عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
هل يمكن لعقل بشري أن يتخيّل كيف ستكون اللمسات الأخيرة على ما سيجري من أحداث في الأسابيع والأشهر المقبلة ؟ وهل يمكن للمسلم أن يتصور في ظل السيناريوهات المطروحة لتلك الحرب سيناريو آخر يرفض حتمية الحرب التي تنتظر ساعة الصفر ؟ وهل يمكن للمؤمن في ظل عدم توازن القوى بين العراق وأميركا وفي ظل التفكك العربي والإسلامي الحاصل أن يأمل بالوحدة الإسلامية وتكاتف الجهود من أجل مواجهة الغطرسة الأميركية التي لن تكتفي ببسط سيطرتها على العراق الإسلامية فقط وإنما سيطال الأمر تباعاً الدول الإسلامية كلها ؟
تتميز السيناريوهات المطروحة على ساحة الجدل الإعلامي والفكري بكونها تخلو ، في معظمها ، من سيناريو واحد يتوقع فشل أميركا في الوصول إلى أهدافها ، واندحارها في العراق وهزيمتها أمام المسلمين ، إضافة إلى ذلك تتميز هذه السيناريوهات بالنهاية الموحدة التي تشبه إلى حد كبير الأفلام السينمائية التي تنتهي في الغالب بانتصار البطل على كل أعدائه ، وخاصة البطل الأميركي الذي لا يهزم، مع أن أحداث الحياة تشير إلى واقع مختلف تماماً إذ إن النصر باستخدام القوة لا يمكن أن يستمر إذا لم يترافق مع العدل وإعطاء الحقوق وحماية الحريات وغير ذلك من المبادئ التي لا تغفل عنها أميركا لكونها الواضعة والمروجة لها.
من هنا لا نستطيع أن نقيس انتصار أميركا الذي تنوي تحقيقه في العراق والذي سبق أن حققته في أفغانستان بانتصار البطل الأميركي في أفلامه ، لأن الواقع يشير إلى خلاف ذلك تماماً ، فاللمسات الأخيرة على السيناريوهات التي تدّعي أميركا انتهائها لم تنته إلى الآن ، فها هي المعارك الضارية لا تزال تسجل في جبال وأحياء مدن أفغانستان ، ولا زالت أميركا إلى الآن تستجلب الجنود والمعدات ، ولا زالت الطائرات الأميركية تسقط الواحدة تلو الأخرى مشيرة بذلك إلى أن الفيلم لا زال في بدايته وأن المعركة لم تنته والبطل لم ينتصر واللمسات الأخيرة لم توضع .
ما سبق لا يعني أن السيناريوهات التقليدية المطروحة هي سيناريوهات غير واقعية على الإطلاق ، بل العكس هو الصحيح ، إذ إن تتبع الأحوال بشكل منطقي لا يعطي للعقل إمكانية تصور خلاف ذلك ، خاصة مع فقدان العراق لقوته العسكرية والاقتصادية خلال سنين المرارة والحصار والذل ، وفقدانه بالتالي قدرته على محاربة العدو في ظل عدم توازن القوى الموجود بين البلدين ، إضافة إلى أن الحرب بين البلدين ليست حرب مواجهة ، بل إن اعتماد أميركا في الدرجة الأولى هو على السلاح الحربي الجوي ، وهو سلاح فعال مهمته تدمير أي قوى يمكن أن يملكها الفريق الثاني ، كما أن من مميزات هذه الحرب أن أميركا تستخدم الآخرين في حربها ، بمعنى أنها ستحارب بأيدي غيرها فتفعل كما فعلت في أفغانستان ، تجند أشخاصاً من داخل البلد يحاربون ويقاتلون ، على أن تأتي هي في النهاية لتضع اللمسات الأخيرة على المعركة.
هذا ما يخططون له ويعتقدون أنه لا بديل عنه ،غافلين بذلك عن نقاط مهمة يمكن أن تقلب السحر على الساحر وتجعل حسابات الحقل لا تتوافق مع حسابات البيدر، ومن هذه النقاط ما يلي :
1- إن الحرب التي دارت سابقاً في أفغانستان والتي ستدور مستقبلاً داخل العراق أو داخل أي بلد إسلامي آخر ليست حرباً دولية سياسية وإنما هي حرب دينية عقائدية ، لذا فإن المعركة التي يخوضها المسلمون اليوم هي معركة استبسال وجهاد، وهي معركة متعددة الأبعاد والجبهات ، فكما هي حرب ضد عدو غاشم يريد سرقة الشعوب وتدميرها ، هي أيضاً حرب ضد غطرسة وسيطرة أميركا التي تلغي الوجود الألهي وتقول كما قال فرعون : " أنا ربكم الأعلى " ، النازعات ، 24 ، وهي أيضاً حرب ضد خطط وبرامج المبشرين والصهاينة الذين وضعوها منذ ألوف السنين ، والتي وجد مؤيدوها الفرصة الذهبية لتطبيقها وذلك في ظل الضعف والانهزام الذي تعاني منه الأمة الإسلامية ، ومن هنا يخطئ من يظن أن عدو أميركا في هذه المعركة هو " صدّام " وإنما العدو الأول والوحيد لأميركا اليوم حسب مفكريها واضعي نظرية " صدام الحضارات " هو الإسلام ، لذلك لو لم يكن هناك صدام فستوجد أميركا صدّاماً وفق مقاييسها الخاصة ، لأن صدام وغيره ما هو إلا عدو وهمي اختُرع من أجل تحقيق المصالح ، وتوضيحاً لهذا المعنى قال الكاتب الألماني " غونتر غراس " في حديث إلى صحيفة الغارديان البريطانية : " إن الحرب الآتية على العراق مطلوبة وإن حروبا أخرى ستلي بالدينامية ذاتها " ، أضاف غراس : "نعرف كيف يتم صنع الأعداء حيث لا وجود لهم ونعرف ولدينا صور عديدة للتعبير عن ذلك "، وأضاف أخيراً : " إن خبرتي تقول لي بأن هذه الحرب المطلوبة ستليها حروب أخرى مقررة بالدينامية نفسها ".
2- فقدان أميركا سيطرتها على الرأي العام ، فإذا كانت أميركا قد نجحت في حرب الخليج ،عبر حصولها على الحق الحصري في نقل الخبر ، في تشويه الحقائق وبث الأباطيل والتأثير على الرأي العام العالمي والأميركي ، فقد اختلف الأمر اليوم مع التقدم التكنولوجي الكبير الذي بات ينقل الخبر من قلب الحدث في أقل من دقائق، وذلك عبر وسائل الاتصال المختلفة وأبرزها الإنترنت الذي يستخدمه المسلمون اليوم لنقل صورة حية حقيقية عن الأحداث التي تجري في أرض المعركة وخاصة في فلسطين والشيشان وأفغانستان .
ومن هذه الوسائل أيضاً المحطات الإخبارية الفضائية التي كانت فيما مضى تنحصر في محطة السي أن أن التابعة لأميركا والتي نجحت أثناء حرب الخليج في تلميع صورة المقاتل الأميركي وتغييب صورة المقاتل العراقي ، وإغفال الخسائر البشرية ، ومنع بث الصور المعادية للحرب ، إلإ أن الأمر اليوم اختلف مع التطور التكنولوجي الذي تتمتع به بعض المحطات التلفازية الفضائية مثل قناة الجزيرة وغيرها ، فقد نجحت هذه المحطة بعد أحداث 11 ايلول وفي أثناء حرب أفغانستان من تغطية الحدث بشكل مباشر فنقلت رسائل بن لادن ، ونقلت وقائع الحرب والدمار الذي لحق بالمدنيين خلال المعارك على الأرض الأفغانية ، وأتبعتها بحلقات نقاش وتعريف بالإسلام ، مما مكن الرأي العام من تكوين صورة صادقة عن الإسلام .
هذا إضافة إلى جهود المسلمين في الدول الغربية الذين يسعون منذ ذلك الوقت إلى استخدام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة من أجل مواجهة الإعلام الغربي، وتوضيح صورة الإسلام الحقيقية للعالم كله وبمختلف اللغات، وإقامة حوار عن الإسلام في وسائل الإعلام الغربية وفي الندوات والمؤتمرات .
3- تحولات كثير من الغربيين إلى الإسلام الذي اتهم على الدوام بأنه انتشر بقوة السيف والسلاح ، الأمر الذي يمكن أن ينعكس إيجابياً على الإسلام وسلبياً على أميركا ، وقد قال المفكر اللماني المسلم " مراد هوفمان " مبيناً حال الإسلام في الدول الغربية : إن "الولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى أرض عطشى للإسلام الذي ينتشر ويزداد عامًا بعد آخر، فعدد المسلمين في أمريكا يصل إلى سبعة ملايين نسمة، ولا توجد ولاية تخلو من الإسلام، ولوس أنجلوس وحدها فيها 62 مسجدًا، والمراكز العلمية والمهنية العامة في المجتمع الأمريكي بدأ يتبوؤها المسلمون حيث أن 20 في المائة من أساتذة الطب الأمريكي الأكاديمي مسلمون، ونحن نشاهد الإقبال على الإسلام في صفوف الناشئة والشباب داخل المجتمع الغربي، وظهور هذا الإقبال بقوة مع نهاية القرن الميلادي العشرين الذي شهدت بدايته تنبؤات من جانب بعض المستشرقين بأن الإسلام لم يبق له وجود ولن يستطيع الظهور ثانية إبان إسقاط الخلافة الإسلامية في اسطانبول ".
4- ربط المسلمين الهزيمة التي يمكن أن يمنوا بها بعقيدة الجهاد التي أرعبت الدولة اليهودية ، إذ إن النصر والهزيمة أمور لا يمكن أن تحط من عزيمة المؤمن الواثق بأن النصر من عند الله عز وجل وبأن الحرب كر وفر ، وهذه الهزيمة التي يمكن أن يمنى بها المسلمون اليوم لا تحدث للمرة الأولى في التاريخ الإسلامي ، لذلك لا يمكن اعتبارها دليلاً على أنه لن تقوم للمسلمين قائمة أبداً ، فقراءة التاريخ الذي تؤخذ منه العبر تؤكد تعرض المسلمون لمحن كثيرة وشديدة ، حتى أن بعض من حاربهم تحدى الله عز وجل كما تتحداه أميركا اليوم وكما تحداه فرعون من قبل ،لهذا كان مصيرهم كمصير فرعون وكمصير أميركا ومثيلاتها ، ومن هؤلاء المعروفون في التاريخ القرامطة الذين استولوا على مكة طيلة اثنتين وعشرين عاماً ، وقتلوا من المسلمين ما قتلوا وأخذوا الحجر الأسود ، وقام قائدهم في ذلك الوقت بتحدي الله وقال: " أين الطائر الأبابيل ؟ أين الحجارة من السجيل ؟ "، هذا وقد أبقى القرامطة على "الحجر الأسود خارج مكة في شرق الجزيرة وكانوا يطوفون حوله يريدون أن ينقلوا كعبتهم إلى هناك " .
ومع ذلك رجع المسلمون إلى قوتهم ، وكان ما كان من هزيمة القرامطة واندحارهم .
وكذلك انهزم المسلمون هزيمة كبيرة عندما حكم الصليبيون بيت المقدس "وأغلقوه لمدة واحد وتسعين عاماً لا تصلى فيه الجمعة ولا الجماعات ، ووضعت الصلبان فوق بيت المقدس من عام 492هـ إلى عام 583هـ ، " ومع ذلك لم يبق الوضع على ما هو عليه واسترجع المسلمون قوتهم ، ودحر الصليبيون وأجلوا عن أرض الإسلام .
كل هذا يدل على أن المسلمين لن يستسلموا للهزيمة والضعف ، فإذا فشلوا في موقف أو حرب معينة فهذا لا يعني أنهم سيخضعون ويقنعون بالهزيمة ، فطالما يربط المسلمون حربهم بالجهاد في سبيل الله وطالما أخذوا بأسباب النصر وعادوا إلى ربهم وتابوا إليه طالما سيكون النصر حليفهم لا محالة ، وبهذه النهاية يمكن أن توضع اللمسات الأخيرة على السيناريو الحقيقي لأن الله عز وجل يقول : " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون " ، سورة الأنبياء ، 105. وأميركا بلغت من فسادها حداً جعل من المستحيل أن تبقى ، خاصة مع تصرفها الظالم في العالم حيث باتت تعتبر نفسها الإله الأوحد الذي يسعى لفرض نفسه بالقوة في محاولة لإلغاء الآخر .
وفي الختام أذكّر بقول للإمام ابن قيم الجوزية :" احذر من طغيان " أنا " و "لي" و " عندي" ، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلى بها إبليس وفرعون وقارون فـ " أنا خير منه " ، الأعراف ، 12. لابليس و " لي ملك مصر " ، الزخرف ، 51 ، لفرعون و " إنما اوتيته على علم عندي " ، القصص ، 78، لقارون".
وكلنا نعلم كيف كانت خاتمة هؤلاء ، وصدق الله تعالى " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ، الشعراء ، 227.
اللمسات الأخيرة
د. نهى قاطرجي
تتميز السيناريوهات المطروحة على ساحة الجدل الإعلامي والفكري بكونها تخلو ، في معظمها ، من سيناريو واحد يتوقع فشل أميركا في الوصول إلى أهدافها ، واندحارها في العراق وهزيمتها أمام المسلمين ، إضافة إلى ذلك تتميز هذه السيناريوهات بالنهاية الموحدة التي تشبه إلى حد كبير الأفلام السينمائية التي تنتهي في الغالب بانتصار البطل على كل أعدائه ، وخاصة البطل الأميركي الذي لا يهزم، مع أن أحداث الحياة تشير إلى واقع مختلف تماماً إذ إن النصر باستخدام القوة لا يمكن أن يستمر إذا لم يترافق مع العدل وإعطاء الحقوق وحماية الحريات وغير ذلك من المبادئ التي لا تغفل عنها أميركا لكونها الواضعة والمروجة لها.
من هنا لا نستطيع أن نقيس انتصار أميركا الذي تنوي تحقيقه في العراق والذي سبق أن حققته في أفغانستان بانتصار البطل الأميركي في أفلامه ، لأن الواقع يشير إلى خلاف ذلك تماماً ، فاللمسات الأخيرة على السيناريوهات التي تدّعي أميركا انتهائها لم تنته إلى الآن ، فها هي المعارك الضارية لا تزال تسجل في جبال وأحياء مدن أفغانستان ، ولا زالت أميركا إلى الآن تستجلب الجنود والمعدات ، ولا زالت الطائرات الأميركية تسقط الواحدة تلو الأخرى مشيرة بذلك إلى أن الفيلم لا زال في بدايته وأن المعركة لم تنته والبطل لم ينتصر واللمسات الأخيرة لم توضع .
ما سبق لا يعني أن السيناريوهات التقليدية المطروحة هي سيناريوهات غير واقعية على الإطلاق ، بل العكس هو الصحيح ، إذ إن تتبع الأحوال بشكل منطقي لا يعطي للعقل إمكانية تصور خلاف ذلك ، خاصة مع فقدان العراق لقوته العسكرية والاقتصادية خلال سنين المرارة والحصار والذل ، وفقدانه بالتالي قدرته على محاربة العدو في ظل عدم توازن القوى الموجود بين البلدين ، إضافة إلى أن الحرب بين البلدين ليست حرب مواجهة ، بل إن اعتماد أميركا في الدرجة الأولى هو على السلاح الحربي الجوي ، وهو سلاح فعال مهمته تدمير أي قوى يمكن أن يملكها الفريق الثاني ، كما أن من مميزات هذه الحرب أن أميركا تستخدم الآخرين في حربها ، بمعنى أنها ستحارب بأيدي غيرها فتفعل كما فعلت في أفغانستان ، تجند أشخاصاً من داخل البلد يحاربون ويقاتلون ، على أن تأتي هي في النهاية لتضع اللمسات الأخيرة على المعركة.
هذا ما يخططون له ويعتقدون أنه لا بديل عنه ،غافلين بذلك عن نقاط مهمة يمكن أن تقلب السحر على الساحر وتجعل حسابات الحقل لا تتوافق مع حسابات البيدر، ومن هذه النقاط ما يلي :
1- إن الحرب التي دارت سابقاً في أفغانستان والتي ستدور مستقبلاً داخل العراق أو داخل أي بلد إسلامي آخر ليست حرباً دولية سياسية وإنما هي حرب دينية عقائدية ، لذا فإن المعركة التي يخوضها المسلمون اليوم هي معركة استبسال وجهاد، وهي معركة متعددة الأبعاد والجبهات ، فكما هي حرب ضد عدو غاشم يريد سرقة الشعوب وتدميرها ، هي أيضاً حرب ضد غطرسة وسيطرة أميركا التي تلغي الوجود الألهي وتقول كما قال فرعون : " أنا ربكم الأعلى " ، النازعات ، 24 ، وهي أيضاً حرب ضد خطط وبرامج المبشرين والصهاينة الذين وضعوها منذ ألوف السنين ، والتي وجد مؤيدوها الفرصة الذهبية لتطبيقها وذلك في ظل الضعف والانهزام الذي تعاني منه الأمة الإسلامية ، ومن هنا يخطئ من يظن أن عدو أميركا في هذه المعركة هو " صدّام " وإنما العدو الأول والوحيد لأميركا اليوم حسب مفكريها واضعي نظرية " صدام الحضارات " هو الإسلام ، لذلك لو لم يكن هناك صدام فستوجد أميركا صدّاماً وفق مقاييسها الخاصة ، لأن صدام وغيره ما هو إلا عدو وهمي اختُرع من أجل تحقيق المصالح ، وتوضيحاً لهذا المعنى قال الكاتب الألماني " غونتر غراس " في حديث إلى صحيفة الغارديان البريطانية : " إن الحرب الآتية على العراق مطلوبة وإن حروبا أخرى ستلي بالدينامية ذاتها " ، أضاف غراس : "نعرف كيف يتم صنع الأعداء حيث لا وجود لهم ونعرف ولدينا صور عديدة للتعبير عن ذلك "، وأضاف أخيراً : " إن خبرتي تقول لي بأن هذه الحرب المطلوبة ستليها حروب أخرى مقررة بالدينامية نفسها ".
2- فقدان أميركا سيطرتها على الرأي العام ، فإذا كانت أميركا قد نجحت في حرب الخليج ،عبر حصولها على الحق الحصري في نقل الخبر ، في تشويه الحقائق وبث الأباطيل والتأثير على الرأي العام العالمي والأميركي ، فقد اختلف الأمر اليوم مع التقدم التكنولوجي الكبير الذي بات ينقل الخبر من قلب الحدث في أقل من دقائق، وذلك عبر وسائل الاتصال المختلفة وأبرزها الإنترنت الذي يستخدمه المسلمون اليوم لنقل صورة حية حقيقية عن الأحداث التي تجري في أرض المعركة وخاصة في فلسطين والشيشان وأفغانستان .
ومن هذه الوسائل أيضاً المحطات الإخبارية الفضائية التي كانت فيما مضى تنحصر في محطة السي أن أن التابعة لأميركا والتي نجحت أثناء حرب الخليج في تلميع صورة المقاتل الأميركي وتغييب صورة المقاتل العراقي ، وإغفال الخسائر البشرية ، ومنع بث الصور المعادية للحرب ، إلإ أن الأمر اليوم اختلف مع التطور التكنولوجي الذي تتمتع به بعض المحطات التلفازية الفضائية مثل قناة الجزيرة وغيرها ، فقد نجحت هذه المحطة بعد أحداث 11 ايلول وفي أثناء حرب أفغانستان من تغطية الحدث بشكل مباشر فنقلت رسائل بن لادن ، ونقلت وقائع الحرب والدمار الذي لحق بالمدنيين خلال المعارك على الأرض الأفغانية ، وأتبعتها بحلقات نقاش وتعريف بالإسلام ، مما مكن الرأي العام من تكوين صورة صادقة عن الإسلام .
هذا إضافة إلى جهود المسلمين في الدول الغربية الذين يسعون منذ ذلك الوقت إلى استخدام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة من أجل مواجهة الإعلام الغربي، وتوضيح صورة الإسلام الحقيقية للعالم كله وبمختلف اللغات، وإقامة حوار عن الإسلام في وسائل الإعلام الغربية وفي الندوات والمؤتمرات .
3- تحولات كثير من الغربيين إلى الإسلام الذي اتهم على الدوام بأنه انتشر بقوة السيف والسلاح ، الأمر الذي يمكن أن ينعكس إيجابياً على الإسلام وسلبياً على أميركا ، وقد قال المفكر اللماني المسلم " مراد هوفمان " مبيناً حال الإسلام في الدول الغربية : إن "الولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى أرض عطشى للإسلام الذي ينتشر ويزداد عامًا بعد آخر، فعدد المسلمين في أمريكا يصل إلى سبعة ملايين نسمة، ولا توجد ولاية تخلو من الإسلام، ولوس أنجلوس وحدها فيها 62 مسجدًا، والمراكز العلمية والمهنية العامة في المجتمع الأمريكي بدأ يتبوؤها المسلمون حيث أن 20 في المائة من أساتذة الطب الأمريكي الأكاديمي مسلمون، ونحن نشاهد الإقبال على الإسلام في صفوف الناشئة والشباب داخل المجتمع الغربي، وظهور هذا الإقبال بقوة مع نهاية القرن الميلادي العشرين الذي شهدت بدايته تنبؤات من جانب بعض المستشرقين بأن الإسلام لم يبق له وجود ولن يستطيع الظهور ثانية إبان إسقاط الخلافة الإسلامية في اسطانبول ".
4- ربط المسلمين الهزيمة التي يمكن أن يمنوا بها بعقيدة الجهاد التي أرعبت الدولة اليهودية ، إذ إن النصر والهزيمة أمور لا يمكن أن تحط من عزيمة المؤمن الواثق بأن النصر من عند الله عز وجل وبأن الحرب كر وفر ، وهذه الهزيمة التي يمكن أن يمنى بها المسلمون اليوم لا تحدث للمرة الأولى في التاريخ الإسلامي ، لذلك لا يمكن اعتبارها دليلاً على أنه لن تقوم للمسلمين قائمة أبداً ، فقراءة التاريخ الذي تؤخذ منه العبر تؤكد تعرض المسلمون لمحن كثيرة وشديدة ، حتى أن بعض من حاربهم تحدى الله عز وجل كما تتحداه أميركا اليوم وكما تحداه فرعون من قبل ،لهذا كان مصيرهم كمصير فرعون وكمصير أميركا ومثيلاتها ، ومن هؤلاء المعروفون في التاريخ القرامطة الذين استولوا على مكة طيلة اثنتين وعشرين عاماً ، وقتلوا من المسلمين ما قتلوا وأخذوا الحجر الأسود ، وقام قائدهم في ذلك الوقت بتحدي الله وقال: " أين الطائر الأبابيل ؟ أين الحجارة من السجيل ؟ "، هذا وقد أبقى القرامطة على "الحجر الأسود خارج مكة في شرق الجزيرة وكانوا يطوفون حوله يريدون أن ينقلوا كعبتهم إلى هناك " .
ومع ذلك رجع المسلمون إلى قوتهم ، وكان ما كان من هزيمة القرامطة واندحارهم .
وكذلك انهزم المسلمون هزيمة كبيرة عندما حكم الصليبيون بيت المقدس "وأغلقوه لمدة واحد وتسعين عاماً لا تصلى فيه الجمعة ولا الجماعات ، ووضعت الصلبان فوق بيت المقدس من عام 492هـ إلى عام 583هـ ، " ومع ذلك لم يبق الوضع على ما هو عليه واسترجع المسلمون قوتهم ، ودحر الصليبيون وأجلوا عن أرض الإسلام .
كل هذا يدل على أن المسلمين لن يستسلموا للهزيمة والضعف ، فإذا فشلوا في موقف أو حرب معينة فهذا لا يعني أنهم سيخضعون ويقنعون بالهزيمة ، فطالما يربط المسلمون حربهم بالجهاد في سبيل الله وطالما أخذوا بأسباب النصر وعادوا إلى ربهم وتابوا إليه طالما سيكون النصر حليفهم لا محالة ، وبهذه النهاية يمكن أن توضع اللمسات الأخيرة على السيناريو الحقيقي لأن الله عز وجل يقول : " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون " ، سورة الأنبياء ، 105. وأميركا بلغت من فسادها حداً جعل من المستحيل أن تبقى ، خاصة مع تصرفها الظالم في العالم حيث باتت تعتبر نفسها الإله الأوحد الذي يسعى لفرض نفسه بالقوة في محاولة لإلغاء الآخر .
وفي الختام أذكّر بقول للإمام ابن قيم الجوزية :" احذر من طغيان " أنا " و "لي" و " عندي" ، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلى بها إبليس وفرعون وقارون فـ " أنا خير منه " ، الأعراف ، 12. لابليس و " لي ملك مصر " ، الزخرف ، 51 ، لفرعون و " إنما اوتيته على علم عندي " ، القصص ، 78، لقارون".
وكلنا نعلم كيف كانت خاتمة هؤلاء ، وصدق الله تعالى " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ، الشعراء ، 227.
اللمسات الأخيرة
د. نهى قاطرجي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى