رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
المسألة الأولى وهي هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أملا قال
ابن عبد البر ثبت عن النبي أنه قال : ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان
يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام
فهذا نص في أنه بعينه ويرد عليه السلام
وفي الصحيحين عنه من وجوه متعددة أنه أمر بقتلى بدر فألقوا في قليب ثم جاء
حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل
وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربى حقا فقال له عمر يا رسول
الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا فقال والذي بعثنى بالحق ما أنتم بأسمع
لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون جوابا
وثبت عنه صلى الله وآله وسلم أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا
انصرفوا عنه
وقد شرع النبي لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من
يخاطبونه فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل
ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد
والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي
له ويستبشر به
قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبى الدنيا في كتاب القبور باب
معرفة الموتى بزيارة الأحياء
حدثنا محمد بن عون حدثنا يحيى بن يمان عن عبد الله بن سمعان عن زيد بن
أسلم عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت قال رسول الله ما من رجل يزور قبر
أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم
حدثنا محمد بن قدامة الجوهرى حدثنا معن بن عيسى القزاز أخبرنا هشام بن سعد
حدثنا زيد بن أسلم عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال إذا مر الرجل بقبر
أخيه يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم
عليه رد عليه السلام
حدثنا محمد بن الحسين حدثنى يحيى بن بسطام الأصغر حدثنى مسمع حدثنى رجل من
آل عاصم الجحدرى قال رأيت عاصما الجحدرى في منامى بعد موته بسنتين فقلت
أليس
قدمت قال بلى قلت فأين أنت قال أنا والله في روضة من رياض الجنة
أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله
المزنى فنتلقى أخباركم قال قلت أجسادكم أم أرواحكم قال هيهات بليت الاجسام
وإنما تتلاقى الارواح قال قلت فهل تعلمون بزيارتنا إياكم قال نعم نعلم بها
عشية الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس قال قلت فكيف ذلك دون الأيام
كلها قال لفضل يوم الجمعة وعظمته
وحدثنا محمد بن الحسين حدثنى بكر بن محمد حدثنا حسن القصاب قال كنت أغدو
مع محمد بن واسع في كل غداة سبت حتى نأتى الجبان فنقف على القبور فنسلم
عليهم وندعو لهم ثم ننصرف فقلت ذات يوم لو صيرت هذا اليوم يوم الاثنين قال
بلغنى أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبلها ويوما بعدها
حدثني محمد حدثنا عبد العزيز بن ابان قال حدثنا سفيان الثورى قال بلغنى عن
الضحاك أنه قال من زار قبرا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته
فقيل له وكيف ذلك قال لمكان يوم الجمعة
حدثنا خالد بن خداش حدثنا جعفر بن سليمان عن أبى التياح قال كان مطرف يغدو
فإذا كان يوم الجمعة أدلج قال وسمعت أبا التياح يقول بلغنا انه كان ينور
له في سوطه فأقبل ليلة حتى إذا كان عند مقابر القوم وهو على فرسه فرأى أهل
القبور كل صاحب قبر جالسا على قبره فقالوا هذا مطرف يأتى الجمعة قلت
وتعلمون عندكم يوم الجمعة قالوا نعم ونعلم ما يقول فيه الطير قلت وما
يقولون قالوا يقولون سلام سلام
حدثني محمد بن الحسين حدثنى يحيى بن أبى بكير حدثنى الفضل بن موفق ابن خال
سفيان بن عيينة قال لما مات أبى جزعت عليه جزعا شديدا فكنت آتى قبره في كل
يوم ثم قصرت عن ذلك ما شاء الله ثم انى اتيته يوما فبينا أنا جالس عند
القبر غلبتنى عيناى فنمت فرأيت كأن قبر ابى قد انفرج وكأنه قاعد في قبره
متوحشا أكفانه عليه سحنة الموتى قال فكأني بكيت لما رأيته قال يا بنى ما
أبطأ بك عني قلت وإنك لتعلم بمجيئي قال ما جئت مرة إلا علمتها وقد كنت
تأتينى فآنس بك وأسر بك ويسر من حولى بدعائك قال فكنت آتية بعد ذلك كثيرا
حدثني محمد حدثني يحيى بن بسطام حدثنى عثمان بن سودة الطفاوى قال وكانت
أمه من العابدات وكان يقال لها راهبة قال لما احتضرت رفعت رأسها إلى
السماء فقالت يا ذخرى
وذخيرتى ومن عليه اعتمادى في حياتى وبعد موتى لا تخذلنى عند
الموت ولا توحشنى في قبرى قال فماتت فكنت آتيها في كل جمعة فأدعو لها
وأستغفر لها ولأهل القبور فرأيتها ذات يوم في منامى فقلت لها يا أمه كيف
أنت قالت أى بنى ان للموت لكربة شديدة وإنى بحمد الله لفي برزخ محمود
نفترش فيه الريحان ونتوسد فيه السندس والاستبرق إلى يوم النشور فقلت لها
ألك حاجة قالت نعم قلت وما هى قالت لا تدع ما كنت تصنع من زيارتنا والدعاء
لنا فإنى لأبشر بمجيئك يوم الجمعة إذا أقبلت من أهلك يقال لي يا راهبة هذا
ابنك قد أقبل فأسر ويسر بذلك من حولى من الأموات
حدثنى محمد بن عبد العزيز بن سليمان حدثنا بشر بن منصور قال لما كان زمن
الطاعون كان رجل يختلف إلى الجبان فيشهد الصلاة على الجنائز فإذا أمسى وقف
على باب المقابر فقال آنس الله وحشتكم ورحم غربتكم وتجاوز عن مسيئكم وقبل
حسناتكم لا يزيد على هؤلاء الكلمات قال فأمسيت ذات ليلة وانصرفت إلى أهلى
ولم آت المقابر فأدعو كما كنت أدعو قال فبينا أنا نائم إذا بخلق كثير قد
جاءونى فقلت ما أنتم وما حاجتكم قالوا نحن أهل المقابر قلت ما حاجتكم
قالوا إنك عودتنا منك هدية عند انصرافك إلى أهلك فقلت وما هى قالوا
الدعوات التي كنت تدعو بها قال قلت فإنى أعود لذلك قال فما تركتها بعد
حدثنى محمد حدثنى أحمد بن سهل حدثنى رشد بن سعد عن رجل عن يزيد بن أبى
حبيب ان سليم بن عمير مر على مقبرة وهو حاقن قد غلبه البول فقال له بعض
أصحابه لو نزلت إلى هذه المقابر فبلت في بعض حفرها فبكى ثم قال سبحان الله
والله إنى لأستحي من الأموات كما استحي من الأحياء ولولا أن الميت يشعر
بذلك لما استحيا منه
وأبلغ من ذلك أن الميت يعلم بعمل الحى من أقاربه وإخوانه قال عبد الله بن
المبارك حدثنى ثور بن يزيد عن ابراهيم عن أبى أيوب قال تعرض أعمال الأحياء
على الموتى فإذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا وإن رأوا سوءا قالوا اللهم
راجع به وذكر ابن أبى الدنيا عن أحمد بن أبى الحوارى قال حدثنى محمد أخى
قال دخل عباد بن عباد على ابراهيم بن صالح وهو على فلسطين فقال عظنى قال
بم أعظك أصلحك الله بلغنى أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم الموتى فانظر
ما يعرض على رسول الله من عملك فبكى ابراهيم حتى اخضلت لحيته
قال ابن أبى الدنيا وحدثنى محمد بن الحسين حدثنى خالد بن عمرو الأموى
حدثنا صدقة بن سليمان الجعفرى قال كانت لى شرة سمجة فمات أبى فأنبت وندمت
على ما فرطت قال ثم زللت أيمازلة فرأيت أبى في المنام فقال أى بنى ما كان
أشد فرحى بك أعمالك تعرض علينا فنشبهها
بأعمال الصالحين فلما كانت هذه المرأة استحييت لذلك حياء شديدا
فلا تخزنى فيمن حولى من الاموات قال فكنت أسمعه بعد ذلك يقول في دعائه في
السحر وكان جارا لي بالكوفة أسألك إنابة لا رجعة فيها ولا حور يا مصلح
الصالحين ويا هادى المضلين ويا أرحم الراحمين
وهذا باب في آثار كثيرة عن الصحابة وكان بعض الأنصار من أقارب عبد الله بن
رواحة يقول اللهم إنى أعوذ بك من عمل أخزى به عند عبد الله بن رواحة كان
يقول ذلك بعد أن استشهد عبد الله
ويكفي في هذا تسمية المسلم عليهم زائرا ولولا أنهم يشعرون به لما صح
تسميته زائرا فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره لم يصح أن يقال زاره
هذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم وكذلك السلام عليهم أيضا فإن
السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال وقد علم النبي أمته إذا
زاروا القبور أن يقولوا سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا
إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل
الله لنا ولكم العافية
وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويردو إن لم يسمع
المسلم الرد وإذا صلى الرجل قريبا منهم شاهدوه وعلموا صلاته وغبطوه على
ذلك
قال يزيد بن هارون أخبرنا سليمان التيمى عن أبى عثمان النهدى أن ابن ساس
خرج في جنازة في يوم وعليه ثياب خفاف فانتهى إلى قبر قال فصليت ركعتين ثم
اتكأت عليه فوالله إن قلبى ليقظان إذ سمعت صوتا من القبر إليك عنى لا
تؤذنى فإنكم قوم تعملون ولا تعلمون ونحن قوم نعلم ولا نعمل ولأن يكون لى
مثل ركعتيك أحب إلى من كذا وكذا فهذا قد علم باتكاء الرجل على القبر
وبصلاته
وقال ابن أبى الدنيا حدثنى الحسين بن على العجلى حدثنا محمد بن الصلت
حدثنا اسماعيل ابن عياش عن ثابت بن سليم حدثنا أبو قلابة قال أقبلت من
الشام إلى البصرة فنزلت منزلا فتطهرت وصليت ركعتين بليل ثم وضعت رأسى على
قبر فنمت ثم انتبهت فإذا صاحب القبر يشتكينى يقول قد آذيتني منذ الليلة ثم
قال إنكم تعملون ولا تعلمون ونحن نعلم ولا نقدر على العمل ثم قال الركعتان
اللتان ركعتهما خير من الدنيا وما فيها ثم قال جزى الله أهل الدنيا خيرا
أقرئهم منا السلام فإنه يدخل علينا من دعائهم نور أمثال الجبال
وحدثنى الحسين العجلى حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا مالك بن
مغول عن منصور عن زيد بن وهب قال خرجت إلى الجبانة فجلست فيها فإذا رجل قد
جاء إلى قبر فسواه ثم تحول إلى فجلس قال فقلت لمن هذا القبر قال أخ لى
فقلت أخ لك فقال أخ لى في الله رأيته فيما يرى النائم فقلت فلان عشت الحمد
لله رب العالمين قال قد قلتها لأن أقدر على أن أقولها أحب إلى من الدنيا
وما فيها ثم قال ألم تر حيث كانوا يدفنوننى فإن فلانا قام فصلى ركعتين لأن
اكون أقدر على أن أصليهما أحب إلى من الدنيا وما فيها
حدثنى أبو بكر التيمى حدثنا عبد الله بن صالح حدثنى الليث بن سعد حدثنى
حميد الطويل عن مطرف بن عبد الله الحرشى قال خرجنا إلى الربيع في زمانه
فقلنا ندخل يوم الجمعة لشهودها وطريقنا على المقبرة قال فدخلنا فرأيت
جنازة في المقبرة فقلت لو اغتنمت شهود هذه الجنازة فشهدتها قال فاعتزلت
ناحية قريبا من قبر فركعت ركعتين خففتهما لم أرض اتقانهما ونعست فرأيت
صاحب القبر يكلمنى وقال ركعت ركعتين لم ترض اتقانهما قلت قد كان ذلك قال
تعملون ولا تعلمون ولا نستطيع أن نعمل لأن أكون ركعت مثل ركعتيك أحب إلى
من الدنيا بحذافيرها فقلت من ها هنا فقال كلهم مسلم وكلهم قد أصاب خيرا
فقلت من ها هنا أفضل فأشار إلى قبر فقلت في نفسى اللهم ربنا اخرجه إلى
فأكلمه قال فخرج من قبره فتى شاب فقلت أنت أفضل من ها هنا قال قد قالوا
ذلك قلت فبأى شيء نلت ذلك فوالله ما أرى لك ذلك السن فأقول نلت ذلك بطول
الحج والعمرة والجهاد في سبيل الله والعمل قال قد ابتليت بالمصائب فرزقت
الصبر عليها فبذلك فضلتهم
وهذه المرائى وإن لم تصح بمجردها لاثبات مثل ذلك فهى على كثرتها وأنها لا
يحصيها إلا الله قد تواطأت على هذا المعنى وقد قال النبي أرى رؤيا رؤياكم
قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر يعني ليلة القدر فإذا تواطأت رؤيا
المؤمنين على شيء كان كتواطؤ روايتهم له وكتواطؤ رأيهم على استحسانه
واستقباحه وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه قبيحا فهو عند
الله قبيح على أنا لم نثبت هذا بمجرد الرؤيا بل بما ذكرناه من الحجج
وغيرها
وقد ثبت في الصحيح أن الميت يستأنس بالمشيعين لجنازته بعد دفنه فروى مسلم
في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهرى قال حضرنا عمرو بن العاص وهو
في سياق الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول ما يبكيك
يا أبتاه أما يشرك رسول الله بكذا فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعد شهادة
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإنى كنت على أطباق ثلاث لقد
رأيتنى وما احد أشد بغضا لرسول
الله منى ولا أحب إلى أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مت على
تلك الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله الاسلام في قلبى لقيت رسول
الله فقلت ابسط يدك فلأبايعك فبسط يمينه قال فقبضت يدى قال فقال مالك يا
عمرو قال قلت أردت أن اشترط قال تشترط ماذا قلت أن يغفر لى قال أما علمت
أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم
ما كان قبله وما كان أحد أحب إلى من رسول الله ولا أجل في عينى منه وما
كنت اطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأنى لم
أكن أملأ عينى منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم
ولينا أشياء ما أدرى ما حالى فيها فإذا أنامت فلا تصحبنى نائحة ولا نار
فإذا دفنتموني فسنوا على التراب سنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور
ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ما أراجع به رسل ربي فدل على أن الميت
يستأنس بالحاضرين عند قبره ويسر بهم
وقد ذكر عن جماعة من السلف أنهم أوصوا أن يقرأ عند قبورهم وقت الدفن قال
عبد الحق يروى أن عبد الله بن عمر أمر أن يقرأ عند قبره سورة البقرة وممن
رأى ذلك المعلى بن عبد الرحمن وكان الامام أحمد ينكر ذلك أولا حيث لم
يبلغه فيه أثر ثم رجع عن ذلك
وقال الخلال في الجامع كتاب القراءة عند القبور اخبرنا العباس بن محمد
الدورى حدثنا يحيى بن معين حدثنا مبشر الحلبى حدثني عبد الرحمن بن العلاء
بن اللجلاج عن أبيه قال قال أبى إذا أنامت فضعنى في اللحد وقل بسم الله
وعلى سنة رسول الله وسن على التراب سنا واقرأ عند رأسى بفاتحة البقرة فإنى
سمعت عبد الله بن عمر يقول ذلك قال عباس الدورى سألت أحمد بن حنبل قلت
تحفظ في القراءة على القبر شيئا فقال لا وسألت يحيى ابن معين فحدثنى بهذا
الحديث
قال الخلال وأخبرني الحسن بن أحمد الوراق حدثنى على بن موسى الحداد وكان
صدوقا قال كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهرى في جنازة فلما دفن
الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر فقال له أحمد يا هذا إن القراءة عند
القبر بدعة فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد بن حنبل يا أبا
عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي قال ثقة قال كتبت عنه شيئا قال نعم
فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن
أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها وقال سمعت ابن عمر يوصي بذلك
فقال له أحمد فارجع وقل للرجل يقرأ
وقال الحسن بن الصباح الزعفراني سألت الشافعي عن القراءة عند
القبر فقال لا بأس بها
وذكر الخلال عن الشعبي قال كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى
قبره يقرءون عنده القرآن قال وأخبرني أبو يحيى الناقد قال سمعت الحسن بن
الجروى يقول مررت على قبر أخت لي فقرأت عندها تبارك لما يذكر فيها فجاءني
رجل فقال إنى رأيت أختك في المنام تقول جزى الله أبا على خيرا فقد انتفعت
بما قرأ أخبرني الحسن بن الهيثم قال سمعت أبا بكر بن الأطروش ابن بنت أبي
نصر بن التمار يقول كان رجل يجيء إلى قبر أمه يوم الجمعة فيقرأ سورة يس
فجاء في بعض أيامه فقرأ سورة يس ثم قال اللهم إن كنت قسمت لهذه السورة
ثوابا فاجعله في أهل هذه المقابر فلما كان يوم الجمعة التي تليها جاءت
امرأة فقالت أنت فلان ابن فلانة قال نعم قالت إن بنتا لي ماتت فرأيتها في
النوم جالسة على شفير قبرها فقلت ما أجلسك ها هنا فقالت إن فلان ابن فلانة
جاء إلى قبر أمه فقرأ سورة يس وجعل ثوابها لأهل المقابر فأصابنا من روح
ذلك أو غفر لنا أو نحو ذلك
وفي النسائي وغيره من حديث معقل بن يسار المزني عن النبي أنه قال اقرأوا
يس عند موتاكم وهذا يحتمل أن يراد به قراءتها على المحتضر عند موته مثل
قوله لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ويحتمل أن يراد به القراءة عند القبر
والأول أظهر لوجوه
الأول أنه نظير قوله لقنوا موتاكم لا إله إلا الله
الثاني انتفاع المحتضر بهذه السورة لما فيها من التوحيد والمعاد والبشرى
بالجنة لأهل التوحيد وغبطة من مات عليه بقوله ياليت قومي يعلمون بما غفر
لي ربي وجعلني من المكرمين فتستبشر الروح بذلك فتحب لقاء الله فيحب الله
لقاءها فإن هذه السورة قلب القرآن ولها خاصية عجيبة في قراءتها عند
المحتضر
وقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي قال كنا عند شيخنا أبي الوقت عبد الأول وهو
في السياق وكان آخر عهدنا به أنه نظر إلى السماء وضحك وقال يا ليت قومي
يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين وقضى
الثالث إن هذا عمل الناس وعادتهم قديما وحديثا يقرأون يس عند المحتضر
الرابع إن الصحابة لو فهموا من قوله اقرأوا يس عند موتاكم قراءتها عند
القبر لما أخلوا به وكان ذلك أمرا معتادا مشهورا بينهم
الخامس ان انتفاعه باستماعها وحضور قلبه وذهنه قراءتها في آخر
عهده بالدنيا هو المقصود وأما قراءتها عند قبره فإنه لا يثاب على ذلك لأن
الثواب إما بالقراءة أو بالاستماع وهو عمل وقد انقطع من الميت
وقد ترجم الحافظ أبو محمد عبد الحق الأشبيلى على هذا فقال ذكر ما جاء أن
الموتى يسألون عن الأحياء ويعرفون أقوالهم وأعمالهم ثم قال ذكر أبو عمر بن
عبد البر من حديث ابن عباس عن النبي ما من رجل يمر بقبر أخيه المؤمن كان
يعرفه فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام ويروى هذا الحديث أبي هريرة
مرفوعا قال فإن لم يعرفه وسلم عليه رد عليه السلام
قال ويروى من حديث عائشة رضى الله عنها أنها قالت قال رسول ما من رجل يزور
قبر أخيه فيجلس عنده إلا استأنس به حتى يقوم
واحتج الحافظ أبو محمد في هذا الباب بما رواه أبو داود في سننه من حديث
أبي هريرة قال قال رسول الله ما من أحد يسلم على إلا رد الله على روحي حتى
أرد عليه السلام قال وقال سليمان بن نعيم رأيت النبي في النوم فقلت يا
رسول الله هؤلاء الذين يأتونك ويسلمون عليك أتفقه منهم قال نعم وأرد عليهم
قال وكان يعلمهم أن يقولوا إذا دخلوا المقابر السلام عليكم أهل الديار
الحديث قال وهذا يدل على أن الميت يعرف سلام من يسلم عليه ودعاء من يدعو
له
قال أبو محمد ويذكر عن الفضل بن الموفق قال كنت آتى قبر أبي المرة بعد
المرة فأكثر من ذلك فشهدت يوما جنازة في المقبرة التي دفن فيها فتعجلت
لحاجتي ولم آته فلما كان من الليل رأيته في المنام فقال لي يا بني لم لا
تأتيني قلت له يا أبت وإنك لتعلم بي إذا أتيتك قال أى والله يا بنى لا
أزال أطلع عليك حين تطلع من القنطرة حتى تصل إلى وتقعد عندي ثم تقوم فلا
أزال أنظر إليك حتى تجوز القنطرة
قال ابن أبى الدنيا حدثنى إبراهيم بن بشار الكوفي قال حدثني الفضل بن
الموفق فذكر القصة
وصح عن عمرو بن دينار أنه قال ما من ميت يموت إلا وهو يعلم ما يكون في
أهله بعده وأنهم ليغسلونه ويكفنونه وانه لينظر إليهم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل ويدل على هذا أيضا ما جرى عليه عمل الناس قديما وإلى الآن
من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة
وكان عبثا وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه الله فاستحسنه واحتج عليه بالعمل
ويروى فيه حديث ضعيف ذكره الطبرانى في معجمه من حديث أبى أمامة قال قال
رسول الله إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم
يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع ولايجيب ثم ليقل يا فلان ابن فلانة
الثانية فإنه يستوي قاعدا ثم ليقل يا فلان ابن فلانة يقول أرشدنا رحمك
الله ولكنكم لاتسمعون فيقول أذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله
إلا الله وان محمد رسول الله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد
نبيا وبالقرآن إماما فان منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما ويقول انطلق
بنا ما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون الله ورسوله حجيجه دونهما فقال
رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أمه قال ينسبه إلى امه حواء
فهذا الحديث وإن لم يثبت فإتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير
انكار كاف في العمل به وما أجرى الله سبحانه العادة قط بأن أمه طبقت مشارق
الأرض ومغاربها وهي أكمل الأمم عقولا وأوفرها معارف تطيق على مخاطبة من لا
يسمع ولا يعقل وتستحسن ذلك لاينكره منها منكر بل سنه الأول للآخر ويقتدي
فيه الآخر بالأول فلولا ان المخاطب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب
والخشب والحجر والمعدوم وهذا وان استحسنه واحد فا لعلماء قاطبة على
استقباحه واستهجانه
وقد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم حضر جنازة رجل فلما دفن قال سلوا لأخيكم التثيب فإنه الآن يسأل فأخبر
أنه يسأل حينئذ وإذا كان يسأل فإنه يسمع التلقين
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا
ولوا منصرفين وذكر عبد الحق عن بعض الصالحين قال مات أخ لى فرأيته في
النوم فقلت يا أخي ما كان حالك حين وضعت في قبرك قال أتاني آت بشهاب من
نار فلولا أن داعيا دعا لي لهلكت
وقال شبيب بن شيبة أوصتني أمى عند موتها فقالت يا بنى إذا دفنتني فقم عند
قبرى وقل يا أم شبيب قولى لا إله إلا الله فلما دفنتها قمت عند قبرها فقلت
يا أم شبيب قولى لا إله إلا
الله ثم انصرفت فلما كان من الليل رأيتها في النوم فقالت يا بنى
كدت أهلك لولا أن تداركني لا إله إلا الله فقد حفظت وصيتى يا بنى
وذكر ابن أبى الدنيا عن تماضر بنت سهل امرأة أيوب بن عيينة قالت رأيت
سفيان بن عيينة في النوم فقال جزى الله أخى أيوب عنى خيرا فإنه يزورني
كثيرا وقد كان عندى اليوم فقال أيوب نعم حضرت الجبان اليوم فذهبت إلى قبره
وصح عن حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب أن الصعب بن جثامة وعوف ابن
مالك كانا متآخيين قال صعب لعوف أى أخى أينا مات قبل صاحبه فليتراءا له
قال أو يكون ذلك قال نعم فمات صعب فرآه عوف فيما يرى النائم كأنه قد اتاه
قال قلت أى أخى قال نعم قلت ما فعل بكم قال غفر لنا بعد المصائب قال ورأيت
لمعة سوداء في عنقه قلت أى أخى ما هذا قال عشرة دنانير استسلفتها من فلان
اليهودي فهن في قرني فأعطوه إياها وأعلم أن أى أخي انه لم يحدث في أهلى
حدث بعد موتى إلا قد لحق بى خبره حتى هرة لنا ماتت منذ أيام واعلم أن بنتى
تموت إلى ستة أيام فأستوصوا بها معروفا فلما أصبحت قلت إن في هذا لمعلما
فأتيت أهله فقالوا مرحبا بعوف أهكذا تصنعون بتركة إخوانكم لم تقربنا منذ
مات صعب قال فأتيت فأعتللت بما يعتل به الناس فنظرت إلى القرن فأنزلته
فأنتثلت ما فيه فوجدت الصرة التي فيها الدنانير فبعثت بها إلى اليهودي
فقلت هل كان لك على صعب شيء قال رحم الله صعبا كان من خيار أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم هى له قلت لتخبرني قال نعم اسلفته عشرة
دنانير فنبذتها إليه قال هى والله بأعيانها قال قلت هذه واحدة
قال فقلت هل حدث فيكم حدث بعد موت صعب قالوا نعم حدث فينا كذا حدث قال قلت
اذكروا قالوا نعم هرة ماتت منذ ايام فقلت هاتان اثنتان
قلت أين أبنة أخى قالوا تلعب فأتيت بها فمسستها فإذا هى محمومه فقلت
استوصوا بها معروفا فماتت في ستة أيام
وهذا من فقه عوف رحمه الله وكان من الصحابة حيث نفذ وصية الصعب بن جثامة
بعد موته وعلم صحة قوله بالقرائن التي أخبره بها من أن الدنانير عشرة وهى
في القرن ثم سأل اليهودى فطابق قوله لما في الرؤيا فجزم عوف بصحة الأمر
فأعطى اليهودي الدنانير وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم وهم أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولعل أكثر المتأخرين ينكر ذلك ويقول
كيف جاز لعوف أن ينقل الدنانير من تركة صعب وهى لأيتامه وورثته إلى يهودى
بمنام
ونظير هذا من الفقه الذي خصهم به دون الناس قصة ثابت بن قيس بن
شماس وقد ذكرها أبو عمر بن عبد البر وغيره قال أبو عمر أخبرنا عبد الوارث
بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج حدثنا سعيد
بن عفير وعبد العزيز بن يحيى المدني حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن
إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصارى عن ثابت ابن قيس بن شماس أن رسول قال له
يا ثابت أما ترضي أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة قال مالك فقتل
ثابت بن قيس يوم اليمامة شهيدا
قال أبو عمرو روى هشام بن عمار عن صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد
بن جابر قال حدثني عطاء الخراساني قال حدثتني ابنة ثابت بن قيس بن شماس
قالت لما نزلت يا أيها الذين آمنو لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي دخل
أبو هابية وأغلق عليه بابه ففقده رسول الله وأرسل إليه يسأله ما خبره قال
أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون قد حبط عملى قال لست منهم بل تعيش بخير
وتموت بخير قال ثم أنزل الله إن الله لا يحب كل مختال فخور فأغلق عليه
بابه وطفق يبكي ففقده رسول الله فأرسل إليه فأخبره فقال يا رسول الله إني
أحب الجمال وأحب أن أسود قومى فقال لست منهم بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا
وتدخل الجنة قالت فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة
فلما التقوا وأنكشفوا قال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة ما هكذا كنا نقاتل مع
رسول الله ثم حفر كل واحد له حفرة فثبتا وقاتلا حتى قتلا وعلى ثابت يومئذ
ذرع له نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينما رجل من المسلمين نائم
إذ أتاه ثابت في منامه فقال له أوصيك بوصية فاياك أن تقول هذا حلم فتضعيه
إني لما قتلت أمس مربى رجل من المسلمين فأخذ ذرعى ومنزلة في أقصي الناس
وعند خبائه فرس يستين في طوله وقد كفا على الدرع برمة وفوق البرمة رجل فأت
خالدا فمره أن يبعث إلى درعى فيأخذها وإذا قدمت المدينة على الخليفة رسول
الله يعني أبا بكر الصديق فقل له أن على من الدين كذا وكذا وفلان من رقيقى
عتيق وفلان فأتي الرجل خالدا فأخبره فبعث إلى الدرع فأتي بها وحدث أبا بكر
برؤياه فأجاز وصيته قال ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن
قيس رحمه الله انتهى ما ذكره أبو عمرو
فقد اتفق خالد أبو بكر الصديق والصحابة معه على العمل بهذه الرؤيا وتنفيذ
الوصية بها وانتزاع الدرع ممن هى في يده وهذا محض الفقه
وإذا كان أبو حنيفة وأحمد ومالك يقبلون قول المدعي من الزوجين ما يصلح له
دون الآخر يقرينه صدقة فهذا أولى
وكذلك أبو حنيفة يقبل قول الدعى للحائط بوجود الآجر إلى جانبه
وبمعاقد القمط وقد شرع الله حد المرأة بأيمان الزوج وقرينة تكون لها فإن
ذلك من أظهر الأدلة على صدق الزوج
وأبلغ من ذلك قتل المقسم عليه في القسامة بأيمان المدعين مع القرينة
الظاهرة من اللوث وقد شرع الله سبحانه قبول قولى المدعين لتركه ميتهم إذا
مات في السفر وأوصي إلى رجلين من غير المسلمين فاطلع الورثة على خيانة
الوصيين بأنهما يحلفان بالله ويستحقانه وتكون أيمانهما أولى من أيمان
الوصيين وهذا أنزله الله سبحانه في آخر الأمر في سورة المائدة وهى من آخر
القرآن ولم ينسخها شيء وعمل بها الصحابة بعده
وهذا دليل على أنه يقضي في الأموال باللوث وإذا كان الدم يباح باللوث في
القسامة فلأن يقضي باللوث وهو القرائن الظاهرة في الأمول أولى وأحرى
وعلى هذا عمل ولاة العدل في استخراج السرقات من السراق حتى أن كثيرا ممن
ينكر ذلك عليهم يستعين بهم إذا سرق ماله
وقد حكى الله سبحانه عن الشاهد الذي شهد بين يوسف الصديق وامرأة العزيز
أنه حكم بالقرينة على صدق يوسف وكذب المرأة ولم ينكر الله سبحانه عليه ذلك
بل حكاه عنه تقريرا له
وأخبر النبي عن نبي الله سليمان بن داود أنه حكم بين المرأتين اللتين
ادعتا الولد للصغرى بالقرينة التى ظهرت له لما قال ائتوني بالسكين أشق
الولد بينكما فقالت الكبرى نعم رضيت بذلك للتسلى بفقد ابن صاحبتها وقالت
الأخرى لا تفعل هو ابنها فقضي به لها للشفقة والرحمة التى قامت بقلبها حتى
سمحت به للأخرى ويبقي حيا وتنظر إليه
وهذا من أحسن الأحكام وأعدلها وشريعة الإسلام تقرر مثل هذا وتشهد بصحته
وهل الحكم بالقيافة والحاق النسب بها اللاعتماد على قرائن الشبة مع
اشتباهها وخفائها غالبا
المقصود أن القرائن التى قامت في الرؤيا عوف بن مالك وقصة ثابت بن قيس لا
تقصر عن كثير من هذه القرائن بل هى أقوى من مجرد وجود الآجر ومعاقد القمط
وصلاحية المتاع للمدعى دون الآخر في مسألة الزوجين والصانعين وهذا ظاهر
لاخفاء به وفطر الناس وعقولهم تشهد بصحته وبالله التوفيق
والمقصود جواب السائل وأن الميت إذا عرف مثل هذه الجزيئات وتفاصليها
فمعرفته بزيارة الحى له وسلامة عليه ودعائه له أولى وأحرى
المسألة الثانية وهى أن ارواح الموتى هل تتلاقي وتتزاور وتتذاكر
أم لا
وهي أيضا مسألة شريفة كبيرة القدر وجوابها أن الأرواح قسمان أرواح معذبة
وأرواح منعمة فالمعذبة في شغل بما هى فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي
والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقي وتتزاور وتتذاكر ما كان
منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو
على مثل عملها وروح نبينا محمد في الرفيق الأعلى قال الله تعالى ومن يطع
الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي
الدار البرزخ وفي دار الجزاء والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة
وروى جرير عن منصور عن أبي الضحي عن مسروق قال قال أصحاب محمد ما ينبغي
لنا أن نفارقك في الدنيا فإذا مت رفعت فوقنا فلم نرك فأنزل الله تعالى ومن
يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
وقال الشعبي جاء رجل من الأنصار وهو يبكي إلى النبي فقال ما يبكيك يا فلان
فقال يا نبي الله والله الذي لا إله إلا هو لأنت أحب إلى من أهلى ومالى
والله الذي لا إله إلا هو لأنت أحب إلى من نفسى وأنا أذكرك أنا وأهلى
فيأخذني كذا حتى أراك فذكرت موتك وموتى فعرفت أني ان أجامعك إلا في الدنيا
وإنك ترفع بين النبيين وعرفت اني إن دخلت الجنة كنت في منزل أدني من منزلك
فلم يرد النبي شيئا فأنزل الله تعالى ومن يطع الله ورسول فألئك مع الذين
أنعم الله عليهم من النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين إلى قوله وكفى
بالله عليما وقال تعالى يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية
مرضية فادخلى في عبادى وادخلى جنتى اى أدخلى جملتهم وكونى معهم وهذا يقال
للروح عند الموت
وفي قصة الاسراء من حديث عبد الله بن مسعود قال لما اسرى النبي لقي
إبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فتذكروا الساعة
فبدأوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده منها علم ثم بموسى فلم يكن عنده
منها علم حتى أجمعوا الحديث الى عيسى فقال عيسى عهد الله الى فيمادون
وجبتها فذكر خروج الدجال قال فأهبط
فأقتله ويرجع الناس إلى بلادهم فتستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من
كل حدب ينسلون فلا يمرون بماء إلا شربوه ولا يمرون بشيء الا أفسدوه
فيجأرون إلى فأدعو الله فيميتهم فتجأر الأرض الى الله من ريحهم ويجأرون
الى فادعو ويرسل الله السماء بالماء فيحمل أجسامهم فيقذفها في البحر ثم
ينسف الجبال ويمد الأرض مد الأديم فعهد الله الى اذا كان كذلك فإن الساعة
من الناس كالحامل المتم لا يدرى أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا أو نهارا
ذكره الحاكم والبيهقي وغيرهما
وهذا نص في تذاكر الأرواح العلم
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون
وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم وإنهم يستبشرون بنعمة من
الله وفضل وهذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه أحدها أنهم عند ربهم يرزقون
وإذا كانوا أحياء فهم يتلاقون الثاني أنهم إنما استبشروا باخوانهم لقدومهم
ولقائهم لهم الثالث ان لفظ يستبشرون يفيد في اللغة أنهم يبشر بعضهم بعضا
مثل يتباشرون
وقد تواترت المرائى بذلك فمنها ما ذكره صالح بن بشير قال رأيت عطاء السلمى
في النوم بعد موته فقلت له يرحمك الله لقد كنت طويل الحزن في الدنيا فقال
أما والله لقد أعقبني ذلك فرحا طويلا وسرورا دائما فقلت في أى الدرجات أنت
قال مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وقال عبد الله بن المبارك رأيت سفيان الثورى في النوم فقلت له ما فعل الله
بك قال لقيت محمدا وحزبة
وقال صخر بن راشد رأيت عبد الله بن المبارك في النوم بعد موته فقلت أليس
قد مت قال بلى قلت فما صنع الله بك قال غفر لى مغفرة أحاطت بكل ذنب فسفيان
الثورى قال بخ بخ ذاك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
وذكر ابن أبي الدنيا من حديث حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن يقظة بنت
راشد قالت كان مروان المحلمى لى جارا وكان قاضيا مجتهدا قالت
فمات فوجدت عليه وجدا شديدا قالت فرأيته فيما يرى النائم قلت أبا عبد الله
ما صنع بك ربك قال أدخلنى الجنة قلت ثم ماذا قال ثم رفعت إلى أصحاب اليمين
قلت ثم ماذا قال ثم رفعت إلى المقربين المقربين قلت فمن رأيت من إخوانك
قال رأيت الحسن وابن سيرين وميمون بن سياه قال حماد قال هشام بن حسان
فحدثتني أم عبد الله وكانت من خيار نساء أهل البصرة قالت رأيت فيما يرى
النائم كأني دخلت دارا حسنة ثم دخلت بستانا فذكرت من حسنه ما شاء الله
فإذا أنا فيه برجل متكىء على سرير من ذهب وحوله الوصفاء بأيديهم الأكاويب
قالت فإني لمتعجبه من حسن ما أرى إذ قيل هذا مروان المحلمى أقبل فوثب
فاستوى جالسا على سريره قالت واستيقظت من منامى فإذا جنازة مروان قد مر
بها على بابى تلك الساعة
وقد جاءت سنة صريحة بتلاقي الأرواح وتعارفها قال ابن أبي الدنيا حدثني
محمد بن عبد الله بن بزيغ أخبرني فضيل بن سليمان النميري حدثني يحيى بن
عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده قال لما مات بشر بن البراء بن معرور وجدت
عليه أم بشر وجدا شديدا فقالت يا رسول الله إنه لا يزال الهالك يهلك من
بني سلمة فهل تتعارف الموتى فأرسل إلى بشر بالسلام فقال رسول الله نعم
والذي نفسى بيده يا أم بشر انهم ليتعافون كما تتعارف الطير في رءوس !
الشجر وكان لا يهلك من بنى سلمة إلا جاءته أم بشر فقالت يا فلان عليك
السلام فيقول وعليك فتقول اقرأ على بشر السلام !
وذكر ابن أبي الدنيا من حديث سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال
أهل القبور يتوكفون الأخبار فإذا أتاهم الميت قالوا ما فعل فلان فيقول
صالح ما فعل فلان يقول صالح ما فعل فلان فيقول ألم يأتكم أو ما قدم عليكم
فيقولون لا فيقول أنا لله وإنا إليه راجعون سلك به غير سبيلنا
وقال صالح المرى بلغنى أن الأرواح تتلاقي عند الموت فنقول لأرواح الموتى
للروح التى تخرج إليهم كيف كان مأواك وفي أى الجسدين كنت في طيب أم خبيث
ثم بكى حتى غلبه البكاء
وقال عبيد بن عمير إذا مات الميت تلقته الأرواح يستخبرونه كما يستخبر
الركب ما فعل فلان ما فعل فلان فإذا قال توفي ولم يأتهم قالوا ذهب به إلى
أمه الهاوية وقال سعيد بن المسيب إذا مات الرجل استقبله والده كما يستقبل
الغائب
وقال عبيد بن عمير أيضا لو أنى آيس من القاء من مات من أهلى لألفانى قد مت
كمدا
وذكر معاوية بن يحيى عن عبد الله بن سلمة أن أبارهم المسمعى
حدثه أن أبا أيوب الأنصارى حدثه أن رسول الله قال إن نفس المؤمن إذا قبضت
تلقاها أهل الرحمة من عند الله كما يتلقى البشير في الدنيا فيقولون انظروا
أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد فيسألونه ماذا فعل فلان وماذا فعلت
فلانة وهل تزوجت فلانة فإذا سألوه عن رجل مات قبله قال إنه قد مات فبلى
قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست المربية
وقدم تقدم حديث يحيى بن بسطام حدثني مسمع بن عاصم قال رأيت عاصما الجحدرى
في منامى بعد موته بسنتين فقلت أليس قد مت قال بلى قلت وأين أنت قال أنا
والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابى نجتمع كل ليلة جمعه
وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني فتتلقي أخباركم قلت أجسامكم أم
أرواحكم قال هيهات بليت الأجسام وإنما تتلاقي الأرواح
من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة
وكان عبثا وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه الله فاستحسنه واحتج عليه بالعمل
ويروى فيه حديث ضعيف ذكره الطبرانى في معجمه من حديث أبى أمامة قال قال
رسول الله إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم
يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع ولايجيب ثم ليقل يا فلان ابن فلانة
الثانية فإنه يستوي قاعدا ثم ليقل يا فلان ابن فلانة يقول أرشدنا رحمك
الله ولكنكم لاتسمعون فيقول أذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله
إلا الله وان محمد رسول الله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد
نبيا وبالقرآن إماما فان منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما ويقول انطلق
بنا ما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون الله ورسوله حجيجه دونهما فقال
رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أمه قال ينسبه إلى امه حواء
فهذا الحديث وإن لم يثبت فإتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير
انكار كاف في العمل به وما أجرى الله سبحانه العادة قط بأن أمه طبقت مشارق
الأرض ومغاربها وهي أكمل الأمم عقولا وأوفرها معارف تطيق على مخاطبة من لا
يسمع ولا يعقل وتستحسن ذلك لاينكره منها منكر بل سنه الأول للآخر ويقتدي
فيه الآخر بالأول فلولا ان المخاطب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب
والخشب والحجر والمعدوم وهذا وان استحسنه واحد فا لعلماء قاطبة على
استقباحه واستهجانه
وقد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم حضر جنازة رجل فلما دفن قال سلوا لأخيكم التثيب فإنه الآن يسأل فأخبر
أنه يسأل حينئذ وإذا كان يسأل فإنه يسمع التلقين
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا
ولوا منصرفين وذكر عبد الحق عن بعض الصالحين قال مات أخ لى فرأيته في
النوم فقلت يا أخي ما كان حالك حين وضعت في قبرك قال أتاني آت بشهاب من
نار فلولا أن داعيا دعا لي لهلكت
وقال شبيب بن شيبة أوصتني أمى عند موتها فقالت يا بنى إذا دفنتني فقم عند
قبرى وقل يا أم شبيب قولى لا إله إلا الله فلما دفنتها قمت عند قبرها فقلت
يا أم شبيب قولى لا إله إلا
الله ثم انصرفت فلما كان من الليل رأيتها في النوم فقالت يا بنى
كدت أهلك لولا أن تداركني لا إله إلا الله فقد حفظت وصيتى يا بنى
وذكر ابن أبى الدنيا عن تماضر بنت سهل امرأة أيوب بن عيينة قالت رأيت
سفيان بن عيينة في النوم فقال جزى الله أخى أيوب عنى خيرا فإنه يزورني
كثيرا وقد كان عندى اليوم فقال أيوب نعم حضرت الجبان اليوم فذهبت إلى قبره
وصح عن حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب أن الصعب بن جثامة وعوف ابن
مالك كانا متآخيين قال صعب لعوف أى أخى أينا مات قبل صاحبه فليتراءا له
قال أو يكون ذلك قال نعم فمات صعب فرآه عوف فيما يرى النائم كأنه قد اتاه
قال قلت أى أخى قال نعم قلت ما فعل بكم قال غفر لنا بعد المصائب قال ورأيت
لمعة سوداء في عنقه قلت أى أخى ما هذا قال عشرة دنانير استسلفتها من فلان
اليهودي فهن في قرني فأعطوه إياها وأعلم أن أى أخي انه لم يحدث في أهلى
حدث بعد موتى إلا قد لحق بى خبره حتى هرة لنا ماتت منذ أيام واعلم أن بنتى
تموت إلى ستة أيام فأستوصوا بها معروفا فلما أصبحت قلت إن في هذا لمعلما
فأتيت أهله فقالوا مرحبا بعوف أهكذا تصنعون بتركة إخوانكم لم تقربنا منذ
مات صعب قال فأتيت فأعتللت بما يعتل به الناس فنظرت إلى القرن فأنزلته
فأنتثلت ما فيه فوجدت الصرة التي فيها الدنانير فبعثت بها إلى اليهودي
فقلت هل كان لك على صعب شيء قال رحم الله صعبا كان من خيار أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم هى له قلت لتخبرني قال نعم اسلفته عشرة
دنانير فنبذتها إليه قال هى والله بأعيانها قال قلت هذه واحدة
قال فقلت هل حدث فيكم حدث بعد موت صعب قالوا نعم حدث فينا كذا حدث قال قلت
اذكروا قالوا نعم هرة ماتت منذ ايام فقلت هاتان اثنتان
قلت أين أبنة أخى قالوا تلعب فأتيت بها فمسستها فإذا هى محمومه فقلت
استوصوا بها معروفا فماتت في ستة أيام
وهذا من فقه عوف رحمه الله وكان من الصحابة حيث نفذ وصية الصعب بن جثامة
بعد موته وعلم صحة قوله بالقرائن التي أخبره بها من أن الدنانير عشرة وهى
في القرن ثم سأل اليهودى فطابق قوله لما في الرؤيا فجزم عوف بصحة الأمر
فأعطى اليهودي الدنانير وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم وهم أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولعل أكثر المتأخرين ينكر ذلك ويقول
كيف جاز لعوف أن ينقل الدنانير من تركة صعب وهى لأيتامه وورثته إلى يهودى
بمنام
ونظير هذا من الفقه الذي خصهم به دون الناس قصة ثابت بن قيس بن
شماس وقد ذكرها أبو عمر بن عبد البر وغيره قال أبو عمر أخبرنا عبد الوارث
بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج حدثنا سعيد
بن عفير وعبد العزيز بن يحيى المدني حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن
إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصارى عن ثابت ابن قيس بن شماس أن رسول قال له
يا ثابت أما ترضي أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة قال مالك فقتل
ثابت بن قيس يوم اليمامة شهيدا
قال أبو عمرو روى هشام بن عمار عن صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد
بن جابر قال حدثني عطاء الخراساني قال حدثتني ابنة ثابت بن قيس بن شماس
قالت لما نزلت يا أيها الذين آمنو لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي دخل
أبو هابية وأغلق عليه بابه ففقده رسول الله وأرسل إليه يسأله ما خبره قال
أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون قد حبط عملى قال لست منهم بل تعيش بخير
وتموت بخير قال ثم أنزل الله إن الله لا يحب كل مختال فخور فأغلق عليه
بابه وطفق يبكي ففقده رسول الله فأرسل إليه فأخبره فقال يا رسول الله إني
أحب الجمال وأحب أن أسود قومى فقال لست منهم بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا
وتدخل الجنة قالت فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة
فلما التقوا وأنكشفوا قال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة ما هكذا كنا نقاتل مع
رسول الله ثم حفر كل واحد له حفرة فثبتا وقاتلا حتى قتلا وعلى ثابت يومئذ
ذرع له نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينما رجل من المسلمين نائم
إذ أتاه ثابت في منامه فقال له أوصيك بوصية فاياك أن تقول هذا حلم فتضعيه
إني لما قتلت أمس مربى رجل من المسلمين فأخذ ذرعى ومنزلة في أقصي الناس
وعند خبائه فرس يستين في طوله وقد كفا على الدرع برمة وفوق البرمة رجل فأت
خالدا فمره أن يبعث إلى درعى فيأخذها وإذا قدمت المدينة على الخليفة رسول
الله يعني أبا بكر الصديق فقل له أن على من الدين كذا وكذا وفلان من رقيقى
عتيق وفلان فأتي الرجل خالدا فأخبره فبعث إلى الدرع فأتي بها وحدث أبا بكر
برؤياه فأجاز وصيته قال ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن
قيس رحمه الله انتهى ما ذكره أبو عمرو
فقد اتفق خالد أبو بكر الصديق والصحابة معه على العمل بهذه الرؤيا وتنفيذ
الوصية بها وانتزاع الدرع ممن هى في يده وهذا محض الفقه
وإذا كان أبو حنيفة وأحمد ومالك يقبلون قول المدعي من الزوجين ما يصلح له
دون الآخر يقرينه صدقة فهذا أولى
وكذلك أبو حنيفة يقبل قول الدعى للحائط بوجود الآجر إلى جانبه
وبمعاقد القمط وقد شرع الله حد المرأة بأيمان الزوج وقرينة تكون لها فإن
ذلك من أظهر الأدلة على صدق الزوج
وأبلغ من ذلك قتل المقسم عليه في القسامة بأيمان المدعين مع القرينة
الظاهرة من اللوث وقد شرع الله سبحانه قبول قولى المدعين لتركه ميتهم إذا
مات في السفر وأوصي إلى رجلين من غير المسلمين فاطلع الورثة على خيانة
الوصيين بأنهما يحلفان بالله ويستحقانه وتكون أيمانهما أولى من أيمان
الوصيين وهذا أنزله الله سبحانه في آخر الأمر في سورة المائدة وهى من آخر
القرآن ولم ينسخها شيء وعمل بها الصحابة بعده
وهذا دليل على أنه يقضي في الأموال باللوث وإذا كان الدم يباح باللوث في
القسامة فلأن يقضي باللوث وهو القرائن الظاهرة في الأمول أولى وأحرى
وعلى هذا عمل ولاة العدل في استخراج السرقات من السراق حتى أن كثيرا ممن
ينكر ذلك عليهم يستعين بهم إذا سرق ماله
وقد حكى الله سبحانه عن الشاهد الذي شهد بين يوسف الصديق وامرأة العزيز
أنه حكم بالقرينة على صدق يوسف وكذب المرأة ولم ينكر الله سبحانه عليه ذلك
بل حكاه عنه تقريرا له
وأخبر النبي عن نبي الله سليمان بن داود أنه حكم بين المرأتين اللتين
ادعتا الولد للصغرى بالقرينة التى ظهرت له لما قال ائتوني بالسكين أشق
الولد بينكما فقالت الكبرى نعم رضيت بذلك للتسلى بفقد ابن صاحبتها وقالت
الأخرى لا تفعل هو ابنها فقضي به لها للشفقة والرحمة التى قامت بقلبها حتى
سمحت به للأخرى ويبقي حيا وتنظر إليه
وهذا من أحسن الأحكام وأعدلها وشريعة الإسلام تقرر مثل هذا وتشهد بصحته
وهل الحكم بالقيافة والحاق النسب بها اللاعتماد على قرائن الشبة مع
اشتباهها وخفائها غالبا
المقصود أن القرائن التى قامت في الرؤيا عوف بن مالك وقصة ثابت بن قيس لا
تقصر عن كثير من هذه القرائن بل هى أقوى من مجرد وجود الآجر ومعاقد القمط
وصلاحية المتاع للمدعى دون الآخر في مسألة الزوجين والصانعين وهذا ظاهر
لاخفاء به وفطر الناس وعقولهم تشهد بصحته وبالله التوفيق
والمقصود جواب السائل وأن الميت إذا عرف مثل هذه الجزيئات وتفاصليها
فمعرفته بزيارة الحى له وسلامة عليه ودعائه له أولى وأحرى
المسألة الثانية وهى أن ارواح الموتى هل تتلاقي وتتزاور وتتذاكر
أم لا
وهي أيضا مسألة شريفة كبيرة القدر وجوابها أن الأرواح قسمان أرواح معذبة
وأرواح منعمة فالمعذبة في شغل بما هى فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي
والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقي وتتزاور وتتذاكر ما كان
منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو
على مثل عملها وروح نبينا محمد في الرفيق الأعلى قال الله تعالى ومن يطع
الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي
الدار البرزخ وفي دار الجزاء والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة
وروى جرير عن منصور عن أبي الضحي عن مسروق قال قال أصحاب محمد ما ينبغي
لنا أن نفارقك في الدنيا فإذا مت رفعت فوقنا فلم نرك فأنزل الله تعالى ومن
يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
وقال الشعبي جاء رجل من الأنصار وهو يبكي إلى النبي فقال ما يبكيك يا فلان
فقال يا نبي الله والله الذي لا إله إلا هو لأنت أحب إلى من أهلى ومالى
والله الذي لا إله إلا هو لأنت أحب إلى من نفسى وأنا أذكرك أنا وأهلى
فيأخذني كذا حتى أراك فذكرت موتك وموتى فعرفت أني ان أجامعك إلا في الدنيا
وإنك ترفع بين النبيين وعرفت اني إن دخلت الجنة كنت في منزل أدني من منزلك
فلم يرد النبي شيئا فأنزل الله تعالى ومن يطع الله ورسول فألئك مع الذين
أنعم الله عليهم من النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين إلى قوله وكفى
بالله عليما وقال تعالى يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية
مرضية فادخلى في عبادى وادخلى جنتى اى أدخلى جملتهم وكونى معهم وهذا يقال
للروح عند الموت
وفي قصة الاسراء من حديث عبد الله بن مسعود قال لما اسرى النبي لقي
إبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فتذكروا الساعة
فبدأوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده منها علم ثم بموسى فلم يكن عنده
منها علم حتى أجمعوا الحديث الى عيسى فقال عيسى عهد الله الى فيمادون
وجبتها فذكر خروج الدجال قال فأهبط
فأقتله ويرجع الناس إلى بلادهم فتستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من
كل حدب ينسلون فلا يمرون بماء إلا شربوه ولا يمرون بشيء الا أفسدوه
فيجأرون إلى فأدعو الله فيميتهم فتجأر الأرض الى الله من ريحهم ويجأرون
الى فادعو ويرسل الله السماء بالماء فيحمل أجسامهم فيقذفها في البحر ثم
ينسف الجبال ويمد الأرض مد الأديم فعهد الله الى اذا كان كذلك فإن الساعة
من الناس كالحامل المتم لا يدرى أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا أو نهارا
ذكره الحاكم والبيهقي وغيرهما
وهذا نص في تذاكر الأرواح العلم
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون
وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم وإنهم يستبشرون بنعمة من
الله وفضل وهذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه أحدها أنهم عند ربهم يرزقون
وإذا كانوا أحياء فهم يتلاقون الثاني أنهم إنما استبشروا باخوانهم لقدومهم
ولقائهم لهم الثالث ان لفظ يستبشرون يفيد في اللغة أنهم يبشر بعضهم بعضا
مثل يتباشرون
وقد تواترت المرائى بذلك فمنها ما ذكره صالح بن بشير قال رأيت عطاء السلمى
في النوم بعد موته فقلت له يرحمك الله لقد كنت طويل الحزن في الدنيا فقال
أما والله لقد أعقبني ذلك فرحا طويلا وسرورا دائما فقلت في أى الدرجات أنت
قال مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وقال عبد الله بن المبارك رأيت سفيان الثورى في النوم فقلت له ما فعل الله
بك قال لقيت محمدا وحزبة
وقال صخر بن راشد رأيت عبد الله بن المبارك في النوم بعد موته فقلت أليس
قد مت قال بلى قلت فما صنع الله بك قال غفر لى مغفرة أحاطت بكل ذنب فسفيان
الثورى قال بخ بخ ذاك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
وذكر ابن أبي الدنيا من حديث حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن يقظة بنت
راشد قالت كان مروان المحلمى لى جارا وكان قاضيا مجتهدا قالت
فمات فوجدت عليه وجدا شديدا قالت فرأيته فيما يرى النائم قلت أبا عبد الله
ما صنع بك ربك قال أدخلنى الجنة قلت ثم ماذا قال ثم رفعت إلى أصحاب اليمين
قلت ثم ماذا قال ثم رفعت إلى المقربين المقربين قلت فمن رأيت من إخوانك
قال رأيت الحسن وابن سيرين وميمون بن سياه قال حماد قال هشام بن حسان
فحدثتني أم عبد الله وكانت من خيار نساء أهل البصرة قالت رأيت فيما يرى
النائم كأني دخلت دارا حسنة ثم دخلت بستانا فذكرت من حسنه ما شاء الله
فإذا أنا فيه برجل متكىء على سرير من ذهب وحوله الوصفاء بأيديهم الأكاويب
قالت فإني لمتعجبه من حسن ما أرى إذ قيل هذا مروان المحلمى أقبل فوثب
فاستوى جالسا على سريره قالت واستيقظت من منامى فإذا جنازة مروان قد مر
بها على بابى تلك الساعة
وقد جاءت سنة صريحة بتلاقي الأرواح وتعارفها قال ابن أبي الدنيا حدثني
محمد بن عبد الله بن بزيغ أخبرني فضيل بن سليمان النميري حدثني يحيى بن
عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده قال لما مات بشر بن البراء بن معرور وجدت
عليه أم بشر وجدا شديدا فقالت يا رسول الله إنه لا يزال الهالك يهلك من
بني سلمة فهل تتعارف الموتى فأرسل إلى بشر بالسلام فقال رسول الله نعم
والذي نفسى بيده يا أم بشر انهم ليتعافون كما تتعارف الطير في رءوس !
الشجر وكان لا يهلك من بنى سلمة إلا جاءته أم بشر فقالت يا فلان عليك
السلام فيقول وعليك فتقول اقرأ على بشر السلام !
وذكر ابن أبي الدنيا من حديث سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال
أهل القبور يتوكفون الأخبار فإذا أتاهم الميت قالوا ما فعل فلان فيقول
صالح ما فعل فلان يقول صالح ما فعل فلان فيقول ألم يأتكم أو ما قدم عليكم
فيقولون لا فيقول أنا لله وإنا إليه راجعون سلك به غير سبيلنا
وقال صالح المرى بلغنى أن الأرواح تتلاقي عند الموت فنقول لأرواح الموتى
للروح التى تخرج إليهم كيف كان مأواك وفي أى الجسدين كنت في طيب أم خبيث
ثم بكى حتى غلبه البكاء
وقال عبيد بن عمير إذا مات الميت تلقته الأرواح يستخبرونه كما يستخبر
الركب ما فعل فلان ما فعل فلان فإذا قال توفي ولم يأتهم قالوا ذهب به إلى
أمه الهاوية وقال سعيد بن المسيب إذا مات الرجل استقبله والده كما يستقبل
الغائب
وقال عبيد بن عمير أيضا لو أنى آيس من القاء من مات من أهلى لألفانى قد مت
كمدا
وذكر معاوية بن يحيى عن عبد الله بن سلمة أن أبارهم المسمعى
حدثه أن أبا أيوب الأنصارى حدثه أن رسول الله قال إن نفس المؤمن إذا قبضت
تلقاها أهل الرحمة من عند الله كما يتلقى البشير في الدنيا فيقولون انظروا
أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد فيسألونه ماذا فعل فلان وماذا فعلت
فلانة وهل تزوجت فلانة فإذا سألوه عن رجل مات قبله قال إنه قد مات فبلى
قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست المربية
وقدم تقدم حديث يحيى بن بسطام حدثني مسمع بن عاصم قال رأيت عاصما الجحدرى
في منامى بعد موته بسنتين فقلت أليس قد مت قال بلى قلت وأين أنت قال أنا
والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابى نجتمع كل ليلة جمعه
وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني فتتلقي أخباركم قلت أجسامكم أم
أرواحكم قال هيهات بليت الأجسام وإنما تتلاقي الأرواح
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
المسألة الثالثة وهى هل تتلاقي أرواح الأحياء وأرواح الأموات أم
لا
شواهد هذه المسألة وأدلتها كثر من أن يحصيها إلا الله تعالى والحس والواقع
من أعدل الشهود بها فتلقي أرواح الأحياء و الأموات كما تلاقي أرواح
الأحياء وقد قال تعالى الله يتوفي الأنفس حين موتها والتى لم تمت في
منامها فيمسك التى قضي عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك
لآيات لقوم يتفكرون
قال أبو عبد الله بن منده حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم حدثنا عبد الله
بن حسين الحراني حدثنا جدى أحمد بن شعيب حدثنا موسى بن عين عن مطرف عن
جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية قال بلغني
أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتسألون بينهم فيمسك الله
أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا الحسين حدثنا
عامر حدثنا اسباط عن السدى وفي قوله تعالى والتى لم تمت في منامها قال
يتوفاها في منامها فيلتقي روح الحى وروح الميت فيتذاكران ويتعارفان قال
فترجع روح الحى إلى جسده في الدنيا إلى بقية أجلها وتريد روح الميت أن
ترجع إلى جسده فتحبس
وهذا أحمد القولين في الآية وهو أن الممسكة من توفيت وفاة الموت أولا
والمرسلة من
توفيت وفاة النوم والمعنى على هذا القول أنه يتوفي نفس الميت
فيمسكها ولا يرسلها إلى جسدها قبل يوم القيامة ويتوفي نفس النائم ثم
يرسلها إلى جسده إلى بقية أجلها فيتوفاها الوفاة الأخرى
والقول الثاني في الآية أن الممسكة والمرسلة في الآية كلاهما توفي وفاة
النوم فمن استكملت أجلها أمسكها عنده فلا يردها إلى جسدها ومن لم تستكمل
أجلها ردها إلى جسدها لتستكمله واختار شيخ الإسلام هذا القول وقال عليه
يدل القرآن والسنة قال فإنه سبحانه ذكر إمساك التى قضي عليها الموت من هذه
الأنفس التى توفاها وفاة النوم وأما التى توفاها حين موتها فتلك لم يصفها
بامساك ولا بإسال بل هى قسم ثالث
والذي يترجح هو القول الأول لأنه سبحانه أخبر بوفاتين وفاة كبرى وهى وفاة
الموت ووفاة صغرى وهى وفاة النوم وقسم الأرواح قسمين قضي عليها بالموت
فأمسكها عنده وهى التى توفاها وفاة الموت وقسما لها بقية أجل فردها إلى
جسدها إلى استكمال أجلها وجعل سبحانه الامساك والارسال حكمين للوفاتين
المذكورتين أولا فهذه ممسكة وهذه مرسلة وأخبر أن التى لم تمت هى التى
توفاها في منامها فلو كان قد قسم وفاة النوم إلى قسمين وفاة موت ووفاة نوم
لم يقل والتى لم تمت في منامها فإنها من حين قبضت ماتت وهو سبحانه قد أخبر
أنها لم تمت فكيف يقول بعد ذلك فيمسك التى قضي عليها الموت
ولمن نصر هذا القول أن يقول قوله تعالى فيمسك التى قضى عليها الموت بعد أن
توفاها وفاة النوم فهو سبحانه توفاها أولا وفاة نوم ثم قضي عليها الموت
بعد ذلك والتحقيق أن الآية تتناول النوعين فإنه سبحانه ذكر وفاتين وفاة
نوم ووفاة موت وذكر إمساك المتوفاة وإرسال الأخرى ومعلوم أنه سبحانه يمسك
كل نفس ميت سواء مات في النوم أو في اليقظة ويرسل نفس من لم يمت فقوله
يتوفي الأنفس حين موتها يتناول من مات في اليقظة ومن مات في المنام
وقد دل التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحى يرى الميت في منامه
فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحى فيصادف خبره كما أخبر في الماضي
والمستقبل وربما أخبره بمال دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه وربما
أخبره بدين عليه وذكر له شواهده وأدلته
وأبلغ من هذا أنه يخبر بما عمله من عمل لم يطلع عليه أحد من العالمين
وأبلغ من هذا أنه يخبره أنك تأتينا إلى وقت كذا وكذا فيكون كما أخبر وربما
أخبره عن أمور يقطع الحى أنه لم يكن يعرفها غيره وقد ذكرنا قصة الصعب بن
جثامة وقوله لعوف بن مالك ما قال له وذكرنا قصة ثابت بن قيس بن شماس
وأخباره لمن رآه يدرعه وما عليه من الدين
وقصة صدقة بن سليمان الجعفرى وأخبار ابنه له بما عمل من بعده
وقصة شبيب بن شيبة وقول أمه له بعد الموت جزاك الله خيرا حيث لقنها لا إله
إلا الله وقصة الفضل بن الموفق مع ابنه وإخباره إياه بعلمه بزيارته
وقال سعيد بن المسيب التقي عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي فقال أحدهما
للآخر أن مت قبلى فالقني فاخبرني ما لقيت من ربك وإن أنا مت قبلك لقيتك
فأخبرتك فقال الآخر وهل تلتقي الأموات والأحياء قال نعم أرواحهم في الجنة
تذهب حيث تشاء قال فمات فلان فلقيه في المنام فقال توكل وأبشر فلم أر مثل
التوكل قط وقال العباس بن عبد المطلب كنت أشتهى أن ارى عمر في المنام فما
رأيته إلا عند قرب الحول فرأيته يمسح العرق عن جبينه وهو يقول هذا أوان
فراغي إن كاد عرشي ليهد لولا أن لقيت رءوفا رحميا
ولما حضرت شريح بن عابد الثمالى الوفاة دخل عليه غضيف بن الحارث وهو يجود
بنفسه فقال يا أبا الحجاج إن قدرت على أن تأتينا بعد الموت فتخبرنا بما
ترى فافعل قال وكانت كلمة مقبولة في أهل الفقه قال فمكث زمانا لا يراه ثم
رآه في منامه فقال له أليس قدمت قال بلى قال فكيف حالك قال تجاوز ربنا عنا
الذنوب فلم يهلك منا إلا الاحراض قلت وما الأحراض قال الذين يشار إليهم
بالأصابع في الشيء
وقال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز رأيت أبي في النوم بعد موته كأنه في
حديقة فدفع إلى تفاحات فأولتهن ! الولد فقلت أى الأعمال وجدت أفضل فقال
الاستغفار أى بنى
ورأى مسلمة بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز بعد موته فقال يا أمير
المؤمنين ليت شعرى إلى أى الحالات صرت بعد الموت قال يا مسلمة هذا أوان
فراغي والله ما استرحت إلا الآن قال قلت فأين أنت يا أمير المؤمنين قال مع
أئمة الهدى في جنة عدن
قال صالح البراد رأيت زرارة بن أوفي بعد موته فقلت رحمك الله ماذا قيل لك
وماذا قلت فأعرض عنى قلت فما صنع الله بك قال تفضل على بجوده وكرمه قلت
فأبو العلاء بن يزيد أخو مطرف قال ذاك في الدرجات العلى قلت فأى الأعمال
أبلغ فيما عندكم قال التوكل وقصر الأمل
وقال مالك بن دينار رأيت مسلم بن يسار بعد موته فسلمت عليه فلم يرد على
السلام فقلت ما يمنعك أن ترد السلام قال أنا ميت فكيف أرد عليك السلام
فقلت له ماذا لقيت بعد الموت قال لقيت والله أهوالا وزلازل عظاما شدادا
قال قلت له فما كان بعد ذلك قال وما تراه يكون من الكريم قبل منا الحسنات
وعفا لنا عن السيئات وضمن عنا النبعات ! قال ثم شهق مالك شهقة خر مغشيا
عليه قال فلبث بعد ذلك أياما مريضا ثم انصدع قلبه فمات
وقال سهيل أخو حزم رأيت مالك بن دينار بعد موته فقلت يا أبا
يحيى ليث شعرى ماذا قدمت به على الله قال قدمت بذنوب كثيرة محاها عنى حسن
الظن بالله عز و جل
ولما مات رجاء بن حيوة رأته امرأة عابدة فقالت يا أبا المقدام إلام صرتم
قال إلى خير ولكن فزعنا بعدكم فزعة ظننا أن القيامة قد قامت قالت قلت ومم
ذلك قال دخل الجراح وأصحابه الجنة بأثقالهم حتى ازدحموا على بابها
وقال جميل بن مرة كان مورق العجلى لى أخا وصديقا فقلت له ذات يوم أينا مات
قبل صاحبه فليأت صاحبه فليخبره بالذي صار الأيه قال فمات مورق فرأت أهلى
في منامها كأنه أتانا كما كان يأتي فقرع الباب كما كان يقرع قالت فقمت
ففتحت له كما كنت أفتح وقلت أدخل يا أبا المعتمر إلى باب أخيك فقال كيف
أدخل وقد ذقت الموت إنما جئت لأعلم جميلا بما صنع الله بى أعلميه أنه قد
جعلني في المقربين
ولما مات محمد بن سيرين حزن عليه بعض أصحابه حزنا شديدا فرآه في المنام في
حال حسنة فقال يا أخي قد أراك في حال يسرني فما صنع الحسن قال رفع فوقي
بسبعين درجة قلت ولم ذاك وقد كنا نرى أنك أفضل منه قال ذاك بطول حزنه
وقال ابن عيينة رأيت سفيان الثورى في النوم فقلت أوصنى قال أقل من معرفة
الناس
وقال عمار بن سيف رأيت الحسن بن صالح في منامى فقلت قد كنت متمنيا للقائك
فماذا عندك فتخبرنا به فقال أبشر فإني لم أر مثل حسن الظن بالله شيئا
ولما مات ضيغم العابد رآه بعض أصحابه في المنام فقال أما صليت علي قال
فذكرت علة كانت فقال أما لو كنت على نجت رأسك
ولما ماتت رابعة رأتها امرأة من أصحابها وعليها حلة استبرق وخمار من سندس
وكانت كفنت في جبة ! وخمار من صوف فقالت لها ما فعلت الجبة التى كفنتك
فيها وخمار الصوف قالت والله أنه نزع عنى وأبدلت به هذا الذي ترين على
وطويت أكفاني وختم عليها ورفعت في عليين ليكمل لى ثوابها يوم القيامة قالت
فقلت لها هذا كنت تعلمين أيام الدنيا فقالت وما هذا عند ما رأيت من كرامة
الله لأوليائه فقلت لها فما فعلت عبدة بنت أبي كلاب فقلت هيهات هيهات
سبقتنا والله إلى الدرجات العلى قالت قلت وبم وقد كنت عند الناس أعبد منها
فقالت أنها لم تكن تبالى على أى حال أصبحت من الدنيا أو أمست فقلت فما فعل
أبو مالك تعنى ضيغما فقالت يزور الله تبارك وتعالى متى شاء قالت
قلت فما فعل بشر بن منصور قالت بخ بخ أعطى والله فوق ما كان
يأمل قالت قلت مرينى بأمر أتقرب به إلى الله تعالى قالت عليك بكثرة ذكر
الله فيوشك أن تغتبطى بذلك في قبرك
ولما مات عبد العزيز بن سليمان العابد رآه بعض أصحابه وعليه ثياب خضر وعلى
رأسه أكليل من لؤلؤ فقال كيف كنت بعدنا وكيف وجدت طعم الموت وكيف رأيت
الأمر هناك قال أما الموت فلا تسأل عن شدة كربه وغمه إلا أن رحمة الله
وارت عنا كل عيب وما تلقانا إلا بفضله
وقال صالح بن بشر لما مات عطاء السلمى رأيته في منامى فقلت يا أبا محمد
ألست في زمرة الموتى قال بلى قلت فماذا صرت بعد الموت قال صرت والله إلى
خير كثير ورب غفور شكور قال قلت أما والله لقد كنت طويل الحزن في دار
الدنيا فتبسم وقال والله لقد أعقبني ذلك راحة طويلة وفرحا دائما قلت ففي
أى الدرجات أنت قال مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء الصالحين وحسن أولئك رفيقا
ولما مات عاصم الجحدرى رآه بعض أهله في المنام فقال أليس قدمت قال بلى قال
فأين أنت قال أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي نجتمع
كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزنى فنتلقى أخباركم قال قلت
أجسادكم أم أرواحكم قال هيهات بليت الأجساد وإنما تتلاقى الأرواح
ورئى الفضيل بن عياض بعد موته فقال لم أر للعبد خيرا من ربه
وكان مرة الهمدانى قد سجد حتى أكل التراب جبهته فلما مات رآه رجل من أهله
في منامه وكأن موضع سجوده كهيئة الكوكب الدرى فقال ما هذا الأثر الذي أرى
بوجهك قال كسى موضع السجود بأكل التراب له نورا قال قلت فما منزلتك في
الآخرة قال خير منزل دار لا ينتقل عنها أهلها ولا يموتون
وقال أبو يعقوب القارى رأيت في منامى رجلا آدما طوالا والناس يتبعونه قلت
من هذا قالوا أو يس القرنى فاتبعته فقلت أوصنى يرحمك الله فكلح في وجهى
فقلت مسترشد فأرشدنى رحمك الله فأقبل على فقال ابتغ رحمة الله عند محبته
واحذر نقمته عند ! معصيته ولا تقطع رجاءك منه في خلال ذلك ثم ولى وتركنى
وقال ابن السماك رأيت مسعرا في النوم فقلت أى الأعمال وجدت أفضل قال مجالس
الذكر وقال الأجلح رأيت سلمة بن كهيل في النوم فقلت أى الأعمال وجدت أفضل
قال قيام الليل وقال أبو بكر بن أبى مريم رأيت وفاء بن بشر بعد موته فقلت
ما فعلت
يا وفاء قال نجوت بعد كل جهد قلت فأى الأعمال وجدتموها أفضل قال
البكاء من خشية ! الله عز و جل
وقال الليث بن سعد عن موسى بن وردان أنه رأى عبد الله بن أبى حبيبة بعد
موته فقال عرضت على حسناتى وسيئاتى فرأيت في حسناتى حبات رمان التقطتهن
فأكلهن ! ورأيت في سيئاتى خيطى حرير كانا في قلنسوتى
وقال سنيد بن داود حدثنى ابن أخى جويرية بن أسماء قال كنا بعبادان فقدم
علينا شاب من أهل الكوفة متعبد فمات بها في يوم شديد الحر فقلت نبرد ثم
نأخذ في جهازه فنمت فرأيت كأنى في المقابر فإذا بقبة جوهر تتلألأ حسنا
وأنا أنظر إليها إذ انفلقت فأشرفت منها جارية ما رأيت مثل حسنها فأقبلت
على فقالت بالله لا تحبسه عنا إلى الظهر قال فانتبهت فزعا وأخذت في جهازه
وحفرت له قبرا في الموضع الذي رأيت فيه القبة فدفنته فيه
وقال عبد الملك بن عتاب الليثى رأيت عامر بن عبد قيس في النوم فقلت أى
الأعمال وجدت أفضل قال ما أريد به وجه الله عز و جل
وقال يزيد بن هارون رأيت أبا العلاء أيوب بن مسكين في المنام فقلت ما فعل
بك ربك قال غفر لي قلت بماذا قال بالصوم والصلاة قلت أرأيت منصور بن زادان
قال هيهات ذاك نرى قصره من بعيد
وقال يزيد بن نعامة هلكت جارية في طاعون الجارف فلقيها أبوها بعد موتها
فقال لها يا بنية أخبرينى عن الآخرة قالت يا أبت قدمنا على أمر عظيم نعلم
ولا نعمل وتعملون ولا تعلمون والله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان
في صحيفة عملي أحب إلى من الدنيا وما فيها وقال كثير بن مرة رأيت في منامى
كأنى دخلت درجة علياء في الجنة فجعلت أطوف بها وأتعجب منها فإذا أنا بنساء
من نساء المسجد في ناحية منها فذهبت حتى سلمت عليهن ثم قلت بما بلغتن هذه
الدرجة قلن بسجدات وتكبيرات وقال مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز عن فاطمة
بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز قالت انتبه عمر بن عبد العزيز ليلة
فقال لقد رأيت رؤيا معجبة قالت فقلت جعلت فداءك فأخبرنى بها فقال ما كنت
لأخبرك بها حتى أصبح فلما طلع الفجر خرج فصلى ثم عاد إلى مجلسه قالت
فاغتنمت خلوته فقلت أخبرنى بالرؤيا التي رأيت قال رأيت كأنى رفعت إلى أرض
خضراء واسعة كأنها بساط أخضر وإذا فيها قصر أبيض كأنه الفضة وإذا خارج قد
خرج من ذلك القصر فهتف بأعلى صوته يقول أين محمد بن عبد الله بن عبد
المطلب أين رسول الله إذ أقبل رسول الله حتى دخل ذلك القصر قال ثم إن آخر
خرج من ذلك القصر فنادى
أين أبو بكر الصديق أين ابن أبى قحافة إذ أقبل أبو بكر حتى دخل
ذلك القصر ثم خرج آخر فنادى أين عمر بن الخطاب فأقبل عمر حتى دخل ذلك
القصر ثم خرج آخر فنادى أين عثمان ابن عفان فأقبل حتى دخل ذلك القصر ثم
خرج آخر فنادى أين علي بن أبى طالب فأقبل حتى دخل ذلك القصر ثم ان آخر خرج
فنادى أين عمر بن عبد العزيز قال عمر فقمت حتى دخلت ذلك القصر قال فدفعت
إلى رسول الله والقوم حوله فقلت بينى وبين نفسى أين أجلس فجلست إلى جنب
أبى عمر بن الخطاب فنظرت فإذا أبو بكر عن يمين النبي وإذا عمر عن يساره
فتأملت فإذا بين رسول الله وبين أبى بكر رجل فقلت من هذا الرجل الذى بين
رسول وبين أبى بكر فقال هذا عيسى بن مريم فسمعت هاتفا يهتف وبينى وبينه
ستر نور يا عمر بن عبد العزيز تمسك بما أنت عليه وانبت على ما أنت عليه ثم
كأنه أذن لى في الخروج فخرجت من ذلك القصر فالتفت خلفي فإذا أنا بعثمان بن
عفان وهو خارج من ذلك القصر يقول الحمد لله الذي نصرنى وإذا علي بن أبى
طالب في أثره خارج من ذلك القصر وهو يقول الحمد لله الذي غفر لى
وقال سعيد بن أبى عروبة عن عمر بن عبد العزيز رأيت رسول الله وأبو بكر
وعمر جالسان عنده فسلمت فبينا أنا جالس إذ أتى بعلي ومعاوية فأدخلا بيتا
وأجيف عليها الباب وأنا أنظر فما كان بأسرع من أن خرج على وهو يقول قضى لى
ورب الكعبة وما كان بأسرع من أن خرج معاوية على أثره وهو يقول غفر لي ورب
الكعبة
وقال حماد بن أبى هاشم جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز فقال رأيت رسول الله
في المنام وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله وأقبل رجلان يختصمان وانت بين
يديه جالس فقال لك يا عمر إذا عملت فاعمل بعمل هذين لأبى بكر وعمر
فاستحلفه عمر بالله أرأيت هذه الرؤيا فحلف ! فبكى عمر
وقال عبد الرحمن بن غنم رأيت معاذ بن جبل بعد وفاته بثلاث على فرس أبلق
وخلفه رجال بيض عليهم ثياب خضر على خيل بلق وهو قدامهم وهو يقول يا ليت
قومى يعلمون بما غفر لي ربى وجعلني من المكرمين ثم التفت عن يمينه وشماله
يقول يا ابن رواحة يا ابن مظعون الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض
نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ثم صافحنى وسلم على
وقال قبيصة بن عقبة رأيت سفيان الثورى في المنام بعد موته فقلت
ما فعل الله بك فقال
نظرت إلى ربي عيانا فقال لي ... هنيئا رضايا عنك يا ابن سعيد
فقد كنت قواما إذا الليل قد دجا ... بعبرة محزون وقلب عميد
فدونك فاخترأى قصر تريده ... وزرنى فإنى منك غير بعيد
وقال سفيان بن عيينة رأيت سفيان الثورى بعد موته يطير في الجنة من نخلة
إلى شجرة ومن شجرة إلى نخلة وهو يقول لمثل هذا فليعمل العاملون فقيل له
بما أدخلت الجنة قال بالورع بالورع قيل له فما فعل على بن عاصم قال ما
نراه إلا مثل الكوكب
وكان شعبة بن الحجاج ومسعر بن كدام حافظين وكانا جليلين قال أبو أحمد
البريدى فرأيتهما بعد موتهما فقلت أبا بسطام ما فعل الله بك فقال وفقك
الله لحفظ ما أقول
حبانى إلهى في الجنان بقية ... لها ألف باب من لجين وجوهرا
وقال لى الرحمن يا شعبة الذي ... تبحر في جمع العلوم فأكثرا
تنعم بقربى إننى عنك ذو رضا ... وعن عبدى القوام في الليل مسعرا
كفا مسعرا عزا بأن سيزورني ... واكشف عن وجهى الكريم لينظرا
وهذا فعالى بالذين تنسكوا ... ولم يألفوا في سالف الدهر منكرا
قال أحمد بن محمد اللبدى رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت يا أبا عبد الله
ما فعل الله بك قال غفر لى ثم قال يا أحمد ضربت في ستين سوطا قلت نعم يارب
قال هذا وجهى قدأبحتك فأنظر إليه
وقال أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج حدثنى رجل من أهل طوسوس قال دعوت
الله عز و جل أن يرينى أهل القبور حتى أسألهم عن أحمد بن حنبل ما فعل الله
به فرأيت بعد عشر سنين في المنام كأن أهل القبور قد قاموا على قبورهم
فبادرونى بالكلام فقالوا يا هذا كم تدعو الله عز و جل أن يريك ايانا
تسألنا عن رجل لم يزل منذ فارقكم تحليه الملائكة تحت شجرة طوبى قال أبو
محمد عبد الحق وهذا الكلام من أهل القبور إنما هو اخبار عن علو درجة أحمد
بن حنبل وارتفاع مكانه وعظم منزلته فلم يقدروا أن يعبروا عن صفة حاله وعن
ما هو فيه إلا بهذا وما هو في معناه
لا
شواهد هذه المسألة وأدلتها كثر من أن يحصيها إلا الله تعالى والحس والواقع
من أعدل الشهود بها فتلقي أرواح الأحياء و الأموات كما تلاقي أرواح
الأحياء وقد قال تعالى الله يتوفي الأنفس حين موتها والتى لم تمت في
منامها فيمسك التى قضي عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك
لآيات لقوم يتفكرون
قال أبو عبد الله بن منده حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم حدثنا عبد الله
بن حسين الحراني حدثنا جدى أحمد بن شعيب حدثنا موسى بن عين عن مطرف عن
جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية قال بلغني
أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتسألون بينهم فيمسك الله
أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا الحسين حدثنا
عامر حدثنا اسباط عن السدى وفي قوله تعالى والتى لم تمت في منامها قال
يتوفاها في منامها فيلتقي روح الحى وروح الميت فيتذاكران ويتعارفان قال
فترجع روح الحى إلى جسده في الدنيا إلى بقية أجلها وتريد روح الميت أن
ترجع إلى جسده فتحبس
وهذا أحمد القولين في الآية وهو أن الممسكة من توفيت وفاة الموت أولا
والمرسلة من
توفيت وفاة النوم والمعنى على هذا القول أنه يتوفي نفس الميت
فيمسكها ولا يرسلها إلى جسدها قبل يوم القيامة ويتوفي نفس النائم ثم
يرسلها إلى جسده إلى بقية أجلها فيتوفاها الوفاة الأخرى
والقول الثاني في الآية أن الممسكة والمرسلة في الآية كلاهما توفي وفاة
النوم فمن استكملت أجلها أمسكها عنده فلا يردها إلى جسدها ومن لم تستكمل
أجلها ردها إلى جسدها لتستكمله واختار شيخ الإسلام هذا القول وقال عليه
يدل القرآن والسنة قال فإنه سبحانه ذكر إمساك التى قضي عليها الموت من هذه
الأنفس التى توفاها وفاة النوم وأما التى توفاها حين موتها فتلك لم يصفها
بامساك ولا بإسال بل هى قسم ثالث
والذي يترجح هو القول الأول لأنه سبحانه أخبر بوفاتين وفاة كبرى وهى وفاة
الموت ووفاة صغرى وهى وفاة النوم وقسم الأرواح قسمين قضي عليها بالموت
فأمسكها عنده وهى التى توفاها وفاة الموت وقسما لها بقية أجل فردها إلى
جسدها إلى استكمال أجلها وجعل سبحانه الامساك والارسال حكمين للوفاتين
المذكورتين أولا فهذه ممسكة وهذه مرسلة وأخبر أن التى لم تمت هى التى
توفاها في منامها فلو كان قد قسم وفاة النوم إلى قسمين وفاة موت ووفاة نوم
لم يقل والتى لم تمت في منامها فإنها من حين قبضت ماتت وهو سبحانه قد أخبر
أنها لم تمت فكيف يقول بعد ذلك فيمسك التى قضي عليها الموت
ولمن نصر هذا القول أن يقول قوله تعالى فيمسك التى قضى عليها الموت بعد أن
توفاها وفاة النوم فهو سبحانه توفاها أولا وفاة نوم ثم قضي عليها الموت
بعد ذلك والتحقيق أن الآية تتناول النوعين فإنه سبحانه ذكر وفاتين وفاة
نوم ووفاة موت وذكر إمساك المتوفاة وإرسال الأخرى ومعلوم أنه سبحانه يمسك
كل نفس ميت سواء مات في النوم أو في اليقظة ويرسل نفس من لم يمت فقوله
يتوفي الأنفس حين موتها يتناول من مات في اليقظة ومن مات في المنام
وقد دل التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحى يرى الميت في منامه
فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحى فيصادف خبره كما أخبر في الماضي
والمستقبل وربما أخبره بمال دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه وربما
أخبره بدين عليه وذكر له شواهده وأدلته
وأبلغ من هذا أنه يخبر بما عمله من عمل لم يطلع عليه أحد من العالمين
وأبلغ من هذا أنه يخبره أنك تأتينا إلى وقت كذا وكذا فيكون كما أخبر وربما
أخبره عن أمور يقطع الحى أنه لم يكن يعرفها غيره وقد ذكرنا قصة الصعب بن
جثامة وقوله لعوف بن مالك ما قال له وذكرنا قصة ثابت بن قيس بن شماس
وأخباره لمن رآه يدرعه وما عليه من الدين
وقصة صدقة بن سليمان الجعفرى وأخبار ابنه له بما عمل من بعده
وقصة شبيب بن شيبة وقول أمه له بعد الموت جزاك الله خيرا حيث لقنها لا إله
إلا الله وقصة الفضل بن الموفق مع ابنه وإخباره إياه بعلمه بزيارته
وقال سعيد بن المسيب التقي عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي فقال أحدهما
للآخر أن مت قبلى فالقني فاخبرني ما لقيت من ربك وإن أنا مت قبلك لقيتك
فأخبرتك فقال الآخر وهل تلتقي الأموات والأحياء قال نعم أرواحهم في الجنة
تذهب حيث تشاء قال فمات فلان فلقيه في المنام فقال توكل وأبشر فلم أر مثل
التوكل قط وقال العباس بن عبد المطلب كنت أشتهى أن ارى عمر في المنام فما
رأيته إلا عند قرب الحول فرأيته يمسح العرق عن جبينه وهو يقول هذا أوان
فراغي إن كاد عرشي ليهد لولا أن لقيت رءوفا رحميا
ولما حضرت شريح بن عابد الثمالى الوفاة دخل عليه غضيف بن الحارث وهو يجود
بنفسه فقال يا أبا الحجاج إن قدرت على أن تأتينا بعد الموت فتخبرنا بما
ترى فافعل قال وكانت كلمة مقبولة في أهل الفقه قال فمكث زمانا لا يراه ثم
رآه في منامه فقال له أليس قدمت قال بلى قال فكيف حالك قال تجاوز ربنا عنا
الذنوب فلم يهلك منا إلا الاحراض قلت وما الأحراض قال الذين يشار إليهم
بالأصابع في الشيء
وقال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز رأيت أبي في النوم بعد موته كأنه في
حديقة فدفع إلى تفاحات فأولتهن ! الولد فقلت أى الأعمال وجدت أفضل فقال
الاستغفار أى بنى
ورأى مسلمة بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز بعد موته فقال يا أمير
المؤمنين ليت شعرى إلى أى الحالات صرت بعد الموت قال يا مسلمة هذا أوان
فراغي والله ما استرحت إلا الآن قال قلت فأين أنت يا أمير المؤمنين قال مع
أئمة الهدى في جنة عدن
قال صالح البراد رأيت زرارة بن أوفي بعد موته فقلت رحمك الله ماذا قيل لك
وماذا قلت فأعرض عنى قلت فما صنع الله بك قال تفضل على بجوده وكرمه قلت
فأبو العلاء بن يزيد أخو مطرف قال ذاك في الدرجات العلى قلت فأى الأعمال
أبلغ فيما عندكم قال التوكل وقصر الأمل
وقال مالك بن دينار رأيت مسلم بن يسار بعد موته فسلمت عليه فلم يرد على
السلام فقلت ما يمنعك أن ترد السلام قال أنا ميت فكيف أرد عليك السلام
فقلت له ماذا لقيت بعد الموت قال لقيت والله أهوالا وزلازل عظاما شدادا
قال قلت له فما كان بعد ذلك قال وما تراه يكون من الكريم قبل منا الحسنات
وعفا لنا عن السيئات وضمن عنا النبعات ! قال ثم شهق مالك شهقة خر مغشيا
عليه قال فلبث بعد ذلك أياما مريضا ثم انصدع قلبه فمات
وقال سهيل أخو حزم رأيت مالك بن دينار بعد موته فقلت يا أبا
يحيى ليث شعرى ماذا قدمت به على الله قال قدمت بذنوب كثيرة محاها عنى حسن
الظن بالله عز و جل
ولما مات رجاء بن حيوة رأته امرأة عابدة فقالت يا أبا المقدام إلام صرتم
قال إلى خير ولكن فزعنا بعدكم فزعة ظننا أن القيامة قد قامت قالت قلت ومم
ذلك قال دخل الجراح وأصحابه الجنة بأثقالهم حتى ازدحموا على بابها
وقال جميل بن مرة كان مورق العجلى لى أخا وصديقا فقلت له ذات يوم أينا مات
قبل صاحبه فليأت صاحبه فليخبره بالذي صار الأيه قال فمات مورق فرأت أهلى
في منامها كأنه أتانا كما كان يأتي فقرع الباب كما كان يقرع قالت فقمت
ففتحت له كما كنت أفتح وقلت أدخل يا أبا المعتمر إلى باب أخيك فقال كيف
أدخل وقد ذقت الموت إنما جئت لأعلم جميلا بما صنع الله بى أعلميه أنه قد
جعلني في المقربين
ولما مات محمد بن سيرين حزن عليه بعض أصحابه حزنا شديدا فرآه في المنام في
حال حسنة فقال يا أخي قد أراك في حال يسرني فما صنع الحسن قال رفع فوقي
بسبعين درجة قلت ولم ذاك وقد كنا نرى أنك أفضل منه قال ذاك بطول حزنه
وقال ابن عيينة رأيت سفيان الثورى في النوم فقلت أوصنى قال أقل من معرفة
الناس
وقال عمار بن سيف رأيت الحسن بن صالح في منامى فقلت قد كنت متمنيا للقائك
فماذا عندك فتخبرنا به فقال أبشر فإني لم أر مثل حسن الظن بالله شيئا
ولما مات ضيغم العابد رآه بعض أصحابه في المنام فقال أما صليت علي قال
فذكرت علة كانت فقال أما لو كنت على نجت رأسك
ولما ماتت رابعة رأتها امرأة من أصحابها وعليها حلة استبرق وخمار من سندس
وكانت كفنت في جبة ! وخمار من صوف فقالت لها ما فعلت الجبة التى كفنتك
فيها وخمار الصوف قالت والله أنه نزع عنى وأبدلت به هذا الذي ترين على
وطويت أكفاني وختم عليها ورفعت في عليين ليكمل لى ثوابها يوم القيامة قالت
فقلت لها هذا كنت تعلمين أيام الدنيا فقالت وما هذا عند ما رأيت من كرامة
الله لأوليائه فقلت لها فما فعلت عبدة بنت أبي كلاب فقلت هيهات هيهات
سبقتنا والله إلى الدرجات العلى قالت قلت وبم وقد كنت عند الناس أعبد منها
فقالت أنها لم تكن تبالى على أى حال أصبحت من الدنيا أو أمست فقلت فما فعل
أبو مالك تعنى ضيغما فقالت يزور الله تبارك وتعالى متى شاء قالت
قلت فما فعل بشر بن منصور قالت بخ بخ أعطى والله فوق ما كان
يأمل قالت قلت مرينى بأمر أتقرب به إلى الله تعالى قالت عليك بكثرة ذكر
الله فيوشك أن تغتبطى بذلك في قبرك
ولما مات عبد العزيز بن سليمان العابد رآه بعض أصحابه وعليه ثياب خضر وعلى
رأسه أكليل من لؤلؤ فقال كيف كنت بعدنا وكيف وجدت طعم الموت وكيف رأيت
الأمر هناك قال أما الموت فلا تسأل عن شدة كربه وغمه إلا أن رحمة الله
وارت عنا كل عيب وما تلقانا إلا بفضله
وقال صالح بن بشر لما مات عطاء السلمى رأيته في منامى فقلت يا أبا محمد
ألست في زمرة الموتى قال بلى قلت فماذا صرت بعد الموت قال صرت والله إلى
خير كثير ورب غفور شكور قال قلت أما والله لقد كنت طويل الحزن في دار
الدنيا فتبسم وقال والله لقد أعقبني ذلك راحة طويلة وفرحا دائما قلت ففي
أى الدرجات أنت قال مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء الصالحين وحسن أولئك رفيقا
ولما مات عاصم الجحدرى رآه بعض أهله في المنام فقال أليس قدمت قال بلى قال
فأين أنت قال أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي نجتمع
كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزنى فنتلقى أخباركم قال قلت
أجسادكم أم أرواحكم قال هيهات بليت الأجساد وإنما تتلاقى الأرواح
ورئى الفضيل بن عياض بعد موته فقال لم أر للعبد خيرا من ربه
وكان مرة الهمدانى قد سجد حتى أكل التراب جبهته فلما مات رآه رجل من أهله
في منامه وكأن موضع سجوده كهيئة الكوكب الدرى فقال ما هذا الأثر الذي أرى
بوجهك قال كسى موضع السجود بأكل التراب له نورا قال قلت فما منزلتك في
الآخرة قال خير منزل دار لا ينتقل عنها أهلها ولا يموتون
وقال أبو يعقوب القارى رأيت في منامى رجلا آدما طوالا والناس يتبعونه قلت
من هذا قالوا أو يس القرنى فاتبعته فقلت أوصنى يرحمك الله فكلح في وجهى
فقلت مسترشد فأرشدنى رحمك الله فأقبل على فقال ابتغ رحمة الله عند محبته
واحذر نقمته عند ! معصيته ولا تقطع رجاءك منه في خلال ذلك ثم ولى وتركنى
وقال ابن السماك رأيت مسعرا في النوم فقلت أى الأعمال وجدت أفضل قال مجالس
الذكر وقال الأجلح رأيت سلمة بن كهيل في النوم فقلت أى الأعمال وجدت أفضل
قال قيام الليل وقال أبو بكر بن أبى مريم رأيت وفاء بن بشر بعد موته فقلت
ما فعلت
يا وفاء قال نجوت بعد كل جهد قلت فأى الأعمال وجدتموها أفضل قال
البكاء من خشية ! الله عز و جل
وقال الليث بن سعد عن موسى بن وردان أنه رأى عبد الله بن أبى حبيبة بعد
موته فقال عرضت على حسناتى وسيئاتى فرأيت في حسناتى حبات رمان التقطتهن
فأكلهن ! ورأيت في سيئاتى خيطى حرير كانا في قلنسوتى
وقال سنيد بن داود حدثنى ابن أخى جويرية بن أسماء قال كنا بعبادان فقدم
علينا شاب من أهل الكوفة متعبد فمات بها في يوم شديد الحر فقلت نبرد ثم
نأخذ في جهازه فنمت فرأيت كأنى في المقابر فإذا بقبة جوهر تتلألأ حسنا
وأنا أنظر إليها إذ انفلقت فأشرفت منها جارية ما رأيت مثل حسنها فأقبلت
على فقالت بالله لا تحبسه عنا إلى الظهر قال فانتبهت فزعا وأخذت في جهازه
وحفرت له قبرا في الموضع الذي رأيت فيه القبة فدفنته فيه
وقال عبد الملك بن عتاب الليثى رأيت عامر بن عبد قيس في النوم فقلت أى
الأعمال وجدت أفضل قال ما أريد به وجه الله عز و جل
وقال يزيد بن هارون رأيت أبا العلاء أيوب بن مسكين في المنام فقلت ما فعل
بك ربك قال غفر لي قلت بماذا قال بالصوم والصلاة قلت أرأيت منصور بن زادان
قال هيهات ذاك نرى قصره من بعيد
وقال يزيد بن نعامة هلكت جارية في طاعون الجارف فلقيها أبوها بعد موتها
فقال لها يا بنية أخبرينى عن الآخرة قالت يا أبت قدمنا على أمر عظيم نعلم
ولا نعمل وتعملون ولا تعلمون والله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان
في صحيفة عملي أحب إلى من الدنيا وما فيها وقال كثير بن مرة رأيت في منامى
كأنى دخلت درجة علياء في الجنة فجعلت أطوف بها وأتعجب منها فإذا أنا بنساء
من نساء المسجد في ناحية منها فذهبت حتى سلمت عليهن ثم قلت بما بلغتن هذه
الدرجة قلن بسجدات وتكبيرات وقال مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز عن فاطمة
بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز قالت انتبه عمر بن عبد العزيز ليلة
فقال لقد رأيت رؤيا معجبة قالت فقلت جعلت فداءك فأخبرنى بها فقال ما كنت
لأخبرك بها حتى أصبح فلما طلع الفجر خرج فصلى ثم عاد إلى مجلسه قالت
فاغتنمت خلوته فقلت أخبرنى بالرؤيا التي رأيت قال رأيت كأنى رفعت إلى أرض
خضراء واسعة كأنها بساط أخضر وإذا فيها قصر أبيض كأنه الفضة وإذا خارج قد
خرج من ذلك القصر فهتف بأعلى صوته يقول أين محمد بن عبد الله بن عبد
المطلب أين رسول الله إذ أقبل رسول الله حتى دخل ذلك القصر قال ثم إن آخر
خرج من ذلك القصر فنادى
أين أبو بكر الصديق أين ابن أبى قحافة إذ أقبل أبو بكر حتى دخل
ذلك القصر ثم خرج آخر فنادى أين عمر بن الخطاب فأقبل عمر حتى دخل ذلك
القصر ثم خرج آخر فنادى أين عثمان ابن عفان فأقبل حتى دخل ذلك القصر ثم
خرج آخر فنادى أين علي بن أبى طالب فأقبل حتى دخل ذلك القصر ثم ان آخر خرج
فنادى أين عمر بن عبد العزيز قال عمر فقمت حتى دخلت ذلك القصر قال فدفعت
إلى رسول الله والقوم حوله فقلت بينى وبين نفسى أين أجلس فجلست إلى جنب
أبى عمر بن الخطاب فنظرت فإذا أبو بكر عن يمين النبي وإذا عمر عن يساره
فتأملت فإذا بين رسول الله وبين أبى بكر رجل فقلت من هذا الرجل الذى بين
رسول وبين أبى بكر فقال هذا عيسى بن مريم فسمعت هاتفا يهتف وبينى وبينه
ستر نور يا عمر بن عبد العزيز تمسك بما أنت عليه وانبت على ما أنت عليه ثم
كأنه أذن لى في الخروج فخرجت من ذلك القصر فالتفت خلفي فإذا أنا بعثمان بن
عفان وهو خارج من ذلك القصر يقول الحمد لله الذي نصرنى وإذا علي بن أبى
طالب في أثره خارج من ذلك القصر وهو يقول الحمد لله الذي غفر لى
وقال سعيد بن أبى عروبة عن عمر بن عبد العزيز رأيت رسول الله وأبو بكر
وعمر جالسان عنده فسلمت فبينا أنا جالس إذ أتى بعلي ومعاوية فأدخلا بيتا
وأجيف عليها الباب وأنا أنظر فما كان بأسرع من أن خرج على وهو يقول قضى لى
ورب الكعبة وما كان بأسرع من أن خرج معاوية على أثره وهو يقول غفر لي ورب
الكعبة
وقال حماد بن أبى هاشم جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز فقال رأيت رسول الله
في المنام وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله وأقبل رجلان يختصمان وانت بين
يديه جالس فقال لك يا عمر إذا عملت فاعمل بعمل هذين لأبى بكر وعمر
فاستحلفه عمر بالله أرأيت هذه الرؤيا فحلف ! فبكى عمر
وقال عبد الرحمن بن غنم رأيت معاذ بن جبل بعد وفاته بثلاث على فرس أبلق
وخلفه رجال بيض عليهم ثياب خضر على خيل بلق وهو قدامهم وهو يقول يا ليت
قومى يعلمون بما غفر لي ربى وجعلني من المكرمين ثم التفت عن يمينه وشماله
يقول يا ابن رواحة يا ابن مظعون الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض
نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ثم صافحنى وسلم على
وقال قبيصة بن عقبة رأيت سفيان الثورى في المنام بعد موته فقلت
ما فعل الله بك فقال
نظرت إلى ربي عيانا فقال لي ... هنيئا رضايا عنك يا ابن سعيد
فقد كنت قواما إذا الليل قد دجا ... بعبرة محزون وقلب عميد
فدونك فاخترأى قصر تريده ... وزرنى فإنى منك غير بعيد
وقال سفيان بن عيينة رأيت سفيان الثورى بعد موته يطير في الجنة من نخلة
إلى شجرة ومن شجرة إلى نخلة وهو يقول لمثل هذا فليعمل العاملون فقيل له
بما أدخلت الجنة قال بالورع بالورع قيل له فما فعل على بن عاصم قال ما
نراه إلا مثل الكوكب
وكان شعبة بن الحجاج ومسعر بن كدام حافظين وكانا جليلين قال أبو أحمد
البريدى فرأيتهما بعد موتهما فقلت أبا بسطام ما فعل الله بك فقال وفقك
الله لحفظ ما أقول
حبانى إلهى في الجنان بقية ... لها ألف باب من لجين وجوهرا
وقال لى الرحمن يا شعبة الذي ... تبحر في جمع العلوم فأكثرا
تنعم بقربى إننى عنك ذو رضا ... وعن عبدى القوام في الليل مسعرا
كفا مسعرا عزا بأن سيزورني ... واكشف عن وجهى الكريم لينظرا
وهذا فعالى بالذين تنسكوا ... ولم يألفوا في سالف الدهر منكرا
قال أحمد بن محمد اللبدى رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت يا أبا عبد الله
ما فعل الله بك قال غفر لى ثم قال يا أحمد ضربت في ستين سوطا قلت نعم يارب
قال هذا وجهى قدأبحتك فأنظر إليه
وقال أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج حدثنى رجل من أهل طوسوس قال دعوت
الله عز و جل أن يرينى أهل القبور حتى أسألهم عن أحمد بن حنبل ما فعل الله
به فرأيت بعد عشر سنين في المنام كأن أهل القبور قد قاموا على قبورهم
فبادرونى بالكلام فقالوا يا هذا كم تدعو الله عز و جل أن يريك ايانا
تسألنا عن رجل لم يزل منذ فارقكم تحليه الملائكة تحت شجرة طوبى قال أبو
محمد عبد الحق وهذا الكلام من أهل القبور إنما هو اخبار عن علو درجة أحمد
بن حنبل وارتفاع مكانه وعظم منزلته فلم يقدروا أن يعبروا عن صفة حاله وعن
ما هو فيه إلا بهذا وما هو في معناه
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وقال أو جعفر السقاء صاحب بشر بن الحارث رأيت بشرا الحافي
ومعروف الكرخى وهما جائيان فقلت من أين فقالا من جنة الفردوس زرنا كليم
الله موسى
وقال عاصم الجزرى رأيت في النوم كأنى لقيت بشر بن الحارث فقلت من أين يا
أبا نصر قال من عليين قلت فما فعل أحمد بن حنبل قال تركته الساعة مع عبد
الوهاب الوراق بين يدى الله عز و جل يأكلان ويشربان فقلت له فأنت قال علم
قلة رغبتى في الطعام فأباحنى النظر إليه
وقال أبو جعفر السقاء رأيت بشر بن الحارث في النوم بعد موته فقلت أبا نصر
ما فعل الله بك قال الطفنى ورحمنى وقال لى يا بشر لو سجدت لى في الدنيا
على الجمر ما أديت شكر ما حشوت قلوب عبادى منك وأباح لى نصف الجنة فأسرح
فيها حيث شئت ووعدنى أن يغفر لمن تبع جنازتى فقلت ما فعل أبو نصر التمار
فقال ذاك فوق الناس بصبره على بلائه وفقره
قال عبد الحق لعله أراد بقوله نصف الجنة نصف نعيمها لأن نعيمها نصفان نصف
روحانى ونصف جسمانى فيتنعمون أولا بالروحانى فإذا ردت الأرواح إلى الأجساد
أضيف لهم النعيم الجسمانى إلى الروحانى وقال غيره نعيم الجنة مرتب على
العلم والعمل وحظ بشر من العمل كان أوفي من حظه في العلم والله أعلم
وقال بعض الصالحين رأيت أبا بكر الشلبى في المنام وكأنه قاعد في مجلس
الرصافة بالموضع الذي كان يقعد فيه وإذا به قد أقبل وعليه ثياب حسان فقمت
إليه وسلمت عليه وجلست بين يديه فقلت له من أقرب أصحابك إليك قال ألهجهم
بذكر الله وأقومهم بحق الله وأسرعهم مبادرة في مرضاة الله
وقال أبو عبد الرحمن الساحلى رأيت ميسرة بن سليم في المنام بعد موته فقلت
له طالت غيبتك فقال السفر طويل فقلت له فما الذي قدمت عليه فقال رخص لى
لأنا كنا نفتى بالرخص فقلت فما تأمرنى به قال اتباع الآثار وصحبة الأخيار
ينجيان من النار ويقربان من الجبار
وقال أبو جعفر الضرير رأيت عيسى بن زاذان بعد موته فقلت ما فعل الله بك
فأنشأ يقول
لو رأيت الحسان في الخلد حولى ... وأكاويب معها للشراب
يترنمن بالكتاب جميعا ... يتمشين مسبلات الثياب
وقال بعض أصحاب ابن جريج رأيت كأنى جئت إلى هذه المقبرة التي
بمكة فرأيت على عامتها سرادقا ورأيت منها قبرا عليه سرادق وقسطاط وسدرة
فجئت حتى دخلت فسلمت عليه فإذا مسلم بن خالد الزنجى فسلمت عليه وقلت يا
أبا خالد ما بال هذه القبور عليها سرادق وقبرك عليه سرادق وفسطاط وفيه
سدرة فقال أنى كنت كثير الصيام فقلت فأين قبر ابن جريج وأين محله فقد كنت
أجالسه وأنا أحب أن أسلم عليه فقال هكذا بيده هيهات وأدار أصبعه السبابة
وأين ابن جريج رفعت صحيفته في عليين
ورأى حماد بن سلمة في النوم بعض الأصحاب فقال له ما فعل الله بك فقال قال
لى طال ما كددت نفسك في الدنيا فاليوم أطبل ! راحتك وراحة المتعبين
وهذا باب طويل جدا فإن لم تسمح نفسك بتصديقه وقلت هذه منامات وهي غير
معصومة فتأمل من رأى صاحبا له أو قريبا أو غيره فأخبره بأمر لا يعلمه إلا
صاحب الرؤيا أو أخبره بمال دفنه أو حذره من أمر يقع أو بشره بأمر يوجد
فوقع كما قال أو أخبره بأنه يموت هو أو بعض أهله إلى كذا وكذا فيقع كما
أخبر أو أخبره بخصب أو جدب أو عدو أو نازلة أو مرض أو بغرض له فوقع كما
أخبره والواقع من ذلك لا يحصيه إلا الله والناس مشتركون فيه وقد رأينا نحن
وغيرنا من ذاك عجائب
وأبطل من قال أن هذه كلها علوم وعقائد في النفس تظهر لصاحبها عند انقطاع
نفسه عن الشواغل البدنية بالنوم وهذا عين الباطل والمحال فإن النفس لم يكن
فيها قط معرفة هذه الأمور التي يخبر بها الميت ولا خطرت ببالها ولا عندها
علامة عليها ولا أمارة بوجه ما ونحن لا ننكر أن الأمر قد يقع كذلك
وإن من الرؤيا ما يكون من حديث النفس وصورة الاعتقاد بل كثير من مرائى
الناس إنما هي من مجرد صور اعتقادهم المطابق وغير المطابق
فإن الرؤيا على ثلاثة أنواع رؤيا من الله ورؤيا من الشيطان ورؤيا من حديث
النفس
والرؤيا الصحيحة أقسام منها إلهام يلقيه الله سبحانه في قلب العبد وهو
كلام يكلم به الرب عبده في المنام كما قال عبادة بن الصامت وغيره
ومنها مثل يضربه له ملك الرؤيا الموكل بها
ومنها التقاء روح النائم بأرواح الموتى من أهله وأقاربه وأصحابه وغيرهم
كما ذكرنا
ومنها عروج روحه إلى الله سبحانه وخطا بها له
ومنها دخول روحه إلى الجنة ومشاهدتها وغير ذلك فالتقاء ! أرواح الأحياء
والموتى نوع من أنواع الرؤيا الصحيحة التي هي عند الناس من جنس المحسوسات
وهذا موضع اضطرب فيه الناس فمن قائل إن العلوم كلها كامنة في
النفس وإنما اشتغالها بعالم الحس يحجب عنها مطالعتها فإذا تجردت بالنوم
رأت منها بحسب استعدادها ولما كان تجردها بالموت أكمل كانت علومها
ومعارفها هناك أكمل وهذا فيه حق وباطل فلا يرد كله ولا يقبل كله فإن تجرد
النفس يطلعها على علوم ومعارف لا تحصل بدون التجرد لكن لو تجردت كل التجرد
لم تطلع على علم الله الذي بعث به رسوله وعلى تفاصيل ما أخبر به عن الرسل
الماضية والأمم الخالية وتفاصيل المعاد وأشراط الساعة وتفاصيل الأمر
والنهى والأسماء والصفات والأفعال وغير ذلك مما لا يعلم إلا بالوحى ولكن
تجرد النفس عون لها على معرفة ذلك وتلقيه من معدنه أسهل وأقرب وأكثر مما
يحصل للنفس المنغمسة في الشواغل البدنية
ومن قائل إن هذه المرائى علوم علقها الله في النفس ابتداء بلا سبب وهذا
قول منكرى الأسباب والحكم القوى وهو قول مخالف للشرع والعقل والفطرة
ومن قائل أن الرؤيا أمثال مضروبة يضربها الله للعبد بحسب استعداده الفه
على يد ملك الرؤيا فمرة يكون مثلا مضروبا ومرة يكون نفس ما رآه الرائى
فيطابق الواقع مطابقة العلم لمعلومه
وهذا أقرب من القولين قبله ولكن الرؤيا ليست مقصورة عليه بل لها أسباب أخر
كما تقدم من ملاقاة ! الأرواح وأخبار بعضها بعضا ومن إلقاء الملك الذي في
القلب والروع ومن رؤية الروح للأشياء مكافحة بلا واسطة
وقد ذكر أبو عبد الله بن منده الحافظ في كتاب النفس والروح من حديث محمد
بن حميد حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدروسى حدثنا الأزهر بن عبد الله
الأزدى عن محمد بن عجلان عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال لقى عمر بن
الخطاب على بن أبى طالب فقال له يا أبا الحسن ربما شهدت وغبنا وشهدنا وغبت
ثلاث أسألك عنهن عندك منهن علم فقال على ابن أبى طالب وما هن فقال الرجل
يحب الرجل ولم ير منه خيرا والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شرا فقال على نعم
سمعت رسول الله يقول إن الأرواح جنود مجندة تلتقى في الهواء فتشأم فما
تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف فقال عمر واحدة قال عمر والرجل
يحدث الحديث إذ نسيه فبينا هو وما نسيه إذ ذكره فقال نعم سمعت رسول الله
يقول ما في القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر بينا القمر مضيء إذا
تجللته سحابة الظلم إذا تجلت فأضاء وبينا القلب يتحدث إذ تجللته سحابة
فنسى إذ تجلت عنه فيذكر قال عمر اثنتان قال والرجل يرى الرؤيا فمنها ما
يصدق ومنها ما يكذب
فقال نعم سمعت رسول الله يقول ما من عبد ينام يتملىء نوما إلا
عرج بروحه إلى العرش فالذى لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق
والذي يستيقظ دون العرش فهي التي تكذب فقال عمر ثلاث كنت في طلبهن فالحمد
لله الذي أصبتهن قبل الموت
وقال بغية بن الوليد حدثنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر الحضرمى قال قال
عمر بن الخطاب عجبت لرؤيا الرجل يرى الشيء لم يخطر له على بال فيكون كآخذ
بيد ويرى الشيء فلا يكون شيئا فقال على بن أبى طالب يا أمير المؤمنين يقول
الله عز و جل الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك
التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى قال والأرواح يعرج بها في
منامها فما رأت وهي في السماء فهو الحق فإذا ردت إلى أجسادها تلقتها
الشياطين في الهواء فكذبتها فما رأت من ذلك فهو الباطل قال فجعل عمر يتعجب
من قول علي قال ابن منده هذا خبر مشهور عن صفوان بن عمرو وغيره وروى عن
أبى الدرداء
وذكر الطبرانى من حديث على بن أبى طلحة أن عبد الله بن عباس قال لعمر بن
الخطاب يا أمير المؤمنين أشياء أسألك عنها قال سل عما شئت قال يا أمير
المؤمنين مم يذكر الرجل ومم ينسى ومم تصدق الرؤيا ومم تكذب فقال له عمر إن
على القلب طخاوة كطخاوة القمر فإذا تغشت القلب نسى ابن آدم فإذا انجلت ذكر
ما كان نسى وأما مم تصدق الرؤيا ومم تكذب فإن الله عز و جل يقول الله
يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فمن دخل منها في ملكوت
السماء فهى التي تصدق وما كان منها دون ملكوت السماء فهي التي تكذب
وروى ابن لهيعة عن عثمان بن نعيم الرعينى عن أبى عثمان الاصبحى عن أبى
الدرداء قال إذا نام الإنسان عرج بروحه حتى يؤتى بها العرش فإن كان طاهرا
أذن لها بالسجود وإن كان جنبا لم يؤذن لها بالسجود
وروى جعفر بن عون عن إبراهيم الهجرى عن أبى الأحوص عن عبد الله بن مسعود
أنه قال إن الأرواح جنود مجندة تتلاقى فتشأم كما تشأم الخيل فما تعارف منا
ائتلف ! وما تناكر منها اختلف
ولم يزل الناس قديما وحديثا تعرف هذا وتشاهده قال جميل بن معمر العذرى
أظل نهاري مستهاما وتلتقى ... مع الليل روحى في المنام وروحها فإن قيل
فالنائم يرى غيره من الأحياء يحدثه ويخاطبه وربما كان بينهما مسافة بعيدة
ويكون
المرئى ! يقظان روحه لم تفارق جسده فكيف التقت روحاهما قيل هذا
إما أن يكون مثلا مضروبا ضربه ملك الرؤيا للنائم أو يكون حديث نفس من
الرائى تجرد له في منامه كما قال حبيب بن أوس
سقيا لطيفك من زور أتاك به ... حديث نفسك عنه وهو مشغول
وقد تتناسب الروحان وتشتد علاقة احداهما بالأخرى فيشعر كل منهما ببعض ما
يحدث لصاحبه وإن لم يشعر بما يحدث لغيره لشدة العلاقة بينهما وقد شاهد
الناس من ذلك عجائب
والمقصود أن أرواح الأحياء تتلاقى في النوم كما تتلاقى أرواح الأحياء
والأموات قال بعض السلف أن الأرواح تتلاقى في الهواء فتتعارف أو تتذاكر
فيأتيها ملك الرؤيا بما هو لاقيها من خير أو شر قال وقد وكل الله بالرؤيا
الصادقة ملكا علمه وألهمه معرفة كل نفس بعينها واسمها ومتقلبها في دينها
ودنياها وطبعها ومعارفها لا يشتبه عليه منها شيء ولا يغلط فيها فتأتيه
نسخة من علم غيب الله من أم الكتاب بما هو مصيب لهذا الإنسان من خير وشر
في دينه ودنياه ويضرب له فيها الأمثال والأشكال على قدر عادته فتارة يبشره
بخير قدمه أو يقدمه وينذره من معصية ارتكبها أو هم بها ويحذره من مكروه
انعقدت أسبابه ليعارض تلك الأسباب بأسباب تدفعها ولغير ذلك من الحكم
والمصالح التي جعلها الله في الرؤيا نعمة منه ورحمة وإحسانا وتذكيرا
وتعريفا وجعل أحد طرق ذلك تلاقى الأرواح وتذاكرها وتعارفها وكم ممن كانت
توبته وصلاحه وزهده واقباله على الآخرة عن منام رآه أو رئى له وكم ممن
استغنى وأصاب كنزا دفينا عن منام
وفي كتاب المجالسة لأبى بكر أحمد بن مروان المالكى عن ابن قتيبة عن أبى
حاتم عن الأصمعي عن المعتمر بن سليمان عمن حدثه قال خرجنا مرة في سفر وكنا
ثلاثة نفر فنام أحدنا فرأينا مثل المصباح خرج من أنفة فدخل غارا قريبا منه
ثم رجع فدخل أنفه فأستيقظ يمسح وجهه وقال رأيت عجبا رأيت في هذا الغار كذا
وكذا فدخلناه فوجدنا فيه بقية من كنز كان
وهذا عبد المطلب دل في النوم على زمزم وأصاب الكنز الذى كان هناك
وهذا عمير بن وهب أتى في منامه فقيل له قم إلى موضع كذا وكذا من البيت
فأحفره تجد مال أبيك وكان أبوه قد دفن مالا ومات ولم يوص به فقام عمير من
نومه فأحتفر حيث أمره فأصاب عشرة آلاف درهم وتبرا كثيرا فقضى دينه وحسن
حاله وحال أهل بيته وكان ذلك عقب إسلامه فقالت له الصغرى من بناته يا أبت
ربنا هذا الذي حيانا بدينه خير من هبل والعزى ولولا أنه كذلك ما ورثك هذا
المال وإنما عبدته أياما قلائل
قال علي بن أبي طالب القيروانى العابر وما حديث عمير هذا
واستخراجه المال بالمنام بأعجب مما كان عندنا وشاهدناه في عصرنا بمدينتنا
من أبى محمد عبد الله البغانشى وكان رجلا صالحا مشهورا برؤية الأموات
وسؤالهم عن الغائبات ونقله ذلك إلى أهلهم وقراباتهم حتى اشتهر بذلك وكثر
منه فكان المرء يأتيه فيشكو إليه أن حميمه قد مات من غير وصية وله مال لا
يهتدى إلى مكانه فيعده خيرا ويدعو الله تعالى في ليلته فيترا آلة الميت
الموصوف فيسأله عن الأمر فيخبره به
فمن نوادره ان امرأة عجوزا من الصالحات توفيت ولا مرأة عندها سبعة دنانير
وديعة فجاءت إليه صاحبة الوديعة وشكت إليه ما نزل بها وأخبرته بأسمها واسم
الميتة صاحبتها ثم عادت إليه من الغد فقال لها تقول لك فلانة عدى من سقف
بيتى سبع خشبات تجدى الدنانير في السابعة في خرقة صوف ففعلت ذلك فوجدتها
كما وصف لها
وقال وأخبرنى رجل لا أظن به كدبا ! استأجرتني امرأة من أهل الدنيا على هدم
دار لها وبنائها بمال معلوم فلما أخذت في الهدم لزمت الفعلة هى ومن معها
فقلت مالك قالت والله مالى إلى هدم هذه الدار من حاجة لكن أبى مات وكان ذا
يسار كثير فلم نجد له كثير شيء فخلت أن ماله مدفون فعمدت إلى هدم الدار
لعلى أجد شيئا فقال لها بعض من حضر لقد فاتك ما هو أهون عليك من هذا قالت
وما هو قال فلان تمضين إليه وتسألينه أن يبيت قصتك الليلة فلعله يرى أباك
فيدلك على مكان ماله بلا تعب ولا كلفة فذهبت إليه ثم عادت إلينا فزعمت أنه
كتب اسمها واسم أبيها عنده فلما كان من الغد بكرت إلى العمل وجاءت المرأة
من عند الرجل فقالت ان الرجل قال لى رأيت أباك وهو يقول المال في الحنية
قال فجعلنا نحفر تحت الحنية وفي جوانبها حتى لاح لي شق وإذا المال فيه قال
فأخذنا في التعجب والمرأة تستخف بما وجدت وتقول مال أبى كان أكثر من هذا
ولكنى أعود إليه فمضت فأعلمته ثم سألته المعاودة فلما كان من الغد أتت
وقالت انه قال لها أن أباك يقول لك احفرى تحت الجابية المربعة التي في
مخزن الزيت قال ففتحت المخزن فإذا بجابية مربعة في الركن فأزلناها وحفرنا
تحتها فوجدنا كوزا كبيرا فأخذته ثم دام بها الطمع في المعاودة ففعلت فرجعت
من عنده وعليها الكآبة فقالت زعم انه رآه وهو يقول له قد أخذت ما قدر لها
وأما ما بقى فقد جلس عليه عفريت من الجن يحرسه إلى من قدر له والحكايات في
هذا الباب كثيرة جدا
وأما من حصل له الشفاء بإستعمال دواء رأى من وصفه له في منامه
فكثير جدا وقد حدثنى غير واحد ممن كان غير مائل إلي شيخ الإسلام ابن تيمية
أنه رآه بعد موته وسأله عن شيء كان يشكل عليه من مسائل الفرائض وغيرها
فأجابه بالصواب
وبالجملة فهذا أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وأحكامها
وشأنها وبالله التوفيق
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
المسألة الرابعة وهي أن الروح هل تموت أم الموت للبدن وحده اختلف
الناس في هذا فقالت طائفة تموت الروح وتذوق الموت لأنها نفس وكل نفس ذائقة
الموت
قالوا وقد دلت الأدلة على أنه لا يبقى إلا الله وحده قال تعالى كل من
عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقال تعالى كل شيء هالك إلا
وجهه قالوا وإذا كانت الملائكة تموت فالنفوس البشرية أولى بالموت قالوا
وقد قال تعالى عن أهل النار أنهم قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
فالموتة الأولى هذه المشهودة وهي للبدن والأخرى للروح
وقال آخرون لا تموت الأرواح فإنها خلقت للبقاء وإنما تموت الأبدان قالوا
وقد دلت على هذا الأحاديث الدالة على نعيم الأرواح وعذابها بعد المفارقة
إلى أن يرجعها الله في أجسادها ولو ماتت الأرواح لانقطع عنها النعيم
والعذاب وقد قال تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل
أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم
يلحقوا بهم من خلفهم هذا مع القطع بأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم وقد ذاقت
الموت
والصواب أن يقال موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها فإن أريد
بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدما
محضا فهى لا تموت بهذا الاعتبار بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب
كما سيأتى ان شاء الله تعالى بعد هذا وكما صرح به النص انها كذلك حتى
يردها الله في جسدها وقد نظم أحمد بن الحسين الكندى هذا الاختلاف في قوله
تنازع الناس حتى لااتفاق لهم ... إلا على شجب والخلف في الشجب
فقيل تخلص نفس المرء سالمة ... وقيل تشرك جسم المرء في العطب
فإن قيل فعند النفخ في الصور هل تبقى الأرواح حية كما هي أو
تموت ثم تحيا قيل قد قال تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في
الأرض إلا من شاء الله فقد استثنى الله سبحانه بعض من في السموات ومن في
الأرض من هذا الصعق
فقيل هم الشهداء هذا قول أبى هريرة وابن عباس وسعيد بن جبير
وقيل هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وهذا قول مقاتل وغيره
وقيل هم الذين في الجنة من الحور العين وغيرهم ومن في النار من أهل العذاب
وخزنتها قاله أبو إسحق بن شاقلا من أصحابنا
وقد نص الإمام أحمد على أن الحور العين والولدان لا يمتن عند النفخ في
الصور وقد أخبر سبحانه أن أهل الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة
الأولى وهذا نص على أنهم لا يموتون غير تلك الموتة الأولى فلو ماتوا مرة
ثانية لكانت موتتان وأما قول أهل النار ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
فتفسير هذه الآية التي في البقرة وهي قوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم
أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم فكانوا أمواتا وهم نطف في أصلاب
آبائهم وفي أرحام أمهاتهم ثم أحياهم بعد ذلك ثم أماتهم ثم يحييهم يوم
النشور وليس في ذلك اماتة أزواجهم قبل يوم القيامة وإلا كانت ثلاث موتات
وصعق الأرواح عند النفخ في الصور ولا يلزم منه موتها ففي الحديث لصحيح ان
الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا موسى آخذ بقائمة العرش
فلا أدرى افاق قبلى أم جوزى بصعقة يوم الطور
فهذا صعق في موقف القيامة إذا جاء الله تعالى لفصل القضاء وأشرقت الأرض
بنوره فحينئذ تصعق الخلائق كلهم قال تعالى فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي
فيه يصعقون ولو كان هذا الصعق موتا لكانت موتة أخرى وقد تنبه لهذا جماعة
من الفضلاء فقال أبو عبد الله القرطبى ظاهر هذا الحديث ان هذه صعقة غشى
تكون يوم القيامة لاصعقة الموت الحادثة عن نفخ الصور قال وقد قال شيخنا
أحمد بن عمرو وظاهر حديث النبي يدل على أن هذه الصعقة إنما هي بعد النفخة
الثانية نفخة البعث ونص القرآن يقتضى أن ذلك الاستثناء إنما هو بعد نفخة
الصعق ولما كان هذا قال بعض العلماء يحتمل أن يكون موسى ممن لم يمت من
الأنبياء وهذا باطل وقال القاضي عياض يحتمل أن يكون المراد بهذه صعقة فزع
بعد النشور حين تنشق السموات والأرض قال فتستقل الأحاديث والآثار ورد عليه
أبو العباس القرطبى فقال يرد هذا قوله في الحديث الصحيح أنه حين يخرج من
قبره يلقى موسى آخذا بقائمة العرش قال وهذا إنما عند نفخة الفزع
قال أبو عبد الله وقال شيخنا أحمد بن عمرو الذي يزيح هذا
الاشكال إن شاء الله تعالى ان الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال
إلى حال ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون
فرحين مستبشرين وهذه صفة الأحياء في الدنيا وإذا كان هذا في الشهداء كان
الأنبياء بذلك أحق وأولى مع أنه قد صح عن النبي أن الأرض لا تأكل أجساد
الأنبياء وأنه اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء
وخصوصا بموسى وقد أخبر بأنه ما من مسلم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه
حتى يرد عليه السلام إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن أموت
لأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين
جاءوا ذلك كالحال في الملائكة فإنهم أحياء موجودون ولا تراهم وإذا تقرر
أنهم أحياء فإذا نفخ ! في الصور نفخة الصعق صعق كل من في السموات ومن في
الأرض إلا من شاء الله فأما صعق غير الأنبياء فموت وأما صعق الأنبياء
فالأظهر أنه غشية فإذا نفخ في الصور نفخة البعث فمن مات حى ومن غشى عليه
أفاق ولذلك قال في الحديث المتفق على صحته فأكون أول من يفيق فنبينا أول
من يخرج من قبره قبل جميع الناس إلا موسى فإنه حصل فيه تردد هل بعث قبله
من غشيته أو بقى على الحالة التي كان عليها قبل نفخة الصعق مفيقا لأنه
حوسب بصعقة يوم الطور وهذه فضيلة عظيمة لموسى ولا يلزم من فضيلة واحدة
أفضليته على نبينا مطلقا لأن الشيء الجزئي لا يوجب أمرا كليا انتهى
قال أبو عبد الله القرطبي ان حمل الحديث على صعقة الخلق يوم القيامة فلا
إشكال وإن حمل على صعقة الموت عند النفخ في الصور فيكون ذكر يوم القيامة
يراد به أوائله فالمعنى إذا نفخ في الصور نفخة البعث كنت أول من يرفع رأسه
فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدرى أفاق قبلى أم جوزى بصعقة
الطور
قلت وحمل الحديث ع لى هذا لا يصح لأنه ترد هل أفاق موسى قبله أم لم يصعق
بل جوزى بصعقة الطور فالمعنى لا أدرى أصعق أم لم يصعق وقد قال في الحديث
فأكون أول من يفيق وهذا يدل على أنه يصعق فيمن يصعق وان التردد حصل في
موسى هل صعق وأفاق قبله من صعقته أم لم يصعق ولو كان المراد به الصعقة
الأولى وهي صعقة الموت لكان قد جزم بموته وتردد هل مات موسى أم لم يمت
وهذا باطل لوجوه كثيرة فعلم أنها صعقة فزع لاصعقة موت وحينئذ فلا تدل
الآية على أن الأرواح كلها تموت عند النفخة الأولى نعم تدل على أن موت
الخلائق عند النفخة الأولى وكل من لم يذق الموت قبلها فإنه يذوقه حينئذ
وأما من ذاق الموت أو من لم يكتب عليه الموت فلا تدل الآية على أنه يموت
موتة ثانية والله أعلم
فإن قيل فكيف تصنعون بقوله في الحديث إن الناس يصعقون يوم
القيامة فأكون أول من تنشق عليه الأرض فأجد موسى باطشا بقائمة العرش قيل
لا ريب أن هذا اللفظ قد ورد هكذا ومنه نشأ الاشكال ولكنه دخل فيه على
الرواى حديث في حديث فركب بين اللفظين فجاء هذا والحديثان هكذا
أحدهما ان الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق
والثاني هكذا أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ففي الترمذي وغيره من
حديث ابى سعيد الخدرى قال قال رسول الله أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا
فخر وبيدى لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت
لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
فدخل على الراوى هذا الحديث في الحديث الآخر وكان شيخنا أبو الحجاج الحافظ
يقول ذلك
فإن قيل فما تصنعون بقوله فلا أدرى أفاق قبلى أم كان ممن استثنى الله عز و
جل والذين استثناهم الله إنما هم مستثنون من صعقة النفخة لا من صعقة يوم
القيامة كما قال الله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في
الأرض إلا من شاء الله ولم يقع الاستثناء من صعقة الخلائق يوم القيامة قيل
هذا والله أعلم غير محفوظ وهو وهم من بعض الرواة والمحفوظ ما تواطأت
الروايات الصحيحة من قوله فلا أدرى أفاق قبلى أم جوزى بصعقة الطور فظن بعض
الرواة ان هذه الصعقة هي صعقة النفخة وأن موسى داخل فيمن استثنى منها وهذا
لا يلتئم على مساق الحديث قطعا فإن الإفاقة حينئذ هي إفاقة البحث فكيف
يقول لا أدرى أبعث قبلى أم جوزى بصعقة الطور فتأمله وهذا بخلاف الصعقة
التي يصعقها الخلائق يوم القيامة إذا جاء الله سبحانه لفصل القضاء بين
العباد وتجلى لهم فإنهم يصعقون جميعا وأما موسى فإن كان لم يصعق معهم
فيكون قد حوسب بصعقته يوم تجلى ربه للجبل فجعله دكا فجعلت صعقة هذا التجلى
عوضا من صعقة الخلائق لتجلى الرب يوم القيامة فتأمل هذا المعنى العظيم ولو
لم يكن في الجواب إلا كشف هذا الحديث وشأنه لكان حقيقا ان يعض عليه
بالنواجذ ولله الحمد والمنة وبه التوفيق
الناس في هذا فقالت طائفة تموت الروح وتذوق الموت لأنها نفس وكل نفس ذائقة
الموت
قالوا وقد دلت الأدلة على أنه لا يبقى إلا الله وحده قال تعالى كل من
عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وقال تعالى كل شيء هالك إلا
وجهه قالوا وإذا كانت الملائكة تموت فالنفوس البشرية أولى بالموت قالوا
وقد قال تعالى عن أهل النار أنهم قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
فالموتة الأولى هذه المشهودة وهي للبدن والأخرى للروح
وقال آخرون لا تموت الأرواح فإنها خلقت للبقاء وإنما تموت الأبدان قالوا
وقد دلت على هذا الأحاديث الدالة على نعيم الأرواح وعذابها بعد المفارقة
إلى أن يرجعها الله في أجسادها ولو ماتت الأرواح لانقطع عنها النعيم
والعذاب وقد قال تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل
أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم
يلحقوا بهم من خلفهم هذا مع القطع بأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم وقد ذاقت
الموت
والصواب أن يقال موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها فإن أريد
بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدما
محضا فهى لا تموت بهذا الاعتبار بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب
كما سيأتى ان شاء الله تعالى بعد هذا وكما صرح به النص انها كذلك حتى
يردها الله في جسدها وقد نظم أحمد بن الحسين الكندى هذا الاختلاف في قوله
تنازع الناس حتى لااتفاق لهم ... إلا على شجب والخلف في الشجب
فقيل تخلص نفس المرء سالمة ... وقيل تشرك جسم المرء في العطب
فإن قيل فعند النفخ في الصور هل تبقى الأرواح حية كما هي أو
تموت ثم تحيا قيل قد قال تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في
الأرض إلا من شاء الله فقد استثنى الله سبحانه بعض من في السموات ومن في
الأرض من هذا الصعق
فقيل هم الشهداء هذا قول أبى هريرة وابن عباس وسعيد بن جبير
وقيل هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وهذا قول مقاتل وغيره
وقيل هم الذين في الجنة من الحور العين وغيرهم ومن في النار من أهل العذاب
وخزنتها قاله أبو إسحق بن شاقلا من أصحابنا
وقد نص الإمام أحمد على أن الحور العين والولدان لا يمتن عند النفخ في
الصور وقد أخبر سبحانه أن أهل الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة
الأولى وهذا نص على أنهم لا يموتون غير تلك الموتة الأولى فلو ماتوا مرة
ثانية لكانت موتتان وأما قول أهل النار ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
فتفسير هذه الآية التي في البقرة وهي قوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم
أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم فكانوا أمواتا وهم نطف في أصلاب
آبائهم وفي أرحام أمهاتهم ثم أحياهم بعد ذلك ثم أماتهم ثم يحييهم يوم
النشور وليس في ذلك اماتة أزواجهم قبل يوم القيامة وإلا كانت ثلاث موتات
وصعق الأرواح عند النفخ في الصور ولا يلزم منه موتها ففي الحديث لصحيح ان
الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا موسى آخذ بقائمة العرش
فلا أدرى افاق قبلى أم جوزى بصعقة يوم الطور
فهذا صعق في موقف القيامة إذا جاء الله تعالى لفصل القضاء وأشرقت الأرض
بنوره فحينئذ تصعق الخلائق كلهم قال تعالى فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي
فيه يصعقون ولو كان هذا الصعق موتا لكانت موتة أخرى وقد تنبه لهذا جماعة
من الفضلاء فقال أبو عبد الله القرطبى ظاهر هذا الحديث ان هذه صعقة غشى
تكون يوم القيامة لاصعقة الموت الحادثة عن نفخ الصور قال وقد قال شيخنا
أحمد بن عمرو وظاهر حديث النبي يدل على أن هذه الصعقة إنما هي بعد النفخة
الثانية نفخة البعث ونص القرآن يقتضى أن ذلك الاستثناء إنما هو بعد نفخة
الصعق ولما كان هذا قال بعض العلماء يحتمل أن يكون موسى ممن لم يمت من
الأنبياء وهذا باطل وقال القاضي عياض يحتمل أن يكون المراد بهذه صعقة فزع
بعد النشور حين تنشق السموات والأرض قال فتستقل الأحاديث والآثار ورد عليه
أبو العباس القرطبى فقال يرد هذا قوله في الحديث الصحيح أنه حين يخرج من
قبره يلقى موسى آخذا بقائمة العرش قال وهذا إنما عند نفخة الفزع
قال أبو عبد الله وقال شيخنا أحمد بن عمرو الذي يزيح هذا
الاشكال إن شاء الله تعالى ان الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال
إلى حال ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون
فرحين مستبشرين وهذه صفة الأحياء في الدنيا وإذا كان هذا في الشهداء كان
الأنبياء بذلك أحق وأولى مع أنه قد صح عن النبي أن الأرض لا تأكل أجساد
الأنبياء وأنه اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء
وخصوصا بموسى وقد أخبر بأنه ما من مسلم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه
حتى يرد عليه السلام إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن أموت
لأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين
جاءوا ذلك كالحال في الملائكة فإنهم أحياء موجودون ولا تراهم وإذا تقرر
أنهم أحياء فإذا نفخ ! في الصور نفخة الصعق صعق كل من في السموات ومن في
الأرض إلا من شاء الله فأما صعق غير الأنبياء فموت وأما صعق الأنبياء
فالأظهر أنه غشية فإذا نفخ في الصور نفخة البعث فمن مات حى ومن غشى عليه
أفاق ولذلك قال في الحديث المتفق على صحته فأكون أول من يفيق فنبينا أول
من يخرج من قبره قبل جميع الناس إلا موسى فإنه حصل فيه تردد هل بعث قبله
من غشيته أو بقى على الحالة التي كان عليها قبل نفخة الصعق مفيقا لأنه
حوسب بصعقة يوم الطور وهذه فضيلة عظيمة لموسى ولا يلزم من فضيلة واحدة
أفضليته على نبينا مطلقا لأن الشيء الجزئي لا يوجب أمرا كليا انتهى
قال أبو عبد الله القرطبي ان حمل الحديث على صعقة الخلق يوم القيامة فلا
إشكال وإن حمل على صعقة الموت عند النفخ في الصور فيكون ذكر يوم القيامة
يراد به أوائله فالمعنى إذا نفخ في الصور نفخة البعث كنت أول من يرفع رأسه
فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدرى أفاق قبلى أم جوزى بصعقة
الطور
قلت وحمل الحديث ع لى هذا لا يصح لأنه ترد هل أفاق موسى قبله أم لم يصعق
بل جوزى بصعقة الطور فالمعنى لا أدرى أصعق أم لم يصعق وقد قال في الحديث
فأكون أول من يفيق وهذا يدل على أنه يصعق فيمن يصعق وان التردد حصل في
موسى هل صعق وأفاق قبله من صعقته أم لم يصعق ولو كان المراد به الصعقة
الأولى وهي صعقة الموت لكان قد جزم بموته وتردد هل مات موسى أم لم يمت
وهذا باطل لوجوه كثيرة فعلم أنها صعقة فزع لاصعقة موت وحينئذ فلا تدل
الآية على أن الأرواح كلها تموت عند النفخة الأولى نعم تدل على أن موت
الخلائق عند النفخة الأولى وكل من لم يذق الموت قبلها فإنه يذوقه حينئذ
وأما من ذاق الموت أو من لم يكتب عليه الموت فلا تدل الآية على أنه يموت
موتة ثانية والله أعلم
فإن قيل فكيف تصنعون بقوله في الحديث إن الناس يصعقون يوم
القيامة فأكون أول من تنشق عليه الأرض فأجد موسى باطشا بقائمة العرش قيل
لا ريب أن هذا اللفظ قد ورد هكذا ومنه نشأ الاشكال ولكنه دخل فيه على
الرواى حديث في حديث فركب بين اللفظين فجاء هذا والحديثان هكذا
أحدهما ان الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق
والثاني هكذا أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ففي الترمذي وغيره من
حديث ابى سعيد الخدرى قال قال رسول الله أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا
فخر وبيدى لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت
لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
فدخل على الراوى هذا الحديث في الحديث الآخر وكان شيخنا أبو الحجاج الحافظ
يقول ذلك
فإن قيل فما تصنعون بقوله فلا أدرى أفاق قبلى أم كان ممن استثنى الله عز و
جل والذين استثناهم الله إنما هم مستثنون من صعقة النفخة لا من صعقة يوم
القيامة كما قال الله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في
الأرض إلا من شاء الله ولم يقع الاستثناء من صعقة الخلائق يوم القيامة قيل
هذا والله أعلم غير محفوظ وهو وهم من بعض الرواة والمحفوظ ما تواطأت
الروايات الصحيحة من قوله فلا أدرى أفاق قبلى أم جوزى بصعقة الطور فظن بعض
الرواة ان هذه الصعقة هي صعقة النفخة وأن موسى داخل فيمن استثنى منها وهذا
لا يلتئم على مساق الحديث قطعا فإن الإفاقة حينئذ هي إفاقة البحث فكيف
يقول لا أدرى أبعث قبلى أم جوزى بصعقة الطور فتأمله وهذا بخلاف الصعقة
التي يصعقها الخلائق يوم القيامة إذا جاء الله سبحانه لفصل القضاء بين
العباد وتجلى لهم فإنهم يصعقون جميعا وأما موسى فإن كان لم يصعق معهم
فيكون قد حوسب بصعقته يوم تجلى ربه للجبل فجعله دكا فجعلت صعقة هذا التجلى
عوضا من صعقة الخلائق لتجلى الرب يوم القيامة فتأمل هذا المعنى العظيم ولو
لم يكن في الجواب إلا كشف هذا الحديث وشأنه لكان حقيقا ان يعض عليه
بالنواجذ ولله الحمد والمنة وبه التوفيق
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى