلا تنفعه الآيات العيانية ولا القرآنية ولهذا لما ذكر سبحانه
في سورة هود عقوبات الأمم المكذبين للرسل وما حل بهم في الدنيا من الخزي
قال بعد ذلك إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة فأخبر أن عقوباته
للمكذبين عبرة لمن خاف عذاب الآخرة وأما من لا يؤمن بها ولا يخاف عذابها
فلا يكون ذلك عبرة وآية في حقه اذا سمع ذلك قال لم يزل في الدهر الخير
والشر والنعيم والبؤس والسعادة والشقاوة وربما أحال ذلك على أسباب فلكية
وقوى نفسانية وإنما كان الصبر والشكر سببا لانتفاع صاحبهما بالآيات ينبني
على الصبر والشكر فنصفه صبر ونصفه شكر فعلى حسب صبر العبد وشكره تكون قوة
إيمانه وآيات الله إنما ينتفع بها من آمن بالله ولا يتم له الإيمان إلا
بالصبر والشكر فإن رأس الشكر التوحيد ورأس الصبر ترك إجابة داعي الهوى
فإذا كان مشركا متبعا هواه لم يكن صابرا ولا شكورا فلا تكون الآيات نافعة
له ولا مؤثرة فيه إيمانا
فصل وأما الأصل الثاني وهو اقتضاء الفجور والكبر والكذب للضلال
فكثير
أيضا في القرآن كقوله تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا
الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر
الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون وقال تعالى يثبت الله
الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله
الظالمين ويفعل الله ما يشاء وقال تعالى فما لكم في المنافقين فئتين والله
أركسهم بما كسبوا وقال تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم
فقليلا ما يؤمنون وقال تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول
مرة فأخبر أنه عاقبهم على تخلفهم عن الإيمان لما جاءهم وعرفوه وأعرضوا عنه
بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم وحال بينهم وبين الإيمان كما قال تعالى يا أيها
الذين آمنوا أستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلم أن الله
يحول بين المرء وقلبه فأمرهم بالأستجابة له ولرسوله حين يدعوهم الى ما فيه
حياتهم ثم حذرهم من التخلف والتأخر عن الأستجابة الذي يكون سببا لأن يحول
بينهم وبين قلوبهم قال تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي
القوم الفاسقين وقال تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فأخبر
سبحانه أن كسبهم غطى على قلوبهم وحال بينها وبين الايمان بآياته فقالوا
أساطير الأولين وقال تعالى في المنافقين نسوا الله فنسيهم فجازاهم على
نسيانهم له أن نسيهم فلم يذكرهم بالهدى والرحمة وأخبر أنه أنساهم أنفسهم
فلم يطلبوا كمالها بالعلم النافع والعمل الصالح وهما الهدى ودين الحق
فأنساهم طلب ذلك ومحبته ومعرفته والحرص عليه عقوبة لنسيانهم له وقال تعالى
في حقهم أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم والذين اهتدوا
زادهم هدى وآتاهم تقواهم فجمع لهم بين اتباع الهوى والضلال الذي هو ثمرته
وموجبه كما جمع للمهتدين بين التقوى والهدى
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل وكما يقره سبحانه بين الهدى والتقى والضلال والغي فكذلك
يقرن بين
الهدى والرحمة والضلال والشقاء فمن الأول قوله أولئك على هدى من ربهم
وأولئك هم المفلحون وقال أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم
المهتدون وقال عن المؤمنين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد ذ هديتنا وهب لنا من
لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وقال أهل الكهف ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا
من أمرنا رشدا وقال لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا
يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون
وقال ما أنزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي أختلفوا فيه وهدي ورحمة
لقوم يؤمنون وقال أنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى
للمسلمين وقال يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور
وهدى ورحمة للمؤمنين ثم أعاد سبحانه ذكرهما فقال قل بفضل الله وبرحمته
فبذلك فليفرحوا
وقد تنوعت عبارات السلف في تفسير الفضل والرحمة والصحيح أنهما الهدى
والنعمة ففضله هداه ورحمته نعمته ولذلك يقرن بين الهدى والنعمة كقوله في
سورة الفاتحة اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ومن ذلك قوله
لنبيه يذكره بنعمه عليه ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا
فأغنى فجمع له بين هدايته له وإنعامه عليه بإيوائه وإغنائه ومن ذلك قول
نوح يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده وقول شعيب
أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وقال عن الخضر فوجدا
عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما وقال لرسوله
إنا فتحنا لك فتحا مبينا لغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم
نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك
الله نصرا عزيزا وقال وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما
لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما وقال ولولا فضل الله عليكم ورحمته
ما زكى منكم أحد أبدا ففضله هدايته ورحمته وإنعامه وإحسانه إليهم وبره بهم
وقال فأما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى والهدى منعه من
الضلال والرحمة منعه من الشقاء وهذا هو الذي ذكره في أول السورة في قوله
طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى فجمع له بين إنزال القرآن عليه ونفى
الشقاء عنه كما قال في آخرها في حق اتباعه فلا يضل ولا يشقى فالهدى والفضل
والنعمة ولرحمة متلازمات لا ينفك بعضها عن بعض كما أن الضلال والشقاء
متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر قال تعالى إن المجرمين في ضلال وسعر
والسعر جمع سعير وهو العذاب الذي هو غاية الشقاء وقال تعالى ولقد ذرأنا
لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون
بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون
وقال تعالى عنهم وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير
ومن هذا انه سبحانه يجمع بين الهدى وانشراح الصدر والحياة الطيبة وبين
الضلال وضيق الصدر والمعيشة والضنك قال تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح
صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل له صدره ضيقا حرجا وقال أفمن شرح الله
صدره للإسلام فهو على نور من ربه وكذلك يجمع بين الهدى والإنابة وبين
الضلال وقسوة القلب قال تعالى الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب
وقال تعالى فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين
فصل والهدى والرحمة وتوابعها من الفضل والإنعام كله من صفة
العطاء
والإضلال
والعذاب وتوابعها من صفة المنع وهو سبحانه يصرف خلقه بين عطائه
ومنعه وذلك كله صادر عن حكمة بالغة وملك تام وحمد تام فلا إله إلا الله
فصل إذا رأيت النفوس المبطله الفارغة من الإرادة والطلب لهذا
الشان قد
تشبثت بها هذا العالم السفلي وقد تشبثت به فكلها إليه فأنه اللائق بها
لفساد تركيبها ولا تنقش عليها ذلك فانه سريع الانحلال عنها ويبقى تشبثها
به مع انقطاعه عنها عذابا عليها بحسب ذلك التعلق فتبقى شهوتها وإرادتها
فيها وقد حيل بينها وبين ما تشتهي على وجه يئست معه من حصول شهوتها ولذتها
فلو تصور العاقل ما في ذلك من الألم والحسرة لبادر إلى قطع هذا التعلق كما
يبادر إلى حسم مواد الفساد ومع هذا فانه ينال نصيبه من ذلك وقلبه وهمه
متعلق بالمطلب الأعلى والله المستعان
فصل إياك والكذب فانه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه
ويفسد
عليك تصورها وتعليمها للناس فان الكاذب يصور المعدوم موجودا والموجود
معدوما والحق باطلا والباطل حقا والخير شرا والشر خيرا فيفسد عليه تصوره
وعلمه عقوبة له ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد
عليه تصوره وعلمه ونفس الكاذب معرضه عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم
مؤثرة للباطل وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التي هي مبدأ كل فعل إرادي
فسدت عليه تلك الأفعال وسرى حكم الكذب إليها فصار صدورها عنه كصدور الكذب
عن اللسان فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما
قال النبي إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وأول ما
يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح
فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله فيعم الكذب
أقواله وأعماله وأحواله فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة إن
لم تدركه الله بدواء الصدق يقلع تلك من أصلها ولهذا كان أصل أعمال القلوب
كلها الصدق وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر
والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب فكل عمل صالح
ظاهر أو باطن فمنشؤة الصدق وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤة الكذب والله
تعالى يعاقب الكذاب بأن ويقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه ويثيب الصادق بأن
يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل
الصدق ولا مفاسدها ومضارهما بمثل الكذب قال تعالى يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وقال تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم
وقال فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم وقال وجاء المعذرون من
الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم
عذاب أليم
يقرن بين
الهدى والرحمة والضلال والشقاء فمن الأول قوله أولئك على هدى من ربهم
وأولئك هم المفلحون وقال أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم
المهتدون وقال عن المؤمنين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد ذ هديتنا وهب لنا من
لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وقال أهل الكهف ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا
من أمرنا رشدا وقال لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا
يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون
وقال ما أنزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي أختلفوا فيه وهدي ورحمة
لقوم يؤمنون وقال أنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى
للمسلمين وقال يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور
وهدى ورحمة للمؤمنين ثم أعاد سبحانه ذكرهما فقال قل بفضل الله وبرحمته
فبذلك فليفرحوا
وقد تنوعت عبارات السلف في تفسير الفضل والرحمة والصحيح أنهما الهدى
والنعمة ففضله هداه ورحمته نعمته ولذلك يقرن بين الهدى والنعمة كقوله في
سورة الفاتحة اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ومن ذلك قوله
لنبيه يذكره بنعمه عليه ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا
فأغنى فجمع له بين هدايته له وإنعامه عليه بإيوائه وإغنائه ومن ذلك قول
نوح يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده وقول شعيب
أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وقال عن الخضر فوجدا
عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما وقال لرسوله
إنا فتحنا لك فتحا مبينا لغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم
نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك
الله نصرا عزيزا وقال وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما
لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما وقال ولولا فضل الله عليكم ورحمته
ما زكى منكم أحد أبدا ففضله هدايته ورحمته وإنعامه وإحسانه إليهم وبره بهم
وقال فأما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى والهدى منعه من
الضلال والرحمة منعه من الشقاء وهذا هو الذي ذكره في أول السورة في قوله
طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى فجمع له بين إنزال القرآن عليه ونفى
الشقاء عنه كما قال في آخرها في حق اتباعه فلا يضل ولا يشقى فالهدى والفضل
والنعمة ولرحمة متلازمات لا ينفك بعضها عن بعض كما أن الضلال والشقاء
متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر قال تعالى إن المجرمين في ضلال وسعر
والسعر جمع سعير وهو العذاب الذي هو غاية الشقاء وقال تعالى ولقد ذرأنا
لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون
بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون
وقال تعالى عنهم وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير
ومن هذا انه سبحانه يجمع بين الهدى وانشراح الصدر والحياة الطيبة وبين
الضلال وضيق الصدر والمعيشة والضنك قال تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح
صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل له صدره ضيقا حرجا وقال أفمن شرح الله
صدره للإسلام فهو على نور من ربه وكذلك يجمع بين الهدى والإنابة وبين
الضلال وقسوة القلب قال تعالى الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب
وقال تعالى فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين
فصل والهدى والرحمة وتوابعها من الفضل والإنعام كله من صفة
العطاء
والإضلال
والعذاب وتوابعها من صفة المنع وهو سبحانه يصرف خلقه بين عطائه
ومنعه وذلك كله صادر عن حكمة بالغة وملك تام وحمد تام فلا إله إلا الله
فصل إذا رأيت النفوس المبطله الفارغة من الإرادة والطلب لهذا
الشان قد
تشبثت بها هذا العالم السفلي وقد تشبثت به فكلها إليه فأنه اللائق بها
لفساد تركيبها ولا تنقش عليها ذلك فانه سريع الانحلال عنها ويبقى تشبثها
به مع انقطاعه عنها عذابا عليها بحسب ذلك التعلق فتبقى شهوتها وإرادتها
فيها وقد حيل بينها وبين ما تشتهي على وجه يئست معه من حصول شهوتها ولذتها
فلو تصور العاقل ما في ذلك من الألم والحسرة لبادر إلى قطع هذا التعلق كما
يبادر إلى حسم مواد الفساد ومع هذا فانه ينال نصيبه من ذلك وقلبه وهمه
متعلق بالمطلب الأعلى والله المستعان
ويفسد
عليك تصورها وتعليمها للناس فان الكاذب يصور المعدوم موجودا والموجود
معدوما والحق باطلا والباطل حقا والخير شرا والشر خيرا فيفسد عليه تصوره
وعلمه عقوبة له ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد
عليه تصوره وعلمه ونفس الكاذب معرضه عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم
مؤثرة للباطل وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التي هي مبدأ كل فعل إرادي
فسدت عليه تلك الأفعال وسرى حكم الكذب إليها فصار صدورها عنه كصدور الكذب
عن اللسان فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما
قال النبي إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وأول ما
يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح
فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله فيعم الكذب
أقواله وأعماله وأحواله فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة إن
لم تدركه الله بدواء الصدق يقلع تلك من أصلها ولهذا كان أصل أعمال القلوب
كلها الصدق وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر
والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب فكل عمل صالح
ظاهر أو باطن فمنشؤة الصدق وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤة الكذب والله
تعالى يعاقب الكذاب بأن ويقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه ويثيب الصادق بأن
يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل
الصدق ولا مفاسدها ومضارهما بمثل الكذب قال تعالى يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وقال تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم
وقال فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم وقال وجاء المعذرون من
الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم
عذاب أليم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل في قوله تعالى
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله
يعلم وأنتم لا تعلمون
في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد فان العبد إذا علم أن المكروه
قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه لم يأمن أن توافيه المضرة من
جانب المسرة ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب
فان الله يعلم منها مالا يعلمه العبد وأوجب له ذلك أمورا منها أنه لا انفع
له من امتثال الأمر وان شق عليه في الابتداء لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات
ولذات وأفراح وان كرهته نفسه فهو خير لها وأنفع وكذلك لا شيء أضر عليه من
ارتكاب النهى وان هويته نفسه ومالت إليه وإن عواقبه كلها آلام
وأحزان وشرور ومصائب وخاصة العقل تحمل الألم اليسير لما يعقبه من اللذة
العظيمة والخير الكثير واجتناب اللذة اليسيرة لما يعقبه من الألم العظيم
والشر الطويل فنظر الجاهل لا يجاوز المباديء إلى غاياتها والعاقل الكيس
دائما ينظر إلى الغايات من وراء ستور مبادئها فيرى ما وراء تلك الستور من
الغايات المحمودة والمذمومة فيرى المناهي كطعام لذيذ قد خلط فيه سم قاتل
فكلما دعنه لذته إلى تناوله نهاه ما فيه من السم ويرى الأوامر كدواء كريه
المذاق مفض إلى العافية والشفاء وكلما نهاه كراهة مذاقه عن تناوله أمره
نفعه بالتناول ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها
وقوة صبر يوطن به نفسه على تحمل مشقة الطريق لما يؤول اعند الغاية فإذا
فقد اليقين والصبر تعذر عليه ذلك وإذا قوى يقينه وصبره هان عليه كل مشقة
يتحملها في طلب الخير الدائم واللذة الدائمة
ومن أسرار هذه الآية إنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب
الأمور والرضا بما يختاره له ويقضيه له لما يرجو فيه من حسن العاقبة ومنها
أنه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علم فلعل
مضرته وهلاكه فيه وهولا يعلم فلا يختار على ربه شيئا بل يسأله حسن
الاختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك ومنها انه إذا فوض
إلى ربه ورضى بما يختاره له أمده فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة
والصبر وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه وأراه من حسن
عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه ومنها أنه
يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات ويفرغ قلبه من التقديرات
والتدبيرات التي يصعد منه في عقبة وينزل في أخرى ومع هذا فلا خروج له عما
قدر عليه فلو رضى باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه
وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به فيه لأنه مع اختياره لنفسه
ومتى صح تفويضه ورضاه اكتنفه في
المقدور العطف عليه اللطف به فيصير بين عطفه ولطفه فعطفه يقيه
ما يحذره ولطفه يهون عليه ما قدره إذا نفذ القدر في العبد كان من أعظم
أسباب نفوذه تحيله في رده فلا أنفع له من الاستسلام وإلقاء نفسه بين يدي
القدر طريحا كالميتة فان السبع لا يرضى بأكل الجيف
فصل لا ينتفع بنعمة الله بالإيمان والعلم إلا من عرف نفسه ووقف
بها
عند قدرها ولم يتجاوزه إلى ما ليس له ولم يتعد طوره ولم يقل هذا لي وتيقن
أنه لله وبالله ومن الله فهو الإيمان به ابتداء وإدامة لا سبب من العبد
ولا استحقاق منه فتذله نعم الله عليه وتكسره كسرة من لا يرى لنفسه ولا
فيها خيرا البتة وان الخير الذي وصل إليه فهو لله وبه ومنه فتحدث له النعم
ذلا وانكسارا عجيبا لا يعبر عنه فكلما جدد له نعمة ازداد له ذلا وانكسارا
وخشوعا ومحبة وخوفا ورجاء وهذا نتيجة علمين شريفين علمه بربه وكماله وبره
وغناه وجوده وإحسانه ورحمته وأن الخير كله في يديه وهو ملكه يؤتى منه من
يشاء ويمنع منه من يشاء وله الحمد على هذا وهذا أكمل حمد وأتمه وعلمه
بنفسه ووقوفه على حدها وقدرها ونقصها وظلمها وجهلها وأنها لا خير فيها
ألبته ولا لها ولا بها ولا منها وأنها ليس لها من ذاتها إلا العدم فكذلك
من صفاتها وكمالها ليس لها إلا العدم الذي لا شيء أحقر منه ولا أنقص فما
فيها من الخير تابع لوجودها الذي ليس إليها ولا بها فإذا صار هذان العلمان
صيغة لها لا صيغة على لسانها علمت حينئذ إن الحمد كله لله والأمر كله له
والخير كله في يديه وانه هو المستحق للحمد والثناء والمدح دونها وأنها هي
أولى بالذم والعيب واللوم ومن فاته التحقيق بهذين العلمين تلونت به أقواله
وأعماله
وأحواله وتخبطت عليه ولم يهتد إلى الصراط المستقيم الموصل له
إلى الله فإيصال العبد بتحقيق هاتين المعرفتين علما وحالا وانقطاعه
بفواتهما وهذا معنى قولهم من عرف نفسه عرف ربه فانه من عرف نفسه بالجهل
والظلم والعيب والنقائص والحاجة والفقر والذل والمسكنة والعدم عرف ربه بضد
ذلك فوقف بنفسه عند قدرها ولم يتعد بها طورها وأثنى على ربه ببعض ما هو
أهله وانصرفت قوة حبه وخشيته ورجائه وإنابته وتوكله إليه وحده وكان أحب
شيء إليه وأخوف شيء عنده وأرجاه له وهذا هو حقيقة العبودية والله المستعان
ويحكى أن بعض الحكماء كتب على باب بيته أنه لن ينتفع بحكمتنا إلا من عرف
نفسه ووقف بها عند قدرها فمن كان كذلك فليدخل وإلا فليرجع حتى يكون بهذه
الصفة
فصل الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة فإنها
أما
أن توجب ألما وعقوبة وإما أن تقطع لذة أكمل منها وإما أن تضيع وقتا إضاعته
حسرة وندامة وأما أن تثلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه وأما أن تذهب
مالا بقاؤه خير له من ذهابه وإما أن تضع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه
وأما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة وأما أن تطرق لوضيع
إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك وأما أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا
يقارب لذة الشهوة وإما أن تنسى علما ذكره ألذ من نيل الشهوة وأما أن تشمت
عدوا وتحزن وليا وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة وأما أن تحدث عيبا
يبقى صفة لا تزول فان الأعمال تورث الصفات والأخلاق
فصل للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدوانا ومتى قصرت عنه كان نقصا
ومهانة
فللغضب حد وهو الشجاعة المحمودة والأنفة من الرذائل والنقائص
وهذا كماله فإذا جاوز حده تعدى صاحبه وجار وإن نقص عنه جبن ولم يأنف من
الرذائل وللحرص حد وهو الكفاية في أمور الدنيا وحصول البلاغ منها فمتى نقص
من ذلك كان مهانة وإضاعة ومتى زاد عليه كان شرها ورغبة فيما لا تحمد
الرغبة فيه وللحسد حد وهو المنافسة في طلب الكمال والأنفة أن يتقدم عليه
نظيرة فمتى تعدى ذلك صار بغيا وظلما يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود
ويحرص على إيذائه ومتى نقص عن ذلك كان دناءة وضعف همة وصغر نفس قال النبي
لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل
أتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس فهذا حسد منافسة يطالب
الحاسد به نفسه أن يكون مثل المحسود لا حسد مهانة يتمنى به زوال النعمة عن
المحسود وللشهوة حد وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل
والاستعانة بقضائها على ذلك فمتى زادت على ذلك صارت نهمة وشبقا والتحق
صاحبها بدرجة الحيوانات ومتى نقصت عنه ولم يكن فراغا في طلب الكمال والفضل
كانت ضعفا وعجزا ومهانة وللراحة حد وهو اجمام النفس والقوى المدركة
والفعالة للاستعداد للطاعة واكتساب الفضائل وتوفرها على ذلك بحيث لا
يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها فمتى زاد على ذلك صار توانيا وكسلا وإضاعة
وفات به اكثر مصالح العبد ومتى نقص عنه صار مضرا بالقوى موهنا لها وربما
انقطع به كالمنبت الذي لا أرضا قطع ولا ظهر أبقى والجود له حد بين طرفين
فمتى جاوز حده صار إسرافا وتبذيرا أو متى نقص عنه كان بخلا وتقتيرا
وللشجاعة حد متي جاوزته صارت تهورا ومتي نقصت عنه صارت جبنا وخورا وحدها
الأقدام في مواضع الأقدام والأحجام في مواضع الأحجام كما قال معاوية لعمرو
بن العاص أعياني أن أعرف أشجاعا أنت أم جبانا تقدم حتى أقول من أشجع الناس
وتجبن حتى أقول من أجبن الناس فقال
شجاع إذا ما امكنتني فرصة ... فان لم تكن لي فرصة فجبان
والغيرة لها حد إذا جاوزته صارت تهمة وظنا سيئا بالبريء وإن قصرت عنه كانت
تغافلا ومبادىء دياثة وللتوضع حد إذا جاوزه كان ذلا ومهانة ومن قصر عنه
انحرف إلى الكبر والفخر وللعز حد إذا جاوزه كان كبرا وخلقا مذموما وإن قصر
عنه انحرف إلى الذل و المهانة
وضابط هذا كله العدل وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط
وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة بل لا تقوم مصلحة البدن إلا به فانه متى
خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك
وكذلك الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة
والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك إذا كانت وسطا بين الطرفين المذمومين
كانت عدلا وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصا وأثمرت نقصا فمن أشرف العلوم
وانفعها علم الحدود ولا سيما حدود المشروع المأمور والمنهى فأعلم الناس
أعلمهم بتلك الحدود حتى لا يدخل فيها ما ليس منها ولا يخرج منها مه هو
داخل فيها قال تعالى الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما
أنزل الله على رسوله فأعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال
والمشروعات معرفة وفعلا وبالله التوفيق
فصل قال أبو الدرداء رضي الله عنه يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم
كيف
يغبنون به قيام الحمقى وصومهم والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال
عبادة من المغترين وهذا من جواهر الكلام وأدلة على كمال فقه الصحابة
وتقدمهم على من بعدهم في كل خير رضى الله عنهم
فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته ولا ببدنه
والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح قال تعالى ذلك ومن يعظم
شعائر الله
فانها من تقوى القلوب وقال لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن
يناله التقوى منكم وقال النبي التقوى ههنا وأشار إلى صدره فالكيس يقطع من
المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل
أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق فان
العزيمة والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير والتقدم والسبق إلى الله سبحانه
إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب
العمل الكثير بمراحل فإن ساواه في همته تقدم عليه بعمله وهذا موضع يحتاج
إلى تفصيل يوافق فيه الإسلام والإحسان
فاكمل الهدى هدى رسول الله وكان موفيا كل واحد منهما حقه فكان مع كماله
وإرادته وأحواله مع الله يقوم حتى ترم قدماه ويصوم حتى يقال لا يفطر
ويجاهد في سبيل الله ويخالط أصحاب ولا يحتجب عنهم ولا يترك شيئا من
النوافل والاوراد لتلك الواردات التي تعجز عن حملها قوى البشر والله تعالى
أمر عباده إن يقوموا بشرائع الإسلام على ظواهرهم وحقائق الإيمان على
بواطنهم ولا يقبل واحدا منهما إلا بصاحبه وقرينه وفي المسند مرفوعا
الإسلام علانية والإيمان في القلب فكل إسلام ظاهر لا ينفذ صاحبه منه إلى
حقيقة الإيمان الباطنة فليس بنافع حتى يكون معه شيء من الإيمان الباطن وكل
حقيقة باطنة لا يقوم صاحبها بشرائع الإسلام الظاهرة لا تنفع ولو كانت ما
كانت فلو تمزق القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبد بالأمر وظاهر الشرع لم ينجه
ذلك من النار كما أنه لو قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقة الإيمان
لم ينجه من النار
وإذا عرف هذا فالصادقون السائرون إلى الله والدار الآخرة قسمان قسم صرفوا
ما فضل من أوقاتهم بعد الفرائض إلى النوافل البدنية وجعلوها دأبهم من غير
حرص منهم على تحقيق أعمال القلوب ومنازلها وأحكامها وأن لم يكونوا خالين
من أصلها ولكن هممهم مصروفة إلى الاستكثار من الأعمال وقسم صرفوا
ما فضل من الفرائض والسنن إلى الاهتمام بصلاح قلوبهم وعكوفها
على الله وحده والجمعية عليه وحفظ الخواطر والإرادات معه وجعلوه قوة تعبده
بأعمال القلوب من تصحيح المحبة والخوف والخوف والرجاء والتوكل والإنابة
ورأوا أن أيسر نصيب من الواردات التي ترد على قلوبهم من الله أحب إليهم من
كثير من التطوعات البدنية فإذا حصل لأحدهم جمعية ووارد أنس أو حب أو
اشتياق أو انكسار وذل لم يستبدل به شيئا سواه البتة إلا أن يجيء الأمر
فيبادر إليه بذلك الوارد إن أمكنه وإلا بادر إلى الأمر ولو ذهب الوارد
فإذا جاءت النوافل فههنا معترك التردد فإن أمكن القيام إليها به فذاك فذلك
به وإلا نظر في الأرجح والأحب إلى الله هل هو القيام إلى تلك النافلة ولو
ذهب وارده كإغاثة الملهوف وإرشاد ضال وجبر مكسور واستفادة إيمان ونحو ذلك
فههنا ينبغي تقديم النافلة الراجحة ومتى قدمهما لله رغبة فيه وتقربا إليه
فإنه يرد عليه ما فات من وارده أقوى مما كان في وقت آخر وإن كان الوارد
أرجح من النافلة فالحزم له الاستمرار في وارده حتى يتوارى عنه فإنه يفوت
والنافلة لا تفوت وهذا موضع يحتاج إلى فضل فقه في الطريق ومراتب الأعمال
وتقديم الأهم منها فالأهم والله الموفق لذلك لا إله غيره ولا رب سواه
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله
يعلم وأنتم لا تعلمون
في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد فان العبد إذا علم أن المكروه
قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه لم يأمن أن توافيه المضرة من
جانب المسرة ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب
فان الله يعلم منها مالا يعلمه العبد وأوجب له ذلك أمورا منها أنه لا انفع
له من امتثال الأمر وان شق عليه في الابتداء لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات
ولذات وأفراح وان كرهته نفسه فهو خير لها وأنفع وكذلك لا شيء أضر عليه من
ارتكاب النهى وان هويته نفسه ومالت إليه وإن عواقبه كلها آلام
وأحزان وشرور ومصائب وخاصة العقل تحمل الألم اليسير لما يعقبه من اللذة
العظيمة والخير الكثير واجتناب اللذة اليسيرة لما يعقبه من الألم العظيم
والشر الطويل فنظر الجاهل لا يجاوز المباديء إلى غاياتها والعاقل الكيس
دائما ينظر إلى الغايات من وراء ستور مبادئها فيرى ما وراء تلك الستور من
الغايات المحمودة والمذمومة فيرى المناهي كطعام لذيذ قد خلط فيه سم قاتل
فكلما دعنه لذته إلى تناوله نهاه ما فيه من السم ويرى الأوامر كدواء كريه
المذاق مفض إلى العافية والشفاء وكلما نهاه كراهة مذاقه عن تناوله أمره
نفعه بالتناول ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها
وقوة صبر يوطن به نفسه على تحمل مشقة الطريق لما يؤول اعند الغاية فإذا
فقد اليقين والصبر تعذر عليه ذلك وإذا قوى يقينه وصبره هان عليه كل مشقة
يتحملها في طلب الخير الدائم واللذة الدائمة
ومن أسرار هذه الآية إنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب
الأمور والرضا بما يختاره له ويقضيه له لما يرجو فيه من حسن العاقبة ومنها
أنه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علم فلعل
مضرته وهلاكه فيه وهولا يعلم فلا يختار على ربه شيئا بل يسأله حسن
الاختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك ومنها انه إذا فوض
إلى ربه ورضى بما يختاره له أمده فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة
والصبر وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه وأراه من حسن
عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه ومنها أنه
يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات ويفرغ قلبه من التقديرات
والتدبيرات التي يصعد منه في عقبة وينزل في أخرى ومع هذا فلا خروج له عما
قدر عليه فلو رضى باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه
وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به فيه لأنه مع اختياره لنفسه
ومتى صح تفويضه ورضاه اكتنفه في
المقدور العطف عليه اللطف به فيصير بين عطفه ولطفه فعطفه يقيه
ما يحذره ولطفه يهون عليه ما قدره إذا نفذ القدر في العبد كان من أعظم
أسباب نفوذه تحيله في رده فلا أنفع له من الاستسلام وإلقاء نفسه بين يدي
القدر طريحا كالميتة فان السبع لا يرضى بأكل الجيف
فصل لا ينتفع بنعمة الله بالإيمان والعلم إلا من عرف نفسه ووقف
بها
عند قدرها ولم يتجاوزه إلى ما ليس له ولم يتعد طوره ولم يقل هذا لي وتيقن
أنه لله وبالله ومن الله فهو الإيمان به ابتداء وإدامة لا سبب من العبد
ولا استحقاق منه فتذله نعم الله عليه وتكسره كسرة من لا يرى لنفسه ولا
فيها خيرا البتة وان الخير الذي وصل إليه فهو لله وبه ومنه فتحدث له النعم
ذلا وانكسارا عجيبا لا يعبر عنه فكلما جدد له نعمة ازداد له ذلا وانكسارا
وخشوعا ومحبة وخوفا ورجاء وهذا نتيجة علمين شريفين علمه بربه وكماله وبره
وغناه وجوده وإحسانه ورحمته وأن الخير كله في يديه وهو ملكه يؤتى منه من
يشاء ويمنع منه من يشاء وله الحمد على هذا وهذا أكمل حمد وأتمه وعلمه
بنفسه ووقوفه على حدها وقدرها ونقصها وظلمها وجهلها وأنها لا خير فيها
ألبته ولا لها ولا بها ولا منها وأنها ليس لها من ذاتها إلا العدم فكذلك
من صفاتها وكمالها ليس لها إلا العدم الذي لا شيء أحقر منه ولا أنقص فما
فيها من الخير تابع لوجودها الذي ليس إليها ولا بها فإذا صار هذان العلمان
صيغة لها لا صيغة على لسانها علمت حينئذ إن الحمد كله لله والأمر كله له
والخير كله في يديه وانه هو المستحق للحمد والثناء والمدح دونها وأنها هي
أولى بالذم والعيب واللوم ومن فاته التحقيق بهذين العلمين تلونت به أقواله
وأعماله
وأحواله وتخبطت عليه ولم يهتد إلى الصراط المستقيم الموصل له
إلى الله فإيصال العبد بتحقيق هاتين المعرفتين علما وحالا وانقطاعه
بفواتهما وهذا معنى قولهم من عرف نفسه عرف ربه فانه من عرف نفسه بالجهل
والظلم والعيب والنقائص والحاجة والفقر والذل والمسكنة والعدم عرف ربه بضد
ذلك فوقف بنفسه عند قدرها ولم يتعد بها طورها وأثنى على ربه ببعض ما هو
أهله وانصرفت قوة حبه وخشيته ورجائه وإنابته وتوكله إليه وحده وكان أحب
شيء إليه وأخوف شيء عنده وأرجاه له وهذا هو حقيقة العبودية والله المستعان
ويحكى أن بعض الحكماء كتب على باب بيته أنه لن ينتفع بحكمتنا إلا من عرف
نفسه ووقف بها عند قدرها فمن كان كذلك فليدخل وإلا فليرجع حتى يكون بهذه
الصفة
فصل الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة فإنها
أما
أن توجب ألما وعقوبة وإما أن تقطع لذة أكمل منها وإما أن تضيع وقتا إضاعته
حسرة وندامة وأما أن تثلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه وأما أن تذهب
مالا بقاؤه خير له من ذهابه وإما أن تضع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه
وأما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة وأما أن تطرق لوضيع
إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك وأما أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا
يقارب لذة الشهوة وإما أن تنسى علما ذكره ألذ من نيل الشهوة وأما أن تشمت
عدوا وتحزن وليا وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة وأما أن تحدث عيبا
يبقى صفة لا تزول فان الأعمال تورث الصفات والأخلاق
ومهانة
فللغضب حد وهو الشجاعة المحمودة والأنفة من الرذائل والنقائص
وهذا كماله فإذا جاوز حده تعدى صاحبه وجار وإن نقص عنه جبن ولم يأنف من
الرذائل وللحرص حد وهو الكفاية في أمور الدنيا وحصول البلاغ منها فمتى نقص
من ذلك كان مهانة وإضاعة ومتى زاد عليه كان شرها ورغبة فيما لا تحمد
الرغبة فيه وللحسد حد وهو المنافسة في طلب الكمال والأنفة أن يتقدم عليه
نظيرة فمتى تعدى ذلك صار بغيا وظلما يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود
ويحرص على إيذائه ومتى نقص عن ذلك كان دناءة وضعف همة وصغر نفس قال النبي
لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل
أتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس فهذا حسد منافسة يطالب
الحاسد به نفسه أن يكون مثل المحسود لا حسد مهانة يتمنى به زوال النعمة عن
المحسود وللشهوة حد وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل
والاستعانة بقضائها على ذلك فمتى زادت على ذلك صارت نهمة وشبقا والتحق
صاحبها بدرجة الحيوانات ومتى نقصت عنه ولم يكن فراغا في طلب الكمال والفضل
كانت ضعفا وعجزا ومهانة وللراحة حد وهو اجمام النفس والقوى المدركة
والفعالة للاستعداد للطاعة واكتساب الفضائل وتوفرها على ذلك بحيث لا
يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها فمتى زاد على ذلك صار توانيا وكسلا وإضاعة
وفات به اكثر مصالح العبد ومتى نقص عنه صار مضرا بالقوى موهنا لها وربما
انقطع به كالمنبت الذي لا أرضا قطع ولا ظهر أبقى والجود له حد بين طرفين
فمتى جاوز حده صار إسرافا وتبذيرا أو متى نقص عنه كان بخلا وتقتيرا
وللشجاعة حد متي جاوزته صارت تهورا ومتي نقصت عنه صارت جبنا وخورا وحدها
الأقدام في مواضع الأقدام والأحجام في مواضع الأحجام كما قال معاوية لعمرو
بن العاص أعياني أن أعرف أشجاعا أنت أم جبانا تقدم حتى أقول من أشجع الناس
وتجبن حتى أقول من أجبن الناس فقال
شجاع إذا ما امكنتني فرصة ... فان لم تكن لي فرصة فجبان
والغيرة لها حد إذا جاوزته صارت تهمة وظنا سيئا بالبريء وإن قصرت عنه كانت
تغافلا ومبادىء دياثة وللتوضع حد إذا جاوزه كان ذلا ومهانة ومن قصر عنه
انحرف إلى الكبر والفخر وللعز حد إذا جاوزه كان كبرا وخلقا مذموما وإن قصر
عنه انحرف إلى الذل و المهانة
وضابط هذا كله العدل وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط
وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة بل لا تقوم مصلحة البدن إلا به فانه متى
خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك
وكذلك الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة
والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك إذا كانت وسطا بين الطرفين المذمومين
كانت عدلا وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصا وأثمرت نقصا فمن أشرف العلوم
وانفعها علم الحدود ولا سيما حدود المشروع المأمور والمنهى فأعلم الناس
أعلمهم بتلك الحدود حتى لا يدخل فيها ما ليس منها ولا يخرج منها مه هو
داخل فيها قال تعالى الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما
أنزل الله على رسوله فأعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال
والمشروعات معرفة وفعلا وبالله التوفيق
فصل قال أبو الدرداء رضي الله عنه يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم
كيف
يغبنون به قيام الحمقى وصومهم والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال
عبادة من المغترين وهذا من جواهر الكلام وأدلة على كمال فقه الصحابة
وتقدمهم على من بعدهم في كل خير رضى الله عنهم
فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته ولا ببدنه
والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح قال تعالى ذلك ومن يعظم
شعائر الله
فانها من تقوى القلوب وقال لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن
يناله التقوى منكم وقال النبي التقوى ههنا وأشار إلى صدره فالكيس يقطع من
المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل
أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق فان
العزيمة والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير والتقدم والسبق إلى الله سبحانه
إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب
العمل الكثير بمراحل فإن ساواه في همته تقدم عليه بعمله وهذا موضع يحتاج
إلى تفصيل يوافق فيه الإسلام والإحسان
فاكمل الهدى هدى رسول الله وكان موفيا كل واحد منهما حقه فكان مع كماله
وإرادته وأحواله مع الله يقوم حتى ترم قدماه ويصوم حتى يقال لا يفطر
ويجاهد في سبيل الله ويخالط أصحاب ولا يحتجب عنهم ولا يترك شيئا من
النوافل والاوراد لتلك الواردات التي تعجز عن حملها قوى البشر والله تعالى
أمر عباده إن يقوموا بشرائع الإسلام على ظواهرهم وحقائق الإيمان على
بواطنهم ولا يقبل واحدا منهما إلا بصاحبه وقرينه وفي المسند مرفوعا
الإسلام علانية والإيمان في القلب فكل إسلام ظاهر لا ينفذ صاحبه منه إلى
حقيقة الإيمان الباطنة فليس بنافع حتى يكون معه شيء من الإيمان الباطن وكل
حقيقة باطنة لا يقوم صاحبها بشرائع الإسلام الظاهرة لا تنفع ولو كانت ما
كانت فلو تمزق القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبد بالأمر وظاهر الشرع لم ينجه
ذلك من النار كما أنه لو قام بظواهر الإسلام وليس في باطنه حقيقة الإيمان
لم ينجه من النار
وإذا عرف هذا فالصادقون السائرون إلى الله والدار الآخرة قسمان قسم صرفوا
ما فضل من أوقاتهم بعد الفرائض إلى النوافل البدنية وجعلوها دأبهم من غير
حرص منهم على تحقيق أعمال القلوب ومنازلها وأحكامها وأن لم يكونوا خالين
من أصلها ولكن هممهم مصروفة إلى الاستكثار من الأعمال وقسم صرفوا
ما فضل من الفرائض والسنن إلى الاهتمام بصلاح قلوبهم وعكوفها
على الله وحده والجمعية عليه وحفظ الخواطر والإرادات معه وجعلوه قوة تعبده
بأعمال القلوب من تصحيح المحبة والخوف والخوف والرجاء والتوكل والإنابة
ورأوا أن أيسر نصيب من الواردات التي ترد على قلوبهم من الله أحب إليهم من
كثير من التطوعات البدنية فإذا حصل لأحدهم جمعية ووارد أنس أو حب أو
اشتياق أو انكسار وذل لم يستبدل به شيئا سواه البتة إلا أن يجيء الأمر
فيبادر إليه بذلك الوارد إن أمكنه وإلا بادر إلى الأمر ولو ذهب الوارد
فإذا جاءت النوافل فههنا معترك التردد فإن أمكن القيام إليها به فذاك فذلك
به وإلا نظر في الأرجح والأحب إلى الله هل هو القيام إلى تلك النافلة ولو
ذهب وارده كإغاثة الملهوف وإرشاد ضال وجبر مكسور واستفادة إيمان ونحو ذلك
فههنا ينبغي تقديم النافلة الراجحة ومتى قدمهما لله رغبة فيه وتقربا إليه
فإنه يرد عليه ما فات من وارده أقوى مما كان في وقت آخر وإن كان الوارد
أرجح من النافلة فالحزم له الاستمرار في وارده حتى يتوارى عنه فإنه يفوت
والنافلة لا تفوت وهذا موضع يحتاج إلى فضل فقه في الطريق ومراتب الأعمال
وتقديم الأهم منها فالأهم والله الموفق لذلك لا إله غيره ولا رب سواه
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل أصل الأخلاق المذمومة كلها الكبر والمهانة والدناءة وأصل
الأخلاق
المحمودة كلها الخشوع وعلو الهمة فالفخر والبطر والأشر والعجب والحسد
والبغي والخيلاء والظلم والقسوة والتجبر والأعراض وإباء قبول النصيحة
والاستئثار وطلب العلو وحب الجاه والرئاسة وأن يحمد بما لم يفعل وأمثال
ذلك كلها ناشئة من الكبر وأما الكذب والخسة والخيانة والرياء والمكر
والخديعة والطمع والفزع والجبن والبخل والعجز والكسل والذل لغير الله
واستبدال الذي هو
أدنى بالذي هو خير ونحو ذلك فأنها من المهانة والدناءة وصغر
النفس وأما الأخلاق الفاضلة كالصبر والشجاعة والعدل والمروءة والعفة
والصيانة والجود والحلم والعفو والصفح والاحتمال والإيثار وعزة النفس عن
الدناآت والتواضع والقناعة والصدق والأخلاق والمكافأة على الإحسان بمثله
أو أفضل والتغافل عن زلات الناس وترك الانشغال بما لا يعنيه وسلامة القلب
من تلك الأخلاق المذمومة ونحو ذلك فكلها ناشئة عن الخشوع وعلو الهمة والله
سبحانه أخبر عن الأرض بأنها تكون خاشعة ثم ينزل عليها الماء فتهتز وتربو
وتأخذ زينتها وبهجتها فكذلك المخلوق منها إذا أصابه حظه من التوفيق وأما
النار فطبعها العلو والإفساد ثم تخمد فتصير أحقر شيء وأذله وكذلك المخلوق
منها فهي دائما بين العلو إذا هاجت واضطربت وبين الخسة والدناءة إذا خمدت
وسكنت والأخلاق المذمومة تابعة للنار والخلوق منها والأخلاق الفاضلة تابعة
للأرض والمخلوق منها فمن علت همته وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل ومن دنت
همته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل
فصل المطلب الأعلى موقوف حصوله على همة عالية ونية صحيحة فمن
فقدهما
تعذر عليه الوصول إليه فان الهمة إذا كانت عالية تعلقت به وحده دون غيره
وإذا كانت النية صحيحة سلك العبد الطريق الموصلة إليه فالنية تفرد له
الطريق والهمة تفرد له المطلوب فإذا توحد مطلوبه والطريق الموصلة إليه كان
الوصول غايته وإذا كانت همته سافلة تعلقت بالسفليات ولم تتعلق بالمطلب
الأعلى وإذا كانت النية غير صحيحة كانت طريقة غير موصلة إليه فمدار الشان
على همة العبد ونيته وهما مطلوبه ولا يتم له إلا بترك ثلاثة أشياء العوائد
والرسوم والأوضاع التي أحدثها الناس الثاني هجر العوائق التي تعوقه عن
إفراد مطلوبه وطريقة
وقطعها الثالث قطع علائق القلب التي تحول بينه وبين تجريد
التعلق بالمطلوب والفرق بنيها أن العوائق هي الحوادث الخارجية والعلائق هي
التعلقات القلبية بالمباحات ونحوها وأصل ذلك ترك الفضول التي تشغل عن
المقصود من الطعام والشراب والمنام والخلطة فيأخذ من ذلك ما يعينه على
طلبه ويرفض منه ما يقطعه عنه أو يضعف طلبه والله المستعان
فصل من كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رجل عنده
ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين أحب أن أكون من المقربين فقال عبد الله
لكن ههنا رجل ود وأنه مات لم يبعث يعني نفسه وخرج ذات يوم فاتبعه ناس فقال
لهم ألكم حاجة قالوا لا ولكن أردنا أن نمشي معك قال ارجعوا فإنه ذلة
للتتابع وفتنة للمتبوع وقال لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي لحثوتم على
رأسي التراب وقال حبذا المكروهان الموت والفقر وأيم الله إن هو إلا الغنى
والفقر وما أبالي بأيهما بليت أرجو الله في كل واحد منهما إن كان الغنى إن
فيه للعطف وأن كان الفقر أن فيه للصبر وقال أنكم في ممر الليل والنهار في
آجل منقوصة وأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة فمن زرع خيرا فيوشك أن يحصد
رغبته ومن زرع شرا فيوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع مثل ما زرع لا يسبق بطىء
بحظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له من أعطى خيرا فالله أعطاه ومن وقى شرا
فالله وقاه المتقون سادة والفقهاء قادة ومجالستهم زيادة إنما هما اثنتان
الهدى والكلام فأفضل الكلام كلام الله وأفضل الهدى هدى محمد وشر الأمور
محدثاتها وكل محدثة بدعة فلا يطولن عليكم الأمد ولا يلهينكم الأمل فإن كل
ما هو آت قريب الأوان البعيد ما ليس آتيا الأوان الشقي من شقي في بطن أمه
وأن السعيد من وعظ
بغيره إلا وان قتال المسلم كفر وسبابه فسوق ولا يحل لمسلم أن
يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام حتى يسلم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه ويعوده
إذا مرض ألا وأن شر الروايا روايا الكذب ألا وأن الكذب لا يصلح منه جد ولا
هزل ولا أن يعد الرجل صبيه شيئا ثم لا ينجزه ألا وأن الكذب يهدي إلى
الفجور والفجور يهدي إلى النار والصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة
وأنه يقال للصادق صدق وبر ويقال للكاذب كذب وفجر وأن محمدا حدثنا أن الرجل
ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا إن أصدق
الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقى وخير الملة ملة إبراهيم وأحسن
السنن سنة محمد وخير الهدى هدى الأنبياء وأشرف الحديث ذكر الله وخير القصص
القرآن وخير الأمور عواقبها وشر الأمور محدثاتها وما قل وكفى خير مما كثر
وألهى ونفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها وشر المعذرة حين يحضر الموت وشر
الندامة ندامة يوم القيامة وشر الضلالة الضلالة بعد الهوى وخير الغنى غنى
النفس وخير الزاد التقوى وخير ما ألقى في القلب اليقين والريب من الكفر
وشر العمى عمى القلب والخمر جماع الأثم والنساء حبائل الشيطان والشباب
شعبة من الجنون والنوح من عمل الجاهلية ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا
دبرا ولا يذكر الله إلا هجرا وأعظم الخطايا الكذب ومن يعف يعف الله عنه
ومن يكظم الغيظ يأجره الله ومن يغفر يغفر الله له ومن يصبر على الرزية
يعقبه الله وشر المكاسب كسب الربا وشر المآكل مال اليتيم وإنما يكفي أحدكم
ما قنعت به نفسه وإنما يصير إلى أربعة أذرع والأمر إلى آخره وملاك العمل
خواتمه وأشرف الموت قتل الشهداء ومن يستكبر يضعه الله ومن يعص الله يطع
الشيطان ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا
الناس مفطرون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس
يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس يختالون
وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا ولا ينبغي
لحامل القرآن ان يكون جافيا ولا غافلا ولا سخابا ولا صياحا ولا حديدا من
تطاول تعظما حطه الله ومن تواضع تخشعا رفعه الله وأن للملك لمة وللشيطان
لمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق فإذا رأيتم ذلك فاحمدوا الله ولمة
الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق فإذا رأيتهم ذلك فتعوذوا بالله أن الناس
قد أحسنوا القول فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه ومن خالف قوله
فعله فذاك إنما يوبخ نفسه لا ألفين أحدكم جيفة ليل قطرب نهار إني لا بغض
الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة ومن لم
تأمره الصلاة بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بها من الله بعدا من
اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله ولا تحمد أحدا على رزق الله ولا تلوم
أحدا على ما لم يؤتك الله فأن رزق الله لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهة
كاره وان الله بقسطه وحلمه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا وجعل
لهم والحزن في الشك والسخط ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك ومن يقرع
باب الملك يفتح له أني لا حسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها
كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب خلقان
الثياب تعرفون في السماء وتخفون على أهل الأرض إن للقلوب شهوة وأدبارا
فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها ودعوها عند فتفرقها وأدبارها ليس العلم
بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية أنكم ترون الكافر من أصح الناس جسما
وأمرضه قلبا وتلقون المؤمن من أصح الناس قلبا وأمرضه جسما وأيم الله لو
مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان لا يبلغ العبد
حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته ولا يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من
الغنى والتواضع أحب إليه من الشرف وحتى يكون حامده وذامه وعنده سواه وان
الرجل ليخرج من بيته ومعه دينه فيرجع وما معه منه شيء يأتي الرجل ولا
يملك له ولا نفسه ضرا ولا نفعا فيقسم له بالله أنك لذيت وذويت
فيرجع وما حبى من حاجته بشيء ويسخط الله عليه لو سخرت من كلب لخشيت أن
أحول كلبا الأثم حواز القلوب ما كان من نظر فإن للشيطان فيها مطمعا مع كل
فرحة ترحة وما ملىء بيت حبرة الاملئ عبرة وما منكم إلا ضيف وماله عارية
فالضيف مرتحل والعارية مؤداة إلى أهلها يكون في آخر الزمان أقوم أفضل
أعمالهم التلاوم بينهم يسمون الأنتان إذا احب الرجل أن ينصف من نفسه فليأت
إلى الناس الذي يحب أن يؤتي إليه الحق ثقيل مريء والباطل خفيف وبي رب شهوة
تورث حزنا طويلا ما على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان إذا ظهر
الزنا والربا في قرية أذن بهلاكها من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء
حيث لا يأكله السوس ولا يناله السراق فليفعل فإن قلب الرجل مع كنزه لا
يقلدون أحدكم دينه رجلا فأن آمن آمن وإن كفر كفر وإن كنتم لا بد مقتدين
فاقتدوا بالميت فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة لا يكن أحدكم إمعة قالوا وما
الإمعة قال يقول أنا مع الناس ان اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت ألا ليوطن
أحدكم نفسه على أنه ان كفر الناس لا يكفر وقال له رجل علمني كلمات جوامع
نوافع فقال أعبد الله لا تشرك به شيئا وزل مع القرآن حيث زال ومن جاءك
بالحق فاقبل منه وان كان بعيدا بغيضا ومن جاءك بالباطل فاردد عليه وان كان
حبيبا قريبا يؤتي بالعبد يوم القيامة فيقال له أد أمانتك فيقول يا رب من
أين وقد ذهبت الدنيا فتمثل على هيئتها يوم أخذها في قعر جهنم فيزل فيأخدها
فيضعها على عاتقه فيصعد بها حتى إذا ظن أنه خارج بنها هوت وهوي في أثرها
أبد الآبدين اطلب قلبك في ثلاثة مواطن عند سماع القرآن وفي مجالس الذكر
وفي أوقات الخلوة فان لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن
يمن عليك بقلب فانه لا قلب لك قال الجنيد دخلت على شاب فسألني
عن التوبة فأجبته فسألني عن حقيقتها فقلت أن تنصب ذنبك بين عينيك حتى
يأتيك الموت فقال لي مه ما هذا حقيقة التوبة فقلت له فما حقيقة التوبة
عندك يا فتى قال أن تنسى ذنبك وتركني ومضي فكيف هو عندك يا أبا قاسم فقلت
القول ما قال الفتى قال كيف قلت إذا كنت معه في حال ثم نقلني من حال الجفا
إلى حال الوفا فذكرني للجفا في حال الوفا جفا
فصل لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما
عند
الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت فإذا حدثتك نفسك بطلب
الإخلاص فاقبل على الطمع أولا فأذبحه بسكين اليأس وأقبل على المدح والثناء
فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد
في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص فأن قلت وما الذي يسهل علي ذبح الطمع
والزهد في الثناء والمدح قلت أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه
ليس من شيء يطمع فيه الا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره ولا يؤتى
العبد منها شيئا سواه وأما ازهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه
ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمة ويشين الا الله وحده كما قال ذلك
الأعرابي للنبي ان مدحي زين وذمي شين فقال ذلك الله عز و جل فازهد في مدح
من لا يزينك مدحه وفي ذم من لا يشنيك ذم وارغب في مدح من كل الزين في مدحه
وكل الشين في ذمه ولن يقدر على ذلك الا بالصبر واليقين فمتى فقدت الصبر
واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب قال تعالى فاصبر إن وعد
الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون وقال تعالى وجعلنا منهم أئمة يهدون
بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
الأخلاق
المحمودة كلها الخشوع وعلو الهمة فالفخر والبطر والأشر والعجب والحسد
والبغي والخيلاء والظلم والقسوة والتجبر والأعراض وإباء قبول النصيحة
والاستئثار وطلب العلو وحب الجاه والرئاسة وأن يحمد بما لم يفعل وأمثال
ذلك كلها ناشئة من الكبر وأما الكذب والخسة والخيانة والرياء والمكر
والخديعة والطمع والفزع والجبن والبخل والعجز والكسل والذل لغير الله
واستبدال الذي هو
أدنى بالذي هو خير ونحو ذلك فأنها من المهانة والدناءة وصغر
النفس وأما الأخلاق الفاضلة كالصبر والشجاعة والعدل والمروءة والعفة
والصيانة والجود والحلم والعفو والصفح والاحتمال والإيثار وعزة النفس عن
الدناآت والتواضع والقناعة والصدق والأخلاق والمكافأة على الإحسان بمثله
أو أفضل والتغافل عن زلات الناس وترك الانشغال بما لا يعنيه وسلامة القلب
من تلك الأخلاق المذمومة ونحو ذلك فكلها ناشئة عن الخشوع وعلو الهمة والله
سبحانه أخبر عن الأرض بأنها تكون خاشعة ثم ينزل عليها الماء فتهتز وتربو
وتأخذ زينتها وبهجتها فكذلك المخلوق منها إذا أصابه حظه من التوفيق وأما
النار فطبعها العلو والإفساد ثم تخمد فتصير أحقر شيء وأذله وكذلك المخلوق
منها فهي دائما بين العلو إذا هاجت واضطربت وبين الخسة والدناءة إذا خمدت
وسكنت والأخلاق المذمومة تابعة للنار والخلوق منها والأخلاق الفاضلة تابعة
للأرض والمخلوق منها فمن علت همته وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل ومن دنت
همته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل
فصل المطلب الأعلى موقوف حصوله على همة عالية ونية صحيحة فمن
فقدهما
تعذر عليه الوصول إليه فان الهمة إذا كانت عالية تعلقت به وحده دون غيره
وإذا كانت النية صحيحة سلك العبد الطريق الموصلة إليه فالنية تفرد له
الطريق والهمة تفرد له المطلوب فإذا توحد مطلوبه والطريق الموصلة إليه كان
الوصول غايته وإذا كانت همته سافلة تعلقت بالسفليات ولم تتعلق بالمطلب
الأعلى وإذا كانت النية غير صحيحة كانت طريقة غير موصلة إليه فمدار الشان
على همة العبد ونيته وهما مطلوبه ولا يتم له إلا بترك ثلاثة أشياء العوائد
والرسوم والأوضاع التي أحدثها الناس الثاني هجر العوائق التي تعوقه عن
إفراد مطلوبه وطريقة
وقطعها الثالث قطع علائق القلب التي تحول بينه وبين تجريد
التعلق بالمطلوب والفرق بنيها أن العوائق هي الحوادث الخارجية والعلائق هي
التعلقات القلبية بالمباحات ونحوها وأصل ذلك ترك الفضول التي تشغل عن
المقصود من الطعام والشراب والمنام والخلطة فيأخذ من ذلك ما يعينه على
طلبه ويرفض منه ما يقطعه عنه أو يضعف طلبه والله المستعان
فصل من كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رجل عنده
ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين أحب أن أكون من المقربين فقال عبد الله
لكن ههنا رجل ود وأنه مات لم يبعث يعني نفسه وخرج ذات يوم فاتبعه ناس فقال
لهم ألكم حاجة قالوا لا ولكن أردنا أن نمشي معك قال ارجعوا فإنه ذلة
للتتابع وفتنة للمتبوع وقال لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي لحثوتم على
رأسي التراب وقال حبذا المكروهان الموت والفقر وأيم الله إن هو إلا الغنى
والفقر وما أبالي بأيهما بليت أرجو الله في كل واحد منهما إن كان الغنى إن
فيه للعطف وأن كان الفقر أن فيه للصبر وقال أنكم في ممر الليل والنهار في
آجل منقوصة وأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة فمن زرع خيرا فيوشك أن يحصد
رغبته ومن زرع شرا فيوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع مثل ما زرع لا يسبق بطىء
بحظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له من أعطى خيرا فالله أعطاه ومن وقى شرا
فالله وقاه المتقون سادة والفقهاء قادة ومجالستهم زيادة إنما هما اثنتان
الهدى والكلام فأفضل الكلام كلام الله وأفضل الهدى هدى محمد وشر الأمور
محدثاتها وكل محدثة بدعة فلا يطولن عليكم الأمد ولا يلهينكم الأمل فإن كل
ما هو آت قريب الأوان البعيد ما ليس آتيا الأوان الشقي من شقي في بطن أمه
وأن السعيد من وعظ
بغيره إلا وان قتال المسلم كفر وسبابه فسوق ولا يحل لمسلم أن
يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام حتى يسلم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه ويعوده
إذا مرض ألا وأن شر الروايا روايا الكذب ألا وأن الكذب لا يصلح منه جد ولا
هزل ولا أن يعد الرجل صبيه شيئا ثم لا ينجزه ألا وأن الكذب يهدي إلى
الفجور والفجور يهدي إلى النار والصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة
وأنه يقال للصادق صدق وبر ويقال للكاذب كذب وفجر وأن محمدا حدثنا أن الرجل
ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا إن أصدق
الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقى وخير الملة ملة إبراهيم وأحسن
السنن سنة محمد وخير الهدى هدى الأنبياء وأشرف الحديث ذكر الله وخير القصص
القرآن وخير الأمور عواقبها وشر الأمور محدثاتها وما قل وكفى خير مما كثر
وألهى ونفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها وشر المعذرة حين يحضر الموت وشر
الندامة ندامة يوم القيامة وشر الضلالة الضلالة بعد الهوى وخير الغنى غنى
النفس وخير الزاد التقوى وخير ما ألقى في القلب اليقين والريب من الكفر
وشر العمى عمى القلب والخمر جماع الأثم والنساء حبائل الشيطان والشباب
شعبة من الجنون والنوح من عمل الجاهلية ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا
دبرا ولا يذكر الله إلا هجرا وأعظم الخطايا الكذب ومن يعف يعف الله عنه
ومن يكظم الغيظ يأجره الله ومن يغفر يغفر الله له ومن يصبر على الرزية
يعقبه الله وشر المكاسب كسب الربا وشر المآكل مال اليتيم وإنما يكفي أحدكم
ما قنعت به نفسه وإنما يصير إلى أربعة أذرع والأمر إلى آخره وملاك العمل
خواتمه وأشرف الموت قتل الشهداء ومن يستكبر يضعه الله ومن يعص الله يطع
الشيطان ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا
الناس مفطرون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس
يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس يختالون
وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا ولا ينبغي
لحامل القرآن ان يكون جافيا ولا غافلا ولا سخابا ولا صياحا ولا حديدا من
تطاول تعظما حطه الله ومن تواضع تخشعا رفعه الله وأن للملك لمة وللشيطان
لمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق فإذا رأيتم ذلك فاحمدوا الله ولمة
الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق فإذا رأيتهم ذلك فتعوذوا بالله أن الناس
قد أحسنوا القول فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه ومن خالف قوله
فعله فذاك إنما يوبخ نفسه لا ألفين أحدكم جيفة ليل قطرب نهار إني لا بغض
الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة ومن لم
تأمره الصلاة بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بها من الله بعدا من
اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله ولا تحمد أحدا على رزق الله ولا تلوم
أحدا على ما لم يؤتك الله فأن رزق الله لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهة
كاره وان الله بقسطه وحلمه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا وجعل
لهم والحزن في الشك والسخط ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك ومن يقرع
باب الملك يفتح له أني لا حسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها
كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب خلقان
الثياب تعرفون في السماء وتخفون على أهل الأرض إن للقلوب شهوة وأدبارا
فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها ودعوها عند فتفرقها وأدبارها ليس العلم
بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية أنكم ترون الكافر من أصح الناس جسما
وأمرضه قلبا وتلقون المؤمن من أصح الناس قلبا وأمرضه جسما وأيم الله لو
مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان لا يبلغ العبد
حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته ولا يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من
الغنى والتواضع أحب إليه من الشرف وحتى يكون حامده وذامه وعنده سواه وان
الرجل ليخرج من بيته ومعه دينه فيرجع وما معه منه شيء يأتي الرجل ولا
يملك له ولا نفسه ضرا ولا نفعا فيقسم له بالله أنك لذيت وذويت
فيرجع وما حبى من حاجته بشيء ويسخط الله عليه لو سخرت من كلب لخشيت أن
أحول كلبا الأثم حواز القلوب ما كان من نظر فإن للشيطان فيها مطمعا مع كل
فرحة ترحة وما ملىء بيت حبرة الاملئ عبرة وما منكم إلا ضيف وماله عارية
فالضيف مرتحل والعارية مؤداة إلى أهلها يكون في آخر الزمان أقوم أفضل
أعمالهم التلاوم بينهم يسمون الأنتان إذا احب الرجل أن ينصف من نفسه فليأت
إلى الناس الذي يحب أن يؤتي إليه الحق ثقيل مريء والباطل خفيف وبي رب شهوة
تورث حزنا طويلا ما على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان إذا ظهر
الزنا والربا في قرية أذن بهلاكها من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء
حيث لا يأكله السوس ولا يناله السراق فليفعل فإن قلب الرجل مع كنزه لا
يقلدون أحدكم دينه رجلا فأن آمن آمن وإن كفر كفر وإن كنتم لا بد مقتدين
فاقتدوا بالميت فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة لا يكن أحدكم إمعة قالوا وما
الإمعة قال يقول أنا مع الناس ان اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت ألا ليوطن
أحدكم نفسه على أنه ان كفر الناس لا يكفر وقال له رجل علمني كلمات جوامع
نوافع فقال أعبد الله لا تشرك به شيئا وزل مع القرآن حيث زال ومن جاءك
بالحق فاقبل منه وان كان بعيدا بغيضا ومن جاءك بالباطل فاردد عليه وان كان
حبيبا قريبا يؤتي بالعبد يوم القيامة فيقال له أد أمانتك فيقول يا رب من
أين وقد ذهبت الدنيا فتمثل على هيئتها يوم أخذها في قعر جهنم فيزل فيأخدها
فيضعها على عاتقه فيصعد بها حتى إذا ظن أنه خارج بنها هوت وهوي في أثرها
أبد الآبدين اطلب قلبك في ثلاثة مواطن عند سماع القرآن وفي مجالس الذكر
وفي أوقات الخلوة فان لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن
يمن عليك بقلب فانه لا قلب لك قال الجنيد دخلت على شاب فسألني
عن التوبة فأجبته فسألني عن حقيقتها فقلت أن تنصب ذنبك بين عينيك حتى
يأتيك الموت فقال لي مه ما هذا حقيقة التوبة فقلت له فما حقيقة التوبة
عندك يا فتى قال أن تنسى ذنبك وتركني ومضي فكيف هو عندك يا أبا قاسم فقلت
القول ما قال الفتى قال كيف قلت إذا كنت معه في حال ثم نقلني من حال الجفا
إلى حال الوفا فذكرني للجفا في حال الوفا جفا
فصل لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما
عند
الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت فإذا حدثتك نفسك بطلب
الإخلاص فاقبل على الطمع أولا فأذبحه بسكين اليأس وأقبل على المدح والثناء
فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد
في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص فأن قلت وما الذي يسهل علي ذبح الطمع
والزهد في الثناء والمدح قلت أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه
ليس من شيء يطمع فيه الا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره ولا يؤتى
العبد منها شيئا سواه وأما ازهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه
ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمة ويشين الا الله وحده كما قال ذلك
الأعرابي للنبي ان مدحي زين وذمي شين فقال ذلك الله عز و جل فازهد في مدح
من لا يزينك مدحه وفي ذم من لا يشنيك ذم وارغب في مدح من كل الزين في مدحه
وكل الشين في ذمه ولن يقدر على ذلك الا بالصبر واليقين فمتى فقدت الصبر
واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب قال تعالى فاصبر إن وعد
الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون وقال تعالى وجعلنا منهم أئمة يهدون
بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل لذة كل أحد على حسب قدره وهمته وشرف نفسه فأشرف الناس نفسا
وأعلاهم همة وأرفعهم قدرا من لذته في معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه
والتودد إليه بما يحبه ويرضاه فلذته في إقباله عليه وعكوف همته عليه ودون
ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله حتى تنتهي إلى من لذته في أخس الأشياء من
القاذورات والفواحش في كل شيء من الكلام والفعال والأشغال فلو عرضت عليه
ما يلتذ به الأول لم تسمح نفسه بقبوله ولا الالتفات إليه وربما تألمت من
ذلك كما أن الأول إذا عرض عليه ما يلتذ به هذا لم تسمح نفسه به ولم تلتفت
إليه ونفرت نفسه منه وأكمل الناس لذة من جمع له بين لذة القلب والروح ولذة
البدن فهو يتناول لذاته المباحة على وجه لا ينقص حظه من الدار والآخرة ولا
يقطع عليه لذة المعرفة والمحبة والأنس بربه فهذا ممن قال تعالى فيه قل من
حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هل هي للذين آمنوا
في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة وأبخسهم حظا من اللذة من تناولها على
وجه يحول بينه وبين لذات الآخرة فيكون ممن يقال لهم يوم استيفاء اللذات
أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فهؤلاء تمتعوا بالطيبات
وأولئك تمتعوا بالطيبات وافترقوا في وجه التمتع فأولئك تمتعوا بها على
الوجه الذي إذن لهم فيه فجمع لهم بين لذة الدنيا والآخرة وهؤلاء تمتعوا
بها على الوجه الذي دعاهم إليه الهوى والشهوة وسواء إذن لهم فيه أم لا
فانقطعت عنهم لذة الدنيا وفاتتهم لذة الآخرة فلا لذة الدنيا دامت لهم ولا
لذة الآخرة حصلت لهم فمن أحب اللذة ودوامها والعيش الطيب فليجعل لذة
الدنيا موصلا له إلى لذة الآخر بأن يستعين بها على فراغ قلبه لله وإرادته
وعبادته فيتناولها بحكم الاستعانة والقوة على طلبه لا بحكم مجرد الشهوة
والهوى وان كان ممن زويت عنه لذات الدنيا وطيباتها فليجعل ما نقص منها
زيادة في
لذة الآخرة ويجم نفسه ههنا بالترك ليستوفيها كاملة هناك فطيبات
الدنيا ولذاتها نعم العون لمن صح طلبه لله والدار الآخرة وكانت همه لما
هناك وبئس القاطع لمن كانت هي مقصودة وهمته وحولها يدندن وفواتها في
الدنيا نعم العون لطالب الله والدار الآخرة وبئس القاطع النازع من الله
والدار الآخرة فمن أخذ منافع الدنيا على وجه لا ينقص حظه من الآخرة ظفر
بهما جميعا وإلا خسرهما جميعا سبحان الله رب العالمين لو لم يكن في ترك
الذنوب والمعاصي إلا إقامة المروءة وصون العرض وحفظ الجاه وصيانة المال
الذي جعله الله قواما لمصالح الدنيا والآخرة ومحبة الخلق وجوار القول
بينهم وصلاح المعاش وراحة البدن وقوة القلب وطيب النفس ونعيم القلب
وانشراح الصدر والأمن من مخاوف الفساق والفجار وقلة الهم والغم والحزن وعز
النفس عن احتمال الذل وصون نور القلب إن تطفئه ظلمة المعصية وحصول المخرج
له مما ضاق على الفساق والفجار وتيسر الرزق عليه من حيث لا يحتسب وتيسير
ما عسر على أرباب الفسوق والمعاصي وتسهيل الطاعات عليه وتيسير العلم
والثناء الحسن في الناس وكثرة الدعاء له والحلاوة التي يكتسبها وجهه
المهابة التي تلقي له في قلوب الناس وانتصارهم وحميتهم له إذا أوذي وظلم
وذبهم عن عرضه إذا اغتابه مغتاب وسرعة إجابة دعائه وزوال الوحشة التي بينه
وبين الله وقرب الملائكة منه وبعد شياطين الإنس والجن منه وتنافس الناس
على خدمته وقضاء حوائجه وخطبتهم لمودته وصحبته وعدم خوفه من الموت بل يفرح
به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيره إليه وصغر الدنيا في قلبه وكبر الآخرة
عنده وحرصه على الملك الكبير والفوز العظيم فيها وذوق حلاوة الطاعة ووجد
حلاوة الإيمان ودعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة له وفرح الكاتبين به
ودعائهم له كل وقت والزيادة في عقله وفهمه وإيمانه ومعرفته وحصول محبة
الله له وإقباله عليه وفرحه بتويته وهكذا يجازيه بفرح وسرور لا نسبة له
إلى فرحه وسروره بالمعصية بوجه من الوجوه
فهذه بعض آثار ترك المعاصي في الدنيا فإذا مات تلقته الملائكة
بالبشرى من ربه بالجنة وبأنه لا خوف عليه ولا حزن وينتقل من سجن الدنيا
وضيقها إلى روضه من رياض الجنة ينعم فيها إلى يوم القيامة فإذا كان يوم
القيامة كان الناس في الحر والعرق وهو في ظل العرش فإذا انصرفوا من بين
يدي الله أخذ به ذات اليمين مع أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء والله ذو فضل عظيم
فصل ذكر ابن سعد في الطبقات عن عمر بن عبد العزيز انه كان
إذا خطب على المنبر فخاف على نفسه العجب قطعه وإذا كتب كتابا فخاف فيه
العجب مزقه ويقول اللهم أني أعوذ بك من شر نفسي أعلم أن العبد إذا شرع في
قول أو عمل يبتغي فيه مرضاة الله مطالعا فيه منة الله عليه به وتوفيقه له
فيه وأنه بالله لا بنفسه ولا بمعرفته وفكره وحوله وقوته بل هو بالذي أنشأ
له اللسان والقلب والعين والأذن فالذي من عليه بذلك هو الذي من عليه
بالقول الفعل فإذا لم يغب ذلك عن ملاحظته ونظر قلبه لم يحضره العجب الذي
أصله رؤية نفسه وغيبته عن شهود منة ربه وتوفيقه وإعانته فإذا غاب عن تلك
الملاحظة وثبت النفس وقامت في مقام الدعوى فوقع العجب ففسد عليه القول
والعمل فتارة يحال بينه وبين تمامه ويقطع عليه ويكون ذلك رحمة به حتى لا
يغيب عن مشاهدة المنة والتوفيق وتارة يتم له ولكن لا يكون له ثمرة وإن
أثمر أثمر ثمرة ضعيفة غير محصلة للمقصود وتارة يكون ضرره عليه أعظم من
انتفاعه ويتولد له منه مفاسد شتى بحسب غيبته عن ملاحظة التوفيق والمنة
ورؤية نفسه وإن القول والفعل به
ومن هذا الموضع يصلح الله سبحانه أقوال عبده وأعماله ويعظم له ثمرتها أو
يفسدها عليه ويمنعه ثمرتها فلا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس
فإذا أراد الله
بعده خيرا أشهده منته وتوفيقه وإعانته له في كل ما يقوله ويفعله
فلا يعجب به ثم اشهده تقصيره فيه وأنه لا يرضى لربه به فيتوب إليه منه
ويستغفره ويستحي أن يطلب عليه أجرا وإذا لم يشهده ذلك وغيبه عنه فرأى نفسه
في العمل ورآه بعين الكمال والرضا لم يقع ذلك العمل منه موقع القبول
والرضا والمحبة فالعارف يعمل العمل لوجه مشاهدا فيه منته وفضله وتوفيقه
معتذرا منه إليه مستحييا منه إذ لم يوفه حقه والجاهل يعمل العمل لحظه
وهواه ناظرا فيه إلى نفسه يمن به على ربه راضيا بعمله فهذا لون وذاك لون
آخر
فصل الوصول إلى المطلوب موقوف على هجر العوائد وقطع العوائق
فالعوائد
السكون إلى الدعة والراحة وما ألفه الناس واعتادوه من الرسوم والأوضاع
التي جعلوها بمنزلة الشرع المتبع بل هي عندهم أعظم من الشرع فانهم ينكرون
على من خرج عنها وخالفها ما لا ينكرون على من خالف صريح الشرع وربما كفروه
أو بدعوه وضللوه أو هجروه وعاقبوه لمخالفة تلك الرسوم وأماتوا لها السنن
ونصبوها أندادا للرسول يوالون عليها ويعادون فالمعروف عندهم ما وافقهم
والمنكر ما خالفها
وهذه الأوضاع والرسوم قد استولت على طوائف بني آدم من الملوك والولاة
والفقهاء والصوفية والفقراء والمطوعين والعامة فربى فيها الصغير ونشأ
عليها الكبير واتخذت سننا بل هي أعظم عند أصحابها من السنن الواقف معها
محبوس والمتقيد بها منقطع عم بها المصاب وهجر لأجلها السنة والكتاب من
استنصر بها فهو عند الله مخذول ومن اقتدى بها دون كتاب الله وسنة رسوله
فهو عند الله غير مقبول وهذه أعظم الحجب والموانع بين العبد وبين النفوذ
إلى الله ورسوله
فصل وأما العوائق فهي أنواع المخالفات ظاهرها وباطنها فإنها تعوق
القلب عن سيره إلى الله وتقطع عليه طريقة وهي ثلاثة أمور شرك وبدعة ومعصية
فيزول عائق الشرك بتجريد التوحيد وعائق البدعة بتحقيق السنة وعائق المعصية
بتصحيح التوبة وهذه العوائق لا تتبين للعبد يأخذ في أهبة السفر ويتحقق
بالسير إلى الله والدار والآخرة فحينئذ تظهر له هذه العوائق ويحسن
بتعويقها له بحسب قوة سيره وتجرده للسفر وإلا فما دام قاعدا لا يظهر له
كوامنها وقواطعها
فصل وأما العلائق فهي كل ما تعلق به القلب دون الله ورسوله من
ملاذ الدنيا وشهواتها ورياستها وصحبة الناس والتعلق بهم ولا سبيل له إلى
قطع هذه الأمور الثلاثة ورفضها إلا بقوة التعلق بالمطلب الأعلى وإلا
فقطعها عليه بدون تعلقه بمطلوبه ممتنع فإن النفس لا تترك مألوفها ومحبوبها
إلا لمحبوب هو أحب إليها منه وآثر عندها منه وكلما قوي تعلقه بمطلوبه ضعف
تعلقه بغيره وكذا بالعكس والتعلق بالمطلوب هو شدة الرغبة فيه وذلك على قدر
معرفته به وشرفه وفضله على ما سواه
فصل لما كمل الرسول مقام الافتقار إلى الله سبحانه أحوج الخلائق
كلهم إليه في الدنيا والآخرة أما حاجتهم إليه في الدنيا فأشد من حاجتهم
إلى الطعام والشراب والنفس الذي به حياة أبدانهم وأما حاجتهم إليه في
الآخرة فإنهم يستشفعون بالرسل إلى الله حتى يريحهم من ضيق مقامهم فكلهم
يتأخر عن الشفاعة فيشفع لهم وهو الذي يستفتح لهم باب الجنة
وأعلاهم همة وأرفعهم قدرا من لذته في معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه
والتودد إليه بما يحبه ويرضاه فلذته في إقباله عليه وعكوف همته عليه ودون
ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله حتى تنتهي إلى من لذته في أخس الأشياء من
القاذورات والفواحش في كل شيء من الكلام والفعال والأشغال فلو عرضت عليه
ما يلتذ به الأول لم تسمح نفسه بقبوله ولا الالتفات إليه وربما تألمت من
ذلك كما أن الأول إذا عرض عليه ما يلتذ به هذا لم تسمح نفسه به ولم تلتفت
إليه ونفرت نفسه منه وأكمل الناس لذة من جمع له بين لذة القلب والروح ولذة
البدن فهو يتناول لذاته المباحة على وجه لا ينقص حظه من الدار والآخرة ولا
يقطع عليه لذة المعرفة والمحبة والأنس بربه فهذا ممن قال تعالى فيه قل من
حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هل هي للذين آمنوا
في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة وأبخسهم حظا من اللذة من تناولها على
وجه يحول بينه وبين لذات الآخرة فيكون ممن يقال لهم يوم استيفاء اللذات
أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فهؤلاء تمتعوا بالطيبات
وأولئك تمتعوا بالطيبات وافترقوا في وجه التمتع فأولئك تمتعوا بها على
الوجه الذي إذن لهم فيه فجمع لهم بين لذة الدنيا والآخرة وهؤلاء تمتعوا
بها على الوجه الذي دعاهم إليه الهوى والشهوة وسواء إذن لهم فيه أم لا
فانقطعت عنهم لذة الدنيا وفاتتهم لذة الآخرة فلا لذة الدنيا دامت لهم ولا
لذة الآخرة حصلت لهم فمن أحب اللذة ودوامها والعيش الطيب فليجعل لذة
الدنيا موصلا له إلى لذة الآخر بأن يستعين بها على فراغ قلبه لله وإرادته
وعبادته فيتناولها بحكم الاستعانة والقوة على طلبه لا بحكم مجرد الشهوة
والهوى وان كان ممن زويت عنه لذات الدنيا وطيباتها فليجعل ما نقص منها
زيادة في
لذة الآخرة ويجم نفسه ههنا بالترك ليستوفيها كاملة هناك فطيبات
الدنيا ولذاتها نعم العون لمن صح طلبه لله والدار الآخرة وكانت همه لما
هناك وبئس القاطع لمن كانت هي مقصودة وهمته وحولها يدندن وفواتها في
الدنيا نعم العون لطالب الله والدار الآخرة وبئس القاطع النازع من الله
والدار الآخرة فمن أخذ منافع الدنيا على وجه لا ينقص حظه من الآخرة ظفر
بهما جميعا وإلا خسرهما جميعا سبحان الله رب العالمين لو لم يكن في ترك
الذنوب والمعاصي إلا إقامة المروءة وصون العرض وحفظ الجاه وصيانة المال
الذي جعله الله قواما لمصالح الدنيا والآخرة ومحبة الخلق وجوار القول
بينهم وصلاح المعاش وراحة البدن وقوة القلب وطيب النفس ونعيم القلب
وانشراح الصدر والأمن من مخاوف الفساق والفجار وقلة الهم والغم والحزن وعز
النفس عن احتمال الذل وصون نور القلب إن تطفئه ظلمة المعصية وحصول المخرج
له مما ضاق على الفساق والفجار وتيسر الرزق عليه من حيث لا يحتسب وتيسير
ما عسر على أرباب الفسوق والمعاصي وتسهيل الطاعات عليه وتيسير العلم
والثناء الحسن في الناس وكثرة الدعاء له والحلاوة التي يكتسبها وجهه
المهابة التي تلقي له في قلوب الناس وانتصارهم وحميتهم له إذا أوذي وظلم
وذبهم عن عرضه إذا اغتابه مغتاب وسرعة إجابة دعائه وزوال الوحشة التي بينه
وبين الله وقرب الملائكة منه وبعد شياطين الإنس والجن منه وتنافس الناس
على خدمته وقضاء حوائجه وخطبتهم لمودته وصحبته وعدم خوفه من الموت بل يفرح
به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيره إليه وصغر الدنيا في قلبه وكبر الآخرة
عنده وحرصه على الملك الكبير والفوز العظيم فيها وذوق حلاوة الطاعة ووجد
حلاوة الإيمان ودعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة له وفرح الكاتبين به
ودعائهم له كل وقت والزيادة في عقله وفهمه وإيمانه ومعرفته وحصول محبة
الله له وإقباله عليه وفرحه بتويته وهكذا يجازيه بفرح وسرور لا نسبة له
إلى فرحه وسروره بالمعصية بوجه من الوجوه
فهذه بعض آثار ترك المعاصي في الدنيا فإذا مات تلقته الملائكة
بالبشرى من ربه بالجنة وبأنه لا خوف عليه ولا حزن وينتقل من سجن الدنيا
وضيقها إلى روضه من رياض الجنة ينعم فيها إلى يوم القيامة فإذا كان يوم
القيامة كان الناس في الحر والعرق وهو في ظل العرش فإذا انصرفوا من بين
يدي الله أخذ به ذات اليمين مع أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء والله ذو فضل عظيم
فصل ذكر ابن سعد في الطبقات عن عمر بن عبد العزيز انه كان
إذا خطب على المنبر فخاف على نفسه العجب قطعه وإذا كتب كتابا فخاف فيه
العجب مزقه ويقول اللهم أني أعوذ بك من شر نفسي أعلم أن العبد إذا شرع في
قول أو عمل يبتغي فيه مرضاة الله مطالعا فيه منة الله عليه به وتوفيقه له
فيه وأنه بالله لا بنفسه ولا بمعرفته وفكره وحوله وقوته بل هو بالذي أنشأ
له اللسان والقلب والعين والأذن فالذي من عليه بذلك هو الذي من عليه
بالقول الفعل فإذا لم يغب ذلك عن ملاحظته ونظر قلبه لم يحضره العجب الذي
أصله رؤية نفسه وغيبته عن شهود منة ربه وتوفيقه وإعانته فإذا غاب عن تلك
الملاحظة وثبت النفس وقامت في مقام الدعوى فوقع العجب ففسد عليه القول
والعمل فتارة يحال بينه وبين تمامه ويقطع عليه ويكون ذلك رحمة به حتى لا
يغيب عن مشاهدة المنة والتوفيق وتارة يتم له ولكن لا يكون له ثمرة وإن
أثمر أثمر ثمرة ضعيفة غير محصلة للمقصود وتارة يكون ضرره عليه أعظم من
انتفاعه ويتولد له منه مفاسد شتى بحسب غيبته عن ملاحظة التوفيق والمنة
ورؤية نفسه وإن القول والفعل به
ومن هذا الموضع يصلح الله سبحانه أقوال عبده وأعماله ويعظم له ثمرتها أو
يفسدها عليه ويمنعه ثمرتها فلا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس
فإذا أراد الله
بعده خيرا أشهده منته وتوفيقه وإعانته له في كل ما يقوله ويفعله
فلا يعجب به ثم اشهده تقصيره فيه وأنه لا يرضى لربه به فيتوب إليه منه
ويستغفره ويستحي أن يطلب عليه أجرا وإذا لم يشهده ذلك وغيبه عنه فرأى نفسه
في العمل ورآه بعين الكمال والرضا لم يقع ذلك العمل منه موقع القبول
والرضا والمحبة فالعارف يعمل العمل لوجه مشاهدا فيه منته وفضله وتوفيقه
معتذرا منه إليه مستحييا منه إذ لم يوفه حقه والجاهل يعمل العمل لحظه
وهواه ناظرا فيه إلى نفسه يمن به على ربه راضيا بعمله فهذا لون وذاك لون
آخر
فصل الوصول إلى المطلوب موقوف على هجر العوائد وقطع العوائق
فالعوائد
السكون إلى الدعة والراحة وما ألفه الناس واعتادوه من الرسوم والأوضاع
التي جعلوها بمنزلة الشرع المتبع بل هي عندهم أعظم من الشرع فانهم ينكرون
على من خرج عنها وخالفها ما لا ينكرون على من خالف صريح الشرع وربما كفروه
أو بدعوه وضللوه أو هجروه وعاقبوه لمخالفة تلك الرسوم وأماتوا لها السنن
ونصبوها أندادا للرسول يوالون عليها ويعادون فالمعروف عندهم ما وافقهم
والمنكر ما خالفها
وهذه الأوضاع والرسوم قد استولت على طوائف بني آدم من الملوك والولاة
والفقهاء والصوفية والفقراء والمطوعين والعامة فربى فيها الصغير ونشأ
عليها الكبير واتخذت سننا بل هي أعظم عند أصحابها من السنن الواقف معها
محبوس والمتقيد بها منقطع عم بها المصاب وهجر لأجلها السنة والكتاب من
استنصر بها فهو عند الله مخذول ومن اقتدى بها دون كتاب الله وسنة رسوله
فهو عند الله غير مقبول وهذه أعظم الحجب والموانع بين العبد وبين النفوذ
إلى الله ورسوله
القلب عن سيره إلى الله وتقطع عليه طريقة وهي ثلاثة أمور شرك وبدعة ومعصية
فيزول عائق الشرك بتجريد التوحيد وعائق البدعة بتحقيق السنة وعائق المعصية
بتصحيح التوبة وهذه العوائق لا تتبين للعبد يأخذ في أهبة السفر ويتحقق
بالسير إلى الله والدار والآخرة فحينئذ تظهر له هذه العوائق ويحسن
بتعويقها له بحسب قوة سيره وتجرده للسفر وإلا فما دام قاعدا لا يظهر له
كوامنها وقواطعها
ملاذ الدنيا وشهواتها ورياستها وصحبة الناس والتعلق بهم ولا سبيل له إلى
قطع هذه الأمور الثلاثة ورفضها إلا بقوة التعلق بالمطلب الأعلى وإلا
فقطعها عليه بدون تعلقه بمطلوبه ممتنع فإن النفس لا تترك مألوفها ومحبوبها
إلا لمحبوب هو أحب إليها منه وآثر عندها منه وكلما قوي تعلقه بمطلوبه ضعف
تعلقه بغيره وكذا بالعكس والتعلق بالمطلوب هو شدة الرغبة فيه وذلك على قدر
معرفته به وشرفه وفضله على ما سواه
كلهم إليه في الدنيا والآخرة أما حاجتهم إليه في الدنيا فأشد من حاجتهم
إلى الطعام والشراب والنفس الذي به حياة أبدانهم وأما حاجتهم إليه في
الآخرة فإنهم يستشفعون بالرسل إلى الله حتى يريحهم من ضيق مقامهم فكلهم
يتأخر عن الشفاعة فيشفع لهم وهو الذي يستفتح لهم باب الجنة
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى