لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث - صفحة 2 Empty كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث {الأربعاء 8 يونيو - 15:26}

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :


بغير جنس المغل وإنما كانت ربا لأجل العلوج وهذه الصورة لا حاجة إليها
فإن العلوج يقومون بها فتقبيلها لآخر مراباة له ولهذا كرهها أحمد وإن كانت
بيضاء إذا كان فيها العلوج
وقد استدل حرب الكرماني على المسألة بمعاملة
النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر على أرضها بشطر ما يخرج منها من ثمر
وزرع على أن يعمروها من أموالهم وذلك أن هذا في المعنى إكراء للأرض منهم
ببعض ما يخرج منها مع إكراء الشجر بنصف ثمره فقياس عليه إكراء الأرض والشجر
بشئ مضمون لأن إعطاء الثمر لو كان بمنزلة بيعه لكان إعطاء بعضه بمنزلة
بيعه وذلك لا يجوز وهذه المسألة لها أصلان
الأصل الأول أنه متى كان بين
الشجر أرض أو مساكن دعت الحاجة إلى كرائهما جميعا فيجوز لأجل الحاجة وإن
كان في ذلك غرر يسير لا سيما إن كان البستان وقفا أو مال يتيم فإن تعطيل
منفعته لا يجوز وإكراء الأرض أو المسكن وحده لا يقع في العادة ولا يدخل أحد
في إجارته على ذلك وإن اكتراه اكتراه بنقص كثير عن قيمته ومالا يتم المباح
إلا به فهو مباح فكل ما ثبت إباحته بنص أو إجماع وجب إباحة لوازمه إذا لم
يكن في تحريمها نص ولا إجماع وإن قام دليل يقتضي تحريم لوازمه ومالا يتم
اجتناب المحرم إلا باجتنابه فهو حرام فهنا يتعارض الدليلان
وفي مسألتنا
قد ثبت إباحة كراء بالسنة واتفاق الفقهاء المتبوعين بخلاف دخول كراء الشجر
فإن تحريمه مختلف فيه ولا نص فيه
و أيضا فمتى أكريت الأرض وحدها وبقي
الشجر لم يكن المكترى مأمونا على الثمر فيفضي إلى اختلاف الأيدي وسوء
المشاركة كما إذا بدا الصلاح في نوع واحد يخرج على هذا القول مثل قول الليث
بن سعد إذا بدا الصلاح في جنس وكان في بيعه متفرقا ضرر جاز بيع جميع
الأجناس وبه فسر تفريق الصفقة ولأنه إذا أراد أن يبيع الثمر بعد ذلك لم يجد
من يشتري الثمرة إذا

كانت الأرض والمساكن لغيره إلا بنقص كثير ولأنه
إذا أكرى الأرض فإن شرط عليه سقي الشجر والسقي من جملة المعقود عليه صار
المعوض عوضا وإن لم يشرط عليه السقي فإذا سقاها إن ساقاه عليها صارت
الإجارة لا تصح إلا بمساقاة وإن لم يساقه لزم تعطيل منفعة المستأجر فيدور
الأمر بين أن تكون الأجرة بعض المنفعى أو لا تصح الإجارة إلا بمساقاة أو
بتفويت منفعة المستأجر ثم إن حصل للمكري جميع الثمرة أو بعضها ففي بيعها مع
أن الأرض والمساكن لغيره نقص للقيمة في مواضع كثيرة
فيرجع الأمر إلى أن
الصفقة إذا كان في تفريقها ضرر جاز الجمع بينهما في المعاوضة وإن لم يجز
إفراد كل منهما لأن حكم الجمع يخالف حكم التفريق ولهذا وجب عند أحمد وأكثر
الفقهاء على أحد الشريكين إذا تعذرت القسمة أن يبيع مع شريكه أو يؤاجر معه
إن كان المشترك منفعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شركا له في
عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم
وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق أخرجاه في الصحيحين فأمر النبي
صلى الله عليه وسلم بتقويم العبد كله وبإعطاء الشريك حصته من القيمة ومعلوم
أن قيمة حصته مفردة دون حصته من قيمة الجميع فعلم أن حقه في نصف النصف
وإذا استحق ذلك بالإعتاق فبسائر أنواع الإتلاف أولى وإنما يستحق بالإتلاف
ما يستحق بالمعاوضة فعلم أنه يستحق بالمعاوضة نصف القيمة وإنما يمكن ذلك
عند بيع الجميع فيجب قسمة العين حيث لا ضرر فيها فإن كان فيها ضرر قسمت
القيمة
فإذا كنا قد أوجبنا على الشريك بيع نصيبه لما في التفريق من نقص
قيمة شريكه فلأن يجوز بيع الأمرين جميعا إذا كان في تفريقهما ضرر أولى
ولذلك جاز بيع الشاة مع اللبن الذي في ضرعها وإن أمكن تفريقهما بالحلب وإن
كان بيع اللبن وحده لا يجوز

وعلى هذا الأصل فيجوز متى كان مع الشجر
منفعة مقصودة كمنفعة أرض للزرع أو بناء للسكن وأما إن كان المقصود هو الثمر
فقط ومنفعة الأرض أو المسكن ليست جزءا من المقصود وإنما دخلت لمجرد الحيلة
كما قد يفعل في مسائل مد عجوة لم يجئ هذا الأصل
الأصل الثاني أن يقال
إكراء الشجر للاستثمار يجري مجرى إكراه الأرض للازدراع واستئجار الظئر
للرضاع وذلك أن الفوائد التي تستحق مع بقاء أصولها تجري مجرى المنافع وإن
كانت أعيانا وهي ثمر الشجر ولبن الآدميات والبهائم والصوف والماء العذب
فإنه كلما خلق من هذه شيء فأخذ خلق الله بدله مع بقاء الأصل كالمنافع سواء
ولهذا جرت في الوقف والعارية والمعاملة بجزء من النماء مجرى المنفعة فإن
الوقف لا يكون إلا فيما ينتفع به مع بقاء أصله فإذا جاز وقف الأرض البيضاء
أو الرباع لمنفعتها فكذلك وقف الحيطان لثمرتها ووقف الماشية لدرها وصوفها
ووقف الآبار والعيون لمائها بخلاف ما يذهب بالانتفاع كالطعام ونحوه فلا
يوقف
و أما باب العارية فيسمون إباحة الظهر إفقارا يقال أفقره الظهر وما
أبيح لبنه منيحة وما أبيح ثمره عرية وغير ذلك عارية وشبهوا ذلك بالقرض
الذي ينتفع به المقترض ثم يرد مثله ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم
منيحة لبن أو منيحة ورق فاكتراء الشجر لأن يعمل عليها ويأخذ

ثمرها
بمنزلة استئجار الظئر لأجل لبنها وليس في القرآن إجارة منصوصة إلا إجارة
الظئر في قوله سبحانه 65: 6 {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ}
ولما اعتقد بعض الفقهاء أن الإجارة لا تكون إلا على منفعة
ليست عينا ورأى جواز إجارة الظئر قال المعقود عليه هو وضع الطفل في حجرها
واللبن دخل ضمنا وتبعا كنقع البئر وهذا مكابرة للعقل والحس فإنا نعلم
بالاضطرار أن المقصود بالعقد هو اللبن كما ذكره الله بقوله {فَإِنْ
أَرْضَعْنَ لَكُمْ} وضم الطفل إلى حجرها إن فعل فإنما هو وسيلة إلى ذلك
وإنما العلة ما ذكرته من أن الفائدة التي تستخلف مع بقاء أصلها تجري مجرى
المنفعة وليس من البيع الخاص فإن الله لم يسم العوض إلا أجرا لم يسمه ثمنا
وهذا بخلاف ما لو حلب اللبن فإن لا يسمى المعاوضة عليه حينئذ إلا بيعا لأنه
لم يستوف الفائدة من أصلها كما يستوفي المنفعة من أصلها
فلما كان
للفوائد العينية التي يمكن فصلها عن أصلها حالان حال تشبه فيه المنافع
المحضة وهي حال اتصالها واستيفاء المنفعة وحال تشبه في الأعيان المحضة وهي
حال انفصالها وقبضها كقبض الأعيان فإذا كان صاحب الشجر هو الذي يسقيها
ويعمل عليها حتى تصلح الثمرة فإنما يبيع ثمرة محضة كما لو كان هو الذي يشق
الأرض ويبذرها ويسقيها حتى يصلح الزرع فإنما يبيع زرعا محضا وأن كان
المشتري هو الذي يجد ويحصد كما لو باعها على الأرض وكان المشتري هو الذي
ينقل ويحول ولهذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في النهي عن بيع
الحب حتى يشتد وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه فإن هذا بيع محض للثمرة والزرع
وأما إذا كان المالك يدفع الشجرة إلىالمكري حتى يسقيها ويلقحها ويدفع عنها
الأذى فهو بمنزلة دفعه الأرض إلى من يشقها ويبذرها ويسقيها ولهذا سوى
بينهما في المساقاة والمزارعة فكما أن كراء الأرض ليس

ببيع لزرعها
فكذلك كراء الشجرة ليس ببيع لثمرها بل نسبة كراء الشجر إلى كراء الأرض
كنسبة المساقاة إلى المزارعة هذا معاملة من النماء وهذا كراء بعوض معلوم
فإذا كانت هذه الفوائد قد ساوت المنافع في الوقف لأصلها وفي التبرعات بها
وفي المشاركة بجزء من نمائها وفي المعاوضة عليها بعد صلاحها فكذلك تساويها
في المعاوضة على استفادتها وتحصيلها ولو فرق بينهما بأن الزرع إنما يخرج
بالعمل بخلاف الثمر فإنه يخرج بلا عمل كان هذا الفرق عديم التأثير بدليل
المساقاة والمزارعة وليس بصحيح فإن للعمل تأثيرا في الإثمار كماله تأثير في
الإنبات ومع عدم العمل عليها قد يعدم الثمر وقد ينقص فإن من الشجر ما لو
لم يسق لم يثمر ولو لم يكن للعمل عليه تأثير أصلا لم يجز دفعه إلى عامل
بجزء من ثمره ولم يجز في مثل هذه الصورة إجارته قبل بدو صلاحه فإن بيع محض
للثمرة لا إجارة للشجر ويكون كمن أكرى أرضه لمن يأخذ منها ما ينبته الله
بلا عمل أحد أصلا قبل وجوده
فإن قيل المقصود بالعقد هنا غرر لأنه قد
يثمر قليلا وقد يثمر كثيرا
يقال مثله في إكراء الأرض فإن المقصود بالعقد
غرر أيضا على هذا التقدير فإنه قد ينبت قليلا وقد ينبت كثيرا
و إن قيل
المعقود عليه هناك التمكن من الازدراع لا نفس الزرع النابت
قيل المعقود
عليه هنا التمكن من الاستثمار لا نفس الثمر الخارج ومعلوم أن المقصود فيهما
إنما هو الزرع والثمر وإنما يجب العوض بالتمكن من تحصيل ذلك كما أن
المقصود باكتراء الدار إنما هو السكنى وإن وجب العوض بالتمكن من تحصيل ذلك
فالمقصود
في اكتراء الأرض للزرع إنما هو نفس الأعيان التي تحصد ليس كاكترائها
للسكنى أو البناء فإن المقصود هناك نفس الانتفاع بجعل الأعيان فيها
وهذا
بين عند التأمل لا يزيده البحث عنه إلا وضوحا

فظهر به أن الذي نهى
عنه النبي صلى الله عليه وسلم من بيع الثمرة قبل زهوها وبيع الحب قبل
اشتداده ليس هو إن شاء الله إكراؤها لمن يحصل ثمرتها وزرعها بعمله وسقيه
ولا هذا داخل في نهيه لفظا ولا معنى
يوضح ذلك أن البائع لثمرتها عليه
تمام سقيها والعمل عليها حتى يتمكن المشتري من الحصاد فإن هذا من تمام
التوفية ومؤنه التوفية على البائع كالكيل والوزن وأما المكري لها لمن
يخدمها حتى تثمر فهو كمكري الأرض لمن يخدمها حتى تنبت ليس على المكري عمل
أصلا وإنما عليه التمكين من العمل يحصل به الثمر والزرع
ولكن يقال طرد
هذا أن يجوز إكراء البهائم لمن يفعلها ويسقيها ويحتلب لبنها
قيل إذا
جوزنا على إحدى الروايتين أن تدفع الماشية إلى من يعلفها ويسقيها بجزء من
درها ونسلها جاز دفعها إلى من يعمل عليها لدرها بشيء من مضمون
و إن قيل
فهلا جاز إجارتها لاحتلاب لبنها كما جاز إجارة الظئر أن ترضع بعمل صاحبها
للغنم لأن الظئر هي التي ترضع الطفل فإذا كانت هي التي توفي المنفعة فنظيره
أن يكون المؤجر هو الذي يوفي منفعة الإرضاع وحينئذ فالقياس جوازه ولو كان
لرجل غنم فاستأجر غنم رجل ليرضعها لم يكن هذا ممتنعا وأما إن كان المستأجر
هو الذي يحلب اللبن أو هو الذي يستوفيه فهذا مشتر اللبن ليس مستوفيا لمنفعة
ولا مستوفيا للعين بعمل وهو شبيه باشتراء الثمرة واحتلابه كقطافها وهو
الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا يباع لبن في ضرع بخلاف ما
لو استأجرها لأن يقوم عليها ويحتلب لبنها فهذا نظير اكتراء الأرض والشجر

هذا
إذا أكرى الأرض والشجر أو الشجرة وحدها لأن يخدمها ويأخذ الثمرة بعوض
معلوم فإن باعه الثمرة فقط وأكراه الأرض للسكنى فهنا لا يجيء إلا الأصل
الأول المذكور عن ابن عقيل وبعضه عن مالك وأحمد في إحدى الروايتين إذا كان
الأغلب هو السكنى وهو أن الحاجة داعية إلى الجمع بينهما فيجوز في الجمع ما
لا يجوز في التفريق كما تقدم من النظائر وهذا إذا كان كل واحد من السكنى
والثمرة مقصود كما يجري في حوائط دمشق فإن البستان يكتري في المدة الصيفية
للسكنى فيه وأخذ ثمره من غير عمل على الثمرة أصلا بل العمل على المكري
المضمن
وعلى ذلك الأصل فيجوز وإن كان الثمر لم يطلع بحال سواء كان جنسا
واحدا أو أجناسا متفرقة كما يجوز مثل ذلك في القسم الأول فإنه إنما جاز
لأجل الجمع بينه وبين المنفعة وهو في الحقيقة جمع بين بيع وإجارة بخلاف
القسم الأول فإنه قد يقال هو إجارة لأن مؤنة توفية الثمر هنا على المضمن
وبعمله يصير ثمرا بخلاف القسم الأول فإنه إنما يصير مثمرا بعمل المستأجر
ولهذا يسميه الناس ضمانا إذ ليس هو بيعا محضا ولا إجارة محضة فسمى باسم
الالتزام العام في المعاوضات وغيرها وهوالضمان كما يسمي الفقهاء مثل ذلك في
قوله ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه وكذلك يسمى القسم الأول ضمانا أيضا
لكن ذلك يسمى إجارة وهذا إذا سمي إجارة أو اكتراء فلأن بعضه إجارة أو
اكتراء وفيه بيع أيضا
فأما إن كانت المنفعة ليست مقصودة أصلا وإنما جاءت
لأجل جداد الثمرة مثل أن يشتري عنبا أو بلحا ويريد أن يقيم في الحديقة
لقطافه فهذا لا يجوز قبل بدو صلاحه لأن المنفعة إنما قصدت هنا لأجل الثمر
فلا يكون الثمر تابعا لها ولا يحتاج إلى إجارتها إلا إذا جاز بيع الثمر
بخلاف القسم الذي قبله فإن المنفعة

إذا كانت مقصودة احتاج إلى
استئجارها واحتاج مع ذلك إلى اشتراء الثمرة ولا يتم غرضه من الانتفاع إلا
بأن يكون له ثمرة يأكلها فإن مقصوده الانتفاع بالسكنى في ذلك المكان والأكل
من الثمر الذي فيه ولهذا إذا كان المقصود الأعظم هو السكنى والشجر قليل
مثل أن يكون في الدار نخلات أو غريس عنب ونحو ذلك فالجواز هنا مذهب مالك
وقياس أكثر نصوص أحمد وغيره وإن كان المقصود مع السكنى التجارة في الثمر
وهو أكثر من منفعة السكنى فالمنع هنا أوجه منه في التي قبلها كما فرق
بينهما مالك وأحمد وإن كان المقصود السكنى والأكل فهو شبيه بما لو قصد
السكنى والشرب من البئر وإن كان ثمن المأكول أكثر فهنا الجواز فيه أظهر من
التي قبلها ودون الأولى على قول من يفرق وأما على قول ابن عقيل المأثور عن
السلف فالجمع جائز كما قررناه لأجل الجمع فإن اشترط مع ذلك أن يحرث له
المضمن مقتاة فهو كما لو استأجر أرضا من رجل للزرع على أن يحرثها المؤجر
فقد استأجر أرضه واستأجر منه عملا في الذمة وهذا جائز كما لو استكرى منه
جملا أو حمارا على أن يحمل المؤجر للمستأجر عليه متاعه وهذه إجارة عين
وإجارة على عمل في الذمة إلا أن يشترط عليه أن يكون هو الذي يعمل العمل
فيكون قد استأجر عينين
ولو لم تكن السكنى المقصودة وإنما المقصود ابتياع
ثمرة في بستان ذي أجناس والسقي على البائع فهذا عند الليث يجوز وهو قياس
القول الثالث الذي ذكرناه عند أصحابنا وغيرهم وقررناه لأن الحاجة إلى الجمع
بين الجنسين كالحاجة إلى الجمع بين بيع الثمرة والمنفعة وربما كان أشد
فإنه قد لا يمكن بيع كل جنس عند بدو صلاحه فإنه في كثير من الأوقات لا يحصل
ذلك وفي بعضها إنما يحصل بضرر كثير وقد رأيت من يواطئ المشتري على ذلك ثم
كلما صلحت ثمرة يقسط عليها بعض الثمن وهذا من الحيل الباردة التي لا تخفى
حالها كما تقدم وما يزال العلماء والمؤمنون ذوو الفطر السليمة ينكرون تحريم

مثل
هذا مع أن أصول الشريعة تنافي تحريمه لكن ما سمعوه من العمومات اللفظية
والقياسية التي اعتقدوا شمولها من قول العلماء الذين يدرجون هذا في العموم
هو الذي أوجب ما أوجب وهو قياس ما قررناه من جواز بيع المقتاة جميعها بعد
بدو صلاحها لأن تفريق بعضها متعسر أو متعذر كتعسر تفريق الأجناس في البستان
الواحد وإن كانت المشقة في المقتاة أوكد ولهذا جوزها من منع الأجناس كمالك
فإن
قيل هذه الصورة داخلة في عموم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر
حتى يبدو صلاحه بخلاف ما إذا أكراه الأرض والشجر ليعمل عليه فإنه كما قررتم
ليس بداخل في العموم لأنه إجارة لمن يعمل لا بيع لمعين وأما هذا فبيع
للثمرة فيدخل في النهى فكيف تخالفون النهى
قلنا الجواب عن هذا كالجواب
عما يجوز بالسنة والإجماع من ابتياع الشجر مع ثمره الذي لم يبد صلاحه
وابتياع الأرض مع زرعها الذي لم يشتد حبه وما نصرناه من ابتياع المقاتي مع
أن بعض خضرها لم يخلق وجواب ذلك بطريقين
أحدهما أن يقال إن النهى لم
يشمل بلفظه هذه الصورة لأن نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر انصرف إلى
البيع المعهود عند المخاطبين وما كان مثله لأن لام التعريف تنصرف إلى ما
يعرفه المخاطبون فإن كان هنالك شخص معهود أو نوع معهود انصرف الكلام إليه
كما انصرف اللفظ إلى الرسول المعين في قوله تعالى: 24: 62 {لا تَجْعَلُوا
دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} وفي قوله 73:
16 {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} وإلى النوع المخصوص نهيه عن بيع الثمر
فإنه لا خلاف بين المسلمين أن المراد بالثمر هنا الرطب دون العنب وغيره
وإن لم يكن المعهود شخصيا ولا نوعيا انصرف إلى

وتعريف المضاف إليه
فالبيع المذكور للثمر هو بيع الثمر الذي يعهدونه دخل كدخول القرن الثاني
والثالث فيما خاطب به الرسول أصحابه
ونظير هذا ما ذكره أحمد في نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن بول الرجل في الماء الدائم الذي لا يجري ثم
يغتسل منه فحمله على ما كان معهودا على عهده من المياه الدائمة كالأبيار
والحياض التي بين مكة والمدينة فأما المصانع الكبار التي لا يمكن نزحها
التي أحدثت بعده فلم يدخله في العموم لوجود الفارق المعنوي وعدم العموم
اللفظي
يدل على عدم العموم في مسألتنا أن في الصحيحين عن أنس بن مالك
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى
قيل وما تزهى قال تحمر وتصفر وفي لفظ نهى عن بيع الثمر حتى يزهو ولفظ مسلم
نهى عن بيع ثمر النخل حتى يزهو ومعلوم أن ذلك هو ثمر النخل كما جاء مقيدا
لأنه هو الذي يزهو فيحمر أو يصفر وإلا فمن الثمار ما يكون نضجها بالبياض
كالتوت والتفاح والعنب الأبيض والإجاص الأبيض الذي يسميه أهل دمشق الخوخ
والخوخ الأبيض الذي يسمى الفرسك ويسميه الدمشقيون الدراق أو باللين! بلا
تغير لون كالتين ونحوه ولذلك جاء في الصحيحين عن جابر قال نهى النبي صلى
الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى تشقح قيل وما تشقح قال تحمار وتصفار
ويؤكل منها وهذه الثمرة هي الرطب وكذلك في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبتاعوا الثمار حتى يبدو
صلاحها ولا تبتاعوا التمر بالتمر" والتمر الثاني هو الرطب بلا ريب فكذلك
الأول لأن اللفظ واحد وفي صحيح مسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تبتاعوا التمر حتى يبدو صلاحه وتذهب عنه الآفة وقال بدو صلاحه حمرته
وصفرته فهذه الأحاديث التي فيها لفظ التمر

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث - صفحة 2 Empty رد: كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث {الأربعاء 8 يونيو - 15:29}


فتدبر هذا وفرق بين تغيير الحكم المعين الخاص الذي أثبته العبد بإدخاله
في المطلق وبين تغيير الحكم العام الذي أثبته الشارع عند وجود سببه من
العبد وإذا ظهر أن العقود لا يحرم منها إلا ما حرمه الشارع فإنما وجب
الوفاء بها لإيجاب الشارع الوفاء بها مطلقا إلا ما خصه الدليل على أن
الوفاء بها من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل والعقلاء جميعهم وقد
أدخلها في الواجبات العقلية من قال بالوجوب العقلي ففعلها ابتداء لا يحرم
إلا بتحريم الشارع والوفاء بها وجب لإيجاب الشارع إذن ولإيجاب العقل أيضا
وأيضا
فإن الأصل في العقود رضى المتعاقدين وموجبها هو ما أوجباه على أنفسهما
بالتعاقد لأن الله قال في كتابه العزيز {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً
عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وقال: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ
نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} فعلق جواز الأكل بطيب النفس تعليق
الجزاء بشرطه فدل على أنه سبب له وهو حكم معلق على وصف مشتق مناسب فدل على
أن ذلك الوصف سبب لذلك الحكم وإذا كان طيب النفس هو المبيح لأكل الصداق
فكذلك سائر التبرعات قياسا عليه بالعلة المنصوص التي دل عليها القرآن وكذلك
قوله {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} لم يشترط في
التجارة إلا التراضي وذلك يقتضي أن التراضي هو المبيح للتجارة وإذا كان
كذلك فإذا تراضى المتعاقدان بتجارة أو طابت نفس المتبرع بتبرع ثبت حله
بدلالة القرآن إلا أن يتضمن ما حرمه الله ورسوله كالتجارة في الخمر ونحو
ذلك
وأيضا فإن العقد له حالان حال إطلاق وحال تقييد ففرق بين العقد
المطلق وبين المعنى المطلق من العقود فإذا قيل هذا شرط ينافي مقتضى العقد
فإن أريد به ينافي العقد المطلق فكذلك كل شرط زائد وهذا لا يضره وإن أريد
ينافى مقتضى العقد المطلق والمقيد احتاج إلى دليل على ذلك وإنما يصح هذا
إذا نافى مقصود العقد فإن العقد إذا كان له مقصود يراد في جميع

صوره
وشرط فيه ما ينافي ذلك المقصود فقد جمع بين المتناقضين بين إثبات المقصود
ونفيه فلا يحصل شئ ومثل هذا الشرط باطل بالاتفاق بل هو مبطل للعقد عندنا
والشروط
الفاسدة قد تبطل لكونها تنافي مقصود الشارع مثل اشتراط الولاء لغير المعتق
فإن هذا لا ينافي مقتضى العقد ولا مقصوده الملك والعتق قد يكون مقصودا
للعقد فإن اشتراء العبد لعتقه يقصد كثيرا فثبوت الولاء لا ينافي مقصود
العقد وإنما ينافي كتاب الله وشرطه كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم
بقوله: "كتاب الله أحق وشرط الله أوثق" فإذا كان الشرط منافيا لمقصود العقد
كان العقد لغوا وإذا كان منافيا لمقصود الشارع كان مخالفا لله ورسوله فأما
إذا لم يشتمل على واحد منهما فلم يكن لغوا ولا اشتمل على ما حرمه الله
ورسوله فلا وجه لتحريمه بل الواجب حله لأنه عمل مقصود للناس يحتاجون إليه
إذا لولا حاجتهم إليه لما فعلوه فإن الإقدام على الفعل مظنة الحاجة إليه
ولم يثبت تحريمه فيباح لما في الكتاب والسنة مما يرفع الحرج
وأيضا فإن
العقود والشروط لا تخلوا إما أن يقال لا يحل ولا يصح إن لم يدل على حلها
دليل شرعي خاص من نص أو إجماع أو قياس عند الجمهور كما ذكرناه من القول
الأول أو يقال لا تحل وتصح حتى يدل على حلها دليل سمعى وإن كان عاما أو
يقال تصح ولا تحرم إلا يحرمها الشارع بدليل خاص أو عام
والقول الأول
باطل لأن الكتاب والسنة دلا على صحة العقود والقبوض التي وقعت في حال الكفر
وأمر الله بالوفاء بها إذا لم يكن فيها بعد الإسلام شيء محرم فقال سبحانه
في آية الربا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا
مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فأمرهم بترك ما بقى
لهم من الربا في الذمم ولم يأمرهم برد ما قبضوه بعقد الربا بل مفهوم الآية
الذي اتفق العمل عليه

يوجب أنه غير منهي عنه ولذلك فإن النبي صلى
الله عليه وسلم أسقط عام حجة الوداع الربا الذي في الذمم ولم يأمرهم برد
المقبوض وقال صلى الله عليه وسلم: "أيما قسم قسم في الجاهلية فهو على ما
قسم وأيما قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام" وأقر الناس على أنكحتهم
التي عقدوها في الجاهلية ولم يستفصل هل عقد به في عدة أو غير عدة بولى أو
بغير ولى بشهود أو بغير شهود ولم يأمر أحدا بتجديد نكاح ولا بفراق امرأته
إلا أن يكون السبب المحرم موجودا حين الإسلام كما أمر غيلان بن سلمة الثقفي
الذي أسلم وتحته عشر نسوة أن يمسك أربعا ويفارق سائرهن وكما أمر فيروزا
الديلمي الذي أسلم وتحته أختان أن يختار إحداهما ويفارق في الأخرى وكما أمر
الصحابة من أسلم من المجوس أن يفارقوا ذوات المحارم ولهذا اتفق المسلمون
على أن العقود التي عقدها الكفار يحكم بصحتها بعد الإسلام إذا لم تكن محرمة
على المسلمين وإن كان الكفار لم يعقدوها بإذن الشارع ولو كانت العقود
عندهم كالعبادات لا تصح إلا بشرع لحكموا بفسادها أو بفساد ما لم يكن أهله
مستمسكين فيه بشرع
فإن قيل فقد اتفق فقهاء الحديث وأهل الحجاز على أنها
إذا عقدت على وجه محرم في الإسلام ثم أسلموا بعد زواله ولم يؤمروا
باستئنافها لأن الإسلام يجب ما قبله فليس ما عقدوه بغير شرع دون ما عقدوه
مع تحريم الشرع وكلاهما عندكم سواء
قلنا ليس كذلك بل ما عقدوه مع
التحريم إنما يحكم بصحته إذا اتصل به التقابض وأما إذا أسلموا قبل التقابض
فإنه يفسخ بخلاف ما عقدوه يغير شرع فإنه لا يفسخ لا قبل القبض ولا بعده ولم
أر الفقهاء من أصحابها وغيرهم اشترطوا في النكاح القبض بل سووا بين
الإسلام قبل الدخول وبعده لأن نفس عقد النكاح يوجب أحكاما بنفسه وإن لم
يحصل به القبض من المصاهرة

ونحوها كما أن نفس الوطء يوجب أحكاما وإن
كان بغير نكاح فلما كان كل واحد من العقد والوطء مقصودا في نفسه وإن لم
يقترن بالآخر أقرهم الشارع على ذلك بخلاف الأموال فإن المقصود بعقودها هو
التقابض فإذا لم يحصل التقابض لم يحصل مقصودها فأبطلها الشارع لعدم حصول
المقصود
فتبين بذلك أن مقصود العباد من المعاملات لا يبطله الشارع إلا
مع التحريم لأنه لا يصححه إلا بتحليل
وأيضا فإن المسلمين إذا تعاقدوا
بينهم عقودا ولم يكونوا يعلمون لا تحريمها ولا تحليلها فإن الفقهاء جميعهم
فيما أعلمه يصححونها إذا لم يعتقدوا تحريمها وإن كان العاقد لم يكن حينئذ
يعلم تحليلها لا باجتهاد ولا بتقليد ولا يقول أحد لا يصح العقد إلا الذي
يعتقد العاقد أن الشارع أحله فلو كان إذن الشارع الخاص شرطا في صحة العقود
لم يصح عقد إلا بعد ثبوت إذنه كما لو حكم الحاكم بغير اجتهاد فإنه آثم وإن
كان قد صادف الحق
وأما إن قيل لا بد من دليل شرعي يدل على حلها سواء كان
عاما أو خاصا فعنه جوابان
أحدهما المنع كما تقدم والثاني أن نقول قد
دلت الأدلة الشرعية العامة على حل العقود والشوط جملة إلا ما استثناه
الشارع وما عرضوا به سنتكلم عنه إن شاء الله فلم يبقى إلا القول الثالث وهو
المقصود
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما شرط ليس في كتاب الله فهو
باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق" فالشرط يراد به
المصدر تارة والمفعول أخرى وكذلك الوعد والخلف ومنه قولهم درهم ضرب الأمير
والمراد به هنا والله أعلم المشروط لا نفس التكلم ولهذا قال: "وإن كان مائة
شرط" أى وإن كان قد شرط مائة شرط وليس المراد تعديد التكلم بالشرط وإنما
المراد تعديد الشروط والدليل على ذلك قوله:

: "كتاب الله أحق وشرط
الله أوثق" أى كتاب الله أحق من هذا الشرط وشرط الله أوثق منه وهذا إنما
يكون إذا خالف ذلك الشرط كتاب الله وشرطه بأن يكون المشروط مما حرمه الله
تعالى
وأما إذا كان المشروط مما لم يحرمه الله فلم يخالف كتاب الله
وشرطه حتى يقال كتاب الله أحق وشرط الله أوثق فيكون المعنى من اشترط أمرا
ليس في حكم الله ولا في كتابه بواسطة وبغير واسطة فهو باطل لأنه لا بد أن
يكون المشروط مما يباح فعله بدون الشرط حتى يصح اشتراطه ويجب بالشرط ولما
لم يكن في كتاب الله أن الولاء لغير المعتق أبدا كان هذا المشروط وهو ثبوت
الولاء لغير المعتق شرطا ليس في كتاب الله فانظر إلى المشروط إن كان أصلا
أو حكما فإن كان الله قد أباحه جاز اشتراطه ووجب وإن كان الله لم يبحه لم
يجز اشتراطه فإذا شرط الرجل أن لا يسافر بزوجته فهذا المشروط في كتاب الله
لأن كتاب الله يبيح أن لا يسافر بها فإذا شرط عدم السفر فقد شرط مشروطا
مباحا في كتاب الله
فمضمون الحديث أن المشروط إذا لم يكن من الأفعال
المباحة أو يقال ليس في كتاب الله أى ليس في كتاب الله نفيه كما قال سيكون
أقوام يحدثونكم بما لا تعرفون أنتم ولا آباؤكم أى بما تعرفون خلافه وإلا
فما لا يعرف كثير
ثم نقول إذا لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن
العقود والشروط التي لم يبحها الشارع تكون باطلة بمعنى أنه لا يلزم بها شئ
لا إيجاب ولا تحريم فإن هذا خلاف الكتاب والسنة بل العقود والشروط المحرمة
قد يلزم بها أحكام فإن الله قد حرم عقد الظهار في نفس كتابه وسماه منكرا من
القول وزورا ثم إنه أوجب به على من عاد الكفارة ومن لم يعد جعل في حقه
مقصود التحريم من ترك الوطء أو ترك العقد وكذا النذر فإن النبي صلى الله
عليه

وسلم نهى عن النذر كما ثبت عنه من حديث أبي هريرة وابن عمر فقال
إنه لا يأتي بخير ثم أوجب الوفاء به إذا كان طاعة في قوله صلى الله عليه
وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه
فالعقد
المحرم قد يكون سببا لإيجاب أو تحريم نعم لا يكون سببا لإباحة كما أنه لما
نهى عن بيوع الغرر وعن عقد الربا وعن نكاح ذوات المحارم ونحو ذلك لم يستفد
المنهي عنه الاستباحة لأن المنهي عنه معصية والأصل في المعاصي أنها لا تكون
سببا لنعمة الله ورحمته والإباحة من نعمة الله ورحمته وإن كانت قد تكون
سببا للإملاء ولفتح أبواب الدنيا لكن ذلك قدر ليس بشرع بل قد يكون سببا
لعقوبة الله والإيجاب والتحريم قد يكون عقوبة كما قال الله تعالى
{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ
أُحِلَّتْ لَهُمْ} وإن كان قد يكون رحمة أيضا كما جاءت شريعتنا الحنيفية
و
المخالفون في هذه القاعدة من أهل الظاهر ونحوهم قد يجعلون كل ما لم يؤذن
فيه إذن خاص فهو عقد حرام وكل عقد حرام فوجوده كعدمه وكلا المقدمتين ممنوعة
كما تقدم
وقد يجاب عن هذه الحجة بطريقة ثانية إن كان النبي صلى الله
عليه وسلم أراد الشروط التي لم يبحها وإن كان لم يحرمها باطلة فنقول
قد
ذكرنا ما في الكتاب والسنة والآثار من الأدلة الدالة على وجوب الوفاء
بالعهود والشروط عموما وأن المقصود هو وجوب الوفاء بها وعلى هذا التقدير
فوجوب الوفاء بها يقتضي أن تكون مباحة فإنه إذا وجب الوفاء بها لم تكن
باطلة وإذا لم تكن باطلة كانت مباحة وذلك لأن قوله ليس في كتاب الله إنما
يشمل ما ليس في كتاب الله لا بعمومه ولا بخصوصه وإنما دل كتاب الله على
إباحته بعمومه فإنه في كتاب الله لأن قولنا هذا في كتاب الله يعم ما هو فيه
بالخصوص أو بالعموم وعلى هذا معنى قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا

عَلَيْكَ
الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} وقوله {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي
بَيْنَ يَدَيْهِ} وقوله {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} على
قول من جعل الكتاب هو القرآن وأما على قول من جعل اللوح المحفوظ فلا يجيء
ههنا
يدل على ذلك أن الشرط الذي بينا جوازه بسنة أو إجماع صحيح بالاتفاق
فيجب أن يكون في كتاب الله وقد لا يكون في كتاب الله بخصوصه لكن في كتاب
الله الأمر باتباع السنة واتباع سبيل المؤمنين فيكون في كتاب الله بهذا
الاعتبار لأن جامع الجامع جامع ودليل الدليل دليل بهذا الاعتبار
يبقى أن
يقال على هذا الجواب فإذا كان كتاب الله أوجب الوفاء بالشروط عموما فشرط
الولاء داخل في العموم
فيقال العموم إنما يكون دالا إذا لم ينفعه دليل
خاص فإن الخاص يفسر العام وهذا المشروط قد نفاه النبي صلى الله عليه وسلم
بنهيه عن بيع الولاء وعن هبته وقوله: "من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير
مواليه فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين" ودل الكتاب على ذلك بقوله
تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا
جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ
وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ
بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ادْعُوهُمْ
لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا
آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فأوجب علينا
دعاءه لأبيه الذي ولده دون من تبناه وحرم التبني ثم أمر عند عدم العلم
بالأب بأن يدعي أخاه في الدين ومولاه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
لزيد بن حارثة: "أنت أخونا ومولانا" وقال صلى الله عليه وسلم: "إخوانكم
خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليكسه
مما يلبس"
فجعل سبحانه الولاء نظير النسب وبين سبب الولاء في قوله
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ
عَلَيْهِ} فبين أن سبب الولاء هو الإنعام بالإعتاق كما أن سبب النسب هو
الإنعام بالإيلاد فإذا كان قد حرم الانتقال

عن المنعم بالإيلاد فكذلك
يحرم الانتقال عن المنعم بالأعتاق لأنه في معناه فمن اشترط على المشتري أن
يعتق ويكون الولاء لغيره فهو كمن اشترط على المستنكح أنه إذا أولد كان
النسب لغيره
و إلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:
"إنما الولاء لمن أعتق"
و إذا كان كتاب الله قد دل على تحريم هذا
المشروط بخصوصه وعمومه لم يدخل في العهود التي أمر الله بالوفاء بها لأنه
سبحانه لا يأمر بما حرمه مع أن الذي يغلب على القلب أن النبي صلى الله عليه
وسلم لم يرد إلا المعنى الأول وهو إبطال الشروط التي تنافي كتاب الله
والتقدير من اشترط شيئا لم يبحه الله فيكون المشروط قد حرمه لأن كتاب الله
قد أباح عموما لم يحرمه أو من اشترط ما ينافي كتاب الله بدليل قوله: "كتاب
الله أحق وشرط الله أوثق" فإذا ظهر أن لعدم تحريم العقود والشروط جملة
وصحتها أصلان الأدلة الشرعية العامة والأدلة العقلية التي هي الاستصحاب
وانتفاء المحرم فلا يجوز القول بموجب هذه القاعدة في أنواع المسائل
وأعيانها إلا بعد الاجتهاد في خصوص ذلك النوع أو المسألة هل ورد من الأدلة
الشرعية ما يقتضي التحريم أم لا
أما إذا كان المدرك الاستصحاب ونفي
الدليل الشرعي فقد أجمع المسلمون وعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا
يجوز لأحد أن يعتقد ويفتي بموجب هذا الاستصحاب والنفي إلا بعد البحث عن
الأدلة الخاصة إذا كان من أهل ذلك فإن جميع ما أوجبه الله ورسوله وحرمه
الله ورسوله مفسر لهذا الاستصحاب فلا يوثق به إلا بعد النظر في أدلة الشرع
لمن هو من أهل ذاك وأما إذا كان المدرك هو النصوص العامة فالعام الذي كثرت
تخصيصاته المنتشرة أيضا لا يجوز التمسك به إلا بعد البحث عن تلك المسألة هل
هي من المستخرج أو من المستبقي وهذا أيضا لا خلاف فيه وإنما اختلف العلماء
في العموم الذي لم يعلم تخصيصه أو علم تخصيص صور معينة فيه هل يجوز
استعماله فيما عدا ذلك قبل

البحث عن المخصص المعارض له فقد اختلف في
ذلك أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما وذكروا عن أحمد فيه روايتين وأكثر نصوصه
على أنه لا يجوز لأهل زمانه ونحوهم استعمال ظواهر الكتاب قبل البحث عما
يفسرها من السنة وأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم وهذا هو الصحيح الذي
اختاره أبو الخطاب وغيره فإن الظاهر الذي لا يغلب على الظن انتفاء ما
يعارضه لا يغلب على الظن مقتضاه فإذا غلب على الظن انتفاء معارضه غلب على
الظن مقتضاه وهذا الغلبة لا تحصل للمتأخرين في أكثر العمومات إلا بعد البحث
عن المعارض سواء جعل عدم المعارض جزءا من الدليل فيكون الدليل هو الظاهر
المجرد عن القرينة كما يختاره من لا يقول بتخصيص الدليل ولا العلة من
أصحابنا وغيرهم أو جعل المعارض باب المانع للدليل فيكون الدليل هو الظاهر
لكن القرينة مانعة لدلالته كما يقوله من يقول بتخصيص الدليل والعلة من
أصحابنا وغيرهم وإن كان الخلاف في ذلك إنما يعود إلى اعتبار عقلي أو إطلاق
لفظي أو اصطلاح جدلي لا يرتفع إلى أمر علمي أو فقهي
فإذا كان كذلك
فالأدلة النافية لتحريم العقود والشروط والمثبتة لحلها مخصوصة بجميع ما
حرمه الله ورسوله من العقود والشروط فلا ينتفع بهذه القاعدة في أنواع
المسائل إلا مع العلم بالحجج الخاصة في ذلك النوع فهي بأصول الفقه التي هي
الأدلة العامة أشبه منها بقواعد الفقه التي هي الأحكام العامة
نعم من
غلب على ظنه من الفقهاء انتفاء المعارض في مسألة خلافية أو حادثة انتفع
بهذه القاعدة فنذكر من أنواعها قواعد حكمية مطلقة
فمن ذلك ما ذكرناه من
أنه يجوز لكل من أخرج عينا من ملكه بمعاوضة كالبيع والخلع أو تبرع كالوقف
والعتق أن يستثني بعض منافعها مما لا يصلح فيه القربة كالبيع فلا بد أن
يكون المستثنى معلوما لما روى البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن جابر
قال بعته يعني بعيره من النبي صلى الله

عليه وسلم واشترطت حملانه
إلى أهلي وإن لم يكن كذلك كالعتق والوقف فله أن يستثني خدمة العبد ما عاش
سيده أو عاش فلان ويستثني غلة الوقف ما عاش الواقف
ومن ذلك أن البائع
إذا شرط على المشتري أن يعتق العبد صح ذلك في ظاهر مذهب الشافعي وأحمد
وغيرهما لحديث بريرة وإن كان عنهما قول بخلافه
ثم هل يصير العتق واجبا
على المشتري كما يجب العتق بالنذر بحيث يفعله الحاكم إذا امتنع أم يملك
البائع الفسخ عند امتناعه من العتق كما يملك الفسخ بفوات الصفة المشروطة في
المبيع على وجهين في مذهبهما ثم الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد يرون هذا
خارجا عن القياس لما فيه من منع المشتري من التصرف في ملكه بغير العتق وذلك
مخالف لمقتضى العقد فإن مقتضاه الملك الذي يملك صاحبه التصرف مطلقا
قالوا
وإنما جوزته السنة لأن الشارع له إلى العتق تشوف لا يوجد في غيره ولذلك
أوجب فيه السراية مع ما فيه من إخراج ملك الشريك بغير اختياره وإذا كان
مبناه على التغليب والسراية والنفوذ في ملك الغير لم يلحق به غيره فلا يجوز
اشتراط غيره
و أصول أحمد ونصوصه تقتضي جواز شرط كل تصرف فيه مقصود صحيح
وإن كان فيه منع من غيره قال ابن القاسم قيل لأحمد الرجل يبيع الجارية على
أن يعتقها فأجازه فقيل له فإن هؤلاء يعني أصحاب أبي حنيفة يقولون لا يجوز
البيع على هذا الشرط قال لم لا يجوز قد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم
بعير جابر واشترط ظهره إلى المدينة واشترت عائشة بريرة على أن تعتقها فلم
لا يجوز هذا قال وإنما هذا شرط واحد والنهي إنما هو عن شرطين قيل له فإن
شرط شرطين أيجوز قال لا يجوز

فقد نازع من منع منه واستدل على جوازه
باشتراط النبي صلى الله عليه وسلم ظهر البعير لجابر وبحديث بريرة وبأن
النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن شرطين في بيع مع أن حديث جابر فيه
استثناء بعض منفعة المبيع وهو نقص لموجب العقد المطلق واشتراط العتق فيه
تصرف مقصود مستلزم لنقص موجب العقد المطلق
فعلم أنه لا يفرق بين أن يكون
النقص في التصرف أو في المملوك واستدلاله بحديث الشرطين دليل على جواز هذا
الجنس كله ولو كان العتق على خلاف القياس لما قاسه على غيره ولا استدل
عليه بما يشمله وغيره
وكذلك قال أحمد بن الحسين بن حسان سألت أبا عبد
الله عمن اشترى مملوكا واشترط هو حر بعد موتي قال هذا مدبر فجوز اشتراط
التدبير كالعتق ولأصحاب الشافعي في شرط التدبير خلاف صحح الرافعي أنه لا
يصح
و كذلك جوز اشتراط التسري فقال أبو طالب سألت أحمد عن رجل اشترى
جارية بشرط أن يتسرى بها تكون نفيسة يحب أهلها أن يتسرى بها ولا تكون
للخدمة قال لا بأس به فلو كان التسري للبائع وللجارية فيه مقصود صحيح جوزه
وكذلك
جوز أن يشترط بائع الجارية ونحوها على المشتري أنه لا يبيعها لغير البائع
وأن البائع يأخذها إذا أراد المشتري بيعها بالثمن الأول كما رووه عن عمر
وابن مسعود وامرأته زينب
وجماع ذلك أن المبيع الذي يدخل في مطلق العقد
بأجزائه ومنافعه يملكان اشتراط الزيادة عليه كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم: "من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع" فجوز
للمشتري اشتراط زيادة على موجب العقد المطلق وهو جائز بالإجماع ويملكان
اشتراط النقص منه بالاستثناء كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثنيا
إلا أن تعلم فدل على جوازها إذا

علمت وكما استثنى جابر ظهر بعيره إلى
المدينة
و قد أجمع المسلمون فيما أعلمه على جواز استثناء الجزء الشائع
مثل مثل أن يبيعه الدار إلا ربعها أو ثلثها واستثناء الجزء المعين إذا أمكن
فصله بغير ضرر مثل أن يبيعه ثمر البستان إلا نخلات بعينها أو الثياب أو
العبيد أو الماشية التي قد رأياها إلا شيئا منها قد عيناه
و اختلفوا في
استثناء بعض المنفعة كسكنى الدار شهرا أو استخدام العبد شهرا أو ركوب
الدابة مدة معينة أو إلى بلد بعينه مع اتفاق الفقهاء المشهورين وأتباعهم
وجمهور الصحابة على أن ذلك قد يقع كما إذا اشترى أمة مزوجة فأن منفعة بضعها
التي يملكها الزوج لم تدخل في العقد كما اشترت عائشة بريرة وكانت مزوجة
لكن هي اشترتها بشرط العتق فلم تملك التصرف فيها إلا بالعتق والعتق ينافي
نكاحها فلذلك كان ابن عباس رضي الله عنهما وهو ممن روى حديث سريره يرى أن
بيع الأمة طلاقها مع طائفة من الصحابة تأويلا لقوله تعالى:
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
قالوا فإذا ابتاعها أو اتهبها أو ورثها فقد ملكتها يمينه فتباح له ولا يكون
ذلك إلا بزوال ملك الزوج واحتج بعض الفقهاء على ذلك بحديث بريرة
فلم
يرض أحمد هذه الحجة لأن ابن عباس رواه وخالفه وذلك والله أعلم لما ذكرته من
أن عائشة لم تملك بريرة ملكا مطلقا
ثم الفقهاء قاطبة وجمهور الصحابة
على أن الأمة المزوجة إذا انتقل الملك فيها ببيع أو هبة أو إرث أو نحو ذلك
وكان مالكها معصوم الملك لم يزل عنها ملك الزوج وملكها المشتري ونحوه إلا
منفعة البضع
ومن حجتهم أن البائع نفسه لو أراد أن يزيل ملك الزوج لم
يمكنه ذلك فالمشتري الذي هو دون البائع لا يكون أقوى منه ولا يكون الملك
الثابت للمشتري أتم من البائع والزوج معصوم لا يجوز الاستيلاء على حقه
بخلاف المسبية

فإن فيها خلافا ليس هذا موضعه لكون أهل الحرب تباح
دماؤهم وأموالهم وكذلك ما ملكوه من الأبضاع
و كذلك فقهاء الحديث وأهل
الحجاز متفقون على أنه إذا باع شجرا قد بدا ثمره كالنخل المؤبر فثمره
للبائع مستحق الإبقاء إلى كمال صلاحه فيكون البائع قد استثنى منفعة الشجر
إلى كمال الصلاح وكذلك 3بيع العين المؤجرة كالدار والعبد عامتهم يجوزه
ويملكه المشتري دون المنفعة التي للمستأجر
فقهاء الحديث كأحمد وغيره
يجوزون استثناء بعض منفعة العقد كما في صور الوفاق وكاستثناء بعض أجزاءه
معينا ومشاعا وكذلك يجوزون استثناء بعض أجزائه معينا إذا كانت العادة جارية
بفصله كبيع الشاة واستثناء بعضها سواء قطعها من الرأس والجلد والأكارع
وكذلك الإجارة فإن العقد المطلق يقتضي نوعا من الانتفاع في الإجارات
المقدرة بالزمان كما لو استأجر أرضا للزرع أو حانوتا لتجارة فيه أو صناعة
أو أجير لخياطة أو بناء ونحو ذلك فإنه لو زاد على موجب العقد المطلق أو نقص
عنه فإنه يجوز بغير خلاف أعلمه في النكاح فإن العقد المطلق يقتضي ملك
الاستمتاع المطلق الذي يقتضيه العرف حيث شاء ومتى شاء فينقلها إلى حيث شاء
إذا لم يكن فيه ضرر إلا ما استثناه من الاستمتاع المحرم الذي هو مهر المثل
وملكها للاستمتاع في الجملة فإنه لو كان مجبوبا أو عنينا ثبت لها الفسخ عند
السلف والفقهاء والمشاهير ولو آلى منها ثبت لها فراقه إذا لم يفئ بالكتاب
والإجماع وإن كان من الفقهاء من لا يوجب عليه الوطء وقسم الابتداء بل يكتفي
بالباعث الطبيعي كمذهب أبي حنيفة والشافعي ورواية عن أحمد فإن الصحيح من
وجوه كثيرة أنه يجب عليه الوطء والقسم كما دل عليه الكتاب والسنة وآثار
الصحابة والاعتبار وقيل يتقدر الوطء الواجب بمرة كل أربعة أشهر اعتبارا
بالإبلاء ويجب إن يطأها بالمعروف كما ينفق عليها بالمعروف فيه خلاف في مذهب
أحمد وغيره والصحيح الذي يدل

عليه أكثر نصوص أحمد وعليه أكثر السلف
أن ما يوجبه العقد لكل واحد من الزوجين على الآخر كالنفقة والاستمتاع
والمبيت للمرأة وكالاستمتاع للزوج ليس بمقدر بل المرجع في ذلك إلى العرف
كما دل عليه الكتاب في مثل قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} والسنة في مثل قوله صلى الله عليه وسلم لهند:
"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" وإذا تنازع الزوجان فيه فرض الحاكم باجتهاده
كما فرضت الصحابة مقدار الوطء للزوج بمرات معدودة ومن قدر من أصحاب أحمد
الوطء المستحق فهو كتقدير الشافعي النفقة إذ كلاهما تحتاجه المرأة ويوجبه
العقد وتقدير ذلك ضعيف عند عامة الفقهاء بعيد عن معاني الكتاب والسنة
والاعتبار والشافعي إنما قدره طردا للقاعدة التي ذكرناها عنه من نفيه
للجهالة في جميع العقود قياسا على المنع من بيع الغرر فجعل النفقة المستحقة
بعقد النكاح مقدرة طردا لذلك وقد تقدم التنبيه على هذا الأصل
وكذلك
يوجب العقد المطلق سلامة الزوج من الجب والعنة عند عامة الفقهاء وكذلك يوجب
عند الجمهور سلامتها من موانع الوطء كالرتق وسلامتها من الجنون والجذام
والبرص وكذلك سلامتها من العيوب التي تمنع كماله كخروج النجاسات منه أو
منها ونحو ذلك في أحد الوجهين في مذهب أحمد وغيره دون الجمال ونحو ذلك
وموجبه كفاءة الرجل أيضا دون ما زاد على ذلك
ثم لو شرط أحد الزوجين في
الآخر صفة مقصودة كالمال والجمال والبكارة ونحو ذلك صح ذلك وملك المشترط
الفسخ عند فواته في أصح الرواية عند أحمد أو أصح وجهي أصحاب الشافعي وظاهر
مذهب مالك والرواية الأخرى لا يملك الفسخ إلا في شرط الحرية والدين وفي شرط
النسب على هذه الرواية وجهان سواء كان المشترط هو المرأة في الرجل أو
الرجل في المرأة بل اشتراط المرأة في الرجل أوكد باتفاق الفقهاء من أصحاب
أحمد وغيرهم وما ذكره بعض أصحاب أحمد بخلاف ذلك لا أصل له

وكذلك لو
اشترط بعض الصفة المستحقة بمطلق العقد مثل أن يشترط الزوج أنه مجبوب أو
عنين أو المرأة أنها رتقاء أو مجنونة صح هذا الشرط باتفاق الفقهاء فقد
اتفقوا على صحة الشرط الناقص عن موجب العقد واختلفوا في شرط الزيادة عليه
في هذا الموضع كما ذكرته لك فإن مذهب أبي حنيفة أنه لا يثبت للرجل خيار عيب
ولا شرط في النكاح وأما المهر فإنه لو زاد على مهر المثل أو نقص جاز
بالاتفاق
كذلك يجوز أكثر السلف أو كثير منهم وفقهاء الحديث ومالك في
إحدى الروايتين أن ينقص ملك الزوج فتشترط عليه أن لا ينقلها من بلدها أو من
دارها وأن يزيدها على ما تملكه بالمطلق صرفوا عليها نفسه فلا يتزوج عليها
ولا يتسرى وعند طائفة من السلف وأبي حنيفة والشافعي ومالك في الرواية
الأخرى لا يصح هذا الشرط لكنه له عند أبي حنيفة والشافعي أثر في تسمية
المهر
و القياس المستقيم في هذا الباب الذي عليه أصول أحمد وغيره من
فقهاء الحديث أن اشتراط الزيادة على مطلق العقد واشتراط النقص جائز ما لم
يمنع منه الشرع فإذا كانت الزيادة في العين أو المنفعة المعقود عليها
والنقص من ذلك ما ذكرت فالزيادة في الملك المستحق بالعقد والنقص منه كذلك
فإذا شرط على المشتري أن يعتق العبد أو يقف العين على البائع أو غيره أو أن
يقضي بالعين دينا عليه لمعين أو غير معين أو أن يصل به رحمه ونحو ذلك فهو
اشتراط تصرف مقصود ومثله التبرع المفروض والتطوع
و أما التفريق بين
العتق وغيره بما في العتق من الفضل الذي يتشوفه الشارع فضعيف فإن بعض أنواع
التبرعات أفضل منه فإن صلة ذي الرحم المحتاج أفضل منه كما نص عليه أحمد
فإن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت

جارية لها فقال النبي
صلى الله عليه سلم: "لو تركتيها لأخوالك لكان خيرا لك" ولهذا لو كان للميت
أقارب لا يرثون كانت الوصية لهم أولى من الوصية بالعتق وما أعلم في هذا
خلافا وإنما أعلم الاختلاف في وجوب الوصية لهم فإن فيه عن أحمد روايتين
إحداهما تجب كقول طائفة من السلف والخلف والثانية لا تجب كقول الفقهاء
الثلاثة وغيرهم ولو وصى لغيرهم دونهم فهل تسري تلك الوصية على أقاربه دون
الموصي له أو يعطى ثلثها للموصى له وثلثاها لأقاربه كما تقسم التركة بين
الورثة والموصى له على روايتين عن أحمد وإن كان المشهور عند أكثر أصحابه هو
القول بنفوذ الوصية فإذا كان بعض التبرعات أفضل من العتق لم يصح تعليله
باختصاصه بمزيد الفضيلة
و أيضا فقد يكون المشروط على المشتري أفضل كما
لو كان عليه دين لله من زكاة أو كفارة أو نذر أو دين لآدمي فاشترط عليه
وفاء دينه من ذلك المبيع أو اشترط المشتري على البائع وفاء الدين الذي عليه
من الثمن ونحو ذلك فهذا أوكد من اشتراط العتق
و أما السرية فإنما كانت
لتكميل الحرية وقد شرع مثل ذلك في الأموال وهو حق الشفعة فإنها شرعت لتكميل
الملك للمشتري لما في الشركة من الضرار ونحن نقول شرع ذلك في جميع
المشاركات فيمكن الشريك من المقاسمة فإن أمكن قسمة العين وإلا قسمنا ثمنها
إذا طلب أحدهما ذلك فتكميل العتق نوع من ذلك إذ الشركة تزول بالقسمة تارة
وبالتكميل أخرى
و أصل ذلك أن الملك هو القدرة الشرعية على التصرف بمنزلة
القدرة الحسية فيمكن أن تثبت القدرة على التصرف دون تصرف شرعا كما يثبت
ذلك حسا ولهذا جاء الملك في الشرع أنواعا كما أن القدرة تتنوع أنواعا
فالملك التام يملك فيه التصرف في الرقبة بالبيع والهبة ويورث عنه ويملك
التصرف في منافعه بالإعارة والإجارة والانتفاع وغير ذلك ثم قد يملك الأمة
المجوسية

أو المحرمات عليه بالرضاع فلا يملك منهن الاستمتاع ويملك
المعاوضة عليه بالتزويج بأن يزوج المجوسية المجوسي مثلا وقد يملك أم الولد
ولا يملك بيعها ولا هبتها ولا تورث عنه عند جماهير المسلمين ويملك وطأها
واستخدامها باتفاقهم وكذلك تملك المعاوضة على ذلك بالتزويج والإجارة عند
أكثرهم كأبي حنيفة والشافعي وأحمد
و يملك المرهون ويجب عليه مؤونته ولا
يملك من التصرف ما يزيل حق المرتهن لا ببيع ولا هبة وفي العتق خلاف مشهور
و
العبد المنذور عتقه والهدي والمال الذي قد نذر الصدقة بعينه ونحو ذلك مما
استحق صرفه إلى القربة قد اختلف فيه الفقهاء من أصحابنا وغيرهم هل يزال
ملكه عنه بذلك أم لا وكلا القولين خارج عن قياس الملك المطلق فمن قال لم
يزل ملكه عنه كما قد يقوله أكثر أصحابنا فهو ملك لا يملك صرفه إلا إلى
الجهة المعينة بالإعتاق أو النسك أو الصدقة وهونظير العبد المشترى بشرط
العتق أو الصدقة أو الصلة أو الفدية المشتراة بشرط الإهداء إلى الحرم ومن
قال زال ملكه عنه فإنه يقول هو الذي يملك عتقه وإهداءه والصدقة به وهو أيضا
خلاف قياس زوال الملك في غير هذا الموضع وكذلك اختلاف الفقهاء في الوقف
على معين هل يصير الموقوف ملكا لله أو ينتقل إلى الموقوف عليه أو يكون
باقيا على ملك الواقف على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره
وعلى كل تقدير
فالملك الموصوف نوع مخالف لغيره من الملك في البيع أو الهبة وكذلك ملك
الموهوب له حيث يجوز للوهب الرجوع كالأب إذا وهب لابنه عند فقهاء الحديث
كالشافعي وأحمد نوع مخالف لغيره حيث سلط غير المالك على انتزاعه منه وفسخ
عقده
و نظيره سائر الأملاك في عقد يجوز لأحد المتعاقدين فسخه كالمبيع
بشرط
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث - صفحة 2 Empty رد: كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث {الأربعاء 8 يونيو - 15:30}


القاعدة الرابعة: أن الشرط المتقدم على العقد بمنزلة المقارن له
فصل
القاعدة
الرابعة: أن الشرط المتقدم على العقد بمنزلة المقارن له


في ظاهر مذهب
فقهاء الحديث أحمد وغيره ومذهب أهل المدينة مالك وغيره وهو قول في مذهب
الشافعي نص عليه في صداق السر والعلانية ونقلوه إلى شرط التحليل المتقدم
وغيره وإن كان المشهور من مذهبه ومذهب أبي حنيفة أن المتقدم لا يؤثر بل
يكون كالوعد المطلق عندهم يستحب الوفاء به وهو قول في مذهب أحمد قد يختاره
في بعض المواضع طائفة من أصحابه كاختيار بعضهم أن التحليل المشروط قبل
العقد لا يؤثر إلا أن ينويه الزوج وقت العقد وقول طائفة

القاعدة الخامسة:
في الأيمان والنذور
فصل
القاعدة الخامسة: في الأيمان والنذور

قال
الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ
فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ
وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ
عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ
النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ
اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا
كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ
نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ
اللَّهَ لا يُحِبُّ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ لا يُؤَاخِذُكُمُ
اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا
عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ
مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ
تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ

كَفَّارَةُ
أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
و فيها
قواعد عظيمة لكن تحتاج إلى تقديم مقدمات نافعة جدا في هذا الباب وغيره
المقدمة
الأولى أن اليمين تشتمل على جملتين جملة مقسم بها وجملة مقسم عليها ومسائل
الأيمان إما في حكم المحلوف به وإما في حكم المحلوف عليه
فأما المحلوف
به فالأيمان التي يحلف بها المسلمون مما قد يلزم بها حكم ستة أنواع ليس لها
سابع
أحدها اليمين بالله وما في معناها مما فيه التزام كفر على تقدير
الحنث كقوله هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا على ما فيه من الخلاف بين
الفقهاء
الثاني اليمين بالنذر الذي يسمى نذر اللجاج والغضب كقوله علي
الحج لا أفعل كذا أو إن فعلت كذا فعلي الحج أو مالي صدقة إن فعلت كذا ونحو
ذلك
الثالث اليمين بالطلاق
الرابع اليمين بالعتاق
الخامس اليمين
بالحرام كقوله الحل علي حرام لا أفعل كذا
السادس الظهار كقوله أنت علي
كظهر أمي إن فعلت كذا
فهذا مجموع ما يحلف به المسلمون مما فيه حكم
فأما
الحلف بالمخلوقين كالحلف بالكعبة أو قبر الشيخ أو بنعمة السلطان أو بالسيف
أو بحياة أحد من المخلوقات فما أعلم بين العلماء خلافا أن هذه اليمين
مكروهة منهي عنها وأن الحلف بها لا يوجب حنثا ولا كفارة وهل الحلف بها محرم
أو مكروه كراهة تنزيه فيه قولان في مذهب أحمد وغيره

أصحهما أنه محرم
ولهذا قال أصحابنا كالقاضي أبي يعلى وغيره أنه إذا قال أيمان المسلمين
تلزمني إن فعلت كذا لزمه اليمين بالله والنذر والطلاق والعتاق والظهار ولم
يذكر الحرام لأن يمين الحرام ظهار عند أحمد وأصحابه فلما كان موجبها واحد
عندهم دخل الحرام في الظهار ولم يدخلوا النذر في اليمين بالله وإن جاز أن
يكفر يمينه بالنذر لأن موجب الحلف بالنذر المسمى بنذر اللجاج والغضب عند
الحنث هو التخيير بين التكفير وبين فعل المنذور وموجب اليمين بالله هو
التكفير فقط فلما اختلف موجهما جعلوهما يمينين
نعم إذا قالوا بالرواية
الأخرى عن أحمد وهو أن الحلف بالنذر موجبه الكفارة فقط دخلت اليمين بالنذر
في اليمين بالله
و أما اختلافهم واختلاف غيرهم من العلماء في أن مثل هذا
الكلام هل ينعقد به اليمين أو لا ينعقد فسأذكره إن شاء الله تعالى وإنما
غرضي هنا حصر الأيمان التي يحلف بها المسلمون
و أما أيمان البيعة فقالوا
أول من أحدثها الحجاج بن يوسف الثقفي وكانت السنة أن الناس يبايعون
الخلفاء كما بايع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم يعقدون البيعة كما
يعقدون عقد البيع والنكاح ونحوهما إما أن يذكروا الشروط التي يبايعون عليها
ثم يقولون بايعناك على ذلك كما بايعت الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم
ليلة العقبة فلما أحدث الحجاج ما أحدث من الفسق كان من جملته أن حلف الناس
على بيعتهم لعبد الملك بن مروان بالطلاق والعتاق واليمين بالله صدقة المال
فهذه الأيمان الأربعة هي كانت أيمان البيعة القديمة المبتدعة ثم أحدث
المستخلفون عن الأمراء والملوك وغيرهم أيمانا كثيرة أكثر من ذلك وقد تختلف
فيها عاداتهم ومن أحدث ذلك فعليه إثم ما ترتب على هذه الأيمان من الشر
المقدمة
الثانية أن تخرج اليمين عن هاتين الصيغتين فالأول كقوله

و الله لا
أفعل كذا أو الطلاق يلزمني لا أفعل كذا أو الحل علي حرام لا أفعل كذا أو
علي الحج لا أفعل كذا والثاني كقوله إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو
بريء من الإسلام أو إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو إن فعلت كذا فعلي الحج أو
فما لي صدقة ولهذا عقد الفقهاء لمسائل الأيمان بابين أحدهما باب تعليق
الطلاق بالشروط فيذكرون فيه الحلف بصيغة الجزاء كإن وإذا ومتى أشبه ذلك وإن
دخل فيه صيغة القسم ضمنا وتبعا والباب الثاني باب جامع الأيمان مما يشترك
فيه اليمين بالله والطلاق والعتاق وغير ذلك فيذكرون فيه الحلف بصيغة القسم
وإن دخلت صيغة الجزاء ضمنا وتبعا
و مسائل أحد البابين مختلطة بمسائل
الباب الآخر لاتفاقهما في المعنى كثيرا أو غالبا ولذلك كان طائفة من
الفقهاء كأبي الخطاب وغيره لما ذكروا في كتاب الطلاق باب تعليق الطلاق
بالشروط أردفوه بباب جامع الأيمان وطائفة أخرى كالخرقى والقاضي أبي يعلى
وغيرهما إنما ذكروا باب جامع الأيمان في كتاب الأيمان لأنه به أمس ونظير
هذا الباب حد القذف منهم من يذكره عند باب اللعان لاتصال أحدهما بالآخر
ومنهم من يؤخره إلى كتاب الحدود لأنه به أخص
و إذا تبين أن لليمين
صيغتين صيغة القسم وصيغة الجزاء فالمقدم صيغة القسم مؤخر في صيغة الجزاء
والمؤخر في صيغة الجزاء مقدم في صيغة القسم والشرط المنفي في صيغة الجزاء
مثبت في صيغة القسم فإنه إذا قال الطلاق يلزمني لا أفعل كذا فقد حلف
بالطلاق أن لا يفعل فالطلاق مقدم والفعل مؤخر منفي ولو حلف بصيغة الجزاء
لقال إن فعلت كذا فامرأتي طالق فكان تقدم الفعل مثبتا وتأخر الطلاق منفيا
كما أنه في القسم قدم الحكم

و أخر الفعل وبهذه القاعدة تنحل مسائل
كثيرة من مسائل الأيمان
فأما صيغة الجزاء فهي جملة فعلية في الأصل فإن
أدوات الشرط لا يتصل بها في الأصل إلا الفعل وأما صيغة القسم فتكون فعلية
كقوله أحلف بالله أو تالله أو والله ونحو ذلك وتكون اسمية كقوله لعمر الله
لأفعلن والحل علي حرام لأفعلن
ثم هذا التقسيم ليس من خصائص الأيمان التي
بين العبد وبين الله بل غير ذلك من العقود التي تكون بين الآدميين تارة
تكون بصيغة التعليق الذي هو الشرط والجزاء كقوله في الجعالة من رد عبدي
الآبق فله كذا وقوله في السبق من سبق فله كذا وتارة بصيغة الجزم والتحقيق
إما صيغة خبر كقوله بعت وزوجت وإما صيغة طلب كقول بعني واخلعني
المقدمة
الثالثة وبها يظهر مسائل الأيمان ونحوها أن صيغة التعليق التي تسمى صيغة
الشرط وصيغة المجازاة تنقسم إلى ستة أنواع لأن الحالف إما أن يكون مقصوده
وجود الشرط فقط أو وجود الجزاء فقط أو وجودهما وإما أن لا يقصد وجود واحد
منهما بل يكون مقصوده عدم الشرط فقط أو عدم الجزاء فقط أو عدمهما فالأول
بمنزلة كثير من صور الخلع والكتابة ونذر التبرر والجعالة ونحوها فإن الرجل
إذا قال لامرأته إن أعطيتني ألفا فأنت طالق أو فقد خلعتك أو قال لعبده إن
أديت ألفا فأنت حر أو قال إن رددت عبدي الآبق فلك ألف درهم أو قال إن شفى
الله مريضي أو سلم مالي الغائب فعلي عتق كذا أو الصدقة بكذا فالمعلق قد لا
يكون مقصوده إلا أخذ المال ورد العبد وسلامة النفس والمال وإنما التزم
الجزاء على سبيل العوض كالبائع الذي إنما مقصوده أخذ الثمن والتزم أداء
المبيع على سبيل العوض
فهذا الضرب هو شبيه بالمعاوضة في البيع والإجارة
وكذلك إذا كان قد جعل الطلاق عقوبة لها مثل أن يقول إذا ضربت أمتي فأنت
طالق أو إن

خرجت من الدار فأنت طالق فإنه في الخلع عوضها بالتطليق عن
المال لأنها تريد الطلاق وهنا عوضها عن بعضيتها بالطلاق
و أما الثاني
فمثل أن يقول لامرأته إذا طهرت فأنت طالق أو يقول لعبده إذا مت فأنت حر أو
إذا جاء رأس الحول فأنت حر أو فمالي صدقة ونحو ذلك من التعليق الذي هو
توقيت محض فهذا الضرب هو بمنزلة المنجز في أن كل واحد منهما قصد الطلاق
والعتاق وإنما أخره إلى الوقت المعين بمنزلة تأجيل الدين وبمنزلة من يؤخر
التطليق من وقت إلى وقت لغرض له في التأخير لا لعوض ولا لحلف على طلب أو
خبر ولهذا قال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم إذا حلف أنه لا يحلف بالطلاق مثل
أن يقول والله لا أحلف بطلاقك أو إن حلفت بطلاقك فعبدي حر أو فأنت طالق
وأنه إذا قال إن دخلت أو إن لم تدخلي ونحو ذلك مما فيه معنى الحض أو المنع
فهو حالف ولو كان تعليقا محضا كقوله إذا طلعت الشمس فأنت طالق أو أنت طالق
إن طلعت الشمس فاختلفوا فيه قال أصحاب الشافعي ليس بحالف وقال أصحاب أبي
حنيفة والقاضي في الجامع هو حالف
و أما الثالث وهو أن يكون مقصوده
وجودهما فمثل الذي قد آذته المرأة حتى أحب طلاقها واسترجاع الفدية منها
فيقول إن أبرأتيني من صداقك أو من نفقتك فأنت طالق وهو يريد كلا منهما
و
أما الرابع وهو أن يكون مقصوده عدم الشرط لكنه إذا وجد لم يكره الجزاء بل
يحبه أو لا يحبه ولا يكرهه فمثل أن يقول لامرأته إن زنيت فأنت طالق أو إن
ضربت أمي فأنت طالق ونحو ذلك من التعليق الذي يقصد فيه عدم الشرط ويقصد
وجود الجزاء عند وجوده بحيث إذا زنت أو إذا ضربت أمه يجب أن يفارقها لأنها
لا تصلح له فهذا فيه معنى اليمين وفيه معنى التوقيت فإنه منعها من الفعل
وقصد إيقاع الطلاق عنده كما قصد

إيقاعه عند أخذ العوض منها أو عند
طهرها أو عند طلوع الهلال
و أما الخامس وهو أن يكون مقصوده عدم الجزاء
وتعلقه بالشرط لئلا يوجد وليس له غرض في عدم الشرط فهذا قليل كمن يقول إن
أصبت مائة رمية أعطيتك كذا
و أما السادس وهو أن يكون مقصودهما عدم الشرط
والجزاء وإنما تعلق الجزاء بالشرط ليمتنع وجودهما فهو مثل نذر اللجاج
والغضب ومثل الحلف بالطلاق والعتاق على حض أو منع أو تصديق أو تكذيب مثل أن
يقال له تصدق على فلان أو أصلح بين فلان وفلان أو حج في هذه السنة فيقول
إن تصدقت عليه فعليه صيام كذا أو فامرأته طالق أو فعبيده أحرار أو يقول إن
لم أفعل كذا وكذا فعلي نذر كذا أو امرأتي طالق أو عبدي حر أو يحلف على غيره
ممن يقصد منعه كعبده ونسيبه وصديقه ممن يحضه على طاعته فيقول له إن فعلت
أو إن لم تفعلي فعلي كذا أو فامرأتي طالق أو فعبيدي أحرار ونحو ذلك
فهذا
نذر اللجاج والغضب وما أشبهه من الحلف بالطلاق والعتاق يخالف في المعنى
نذر التبرر والتقرب وما أشبهه من الخلع والكتابة فإن الذي يقول إن سلمني
الله أو سلم مالي من كذا أو إن أعطاني الله كذا فعلي أن أتصدق أو أصوم أو
أحج قصده حصول الشرط الذي هو الغنيمة أو السلامة وقصد أن يشكر الله على ذلك
بما نذره وكذلك المخالع والمكاتب قصده حصول العوض وبذل الطلاق والعتاق
عوضا عن ذلك
و أما النذر في اللجاج والغضب فكما إذا قيل له افعل كذا
فامتنع من فعله ثم قال إن فعلته فعلي الحج أو الصيام فهنا مقصوده أن لا
يكون الشرط ثم إنه لقوة امتناعه ألزم نفسه إن فعله بهذه الأمور الثقيلة
عليه ليكون لزومها له إذا فعل مانعا له من الفعل وكذلك إذا قال إن فعلته
فامرأتي طالق أو فعبيدي أحرار إنما مقصوده الامتناع والتزم بتقدير الفعل ما
هو

شديد عليه من فراق أهله وذهاب ماله ليس غرض هذا أن يتقرب إلى
الله بعتق أو صدقة ولا أن يفارق امرأته ولهذا سمى العلماء هذا نذر اللجاج
والغضب مأخوذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجاه في الصحيحين من
حديث أبي هريرة: "والله لا يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من
أن يعطي الكفارة التي فرض الله عليه"
فصورة هذا النذر صورة نذر التبرر
في اللفظ ومعناه شديد المباينة لمعناه ومن هذا نشأت الشبهة التي سنذكرها في
هذا الباب إن شاء الله تعالى على طائفة من العلماء وبهذا يتبين فقه
الصحابة الذين نظروا إلى معاني الألفاظ لا إلى صورها
إذا تبينت هذه
الأنواع الداخلة في قسم التعليق فقد علمت أن بعضها معناه معنى اليمين بصيغة
القسم وبعضها ليس معناه معنى اليمين بصيغة القسم فمتى كان الشرط المقصود
حضا على فعل أو منعا منه أو تصديقا لخبر أو تكذيبا كان الشرط مقصود العدم
هو وجزاؤه كنذر اللجاج والغضب والحلف بالطلاق على وجه اللجاج والغضب
القاعدة
الأولى أن الحالف بالله سبحانه قد بين الله حكمه بالكتاب والسنة والإجماع
أما
الكتاب فقال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} وقال {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ
أَيْمَانِكُمْ} وقال {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا
تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ
لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ
إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ
لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

و أما السنة ففي الصحيحين
عن عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عبد الرحمن
بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها
عن غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت
الذي هو خير وكفر عن يمينك"
فبين له النبي صلى الله عليه وسلم حكم
الأمانة الذي هو الإمارة وحكم العهد الذي هو اليمين وكانوا في أول الإسلام
لا مخرج لهم من اليمين قبل أن تشرع الكفارة ولهذا قالت عائشة كان أبو بكر
لا يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين وذلك لأن اليمين بالله عقد
بالله فيجب الوفاء به كما يجب في سائر العقود وأشد لأن قوله أحلف بالله
وأقسم بالله وأولي الله ونحو ذلك في معنى قوله أعقد بالله لهذا عدي بحرف
الإلصاق الذي يستعمل في الربط والعقد فينعقد المحلوف عليه بالله كما تنعقد
إحدى اليدين بالأخرى في المعاقدة ولهذا سماه الله سبحانه عقدا في قوله
{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} فإذا كان قد
عقدها بالله فإن الحنث فيها نقض لعهد الله وميثاقه لولا ما فرضه الله من
التحلة ولهذا سمي حلها حنثا والحنث هو الإثم في الأصل فالحنث فيها سبب
للإثم لولا الكفارة الماحية وإنما الكفارة منعته أن يوجب إثما
و نظير
الرخصة في كفارة اليمين بعد عقدها الرخصة أيضا في كفارة الظهار بعد أن كان
الظهار في الجاهلية وأول الإسلام طلاقا وكذلك الإيلاء كان عندهم طلاقا فإن
هذا جار على قاعدة وجوب الوفاء بمقتضى اليمين فإن الإيلاء إذا أوجب الوفاء
بمقتضاه من ترك الوطء صار الوطء محرما وتحريم الوطء تحريما مطلقا مستلزم
لزوال الملك الذي هو الطلاق وكذلك الظهار إذا أوجب التحريم فالتحريم مستلزم
لزوال الملك فإن الزوجة لا تكون محرمة على الإطلاق ولهذا قال سبحانه
وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ
اللَّهُ لَكُمْ

تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} والتحلة مصدر حللت الشيء
تحليلا وتحلة كما يقال كرمته تكريما وتكرمة وهذا المصدر يسمى به المحلل
نفسه الذي هو الكفارة فإن أريد المصدر فالمعنى فرض الله لكم تحليل اليمين
وهو حلها الذي هو خلاف العقد أو الحل ولهذا استدل من استدل من أصحابنا
وغيرهم كأبي بكر بن عبد العزيز بهذه الآية على التكفير قبل الحنث لأن
التحلة لا تكون بعد الحنث فإنه بالحنث تنحل اليمين وإنما تكون التحلة إذا
أخرجت قبل الحنث لتتحلل اليمين وإنما هي بعد الحنث كفارة لأنها كفرت ما في
الحنث من سبب الإثم لنقض عهد الله
فإذا تبين أن ما اقتضته اليمين من
وجوب الوفاء بها رفعه الله عن هذه الأمة بالكفارة التي جعلها بدلا من
الوفاء في جملة ما رفعه عنها من الأخبار التي نبه عليها بقوله تعالى:
{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} فالأفعال ثلاثة إما طاعة وإما معصية وإما
مباح فإذا حلف ليفعلنه مباحا أو ليتركنه فهنا الكفارة مشروعة بالإجماع
وكذلك إذا كان المحلوف عليه فعل مكروه أو ترك مستحب وهو المذكور في قوله
تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا
وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
و
أما إن كان المحلوف عليه ترك واجب أو فعل محرم فهنا لا يجوز الوفاء به
بالاتفاق بل يجب التكفير عند عامة العلماء
و أما قبل أن تشرع الكفارة
فكان الحالف على مثل هذا لا يحل له الوفاء بيمينه ولا كفارة له ترفع عنه
مقتضى الحنث بل يكون عاصيا معصية لا كفارة فيها سواء وفى أم لم يف كما لو
نذر معصية عند من لم يجعل في نذره كفارة وإن كان المحلوف عليه فعل طاعة غير
واجبة
فصل
فأما الحالف بالنذر الذي هو نذر اللجاج والغضب مثل أن
يقول إذا فعلت

كذلك فعلى الحج أو فمالي صدقة أو فعلى صيام يريد بذلك
أن يمنع نفسه عن الفعل أو أن يقول إن لم أفعل كذل فعلى الحج ونحوه فمذهب
أهل العلم من أهل مكة والمدينة والبصرة والكوفة أنه يجزيه كفارة يمين وهو
قول فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم وهذا هو إحدى
الروايتين عن أبي حنيفة وهو الرواية المتأخرة عنه
ثم اختلف هؤلاء
فأكثرهم قالوا هو مخير بين الوفاء بما نذره وبين كفارة يمين وهذا قول
الشافعي والمشهور عن أحمد ومنهم من قال بل عليه الكفارة عينا كما يلزمه ذلك
في اليمين بالله وهو الرواية الأخرى عن أحمد وقول بعض أصحاب الشافعي وقال
مالك وأبو حنيفة في الرواية الأخرى وطائفة بل يجب الوفاء بهذا النذر
وقد
ذكروا أن الشافعي سئل عن هذه المسألة بمصر فأفتى فيها بالكفارة فقال له
السائل يا أبا عبد الله هذا قولك فقال قول من هو خير منى عطاء ابن أبي رباح
وذكروا أن عبد الرحمن بن القاسم حث ابنه في هذه اليمين فأفتاه بكفارة يمين
بقول الليث بن سعد وقال إن عدت أفتيك بقول مالك وهو الوفاء به ولهذا يفرع
أصحاب مالك مسائل هذه اليمين على عمومات الوفاء بالنذر كقوله صلى الله عليه
وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه لأنه حكم جائز معلق بشرط فوجب عند ثبوت
شرطه كسائر الأحكام والأول هو الصحيح والدليل عليه مع ما سنذكره إن شاء
الله من دلالة الكتاب والسنة ما اعتمده الإمام أحمد وغيره
قال أبو بكر
الأثرم في مسائله سألت أبا عبد الله عن رجل قال ماله في رتاج الكعبة قال
كفارة يمين واحتج بحديث عائشة قال وسمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يحلف
بالمشي إلى بيت الله أو الصدقة بالملك أو نحو هذه اليمين فقال إذا حنث
فكفارة يمين إلا أنى لا أحمله على الحنث ما لم يحنث قال له لا يفعل قيل
لأبي عبد الله فإذا حنث كفر قال نعم قيل له

أليس كفارة يمين قال نعم
قال وسمعت أبا عبد الله يقول في حديث ليلى بنت العجماء حين حلفت بكذا وكذا
كل مملوك لها حر فأفتيت بكفارة يمين فاحتج بحديث ابن عمر وابن عباس حين
أفتيا فيمن حلف بعتق جاريته وأيمان فقال أما الجارية فعتق قال الأثرم حدثنا
الفضل بن دكين حدثنا حسن عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة قالت من
قال مالي في رتاج الكعبة وكل مالي فهو هدى وكل مالي في المساكين فليكفر عن
يمينه
وقال حدثنا عارم بن الفضل حدثنا معتمر بن سلميان قال قال أبي
حدثنا بكر بن عبد الله أخبرني أبو رافع قال قالت مولاتى ليلى بنت العجماء
كل مملوك لها محرر وكل مال لها هدى هى يهودية وهي نصرانية إن لم تطلق
امرأتك أو تفرق بينك وبين امرأتك قال فأتيت زينب بنت أم سلمة وكانت إذا
ذكرت امرأة بالمدينة فقيهة ذكرت زينب قال فأتيتها فجاءت معي إليها فقالت في
البيت هاروت وماروت قالت يا زينب جعلني الله فداك إنها قالت كل مملوك لها
محرر وكل مال لها هدى وهى يهودية وهى نصرانية فقالت يهودية ونصرانية خلى
بين الرجل وامرأته فأتيت حفصة أم المؤمنين فأرسلت إليها فأتتها فقالت يا أم
المؤمنين جعلني الله فداك إنها قالت كل مملوك محرر وكل مال لها هدى وهى
يهودية وهى نصرانية فقالت يهودية ونصرانية خلى بين الرجل وبين امرأته قال
فأتيت عبد الله بن عمر فجاء معي إليها فقام على الباب فسلم فقالت بأبي أنت
وبأبي أبوك فقال أمن حجارة أنت أم من حديد أنت أم من أى شئ أنت أفتتك زينب
وأفتتك أم المؤمنين فلم تقبلي فتياهما قالت يا أبا عبد الرحمن جعلني الله
فداءك إنها قالت كل مملوك لها حر وكل مال لها هدى وهى يهودية وهى نصرانية
فقال يهودية ونصرانية كفري عن يمينك وخلى بين الرجل وبين امرأته
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث - صفحة 2 Empty رد: كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث {الأربعاء 8 يونيو - 15:30}


قال الأثرم حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا عمران عن قتادة عن زرارة ابن
أوفى أن امرأة سألت ابن عباس أن امرأة جعلت بردها عليها هديا إن لبسته فقال
ابن عباس أفي غضب أم في رضى قالت في غضب قال إن الله تعالى لا يتقرب إليه
بالغضب لتكفر عن يمينها وقال حدثني ابن الطباع حدثنا أبو بكر بن عياش عن
العلاء بن المسيب عن يعلى بن نعمان عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما
سئل عن الرجل جعل ماله في المساكين فقال أمسك عليك مالك وأنفقه على عيالك
واقض به دينك وكفر عن يمينك وروى الأثرم عن أحمد قال حدثنا عبد الرزاق
أنبأنا ابن جريج قال سئل عطاء عن رجل قال على ألف بدنه قال يمين وعن رجل
قال على ألف حجة قال يمين وعن رجل قال مالي هدى قال يمين وعن رجل قال مالي
في المساكين قال يمين وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن
الحسن وجابر بن زيد في الرجل يقول إن لم أفعل كذا وكذا فأنا محرم بحجة قالا
ليس الإحرام إلا على من نوى الحج يمين يكفرها وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق
أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال يمين يكفرها وقال حرب الكرمانى حدثنا
المسيب بن واضح حدثنا يوسف بن السفر عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح قال
سألت ابن عباس عن الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله الحرام قال إنما المشي
على من نواه فأما من حلف في الغضب فعليه كفارة يمين
وأيضا فإن الاعتبار
في الكلام بمعنى الكلام لا بلفظه وهذا الحالف ليس مقصوده قربة الله وإنما
مقصوده الحض على فعل أو المنع منه وهذا معنى اليمين فإن الحالف يقصد الحض
على فعل شئ أو المنع منه ثم إذا علق ذلك الفعل بالله تعالى أجزأته الكفارة
فلأن تجزيه إذا علق به وجوب عبادة أو تحريم مباح بطريق الأولى لأنه إذا
علقه بالله ثم حنث كان موجب

حنثه أنه قد هتك أيمانه بالله حيث لم يف
بعهده وإذا علق به وجوب فعل أو تحريمه فإنما يكون موجب حنثه ترك واجب أو
فعل محرم ومعلوم أن الحنث الذي موجبه خلل في التوحيد أعظم مما موجبه معصية
من المعاصي فإذا كان الله قد شرع الكفارة لإصلاح ما اقتضي الحنث فساده في
التوحيد ونحو ذلك وجبره فلأن يشرع لإصلاح ما اقتضى الحنث فساده في الطاعة
أولى وأحرى
وأيضا فإنا نقول إن موجب صيغة القسم مثل موجب صيغة التعليق
والنذر نوع من اليمين وكل نذر فهو يمين فقول الناذر لله على أن أفعل بمنزلة
قوله أحلف بالله لأفعلن موجب هذين القولين التزام الفعل معلقا بالله
والدليل
على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم النذر حلفة فقوله إن فعلت كذا فعلى
الحج لله بمنزلة قوله إن فعلت كذا فوالله لأحجن
وطرد هذا انه اذا حلف
ليفعلن برا! لزمه فعله ولم يكن له ان يكفر فإن حلفه ليفعلنه نذر لفعله
وكذلك
طرد هذا أنه إذا نذر ليفعلن معصية أو مباحا فقد حلف على فعلها بمنزلة ما
لو قال والله لأفعلن كذا ولو حلف بالله ليفعلن معصية أو مباحا لزمته كفارة
يمين وكذلك لو قال على لله أن أفعل كذا
ومن الفقهاء من أصحابنا وغيرهم
من يفرق بين البابين
فصل
فأما اليمين بالطلاق أو العتاق في اللجاج
والغضب فمثل أن يقصد بها حضا أو منعا أو تصديقا أو تكذيبا مثل قوله الطلاق
يلزمني لأفعلن كذا أو لا فعلت كذا أو إن فعلت كذا فعبيدي أحرار أو إن لم
أفعله فعبيدي أحرار فمن

قال من الفقهاء المتقدمين إن نذر اللجاج
والغضب يجب فيه الوفاء فإنه يقول هنا يقع الطلاق والعتاق أيضا وأما الجمهور
الذين قالوا في نذر اللجاج والغضب تجزيه الكفارة فاختلفوا هنا مع أنه لم
يبلغني عن الصحابة في الحلف بالطلاق كلام وإنما بلغنا الكلام فيها عن
التابعين ومن بعدهم لأن اليمين به محدثة لم تكن تعرف في عصرهم ولكن بلغنا
عن الصحابة الكلام في الحلف بالعتق كما سنذكره إن شاء الله
فاختلف
التابعون ومن بعدهم في اليمين بالطلاق والعتاق فمنهم من فرق بينه وبين
اليمين بالنذر وقالوا إنه يقع الطلاق والعتاق بالحنث ولا تجزيه الكفارة
بخلاف اليمين بالنذر هذا رواية عوف عن الحسن وهو قول الشافعي وأحمد في
الصريح المنصوص عنه وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وغيرهم
فروى حرب
الكرماني عن معتمر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال

كل يمين وإن عظمت
ولو حلف بالحج والعمرة وإن جعل ماله في المساكين ما لم يكن طلاق امرأة في
ملكه يوم حلف أو عتق غلام في ملكه يوم حلف فإنما هي يمين وقال إسماعيل بن
سعيد الشالنجي سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يقول لابنه إن كلمتك فامرأتي
طالق وعبدي حر فقال لا يقوم هذا مقام اليمين ويلزمه ذلك في الغضب والرضا
وقال سليمان بن داود يلزمه الحنث في الطلاق والعتاق وبه قال أبو خيثمة قال
إسماعيل حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق عن معمر بن إسماعيل بن أمية
عن عثمان بن حاضر الحميري أن امرأة حلفت بمالها في سبيل الله أو في
المساكين وجاريتها حرة إن لم تفعل كذا وكذا فسألت ابن عمر وابن عباس فقالا
أما الجارية فتعتق وأما قولها في المال فإنها تزكي المال قال أبو إسحاق
إبراهيمم الجوزجاني الطلاق والعتق لا يحلان في هذا محل الأيمان ولو كان
المجزئ فيها مجزئا في الأيمان لوقع على الحالف بها إذا حنث كفارة وهذا مما
لا يختلف الناس فيه أن لا كفارة فيها
قلت أخبر أبو إسحاق بما بلغه من
العلم في ذلك فإن أكثر مفتي الناس في ذلك الزمان من أهل المدينة وأهل
العراق أصحاب أبي حنيفة ومالك كانوا لا يفتون في نذر اللجاج والغضب إلا
بوجوب الوفاء لا بالكفارة وإن كان أكثر التابعين مذهبهم فيها الكفارة حتى
إن الشافعي لما أفتى بمصر بجواز الكفارة كان غريبا بين أصحابه المالكية
وقال له السائل يا أبا عبد الله هذا قولك فقال قول من هو خير مني قول عطاء
بن أبي رباح فلما أفتى فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد
وسليمان بن داود وابن أبي شيبة وعلي المديني ونحوهم في الحلف بالنذر
بالكفارة وفرق من فرق بين ذلك وبين الطلاق والعتاق لما سنذكره صار الذي
يعرف قول هؤلاء وقول أولئك لا يعلم خلافا في الطلاق والعتاق وإلا فسنذكر
الخلاف في ذلك إن شاء الله تعالى عن الصحابة

و التابعين ومن بعدهم
وقد اعتذر أحمد عما ذكرناه عن الصحابة في كفارة العتق بعذرين
أحدهما
انفراد سليمان التيمي بذلك
و الثاني معارضته بما رواه عن ابن عمر وابن
عباس أن العتق يقع من غير تكفير وما وجدت أحدا من العلماء المشاهير بلغه في
هذه المسألة من العلم المأثور عن الصحابة ما بلغ أحمد فقال المروزي قال
أبو عبد الله إذا قال كل مملوك له حر فيعتق عليه إذا حنث لأن الطلاق والعتق
ليس فيهما كفارة وقال ليس يقول كل مملوك لها حر في حديث ليلى بنت العجماء
حديث أبي رافع أنها سألت ابن عمر وحفصة وزينب وذكرت العتق فأمروها بالكفارة
إلا التيمي وأما حميد وغيره فلم يذكروا العتق قال سألت أبا عبد الله عن
حديث أبي رافع قصة حلف مولاته ليفارقن امرأته وأنها سألت ابن عمر وحفصة
فأمروها بكفارة يمين قلت فيها شيء قال نعم أذهب إلى أن فيه كفارة يمين قال
أبو عبد الله ليس يقول فيه كل مملوك إلا التيمي قلت فإذا حلف بعتق مملوكه
فحنث قال يعتق كذا يروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا الجارية تعتق ثم
قال ما سمعناه إلا من عبد الرزاق عن معمر قلت فإبش إسناده قال معمر عن
إسماعيل عن عثمان بن حاضر عن ابن عمر وابن عباس وقال إسماعيل ابن أمية
وأيوب ابن موسى وهما مكيان وقد فرقا بين الحلف بالطلاق والعتق والحلف
بالنذر لأنهما لا يكفران واتبع ما بلغه في ذلك عن ابن عمر وحفصة وزينب مع
انفراد التيمي بهذه الزيادة وقال صالح ابن أحمد قال أبي وإذا قال جاريتي
حرة إن لم أصنع كذا وكذا قال قال ابن عمر وابن عباس تعتق وإذا قال كل مالي
في المساكين لم يدخل فيه جاريته

فإن هذا لا يشبه هذا ألا ترى أن عمر
فرق بينهما العتق والطلاق لا يكفران وأصحاب أبي حنيفة يقولون إذا قال الرجل
مالي في المساكين إنه يتصدق به على المساكين وإذا قال مالي على فلان صدقة
وفرقوا بين قوله إن فعلت كذا فمالي صدقة أو فعلي الحج وبين قوله فامرأته
طالق أو فعبدي حر بأنه هناك وجب القول وجوب الصدقة والحج لا وجود الصدقة
والحج
فإذا اقتضى الشرط وجوب ذلك كانت الكفارة بدلا عن هذا الواجب كما
تكون بدلا عن غيره من الواجبات كما كانت في أول الإسلام بدلا عن الصوم
الواجب والإطعام بدلا عن الصوم عن العاجز عنه وكما تكون بدلا عن الصوم
الواجب في ذمة الميت فإن الواجب إذا كان في الذمة أمكن أن يخير بأدائه
وأداء غيره
و أما العتق والطلاق فإن موجب الكلام وجودهما فإذا وجد الشرط
وجد العتق والطلاق وإذا وقعا لم يرتفعا بعد وقوعهما لأنهما لا يقبلان
الفسخ بخلاف ما لو قال إن فعلت كذا فلله علي أن أعتق فإنه هنا لم يعلق
العتق وإنما علق وجوبه بالشرط فيخير بين فعل هذا الإعتاق الذي أوجبه على
نفسه وبين الكفارة التي هي بدلا عنه ولهذا لو قال إذا مت فعبدي حر عتق
بموته من غير حاجة إلى الإعتاق ولم يكن له فسخ هذا التدبير عند الجمهور إلا
قولا للشافعي ورواية أحمد وفي بيعه الخلاف المشهور ولو وصى بعتقه فقال إذا
مت فأعتقوه كان له الرجوع في ذلك كسائر الوصايا وكان بيعه هنا وإن لم يجز
كبيع المدبر
ذكر أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة في تاريخه أن
المهدي لما رأى ما أجمع عليه رأي أهل بيته من العهد عزم على خلع عيسى
ودعاهم إلى البيعة لموسى فامتنع عيسى من الخلع وزعم أن عليه أيمانا تخرجه
من أملاكه وتطلق نساءه فأحضر له المهدي ابن علاثة ومسلم ابن خالد الزنجي
وجماعة من الفقهاء

فأفتوه بما يخرجه عن يمينه واعتاض مما يلزمه في
يمينه بما ذكره ولم يزل به إلى أن خلع نفسه وبويع للمهدي ولموسى الهادي
بعده
و أما أبو ثور فقال في العتق المعلق على وجه اليمين يجزئه كفارة
يمين كنذر اللجاج والغضب لأجل ما تقدم من حديث ليلى بنت العجماء التي
أفتاها عبد الله بن عمر وحفصة أم المؤمنين وزينب ربيبة رسول الله صلى الله
عليه وسلم بكفارة يمين في قولها إن لم أفرق بينك وبين امرأتك فكل مملوك لي
محرر وهذه القصة هي مما اعتمده الفقهاء المستدلون في مسألة نذر اللجاج
والغضب لكن توقف أحمد وأبو عبيد عن العتق فيها لما ذكرته من الفرق وعارض
أحمد ذلك وأما الطلاق فلم يبلغ أبا ثور فيه أثر فتوقف عنه مع أن القياس
عنده مساواته للعتق لكن خاف أن يكون مخالفا للإجماع
و الصواب أن الخلاف
في الجميع في الطلاق وغيره كما سنذكره ولو لم ينقل في الطلاق نفسه خلاف
معين لكان فتيا من أفتى من الصحابة في الحلف بالعتاق بكفارة يمين من باب
التنبيه على الحلف بالطلاق فإنه إذا كان نذر العتق الذي هو قربة لما خرج
مخرج اليمين أجزأت فيه الكفارة فالحلف بالطلاق الذي ليس بقربة إما أن تجزئ
فيه الكفارة ولا يجب فيه شيء على قول من يقول نذر غير الطاعة لا شيء فيه
ويكون قوله إن فعلت كذا فأنت طالق بمنزلة قوله فعلي أن أطلقك كما كان عند
أولئك الصحابة ومن وافقهم قوله فعبيدي أحرار بمنزلة قوله فعلي أن أعتقهم
على
أني إلى الساعة لم يبلغني عن أحد من الصحابة كلام في الحلف بالطلاق وذاك
والله أعلم لأن الحلف بالطلاق لم يكن قد حدث في زمانهم وإنما ابتدعه الناس
في زمن التابعين ومن بعدهم فاختلف فيه التابعون ومن بعدهم فأحد القولين أنه
يقع به كما تقدم والقول الثاني أنه لا يلزمه الوقوع ذكر عبد الرزاق عن ابن
جريج عن ابن طاووس عن أبيه أنه كان يقول: الحلف

بالطلاق ليس شيئا
قلت أكان يراه يمينا قال لا أدري
فقد أخبر ابن طاوس عن أبيه أنه كان لا
يراه موقعا للطلاق وتوقف في كونه يمينا يوجب الكفارة لأنه من باب نذر ما لا
قربة فيه وفي كون مثل هذا يمينا خلاف مشهور وهذا قول أهل الظاهر كداود
وأبي محمد بن حزم لكن بناء على أنه لا يقع طلاق معلق ولا عتق معلق
و
اختلفوا في المؤجل وهو بناء على ما تقدم من أن العقود لا يصح منها إلا ما
ورد نص أو إجماع على وجوبه أو جوازه وهو مبني على ثلاث مقدمات يخالفون فيها
إحداها
كون الأصل تحريم العقود
الثانية أنه لا يباح إلا ما كان في معنى النصوص
الثالثة
أن الطلاق المؤجل والمعلق لم يندرج في عموم النصوص
و أما المأخذ
المتقدم من كون هذا كنذر اللجاج والغضب وفرقوا بين نذر التبرر ونذر الغضب
فإن هذا الفرق يوجب الفرق بين المعلق الذي يقصد وقوعه عند الشرط وبين
المعلق المحلوف به الذي يقصد عدم وقوعه إلا أن يصح الفرق المذكور بين كون
المعلق هو الوجود أو الوجوب وسنتكلم عليه
وقد ذكرنا أن هذا القول يخرج
على أصول أحمد من مواضع ذكرناها وكذلك هو أيضا لازم لمن قال في نذر اللجاج
والغضب بكفارة كما هو ظاهر مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة التي
اختارها أكثر متأخري أصحابه وإحدى الروايتين عن ابن القاسم التي اختارها
كثير من متأخري المالكية فإن التسوية بين الحلف بالنذر والحلف بالعتق هو
المتوجه ولهذا كان هذا من أقوى حجج القائلين بوجوب الوفاء في الحلف بالنذر
فإنهم قاسوه على الحلف بالطلاق والعتاق واعتقده بعض المالكية مجمعا عليه
و
أيضا فإذا حلف بصيغة القسم كقوله عبيدي أحرار لأفعلن أو نسائي

طوالق
لأفعلن فهو بمنزلة قوله مالي صدقة لأفعلن وعلي الحج لأفعلن
و الذي يوضح
التسوية أن الشافعي إنما اعتمد في الطلاق المعلق على فدية الخلع فقال في
البويطي وهو كتاب مصري من أجود كتبه وذلك أن الفقهاء يسمون الطلاق المعلق
بسبب طلاقا بصفة ويسمون ذلك الشرط صفة ويقولون إذا وجدت الصفة في زمان
البينونة وإذا لم توجد الصفة ونحو ذلك
وهذه التسمية لها وجهان
أحدهما
أن هذا الطلاق موصوف بصفة ليس طلاقا مجردا عن صفة فإنه إذا قال أنت طالق
في أول السنة أو إذا ظهرت فقد وصف الطلاق بالزمان الخاص فإن الظرف صفة
للمظروف وكذلك إذا قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فقد وصفه بعوضه
و
الثاني أن نحاة الكوفة يسمون حروف الجر ونحوها حروف الصفات فلما كان هذا
معلقا بالحروف التي قد تسمى حروف الصفات سمي طلاقا بصفة كما لو قال أنت
طالق بألف
و الوجه الأول هو الأصل فإن هذا يعود إليه إذ النحاة إنما
سموا حروف الجر حروف الصفات لأن الجار والمجرور يصير في المعنى صفة لما
تعلق به
فإذا كان الشافعي وغيره إنما اعتمدوا في الطلاق الموصوف على
طلاق الفدية المذكور في القرآن وقاسوا كل طلاق بصفة عليه صار هذا كما أن
النذر المعلق بشرط مذكور في قوله {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ
آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}
ومعلوم أن النذر المعلق بشرط هو نذر بصفة وقد فرقوا بين النذر المقصود
شرطه وبين النذر المقصود عدم شرطه الذي خرج مخرج اليمين فكذلك يفرق بين
الطلاق المقصود وصفة كالخلع حيث المقصود فيه العوض والطلاق المحلوف به الذي
يقصد عدمه

و عدم شرطه فإنه انما يقاس بما في الكتاب والسنة ما أشبهه
ومعلوم ثبوت الفرق بين الصفة المقصودة وبين الصفة المحلوف عليها التي يقصد
عدمها كما فرق بينهما في النذر سواء والدليل على هذا القول الكتاب والسنة
والأثر والاعتبار
أما الكتاب فقوله سبحانه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ
أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}
فوجه
الدلالة أن الله قال {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ
أَيْمَانِكُمْ} وهذا نص عام في كل يمين يحلف بها المسلمون أن الله قد فرض
لهم تحلتها وقد ذكره سبحانه بصيغة الخطاب للأمة بعد تقدم الخطاب بصيغة
الإفراد للنبي صلى الله عليه وسلم مع علمه سبحانه بأن الأمة يحلفون بأيمان
شتى فلو فرض يمين واحدة ليس له تحلة لكان مخالفة للآية كيف وهذا عام لا يحض
منه صورة واحدة لا بنص ولا بإجماع بل هو عام عموما معنويا مع عمومه اللفظي
فإن اليمين معقودة فوجب منع المكلف من الفعل فشرع التحلة لهذا العقد مناسب
لما فيه من التخفيف والتوسعة وهذا موجود في اليمين بالعتق والطلاق أكثر
منه في غيرهما من أيمان نذر اللجاج والغضب فإن الرجل إذا حلف بالطلاق
ليقتلن النفس أو ليقطعن رحمه أو ليمنعن الواجب عليه من أداء الأمانة ونحوها
فإنه يجعل الطلاق عرضة ليمينه أن يبر ويتقي ويصلح بين الناس أكثر مما يجعل
الله عرضة ليمينه ثم إن وفى بيمينه كان عليه من ضرر الدنيا والآخرة ما قد
أجمع المسلمون على تحريم الدخول فيه وإن طلق امرأته ففي الطلاق أيضا من ضرر
الدنيا والدين ما لا خفاء به أما الدين فإنه مكروه باتفاق الأمة مع
استقامة حال الزوجين إما كراهة تنزيه أو كراهة تحريم فكيف إذا كانا في غاية
الاتصال وبينهما من الأولاد والعشرة ما يجعل في طلاقهما في أمر الدين ضررا
عظيما وكذلك ضرر الدنيا كما يشهد به الواقع بحيث لو خير أحدهما بين

أن
يخرج من ماله ووطنه وبين الطلاق لاختار فراق ماله ووطنه على الطلاق وقد
قرن الله فراق الوطء بقتل النفس ولهذا قال أحمد في إحدى الروايتين متابعة
لعطاء إنها إذا أحرمت بالحج فحلف عليها زوجها بالطلاق أنها لا تحج صارت
محصرة وجاز لها التحلل لما عليها في ذلك من الضرر الزائد على ضرر الإحصار
بالعدو أو القريب منه
وهذا ظاهر فيما إذا قال إن فعلت كذا فعلى أن أطلقك
أو أعتق عبيدي فإن هذا في نذر اللجاج والغضب بالاتفاق كما لو قال والله
لأطلقنك أو لا أعتقت عبيدي وإنما الفرق بين وجود العتق ووجوبه هو الذي
اعتمده المفرقون وسنتكلم عليه إن شاء الله
وأيضا فإن الله تعالى قال
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وهى تقتضي أنه
ما من تحريم لما أحل الله إلا والله غفور لفاعله رحيم به وأنه لا علة
تقتضي ثبوت ذلك التحريم لأن قول لا شئ استفهام في معنى النفي والإنكار
والتقدير لا سبب لتحريمك ما أحل الله لك والله غفور رحيم فلو كان الحالف
بالنذر والعتاق والطلاق على أنه لا يفعل شيئا لا رخصة له لكان هنا سبب
يقتضي تحريم الحلال وانتفاء موجب المغفرة والرحمة عن هذا الفاعل
وأيضا
قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ
مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ لا يُؤَاخِذُكُمُ
اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا
عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ
مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ
تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ
كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
والحجة فيها كالحجة في الأولى وأوفى فإنه قال {لا تُحَرِّمُوا

طَيِّبَاتِ
مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} وهذا عام يشمل تحريمها بالأيمان من الطلاق
وغيرها ثم يبين وجه المخرج من ذلك بقوله لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته أى فكفارة تعقيدكم أو عقدكم
الأيمان وهذا عام ثم قال ذلك كفارة أيمانكم إ ذا حلفتم وهذا عام كعموم قوله
واحفظوا أيمانكم
ومما يوضح عمومه أنهم قد أدخلوا الحلف بالطلاق في عموم
قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف فقال إن شاء الله فإن شاء فعل وإن شاء
ترك" فأدخلوا فيه الحلف بالطلاق والعتاق والنذر والحلف بالله وإنما لم يدخل
مالك وأحمد وغيرهما الحلف بالطلاق موافقة لابن عباس لأن إيقاع الطلاق ليس
بحلف وإنما الحلف المنعقد ما تضمن محلوفا به ومحلوفا عليه إما بصيغة القسم
وإما بصيغة الجزاء أو ما كان في معنى ذلك مما سنذكره إن شاء الله
وهذه
الدلالة بينة على أصول الشافعي وأحمد ومن وافقهم في مسألة نذر اللجاج
والغضب فإنهم احتجوا على التكفير فيه بهذه الآية وجعلوا قوله تعالى:
{تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} و {كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} عاما في اليمين
بالله واليمين بالنذر ومعلوم أن شمول اللفظ لنذر اللجاج والغضب في الحج
والعتق ونحوهما سواء
فإن قيل المراد بالآية اليمين بالله فقط فإن هذا هو
المفهوم من مطلق اليمين ويجوز أن يكون التعريف بالألف واللام أو الإضافة
في قوله {عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} و {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} منصرفا
إلى اليمين المعهود عندهم وهى اليمين بالله وحينئذ فلا يعم اللفظ إلا
المعروف عندهم والحلف بالطلاق ونحوه لم يكن معروفا عندهم ولو كان اللفظ
عاما فقد علمنا أنه لم يدخل فيه اليمين التي ليست مشروعة اليمين بالمخلوقات
فلا يدخل فيه الحلف بالطلاق ونحوه لأنه ليس من اليمين المشروعة لقوله صلى
الله عليه وسلم: "من كان حالفا فليحلف بالله أو فليصمت

فيقال لفظ
اليمين يشمل هذا كله بدليل استعمال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة
والعلماء اسم اليمين في هذا كله كقوله صلى الله عليه وسلم: "النذر حلفة"
وقول الصحابة لمن حلف بالهدى والعتق كفر يمينك وكذلك فهمته الصحابة من كلام
النبي صلى الله عليه وسلم كما سنذكره ولإدخال العلماء لذلك في قوله صلى
الله عليه وسلم: "من حلف فقال إن شاء الله فإن شاء فعل وإن شاء ترك"
ويدل
على عمومه في الآية أنه سبحانه قال { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
لَكَ} ثم قال {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} فاقتضى
هذا أن نفس تحريم الحلال يمين كما استدل به ابن عباس وغيره وسبب نزول
الآية إما تحريمه العسل وإما تحريمه مارية القبطية وعلى كل تقدير فتحريم
الحلال يمين على ظاهر الآية وليس يمينا بالله ولهذا أفتى جمهور الصحابة
كعمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم وغيرهم أن
تحريم الحلال يمين مكفرة إما كفارة كبرى كالظهار وإما كفارة صغرى كاليمين
بالله وما زال السلف يسمون الظهار ونحوه يمينا
وأيضا فإن قوله تعالى: {
لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إما أن يراد به لم تحرمه بلفظ
الحرام وإما لم تحرمه باليمين بالله ونحوها وإما لم تحرمه مطلقا فإن أريد
الأول أو الثالث فقد ثبت تحريمه بغير الحلف بالله يمين فنعم وأن أريد به
تحريمه بالحلف بالله فقد سمى الله الحلف بالله تحريما للحلال ومعلوم أن
اليمين بالله لم توجب الحرمة الشرعية لكن لما أوجبت امتناع الحالف من الفعل
فقد حرمت عليه الفعل تحريما شرطيا لا شرعيا فكل يمين توجب امتناعه من
الفعل فقد حرمت عليه الفعل فيدخل في عموم قوله { لِمَ تُحَرِّمُ مَا
أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}
وحينئذ فقوله {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ
تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} لا بد أن يعم كل يمين
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث - صفحة 2 Empty رد: كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث {الأربعاء 8 يونيو - 15:31}


حرمت الحلال لأن هذا حكم ذلك الفعل فلا يد أن يطابق جميع صوره لأن تحريم
الحلال هو سبب قوله {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}
وسبب الجواب إذا كان عاما كان الجواب عاما لئلا يكون جوابا عن البعض دون
البعض مع قيام السبب المقتضى للتعميم وهكذا التقرير في قوله {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}
إلى قوله {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}
وأيضا فإن
الصحابة فهمت العموم وكذلك العلماء عامتهم حملوا الآية على اليمين بالله
وغيرها
وأيضا فنقول سلمنا أن اليمين المذكورة في الآية المراد بها
اليمين بالله وأن ما سوى اليمين بالله لا يلزم بها حكم فمعلوم أن الحلف
بصفات الله سبحانه كالحلف به كما لو قال وعزة الله أو لعمر الله أو والقرآن
العظيم فإنه قد ثبت جواز الحلف بهذه الصفات ونحوها عن النبي صلى الله عليه
وسلم والصحابة ولأن الحلف بصفاته كالاستعاذة بها وإن كانت الأستعاذة لا
تكون إلا بالله وصفاته في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بوجهك"
و: "أعوذ بكلمات الله التامات" و: "أعوذ برضاك من سخطك" ونحو ذلك وهذا أمر
مقرر عند العلماء
وإذا كان كذلك فالحلف بالنذر والطلاق ونحوهما هو الحلف
بصفات الله فإنه إذا قال إن فعلت كذا فعلى الحج فقد حلف بإيجاب الحج عليه
وإيجاب الحج حكم من أحكام الله وهو من صفاته وكذلك لو قال فعلى تحرير رقبة
وإذا قال فامرأتي طالق وعبدي حر فقد حلف بإزالة ملكه الذي هو تحريمه عليه
والتحريم من صفات الله كما أن الإيجاب من صفات الله وقد جعل الله ذلك من
آياته في قوله {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} فجعل حدوده في
النكاح والطلاق والخلع من آياته لكنه إذا حلف بالإيجاب والتحريم فقد عقد
اليمين لله كما يعقد النذر لله فإن قوله على الحج والصوم

عقد لله
ولكن إذا كان حالفا فهو لم يقصد العقد لله بل قصد الحلف به فإذا حنث ولم يف
به فقد ترك ما عقده لله كما أنه إذا فعل المحلوف به فقد ترك ما عقده بالله
يوضح
ذلك أنه إذا حلف بالله أو بغير الله مما يعظمه بالحلف فإنما حلف به ليعقد
به المحلوف عليه ويربطه لأنه لعظمته في قلبه إذا ربط به شيئا لم يحله فإذا
حل ما ربطه فقد انقضت عظمته في قلبه وقطع السبب الذي بينه وبينه كما قال
بعضهم اليمين العقد على نفسه لحق من له حق ولهذا إذا كانت اليمين غموسا
كانت من الكبائر الموجبة للنار كما قال سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ
لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} وقال صلى الله عليه وسلم في عد الكبائر
فيما روى الإمام أحمد في المسند عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "خمس ليس لهن كفارة الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن
والفرار يوم الزحف ويمين صابرة يقطع بها مالا يغير حق"
وذلك لأنه إذا
تعمد أن يعقد بالله ما ليس منعقدا به فقد نقض الصلة التي بينه وبين ربه
بمنزلة من أخبر عن الله بما هو منزه عنه أو تبرأ من الله بخلاف ما إذا حلف
على المستقبل فإنه عقد بالله فعلا قاصدا لعقده على وجه التعظيم لله لكن
أباح الله له حل هذا العقد الذي عقده به كما يبيح له ترك بعض الواجبات
لحاجة أو يزيل عنه وجوبها ولهذا قال أكثر أهل العلم إذا قال هو يهودي أو
نصراني إن لم يفعل كذا فهى يمين بمنزلة قوله والله لأفعلن لأنه ربط عدم
الفعل بكفره الذي هو براءته من الله فيكون قد ربط الفعل بإيمانه بالله وهذا
هو حقيقة الحلف بالله فربط الفعل بأحكام الله من الإيجاب أو التحريم أدنى
حالا من ربطه بالله

يوضح ذلك أنه إذا عقد اليمين بالله فهو عقد لها
بإيمانه بالله وهو ما في قلبه من إجلال الله وإكرامه الذي هو حق الله ومثله
الأعلى في السموات والأرض كما أنه إذا سبح الله وذكره فهو مسبح له وذاكر
له بقدر ما في قلبه من معرفته وعبادته ولذلك جاء التسبيح تارة لاسم الله
كما في قوله {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} كما أن الذكر يكون تارة
لاسم الله كما في قوله {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}
وكذلك الذكر مع التسبيح في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} فحيث عظم
العبد ربه بتسبيح اسمه أو الحلف به أو الاستعاذة به فهو مسبح له بتوسط
المثل الأعلى الذي في قلبه من معرفته وعبادته وعظمته ومحبته علما وقصدا
وإجلالا وإكراما وحكم الإيمان والكفر إنما يعود إلى ما كسبه قلبه من ذلك
كما قال سبحانه {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ
وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} وكما قال في موضع آخر
{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}
فلو اعتبر
الشارع ما في لفظ القسم من انعقاده بالإيمان وارتباطه به دون قصد الحلف
لكان موجبه أنه إذا حنث يتغير إيمانه بزوال حقيقته كما في قوله صلى الله
عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" كما أنه إذا حلف على ذلك
يمينا فاجرة كانت من الكبائر إذ قد اشترى بها ثمنا قليلا فلا خلاق له في
الآخرة ولا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم
لكن الشارع
علم أن الحالف بها ليفعلن أو لا يفعل ليس غرضه الاستخفاف بحرمة اسم الله
والتعلق به كغرض الحالف في اليمين الغموس فشرع له الكفارة لأنه حل هذه
العقدة وأسقطها عن لغو اليمين لأنه لم يعقد قلبه شيئا من الخيانة على
إيمانه فلا حاجة إلى الكفارة
وإذا ظهر أن موجب اليمين انعقاد الفعل بهذا
الإيمان الذي هو إيمانه بالله

فإذا عدم الفعل كان مقتضاه عدم إيمانه
هذا لولا ما شرع الله من الكفارة كما أن مقتضى قوله إن فعلت كذا وجب على
كذا أنه عند الحلف يجب ذلك الفعل لولا ما شرع من الكفارة
يوضح ذلك أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما
قال" أخرجاه في الصحيحين فجعل اليمين الغموس في قوله هو يهودي أو نصراني إن
فعل كذا كالغموس في قوله والله ما فعلت كذا إذ هو في كلا الأمرين قد قطع
عهده من الله حيث علق الإيمان بأمر معدوم والكفر بأمر موجود بخلاف اليمين
على المستقبل
وطرد هذا المعنى أن اليمين الغموس إذا كانت في النذر أو
الطلاق أو العتاق وقع المعلق به ولم ترفعه الكفارة كما يقع الكفر بذلك في
أحد تولى العلماء وبهذا يحصل الجواب على قولهم المراد به اليمين المشروعة
وأيضا
فقوله {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا
وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فإن
السلف مجمعون أو كالمجمعين على أن معناها لا تجعلوا الله مانعا لكم إذا
حلفتم به من البر والتقوى والإصلاح بين الناس بأن يحلف الرجل أن لا يفعل
معروفا مستحبا أو واجبا أو ليفعلن مكروها حراما او نحوه فإذا قيل له افعل
ذلك أو لا تفعل هذا قال قد حلفت بالله فيجعل الله عرضة ليمينه
فإذا كان
الله قد نهى عباده أن يجعلوا نفسه مانعا لهم بالحلف به من البر والتقوى
فالحلف بهذه الأيمان إن كان داخلا في عموم الحلف وجب أن لا يكون مانعا وإن
لم يكن داخلا فهو أولى أن لا يكون مانعا من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى
فإنه إذا نهى عن أن يكون هو سبحانه عرضة لأيماننا أن نبر ونتقى فغيره أولى
أن نكون منتهين عن جعله عرضة لأيماننا وإذا ثبت أننا منهيون عن أن نجعل
شيئا من الأشياء عرضة لأيماننا أن نبر ونتقى

ونصلح بين الناس فمعلوم
أن ذلك إنما هو لما في البر والتقوى والإصلاح مما يحبه الله ويأمر به
فإذا
حلف الرجل بالنذر أو بالطلاق أو بالعتاق أن لا يبر ولا يتقي ولا يصلح فهو
بين أمرين إن وفى ذلك فقد جعل هذه الأشياء عرضة ليمينه أن يبر ويتقى ويصلح
بين الناس وإن حنث فيها وقع عليه الطلاق ووجب عليه فعل المنذور فقد يكون
خروج أهله وماله عنه أبعد عن البر والتقوى من الأمر المحلوف عليه فإن أقام
على يمينه ترك البر والتقوى وإن خرج عن أهله وماله ترك البر والتقوى فصارت
عرضة ليمينه أن يبر ويتقى فلا يخرج عن ذلك إلا بالكفارة وهذا المعنى هو
الذي دلت عليه السنة
ففي الصحيحين من حديث همام عن أبي هريرة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له
عند الله من أن يعطى كفارته التي افترض الله عليه" ورواه البخاري أيضا من
حديث عكرمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استلج
في أهله فهو أعظم إنما" فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن اللجاج باليمين
في أهل الحالف أعظم إثما من التكفير واللجاج هو التمادي في الخصومة ومنه
قيل رجل لجوج إذا تمادى في المخاصمة ولهذا تسمى العلماء هذا نذر اللجاج
والغضب فإنه يلج حتى يعقده ثم يلج في الإمتناع من الحنث فبين النبي صلى
الله عليه وسلم أن اللجاج باليمين أعظم إثما من الكفارة وهذا عام في جميع
الأيمان
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن سمرة:
"إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك"
أخرجاه في الصحيحين وفي رواية في الصحيحين فكفر عن يمينك وائت هو الذي خير
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه

وليفعل الذي
هو خير" وفي رواية: "فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" وهذا نكرة في سياق
الشرط فيعم كل حلف على يمين كائنا ما كان الحلف فإذا رأى غير اليمين
المحلوف عليها خيرا منها وهو أن يكون اليمين المحلوف عليها تركا لخير فيرى
فعله خيرا من تركه أو يكون فعلا شر فيرى تركه خيرا من فعله فقد أمره النبي
صلى الله عليه وسلم أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه
وقوله هنا على
يمين هو والله أعلم من باب تسمية المفعول باسم المصدر سمى الأمر المحلوف
عليه يمينا كما سمى المخلوق خلقا والمضروب ضربا والمبيع بيعا ونحو ذلك
وكذلك
أخرجا في الصحيحين عن أبي موسى الأشعرى في قصته وقصة أصحابه لما جاءوا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم يستحملونه فقال: "والله ما أحملكم وما عندي ما
أحملكم عليه" ثم قال: "إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها
خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها" وفي رواية في الصحيحين: "إلا
كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير"
وروى مسلم في صحيحه عن عدى بن حاتم
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حلف أحدكم على اليمين فرأى
غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير" وفي رواية لمسلم أيضا: "من
حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير"
وقد
رويت هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذه الوجوه من حديث عبد
الله بن عمر وعوف بن مالك الجشمي
فهذه نصوص رسول الله صلى الله عليه
وسلم المتواترة أنه أمر: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن يكفر
يمينه ويأتي الذي هو خير" ولم يفرق

بين الحلف بالله أو النذر ونحوه
ورواه النسائي عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما على
الأرض يمين أحلف عليها فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيته" وهذا صريح في أنه
قصد تعميم كل يمين في الأرض وكذلك أصحابه فهموا منه دخول الحلف بالنذر في
هذا الكلام
فروى أبو داود في سنته حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن
زريع حدثنا حبيب بن المعلم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن أخوين من
الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال إن عدت تسألني
القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة فقال له عمر إن الكعبة غنية عن مالك كفر عن
يمينك وكلم أخاك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يمين عليك ولا
نذر في معصية الرب ولا في قطيعة الرحم ولا فيما لا تملك
فهذا أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه أمر هذا الذي حلف بصيغة الشرط ونذر
نذر اللجاج والغضب بأن يكفر عن يمينه وأن لا يفعل ذلك المنذور واحتج بما
سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يمين عليك ولا نذر في معصية
الرب ولا في قطيعة الرحم ولا فيما لا تملك"
ففهم من هذا أن من حلف
بيمين أو نذر على معصية أو قطيعة فإنه لا وفاء عليه في ذلك النذر وإنما
عليه الكفارة كما أفتاه عمر ولولا أن هذا النذر كان عنده يمينا لم يقل له
كفر عن يمينك وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمين ولا نذر" لأن
اليمين ما قصد بها الحض أو المنع والنذر ما قصد به التقرب وكلاهما لا يوفى
به في المعصية والقطيعة
وفي هذا الحديث دلالة أخرى وهى أن قول النبي صلى
الله عليه وسلم: "لا يمين ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة الرحم" يعم
جميع ما يسمى يمينا أو نذرا سواء كانت اليمين بالله أو كانت بوجوب ما ليس
بواجب من الصدقة أو الصيام أو الحج أو الهدى أو كانت بتحريم الحلال كالظهار
والطلاق والعتاق

و مقصود النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون نهيه
عن فعل المحلوف عليه من المعصية والقطيعة فقط أو يكون مقصوده مع ذلك أنه
لا يلزمه ما في اليمين والنذر من الإيجاب والتحريم
وهذا الثاني هو
الظاهر لاستدلال عمر بن الخطاب به فإنه لولا أن الحديث يدل على هذا لم يصح
استدلال عمر بن الخطاب به على ما أجاب به السائل من الكفارة دون إخراج
المال في كسوة الكعبة ولأن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم يعم ذلك كله
و
أيضا فمما يبين دخول الحلف بالنذر والطلاق والعتاق في اليمين والحلف في
كلام الله ورسوله ما روى ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من حلف على يمين فقال أن شاء الله فلا حنث عليه" رواه أحمد والنسائي وابن
ماجة والترمذي وقال حديث حسن ولفظ أبي داود قال حدثنا سفيان عن أيوب عن
نافع عن ابن عمر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين
فقال إن شاء الله فقد استثنى" ورواه أيضا من طريق عبد الوارث عن نافع عن
ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف فاستثنى فإن شاء
رجع وإن شاء ترك غير حنث"
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" رواه أحمد
والترمذي وابن ماجة ولفظه فله ثنياه والنسائي وقال فقد استثنى
ثم عامة
الفقهاء أدخلوا الحلف بالنذر وبالطلاق وبالعتاق في هذا الحديث وقالوا ينفع
فيه الاستثناء بالمشيئة بل كثير من أصحاب أحمد يجعل الحلف بالطلاق لا خلاف
فيه في مذهبه وإنما الخلاف فيما إذا كان بصيغة الجزاء وإنما الذي لا يدخل
عند أكثرهم هو نفس إيقاع الطلاق والعتاق والفرق بين إيقاعهما والحلف بهما
ظاهر وسنذكر إن شاء الله قاعدة الاستثناء

فإذا كانوا قد أدخلوا الحلف
بهذه الأشياء في قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فقال إن شاء
الله فلا حنث عليه" فكذلك يدخل في قوله: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا
منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" فإن كلا اللفظين سواء وهذا واضح
لمن تأمله
فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فقال إن شاء
الله فلا حنث عليه" لفظ العموم فيه مثله في قوله: "من حلف على يمين فرأى
غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" وإذا كان لفظ رسول
الله صلى الله عليه وسلم في حكم الاستثناء هو لفظه في حكم الكفارة وجب أن
يكون كل ما ينفع فيه الاستثناء ينفع فيه التكفير وكل ما ينفع فيه التكفير
ينفع فيه الاستثناء كما نص عليه أحمد في غير موضع
ومن قال إن الرسول قصد
بقوله: "من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه" جميع الأيمان
التي يحلف بها من اليمين بالله وبالنذر وبالطلاق وبالعتاق وأما قوله: "من
حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها إلخ" إنما قصد به اليمين بالله أو
اليمين بالله والنذر فقوله ضعيف فإن حضور موجب أحد اللفظين بقلب النبي صلى
الله عليه وسلم مثل حضور موجب اللفظ الآخر إذ كلاهما لفظ واحد والحكم فيهما
من جنس واحد وهو رافع اليمين إما بالاستثناء وإما بالتكفير
وعند هذا
فاعلم أن الأمة انقسمت في دخول الطلاق والعتاق في حديث الاستثناء على ثلاثة
أقسام
فقوم قالوا يدخل في ذلك الطلاق والعتاق أنفسهما حتى لو قال أنت
طالق إن شاء الله وأنت حر إن شاء الله دخل ذلك في عموم الحديث وهذا قول أبي
حنيفة والشافعي وغيرهما
وقوم قالوا لا يدخل في ذلك الطلاق والعتاق لا
إيقاعهما ولا الحلف بهما

لا بصيغة الجزاء ولا بصيغة القسم وهذا أشهر
القولين في مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد
والقول الثالث أن إيقاع
الطلاق والعتاق لا يدخل في ذلك بل يدخل فيه الحلف بالطلاق والعتاق وهذا
الرواية الثانية عن أحمد ومن أصحابه من قال إن كان الحلف بصيغة القسم دخل
في الحديث ونفعته المشيئة رواية واحدة وإن كان بصيغة الجزاء ففيه روايتان
وهذا
القول الثالث هو الصواب المأثور معناه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجمهور التابعين فإن ابن عباس وأكثر التابعين كسعيد بن المسيب والحسن
لم يجعلوا في الطلاق استثناء ولم يجعلوه من الأيمان
ثم قد ذكرنا عن
الصحابة وجمهور التابعين أنهم جعلوا الحلف بالصدقة والهدى والعتاقة ونحو
ذلك يمينا مكفرة وهذا معنى قول أحمد في غير موضع لا استثناء في الطلاق
والعتاق ليسا من الأيمان
وقال أيضا الثنيا في الطلاق لا أقول بها وذلك
أن الطلاق والعتاق حرفان واقعان
وقال أيضا إنما يكون الاستثناء فيما
تكون فيه كفارة والطلاق والعتاق لا يكفران وهذا الذي قاله ظاهر
و ذلك أن
إيقاع الطلاق والعتاق ليسا يمينا أصلا وإنما هو بمنزلة العفو عن القصاص
والإبراء من الدين ولهذا لو قال والله لا أحلف على يمين ثم إنه أعتق عبيدا
له أو طلق امرأته أو أبرأ غريمه من دم أو مال أو عرض فإنه لا يحنث ما علمت
أحدا خالف في ذلك
فمن أدخل إيقاع الطلاق والعتاق في قول النبي صلى الله
عليه وسلم: "من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث" فقد حمل العام ما
لا يحتمله كما أن من أخرج من هذا العام قوله الطلاق يلزمني لأفعلن كذا أو
لا أفعله إن

شاء الله أو إن فعلته فامرأتي طالق إن شاء الله فقد أخرج
من القول العام ما هو داخل فيه فإن هذا اليمين بالطلاق والعتاق وهما ليسا
من الأيمان فإن الحلف بهما كالحلف بالصدقة والحج ونحوهما وذلك معلوم
بالاضطرار عقلا وعرفا وشرعا ولهذا لو قال والله لا أحلف على يمين أبدا ثم
قال إن فعلت كذا فامرأتي طالق حنث
وقد تقدم أن أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم سموه يمينا وكذلك عامة المسلمين يسمونه يمينا فمعنى اليمين
موجود فيه فإنه إذا قال أحلف بالله لأفعلن إن شاء الله فإن المشيئة تعود
عند الإطلاق إلى الفعل المحلوف عليه والمعنى إني حالف على هذا الفعل إن شاء
الله فعله فإذا لم يفعله لم يكن قد شاءه فلا يكون ملتزما له وإلا فلو نوى
عوده إلى الحلف بأن يقصد أني حالف إن شاء الله أن أكون حالفا كان معنى هذا
معنى الاستثناء في الإنشاءات كالطلاق والعتاق وعلى مذهب الجمهور لا ينفعه
ذلك وكذلك قوله الطلاق يلزمني لأفعلن كذا إن شاء الله تعود المشيئة عند
الإطلاق إلى الفعل فالمعنى لأفعلنه إن شاء الله فعله فمتى لم يفعله لم يكن
الله قد شاءه فلا يكون ملتزما للطلاق بخلاف ما لو عنى الطلاق يلزمني إن شاء
الله لزومه إياه فإن هذا بمنزلة قوله أنت طالق إن شاء الله
وقول أحمد
إنما يكون الاستثناء فيما فيه الكفارة والطلاق والعتاق لا يكفران كلام حسن
بليغ لما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج حكم الاستثناء وحكم
الكفارة مخرجا واحدا بصيغة واحدة فلا يفرق بين ما جمعه النبي صلى الله عليه
وسلم ولأن الاستثناء إنما يقع لما علق به الفعل فإن الأحكام التي هي
الطلاق والعتاق ونحوهما لا تعلق على مشيئة الله بعد وجود أسبابها فإنها
واجبة بوجود أسبابها فإذا انعقدت أسبابها فقد شاءها الله وإنما تعلق على
المشيئة الحوادث التي قد يشاؤها الله وقد لا يشاؤها من أفعال العباد ونحوها
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث - صفحة 2 Empty رد: كتاب: القواعد النورانية الفقهية الجزء الثالث {الأربعاء 8 يونيو - 15:32}


و الكفارة إنما شرعت لما يحصل من الحنث في اليمين التي قد يحصل فيها
الموافقة بالبر تارة والمخالفة بالحنث أخرى فوجوب الكفارة بالحنث في اليمين
التي تحتمل الموافقة والمخالفة كارتفاع اليمين بالمشيئة التي تحتمل
التعليق وعدم التعليق فكل من حلف على شيء ليفعله فلم يفعله فإنه إن علقه
بالمشيئة فلا حنث عليه وإن لم يعلقه بالمشيئة لزمته الكفارة فالاستثناء
والتكفير يتعاقبان اليمين إذا لم يحصل فيها الموافقة
فهذا أصل صحيح يدفع
ما وقع في هذا الباب من الزيادة أو النقص على ما أوجبه كلام رسول الله صلى
الله عليه وسلم
ثم يقال بعد ذلك قول أحمد وغيره الطلاق والعتاق لا
يكفران كقوله وقول غيره لا استثناء فيهما وهذا في إيقاع الطلاق والعتاق أما
الحلف بهما فليس تكفيرا لهما وإنما هو تكفير للحلف بهما كما أنه إذا حلف
بالصلاة والصيام والصدقة والحج والهدي ونحو ذلك في نذر اللجاج والغضب فإنه
لم يكفر الصلاة والصيام والهدي والحج وإنما كفر الحلف بهما وإلا فالصلاة لا
كفارة فيها وكذلك هذه العبادات لا كفارة فيها لمن يقدر عليها وكما أنه إذا
قال إن فعلت كذا فعلي أن أعتق فإن عليه الكفارة بلا خلاف في مذهب أحمد
وموافقيه من القائلين بنذر اللجاج والغضب وليس ذلك تكفير للعتق وإنما هو
تكفير للحلف به
فلازم قول أحمد هذا أنه إذا جعل الحلف بهما يصح فيه
الاستثناء كان الحلف بهما تصح فيه الكفارة وهذا موجب سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم كما قدمناه
و أما من لم يجعل الحلف بهما يصح فيه
الاستثناء كأحد القولين في مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد فهو قول
مرجوح
و نحن في هذا المقام إنما نتكلم بتقدير تسليمه وسنتكلم إن شاء
الله في مسألة الاستثناء على حدة

وإذا قال أحمد أو غيره من العلماء
إن الحلف بالطلاق والعتاق لا كفارة فيه لأنه لا استثناء فيه لزم من هذا
القول أنه لا استثناء في الحلف بهما وأما من فرق من أصحاب أحمد فقال يصح في
الحلف بهما الاستثناء ولا يصح فيه الكفارة فهذا الفرق ما أعلمه منصوصا
عليه عن أحمد ولكنهم معذورون فيه من قوله حيث لم يجدوه نص في تكفير الحلف
بهما على روايتين
لكن هذا القول لازم على إحدى الروايتين عنه التي
ينصرونها ومن سوى الأنبياء يجوز أن يلزم قوله لوازم لا يتفطن للزومها ولو
تفطن لكان إما أن يلتزمها أولا يلتزمها بل يرجع عن الملزوم أو لا يرجع عنه
ويعتقد أنها غير لوازم
و الفقهاء من أصحابنا وغيرهم إذا خرجوا على قول
عالم لوازم قوله وقياسه فإما أن لا يكون نص على ذلك اللازم لا بنفي ولا
إثبات أو نص على نفيه وإذا نص على نفيه فإما أن يكون نص على نفي لزومه أو
لم ينص فإن كان قد نص على نفي ذلك اللازم وخرجوا عليه خلاف المنصوص عنه في
تلك المسألة مثل أن ينص في مسألتين متشابهتين على قولين مختلفين أو يعلل
مسألة بعلة ينقضها في موضع آخر كما علل أحمد هنا عدم التكفير بعدم
الاستثناء وعنه في الاستثناء روايتان فهذا مبني على تخريج مالم يتكلم بنفي
ولا إثبات هل يسمى ذلك مذهبا له أو لا يسمى
و لأصحابنا فيه خلاف مشهور
فالأثرم والخرقي وغيرهما يجعلونه مذهبا له والخلال وصاحبه وغيرهما لا
يجعلونه مذهبا له
و التحقيق أنه قياس قوله فليس بمنزلة المذهب المنصوص
عنه ولا هو أيضا بمنزلة ما ليس بلازم قوله بل هو منزلة بين المنزلتين هذا
حيث أمكن أن لا يلتزمه
و أيضا فإن الله شرع الطلاق مبيحا له أو آمرا به
وملزما له إذا أوقعه صاحبه وكذلك العتق وكذلك النذر

وهذه العقود من
النذر والطلاق والعتاق تقتضي وجوب أشياء على العبد أو تحريم أشياء عليه
والوجوب والتحريم إنما يلزم العبد إذ قصده أو قصد سببه فإنه لو جرى على
لسانه هذا الكلام بغير قصد لم يلزمه شئ بالاتفاق ولو تكلم بهذه الكلمات
مكرها لم يلزمه حكمها عندنا وعند الجمهور كما دلت عليه السنة وآثار الصحابة
لأن مقصوده إنما هو دفع المكروه عنه لم يقصد حكمها ولا قصد التكلم بها
ابتداء فكذلك الحالف إذا قال إن لم أفعل كذا فعلى الحج أو الطلاق ليس قصده
التزام حج ولا طلاق ولا تكلم بما يوجبه ابتداء وإنما قصده الحض على ذلك
الفعل أو منع نفسه منه كما أن قصد المكره دفع المكروه عنه ثم قال على طريق
المبالغة في الحض والمنع إن فعلت كذا فهذا لى لازم أو هذا على حرام لشدة
امتناعه من هذا اللزوم والتحريم علق ذلك به فقصده منعهما جميعا لا ثبوت
أحدهما ولا ثبوت سببه وإذا لم يكن قاصدا للحكم ولا لسببه وإنما قصده عدم
الحكم لم يجب أن يلزمه الحكم
وأيضا فإن اليمين بالطلاق بدعة محدثة في
الأمة لم يبلغني أنه كان يحلف به على عهد قدماء الصحابة ولكن قد ذكروها في
أيمان البيعة التي رتبها الحجاج ابن يوسف وهي تشتمل على اليمين بالله وصدقة
المال والطلاق والعتاق وإني لم أقف إلى الساعة على كلام لأحد من الصحابة
في الحلف بالطلاق وإنما الذي بلغنا عنهم الجواب في الحلف بالعتق كما تقدم
ثم
هذه البدعة قد شاعت في الأمة وانتشرت انتشارا عظيما ثم لما اعتقد من اعتقد
أن الطلاق يقع بها لا محالة صار في وقوع الطلاق بها من الأغلال على الأمة
ما هو شبيه بالأغلال التي كانت على بني إسرائيل ونشأ عن ذلك خمسة أنواع من
المفاسد والحيل في الأيمان حتى اتخذوا آيات الله هزوا
وذلك أنهم يحلفون
بالطلاق على ترك أمور لا بد لهم من فعلها إما شرعا

و إما طبعا وغالب
ما يحلفون بذلك في حال اللجاج والغضب ثم فراق الأهل فيه من الضرر في الدين
والدنيا ما يزيد على كثير من أغلال اليهود وقد قيل إن الله إنما حرم
المطلقة ثلاثا حتى تنكح زوج غيره لئلا يتسارع الناس إلى الطلاق لما فيه من
المفسدة فإذا حلفوا بالطلاق على الأمور اللازمة أو الممنوعة وهم محتاجون
إلى فعل تلك الأمور أو تركها مع عدم فراق الأهل فقد قدحت الأفكار لهم أربعة
أنواع من الحيل أخذت عن الكوفيين وغيرهم
الحيلة الأولى في المحلوف عليه
فيتؤول لهم خلاف ما قصدوه وخلاف ما يدل على الكلام في عرف الناس وعاداتهم
وهذا هو الذي وضعه بعض المتكلمين في الفقه وسموه باب المعاياة وسموه باب
الحيل في الأيمان وأكثره مما يعلم بالاضطرار من الدين أنه لا يسوغ في الدين
ولا يجوز حمل كلام الحالف عليه ولهذا كان الأئمة كأحمد وغيره يشددون
النكير على من يحتال في هذه الأيمان
الحيلة الثانية إذا تعذر الاحتيال
في الكلام المحلوف عليه احتالوا للفعل المحلوف عليه بأن يأمروه بمخالعة
امرأته ليفعل المحلوف عليه في زمن البينونة وهذه الحيلة أحدث من التي قبلها
وأظنها حدثت في حدود المائة الثالثة فإن عامة الحيل إنما نشأت عن بعض أهل
الكوفة وحيلة الخلع لا تمشي على أصلهم لأنهم يقولون إذا فعل المحلوف عليه
في العدة وقع عليه به الطلاق لأن المعتدة من فرقة ثانية يلحقها الطلاق
عندهم فيحتاج المحتال بهذه الحيلة إلى أن يتربص حتى تنقضي العدة ثم يفعل
المحلوف عليه وهذا فيه ضرر عليه من جهة طول المدة فصار يفتي بها بعض أصحاب
الشافعي وربما ركبوا معها أحد قوليه الموافق لأشهر الروايتين عن أحمد من أن
الخلع فسخ وليس بطلاق فيصيير الخالع كلما أراد الحنث خلع زوجته وفعل
المحلوف عليه ثم تزوجها فإما أن يفتوه بنقص عدد الطلاق أو يفتوه بعدمه
و
هذا الخلع الذي هو خلع الأيمان هو شبيه بنكاح المحلل سواء فإن ذلك

عقد
عقدا لم يقصده وإنما قصد إزالته وهذا فسخ فسخا لم يقصده وإنما قصد إزالته
وهذه حيلة محدثة باردة قد صنف أبو عبد الله بن بطة جزءا في إبطالها وذكر عن
السلف في ذلك من الآثار ما قد ذكرت بعضه في غير هذا الموضع
الحيلة
الثالثة إذا تعذر الاحتيال في المحلوف عليه احتالوا في المحلوف به فيبطلوه
بالبحث عن شروطه فصار قوم من المتأخرين من أصحاب الشافعي يبحثون عن صفة عقد
النكاح لعله اشتمل على أمر يكون به فاسدا ليرتبوا على ذلك أن الطلاق في
النكاح الفاسد لا يقع ومذهب الشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى روايتيه أن
الولي الفاسق لا يصح نكاحه والفسوق غالب على كثير من الناس فينفق سوق هذه
المسألة بسبب الاحتيال لرفع يمين الطلاق حتى رأيت من صنف في هذه المسألة
مصنفا مقصوده به الاحتيال لرفع يمين الطلاق ثم تجد هؤلاء الذين يحتالون
بهذه الحيلة إنما ينظرون في صفة عقد النكاح وكون ولاية الفاسق لا تصح عند
إيقاع الطلاق الذي قد ذهب كثير من أهل العلم أو أكثرهم إلى أنه يقع في
الفاسد في الجملة وأما عند الوطء والاستمتاع الذي أجمع المسلمون على أنه لا
يباح بالنكاح الفاسد فلا ينظرون في ذلك وكذلك لا ينظرون في ذلك عند
الميراث وغيره من أحكام النكاح الصحيح بل إنما ينظرون إليه فقط عند وقوع
الطلاق خاصة وهو نوع من اتخاذ آيات الله هزوا ومن المكر في آيات الله وإنما
أوجبه الحلف بالطلاق والضرورة إلى عدم وقوعه
الحيلة الرابعة السريجية
في إفساد المحلوف به أيضا لكن لوجود مانع لا لفوات شرط فإن أبا العباس بن
سريج وطائفة بعده اعتقدوا أنه إذ1 قال لامرأته إذا وقع عليك طلاقي أو طلقتك
فأنت طالق قبله ثلاثا أنه لا يقع بعد ذلك عليها طلاق أبدا لأنه إذا وقع
المنجز لزم وقوع المعلق فإذا وقع المعلق امتنع وقوع المنجز فيفضي وقوعه إلى
عدم وقوعه فلا يقع وأما عامة فقهاء الإسلام من جميع الطوائف فأنكروا ذلك
بل رأوه من الزلات التي يعلم بالاضطرار كونها

ليست من دين الإسلام
حيث قد علم بالضرورة من دين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الطلاق
أمر مشروع في كل نكاح وأنه ما من نكاح إلا ويمكن فيه الطلاق
و سبب الغلط
أنهم اعتقدوا صحة هذا الكلام فقالوا إذا وقع المنجز وقع المعلق وهذا
الكلام ليس بصحيح فإنه مستلزم وقوع طلقة مسبوقة بثلاث ووقوع طلقة مسبوقه
بثلاث ممتنع في الشريعة والكلام المشتمل على ذلك باطل وإذا كان باطلا لم
يلزم من وقوع المنجز وقوع المعلق لأنه إنما يلزم إذا كان التعليق صحيحا
ثم
اختلفوا هل يقع من المعلق تمام الثلاث أن يبطل التعليق ولا يقع إلا المنجز
على قولين في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما
و ما أدري هل استحدث ابن سريج
هذه المسألة للاحتيال على رفع الطلاق أم قالها طردا لقياس اعتقد صحته
واحتال بها من بعده لكني رأيت مصنفا لبعض المتأخرين بعد المائة الخامسة
صنفه في هذه المسألة ومقصوده بها الاحتيال على عدم وقوع الطلاق ولهذا
صاغوها بقولهم إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا لأنه لو قال إذا
طلقتك فأنت طالق ثلاثا لم تنفعه هذه الصيغة في الحيلة وإن كان كلاهما في
الدور سواء وذلك لأن الرجل إذا قال لامرأته إذا طلقتك فعبدي حر أو فأنت
طالق لم يحنث إلا بتطليق ينجزه بعد هذه اليمين أو يعلقه بعدها على شرط
فيوجد فإن كل واحد من المنجز والمعلق الذي وجد شرطه تطليق أما إذا كان قد
علق طلاقها قبل هذه اليمين بشرط ووجد الشرط بعد هذه اليمين لم يكن مجرد
وجود الشرط ووقوع الطلاق به تطليقا لأن التطليق لا بد أن يصدر عن المطلق
ووجود الطلاق بصفة يفعلها غيره ليس فعلا منه فأما إذا قال إذا وقع عليك
طلاقي فهذا يعم المنجز والمعلق بعد هذا بشرط والواقع بعد هذا بشرط تقدم
تعليقه

فصوروا المسألة بصورة قوله إذا وقع عليك طلاقي حتى إذا حلف
الرجل بالطلاق لا يفعل شيئا قالوا له قل إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله
ثلاثا فيقول ذلك فيقولون له افعل الآن ما حلفت عليه فإنه لا يقع عليك طلاق
فهذا
التسرج المنكر عند عامة أهل الإسلام المعلوم يقينا أنه ليس من الشريعة
التي بعث الله بها محمدا صلى الله عليه وسلم إنما نفقه في الغالب ما أحوج
كثيرا من الناس إليه من الحلف بالطلاق وإلا فلولا ذلك لم يدخل فيه أحد لأن
العاقل لا يكاد يقصد سد باب الطلاق عليه إلا نادرا
الحيلة الخامسة إذا
وقع الطلاق ولم يمكن الاحتيال لا في المحلوف عليه قولا ولا فعلا ولا في
المحلوف به إبطالا ولا منعا احتالوا لإعادة النكاح بنكاح المحلل الذي دلت
عليه السنة وإجماع الصحابة مع دلالة القرآن وشواهد الأصول على تحريمه
وفساده ثم قد تولد من نكاح المحلل من الفساد ما لا يعلمه إلا الله كما
نبهنا على بعضه في كتاب بيان الدليل على إبطال التحليل وأغلب ما يحوج الناس
إلى نكاح المحلل هو الحلف بالطلاق وإلا فالطلاق الثلاث لا يقدم عليه الرجل
في الغالب إلا إذا قصده ومن قصده لم يترتب عليه عنده من الندم والفساد ما
يترتب على من اضطر إلى وقوعه لحاجته إلى الحنث
فهذه المفاسد الخمسة التي
هي الاحتيال على نقض الأيمان وإخراجها عن مفهومها ومقصودها ثم الاحتيال
بالخلع وإعادة النكاح ثم الاحتيال بالبحث عن فساد النكاح ثم الاحتيال بمنع
وقوع الطلاق ثم الاحتيال بنكاح المحلل في هذه الأمور من المكر والخداع
والاستهزاء بآيات الله واللعب الذي ينفر العقلاء عن دين الله ويوجب طعن
الكفار فيه كما رأيته في بعض كتب النصارى وغيرهم ويتبين لكل مؤمن صحيح
الفطرة أن دين الإسلام منزه عن هذه الخزعبلات التي تشبه حيل اليهود ومخاريق
الرهبان وأن أكثر ما أوقع

الناس بها وأوجب كثرة إنكار الفقهاء عليها
واستخراجهم لها هو حلف الناس بالطلاق واعتقاد وقوع الطلاق عند الحنث لا
محالة حتى لقد فرع الكوفيون وغيرهم من فروع الأيمان شيئا كثيرا مبناه على
هذا الأصل وكثير من الفروع الضعيفة التي يفرعها هؤلاء ونحوهم كما كان الشيخ
أبو محمد المقدسي يقول مثالها مثال رجل بنى دارا حسنة على حجارة مغصوبة
فإذا نوزع في استحقاق تلك الحجارة التي هي الأساس فاستحقها غيره انهدم
بناؤه فإن تلك الفروع الحسنة إن لم تكن على أصول محكمة وإلا لم يكن لها
منفعة
فإذا كان الحلف بالطلاق واعتقاد لزوم الطلاق عند الحنث قد أوجب
هذه المفاسد العظيمة التي قد غيرت بعض أمور الإسلام عند من فعل ذلك وصار في
هؤلاء شبه بأهل الكتاب كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مع أن لزوم
الطلاق عند الحلف به ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا أفتى به أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ولا أحد منهم فيما أعلمه ولا اتفق عليه
التابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين ولا العلماء بعدهم ولا هو مناسب لأصول
الشريعة ولا حجة لمن قاله أكثر من عادة مستمرة استندت على قياس معتضد
بتقليد لقوم أئمة علماء محمودين عند الأمة وهم ولله الحمد فوق ما يظن بهم
لكن لم نؤمر عند التنازع إلا بالرد إلى الله وإلى رسوله وقد خالفهم فيه من
ليس دونهم بل مثلهم أو فوقهم فإنا قد ذكرنا عن أعيان الصحابة كعبد الله بن
عمر المجمع على إمامته وفقهه ودينه وأخته حفصة أم المؤمنين وزينب ربيبة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي من أمثل فقيهات الصحابة الإفتاء بالكفارة
في الحلف بالعتق والطلاق ما هو أولى منه وذكرنا عن طاوس وهو من أفاضل
أفاضل علماء التابعين علما وفقها ودينا أنه لم يكن يرى اليمين بالطلاق
موقعة له
فإذا كان لزوم الطلاق عند الحنث في اليمين به مقتضيا لهذه
المفاسد وحاله في

الشريعة هذه الحال كان هذا دليلا على أن ما أفضى
إلى هذا الفساد لم يشرعه الله ولا رسوله كما نبهنا عليه في ضمان الحدائق
لمن يزرعها ويستثمرها وبيع الخضر ونحوها
وذلك أن الحالف بالطلاق إذا حلف
ليقطعن رحمه أو ليعقن أباه أو ليقتلن عدوه المسلم المعصوم أو ليأتين
الفاحشة أو ليشربن الخمر أو ليفرقن بين المرء وزوجه ونحو ذلك من كبائر
الإثم والفواحش فهو بين ثلاثة أمور إما أن يفعل هذا المحلوف عليه فهذا لا
يقوله مسلم لما فيه من ضرر الدنيا والآخرة مع أن كثيرا من الناس بل من
المفتين إذا رآه قد حلف بالطلاق كان ذلك سببا لتخفيف الأمر عليه وإقامة
عذره
وإما أن يحتال ببعض تلك الحيل المذكورة كما استخرجه قوم من المفتين
ففي ذلك من الاستهزاء بآيات الله ومخادعته والمكر السيء بدينه والكيد له
وضعف العقل والدين والاعتداء لحدود الله والانتهاك لمحارمه والإلحاد في
آياته ما لا خفاء به وإن كان من إخواننا الفقهاء من قد يستجيز بعض ذلك فقد
دخل من الغلط في ذلك وإن كان مغفورا لصاحبه المجتهد المتقي لله ما فساده
ظاهر لمن تأمل حقيقة الدين
وإما أن لا يحتال ولا يفعل المحلوف عليه بل
يطلق امرأته كما يفعله من يخشى الله إذا اعتقد وقوع الطلاق ففي ذلك من
الفساد في الدين والدنيا ما لا يأذن به الله ولا رسوله
أما فساد الدين
فإن الطلاق منهي عنه مع استقامة حال الزوجين باتفاق العلماء حتى قال النبي
صلى الله عليه وسلم: "إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات" وقال: "أيما
امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة"
وقد اختلف
العلماء هل هو محرم أو مكروه وفيه روايتان عن أحمد وقد استحسنوا جواب أحمد
لما سئل عمن حلف بالطلاق ليطأن امرأته وهي حائض

فقال يطلقها ولا
يطأها قد أباح الله الطلاق وحرم وطء الحائض
وهذا الاستحسان يتوجه على
أصلين أما على قوله إن الطلاق ليس بحرام وإنما يكون تحريمه دون تحريم الوطء
وإلا فإذا كان كلاهما حراما لم يخرج من حرام إلا إلى حرام
وأما ضرر
الدنيا فأبين من أن يوصف فإن لزوم الطلاق المحلوف به في كثير من الأوقات
يوجب من الضرر ما لم تأت به الشريعة الإسلامية في مثل هذا قط أن المرأة
الصالحة تكون في صحبة زوجها الرجل الصالح سنين كثيرة وهي متاعه التي قال
فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة المؤمنة
إن نظرت إليها أعجبتك وإن أمرتها أطاعتك وإن غبت عنها حفظتك في نفسها
ومالك" وهي التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لما سأله
المهاجرون: "أي المال خير فنتخذه فقال أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وامرأة
صالحة تعين أحدكم على إيمانه" رواه الترمذي من حديث سالم بن أبي الجعد عن
ثوبان وبينهما من المودة والرحمة ما امتن الله به في كتابه بقوله {وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} فيكون ألم الفراق أشد
عليهما من الموت أحيانا وأشد من ذهاب المال وأشد من فراق الأوطان خصوصا إن
كان بقلب كل واحد منهما حب وعلاقة من صاحبه أو كان بينهما أطفال يضيعون
بالفراق ويفسد حالهم ثم يفضي ذلك إلى القطيعة بين أقاربهما ووقوع الشر لما
زالت نعمة المصاهرة التي امتن الله بها في قوله {فَجَعَلَهُ نَسَباً
وَصِهْراً} ومعلوم أن هذا من الحرج الداخل في عموم قوله تعالى: {وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ومن العسر المنفي بقوله
{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}
وأيضا
فلو كان المحلوف عليه بالطلاق فعل بر وإحسان من صدقة وعتاقة وتعليم علم
وصلة رحم وجهاد في سبيل الله وإصلاح بين الناس ونحو ذلك

من الأعمال
الصالحة التي يحبها الله ويرضاها فإنه لما عليه من الضرر العظيم في الطلاق
لا يفعل ذلك بل ولا يؤمر به شرعا لأنه قد يكون الفساد الناشئ من الطلاق
أعظم من الصلاح الحاصل من هذه الأعمال وهي المفسدة التي أزالها الله بقوله
{وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} وأزالها النبي صلى
الله عليه وسلم بقوله: "لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم عند الله من أن
يأتي الكفارة التي فرض الله"
فإن قيل فهو الذي أوقع نفسه في أحد هذه
المضرات الثلاث فما كان ينبغي له أن يحلف
قيل ليس في شريعتنا ذنب إذا
فعله الإنسان لم يكن له مخرج منه بالتوبة إلا بضرر عظيم فإن الله لم يحمل
علينا إصرا كما حمله على الذين من قبلنا فهب أن هذا قد أتى كبيرة من
الكبائر في حلفه بالطلاق ثم تاب من تلك الكبيرة فكيف يناسب أصول شريعتنا أن
يبقى أثر ذلك الذنب عليه لا يجد منه خرجا وهذا بخلاف الذي ينشئ الطلاق لا
بالحلف عليه فإنه لا يفعل ذلك إلا وهو مريد الطلاق إما لكراهته للمرأة أو
غضبه عليها ونحو ذلك وقد جعل الله الطلاق ثلاثا فإذا كان إنما يتكلم
بالطلاق باختياره ووالى ثلاث مرات متفرقات كان وقوع الضرر في مثل هذا نادرا
بخلاف الأول فإن مقصوده لم يكن الطلاق وإنما كان أن يفعل المحلوف عليه
أولا يفعله ثم قد يأمره الشرع أو تضطره الحاجة إلى فعله أو تركه فيلزمه
الطلاق بغير اختيار له ولا لسببه
وأيضا فإن الذي بعث الله به محمدا صلى
الله عليه وسلم في باب الأيمان تخفيفها بالكفارة لا تثقيلها بالإيجاب أو
التحريم فإنهم كانوا في الجاهلية يرون الظهار طلاقا واستمروا على ذلك في
أول الإسلام حتى ظاهر أوس بن الصامت رضي الله عنه من امرأته
و أيضا
فالاعتبار بنذر اللجاج والغضب فإنه ليس بينهما من الفرق إلا

ما
ذكرناه وسنبين إن شاء الله عدم تأثيره والقياس بالفارق أصح ما يكون من
الاعتبار باتفاق العلماء المعتبرين
وذلك أن الرجل إذا قال إن أكلت أو
شربت فعلي أن أعتق عبدي أو فعلي أن أطلق امرأتي أو فعلي الحج أو فأنا محرم
بالحج أو فمالي صدقة أو فعلي صدقة فإنه تجزئة كفارة يمين عند الجمهور كما
قدمناه بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فكذلك إذا قال إن أكلت هذا أو
شربت هذا فعلي الطلاق أو فالطلاق لي لازم أو فامرأتي طالق أو فعبيدي أحرار
وإن قال علي الطلاق لا أفعل كذا أو الطلاق يلزمني لا أفعل كذا فهو بمنزلة
قوله علي الحج لا أفعل كذا والحج لي لازم لا أفعل كذا وكلاهما يمينان
محدثتان ليستا مأثورتين عن العرب ولا معروفتين عند الصحابة وإنما
المستأخرون صاغوا من هذه المعاني أيمانا وربطوا إحدى الجملتين بالأخرى
كالأيمان التي كان المسلمون من الصحابة يحلفون بها وكانت العرب تحلف بها لا
فرق بين هذا وهذا إلا أن قوله إن فعلت كذا فمالي صدقة يقتضي وجوب الصدقة
عند الفعل وقوله مرأتي طالق يقتضي وجود الطلاق فالكلام يقتضي وقوع الطلاق
بنفس الشرط وإن لم يحدث بعد هذا طلاقا ولا يقتضي وقوع الصدقة حتى يحدث صدقة
وجواب
هذا الفرق الذي اعتمده الفقهاء الفرقون من وجهين
أحدهما منع الوصف
الفارق في بعض الأصول المقيس عليها وفي بعض صور الفروع المقيس عليها
والثاني
بيان عدم التأثير
أما الأول فإنه إذا قال إن فعلت كذا فمالي صدقة أو
فأنا محرم أو فبعيري هدي فالمعلق بالصفة وجود الصدقة والإحرام والهدي لا
وجوبها كما أن المعلق في قوله فعبدي حر وامرأتي طالق وجود الطلاق والعتق لا
وجوبهما ولهذا اختلف الفقهاء من أصحابنا وغيرهم فيما إذا قال هذا

هدي
وهذا صدقة لله هل يخرج عن ملكه أولا يخرج فمن قال يخرج عن ملكه فهو كخروج
زوجه وعبده عن ملكه أكثر ما في الباب أن الصدقة والهدي يتملكهما الناس
بخلاف الزوجة والعبد وهذا لا تأثير له وكذلك لو قال علي الطلاق لأفعلن كذا
أو الطلاق يلزمني لأفعلن كذا فهو كقوله علي الحج لأفعلن كذا فهلا جعل
المحلوف به هنا وجوب الطلاق لا وجوده كأنه قال إن فعلت كذا فعلي أن أطلق
فبعض
صور الحلف بالطلاق يكون المحلوف به صيغة وجوب كما أن بعض صور الحلف بالنذر
يكون المحلوف به صيغة وجود
وأما الجواب الثاني فنقول هب أن المعلق
بالفعل هنا وجود الطلاق والعتاق والمعلق هناك وجود الصدقة والحج والصيام
والإهداء أليس موجب الشرط ثبوت هذا وجوب وذاك الوجود عند وجود الشرط
فإذا
كان عند الشرط لا يثبت ذلك الوجوب بل يجزيه كفارة يمين فكذلك عند الشرط لا
يثبت هذا الوجود بل يجزيه كفارة يمين كما لو قال هو يهودي أو نصراني أو
كافر إن فعل كذا فإن المعلق هنا وجود الكفر عند الشرط ثم إذا وجد الشرط لم
يوجد الكفر بالاتفاق بل يلزمه كفارة يمين ولا يلزمه شيء ولو قال ابتداء هو
يهودي أو نصراني أو كافر للزمه الكفر بمنزلة قوله ابتداء عبدي حر وامرأتي
طالق وهده البدنة هدي وعلي صوم يوم الخميس ولو علق الكفر بشرط يقصد وجوده
كقوله إذا أهل الهلال فقد برئت من دين الإسلام لكان الواجب أن يحكم بكفره
لكن لا يتأخر الكفر لأن توقيته دليل على فساد عقيدته
فإن قيل في الحلف
بالنذر إنما عليه الكفارة فقط
قيل مثله في الحلف بالعتق وكذلك في الحلف
بالطلاق كما لو قال فعلي أن أطلق امرأتي
ومن قال إنه إذا قال فعلي أن
أطلق امرأتي لا يلزمه شيء فقياس

قوله في الطلاق لا يلزمه شيء ولهذا
توقف طاووس في كونه يمينا
وإن قيل إنه يخير بين الوفاء به والتكفير
فكذلك هنا يخير بين الطلاق والعتق وبين التكفير فإن وطئ امرأته كان اختيارا
منه للتكفير كما أنه في الظهار يكون مخيرا بين التكفير وبين تطليقها فإن
وطئها لزمته الكفارة لكن في الظهار لا يجوز له الوطء حتى يكفر لأن الظهار
منكر من القول وزور حرمها عليه وأما هنا فقوله إن فعلت فهي طالق فهو بمنزلة
قوله فعلي أن أطلقها أو قال والله لأطلقنها فإن طلقها فلا شيء عليه وإن لم
يطلقها فعليه كفارة يمين
يبقى أن يقال فهل تجب الكفارة على الفور إذا
لم يطلقها حينئذ كما لو قال والله لأطلقنها الساعة ولم يطلقها أو لا تجب
إلا إذا عزم على إمساكها أو لا يجب إلا إذا وجد منه ما يدل على الرضا بها
من قول أو فعل كالذي يخير بين فراقها وإمساكها لعيب ونحوه وكالمعتقة تحت
عبد أو لا يجب بحال حتى يفوت الطلاق قبل الحكم في ذلك كما لو قال فثلث مالي
صدقة أو هدي ونحو ذلك
والأقيس في ذلك أنه مخير بينهما على التراخي ما
لم يوجد منه ما يدل على الرضا بأحدهما كسائر أنواع الخيار
فصل
موجب
نذر اللجاج والغضب على المشهور عندنا أحد شيئين
إما التكفير وإما فعل
المعلق ولا ريب أن موجب اللفظ في مثل قوله إن فعلت كذا فعلي صلاة ركعتين أو
صدقة ألف أو فعلي الحج أو صوم شهر هو الوجوب عند الفعل فهو مخير بين هذا
الوجوب وبين وجوب الكفارة فإذا لم يستلزم الوجوب المعلق ثبت وجوب الكفارة
فاللازم له أحد الوجوبين كل منهما ثابت بتقدير عدم الآخر كما في الواجب
المخير
وكذلك إذا قال إذا فعلت كذا فعلي عتق هذا العبد أو تطليق هذه

المرأة
أو علي أن أتصدق أو أهدي فإن ذلك يوجب استحقاق العبد للإعتاق والمال
للتصدق والبدنة للهدي
ولو أنه نجز ذلك فقال هذا المال صدقة وهذه البدنة
هدي وعلي عتق هذا العبد فهل يخرج عن ملكه بذلك أو يستحق الإخراج فيه خلاف
وهو يشبه قوله هذا وقف
وأما إذا قال هذا العبد حر وهذه المرأة طالق فهو
إسقاط بمنزلة قوله برئت ذمة فلان من كذا ومن دم فلان أو من قذفي فإن إسقاط
حق الدم والمال والعرض من باب إسقاط حق الملك بملك البضع وملك اليمين
فإذا
قال إن فعلت فعلي الطلاق أو فعلي العتق أو فامرأتي طالق أو فعبيدي أحرار
وقلنا إن موجبه أحد الأمرين فإنه يكون مخيرا بين وقوع ذلك وبين وجوب
الكفارة كما لو قال فهذا المال صدقة أو هذه البدنة هدي
ونظير ذلك ما لو
قال إذا طلعت الشمس فعبيدي أحرار ونسائي طوالق وقلنا التخيير إليه فإنه إذا
اختار أحدهما كان ذلك بمنزلة اختياره أحد الأمرين من الوقوع أو وجوب
التكفير وأمثال ذلك
وأيضا إذا أسلم وتحته أكثر من أربع أو أختان فاختار
إحداهما فهذه المواضع التي تكون فيها الفرقة أحد اللازمين إما فرقة معين أو
نوع الفرقة لا يحتاج إلى إنشاء طلاق لكن لا يتعين الطلاق إلا بما يوجب
تعيينه كما في النظائر المذكورة
ثم إذا اختار الطلاق فهل يقع من حين
الاختيار أو من حين الحنث يخرج على نظير ذلك
فلو قال في جنس مسائل نذر
اللجاج والغضب اخترت التكفير أو اخترت فعل المنذور فهل يتعين بالقول أو لا
يتعين إلا بالفعل
إن كان التخيير بين الوجوبين تعين بالقول كما في
التخيير بين النساء وبين الطلاق والعتق وإن كان بين الفعلين لم يتعين إلا
بالفعل كالتخيير

بين خصال الكفارة وإن كان بين الفعل والحكم كما في
قوله إن فعلت كذا فعبدي حر أو امرأتي طالق أو دمي هدر أو مالي صدقة أو
بدنتي هدي تعين الحكم بالقول ولم يتعين الفعل إلا بالفعل والله سبحانه
وتعالى أعلم
آخر ما تيسر بحمد الله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى