رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
علم المقولات العشر
دعواهم في البرهان
البرهان لا
يفيد العلم بشئ من الموجودات
ب البرهان شئ من المعينات فلا يعلم به
موجود اصلا بل إنما يعلم به أمور مقدرة في الاذهان
ومعلوم ان النفس لو
قدر ان كمالها في العلم فقط وإن كانت هذه قضية كاذبة كما بسط في موضعه
فليس هذا علما تكمل به النفس إذ لم تعلم شيئا من الموجودات ولا صارت عالما
معقولا موازيا للعالم الموجود بل صارت عالما لامور كلية مقدرة لا يعلم بها
شئ من العالم الموجود وأي خير في هذا فضلا عن ان يكون كمالا الوجه
الثاني
لا يعلم ب البرهان واجب الوجود ولا العقول الخ
وكذلك الافلاك التي
يقولون إنها ازلية ابدية وهي معينة فاذا لم يعلم إلا الكليات لم تكن معلومة
فلا يعلم لا واجب الوجود ولا العقول ولا شئ من النفوس ولا الافلاك بل
ولا العناصر ولا المولدات وهذه جملة الموجودات عندهم فأي علم هنا تكمل به
النفس الوجه الثالث
ليس العلم الالهي عندهم علما بالخالق
ولا بالمخلوق
فيقال
له القسمة نوعان قسمة الكلى إلى جزئياته وقسمة الكل الى أجزائه والقسمة
الثانية هي المعروفة في الامر العام كما يقول العلماء باب القسمة ويذكرون
قسمة المواريث والمغانم والارض وغير ذلك ومنه قوله تعالى ونبئهم أن الماء
قسمة بينهم كل شرب محتضر القمر ومنه قوله تعالى لها سبعة ابواب لكل باب
منهم جزء مقسوم الحجر
أما تقسيم الكلى الى جزئياته فمثل قولنا الحيوان
ينقسم الى ناطق وأعجمي وهو قسمة الجنس الى أنواعه والنوع الى اشخاصه
استطراد
ولهذا كان النحاة إذا ارادوا ان يقسموا ما يقسمونه الى اسم
وفعل وحرف يختلف كلامهم فكثير منهم يقول الكلام ينقسم الى اسم وفعل وحرف
وهذا هو الذي يذكره قدماء النحاة
فاعترض عليهم بعض من صنف في قوانين
النحو كالكرولي وقالوا كل جنس قسم الى أنواعه أو انواع اشخاصه ف الاسم
المقسوم الاعلى صادق على الانواع والاشخاص وإلا فليست بأقسام له فصاروا
يقولون الكلمة تنقسم الى اسم وفعل وحرف ويقولون الكلمة جنس تحته انواع
الاسم والفعل والحرف
وهذا الاعتراض خطأ ممن أورده لان اولئك لم يقصدوا
تقسيم الكلى الى جزئياته وإنما قصدوا تقسيم الكل الى أجزائه وهو التقسيم
المعروف اولا في العقول واللغات كما إذا قلت هذه الارض مقسمومة فلفلان هذا
الجانب ولفلان هذا الجانب كما قال تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب
محتضر القمر والكلام مركب من الاسماء والافعال
والحروف كما يتركب
البيت من السقف والحيطان والارض وكما ان بدن الانسان مركب من أعضائه
المتميزة وأخلاطه الممتزجة فتقسيمه الى الاعضاء والاخلاط تقسيم كل الى
أجزائه ومثل هذا يمتنع ان يصدق فيه اسم المقسوم على الاجزاء فليس كل واحد
من أعضائه بدنا ولا كل من أخلاطه بدنا ولا كل من اجزاء السقف بيتا وكذلك
الوجه إذا قيل ينقسم الى جبين وأنف وعين وخد وغير ذلك لم يكن كل واحد من
هذه الاعضاء وجها ونظائر هذا كثيرة
وأما الكلى فانما يوجد في الذهن لا
في الخارج فتبين ان تقسيم الاولين أظهر من تقسيم الآخرين
استطراد آخر
معنى الكلمة والحرف في كلام العرب
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا الكهف
ومثل
هذا كثير في كلام العرب
وبعض متأخرى النحاة لما سمع بعض هذا قال وقد
يراد ب الكلام الكلمة
وليس الامر كما زعمه بل لا يوجد في كلام العرب
لفظ الكلمة إلا للجملة التامة التي هي كلام ولا تطلق العرب لفظ كلمة ولا
كلام إلا على جملة تامة ولهذا ذكر سيبويه انهم يحكون ب القول ما كان كلاما
ولا يحكون به ما كان قولا
وأما تسمية الاسم وحده كلمة والفعل وحده
كلمة والحرف وحده كلمة مثل هل وبل فهذا اصطلاح محض لبعض النحاة ليس هذا من
لغة العرب اصلا وانما تسمى العرب هذه المفردات حروفا ومنه قول النبي ص - من
قرا القران فله بكل حرف عشر حسنات اما اني لا اقول الم حرف ولكن الف حرف
ولام حرف وميم حرف والذي عليه محققوا العلماء ان المراد بالحرف الاسم وحده
والفعل حرف المعنى لقوله الف حرف وهذا اسم
ولهذا لما سأل الخليل
اصحابه عن النطق بالزاء من زيد فقالوا زا فقال نطقتم بالاسم وانما الحرف زه
ومنه قول ابي الاسود
الدولي وذكر له لفظه من الغريب وقال هذا حرف
لم يبلغك فقال كل حرف لم يبلغ عمك فافعل به كذا
ولهذا ذكر سيبويه في
اول كتابه التقسيم الى اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل فجعل
الفصل من النوع الثالث انه حرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل فميزه بقوله جاء
لمعنى عن حروف الهجاء مثل الف با تا فان هذه حروف هجاء
وهذه الالفاظ
اسماء تعرب اذا عقدت وركبت ولكن اذا نطق بها قبل التركيب نطق بها ساكنة كما
ينطق بأسماء العدد قبل التركيب والعقد فيقال واحد اثنان ثلاثة ولهذا يعلم
الصبيان في اول الامر اسما الحروف المفردة ا ب ت ث ثم المركبة وهو ابجد هوز
حطي ويعلمون اسماء الاعداد واحد اثنان ثلاث
عود إلى أصل الموضوع
والمقصود هنا ان التقسيم نوعان تقسيم الكل الى اجزائه وهو اشهرهما
واعرفهما في العقول واللغات والثاني تقسيم الكلي الى جزئياته وهو التقسيم
الثاني لان الكليات هي المعقولات الثانية
فاذا قال القائل الوجود الذي
هو موضوع العلم الالهي عندهم اما ان يكون كل موجود او بعضه وهو الواجب او
الممكن كان هذا الحصر خطأ منه لان موضوعه الوجود الكلي المنقسم الى انواعه
لا الكل المنقسم الى اجزائه ومعلوم ان الوجود الكلي يتكلمون في لواحقه
الذاتيه لا في لواحق كل موجود العلم الاعلى عند المنطقيين ليس علما
بموجود في الخارج
انما يكون كليا في الذهن لا في الخارج فاذا كان هذا
هو العلم الاعلى عندهم لم يكن الاعلى عندهم علما بشيء موجود في الخارج بل
علما بأمر مشترك بين جميع الموجودات وهو مسمى الوجود وذلك كمسمى الشيء
والذات والحقيقة والنفس والعين والماهية ونحو ذلك من المعاني العامة ومعلوم
ان العلم بهذا ليس هو علما بموجود في الخارج لا بالخالق ولا بالمخلوق
وانما هو علم بأمر مشترك كلي يشترك فيه الموجودات لا يوجد الا في الذهن ومن
المتصورات ما يشترك فيه الموجود والمعدوم كقولنا مذكور ومعلوم ومخبر عنه
فهذا اعم من ذاك
وهذا بخلاف العلم الاعلى عند المسلمين فانه العلم
بالله الذي هو في نفسه اعلى من غيره من كل وجه والعلم به اعلى العلوم من كل
وجه والعلم به اصل لكل علم وهم يسلمون ان العلم به اذا حصل على الوجه
التام يستلزم العلم بكل موجود
وهذا بخلاف العلم بمسمى الوجود فان هذا
لا حقيقة له في الخارج ولا العلم بالقدر المشترك يستلزم العلم بأجناسه
وأنواعه وما يتميز به كل شئ بل ليس فيه إلا علم بقدر مشترك لا تصور له في
الخارج وإنما هو علم بهذه المشتركات
وليس في مجرد العلم بذلك ما يوجب
كمال النفس بل ولا في العلم بأقسامه العامة فانا إذا علمنا أن الوجود ينقسم
الى جوهر وعرض وأن اقسام الجوهر خمسة كما زعموه مع ان ذلك ليس بصحيح ولا
يثبت مما ذكروه إلا الجسم وأما المادة والصورة والنفس والعقل فلا يثبت لها
حقيقة في الخارج إلا ان يكون جسما اوعرضا ولكن ما يثبتونه يعود الى امر
مقدر في النفس لا في الخارج كما قد بسط في موضعه
وقد اعترف بذلك من
ينصرهم ويعظمهم كأبى محمد بن حزم وغيره ولتعظيمه
المنطق رواه
باسناده الى متى الترجمان الذي ترجمه الى العربية ومع هذا فاعترف بما
ذكرناه وقد بسط ذلك في موضعه
ونحن نفرض هنا وجود ذلك في الخارج فالعلم
بانقسام ذلك الى جواهر خمسة وانقسام العرض الى الانواع التسعة مع انه لم
يقم دليل على انقسامه الى تسعة عند بعضهم وقد انشدوا فيها ... زيد الطويل
الاسود ابن مالك ... في داره بالامس كان يتكى ... في يده سيف نضاه فانتضى
... فهذه عشر مقولات سوى ...
فذكر في هذين البيتين الجوهر والكم
والكيف والاضافة والاين ومتى والوضع والملك وأن يفعل وأن ينفعل
ولما
لم يقم دليل على حصر أجناسها العالية في تسعة جعلها بعضهم خمسة وبعضهم
ثلاثة الكم والكيف والاضافة
والمقصود هنا أنه إذا علم هذا التقسيم
وعندهم كلما كان أعم كان أقرب الى المعقول وكان البرهان عليه أقوم فانه لا
يقوم برهان واجب القبول دائما إلا على ما لا يتغير وهذه الاعراض عندهم لا
يقوم ب واجب الوجود بل ولا ب العقول إلا بعضها على نزاع بينهم فيعود الكمال
الى تصور وجود مطلق لا حقيقة له في الخارج كتصور ذات مطلقة وشئ مطلق
وحقيقة مطلقة
وأي كمال للنفس في مجرد تصور هذه الامور العامة الكلية
إذا لم تتصور أعيان الموجودات المعينة الجزئية وأي علم في هذا برب العالمين
الذي لا تكمل النفوس إلا
بمعرفته وعبادته محبة وذلا كما قد بسط في
موضعه
ولهذا كانت نهاية الفلاسفة إذا هداهم الله بعض الهداية بداية
اليهود والنصارى الكفار فضلا عن المسلمين أمة محمد ص - فان ما عند اليهود
والنصارى الكفار بعد النسخ والتبديل مما هو من نوع كمال النفس افضل في
الجنس والكم والكيف مما عند الفلاسفة الوجه الرابع
العلم
الرياضي لا تكمل به النفوس وإن ارتاضت به العقول
وضربها ونسبة بعضها الى بعض
فانك إذا جمعت مائة الى مائة علمت انها مائتان واذا قسمتها على عشرة كان
لكل واحد عشرة واذا ضربتها في عشرة كان المرتفع مائة
والضرب مقابل
للقسمة فان ضرب الاعداد الصصحيحة تضعيف احاد احد العددين بآحاد العدد الآخر
والقسمة توزيع احد العددين على آحاد العدد الاخر فاذا قسم المرتفع بالضرب
على احد العددين خرج المضروب الاخر واذا ضرب الخارج بالقسمة في المقسوم
عليه خرج المقسوم فالمقسوم نظير المرتفع بالضرب فكل واحد من المضروبين نظير
المقسوم والمقسوم عليه والنسبة تجمع هذا كله فنسبة احد المضروبين الى
المرتفع كنسبة الواحد الى المضروب الاخر ونسبة المرتفع الى احد المضروبين
كنسبة الاخر الى الواحد
فهذه الامور وامثالها مما يتكلم فيه الحساب
امر معقول مما يشترك فيه ذوو العقول وما من احد من الناس الا يعرف منه شيئا
فانه ضروري في العلم ضروري في العمل ولهذا يمثلون به في قولهم الواحد نصف
الاثنين ولا ريب ان قضاياه كلية واجبة القبول لا تنتقض البتة
استطراد
وهذا مبتدا فلسفتهم التي وضعها فيثاغورس وكانوا يسمون اصحابه اصحاب العدد
وكانوا يظنون ان الاعداد المجردة موجودة خارج الذهن
ثم تبين لافلاطون
واصحابه غلط ذلك وظنوا ان الماهيات المجردة ك الانسان المطلق والفرس المطلق
موجودات خارج الذهن وانها ازلية ابدية
ثم تبين لارسطو واصحابه غلط
ذلك فقالوا بل هذه الماهيات المطلقة موجودة في الخارج مقارنة لوجود الاشخاص
ومشى من مشى من اتباع ارسطو من المتأخرين
على هذا وهو ايضا غلط
فان ما في الخارج ليس بكلى اصلا وليس في الخارج الا ما هو معين مخصوص
واذا قيل الكلي الطبيعي في الخارج فمعناه ان ما هو كلي في الذهن هو مطابق
للافراد الموجودة في الخارج مطابقة العام لافراده والموجود في الخارج معينا
مختص ليس بكلي اصلا ولكن فيه حصة من الكلي
وما في الذهن يطلق عليه
انه قد يوجد الخارج كما يقال فعلت ما في نفسي وفي نفسي امور اريد فعلها
ومنه قوله تعالى الا حاجة في نفس يعقوب قضاها وقول عمر كنت زورت في نفسي
مقالة احببت ان اقولها ونظائره كثيرة
والكلي اذا وجد في الخارج لا
يكون الا معينا لا يكون كليا فكونه كليا مشروط بكونه في الذهن
ومن
اثبت ماهية لا في الذهن ولا في الخارج فتصور قوله تصورا تاما يكفي في العلم
بفساد قوله وهذه الامور مبسوطة في غير هذا الموضع
عود الى اصل
الموضوع
والمقصود هنا ان هذا العلم هو الذي تقوم عليه براهين صادقة
لكن لا تكمل بذلك نفس ولا تنجو به من عذاب ولا يحصل لها به سعادة
ولهذا قال ابو حامد الغزالي وغيره في علوم هؤلاء
هي بين علوم صادقة
لا منفعة فيها ونعوذ بالله من علم لا ينفع وبين ظنون كاذبه لا ثقه بها وان
بعض الظن اثم يشيرون بالاول الى العلوم الرياضية وبالثاني الى ما يقولونه
في الالهيات وفي احكام النجوم ونحو ذلك
مع أن تقسيم الوجود الى واجب وممكن هو تقسيم
ابن سينا وأتباعه وأما أرسطو والمتقدمون فلا يقسمونه إلا الى جوهر وعرض
والممكن عندهم لا يكون إلا حادثا كما اتفق على ذلك سائر العقلاء وهذا العلم
هو علم المقولات العشر وهو المسمى عندهم قاطيغورياس
الادلة على بطلان ابن سينا وأتباعه وأما أرسطو والمتقدمون فلا يقسمونه إلا الى جوهر وعرض
والممكن عندهم لا يكون إلا حادثا كما اتفق على ذلك سائر العقلاء وهذا العلم
هو علم المقولات العشر وهو المسمى عندهم قاطيغورياس
دعواهم في البرهان
والمقصود هنا الكلام على البرهان فيقال
هذا
الكلام وإن ضل به طوائف فهو كلام مزخرف وفيه من الباطل ما يطول وصفه ولكن
ننبه هنا على بعض ما فيه وذلك من وجوه
الوجه الاولهذا
الكلام وإن ضل به طوائف فهو كلام مزخرف وفيه من الباطل ما يطول وصفه ولكن
ننبه هنا على بعض ما فيه وذلك من وجوه
البرهان لا
يفيد العلم بشئ من الموجودات
الاول أن يقال إذا كان البرهان لا يفيد
إلا العلم بالكليات والكليات إنما تتحقق في الاذهان لا في الاعيان وليس في
الخارج إلا موجود معين لم يعلم
إلا العلم بالكليات والكليات إنما تتحقق في الاذهان لا في الاعيان وليس في
الخارج إلا موجود معين لم يعلم
ب البرهان شئ من المعينات فلا يعلم به
موجود اصلا بل إنما يعلم به أمور مقدرة في الاذهان
ومعلوم ان النفس لو
قدر ان كمالها في العلم فقط وإن كانت هذه قضية كاذبة كما بسط في موضعه
فليس هذا علما تكمل به النفس إذ لم تعلم شيئا من الموجودات ولا صارت عالما
معقولا موازيا للعالم الموجود بل صارت عالما لامور كلية مقدرة لا يعلم بها
شئ من العالم الموجود وأي خير في هذا فضلا عن ان يكون كمالا الوجه
الثاني
لا يعلم ب البرهان واجب الوجود ولا العقول الخ
الثاني
ان يقال اشرف الموجودات هو واجب الوجود ووجوده معين لا كلى فان الكلى لا
يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وواجب الوجود يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه
وإن لم يعلم منه ما يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه بل إنما علم امر كلى
مشترك بينه وبين غيره لم يكن قد علم واجب الوجود
وكذلك الجواهر
العقلية عندهم وهي العقول العشرة او اكثر من ذلك عند من يجعلها اكثر من ذلك
عندهم كالسهروردى المقتول وأبى البركات وغيرهما كلها جواهر معينة لا امور
كلية فاذا لم يعلم إلا الكليات لم يعلم شئ منها
ان يقال اشرف الموجودات هو واجب الوجود ووجوده معين لا كلى فان الكلى لا
يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وواجب الوجود يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه
وإن لم يعلم منه ما يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه بل إنما علم امر كلى
مشترك بينه وبين غيره لم يكن قد علم واجب الوجود
وكذلك الجواهر
العقلية عندهم وهي العقول العشرة او اكثر من ذلك عند من يجعلها اكثر من ذلك
عندهم كالسهروردى المقتول وأبى البركات وغيرهما كلها جواهر معينة لا امور
كلية فاذا لم يعلم إلا الكليات لم يعلم شئ منها
وكذلك الافلاك التي
يقولون إنها ازلية ابدية وهي معينة فاذا لم يعلم إلا الكليات لم تكن معلومة
فلا يعلم لا واجب الوجود ولا العقول ولا شئ من النفوس ولا الافلاك بل
ولا العناصر ولا المولدات وهذه جملة الموجودات عندهم فأي علم هنا تكمل به
النفس الوجه الثالث
ليس العلم الالهي عندهم علما بالخالق
ولا بالمخلوق
الثالث ان يقال العلم الاعلى عندهم الذي هو الفلسفة
الاولى والحكمة العليا علم ما بعد الطبيعة باعتبار الاستدلال وما هو قبلها
باعتبار الوجود وهو الذي يسميه طائفة منهم العلم الالهي
وموضوع هذا
العلم هو الوجود المطلق الكلى المنقسم الى واجب وممكن وقديم ومحدث وجوهر
وعرض
إيراد لابن المطهر الحلى وتخطئة المصنف له عليهالاولى والحكمة العليا علم ما بعد الطبيعة باعتبار الاستدلال وما هو قبلها
باعتبار الوجود وهو الذي يسميه طائفة منهم العلم الالهي
وموضوع هذا
العلم هو الوجود المطلق الكلى المنقسم الى واجب وممكن وقديم ومحدث وجوهر
وعرض
وقد أورد بعض
المتأخرين من الشيعة المصنفين في علمهم ما ذكره انه الاسرار الخفية في
العلوم العقلية عليهم سؤالا قال إن كان موضوعه كل موجود فلا يبحث فيه عن
عوارض كل موجود وإن كان أخص من ذلك ك الواجب والممكن فذلك جزء منه
التقسيم نوعان تقسيم الكل الى أجزائه وتقسيم الكلى الى جزئياته
المتأخرين من الشيعة المصنفين في علمهم ما ذكره انه الاسرار الخفية في
العلوم العقلية عليهم سؤالا قال إن كان موضوعه كل موجود فلا يبحث فيه عن
عوارض كل موجود وإن كان أخص من ذلك ك الواجب والممكن فذلك جزء منه
التقسيم نوعان تقسيم الكل الى أجزائه وتقسيم الكلى الى جزئياته
فيقال
له القسمة نوعان قسمة الكلى إلى جزئياته وقسمة الكل الى أجزائه والقسمة
الثانية هي المعروفة في الامر العام كما يقول العلماء باب القسمة ويذكرون
قسمة المواريث والمغانم والارض وغير ذلك ومنه قوله تعالى ونبئهم أن الماء
قسمة بينهم كل شرب محتضر القمر ومنه قوله تعالى لها سبعة ابواب لكل باب
منهم جزء مقسوم الحجر
أما تقسيم الكلى الى جزئياته فمثل قولنا الحيوان
ينقسم الى ناطق وأعجمي وهو قسمة الجنس الى أنواعه والنوع الى اشخاصه
استطراد
ولهذا كان النحاة إذا ارادوا ان يقسموا ما يقسمونه الى اسم
وفعل وحرف يختلف كلامهم فكثير منهم يقول الكلام ينقسم الى اسم وفعل وحرف
وهذا هو الذي يذكره قدماء النحاة
فاعترض عليهم بعض من صنف في قوانين
النحو كالكرولي وقالوا كل جنس قسم الى أنواعه أو انواع اشخاصه ف الاسم
المقسوم الاعلى صادق على الانواع والاشخاص وإلا فليست بأقسام له فصاروا
يقولون الكلمة تنقسم الى اسم وفعل وحرف ويقولون الكلمة جنس تحته انواع
الاسم والفعل والحرف
وهذا الاعتراض خطأ ممن أورده لان اولئك لم يقصدوا
تقسيم الكلى الى جزئياته وإنما قصدوا تقسيم الكل الى أجزائه وهو التقسيم
المعروف اولا في العقول واللغات كما إذا قلت هذه الارض مقسمومة فلفلان هذا
الجانب ولفلان هذا الجانب كما قال تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب
محتضر القمر والكلام مركب من الاسماء والافعال
والحروف كما يتركب
البيت من السقف والحيطان والارض وكما ان بدن الانسان مركب من أعضائه
المتميزة وأخلاطه الممتزجة فتقسيمه الى الاعضاء والاخلاط تقسيم كل الى
أجزائه ومثل هذا يمتنع ان يصدق فيه اسم المقسوم على الاجزاء فليس كل واحد
من أعضائه بدنا ولا كل من أخلاطه بدنا ولا كل من اجزاء السقف بيتا وكذلك
الوجه إذا قيل ينقسم الى جبين وأنف وعين وخد وغير ذلك لم يكن كل واحد من
هذه الاعضاء وجها ونظائر هذا كثيرة
وأما الكلى فانما يوجد في الذهن لا
في الخارج فتبين ان تقسيم الاولين أظهر من تقسيم الآخرين
استطراد آخر
معنى الكلمة والحرف في كلام العرب
ثم إن الاخرين جعلوا ان
الكلمة اسم جنس لهذه الانواع ولفظ الكلمة لا يوجد في لغة العرب إلا اسما
لجملة تامة اسمية أو فعلية كقول النبي ص - كلمتان حفيفتان على اللسان
حبيبتان الى الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله
العظيم وقوله اصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد ألا كل شئ ما خلا الله باطل
وقوله في النساء أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ومنه
قوله تعالى وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا التوبة
وقوله تعالى وينذر الذين قالوا اتخد الله ولدا ما لهم به من علم ولا
لآبائهم
الكلمة اسم جنس لهذه الانواع ولفظ الكلمة لا يوجد في لغة العرب إلا اسما
لجملة تامة اسمية أو فعلية كقول النبي ص - كلمتان حفيفتان على اللسان
حبيبتان الى الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله
العظيم وقوله اصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد ألا كل شئ ما خلا الله باطل
وقوله في النساء أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ومنه
قوله تعالى وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا التوبة
وقوله تعالى وينذر الذين قالوا اتخد الله ولدا ما لهم به من علم ولا
لآبائهم
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا الكهف
ومثل
هذا كثير في كلام العرب
وبعض متأخرى النحاة لما سمع بعض هذا قال وقد
يراد ب الكلام الكلمة
وليس الامر كما زعمه بل لا يوجد في كلام العرب
لفظ الكلمة إلا للجملة التامة التي هي كلام ولا تطلق العرب لفظ كلمة ولا
كلام إلا على جملة تامة ولهذا ذكر سيبويه انهم يحكون ب القول ما كان كلاما
ولا يحكون به ما كان قولا
وأما تسمية الاسم وحده كلمة والفعل وحده
كلمة والحرف وحده كلمة مثل هل وبل فهذا اصطلاح محض لبعض النحاة ليس هذا من
لغة العرب اصلا وانما تسمى العرب هذه المفردات حروفا ومنه قول النبي ص - من
قرا القران فله بكل حرف عشر حسنات اما اني لا اقول الم حرف ولكن الف حرف
ولام حرف وميم حرف والذي عليه محققوا العلماء ان المراد بالحرف الاسم وحده
والفعل حرف المعنى لقوله الف حرف وهذا اسم
ولهذا لما سأل الخليل
اصحابه عن النطق بالزاء من زيد فقالوا زا فقال نطقتم بالاسم وانما الحرف زه
ومنه قول ابي الاسود
الدولي وذكر له لفظه من الغريب وقال هذا حرف
لم يبلغك فقال كل حرف لم يبلغ عمك فافعل به كذا
ولهذا ذكر سيبويه في
اول كتابه التقسيم الى اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل فجعل
الفصل من النوع الثالث انه حرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل فميزه بقوله جاء
لمعنى عن حروف الهجاء مثل الف با تا فان هذه حروف هجاء
وهذه الالفاظ
اسماء تعرب اذا عقدت وركبت ولكن اذا نطق بها قبل التركيب نطق بها ساكنة كما
ينطق بأسماء العدد قبل التركيب والعقد فيقال واحد اثنان ثلاثة ولهذا يعلم
الصبيان في اول الامر اسما الحروف المفردة ا ب ت ث ثم المركبة وهو ابجد هوز
حطي ويعلمون اسماء الاعداد واحد اثنان ثلاث
عود إلى أصل الموضوع
والمقصود هنا ان التقسيم نوعان تقسيم الكل الى اجزائه وهو اشهرهما
واعرفهما في العقول واللغات والثاني تقسيم الكلي الى جزئياته وهو التقسيم
الثاني لان الكليات هي المعقولات الثانية
فاذا قال القائل الوجود الذي
هو موضوع العلم الالهي عندهم اما ان يكون كل موجود او بعضه وهو الواجب او
الممكن كان هذا الحصر خطأ منه لان موضوعه الوجود الكلي المنقسم الى انواعه
لا الكل المنقسم الى اجزائه ومعلوم ان الوجود الكلي يتكلمون في لواحقه
الذاتيه لا في لواحق كل موجود العلم الاعلى عند المنطقيين ليس علما
بموجود في الخارج
لكن الذي تبين به خساسة ما عند القوم ونقص قدره ان
هذا الوجود الكلي
هذا الوجود الكلي
انما يكون كليا في الذهن لا في الخارج فاذا كان هذا
هو العلم الاعلى عندهم لم يكن الاعلى عندهم علما بشيء موجود في الخارج بل
علما بأمر مشترك بين جميع الموجودات وهو مسمى الوجود وذلك كمسمى الشيء
والذات والحقيقة والنفس والعين والماهية ونحو ذلك من المعاني العامة ومعلوم
ان العلم بهذا ليس هو علما بموجود في الخارج لا بالخالق ولا بالمخلوق
وانما هو علم بأمر مشترك كلي يشترك فيه الموجودات لا يوجد الا في الذهن ومن
المتصورات ما يشترك فيه الموجود والمعدوم كقولنا مذكور ومعلوم ومخبر عنه
فهذا اعم من ذاك
وهذا بخلاف العلم الاعلى عند المسلمين فانه العلم
بالله الذي هو في نفسه اعلى من غيره من كل وجه والعلم به اعلى العلوم من كل
وجه والعلم به اصل لكل علم وهم يسلمون ان العلم به اذا حصل على الوجه
التام يستلزم العلم بكل موجود
وهذا بخلاف العلم بمسمى الوجود فان هذا
لا حقيقة له في الخارج ولا العلم بالقدر المشترك يستلزم العلم بأجناسه
وأنواعه وما يتميز به كل شئ بل ليس فيه إلا علم بقدر مشترك لا تصور له في
الخارج وإنما هو علم بهذه المشتركات
وليس في مجرد العلم بذلك ما يوجب
كمال النفس بل ولا في العلم بأقسامه العامة فانا إذا علمنا أن الوجود ينقسم
الى جوهر وعرض وأن اقسام الجوهر خمسة كما زعموه مع ان ذلك ليس بصحيح ولا
يثبت مما ذكروه إلا الجسم وأما المادة والصورة والنفس والعقل فلا يثبت لها
حقيقة في الخارج إلا ان يكون جسما اوعرضا ولكن ما يثبتونه يعود الى امر
مقدر في النفس لا في الخارج كما قد بسط في موضعه
وقد اعترف بذلك من
ينصرهم ويعظمهم كأبى محمد بن حزم وغيره ولتعظيمه
المنطق رواه
باسناده الى متى الترجمان الذي ترجمه الى العربية ومع هذا فاعترف بما
ذكرناه وقد بسط ذلك في موضعه
ونحن نفرض هنا وجود ذلك في الخارج فالعلم
بانقسام ذلك الى جواهر خمسة وانقسام العرض الى الانواع التسعة مع انه لم
يقم دليل على انقسامه الى تسعة عند بعضهم وقد انشدوا فيها ... زيد الطويل
الاسود ابن مالك ... في داره بالامس كان يتكى ... في يده سيف نضاه فانتضى
... فهذه عشر مقولات سوى ...
فذكر في هذين البيتين الجوهر والكم
والكيف والاضافة والاين ومتى والوضع والملك وأن يفعل وأن ينفعل
ولما
لم يقم دليل على حصر أجناسها العالية في تسعة جعلها بعضهم خمسة وبعضهم
ثلاثة الكم والكيف والاضافة
والمقصود هنا أنه إذا علم هذا التقسيم
وعندهم كلما كان أعم كان أقرب الى المعقول وكان البرهان عليه أقوم فانه لا
يقوم برهان واجب القبول دائما إلا على ما لا يتغير وهذه الاعراض عندهم لا
يقوم ب واجب الوجود بل ولا ب العقول إلا بعضها على نزاع بينهم فيعود الكمال
الى تصور وجود مطلق لا حقيقة له في الخارج كتصور ذات مطلقة وشئ مطلق
وحقيقة مطلقة
وأي كمال للنفس في مجرد تصور هذه الامور العامة الكلية
إذا لم تتصور أعيان الموجودات المعينة الجزئية وأي علم في هذا برب العالمين
الذي لا تكمل النفوس إلا
بمعرفته وعبادته محبة وذلا كما قد بسط في
موضعه
ولهذا كانت نهاية الفلاسفة إذا هداهم الله بعض الهداية بداية
اليهود والنصارى الكفار فضلا عن المسلمين أمة محمد ص - فان ما عند اليهود
والنصارى الكفار بعد النسخ والتبديل مما هو من نوع كمال النفس افضل في
الجنس والكم والكيف مما عند الفلاسفة الوجه الرابع
العلم
الرياضي لا تكمل به النفوس وإن ارتاضت به العقول
إن تقسيمهم العلوم
الى الطبيعي والى الرياضي والى الالهي وجعلهم الرياضي اشرف من الطبيعي
والالهي اشرف من الرياضي هو مما قلبوا به الحقائق
فان العلم الطبيعي
وهو العلم بالاجسام الموجودة في الخارج ومبدأ حركاتها وتحولاتها من حال الى
حال وما فيها من الطبائع اشرف من مجرد تصور مقادير مجردة وأعداد مجردة فان
كون الانسان لا يتصور إلا شكلا مدورا او مثلثا أو مربعا ولو تصور كل ما في
اقليدس او لا يتصور إلا أعدادا مجردة ليس فيه علم بموجود في الخارج وليس
ذلك كمالا في النفس ولولا ان ذلك يطلب فيه معرفة المعدودات والمقدرات
الخارجية التي هي أجسام وأعراض لما جعل علما
وإنما جعلوا الهندسة مبدأ
لعلم الهيئة ليستعينوا به على براهين الهيئة او ينتفعوا به في عمارة
الدنيا هذا مع ان براهينهم القياسية لا تدل على شئ دلالة مطردة يقينية
سالمة عن الفساد إلا في هذه المواد الرياضية
فان علم الحساب الذي هو
علم بالكم المنفصل والهندسة التي هي علم بالكم المنفصل علم يقينى لا يحتمل
النقيض البتة مثل جمع الاعداد وقسمتها
الى الطبيعي والى الرياضي والى الالهي وجعلهم الرياضي اشرف من الطبيعي
والالهي اشرف من الرياضي هو مما قلبوا به الحقائق
فان العلم الطبيعي
وهو العلم بالاجسام الموجودة في الخارج ومبدأ حركاتها وتحولاتها من حال الى
حال وما فيها من الطبائع اشرف من مجرد تصور مقادير مجردة وأعداد مجردة فان
كون الانسان لا يتصور إلا شكلا مدورا او مثلثا أو مربعا ولو تصور كل ما في
اقليدس او لا يتصور إلا أعدادا مجردة ليس فيه علم بموجود في الخارج وليس
ذلك كمالا في النفس ولولا ان ذلك يطلب فيه معرفة المعدودات والمقدرات
الخارجية التي هي أجسام وأعراض لما جعل علما
وإنما جعلوا الهندسة مبدأ
لعلم الهيئة ليستعينوا به على براهين الهيئة او ينتفعوا به في عمارة
الدنيا هذا مع ان براهينهم القياسية لا تدل على شئ دلالة مطردة يقينية
سالمة عن الفساد إلا في هذه المواد الرياضية
فان علم الحساب الذي هو
علم بالكم المنفصل والهندسة التي هي علم بالكم المنفصل علم يقينى لا يحتمل
النقيض البتة مثل جمع الاعداد وقسمتها
وضربها ونسبة بعضها الى بعض
فانك إذا جمعت مائة الى مائة علمت انها مائتان واذا قسمتها على عشرة كان
لكل واحد عشرة واذا ضربتها في عشرة كان المرتفع مائة
والضرب مقابل
للقسمة فان ضرب الاعداد الصصحيحة تضعيف احاد احد العددين بآحاد العدد الآخر
والقسمة توزيع احد العددين على آحاد العدد الاخر فاذا قسم المرتفع بالضرب
على احد العددين خرج المضروب الاخر واذا ضرب الخارج بالقسمة في المقسوم
عليه خرج المقسوم فالمقسوم نظير المرتفع بالضرب فكل واحد من المضروبين نظير
المقسوم والمقسوم عليه والنسبة تجمع هذا كله فنسبة احد المضروبين الى
المرتفع كنسبة الواحد الى المضروب الاخر ونسبة المرتفع الى احد المضروبين
كنسبة الاخر الى الواحد
فهذه الامور وامثالها مما يتكلم فيه الحساب
امر معقول مما يشترك فيه ذوو العقول وما من احد من الناس الا يعرف منه شيئا
فانه ضروري في العلم ضروري في العمل ولهذا يمثلون به في قولهم الواحد نصف
الاثنين ولا ريب ان قضاياه كلية واجبة القبول لا تنتقض البتة
استطراد
وهذا مبتدا فلسفتهم التي وضعها فيثاغورس وكانوا يسمون اصحابه اصحاب العدد
وكانوا يظنون ان الاعداد المجردة موجودة خارج الذهن
ثم تبين لافلاطون
واصحابه غلط ذلك وظنوا ان الماهيات المجردة ك الانسان المطلق والفرس المطلق
موجودات خارج الذهن وانها ازلية ابدية
ثم تبين لارسطو واصحابه غلط
ذلك فقالوا بل هذه الماهيات المطلقة موجودة في الخارج مقارنة لوجود الاشخاص
ومشى من مشى من اتباع ارسطو من المتأخرين
على هذا وهو ايضا غلط
فان ما في الخارج ليس بكلى اصلا وليس في الخارج الا ما هو معين مخصوص
واذا قيل الكلي الطبيعي في الخارج فمعناه ان ما هو كلي في الذهن هو مطابق
للافراد الموجودة في الخارج مطابقة العام لافراده والموجود في الخارج معينا
مختص ليس بكلي اصلا ولكن فيه حصة من الكلي
وما في الذهن يطلق عليه
انه قد يوجد الخارج كما يقال فعلت ما في نفسي وفي نفسي امور اريد فعلها
ومنه قوله تعالى الا حاجة في نفس يعقوب قضاها وقول عمر كنت زورت في نفسي
مقالة احببت ان اقولها ونظائره كثيرة
والكلي اذا وجد في الخارج لا
يكون الا معينا لا يكون كليا فكونه كليا مشروط بكونه في الذهن
ومن
اثبت ماهية لا في الذهن ولا في الخارج فتصور قوله تصورا تاما يكفي في العلم
بفساد قوله وهذه الامور مبسوطة في غير هذا الموضع
عود الى اصل
الموضوع
والمقصود هنا ان هذا العلم هو الذي تقوم عليه براهين صادقة
لكن لا تكمل بذلك نفس ولا تنجو به من عذاب ولا يحصل لها به سعادة
ولهذا قال ابو حامد الغزالي وغيره في علوم هؤلاء
هي بين علوم صادقة
لا منفعة فيها ونعوذ بالله من علم لا ينفع وبين ظنون كاذبه لا ثقه بها وان
بعض الظن اثم يشيرون بالاول الى العلوم الرياضية وبالثاني الى ما يقولونه
في الالهيات وفي احكام النجوم ونحو ذلك
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الاسباب المغرية بالاشتغال بالعلم الرياضي وما اشبهه
وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال اذا لهوتم فالهوا بالرمي
واذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض فان حساب الفرائض علم معقول مبني على اصل
مشروع فتبقى فيه رياضة العقل وحفظ الشرع ولكن ليس هو علما يطلب لذاته ولا
تكمل به النفس
واولئك المشركون كانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها
الهياكل ويدعونها بأنواع الدعوات كما هو معروف من اخبارهم وما صنف على
طريقهم من الكتب الموضوعه في الشرك والسحر ودعوة الكواكب والعزائم والاقسام
التي بها يعظم ابليس وجنوده وكان الشيطان بسبب السحر والشرك يغويهم بأشياء
هي التي دعتهم الى ذلك الشرك والسحر فكانوا يرصدون الكواكب ليتعلموا
مقاديرها ومقادير حركاتها وما بين بعضها وبعض من الاتصالات ليستعينوا بذلك
على ما يرونه مناسبا لها
ولما كانت الافلاك مستديرة ولم يكن معرفة
حسابها الا بمعرفة الهندسة واحكام الخطوط المنحنية والمستقيمة تكلموا في
الهندسة لذلك ولعمارة الدنيا
فلهذا صاروا يتوسعون في ذلك والا فلو لم
يتعلق بذلك غرض الا مجرد تصور الاعداد والمقادير لم تكن هذه الغاية مما
يوجب طلبها بالسعي المذكور
وربما كانت هذه غاية لبعض الناس الذين
يتلذذون بذلك فان لذات النفوس انواع ومنهم من يلتذ بالشطرنج والنرد والقمار
حتى يشغله ذلك عما هو انفع له منه
فكان مبدا وضع المنطق من الهندسة
فجعلوه اشكالا كالاشكال الهندسية وسموه حدودا كحدود تلك الاشكال لينتقلوا
من الشكل المحسوس الى الشكل المعقول وهذا لضعف عقولهم وتعذر المعرفة عليهم
الا بالطريق البعيدة
والله تعالى قد يسر للمسلمين من العلم والبيان
مع العمل الصالح والايمان ما برزوا به على كل نوع من انواع جنس الانسان
والحمد لله رب العالمين العلم الالهي عندهم ليس له معلوم في الخارج
واما العلم الالهي الذي هو عندهم مجرد عن المادة في الذهن والخارج فقد
تبين لك انه ليس له معلوم في الخارج وانما هو علم بأمور كلية مطلقة لا توجد
كلية الا في الذهن وليس في هذا من كمال النفس شيء
وان عرفوا واجب
الوجود بخصوصه فهو علم بمعين يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وهذا مما لا
يدل عليه القياس الذي يسمونه البرهان ف برهانهم لا يدل على شيء معين بخصوصه
لا واجب الوجود ولا غيره وانما يدل على امر كلي و الكلي لا يمنع تصوره من
وقوع الشركة فيه و واجب الوجود يمنع العلم به من وقوع الشركة فيه ومن لم
يتصور ما يمتنع الشركة فيه لم يكن قد عرف الله
ومن لم يثبت للرب الا
معرفة الكليات كما يزعمه ابن سينا وامثاله وظن ذلك كمالات للرب وكذلك يظن
كمالا للنفس بطريق الاولى لا سيما اذا قال ان النفس لا تدرك الا الكليات
وانما يدرك الجزئيات البدن فهذا في غاية الجهل
وهذه الكليات التي لا
يعرف بها الجزئيات الموجودة لا كمال فيها البتة والنفس انما تحب معرفة
الكليات لتحيط بها بمعرفة الجزئيات فاذا لم يحصل ذلك لم تفرح النفس بذلككمال
النفس بمعرفة الله مع العمل الصالح لا بمجرد معرفة الله فضلا عن
تصور معنى الوجود فقط امر ظاهر حتى
يستغني عن الحد عندهم لظهوره فليس هو المطلوب وانما المطلوب اقسامه
ونفس انقسامه الى واجب وممكن وجوهر وعرض وعلة ومعلول وقديم وحادث هو اخص من
مسمى الوجود وليس في مجرد معرفة انقسام الامر العام في الذهن الى اقسام
بدون معرفة الاقسام ما يقتضى علما عظيما عاليا على تصور الوجود
فاذا
عرفت الاقسام فليس فيها ما هو علم بمعلوم لا يقبل التغير والاستحالة فان
هذه الاقسام عامتها انما هو في هذا العالم وكل ذلك يقبل التغير والاستحالة
وليس معهم دليل اصلا يدلهم على ان العالم لم يزل ولا يزال هكذا
وجميع
ما يحتجون به على دوام الفاعل والفاعلية والزمان والحركة وتوابع ذلك فانما
يدل على قدم نوع ذلك ودوامه لا على قدم شيء معين ولا دوام شيء معين فالجزم
بأن مدلول تلك الادلة هو هذا العالم او شيء منه جهل محض لا مستند له الا
عدم العلم بموجود غير هذا العالم وعدم العلم ليس علما بالعدم
ولهذا لم
يكن عند القوم ايمان بالغيب الذي اخبرت به الانبياء فهم لا يؤمنون لا
بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا البعث بعد الموت
واذا قالوا
نحن نثبت العالم العقلي او المعقول الخارج عن العالم المحسوس وذلك هو الغيب
فان هذا وان كان قد ذكره طائفة من المتكلمة والمتفلسفة خطأ وضلال فان ما
سواء من المعقولات انما يعود عند التحقيق الى امور مقدرة في الاذهان لا
موجودة في الاعيان والرسل اخبرت عما هو موجود في الخارج وهو اكمل واعظم
وجودا مما نشهده في الدنيا فأين هذا من هذا
وهم لما كانوا مكذبين بما
اخبرت به الرسل في نفس الامر واحتاجوا الى الجمع بين قولهم وبين تصديق
الرسل لما بهرهم من امر الرسل قالوا ان الرسل قصدوا
اخبار الجمهور
بما يتخيل اليهم لينتفعوا بذلك في العدل الذي اقاموه لهم
ثم منهم من
يقول ان الرسل عرفت ما عرفناه من نفي هذه الامور ومنهم من يقول بل لم
يكونوا يعرفون هذا وانما كان كمالهم في القوة العملية لا النظرية واقل
اتباع الرسل اذا تصور حقيقة ما عندهم وجده مما لا يرضى به اقل اتباع الرسل
و اذا علم بالادلة العقلية ان هذا العالم يمتنع ان يكون شيء منه قديما
ازليا وعلم بأخبار الانبياء المؤيدة بالعقل انه كان قبله عالم اخر منه خلق
وانه سوف يستحيل وتقوم القيامة ونحو ذلك علم ان غاية ما عندهم من الاحكام
الكلية ليست مطابقة بل هي جهل لا علم
وهب انهم لم يعلموا ما اخبرت به
الرسل فليس في العقل ما يوجب ما ادعوه من كون هذه الانواع الكلية التي في
هذا العالم ازلية ابدية لم تزل ولا تزال فلا يكون العلم بذلك علما بكليات
ثابتة وعامة فلسفتهم الاولى وحكمتهم العليا 127من هذا النمط
وكذلك من
صنف على طريقتهم كصاحب المباحث المشرقية وصاحب حكمة الاشراق وصاحب دقائق
الحقائق ورموز الكنوز وصاحب
كشف الحقائق وصاحب الاسرار الخفية في
العلوم العقلية وامثال هؤلاء ممن لم يجرد القول لنصر مذهبهم مطلقا ولا تخلص
من اشراك ضلالهم مطلقا بل شاركهم فى كثير من ضلالهم و شاركهم فى كثير من
محالهم وتخلص من بعض و بالهم و ان كان ايضا لم ينصفهم فى بعض ما اصابوا فيه
و اخطا لعدم علمه بمرادهم او لعدم معرفته ان ما قالوه صواب مأخذ
علوم ابي علي ابن سينا وشيء من احواله
الذي كان هو اهل بيته واتباعه معروفين عند المسلمين بالالحاد احسن ما
يظهرونه دين الرفض وهم في الباطن يبطون الكفر المحض
وقد صنف المسلمون
في كشف اسرارهم وهتك استارهم كتبا كبارا وصغارا وجاهدوهم باللسان واليد اذ
كانوا احق بذلك من اليهود والنصارى ولو لم يكن الا كتاب كشف الاسرار وهتك
الاستار للقاضي ابي بكر محمد بن الطيب وكتاب عبد الجبار بن احمد وكتاب ابي
حامد الغزالي وكلام ابي اسحاق وكلام ابن فورك والقاضي ابي يعلى وابن عقيل
والشهر ستاني
وغير هؤلاء مما يطول وصفه
والمقصود هنا ان ابن
سينا اخبر عن نفسه ان اهل بيته اباه واخاه كانوا من هؤلاء الملاحدة وانه
انما اشتغل بالفلسفة بسبب ذاك فانه كان يسمعهم يذكرون العقل والنفس
وهؤلاء المسلمين الذين كان ينتسب اليهم هم مع الالحاد الظاهر والكفر الباطن
اعلم بالله من سلفه الفلاسفة كأرسطو واتباعه فان اولئك ليس عندهم من العلم
بالله الا ما عند عباد مشركي العرب ما هو خير منه
وقد ذكرت كلام
ارسطو نفسه الذي ذكره في علم ما بعد الطبيعة في مقالة اللام وغيرها وهو اخر
منتهى فلسفته وبينت بعض ما فيه من الجهل فانه ليس في الطوائف المعروفين
الذين يتكلمون في العلم الالهي مع الخطأ والضلال مثل علماء اليهود والنصارى
واهل البدع من المسلمين وغيرهم اجهل من هؤلاء ولا ابعد عن العلم بالله
تعالى منهم
نعم لهم في الطبيعيات كلام غالبه جيد وهو كلام كثير واسع
ولهم عقول عرفوا بها ذلك وهم قد يقصدون الحق لا يظهر عليهم العناد لكنهم
جهال ب العلم الالهي الى الغاية ليس عندهم منه الا قليل كثير الخطأ
وابن سينا لما عرف شيئا من دين المسلمين وكان قد تلقى ما تلقاه عن الملاحدة
وعمن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة اراد ان يجمع بين ما عرفه بعقله
من هؤلاء وبين ما اخذه من سلفه فتكلم في الفلسفة بكلام مركب من كلام سلفه
ومما احدثه مثل كلامه في النبوات واسرار الايات والمنامات بل وكلامه في بعض
الطبيعيات و المنطقيات وكلامه واجب الوجود ونحو ذلك
والا فأرسطو
واتباعه ليس في كلامهم ذكر واجب الوجود ولا شيء من الاحكام التي ل واجب
الوجود وانما يذكرون العلة الاولى ويثبتونه من حيث هو علة غائية للحركة
الفلكية يتحرك الفلك للتشبه به
فابن سينا اصلح تلك الفلسفة الفاسدة
بعض اصلاح حتى راجت على من لم يعرف دين الاسلام من الطلبة النظار وصاروا
يظهر لهم بعض ما فيها من التناقض فيتكلم كل منهم بحسب ما عنده ولكن سلموا
لهم اصولا فاسدة في المنطق والطبيعيات والالهيات ولم يعرفوا ما دخل فيها من
الباطل فصار ذلك سببا الى ضلالهم في مطالب عالية ايمانية ومقاصد سامية
قرانية خرجوا بها عن حقيقة العلم والايمان وصاروا بها في كثير من ذلك لا
يسمعون ولا يعقلون بل يستسفطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات
والمقصود هنا التنبيه على انه لو قدر ان النفس تكمل بمجرد العلم كما زعموه
مع انه قول باطل فان النفس لها قوتان قوة علمية نظرية وقوة ارادية علمية
فلا بد لها من كمال القوتين بمعرفة الله وعبادته
وعبادته تجمع محبته
والذل له فلا تكمل نفس قط الا بعبادة الله وحده
لا شريك له
والعبادة تجمع معرفته ومحبته والعبودية له وبهذا بعث الله الرسل وانزل
الكتب الالهية كلها تدعو الى عبادة الله وحده لا شريك له
وهؤلاء
يجعلون العبادات التي امرت بها الرسل مقصودها اصلاح اخلاق النفس لتستعد
للعلم الذي زعموا انه كمال النفس او مقصودها اصلاح المنزل والمدينة وهو
الحكمة العملية فيجعلون العبادات وسائل محضة الى ما يدعونه من العلم ولهذا
يرون ذلك ساقطا عمن حصل المقصود كما تفعل الملاحدة الاسماعيلية ومن دخل في
الالحاد او بعضه وانتسب الى الصوفية او المتكلمين او الشيعة او غيرهم
لكن قد تلتذ
النفس بذلك كما تلتذ بغير ذلك فان الانسان يلتذ بعلم ما لم يكن علمه وسماع
ما لم يكن سمعه اذا لم يكن مشغولا عن ذلك بما هو اهم عنده منه كما قد يلتذ
بأنواع من الافعال التي هي من جنس اللهو واللعب
وايضا ففي الادمان على
معرفة ذلك تعتاد النفس العلم الصحيح والقضايا الصادقة والقياس المستقيم
فيكون في ذلك تصحيح الذهن والادراك وتعويد النفس انها تعلم الحق وتقوله
لتستعين بذلك على المعرفة التي هي فوق ذلك
ولهذا يقال انه كان اوائل
الفلاسفة اول ما يعلمون اولادهم العلم الرياضي وكثير من شيوخهم في اخر امره
انما يشتغل بذلك لانه لما نظر في طرقهم وطرق من عارضهم من اهل الكلام
الباطل لم يجد في ذلك ما هو حق اخذ يشغل نفسه بالعلم الرياضي كما كان يجري
مثل ذلك لمن هو من ائمة الفلاسفة كابن واصل وغيره
وكذلك كثير من
متأخري اصحابنا يشتغلون وقت بطالتهم بعلم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة
والهندسة ونحو ذلك لان فيه تفريحا للنفس وهو علم صحيح لا يدخل فيه غلط
النفس بذلك كما تلتذ بغير ذلك فان الانسان يلتذ بعلم ما لم يكن علمه وسماع
ما لم يكن سمعه اذا لم يكن مشغولا عن ذلك بما هو اهم عنده منه كما قد يلتذ
بأنواع من الافعال التي هي من جنس اللهو واللعب
وايضا ففي الادمان على
معرفة ذلك تعتاد النفس العلم الصحيح والقضايا الصادقة والقياس المستقيم
فيكون في ذلك تصحيح الذهن والادراك وتعويد النفس انها تعلم الحق وتقوله
لتستعين بذلك على المعرفة التي هي فوق ذلك
ولهذا يقال انه كان اوائل
الفلاسفة اول ما يعلمون اولادهم العلم الرياضي وكثير من شيوخهم في اخر امره
انما يشتغل بذلك لانه لما نظر في طرقهم وطرق من عارضهم من اهل الكلام
الباطل لم يجد في ذلك ما هو حق اخذ يشغل نفسه بالعلم الرياضي كما كان يجري
مثل ذلك لمن هو من ائمة الفلاسفة كابن واصل وغيره
وكذلك كثير من
متأخري اصحابنا يشتغلون وقت بطالتهم بعلم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة
والهندسة ونحو ذلك لان فيه تفريحا للنفس وهو علم صحيح لا يدخل فيه غلط
وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال اذا لهوتم فالهوا بالرمي
واذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض فان حساب الفرائض علم معقول مبني على اصل
مشروع فتبقى فيه رياضة العقل وحفظ الشرع ولكن ليس هو علما يطلب لذاته ولا
تكمل به النفس
واولئك المشركون كانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها
الهياكل ويدعونها بأنواع الدعوات كما هو معروف من اخبارهم وما صنف على
طريقهم من الكتب الموضوعه في الشرك والسحر ودعوة الكواكب والعزائم والاقسام
التي بها يعظم ابليس وجنوده وكان الشيطان بسبب السحر والشرك يغويهم بأشياء
هي التي دعتهم الى ذلك الشرك والسحر فكانوا يرصدون الكواكب ليتعلموا
مقاديرها ومقادير حركاتها وما بين بعضها وبعض من الاتصالات ليستعينوا بذلك
على ما يرونه مناسبا لها
ولما كانت الافلاك مستديرة ولم يكن معرفة
حسابها الا بمعرفة الهندسة واحكام الخطوط المنحنية والمستقيمة تكلموا في
الهندسة لذلك ولعمارة الدنيا
فلهذا صاروا يتوسعون في ذلك والا فلو لم
يتعلق بذلك غرض الا مجرد تصور الاعداد والمقادير لم تكن هذه الغاية مما
يوجب طلبها بالسعي المذكور
وربما كانت هذه غاية لبعض الناس الذين
يتلذذون بذلك فان لذات النفوس انواع ومنهم من يلتذ بالشطرنج والنرد والقمار
حتى يشغله ذلك عما هو انفع له منه
فكان مبدا وضع المنطق من الهندسة
فجعلوه اشكالا كالاشكال الهندسية وسموه حدودا كحدود تلك الاشكال لينتقلوا
من الشكل المحسوس الى الشكل المعقول وهذا لضعف عقولهم وتعذر المعرفة عليهم
الا بالطريق البعيدة
والله تعالى قد يسر للمسلمين من العلم والبيان
مع العمل الصالح والايمان ما برزوا به على كل نوع من انواع جنس الانسان
والحمد لله رب العالمين العلم الالهي عندهم ليس له معلوم في الخارج
واما العلم الالهي الذي هو عندهم مجرد عن المادة في الذهن والخارج فقد
تبين لك انه ليس له معلوم في الخارج وانما هو علم بأمور كلية مطلقة لا توجد
كلية الا في الذهن وليس في هذا من كمال النفس شيء
وان عرفوا واجب
الوجود بخصوصه فهو علم بمعين يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وهذا مما لا
يدل عليه القياس الذي يسمونه البرهان ف برهانهم لا يدل على شيء معين بخصوصه
لا واجب الوجود ولا غيره وانما يدل على امر كلي و الكلي لا يمنع تصوره من
وقوع الشركة فيه و واجب الوجود يمنع العلم به من وقوع الشركة فيه ومن لم
يتصور ما يمتنع الشركة فيه لم يكن قد عرف الله
ومن لم يثبت للرب الا
معرفة الكليات كما يزعمه ابن سينا وامثاله وظن ذلك كمالات للرب وكذلك يظن
كمالا للنفس بطريق الاولى لا سيما اذا قال ان النفس لا تدرك الا الكليات
وانما يدرك الجزئيات البدن فهذا في غاية الجهل
وهذه الكليات التي لا
يعرف بها الجزئيات الموجودة لا كمال فيها البتة والنفس انما تحب معرفة
الكليات لتحيط بها بمعرفة الجزئيات فاذا لم يحصل ذلك لم تفرح النفس بذلك
النفس بمعرفة الله مع العمل الصالح لا بمجرد معرفة الله فضلا عن
كونه
يحصل بمجرد علم الفلسفة
الوجه الخامس ان يقال هب ان النفس تكمل
بالكليات المجردة كما زعموه فما يذكرونه في العلم الاعلى عندهم الناظر في
الوجود ولو احقه ليس كذلك فان
يحصل بمجرد علم الفلسفة
الوجه الخامس ان يقال هب ان النفس تكمل
بالكليات المجردة كما زعموه فما يذكرونه في العلم الاعلى عندهم الناظر في
الوجود ولو احقه ليس كذلك فان
تصور معنى الوجود فقط امر ظاهر حتى
يستغني عن الحد عندهم لظهوره فليس هو المطلوب وانما المطلوب اقسامه
ونفس انقسامه الى واجب وممكن وجوهر وعرض وعلة ومعلول وقديم وحادث هو اخص من
مسمى الوجود وليس في مجرد معرفة انقسام الامر العام في الذهن الى اقسام
بدون معرفة الاقسام ما يقتضى علما عظيما عاليا على تصور الوجود
فاذا
عرفت الاقسام فليس فيها ما هو علم بمعلوم لا يقبل التغير والاستحالة فان
هذه الاقسام عامتها انما هو في هذا العالم وكل ذلك يقبل التغير والاستحالة
وليس معهم دليل اصلا يدلهم على ان العالم لم يزل ولا يزال هكذا
وجميع
ما يحتجون به على دوام الفاعل والفاعلية والزمان والحركة وتوابع ذلك فانما
يدل على قدم نوع ذلك ودوامه لا على قدم شيء معين ولا دوام شيء معين فالجزم
بأن مدلول تلك الادلة هو هذا العالم او شيء منه جهل محض لا مستند له الا
عدم العلم بموجود غير هذا العالم وعدم العلم ليس علما بالعدم
ولهذا لم
يكن عند القوم ايمان بالغيب الذي اخبرت به الانبياء فهم لا يؤمنون لا
بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا البعث بعد الموت
واذا قالوا
نحن نثبت العالم العقلي او المعقول الخارج عن العالم المحسوس وذلك هو الغيب
فان هذا وان كان قد ذكره طائفة من المتكلمة والمتفلسفة خطأ وضلال فان ما
سواء من المعقولات انما يعود عند التحقيق الى امور مقدرة في الاذهان لا
موجودة في الاعيان والرسل اخبرت عما هو موجود في الخارج وهو اكمل واعظم
وجودا مما نشهده في الدنيا فأين هذا من هذا
وهم لما كانوا مكذبين بما
اخبرت به الرسل في نفس الامر واحتاجوا الى الجمع بين قولهم وبين تصديق
الرسل لما بهرهم من امر الرسل قالوا ان الرسل قصدوا
اخبار الجمهور
بما يتخيل اليهم لينتفعوا بذلك في العدل الذي اقاموه لهم
ثم منهم من
يقول ان الرسل عرفت ما عرفناه من نفي هذه الامور ومنهم من يقول بل لم
يكونوا يعرفون هذا وانما كان كمالهم في القوة العملية لا النظرية واقل
اتباع الرسل اذا تصور حقيقة ما عندهم وجده مما لا يرضى به اقل اتباع الرسل
و اذا علم بالادلة العقلية ان هذا العالم يمتنع ان يكون شيء منه قديما
ازليا وعلم بأخبار الانبياء المؤيدة بالعقل انه كان قبله عالم اخر منه خلق
وانه سوف يستحيل وتقوم القيامة ونحو ذلك علم ان غاية ما عندهم من الاحكام
الكلية ليست مطابقة بل هي جهل لا علم
وهب انهم لم يعلموا ما اخبرت به
الرسل فليس في العقل ما يوجب ما ادعوه من كون هذه الانواع الكلية التي في
هذا العالم ازلية ابدية لم تزل ولا تزال فلا يكون العلم بذلك علما بكليات
ثابتة وعامة فلسفتهم الاولى وحكمتهم العليا 127من هذا النمط
وكذلك من
صنف على طريقتهم كصاحب المباحث المشرقية وصاحب حكمة الاشراق وصاحب دقائق
الحقائق ورموز الكنوز وصاحب
كشف الحقائق وصاحب الاسرار الخفية في
العلوم العقلية وامثال هؤلاء ممن لم يجرد القول لنصر مذهبهم مطلقا ولا تخلص
من اشراك ضلالهم مطلقا بل شاركهم فى كثير من ضلالهم و شاركهم فى كثير من
محالهم وتخلص من بعض و بالهم و ان كان ايضا لم ينصفهم فى بعض ما اصابوا فيه
و اخطا لعدم علمه بمرادهم او لعدم معرفته ان ما قالوه صواب مأخذ
علوم ابي علي ابن سينا وشيء من احواله
ثم ان هؤلاء انما يتبعون كلام
ابن سينا وابن سينا تكلم في اشياء من الالهات والنبويات والمعاد والشرائع
لم يتكلم فيها سلفه ولا وصلت اليها عقولهم ولا بلغتها علومهم فإنه استفادها
من المسلمين وان كان انما اخذ عن الملاحدة المنتسبين الى المسلمين
كالاسماعيلية وكان اهل بيته من اهل دعوتهم من اتباع الحاكم العبيدي
ابن سينا وابن سينا تكلم في اشياء من الالهات والنبويات والمعاد والشرائع
لم يتكلم فيها سلفه ولا وصلت اليها عقولهم ولا بلغتها علومهم فإنه استفادها
من المسلمين وان كان انما اخذ عن الملاحدة المنتسبين الى المسلمين
كالاسماعيلية وكان اهل بيته من اهل دعوتهم من اتباع الحاكم العبيدي
الذي كان هو اهل بيته واتباعه معروفين عند المسلمين بالالحاد احسن ما
يظهرونه دين الرفض وهم في الباطن يبطون الكفر المحض
وقد صنف المسلمون
في كشف اسرارهم وهتك استارهم كتبا كبارا وصغارا وجاهدوهم باللسان واليد اذ
كانوا احق بذلك من اليهود والنصارى ولو لم يكن الا كتاب كشف الاسرار وهتك
الاستار للقاضي ابي بكر محمد بن الطيب وكتاب عبد الجبار بن احمد وكتاب ابي
حامد الغزالي وكلام ابي اسحاق وكلام ابن فورك والقاضي ابي يعلى وابن عقيل
والشهر ستاني
وغير هؤلاء مما يطول وصفه
والمقصود هنا ان ابن
سينا اخبر عن نفسه ان اهل بيته اباه واخاه كانوا من هؤلاء الملاحدة وانه
انما اشتغل بالفلسفة بسبب ذاك فانه كان يسمعهم يذكرون العقل والنفس
وهؤلاء المسلمين الذين كان ينتسب اليهم هم مع الالحاد الظاهر والكفر الباطن
اعلم بالله من سلفه الفلاسفة كأرسطو واتباعه فان اولئك ليس عندهم من العلم
بالله الا ما عند عباد مشركي العرب ما هو خير منه
وقد ذكرت كلام
ارسطو نفسه الذي ذكره في علم ما بعد الطبيعة في مقالة اللام وغيرها وهو اخر
منتهى فلسفته وبينت بعض ما فيه من الجهل فانه ليس في الطوائف المعروفين
الذين يتكلمون في العلم الالهي مع الخطأ والضلال مثل علماء اليهود والنصارى
واهل البدع من المسلمين وغيرهم اجهل من هؤلاء ولا ابعد عن العلم بالله
تعالى منهم
نعم لهم في الطبيعيات كلام غالبه جيد وهو كلام كثير واسع
ولهم عقول عرفوا بها ذلك وهم قد يقصدون الحق لا يظهر عليهم العناد لكنهم
جهال ب العلم الالهي الى الغاية ليس عندهم منه الا قليل كثير الخطأ
وابن سينا لما عرف شيئا من دين المسلمين وكان قد تلقى ما تلقاه عن الملاحدة
وعمن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة اراد ان يجمع بين ما عرفه بعقله
من هؤلاء وبين ما اخذه من سلفه فتكلم في الفلسفة بكلام مركب من كلام سلفه
ومما احدثه مثل كلامه في النبوات واسرار الايات والمنامات بل وكلامه في بعض
الطبيعيات و المنطقيات وكلامه واجب الوجود ونحو ذلك
والا فأرسطو
واتباعه ليس في كلامهم ذكر واجب الوجود ولا شيء من الاحكام التي ل واجب
الوجود وانما يذكرون العلة الاولى ويثبتونه من حيث هو علة غائية للحركة
الفلكية يتحرك الفلك للتشبه به
فابن سينا اصلح تلك الفلسفة الفاسدة
بعض اصلاح حتى راجت على من لم يعرف دين الاسلام من الطلبة النظار وصاروا
يظهر لهم بعض ما فيها من التناقض فيتكلم كل منهم بحسب ما عنده ولكن سلموا
لهم اصولا فاسدة في المنطق والطبيعيات والالهيات ولم يعرفوا ما دخل فيها من
الباطل فصار ذلك سببا الى ضلالهم في مطالب عالية ايمانية ومقاصد سامية
قرانية خرجوا بها عن حقيقة العلم والايمان وصاروا بها في كثير من ذلك لا
يسمعون ولا يعقلون بل يستسفطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات
والمقصود هنا التنبيه على انه لو قدر ان النفس تكمل بمجرد العلم كما زعموه
مع انه قول باطل فان النفس لها قوتان قوة علمية نظرية وقوة ارادية علمية
فلا بد لها من كمال القوتين بمعرفة الله وعبادته
وعبادته تجمع محبته
والذل له فلا تكمل نفس قط الا بعبادة الله وحده
لا شريك له
والعبادة تجمع معرفته ومحبته والعبودية له وبهذا بعث الله الرسل وانزل
الكتب الالهية كلها تدعو الى عبادة الله وحده لا شريك له
وهؤلاء
يجعلون العبادات التي امرت بها الرسل مقصودها اصلاح اخلاق النفس لتستعد
للعلم الذي زعموا انه كمال النفس او مقصودها اصلاح المنزل والمدينة وهو
الحكمة العملية فيجعلون العبادات وسائل محضة الى ما يدعونه من العلم ولهذا
يرون ذلك ساقطا عمن حصل المقصود كما تفعل الملاحدة الاسماعيلية ومن دخل في
الالحاد او بعضه وانتسب الى الصوفية او المتكلمين او الشيعة او غيرهم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تزييف القول بأن الايمان مجرد معرفة الله
اثنتين وسبعين فرقة كما يروى
ذلك عن عبد الله بن المبارك ويوسف بن اسباط وهو قول طائفة من المتأخرين من
اصحاب احمد وغيرهم وقد كفر غير واحد من الائمة كوكيع بن الجراح واحمد بن
حنبل وغيرهما لمن يقول هذا القول وقالوا هذا يلزم منه ان يكون ابليس وفرعون
واليهود الذين يعرفونه كما يعرفون ابناءهم مؤمنين
فقول الجهمية خير
من قول هؤلاء فان ما ذكروه هو اصل ما تكمل به النفوس لكن لم يجمعوا بين علم
النفس وبين ارادتها التي هي مبدا القوة العملية وجعلوا الكمال في نفس
العلم وان لم يصدقه قول ولا عمل ولا اقترن به من الخشية والمحبة والتعظيم
وغير ذلك مما هو من اصول الايمان ولوازمه
واما هؤلاء فبعدوا عن الكمال
غاية البعد
والمقصود هنا الكلام على برهانهم فقط وانما ذكرنا بعض ما
لزمهم بسبب اصولهم الفاسدة
واعلم ان بيان ما في كلامهم من الباطل
والنقض لا يستلزم كونهم اشقياء في الاخرة الا اذا بعث الله اليهم رسولا فلم
يتبعوه
بل يعرف به ان من جاءته الرسل بالحق فعدل عن طريقهم الى طريق
هؤلاء كان من الاشقياء في الاخرة
والقوم لولا الانبياء لكانوا اعقل
من غيرهم لكن الانبياء جاؤا بالحق وبقاياه في الامم وان كفروا ببعضه حتى
مشركي العرب كان عندهم بقايا من دين ابراهيم فكانوا بها خيرا من الفلاسفة
المشركين الذين يوافقون ارسطو وامثاله على اصولهم الوجه السادس
البرهان لا يفيد امورا كلية واجبة البقاء في الممكنات
الوجه السادس
انه ان كان المطلوب ب قياسهم البرهاني معرفة الموجودات الممكنة فتلك ليس
فيها واجب البقاء على حال واحدة ازلا وابدا بل هي قابلة للتغير والاستحالة
وما قدر انه من اللازم لموصوفه فنفس الموصوف ليس بواجب البقاء فلا يكون
العلم به علما بموجود واجب الوجود
وليس لهم على ازلية شيء من العالم
دليل صحيح كما قد بسط في موضعه وانما غاية ادلتهم تستلزم دوام نوع الفاعلية
ونوع المادة والمدة وذلك ممكن موجود عين بعد عين من ذلك النوع ابدا مع
القول بأن كل مفعول محدث مسبوق بالعدم كما هو مقتضى العقل الصريح والنقل
الصحيح فان القول ب ان المفعول المعين مقارن لفاعله ازلا وابدا مما يقضي
صريح العقل بامتناعه أي شيء قدر فاعله لا سيما اذا كان فاعلا باختياره كما
دلت عليه الدلائل اليقينية ليست التي يذكرها المقصرون في معرفة اصول العلم
والدين كالرازي وامثاله كما بسط في موضعه
وما يذكرونه من اقتران
المعلول بعلته فاذا اريد ب العلة ما يكون مبدعا للمعلول فهذا باطل بصريح
العقل ولهذا تقر بذلك جميع الفطر السليمة التي لم تفسد بالتقليد الباطل
ولما كان هذا مستقرا في الفطر كان نفس الاقرار بأنه خالق كل شيء وموجبا لان
يكون كل ما سواه محدثا مسبوقا بالعدم
وان قدر دوام الخالقية لمخلوق
بعد مخلوق فهذا لا ينافي ان يكون خالقا لكل
شيء وكل ما سواه محدث مسبوق
بالعدم ليس معه شيء سواه قديم بقدمه بل ذلك اعظم في الكمال والجود
والافضال
واما اذا اريد ب العلة ما ليس كذلك كما يمثلون به من حركة
الخاتم بحركة اليد وحصول الشعاع عن الشمس فليس هذا من باب الفاعل من شيء بل
هو من باب المشروط والشرط قد يقارن المشروط
واما الفاعل فيمتنع ان
يقارنه مفعوله المعين وان لم يمتنع ان يكون فاعلا لشيء بعد شيء فقدم نوع
الفعل كقدم نوع الحركة وذلك لا ينافي حدوث كل جزء من اجزائها بل يستلزمه
لامتناع قدم شيء منها بعينه
وهذا مما عليه جماهير العقلاء من جميع
الامم حتى ارسطو واتباعه فانهم وان قالوا بقدم العالم فهم لم يثبتوا له
مبدعا ولا علة فاعلة بل علة غائية يتحرك الفلك للتشبه بها لان حركة الفلك
ارادية
وهذا القول وهو ان الاول ليس مبدعا للعالم وانما هو علة غائية
للتشبه به وان كان في غاية الجهل والكفر فالمقصود انهم وافقوا سائر العقلاء
في ان الممكن المعلول لا يكون قديما بقدم علته كما يقول ذلك ابن سينا
وموافقوه
ولهذا انكر هذا القول ابن رشد وامثاله من الفلاسفة الذين
اتبعوا طريقة ارسطو وسائر العقلاء في ذلك وبينوا ان ما ذكره ابن سينا مما
خالف به سلفه وجماهير العقلاء وكان قصده ان يركب مذهبا من مذهب المتكلمين
ومذهب سلفه فيجعل الموجود الممكن معلول الواجب مفعولا له مع كونه ازليا
قديما بقدمه واتبعه على امكان ذلك اتباعه في ذلك كالسهروردي الحلبي
والرازي والامدي والطوسي وغيرهم
زعم الرازي ما ذكره في محصلة ان
القول ب كون الممكن المفعول المغلول يكون قديما للموجب بالذات مما اتفق
عليه الفلاسفة والمتكلمون لكن المتكلمون يقولون بالحدوث ولكون الفاعل عندهم
فاعلا بالاختيار
وهذا غلط على الطائفتين بل لم يقل ذلك احد لا من
المتكلمين ولا من الفلاسفة المتقدمين الذين نقلت الينا اقوالهم كأرسطو
وامثاله وانما قاله ابن سينا وامثاله
والمتكلمون اذا قالوا بقدم ما
يقوم بالرب من الصفات ونحوها فلا يقولون انها مفعولة ولا معلولة لعلة فاعلة
بل الذات القديمة هي الموصوفة بتلك الصفات عندهم فصفاتها من لوازمها يمتنع
تحقق كون الواجب واجبا قديما الا ب صفاته اللازمة له كما قد بسط في موضعه
ويمتنع عندهم قدم ممكن يقبل الوجود والعدم مع قطع النظر عن فاعله
وكذلك اساطين الفلاسفة يمتنع عندهم قديم يقبل العدم ويمتنع ان يكون الممكن
لم يزل واجبا سواء قيل انه واجب بنفسه او بغيره
ولكن ما ذكره ابن سينا
وامثاله في ان الممكن قد يكون قديما واجبا بغيره ازليا ابديا كما يقولونه
في الفلك هو الذي فتح عليهم في الامكان من الاسئلة القادحة في قولهم ما لا
يمكنهم ان يجيبوا عنه كما قد بسط في موضعه فان ليس موضع تقريره هذا ولكن
نبهنا به على ان برهانهم القياسي الي لا يفيد امورا كلية واجبة البقاء في
الممكنات
واما واجب الوجود تبارك وتعالى فالقياس الذي يدعونه لا
يدل على ما يختص به وانما يدل على امر مشترك كلى بينه وبين غيره اذا كان
مدلول القياس الشمولي عندهم ليس الا امور كلية مشتركة وتلك لا تختص بواجب
الوجود رب العالمين سبحانه وتعالى
فلم يعرفوا ببرهانهم شيئا من الامور
التي يجب دوامها لا من الواجب ولا من الممكنات
واذا كانت النفس انما
تكمل بالعلم الذي يبقى ببقاء معلومه وهم لم يعلموا علما يبقى ببقاء معلومه
لم يستفيدوا ب برهانهم ما تكمل به النفس من العلم فضلا عن ان يقال ان ما
تكمل به النفس من العلم لا يحصل الا ببرهانهم طريقة الانبياء في
الاستدلال
ولهذا كانت الاقيسة العقلية البرهانية المذكورة في القران من هذا الباب كما
يذكره في دلائل ربو بيته وإلهيته ووحدانيته وعلمه وقدرته وامكان المعاد
وغير ذلك من المطالب العالية السنية والمعالم الالهية التي هي اشرف العلوم
واعظم ما تكمل به النفوس من المعارف وان كان كما لها لا بد فيه من كمال
علمها وقصدها جميعا فلا بد من عبادة الله وحده المتضمنة لمعرفته ومحبته
والذل له
الاستدلال ب الايات في القران
و الاشياء المساوية لشيء واحد متساوية و الضدان لا يجتمعان
والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ونحو ذلك فان هذه قضايا كلية
ومعلوم
ان الانسان اذا تصور ما يتصوره من معين او جزئه فان تصوره لكون هذا الكل
المعين اعظم من جزئه اسبق الى عقله من ان يتخيل ان كل كل اعظم من جزئه فهو
يتصور ان بدنه اعظم من يده ورجله وان السماء اعظم من كواكبها والجبل اعظم
من بعضه والمدينة اعظم من بعضها ونحو ذلك قبل ان يتصور القضية الكلية
الشاملة لجميع هذه الافراد
ولذلك اذا تصور شيئا معينا يعلم انه لا
يكون موجودا معدوما في حال واحدة قبل ان يتصور ان كل نقيضين لا يجتمعان
ولذلك اذا تصور سوادا معينا علم انه لا يكون اللون الواحد سوادا بياضا قبل
ان يتصور ان كل ضدين لا يجتمعان وامثال ذلك كثيرة
واذا قيل تلك القضية
الكلية تحصل في الذهن ضرورة او بديهة من واهب العقل قيل فحصول تلك القضية
المعينة في الذهن من واهب العقل اقرب عظم الفرق بين اثبات الرب
بالايات وبين اثباته بالقياس البرهاني
المطلق أي حصة المعين من ذلك العام كما يلزم من وجود
هذا الانسان وجود الانسان ومن وجود هذا الانسان وجود الانسانية والحيوانية
القائمة به
فكل ما سوى الرب مستلزم لنفسه المقدسة بعينها يمتنع وجود
شيء سواه بدون وجود نفسه المقدسة فان الوجود المطلق الكلي لا تحقق له في
الاعيان فضلا عن ان يكون خالقا لها مبدعا
ثم يلزم من وجوده المعين
الوجود المطلق المطابق للمعين فاذا تحقق الوجود الواجب تحقق الوجود المطلق
المطابق للمعين واذا تحقق الفاعل لكل شيء تحقق الفاعل المطلق المطابق واذا
تحقق القديم الازلي تحقق القديم المطلق المطابق واذا تحقق الغنى عن كل شيء
تحقق الغنى المطابق واذا تحقق رب كل شيء تحقق الرب المطابق كما ذكرنا انه
اذا تحقق هذا الانسان وهذا الحيوان تحقق الانسان المطلق المطابق والحيوان
المطلق المطابق
لكن المطلق لا يكون مطلقا الا في الاذهان لا في
الاعيان والله تعالى هو الخالق للامور الموجودة في الاعيان والمعلم للصور
الذهنية المطابقة لما في الاعيان
ولهذا كان اول ما انزل على رسوله
اقرا باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرا وربك الاكرم الى قوله ما
لم يعلم بين في اول ما انزل انه خالق الاعيان عموما وخصوصا فكما انه خالق
الموجودات العينية فهو المعلم للماهيات الذهنية فالموجودات الخارجية ايات
مستلزمة لوجود عينه واذا تصورتها الاذهان معينة او مطلقة فهو المعلم لهذا
المتصور إذ الصور الذهنية ايضا من آياته المستلزمة لوجود عينه لكنها تدل مع
ذلك على هدايته وتعليمه كما قال تعالى سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق
فسوى والذي قدر فهدى الاعلى وقال موسى ربنا الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى
كما ان الموجودات العينية من آيات وجوده والصور الذهنية من حيث انها
موجودات عينيه من هذا الباب كما أنها من جهة مطابقتها للموجودات الخارجية
من الباب الاول
لكن إذا علم إنسان وجود إنسان مطلق وحيوان مطلق لم يكن
عالما بنفس المعين كذلك من علم واجبا مطلقا وفاعلا مطلقا وغنيا مطلقا لم
يكن عالما بنفس رب العالمين وما يختص به عن غيره
وذلك هو مدلول آياته
تعالى فآياته تستلزم عينه التي يمنع تصورها من وقوع الشركة فيها وكل ما
سواه دليل على عينه وآية له فانه ملزوم لعينه وكل ملزوم فانه دليل على
لازمة ويمتنع تحقق شئ من الممكنات إلا مع تحقق عينه فكلها ملزوم لنفس الرب
دليل عليه آية له
ودلالتها بطريق قياسهم على الامر المطلق الكلى الذي
لا يتحقق إلا في الذهن فلم يعلموا ب برهانهم ما يختص بالرب تعالى ولهذا ما
يثبتونه من واجب الوجود عند التحقيق إنما هو أمر كلى لا يختص بالرب تعالى
حتى قد يجعلونه مجرد الوجود دلالة قياس الاولى في إثبات صفات
الكمال
امرا يختص به الرب مع علمه بجنس ذلك
الامر لا بد من الاسماء المشككة من معنى كلى مشترك
والجهمية قالوا الايمان
مجرد معرفة الله وهذا القول وان كان خيرا من قولهم فانه جعله معرفة الله
بما يلزم ذلك من معرفة ملائكته وكتبه ورسله وهؤلاء جعلوا الكمال معرفة
الوجود المطلق ولو احقه وهذا امر لو كان له حقيقة في الخارج لم يكن كمالا
للنفس الا بمعرفة خالقها سبحانه وتعالى
فهؤلاء الجهمية من اعظم مبتدعة
المسلمين بل جعلهم غير واحد خارجين عن
مجرد معرفة الله وهذا القول وان كان خيرا من قولهم فانه جعله معرفة الله
بما يلزم ذلك من معرفة ملائكته وكتبه ورسله وهؤلاء جعلوا الكمال معرفة
الوجود المطلق ولو احقه وهذا امر لو كان له حقيقة في الخارج لم يكن كمالا
للنفس الا بمعرفة خالقها سبحانه وتعالى
فهؤلاء الجهمية من اعظم مبتدعة
المسلمين بل جعلهم غير واحد خارجين عن
اثنتين وسبعين فرقة كما يروى
ذلك عن عبد الله بن المبارك ويوسف بن اسباط وهو قول طائفة من المتأخرين من
اصحاب احمد وغيرهم وقد كفر غير واحد من الائمة كوكيع بن الجراح واحمد بن
حنبل وغيرهما لمن يقول هذا القول وقالوا هذا يلزم منه ان يكون ابليس وفرعون
واليهود الذين يعرفونه كما يعرفون ابناءهم مؤمنين
فقول الجهمية خير
من قول هؤلاء فان ما ذكروه هو اصل ما تكمل به النفوس لكن لم يجمعوا بين علم
النفس وبين ارادتها التي هي مبدا القوة العملية وجعلوا الكمال في نفس
العلم وان لم يصدقه قول ولا عمل ولا اقترن به من الخشية والمحبة والتعظيم
وغير ذلك مما هو من اصول الايمان ولوازمه
واما هؤلاء فبعدوا عن الكمال
غاية البعد
والمقصود هنا الكلام على برهانهم فقط وانما ذكرنا بعض ما
لزمهم بسبب اصولهم الفاسدة
واعلم ان بيان ما في كلامهم من الباطل
والنقض لا يستلزم كونهم اشقياء في الاخرة الا اذا بعث الله اليهم رسولا فلم
يتبعوه
بل يعرف به ان من جاءته الرسل بالحق فعدل عن طريقهم الى طريق
هؤلاء كان من الاشقياء في الاخرة
والقوم لولا الانبياء لكانوا اعقل
من غيرهم لكن الانبياء جاؤا بالحق وبقاياه في الامم وان كفروا ببعضه حتى
مشركي العرب كان عندهم بقايا من دين ابراهيم فكانوا بها خيرا من الفلاسفة
المشركين الذين يوافقون ارسطو وامثاله على اصولهم الوجه السادس
البرهان لا يفيد امورا كلية واجبة البقاء في الممكنات
الوجه السادس
انه ان كان المطلوب ب قياسهم البرهاني معرفة الموجودات الممكنة فتلك ليس
فيها واجب البقاء على حال واحدة ازلا وابدا بل هي قابلة للتغير والاستحالة
وما قدر انه من اللازم لموصوفه فنفس الموصوف ليس بواجب البقاء فلا يكون
العلم به علما بموجود واجب الوجود
وليس لهم على ازلية شيء من العالم
دليل صحيح كما قد بسط في موضعه وانما غاية ادلتهم تستلزم دوام نوع الفاعلية
ونوع المادة والمدة وذلك ممكن موجود عين بعد عين من ذلك النوع ابدا مع
القول بأن كل مفعول محدث مسبوق بالعدم كما هو مقتضى العقل الصريح والنقل
الصحيح فان القول ب ان المفعول المعين مقارن لفاعله ازلا وابدا مما يقضي
صريح العقل بامتناعه أي شيء قدر فاعله لا سيما اذا كان فاعلا باختياره كما
دلت عليه الدلائل اليقينية ليست التي يذكرها المقصرون في معرفة اصول العلم
والدين كالرازي وامثاله كما بسط في موضعه
وما يذكرونه من اقتران
المعلول بعلته فاذا اريد ب العلة ما يكون مبدعا للمعلول فهذا باطل بصريح
العقل ولهذا تقر بذلك جميع الفطر السليمة التي لم تفسد بالتقليد الباطل
ولما كان هذا مستقرا في الفطر كان نفس الاقرار بأنه خالق كل شيء وموجبا لان
يكون كل ما سواه محدثا مسبوقا بالعدم
وان قدر دوام الخالقية لمخلوق
بعد مخلوق فهذا لا ينافي ان يكون خالقا لكل
شيء وكل ما سواه محدث مسبوق
بالعدم ليس معه شيء سواه قديم بقدمه بل ذلك اعظم في الكمال والجود
والافضال
واما اذا اريد ب العلة ما ليس كذلك كما يمثلون به من حركة
الخاتم بحركة اليد وحصول الشعاع عن الشمس فليس هذا من باب الفاعل من شيء بل
هو من باب المشروط والشرط قد يقارن المشروط
واما الفاعل فيمتنع ان
يقارنه مفعوله المعين وان لم يمتنع ان يكون فاعلا لشيء بعد شيء فقدم نوع
الفعل كقدم نوع الحركة وذلك لا ينافي حدوث كل جزء من اجزائها بل يستلزمه
لامتناع قدم شيء منها بعينه
وهذا مما عليه جماهير العقلاء من جميع
الامم حتى ارسطو واتباعه فانهم وان قالوا بقدم العالم فهم لم يثبتوا له
مبدعا ولا علة فاعلة بل علة غائية يتحرك الفلك للتشبه بها لان حركة الفلك
ارادية
وهذا القول وهو ان الاول ليس مبدعا للعالم وانما هو علة غائية
للتشبه به وان كان في غاية الجهل والكفر فالمقصود انهم وافقوا سائر العقلاء
في ان الممكن المعلول لا يكون قديما بقدم علته كما يقول ذلك ابن سينا
وموافقوه
ولهذا انكر هذا القول ابن رشد وامثاله من الفلاسفة الذين
اتبعوا طريقة ارسطو وسائر العقلاء في ذلك وبينوا ان ما ذكره ابن سينا مما
خالف به سلفه وجماهير العقلاء وكان قصده ان يركب مذهبا من مذهب المتكلمين
ومذهب سلفه فيجعل الموجود الممكن معلول الواجب مفعولا له مع كونه ازليا
قديما بقدمه واتبعه على امكان ذلك اتباعه في ذلك كالسهروردي الحلبي
والرازي والامدي والطوسي وغيرهم
زعم الرازي ما ذكره في محصلة ان
القول ب كون الممكن المفعول المغلول يكون قديما للموجب بالذات مما اتفق
عليه الفلاسفة والمتكلمون لكن المتكلمون يقولون بالحدوث ولكون الفاعل عندهم
فاعلا بالاختيار
وهذا غلط على الطائفتين بل لم يقل ذلك احد لا من
المتكلمين ولا من الفلاسفة المتقدمين الذين نقلت الينا اقوالهم كأرسطو
وامثاله وانما قاله ابن سينا وامثاله
والمتكلمون اذا قالوا بقدم ما
يقوم بالرب من الصفات ونحوها فلا يقولون انها مفعولة ولا معلولة لعلة فاعلة
بل الذات القديمة هي الموصوفة بتلك الصفات عندهم فصفاتها من لوازمها يمتنع
تحقق كون الواجب واجبا قديما الا ب صفاته اللازمة له كما قد بسط في موضعه
ويمتنع عندهم قدم ممكن يقبل الوجود والعدم مع قطع النظر عن فاعله
وكذلك اساطين الفلاسفة يمتنع عندهم قديم يقبل العدم ويمتنع ان يكون الممكن
لم يزل واجبا سواء قيل انه واجب بنفسه او بغيره
ولكن ما ذكره ابن سينا
وامثاله في ان الممكن قد يكون قديما واجبا بغيره ازليا ابديا كما يقولونه
في الفلك هو الذي فتح عليهم في الامكان من الاسئلة القادحة في قولهم ما لا
يمكنهم ان يجيبوا عنه كما قد بسط في موضعه فان ليس موضع تقريره هذا ولكن
نبهنا به على ان برهانهم القياسي الي لا يفيد امورا كلية واجبة البقاء في
الممكنات
واما واجب الوجود تبارك وتعالى فالقياس الذي يدعونه لا
يدل على ما يختص به وانما يدل على امر مشترك كلى بينه وبين غيره اذا كان
مدلول القياس الشمولي عندهم ليس الا امور كلية مشتركة وتلك لا تختص بواجب
الوجود رب العالمين سبحانه وتعالى
فلم يعرفوا ببرهانهم شيئا من الامور
التي يجب دوامها لا من الواجب ولا من الممكنات
واذا كانت النفس انما
تكمل بالعلم الذي يبقى ببقاء معلومه وهم لم يعلموا علما يبقى ببقاء معلومه
لم يستفيدوا ب برهانهم ما تكمل به النفس من العلم فضلا عن ان يقال ان ما
تكمل به النفس من العلم لا يحصل الا ببرهانهم طريقة الانبياء في
الاستدلال
ولهذا كانت طريقة الانبياء صلوات الله عليهم وسلامه
الاستدلال على الرب تعالى بذكر اياته وان استعملوا في ذلك القياس استعملوا
القياس الا ولى ولم يستعملوا قياس شمول يستوى افراده ولا قياس تمثيل محض
فان الرب تعالى لا مثل له ولا يجتمع هو وغيره تحت كلي يستوي افراده بل ما
ثبت بغيره من كمال لا نقص فيه فثبوته له بطريق الاولى وما تنزه عنه غيره من
النقائص فتنزهه عنه بطريق الاولى
استعمال قياس الاولى في القرانالاستدلال على الرب تعالى بذكر اياته وان استعملوا في ذلك القياس استعملوا
القياس الا ولى ولم يستعملوا قياس شمول يستوى افراده ولا قياس تمثيل محض
فان الرب تعالى لا مثل له ولا يجتمع هو وغيره تحت كلي يستوي افراده بل ما
ثبت بغيره من كمال لا نقص فيه فثبوته له بطريق الاولى وما تنزه عنه غيره من
النقائص فتنزهه عنه بطريق الاولى
ولهذا كانت الاقيسة العقلية البرهانية المذكورة في القران من هذا الباب كما
يذكره في دلائل ربو بيته وإلهيته ووحدانيته وعلمه وقدرته وامكان المعاد
وغير ذلك من المطالب العالية السنية والمعالم الالهية التي هي اشرف العلوم
واعظم ما تكمل به النفوس من المعارف وان كان كما لها لا بد فيه من كمال
علمها وقصدها جميعا فلا بد من عبادة الله وحده المتضمنة لمعرفته ومحبته
والذل له
الاستدلال ب الايات في القران
واما استدلاله
تعالى بالآيات فكثير في القران والفرق بين الايات وبين القياس ان الاية هي
العلامة وهي الدليل الذي يستلزم عين المدلول لا يكون مدلوله امرا كليا
مشتركا بين المطلوب وغيره بل نفس العلم به يوجب العلم بعين المدلول كما ان
الشمس آية النهار قال تعالى وجعلنا اليل والنهار ايتين فمحونا اية اليل
وجعلنا اية النهار مبصرة فنفس العلم بطلوع الشمس يوجب العلم بوجود النهار
وكذلك آيات نبوة محمد ص - نفس العلم بها يوجب العلم بنبوته بعينه لا يوجب
امرا كليا مشتركا بينه وبين غيره
وكذلك آيات الرب تعالى نفس العلم بها
يوجب العلم بنفسه المقدسة تعالى لا يوجب علما كليا مشتركا بينه وبين غيره
والعلم بكون هذا مستلزما لهذا هو جهة الدليل
فكل دليل في الوجود لا
بد ان يكون مستلزما للمدلول والعلم باستلزام المعين للمعين المطلوب اقرب
الى الفطرة من العلم بأن كل معين من معينات القضية الكلية يستلزم النتيجة
والقضايا الكلية هذا شأنها فان القضايا الكلية ان لم تعلم معيناتها بغير
التمثيل والا لم تعلم الا بالتمثيل فلا بد من معرفة لزوم المدلول للدليل
الذي هو الحد الاوسط
فلا بد ان يعرف ان كل فرد من افراد الحكم الكلي
المطلوب يلزم كل فرد من افراد الدليل كما اذا قيل كل ا ب وكل ب ج فكل ج ا
فلا بد ان يعرف ان كل فرد من افراد الجيم يلزم كل فرد من أفراد الباء وكل
فرد من أفراد الباء يلزم كل فرد من أفراد الالف ومعلوم ان العلم بلزوم
الجيم المعين للباء المعين والباء المعين للالف المعين اقرب الى الفطرة من
هذا
وهذا كما قدمناه في امثلة اقيستهم البرهانية مثل قولهم الكل اعظم
من الجزء
تعالى بالآيات فكثير في القران والفرق بين الايات وبين القياس ان الاية هي
العلامة وهي الدليل الذي يستلزم عين المدلول لا يكون مدلوله امرا كليا
مشتركا بين المطلوب وغيره بل نفس العلم به يوجب العلم بعين المدلول كما ان
الشمس آية النهار قال تعالى وجعلنا اليل والنهار ايتين فمحونا اية اليل
وجعلنا اية النهار مبصرة فنفس العلم بطلوع الشمس يوجب العلم بوجود النهار
وكذلك آيات نبوة محمد ص - نفس العلم بها يوجب العلم بنبوته بعينه لا يوجب
امرا كليا مشتركا بينه وبين غيره
وكذلك آيات الرب تعالى نفس العلم بها
يوجب العلم بنفسه المقدسة تعالى لا يوجب علما كليا مشتركا بينه وبين غيره
والعلم بكون هذا مستلزما لهذا هو جهة الدليل
فكل دليل في الوجود لا
بد ان يكون مستلزما للمدلول والعلم باستلزام المعين للمعين المطلوب اقرب
الى الفطرة من العلم بأن كل معين من معينات القضية الكلية يستلزم النتيجة
والقضايا الكلية هذا شأنها فان القضايا الكلية ان لم تعلم معيناتها بغير
التمثيل والا لم تعلم الا بالتمثيل فلا بد من معرفة لزوم المدلول للدليل
الذي هو الحد الاوسط
فلا بد ان يعرف ان كل فرد من افراد الحكم الكلي
المطلوب يلزم كل فرد من افراد الدليل كما اذا قيل كل ا ب وكل ب ج فكل ج ا
فلا بد ان يعرف ان كل فرد من افراد الجيم يلزم كل فرد من أفراد الباء وكل
فرد من أفراد الباء يلزم كل فرد من أفراد الالف ومعلوم ان العلم بلزوم
الجيم المعين للباء المعين والباء المعين للالف المعين اقرب الى الفطرة من
هذا
وهذا كما قدمناه في امثلة اقيستهم البرهانية مثل قولهم الكل اعظم
من الجزء
و الاشياء المساوية لشيء واحد متساوية و الضدان لا يجتمعان
والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ونحو ذلك فان هذه قضايا كلية
ومعلوم
ان الانسان اذا تصور ما يتصوره من معين او جزئه فان تصوره لكون هذا الكل
المعين اعظم من جزئه اسبق الى عقله من ان يتخيل ان كل كل اعظم من جزئه فهو
يتصور ان بدنه اعظم من يده ورجله وان السماء اعظم من كواكبها والجبل اعظم
من بعضه والمدينة اعظم من بعضها ونحو ذلك قبل ان يتصور القضية الكلية
الشاملة لجميع هذه الافراد
ولذلك اذا تصور شيئا معينا يعلم انه لا
يكون موجودا معدوما في حال واحدة قبل ان يتصور ان كل نقيضين لا يجتمعان
ولذلك اذا تصور سوادا معينا علم انه لا يكون اللون الواحد سوادا بياضا قبل
ان يتصور ان كل ضدين لا يجتمعان وامثال ذلك كثيرة
واذا قيل تلك القضية
الكلية تحصل في الذهن ضرورة او بديهة من واهب العقل قيل فحصول تلك القضية
المعينة في الذهن من واهب العقل اقرب عظم الفرق بين اثبات الرب
بالايات وبين اثباته بالقياس البرهاني
ومعلوم ان كل ما سوى الله من
الممكنات فانه مستلزم لذات الرب تعالى يمتنع وجوده بدون وجود ذات الرب
تعالى وتقدس
وان كان مستلزما ايضا لامور كلية مشتركة بينه وبين غيره
فلأنه يلزم من وجوده وجود لوازمه وتلك الكليات المشتركة من لوازم المعين
اعني يلزمه ما يخصه من ذلك الكلي العام والكلي المشترك يلزمه بشرط وجوده
ووجود العالم الذي يتصور القدر المشترك وهو سبحانه يعلم الامور على ما هي
عليه فيعلم نفسه المقدسة بما يخصها ويعلم الكليات انها كليات فيلزم من وجود
الخاص وجود العام
الممكنات فانه مستلزم لذات الرب تعالى يمتنع وجوده بدون وجود ذات الرب
تعالى وتقدس
وان كان مستلزما ايضا لامور كلية مشتركة بينه وبين غيره
فلأنه يلزم من وجوده وجود لوازمه وتلك الكليات المشتركة من لوازم المعين
اعني يلزمه ما يخصه من ذلك الكلي العام والكلي المشترك يلزمه بشرط وجوده
ووجود العالم الذي يتصور القدر المشترك وهو سبحانه يعلم الامور على ما هي
عليه فيعلم نفسه المقدسة بما يخصها ويعلم الكليات انها كليات فيلزم من وجود
الخاص وجود العام
المطلق أي حصة المعين من ذلك العام كما يلزم من وجود
هذا الانسان وجود الانسان ومن وجود هذا الانسان وجود الانسانية والحيوانية
القائمة به
فكل ما سوى الرب مستلزم لنفسه المقدسة بعينها يمتنع وجود
شيء سواه بدون وجود نفسه المقدسة فان الوجود المطلق الكلي لا تحقق له في
الاعيان فضلا عن ان يكون خالقا لها مبدعا
ثم يلزم من وجوده المعين
الوجود المطلق المطابق للمعين فاذا تحقق الوجود الواجب تحقق الوجود المطلق
المطابق للمعين واذا تحقق الفاعل لكل شيء تحقق الفاعل المطلق المطابق واذا
تحقق القديم الازلي تحقق القديم المطلق المطابق واذا تحقق الغنى عن كل شيء
تحقق الغنى المطابق واذا تحقق رب كل شيء تحقق الرب المطابق كما ذكرنا انه
اذا تحقق هذا الانسان وهذا الحيوان تحقق الانسان المطلق المطابق والحيوان
المطلق المطابق
لكن المطلق لا يكون مطلقا الا في الاذهان لا في
الاعيان والله تعالى هو الخالق للامور الموجودة في الاعيان والمعلم للصور
الذهنية المطابقة لما في الاعيان
ولهذا كان اول ما انزل على رسوله
اقرا باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرا وربك الاكرم الى قوله ما
لم يعلم بين في اول ما انزل انه خالق الاعيان عموما وخصوصا فكما انه خالق
الموجودات العينية فهو المعلم للماهيات الذهنية فالموجودات الخارجية ايات
مستلزمة لوجود عينه واذا تصورتها الاذهان معينة او مطلقة فهو المعلم لهذا
المتصور إذ الصور الذهنية ايضا من آياته المستلزمة لوجود عينه لكنها تدل مع
ذلك على هدايته وتعليمه كما قال تعالى سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق
فسوى والذي قدر فهدى الاعلى وقال موسى ربنا الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى
كما ان الموجودات العينية من آيات وجوده والصور الذهنية من حيث انها
موجودات عينيه من هذا الباب كما أنها من جهة مطابقتها للموجودات الخارجية
من الباب الاول
لكن إذا علم إنسان وجود إنسان مطلق وحيوان مطلق لم يكن
عالما بنفس المعين كذلك من علم واجبا مطلقا وفاعلا مطلقا وغنيا مطلقا لم
يكن عالما بنفس رب العالمين وما يختص به عن غيره
وذلك هو مدلول آياته
تعالى فآياته تستلزم عينه التي يمنع تصورها من وقوع الشركة فيها وكل ما
سواه دليل على عينه وآية له فانه ملزوم لعينه وكل ملزوم فانه دليل على
لازمة ويمتنع تحقق شئ من الممكنات إلا مع تحقق عينه فكلها ملزوم لنفس الرب
دليل عليه آية له
ودلالتها بطريق قياسهم على الامر المطلق الكلى الذي
لا يتحقق إلا في الذهن فلم يعلموا ب برهانهم ما يختص بالرب تعالى ولهذا ما
يثبتونه من واجب الوجود عند التحقيق إنما هو أمر كلى لا يختص بالرب تعالى
حتى قد يجعلونه مجرد الوجود دلالة قياس الاولى في إثبات صفات
الكمال
وأما قياس الاولى الذي كان يسلكه السلف اتباعا للقرآن فيدل على
انه يثبت له من صفات الكمال التي لا نقص فيها أكمل مما علموه ثابتا لغيره
مع التفاوت الذي لا يضبطه العقل كما لا يضبط التفاوت بين الخالق وبين
المخلوق بل إذا كان العقل يدرك من التفاضل الذي بين مخلوق ومخلوق ما لا
يحصر قدره وهو يعلم ان فضل الله على كل مخلوق اعظم من فضل مخلوق على مخلوق
كان هذا مما يبين له ان ما يثبت للرب اعظم مما يثبت لكل ما سواه بما لا
يدرك قدره فكأن قياس الاولى يفيده
انه يثبت له من صفات الكمال التي لا نقص فيها أكمل مما علموه ثابتا لغيره
مع التفاوت الذي لا يضبطه العقل كما لا يضبط التفاوت بين الخالق وبين
المخلوق بل إذا كان العقل يدرك من التفاضل الذي بين مخلوق ومخلوق ما لا
يحصر قدره وهو يعلم ان فضل الله على كل مخلوق اعظم من فضل مخلوق على مخلوق
كان هذا مما يبين له ان ما يثبت للرب اعظم مما يثبت لكل ما سواه بما لا
يدرك قدره فكأن قياس الاولى يفيده
امرا يختص به الرب مع علمه بجنس ذلك
الامر لا بد من الاسماء المشككة من معنى كلى مشترك
ولهذا كان
الحذاق يختارون ان الاسماء المقولة عليه وعلى غيره مقولة بطريق التشكيك
الذي هو نوع من التواطئ العام ليست بطريق الاشتراك اللفظي ولا بطريق
الاشتراك المعنوي الذي تتماثل افراده بل بطريق الاشتراك المعنوي الذي
تتفاضل أفراده كما يطلق لفظ البياض والسواد على الشديد كبياض الثلج وعلى ما
دونه كبياض العاج فكذلك لفظ الوجود يطلق على الواجب والممكن وهو في الواجب
أكمل وافضل من فضل هذا البياض على هذا البياض
لكن التفاضل في الاسماء
المشككة لا يمنع ان يكون اصل المعنى مشتركا كليا بينهما فلا بد في الاسماء
المشككة من معنى كلي مشترك وإن كان ذلك لا يكون إلا في الذهن وذلك مورد
التقسيم تقسيم الكلي الى جزئياته إذا قيل الموجود ينقسم الى واجب وممكن فان
مورد التقسيم مشترك بين الاقسام ثم كون وجود هذا الواجب اكمل من وجود
الممكن لا يمنع ان يكون مسمى الوجود معنى كليا مشتركا بينهما
وهكذا في
سائر الاسماء والصفات المطلقة على الخالق والمخلوق كاسم الحي والعليم
والقدير والسميع والبصير وكذلك في صفاته كعلمه وقدرته ورحمته ورضاه وغضبه
وفرحه وسائر ما نطقت به الرسل من أسمائه وصفاته
الحذاق يختارون ان الاسماء المقولة عليه وعلى غيره مقولة بطريق التشكيك
الذي هو نوع من التواطئ العام ليست بطريق الاشتراك اللفظي ولا بطريق
الاشتراك المعنوي الذي تتماثل افراده بل بطريق الاشتراك المعنوي الذي
تتفاضل أفراده كما يطلق لفظ البياض والسواد على الشديد كبياض الثلج وعلى ما
دونه كبياض العاج فكذلك لفظ الوجود يطلق على الواجب والممكن وهو في الواجب
أكمل وافضل من فضل هذا البياض على هذا البياض
لكن التفاضل في الاسماء
المشككة لا يمنع ان يكون اصل المعنى مشتركا كليا بينهما فلا بد في الاسماء
المشككة من معنى كلي مشترك وإن كان ذلك لا يكون إلا في الذهن وذلك مورد
التقسيم تقسيم الكلي الى جزئياته إذا قيل الموجود ينقسم الى واجب وممكن فان
مورد التقسيم مشترك بين الاقسام ثم كون وجود هذا الواجب اكمل من وجود
الممكن لا يمنع ان يكون مسمى الوجود معنى كليا مشتركا بينهما
وهكذا في
سائر الاسماء والصفات المطلقة على الخالق والمخلوق كاسم الحي والعليم
والقدير والسميع والبصير وكذلك في صفاته كعلمه وقدرته ورحمته ورضاه وغضبه
وفرحه وسائر ما نطقت به الرسل من أسمائه وصفاته
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الخلاف في الاسماء التي تطلق عليه تعالى وعلى العباد
المعتزلة
الذين كانوا اسبق من ابي علي هي حقيقة في الخالق مجاز في المخلوق
وقالت طائفة من الجهمية والباطنية والفلاسفة وبالعكس هي مجاز في الخالق
حقيقة في المخلوق
وقال جماهير الطوائف هي حقيقة فيهما وهذا قول طوائف
النظار من المعتزلة والاشعرية والكرامية والفقهاء واهل الحديث والصوفية وهو
قول الفلاسفة
لكن كثيرا من هؤلاء يتناقض فيقر في بعضها بانها حقيقة
كاسم الموجود والنفس والذات والحقيقة ونحو ذلك وينازع في بعضها لشبه نفاه
الجميع والقول فيما نفاه نظير القول فيما اثبته ولكن هو لقصوره فرق بين
المتماثلين ونفي الجميع يمتنع ان يكون موجودا
وقد علم ان الموجود
ينقسم الى واجب وممكن وقديم وحادث وغنى وفقير ومفعول وغير مفعول وأن وجود
الممكن يستلزم وجود الواجب ووجود المحدث يستلزم وجود القديم ووجود الفقير
يستلزم وجود الغنى ووجود المفعول يستلزم وجود غير المفعول وحينئذ فبين
الوجودين امر مشترك والواجب يختص بما يتميز به فكذلك القول في الجميع
والاسماء المشككة هو متواطئة باعتبار القدر بالمشترك ولهذا كان المتقدمون
من نظار الفلاسفة وغيرهم لا يخصون المشككة باسم بل لفظ المتواطئة يتناول
ذلك كله فالمشككة قسم من المتواطئة العامة وقسيم المتواطئة الخاصة
وإذا كان كذلك فلا بد في المشككة من إثبات قدر مشترك كلي وهو مسمى
المتواطئة العامة وذلك لا يكون مطلقا إلا في الذهن وهذا مدلول قياسهم
البرهاني
ولا بد من إثبات التفاضل وهو مدلول المشككة التي هي قسيم
المتواطئة الخاصة وذلك هو مدلول الاقيسة البرهانية القرانية وهي قياس
الاولى
ولا بد من إثبات خاصة الرب التي بها يتميز عما سواه وذلك مدلول
آياته سبحانه التي يستلزم ثبوتها ثبوت نفسه لا يدل على هذه قياس لا برهانى
ولا غير برهانى
فتبين بذلك ان قياسهم البرهاني لا يحصل المطلوب الذي
به تكمل النفس في معرفة الموجودات ومعرفة خالقها فضلا عن ان يقال لا تعلم
المطالب إلا به
وهذا باب واسع لكن المقصود في هذا المقام التنبيه على
بطلان قضيتهم السالبة وهي قولهم إن العلوم النظرية لا تحصل إلا بواسطة
برهانهم شناعة زعمهم أن علم الله أيضا يحصل بواسطة القياس
قال الله تعالى إن الذين يجادلون في آيت الله بغير سلطان أتهم
ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه المؤمن وقال الذين يجادلون في آيت الله
بغير سلطان أتهم كبر مقتا عند الله وعند الذين امنوا كذلك يطبع الله على
كل قلب متكبر جبار المؤمن وقال فلما جاءتهم رسلهم بالبينت فرحوا بما عندهم
من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون فلما راؤا باسنا قالوا امنا بالله
وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما راوا بأسنا سنت
الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون المؤمن
وقد بسط الكلام
على قول فرعون ومتابعة هؤلاء له والنمرود بن كنعان وأمثالهما من رؤوس
الكفر والضلال ومخالفتهم لموسى وإبراهيم وغيرهما من رسل الله صلوات الله
عليهم في مواضع
وقد جعل الله آل ابراهيم أئمة للمؤمنين أهل الجنة وآل
فرعون ائمة لاهل النار
وقال تعالى واستكبر هو وجنوده في الارض بغير
الحق وظنوا انهم إلينا لا يرجعون فاخذناه وجنوده فنبدناهم في اليم فانظر
كيف كان عاقبة الظلمين وجعلنهم ائمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا
ينصرون واتبعنهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ولقد
آتينا موسى الكتب من بعد ما اهلكنا القرون الاولى بصائر للناس وهدى ورحمة
لعلم يتذكرون الى قوله قال فأتوا بكتب من عند الله هو اهدى منهما اتبعة ان
كنتم صدقين القصص
وقال في آل ابراهيم وجعلنا منهم ائمة يهدون بأمرنا
لما صبروا وكانوا
بايتنا يوقنون السجدة
والمقصود ان متأخريهم
الذين هم اعلم منهم جعلوا علم الرب يحصل بواسطة القياس البرهاني وكذلك علم
انبيائه وقد سطنا الكلام في الرد عليهم في غير هذا الموضع
والمقصود
هنا التنبيه على فساد قولهم إنه لا يحصل العلم إلا بالبرهان الذي وصفوه
وإذا كان هذا السلب باطلا في حكم آحاد الناس كان بطلانه اولى في علم رب
العالمين سبحانه وتعالى ثم ملئكته وأنبيائه صلوات الله عليهم اجمعين فصل
اقوال المنطقيين في الدليل والقياس
وايضا فانهم قسموا جنس الدليل الى
القياس والاستقراء والتمثيل قالوا لان الاستدلال إما ان يكون ب الكلى على
الجزئي او ب الجزئي على الكلي او بأحد الجزئين على الاخر وربما عبروا عن
ذلك ب الخاص والعام فقالوا إما أن يستدل ب العام على الخاص أو ب الخاص على
العام أو بأحد الخاصين على الاخر
قالوا والاول هو القياس يعنون به
قياس الشمول فانهم يخصونه باسم القياس وكثير من أهل الاصول والكلام يخصون
باسم القياس التمثيل واما جمهور العقلاء فاسم القياس عندهم يتناول هذا وهذا
قالوا والاستدلال ب الجزئيات على الكلي هو الاستقراء فان كان تاما
فهو الاستقراء التام وهو يفيد اليقين وإن كان ناقصا لم يفد اليقين فالاول
هو استقراء جميع الجزئيات والحكم عليه بما وجد في جزئياته والثاني استقراء
أكثرها وقد يكذب كقول القائل الحيوان إذا أكل حرك فكه الاسفل
لأنا
استقريناها فوجدناها هكذا فيقال هل التمساح يحرك الاعلى
ثم قالوا
القياس ينقسم الى الاقتراني والاستثنائي ف الاستثنائي ما تكون النتيجة او
نقيضها مذكورة فيه بالفعل والاقترانى ما تكون فيه بالقوة كالمؤلف من
القضايا الحملية كقولنا كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام
والاستثنائي ما
يؤلف من الشرطيات وهو نوعان
احدهما متصلة كقولنا إن كانت الصلوة صحيحة
فالمصلى متطهر واستثناء عين المقدم ينتج عين التالى واستثناء نقيض التالى
ينتج نقيض المقدم
والثاني المنفصلة هي إما مانعة الجمع والخلو كقولنا
العدد إما زوج وإما فرد فان هذين لا يجتمعان ولا يخلو العدد عن أحدهما وإما
مانعة الجمع فقط كقولنا هذا إما ابيض وإما اسود أي لا يجتمع السواد
والبياض وقد يخلو المحل عنهما وإما مانعه الخلو فهى التي يمتنع فيها عدم
الجزئين جميعا ولا يمتنع اجتماعهما
وقد يقولون مانعة الجمع والخلو هي
الشرطية الحقيقية وهي مطابقة للنقيضين في العموم والخصوص ومانعة الجمع هي
أخص من النقيضين فان الضدين لا يجتمعان وقد يرتفعان وهما اخص من النقيضين
وأما مانعة الخلو فانها أعم من النقيضين وقد يصعب عليهم تمثيل ذلك بخلاف
النوعين الاولين فان أمثالهما كثيرة ويمثلونه بقول القائل هذا راكب البحر
أو لا يغرق فيه أي لا يخلو منهما فانه لا يغرق إلا إذا كان في البحر فاما
أن لا يغرق فيه وحينئذ لا يكون راكبه وإما أن يكون راكبه وقد يجتمع ان يركب
ويغرق
والامثال كثيرة كقولنا هذا حي او ليس بعالم أو قادر او سميع او
بصير او متكلم فانه إن وجدت الحيوة فهو احد القسمين وإن عدمت عدمت
هذه الصفات وقد يكون حيا من لا يوصف بذلك وكذلك إذا قيل هذا متطهر او ليس
بمصل فانه إن عدمت الصلوة عدمت الطهارة وإن وجدت الطهارة فهو القسم الاخر
فلا يخلو الامر منهما
وكذلك كل عدم شرط ووجود مشروطه فانه إذا ردد
الامر بين وجود المشروط وعدم الشرط كان ذلك مانعا من الخلو فانه لا يخلو
الامر من وجود الشرط وعدمه وإذا عدم عدم الشرط فصار الامر لا يخلو من وجود
المشروط وعدم الشرط
ثم قسموا الاقترانى الى الاشكال الأربعة لكون الحد
الاوسط إما محمولا في الاولى موضوعا في الصغرى وهو الشكل الطبيعي وهو ينتج
المطالب الاربعة الجزئي والكلى والايجابي والسلبي وإما ان يكون الاوسط
محمولا فيهما وهو الثاني ولا ينتج إلا السلب وإما ان يكون موضوعا فيهما ولا
ينتج إلا الجزئيات والرابع ينتج الجزئيات والسلب الكلى لكنه بعيد عن الطبع
ثم إذا ارادوا بيان إنتاج الثاني والثالث وغير ذلك من المطالب
احتاجوا الى الاستدلال ب النقيض والعكس وعكس النقيض فانه يلزم من صدق
القضية كذب نقيضها وصدق عكسها المستوى وعكس نقيضها فاذا صدق قولنا ليس احد
من الحجاج بكافر صح قولنا ليس احد من الكفار حاجا وإذا صح قولنا كل حاج
مسلم صح قولنا بعض المسلمين حاج وقولنا من ليس بمسلم فليس بحاج رد
المصنف أقوالهم في الدليل والقياس
الطريق على الطالب المستدل فلا يخلو عن
خطأ يصد عن الحق او طريق طويل يتعب صاحبه حتى يصل الى الحق مع إمكان وصوله
بطريق قريب كما كان يمثله بعض سلفنا بمنزلة من قيل له أين أذنك فرفع يده
فوق رأسه رفعا شديدا ثم أدارها إلى أذنه اليسرى وقد كان يمكنه الاشارة الى
اليمنى او اليسرى من طريق مستقيم وما أشبه هؤلاء بقول القائل ... اقام يعمل
أياما رويته ... وشبه الماء بعد الجهد بالماء ...
وبقول الاخر ...
وإنى وإنى ثم إنى وإننى ... إذا انقطعت نعلى جعلت لها شسعا ...
وما
أحسن ما وصف الله به كتابه بقوله ان هذا القرآن يهدى للتي هي اقوم الاسراء
فأقوم الطرق الى أشرف المطالب ما بعث الله به رسوله وأما طريق هؤلاء فهى مع
ضلالهم في البعض وأعوجاج طريقهم وطولها في البعض الاخرى إنما يوصلهم الى
امر لا ينجى من عذاب الله فضلا عن ان يوجب لهم السعادة فضلا عن حصول الكمال
للأنفس البشرية بطريقهم بطلان حصر الادلة في القياس والاستقراء
والتمثيل
بالاستدلال بجزئي على جزئي
قياس التمثيل لم يكن ما ذكرتموه حاصرا وقد بقى الاستدلال بالكلى على الكلي
الملازم له وهو المطابق له في العموم والخصوص وكذلك الاستدلال بالجزئي
الملازم له بحيث يلزم من وجود احدهما وجود الاخر ومن عدمه عدمه فان هذا ليس
مما سميتموه قياسا ولا استقراء ولا تمثيلا وهذه هي الايات الاستدلال
بالكلى على الكلى وبالجزئي على الجزئي الملازم له
بطلوعه على غروب آخر وتوسط آخر ونحو ذلك من الادلة
التي اتفق عليها الناس قال تعالى وبالنجم هم يهتدون
والاستدلال على
المواقيت والامكنة بالامكنة امر اتفق عليه العرب والعجم وأهل الملل
والفلاسفة فاذا استدل بظهور الثريا على ظهور ما قرب منها مشرقا ومغربا
ويمينا وشمالا من الكواكب كان استدلالا بجزئي على جزئي لتلازمهما وليس ذلك
من قياس التمثيل وإن قضى به قضاء كليا كان استدلالا بكلى على كلى وليس
استدلالا بكلى على جزئي بل بأحد الكليين المتلازمين على الاخر
ومن عرف
مقدار ابعاد الكواكب بعضها من بعض وعلم ما يقارن منها طلوع الفجر استدل
بما رآه منها على مقدار ما مضى من الليل وما بقى منه وهو استدلال بأحد
المتلازمين على الاخر ومن علم الجبال والانهار والرياح استدل بها على ما
يلازمها من الامكنة
ثم اللزوم إن كان دائما لا يعرف له ابتداء بل هو
منذ خلق الله الارض كوجود الجبال والانهار العظيمة النيل والفرات وسيحان
وجيحان والبحر كان الاستدلال مطردا
وإن كان اللزوم أقل من ذلك مدة مثل
الكعبة شرفها الله فان الخليل بناها ولم تزل معظمة لم يعل عليها جبار قط
استدل بها بحسب ذلك فيستدل بها وعليها فان أركان الكعبة مقابلة لجهات الارض
الاربعة الحجر الاسود يقابل المشرق والغربي الذي يقابله ويقال له الشامي
يقابل المغرب واليماني يقابل الجنوب وما يقابله يقال له العراقى إذا قيل
الذي من ناحية الحجر الشامي وإن قيل لذاك الشامي قيل لهذا العراقى فهذا
الشامي العراقي
يقابل الشمال وهو يقابل القطب وحينئذ فيستدل بها
على الجهات ويستدل بالجهات عليها
وما كان مدته اقصر من مدة الكعبة
كالابنية التي في الامصار والاشجار كان الاستدلال بها بحسب ذلك فيقال علامة
الدار الفلانية ان على بابها شجرة من صفتها كذا وكذا وهما متلازمان مدة من
الزمان
فهذا وأمثاله استدلال بأحد المتلازمين على الاخر وكلاهما معين
جزئي وليس هو من قياس التمثيل حد الدليل عند النظار
الحق اذ كان معصوما في خبره عن الله لا يستقر في خبره عنه
خطأ البتة
فهذا دليل مستلزم لمدلوله لزوما واجبا لا ينفك عنه بحال
وسواء كان الملزوم المستدل به وجودا او عدما فقد يكون الدليل وجودا وعدما
ويستدل بكل منهما على وجود وعدم فانه يستدل بثبوت الشيء على انتفاء نقيضه
وضده ويستدل بأنتقاء نقيضه على ثبوته ويستدل بثبوت الملزوم على ثبوت اللازم
وبانتقاء اللازم على انتقاء الملزوم بل كل دليل يستدل به فانه ملزوم
لمدلولة وقد دخل في هذا كل ما ذكروه وما لم يذكروه
فان ما يسمونه
الشرطي المتصل مضمونه الاستدلال بثبوت الملزوم على ثبوت اللازم وبانتفاء
اللازم على انتفاء الملزوم سواء عبر عن هذا المعنى بصيغة الشرط او بصيغة
الجزم واختلاف صيغ الدليل مع اتحاد معناه لا يغير حقيقية والكلام إنما هو
في المعاني لا في الالفاظ
فاذا قال القائل إن كانت الصلوة صحيحة
فالمصلى متطهر وإن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود وإن كان الفاعل عالما
قادرا فهو حي ونحو ذلك فهذا معنى قوله صحة الصلوة تستلزم صحة الطهارة وقوله
يلزم من صحة الصلوه صحة ثبوت الطهارة وقوله لا يكون مصليا إلا مع الطهارة
وقوله الطهارة شرط في صحة الصلوة وإذا عدم الشرط عدم المشروط وقوله كل مصل
متطهر فمن ليس بمتطهر فليس بمصل وأمثال ذلك من انواع التأليف للالفاظ
والمعاني التي يتضمن هذا الاستدلال من غير حصر الناس في عبارة واحدة
أستطرد
وإذا اتسعت العقول وتصوراتها اتسعت عباراتها وإذا ضاقت العقول
والتصورات بقى صاحبها كانه محبوس العقل واللسان كما يصيب اهل المنطق
اليوناني تجدهم من أضيق الناس علما وبيانا وأعجزهم تصورا وتعبيرا
ولهذا من كان منهم ذكيا إذا تصرف في العلوم وسلك مسلك اهل المنطق طول وضيق
وتكلف وتعسف وغايته بيان البين وايضاح الواضح من العي وقد يوقعه ذلك في
انواع من السفسطة التي عافى الله منها من لم يسلك طريقهم
مثل ما ذكروه
عن يعقوب بن إسحاق الكندي الفيلسوف انه قال في بعض مناظراته هذا من باب
فقد عدم الوجود ومثل هذه العبارات الطويلة الركيكة كثير في كلامهم حتى في
كلام افضل متأخريهم مع انه افضلهم واحسنهم بيانا
وكذلك تكلفاتهم في
حدودهم مثل حدهم ل الانسان والشمس بانها كوكب يطلع نهارا وهل من يحد الشمس
مثل هذا الحد ونحوه إلا من هو من أجهل الناس وهل عند الناس شئ أظهر من
الشمس حتى يحد الشمس به ومن لم يعرف الشمس فاما ان يجهل اللفظ فيترجم له
وليس هذا من الحد الذي ذكروه وإما أن لا يكون رآها لعماه فهذا لا يرى
النهار ولا الكواكب بطرق الاولى مع أنه لا بد ان يسمع من الناس ما يعرف ذلك
دون طريقهم
عود الى اصل الموضوع
وهم معترفون بان الشكل الاول من
الحمليات يغنى عن جميع صور القياس وتصويره نطرى لا يحتاح احد الى تعلمه
منهم مع ان الاستدلال لا يحتاج الى تصوره على الوجه الذي يزعمونه فصل
إبطال قولهم إن الاستدلال لا بد فيه من مقدمتين
وأما قولهم إن
الاستدلال لا بد فيه من مقدمتين بلا زيادة ولا نقصان
فان كان الدليل
مقدمة واحدة قالوا الاخرى محذوفة وسموه هو قياس الضمير وإن كان مقدمات
قالوا هي اقيسة مركبة ليس هو قياسا واحدا فهذا قول باطل طردا وعكسا
وذلك ان احتياج المستدل الى المقدمات مما يختلف فيه حال الناس فمن الناس من
لا يحتاج إلا الى مقدمة واحدة لعلمه مما سوى ذلك كما أن منهم من لا يحتاج
في علمه بذلك إلى الاستدلال بل قد يعلمة بالضرورة ومنهم من يحتاج الى
مقدمتين ومنهم من يحتاج الى ثلاث ومنهم من يحتاج الى اربع واكثر
فمن
أراد ان يعرف ان هذا المسكر المعين محرم فان كان يعرف أن كل مسكر محرم ولكن
لا يعرف هل هذا المعين مسكر ام لا لم يحتج إلا الى مقدمة واحدة وهو ان
يعمل ان هذا مسكر فاذا قيل له هذا حرام فقال ما الدليل عليه فقال المستدل
الدليل على ذلك انه مسكر فقال لا نسلم انه مسكر فمتى أقام الدليل على انه
مسكر تم المطلوب
وكذلك لو تنازع اثنان في بعض انواع الاشربة هل هو
مسكر ام لا كما يسأل الناس كثيرا عن بعض الاشربة فلا يكون السائل ممن يعلم
انها تسكر او لا تسكر ولكن قد علم ان كل مسكر حرام فاذا ثبت عنده بخبر من
يصدقه او بغير من الادلة انه مسكر علم تحريمه وكذلك سائر ما يقع الشك في
الدراجه تحت قضية كلية من الانواع والاعيان مع العلم بحكم تلك القضية
كتنازع الناس في النرد والشطرنج هل هما من الميسر أم لا وتنازعهم في النبيذ
المتنازع فيه هل هو من الخمر ام لا وتنازعهم في الحلف بالنذر والطلاق
والعتاق هل هو داخل في قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم التحريم ام
لا وتنازعهم في قوله او يعفو الذي بيدة عقدة النكاح البقرة هل هو الزوج او
الولى المستقل وأمثال ذلك
وقد يحتاج الاستدلال الى مقدمتين لمن لم
يعلم ان النبيذ المسكر المتنازع فيه محرم ولم يعلم ان هذا المعين مسكر فهو
لا يعلم انه محرم حتى يعلم انه مسكر ويعلم ان كل مسكر حرام
وقد يعلم
ان هذا مسكر ويعلم ان كل مسكر خمر لكن لم يعلم ان النبي ص - حرم الخمر لقرب
عهده بالاسلام أو لنشأه بين جهال أو زنادقة يشكون في ذلك
أو يعلم ان
النبي ص - قال كل مسكر حرام او يعلم ان هذا خمر وان البي ص - حرم الخمر لكن
لم يعلم ان محمدا رسول الله او لم يعلم انه حرمها على جميع المؤمنين بل ظن
انه اباحها لبعض الناس وظن انه منهم كمن ظن انه اباح شربها للتداوي أوغير
ذلك فهذا لا يكفيه في العلم بتحريم هذا النبيذ المسكر تحريما عاما إلا ان
يعلم انه مسكر وأنه خمر وأن النبي ص - حرم الخمر او ان النبي ص - حرم كل
مسكر وانه رسول الله ص - حقا فما حرمه فقد حرمه الله وأنه حرمه تحريما عاما
لم يبحه للتداوي ولا للتلذذ
ومما يبين ان تخصيص الاستدلال بمقدمتين
باطل انهم قالوا في حد القياس الذي يشمل البرهانى والخطابي والجدلى والشعري
والسوفسطائي إنه قول مؤلف من أقوال او عبارة عما ألف من أقوال إذا سلمت
لزم عنها لذاتها قول آخر قالوا واحترزنا بقولنا من أقوال عن القضية الواحدة
التي تستلزم لذاتها صدق عكسها وعكس نقيضها وكذب نقيضها وليست قياسا قالوا
ولم نقل مؤلف من مقدمات لانا لا يمكننا تعريف المقدمة من حيث هي مقدمة إلا
بكونها جزء القياس فلو أخذناها في حد القياس كان دورا
والقضية الخبرية
إذا كانت جزء القياس سموها مقدمة وإن كانت مستفادة ب القياس سموها نتيجة
وإن كانت مجردة عن ذلك سموها قضية وتسمى
ايضا قضية مع تسميتها
نتيجة ومقدمة وهي الخبر وليست هي المبتدأ والخبر في اصطلاح النحاة بل أعم
منه فان المبتدأ والخبر لا يكون إلا جملة اسمية والقضية الخبرية قد تكون
اسمية وفعلية كما لو قيل في قوله يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم الفتح
وقوله لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق الفتح فان هذه جملة خبرية وليست
المبتدأ والخبر في اصطلاح النحاة
والمقصود هنا انهم ارادوا ب القول في
قولهم القياس قول مؤلف من اقوال القضية التي هي جملة تامة خبرية لم يريدوا
بذلك المفرد الذي هو الحد فان القياس مشتمل على ثلاثة حدود اصغر وأوسط
واكبر كما إذا قيل النبيذ المتنازع فيه مسكر وكل مسكر حرام ف النبيذ
والمسكر والحرام كل منها مفرد وهي الحدود في القياس فليس مرادهم ب القول
هذا بل مرادهم ان كل قضية قول كما فسروا مرادهم بذلك ولهذا قالوا قول مؤلف
من اقوال إذا سلمت لزم عنها قول آخر واللازم إنما هو النتيجة وهي قضية وخبر
وجملة تامة ليست مفردا ولذلك قالوا القياس قول فسموا مجموع القضيتين قولا
وإذا كانوا قد جعلوا القياس مؤلفا من أقوال وهي القضايا لم يجب ان يراد
بذلك قولان فقط لان لفظ الجمع إما ان يكون متناولا ل اثنين فصاعدا كقوله
فان كان له إخوة فلامه السدس النساء وإما ان يراد به الثلاثة فصاعدا وهو
الاصل عند الجمهور
ولكن قد يراد به جنس العدد فيتناول الاثنين فصاعدا
ولا يكون الجمع مختصا ب اثنين فاذا قالوا هو مؤلف من أقوال إن أرادوا جنس
العدد كان المعنى من اثنين فصاعدا فيجوز ان يكون مؤلفا من ثلاث مقدمات
واربع مقدمات فلا يختص بالاثنين وإن ارادوا الجمع الحقيقي لم يكن مؤلفا إلا
من ثلاثة
فصاعدا وهم قطعا ما ارادوا هذا لم يبق إلا الاول
فاذا قيل هم يلتزمون ذلك ويقولون نحن نقول اقل ما يكون القياس من مقدمتين
وقد يكون من مقدمات فيقال اولا هذا خلاف ما في كتبكم فانكم لا تلتزمون إلا
مقدمتين فقط وقد صرحوا أن القياس الموصل الى المطلوب سواء كان اقترانيا او
استثنائيا لا ينقص عن مقدمتين ولا يزيد عليهما
وعللوا ذلك بان المطلوب
المتحد لا يزيد على جزئين مبتدأ وخبر فان كان القياس اقترانيا فكل واحد من
جزئي المطلوب لا بد وان يناسب مقدمة منه أي يكون فيها إما مبتدأ وإما خبرا
ولا يكون هو نفس المقدمة قالوا وليس المطلوب اكثر من جزئين فلا يفتقر الى
اكثر من مقدمتين وإن كان القياس استثنائيا فلا بد فيه من مقدمة شرطية متصلة
او منفصلة تكون مناسبة لكل مطلوب او نقيضه ولا بد من مقدمة استثنائية فلا
حاجة الى ثالثة
قالوا لكن ربما أدرج في القياس قول زائد على مقدمتي
القياس إما غير متعلق بالقياس او متعلق به والمتعلق بالقياس إما لترويج
الكلام وتحسينه أو لبيان المقدمتين أو إحداهما ويسمون هذا القياس المركب
قالوا وحاصلة يرجع الى اقيسة متعددة سيقت لبيان مطلوب واحد إلا ان القياس
المبين للمطلوب بالذات منها ليس إلا واحدا والباقي لبيان مقدمات القياس
قالوا وربما حذوا بعض مقدمات القياس إما تعويلا على فهم الذههن لها او
لترويج المغلطة حتى لا يطلع على كذبها عند التصريح بها قالوا ثم إن كانت
الاقيسة لبيان المقدمات قد صرح فيها بنتائجها فيسمى القياس مفصولا وإلا ف
موصول
ومثلوا الموصول بقول القائل كل انسان حيوان وكل حيوان جسم وكل
جسم جوهر فكل إنسان جوهر
والمفصول بقولهم كل إنسان حيوان وكل حيوان
جسم فكل إنسان
والناس
تنازعوا في هذا الباب فقالت طائفة كأبي العباس الناشئ من شيوخ
تنازعوا في هذا الباب فقالت طائفة كأبي العباس الناشئ من شيوخ
المعتزلة
الذين كانوا اسبق من ابي علي هي حقيقة في الخالق مجاز في المخلوق
وقالت طائفة من الجهمية والباطنية والفلاسفة وبالعكس هي مجاز في الخالق
حقيقة في المخلوق
وقال جماهير الطوائف هي حقيقة فيهما وهذا قول طوائف
النظار من المعتزلة والاشعرية والكرامية والفقهاء واهل الحديث والصوفية وهو
قول الفلاسفة
لكن كثيرا من هؤلاء يتناقض فيقر في بعضها بانها حقيقة
كاسم الموجود والنفس والذات والحقيقة ونحو ذلك وينازع في بعضها لشبه نفاه
الجميع والقول فيما نفاه نظير القول فيما اثبته ولكن هو لقصوره فرق بين
المتماثلين ونفي الجميع يمتنع ان يكون موجودا
وقد علم ان الموجود
ينقسم الى واجب وممكن وقديم وحادث وغنى وفقير ومفعول وغير مفعول وأن وجود
الممكن يستلزم وجود الواجب ووجود المحدث يستلزم وجود القديم ووجود الفقير
يستلزم وجود الغنى ووجود المفعول يستلزم وجود غير المفعول وحينئذ فبين
الوجودين امر مشترك والواجب يختص بما يتميز به فكذلك القول في الجميع
والاسماء المشككة هو متواطئة باعتبار القدر بالمشترك ولهذا كان المتقدمون
من نظار الفلاسفة وغيرهم لا يخصون المشككة باسم بل لفظ المتواطئة يتناول
ذلك كله فالمشككة قسم من المتواطئة العامة وقسيم المتواطئة الخاصة
وإذا كان كذلك فلا بد في المشككة من إثبات قدر مشترك كلي وهو مسمى
المتواطئة العامة وذلك لا يكون مطلقا إلا في الذهن وهذا مدلول قياسهم
البرهاني
ولا بد من إثبات التفاضل وهو مدلول المشككة التي هي قسيم
المتواطئة الخاصة وذلك هو مدلول الاقيسة البرهانية القرانية وهي قياس
الاولى
ولا بد من إثبات خاصة الرب التي بها يتميز عما سواه وذلك مدلول
آياته سبحانه التي يستلزم ثبوتها ثبوت نفسه لا يدل على هذه قياس لا برهانى
ولا غير برهانى
فتبين بذلك ان قياسهم البرهاني لا يحصل المطلوب الذي
به تكمل النفس في معرفة الموجودات ومعرفة خالقها فضلا عن ان يقال لا تعلم
المطالب إلا به
وهذا باب واسع لكن المقصود في هذا المقام التنبيه على
بطلان قضيتهم السالبة وهي قولهم إن العلوم النظرية لا تحصل إلا بواسطة
برهانهم شناعة زعمهم أن علم الله أيضا يحصل بواسطة القياس
ثم
لم يكفهم هذا السلب العام الذي تحجروا فيه واسعا وقصروا العلوم على طريق
ضيقه لا تحصل إلا مطلوبا لا طائل فيه حتى زعموا ان علم الله وعلم انبيائه
وأوليائه إنما يحصل بواسطة القياس المشتمل على الحد الاوسط كما يذكر ذلك
ابن سينا وأتباعه
وهم في إثبات ذلك خير ممن نفى علمه وعلم انبيائه من
سلفهم الذين هم من اجهل الناس برب العالمين وبأنبيائه وبكتبه
فابن
سينا لما تميز عن أولئك بمزيد عقل وعلم سلك طريقهم المنطقي في تقرير ذلك
وصاروا سالكوا هذه الطريق وإن كانوا اعلم من سلفهم وأكمل فهم اضل من اليهود
والنصارى وأجهل إذ كان أولئك حصل لهم من الايمان ب واجب الوجود وصفاته ما
لم يحصل لهؤلاء الضلال لما في صدورهم من الكبر والخيال وهم من أتباع فرعون
وأمثاله ولهذا تجدهم لموسى ومن معه من أهل الملل والشرائع متنقصين او
معادين
لم يكفهم هذا السلب العام الذي تحجروا فيه واسعا وقصروا العلوم على طريق
ضيقه لا تحصل إلا مطلوبا لا طائل فيه حتى زعموا ان علم الله وعلم انبيائه
وأوليائه إنما يحصل بواسطة القياس المشتمل على الحد الاوسط كما يذكر ذلك
ابن سينا وأتباعه
وهم في إثبات ذلك خير ممن نفى علمه وعلم انبيائه من
سلفهم الذين هم من اجهل الناس برب العالمين وبأنبيائه وبكتبه
فابن
سينا لما تميز عن أولئك بمزيد عقل وعلم سلك طريقهم المنطقي في تقرير ذلك
وصاروا سالكوا هذه الطريق وإن كانوا اعلم من سلفهم وأكمل فهم اضل من اليهود
والنصارى وأجهل إذ كان أولئك حصل لهم من الايمان ب واجب الوجود وصفاته ما
لم يحصل لهؤلاء الضلال لما في صدورهم من الكبر والخيال وهم من أتباع فرعون
وأمثاله ولهذا تجدهم لموسى ومن معه من أهل الملل والشرائع متنقصين او
معادين
قال الله تعالى إن الذين يجادلون في آيت الله بغير سلطان أتهم
ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه المؤمن وقال الذين يجادلون في آيت الله
بغير سلطان أتهم كبر مقتا عند الله وعند الذين امنوا كذلك يطبع الله على
كل قلب متكبر جبار المؤمن وقال فلما جاءتهم رسلهم بالبينت فرحوا بما عندهم
من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون فلما راؤا باسنا قالوا امنا بالله
وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما راوا بأسنا سنت
الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون المؤمن
وقد بسط الكلام
على قول فرعون ومتابعة هؤلاء له والنمرود بن كنعان وأمثالهما من رؤوس
الكفر والضلال ومخالفتهم لموسى وإبراهيم وغيرهما من رسل الله صلوات الله
عليهم في مواضع
وقد جعل الله آل ابراهيم أئمة للمؤمنين أهل الجنة وآل
فرعون ائمة لاهل النار
وقال تعالى واستكبر هو وجنوده في الارض بغير
الحق وظنوا انهم إلينا لا يرجعون فاخذناه وجنوده فنبدناهم في اليم فانظر
كيف كان عاقبة الظلمين وجعلنهم ائمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا
ينصرون واتبعنهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ولقد
آتينا موسى الكتب من بعد ما اهلكنا القرون الاولى بصائر للناس وهدى ورحمة
لعلم يتذكرون الى قوله قال فأتوا بكتب من عند الله هو اهدى منهما اتبعة ان
كنتم صدقين القصص
وقال في آل ابراهيم وجعلنا منهم ائمة يهدون بأمرنا
لما صبروا وكانوا
بايتنا يوقنون السجدة
والمقصود ان متأخريهم
الذين هم اعلم منهم جعلوا علم الرب يحصل بواسطة القياس البرهاني وكذلك علم
انبيائه وقد سطنا الكلام في الرد عليهم في غير هذا الموضع
والمقصود
هنا التنبيه على فساد قولهم إنه لا يحصل العلم إلا بالبرهان الذي وصفوه
وإذا كان هذا السلب باطلا في حكم آحاد الناس كان بطلانه اولى في علم رب
العالمين سبحانه وتعالى ثم ملئكته وأنبيائه صلوات الله عليهم اجمعين فصل
اقوال المنطقيين في الدليل والقياس
وايضا فانهم قسموا جنس الدليل الى
القياس والاستقراء والتمثيل قالوا لان الاستدلال إما ان يكون ب الكلى على
الجزئي او ب الجزئي على الكلي او بأحد الجزئين على الاخر وربما عبروا عن
ذلك ب الخاص والعام فقالوا إما أن يستدل ب العام على الخاص أو ب الخاص على
العام أو بأحد الخاصين على الاخر
قالوا والاول هو القياس يعنون به
قياس الشمول فانهم يخصونه باسم القياس وكثير من أهل الاصول والكلام يخصون
باسم القياس التمثيل واما جمهور العقلاء فاسم القياس عندهم يتناول هذا وهذا
قالوا والاستدلال ب الجزئيات على الكلي هو الاستقراء فان كان تاما
فهو الاستقراء التام وهو يفيد اليقين وإن كان ناقصا لم يفد اليقين فالاول
هو استقراء جميع الجزئيات والحكم عليه بما وجد في جزئياته والثاني استقراء
أكثرها وقد يكذب كقول القائل الحيوان إذا أكل حرك فكه الاسفل
لأنا
استقريناها فوجدناها هكذا فيقال هل التمساح يحرك الاعلى
ثم قالوا
القياس ينقسم الى الاقتراني والاستثنائي ف الاستثنائي ما تكون النتيجة او
نقيضها مذكورة فيه بالفعل والاقترانى ما تكون فيه بالقوة كالمؤلف من
القضايا الحملية كقولنا كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام
والاستثنائي ما
يؤلف من الشرطيات وهو نوعان
احدهما متصلة كقولنا إن كانت الصلوة صحيحة
فالمصلى متطهر واستثناء عين المقدم ينتج عين التالى واستثناء نقيض التالى
ينتج نقيض المقدم
والثاني المنفصلة هي إما مانعة الجمع والخلو كقولنا
العدد إما زوج وإما فرد فان هذين لا يجتمعان ولا يخلو العدد عن أحدهما وإما
مانعة الجمع فقط كقولنا هذا إما ابيض وإما اسود أي لا يجتمع السواد
والبياض وقد يخلو المحل عنهما وإما مانعه الخلو فهى التي يمتنع فيها عدم
الجزئين جميعا ولا يمتنع اجتماعهما
وقد يقولون مانعة الجمع والخلو هي
الشرطية الحقيقية وهي مطابقة للنقيضين في العموم والخصوص ومانعة الجمع هي
أخص من النقيضين فان الضدين لا يجتمعان وقد يرتفعان وهما اخص من النقيضين
وأما مانعة الخلو فانها أعم من النقيضين وقد يصعب عليهم تمثيل ذلك بخلاف
النوعين الاولين فان أمثالهما كثيرة ويمثلونه بقول القائل هذا راكب البحر
أو لا يغرق فيه أي لا يخلو منهما فانه لا يغرق إلا إذا كان في البحر فاما
أن لا يغرق فيه وحينئذ لا يكون راكبه وإما أن يكون راكبه وقد يجتمع ان يركب
ويغرق
والامثال كثيرة كقولنا هذا حي او ليس بعالم أو قادر او سميع او
بصير او متكلم فانه إن وجدت الحيوة فهو احد القسمين وإن عدمت عدمت
هذه الصفات وقد يكون حيا من لا يوصف بذلك وكذلك إذا قيل هذا متطهر او ليس
بمصل فانه إن عدمت الصلوة عدمت الطهارة وإن وجدت الطهارة فهو القسم الاخر
فلا يخلو الامر منهما
وكذلك كل عدم شرط ووجود مشروطه فانه إذا ردد
الامر بين وجود المشروط وعدم الشرط كان ذلك مانعا من الخلو فانه لا يخلو
الامر من وجود الشرط وعدمه وإذا عدم عدم الشرط فصار الامر لا يخلو من وجود
المشروط وعدم الشرط
ثم قسموا الاقترانى الى الاشكال الأربعة لكون الحد
الاوسط إما محمولا في الاولى موضوعا في الصغرى وهو الشكل الطبيعي وهو ينتج
المطالب الاربعة الجزئي والكلى والايجابي والسلبي وإما ان يكون الاوسط
محمولا فيهما وهو الثاني ولا ينتج إلا السلب وإما ان يكون موضوعا فيهما ولا
ينتج إلا الجزئيات والرابع ينتج الجزئيات والسلب الكلى لكنه بعيد عن الطبع
ثم إذا ارادوا بيان إنتاج الثاني والثالث وغير ذلك من المطالب
احتاجوا الى الاستدلال ب النقيض والعكس وعكس النقيض فانه يلزم من صدق
القضية كذب نقيضها وصدق عكسها المستوى وعكس نقيضها فاذا صدق قولنا ليس احد
من الحجاج بكافر صح قولنا ليس احد من الكفار حاجا وإذا صح قولنا كل حاج
مسلم صح قولنا بعض المسلمين حاج وقولنا من ليس بمسلم فليس بحاج رد
المصنف أقوالهم في الدليل والقياس
فنقول هذا الذي قالوه إما أن يكون
باطلا وإما أن يكون تطويلا يبعد
باطلا وإما أن يكون تطويلا يبعد
الطريق على الطالب المستدل فلا يخلو عن
خطأ يصد عن الحق او طريق طويل يتعب صاحبه حتى يصل الى الحق مع إمكان وصوله
بطريق قريب كما كان يمثله بعض سلفنا بمنزلة من قيل له أين أذنك فرفع يده
فوق رأسه رفعا شديدا ثم أدارها إلى أذنه اليسرى وقد كان يمكنه الاشارة الى
اليمنى او اليسرى من طريق مستقيم وما أشبه هؤلاء بقول القائل ... اقام يعمل
أياما رويته ... وشبه الماء بعد الجهد بالماء ...
وبقول الاخر ...
وإنى وإنى ثم إنى وإننى ... إذا انقطعت نعلى جعلت لها شسعا ...
وما
أحسن ما وصف الله به كتابه بقوله ان هذا القرآن يهدى للتي هي اقوم الاسراء
فأقوم الطرق الى أشرف المطالب ما بعث الله به رسوله وأما طريق هؤلاء فهى مع
ضلالهم في البعض وأعوجاج طريقهم وطولها في البعض الاخرى إنما يوصلهم الى
امر لا ينجى من عذاب الله فضلا عن ان يوجب لهم السعادة فضلا عن حصول الكمال
للأنفس البشرية بطريقهم بطلان حصر الادلة في القياس والاستقراء
والتمثيل
بيان ذلك ان ما ذكروه من حصر الدليل في القياس والاستقراء
والتمثيل حصر لا دليل عليه بل هو باطل وقولهم أيضا إن العلم المطلوب لا
يحصل إلا بمقدمتين لا يزيد ولا ينقص قول لا دليل عليه بل هو باطل
واستدلالهم على الحصر بقولهم إما ان يستدل بالكلى على الجزئي او بالحزئي
على الكلى او بأحد الجزئين على الاخر والاول هو القياس والثاني هو
الاستقراء والثالث هو التمثيل
يقال لم تقيموا دليلا على انحصار
الاستدلال في هذه الثلاثة فانكم إذا عنيتم
والتمثيل حصر لا دليل عليه بل هو باطل وقولهم أيضا إن العلم المطلوب لا
يحصل إلا بمقدمتين لا يزيد ولا ينقص قول لا دليل عليه بل هو باطل
واستدلالهم على الحصر بقولهم إما ان يستدل بالكلى على الجزئي او بالحزئي
على الكلى او بأحد الجزئين على الاخر والاول هو القياس والثاني هو
الاستقراء والثالث هو التمثيل
يقال لم تقيموا دليلا على انحصار
الاستدلال في هذه الثلاثة فانكم إذا عنيتم
بالاستدلال بجزئي على جزئي
قياس التمثيل لم يكن ما ذكرتموه حاصرا وقد بقى الاستدلال بالكلى على الكلي
الملازم له وهو المطابق له في العموم والخصوص وكذلك الاستدلال بالجزئي
الملازم له بحيث يلزم من وجود احدهما وجود الاخر ومن عدمه عدمه فان هذا ليس
مما سميتموه قياسا ولا استقراء ولا تمثيلا وهذه هي الايات الاستدلال
بالكلى على الكلى وبالجزئي على الجزئي الملازم له
وهذا كالاستدلال
بطوع الشمس على النهار وبالنهار على طلوع الشمس فليس هذا استدلالا بكلى على
جزئي بل الاستدلال بطوع معين على نهار معين استدلالا بجزئي على جزئي وبجنس
النهار على جنس الطلوع استدلالا بكلى على كلى
وكذلك الاستدلال
بالكواكب على جهة الكعبة استدلالا بجزئي على جزئي كالاستدلال ب الجدي وبنات
نعش والكوكب الصغير القريب من القطب الذي يسميه بعض الناس القطب كما يسمى
بعض الناس الجدي القطب وإن كان القطب في الحقيقة جزءا من الفلك قريبا من
ذلك الكوكب الصغير
وكذلك الاستدلال بظهور كوكب على ظهور نظيره في
العرض والاستدلال
بطوع الشمس على النهار وبالنهار على طلوع الشمس فليس هذا استدلالا بكلى على
جزئي بل الاستدلال بطوع معين على نهار معين استدلالا بجزئي على جزئي وبجنس
النهار على جنس الطلوع استدلالا بكلى على كلى
وكذلك الاستدلال
بالكواكب على جهة الكعبة استدلالا بجزئي على جزئي كالاستدلال ب الجدي وبنات
نعش والكوكب الصغير القريب من القطب الذي يسميه بعض الناس القطب كما يسمى
بعض الناس الجدي القطب وإن كان القطب في الحقيقة جزءا من الفلك قريبا من
ذلك الكوكب الصغير
وكذلك الاستدلال بظهور كوكب على ظهور نظيره في
العرض والاستدلال
بطلوعه على غروب آخر وتوسط آخر ونحو ذلك من الادلة
التي اتفق عليها الناس قال تعالى وبالنجم هم يهتدون
والاستدلال على
المواقيت والامكنة بالامكنة امر اتفق عليه العرب والعجم وأهل الملل
والفلاسفة فاذا استدل بظهور الثريا على ظهور ما قرب منها مشرقا ومغربا
ويمينا وشمالا من الكواكب كان استدلالا بجزئي على جزئي لتلازمهما وليس ذلك
من قياس التمثيل وإن قضى به قضاء كليا كان استدلالا بكلى على كلى وليس
استدلالا بكلى على جزئي بل بأحد الكليين المتلازمين على الاخر
ومن عرف
مقدار ابعاد الكواكب بعضها من بعض وعلم ما يقارن منها طلوع الفجر استدل
بما رآه منها على مقدار ما مضى من الليل وما بقى منه وهو استدلال بأحد
المتلازمين على الاخر ومن علم الجبال والانهار والرياح استدل بها على ما
يلازمها من الامكنة
ثم اللزوم إن كان دائما لا يعرف له ابتداء بل هو
منذ خلق الله الارض كوجود الجبال والانهار العظيمة النيل والفرات وسيحان
وجيحان والبحر كان الاستدلال مطردا
وإن كان اللزوم أقل من ذلك مدة مثل
الكعبة شرفها الله فان الخليل بناها ولم تزل معظمة لم يعل عليها جبار قط
استدل بها بحسب ذلك فيستدل بها وعليها فان أركان الكعبة مقابلة لجهات الارض
الاربعة الحجر الاسود يقابل المشرق والغربي الذي يقابله ويقال له الشامي
يقابل المغرب واليماني يقابل الجنوب وما يقابله يقال له العراقى إذا قيل
الذي من ناحية الحجر الشامي وإن قيل لذاك الشامي قيل لهذا العراقى فهذا
الشامي العراقي
يقابل الشمال وهو يقابل القطب وحينئذ فيستدل بها
على الجهات ويستدل بالجهات عليها
وما كان مدته اقصر من مدة الكعبة
كالابنية التي في الامصار والاشجار كان الاستدلال بها بحسب ذلك فيقال علامة
الدار الفلانية ان على بابها شجرة من صفتها كذا وكذا وهما متلازمان مدة من
الزمان
فهذا وأمثاله استدلال بأحد المتلازمين على الاخر وكلاهما معين
جزئي وليس هو من قياس التمثيل حد الدليل عند النظار
ولهذا
عدل نظار المسلمين عن طريقهم فقالوا الدليل هو المرشد الى المطلوب وهو
الموصل الى المقصود وهو ما يكون العلم به مستلزما للعلم بالمطلوب
أو
ما يكون النظر الصحيح فيه موصلا الى المطلوب وهو ما يكون النظر الصحيح فيه
موصلا الى علم او الى اعتقاد راجح
ولهم نزاع اصطلاحي هل يسمى هذا
الثاني دليلا او يخص باسم الامارة والجمهور يسمون الجميع دليلا ومن اهل
الكلام من لا يسمى ب الدليل الا الاول
ثم الضابط في الدليل ان يكون
مسستلزما للمدلول فكل ما كان مستلزما لغيره امكن ان يستدل به عليه ان كان
التلازم من الطرفين امكن ان يستدل بكل منهما على الاخر فيستدل المستدل مما
علمه منهما على الاخر الذي لم يعلمه
ثم ان كان اللزوم قطعيا كان
الدليل قطعيا وان كان ظاهرا وقد يتخلف كان الدليل ظنيا
فالاول كدلالة
المخلوقات على خالقها سبحانه وتعالى وعلمه وقدرته ومشيئته ورحمته وحكمته
فان وجودها مستلزم لوجود ذلك ووجودها بدون ذلك ممتنع فلا توجد الا دالة على
ذلك
ومثل دلالة خبر الرسول على ثبوت ما اخبر به عن الله فانه لا يقول
عليه الا
عدل نظار المسلمين عن طريقهم فقالوا الدليل هو المرشد الى المطلوب وهو
الموصل الى المقصود وهو ما يكون العلم به مستلزما للعلم بالمطلوب
أو
ما يكون النظر الصحيح فيه موصلا الى المطلوب وهو ما يكون النظر الصحيح فيه
موصلا الى علم او الى اعتقاد راجح
ولهم نزاع اصطلاحي هل يسمى هذا
الثاني دليلا او يخص باسم الامارة والجمهور يسمون الجميع دليلا ومن اهل
الكلام من لا يسمى ب الدليل الا الاول
ثم الضابط في الدليل ان يكون
مسستلزما للمدلول فكل ما كان مستلزما لغيره امكن ان يستدل به عليه ان كان
التلازم من الطرفين امكن ان يستدل بكل منهما على الاخر فيستدل المستدل مما
علمه منهما على الاخر الذي لم يعلمه
ثم ان كان اللزوم قطعيا كان
الدليل قطعيا وان كان ظاهرا وقد يتخلف كان الدليل ظنيا
فالاول كدلالة
المخلوقات على خالقها سبحانه وتعالى وعلمه وقدرته ومشيئته ورحمته وحكمته
فان وجودها مستلزم لوجود ذلك ووجودها بدون ذلك ممتنع فلا توجد الا دالة على
ذلك
ومثل دلالة خبر الرسول على ثبوت ما اخبر به عن الله فانه لا يقول
عليه الا
الحق اذ كان معصوما في خبره عن الله لا يستقر في خبره عنه
خطأ البتة
فهذا دليل مستلزم لمدلوله لزوما واجبا لا ينفك عنه بحال
وسواء كان الملزوم المستدل به وجودا او عدما فقد يكون الدليل وجودا وعدما
ويستدل بكل منهما على وجود وعدم فانه يستدل بثبوت الشيء على انتفاء نقيضه
وضده ويستدل بأنتقاء نقيضه على ثبوته ويستدل بثبوت الملزوم على ثبوت اللازم
وبانتقاء اللازم على انتقاء الملزوم بل كل دليل يستدل به فانه ملزوم
لمدلولة وقد دخل في هذا كل ما ذكروه وما لم يذكروه
فان ما يسمونه
الشرطي المتصل مضمونه الاستدلال بثبوت الملزوم على ثبوت اللازم وبانتفاء
اللازم على انتفاء الملزوم سواء عبر عن هذا المعنى بصيغة الشرط او بصيغة
الجزم واختلاف صيغ الدليل مع اتحاد معناه لا يغير حقيقية والكلام إنما هو
في المعاني لا في الالفاظ
فاذا قال القائل إن كانت الصلوة صحيحة
فالمصلى متطهر وإن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود وإن كان الفاعل عالما
قادرا فهو حي ونحو ذلك فهذا معنى قوله صحة الصلوة تستلزم صحة الطهارة وقوله
يلزم من صحة الصلوه صحة ثبوت الطهارة وقوله لا يكون مصليا إلا مع الطهارة
وقوله الطهارة شرط في صحة الصلوة وإذا عدم الشرط عدم المشروط وقوله كل مصل
متطهر فمن ليس بمتطهر فليس بمصل وأمثال ذلك من انواع التأليف للالفاظ
والمعاني التي يتضمن هذا الاستدلال من غير حصر الناس في عبارة واحدة
أستطرد
وإذا اتسعت العقول وتصوراتها اتسعت عباراتها وإذا ضاقت العقول
والتصورات بقى صاحبها كانه محبوس العقل واللسان كما يصيب اهل المنطق
اليوناني تجدهم من أضيق الناس علما وبيانا وأعجزهم تصورا وتعبيرا
ولهذا من كان منهم ذكيا إذا تصرف في العلوم وسلك مسلك اهل المنطق طول وضيق
وتكلف وتعسف وغايته بيان البين وايضاح الواضح من العي وقد يوقعه ذلك في
انواع من السفسطة التي عافى الله منها من لم يسلك طريقهم
مثل ما ذكروه
عن يعقوب بن إسحاق الكندي الفيلسوف انه قال في بعض مناظراته هذا من باب
فقد عدم الوجود ومثل هذه العبارات الطويلة الركيكة كثير في كلامهم حتى في
كلام افضل متأخريهم مع انه افضلهم واحسنهم بيانا
وكذلك تكلفاتهم في
حدودهم مثل حدهم ل الانسان والشمس بانها كوكب يطلع نهارا وهل من يحد الشمس
مثل هذا الحد ونحوه إلا من هو من أجهل الناس وهل عند الناس شئ أظهر من
الشمس حتى يحد الشمس به ومن لم يعرف الشمس فاما ان يجهل اللفظ فيترجم له
وليس هذا من الحد الذي ذكروه وإما أن لا يكون رآها لعماه فهذا لا يرى
النهار ولا الكواكب بطرق الاولى مع أنه لا بد ان يسمع من الناس ما يعرف ذلك
دون طريقهم
عود الى اصل الموضوع
وهم معترفون بان الشكل الاول من
الحمليات يغنى عن جميع صور القياس وتصويره نطرى لا يحتاح احد الى تعلمه
منهم مع ان الاستدلال لا يحتاج الى تصوره على الوجه الذي يزعمونه فصل
إبطال قولهم إن الاستدلال لا بد فيه من مقدمتين
وأما قولهم إن
الاستدلال لا بد فيه من مقدمتين بلا زيادة ولا نقصان
فان كان الدليل
مقدمة واحدة قالوا الاخرى محذوفة وسموه هو قياس الضمير وإن كان مقدمات
قالوا هي اقيسة مركبة ليس هو قياسا واحدا فهذا قول باطل طردا وعكسا
وذلك ان احتياج المستدل الى المقدمات مما يختلف فيه حال الناس فمن الناس من
لا يحتاج إلا الى مقدمة واحدة لعلمه مما سوى ذلك كما أن منهم من لا يحتاج
في علمه بذلك إلى الاستدلال بل قد يعلمة بالضرورة ومنهم من يحتاج الى
مقدمتين ومنهم من يحتاج الى ثلاث ومنهم من يحتاج الى اربع واكثر
فمن
أراد ان يعرف ان هذا المسكر المعين محرم فان كان يعرف أن كل مسكر محرم ولكن
لا يعرف هل هذا المعين مسكر ام لا لم يحتج إلا الى مقدمة واحدة وهو ان
يعمل ان هذا مسكر فاذا قيل له هذا حرام فقال ما الدليل عليه فقال المستدل
الدليل على ذلك انه مسكر فقال لا نسلم انه مسكر فمتى أقام الدليل على انه
مسكر تم المطلوب
وكذلك لو تنازع اثنان في بعض انواع الاشربة هل هو
مسكر ام لا كما يسأل الناس كثيرا عن بعض الاشربة فلا يكون السائل ممن يعلم
انها تسكر او لا تسكر ولكن قد علم ان كل مسكر حرام فاذا ثبت عنده بخبر من
يصدقه او بغير من الادلة انه مسكر علم تحريمه وكذلك سائر ما يقع الشك في
الدراجه تحت قضية كلية من الانواع والاعيان مع العلم بحكم تلك القضية
كتنازع الناس في النرد والشطرنج هل هما من الميسر أم لا وتنازعهم في النبيذ
المتنازع فيه هل هو من الخمر ام لا وتنازعهم في الحلف بالنذر والطلاق
والعتاق هل هو داخل في قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم التحريم ام
لا وتنازعهم في قوله او يعفو الذي بيدة عقدة النكاح البقرة هل هو الزوج او
الولى المستقل وأمثال ذلك
وقد يحتاج الاستدلال الى مقدمتين لمن لم
يعلم ان النبيذ المسكر المتنازع فيه محرم ولم يعلم ان هذا المعين مسكر فهو
لا يعلم انه محرم حتى يعلم انه مسكر ويعلم ان كل مسكر حرام
وقد يعلم
ان هذا مسكر ويعلم ان كل مسكر خمر لكن لم يعلم ان النبي ص - حرم الخمر لقرب
عهده بالاسلام أو لنشأه بين جهال أو زنادقة يشكون في ذلك
أو يعلم ان
النبي ص - قال كل مسكر حرام او يعلم ان هذا خمر وان البي ص - حرم الخمر لكن
لم يعلم ان محمدا رسول الله او لم يعلم انه حرمها على جميع المؤمنين بل ظن
انه اباحها لبعض الناس وظن انه منهم كمن ظن انه اباح شربها للتداوي أوغير
ذلك فهذا لا يكفيه في العلم بتحريم هذا النبيذ المسكر تحريما عاما إلا ان
يعلم انه مسكر وأنه خمر وأن النبي ص - حرم الخمر او ان النبي ص - حرم كل
مسكر وانه رسول الله ص - حقا فما حرمه فقد حرمه الله وأنه حرمه تحريما عاما
لم يبحه للتداوي ولا للتلذذ
ومما يبين ان تخصيص الاستدلال بمقدمتين
باطل انهم قالوا في حد القياس الذي يشمل البرهانى والخطابي والجدلى والشعري
والسوفسطائي إنه قول مؤلف من أقوال او عبارة عما ألف من أقوال إذا سلمت
لزم عنها لذاتها قول آخر قالوا واحترزنا بقولنا من أقوال عن القضية الواحدة
التي تستلزم لذاتها صدق عكسها وعكس نقيضها وكذب نقيضها وليست قياسا قالوا
ولم نقل مؤلف من مقدمات لانا لا يمكننا تعريف المقدمة من حيث هي مقدمة إلا
بكونها جزء القياس فلو أخذناها في حد القياس كان دورا
والقضية الخبرية
إذا كانت جزء القياس سموها مقدمة وإن كانت مستفادة ب القياس سموها نتيجة
وإن كانت مجردة عن ذلك سموها قضية وتسمى
ايضا قضية مع تسميتها
نتيجة ومقدمة وهي الخبر وليست هي المبتدأ والخبر في اصطلاح النحاة بل أعم
منه فان المبتدأ والخبر لا يكون إلا جملة اسمية والقضية الخبرية قد تكون
اسمية وفعلية كما لو قيل في قوله يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم الفتح
وقوله لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق الفتح فان هذه جملة خبرية وليست
المبتدأ والخبر في اصطلاح النحاة
والمقصود هنا انهم ارادوا ب القول في
قولهم القياس قول مؤلف من اقوال القضية التي هي جملة تامة خبرية لم يريدوا
بذلك المفرد الذي هو الحد فان القياس مشتمل على ثلاثة حدود اصغر وأوسط
واكبر كما إذا قيل النبيذ المتنازع فيه مسكر وكل مسكر حرام ف النبيذ
والمسكر والحرام كل منها مفرد وهي الحدود في القياس فليس مرادهم ب القول
هذا بل مرادهم ان كل قضية قول كما فسروا مرادهم بذلك ولهذا قالوا قول مؤلف
من اقوال إذا سلمت لزم عنها قول آخر واللازم إنما هو النتيجة وهي قضية وخبر
وجملة تامة ليست مفردا ولذلك قالوا القياس قول فسموا مجموع القضيتين قولا
وإذا كانوا قد جعلوا القياس مؤلفا من أقوال وهي القضايا لم يجب ان يراد
بذلك قولان فقط لان لفظ الجمع إما ان يكون متناولا ل اثنين فصاعدا كقوله
فان كان له إخوة فلامه السدس النساء وإما ان يراد به الثلاثة فصاعدا وهو
الاصل عند الجمهور
ولكن قد يراد به جنس العدد فيتناول الاثنين فصاعدا
ولا يكون الجمع مختصا ب اثنين فاذا قالوا هو مؤلف من أقوال إن أرادوا جنس
العدد كان المعنى من اثنين فصاعدا فيجوز ان يكون مؤلفا من ثلاث مقدمات
واربع مقدمات فلا يختص بالاثنين وإن ارادوا الجمع الحقيقي لم يكن مؤلفا إلا
من ثلاثة
فصاعدا وهم قطعا ما ارادوا هذا لم يبق إلا الاول
فاذا قيل هم يلتزمون ذلك ويقولون نحن نقول اقل ما يكون القياس من مقدمتين
وقد يكون من مقدمات فيقال اولا هذا خلاف ما في كتبكم فانكم لا تلتزمون إلا
مقدمتين فقط وقد صرحوا أن القياس الموصل الى المطلوب سواء كان اقترانيا او
استثنائيا لا ينقص عن مقدمتين ولا يزيد عليهما
وعللوا ذلك بان المطلوب
المتحد لا يزيد على جزئين مبتدأ وخبر فان كان القياس اقترانيا فكل واحد من
جزئي المطلوب لا بد وان يناسب مقدمة منه أي يكون فيها إما مبتدأ وإما خبرا
ولا يكون هو نفس المقدمة قالوا وليس المطلوب اكثر من جزئين فلا يفتقر الى
اكثر من مقدمتين وإن كان القياس استثنائيا فلا بد فيه من مقدمة شرطية متصلة
او منفصلة تكون مناسبة لكل مطلوب او نقيضه ولا بد من مقدمة استثنائية فلا
حاجة الى ثالثة
قالوا لكن ربما أدرج في القياس قول زائد على مقدمتي
القياس إما غير متعلق بالقياس او متعلق به والمتعلق بالقياس إما لترويج
الكلام وتحسينه أو لبيان المقدمتين أو إحداهما ويسمون هذا القياس المركب
قالوا وحاصلة يرجع الى اقيسة متعددة سيقت لبيان مطلوب واحد إلا ان القياس
المبين للمطلوب بالذات منها ليس إلا واحدا والباقي لبيان مقدمات القياس
قالوا وربما حذوا بعض مقدمات القياس إما تعويلا على فهم الذههن لها او
لترويج المغلطة حتى لا يطلع على كذبها عند التصريح بها قالوا ثم إن كانت
الاقيسة لبيان المقدمات قد صرح فيها بنتائجها فيسمى القياس مفصولا وإلا ف
موصول
ومثلوا الموصول بقول القائل كل انسان حيوان وكل حيوان جسم وكل
جسم جوهر فكل إنسان جوهر
والمفصول بقولهم كل إنسان حيوان وكل حيوان
جسم فكل إنسان
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى