لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : اللطائف الجزء الثانى - صفحة 2 Empty كتاب : اللطائف الجزء الثانى {الثلاثاء 24 مايو - 16:58}

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

الفصل الثاني والعشرون

دموع المذنبين

سبحان
من يرسل رياح المواعظ فتثير من قلوب المتيقظين غيم الغم على ما سلف،
فتسوقه إلى بلد الطبع المجدب برعد الوعيد، وبريق الخشية، فترقأ دموع
الأحزان من قعر بحر القلب إلى أوج الرأس، فتسيل ميازيب الشؤون على نطوع
الوجنات، فإذا أعشب السر تهتز فرحا بالإجابة.
سَلي عَنهُ تُخبر باليَقينِ دُموعُهُ ... وَلا تَسأَلي عَن قَلبِهِ أَين يَمّما
وَفَجعَةُ " عمرو " مِثلُ هَرعَةِ " مالِكِ " ... وَيَقبُحُ بي أَن لا أَموتُ مُتيَّما
إذا
أَرعدت سحائب التخويف انزعج لها قلب المذنب فانفتحت صحائف أصداف سره
كانفتاح أصداف البحر لتلقي قطر نيسانن فقطرت فيها قطرات عزائم عقدها
لؤلوا، ربيع العرفان التوبة الصادقة، كيمياء السعادة إذا وضعت منها حبة
صافية على جبال من أكدار الذنوب دكتها كهيبة التجلي قبل المباشرة، فصارت
كحلا مصلحا لأحداق البصائر.
رب ذنب أدخل صاحبه الجنة، إذا صدق التائب
قلبت الأمارة مطمئنة، لما أخذ الخليل عليه السلام في طريق الصبر فتبعه
الذبيح واستسلما، ألقي على السكين السكون، إذا جالس التائب رفيق الفكر،
أعاد عليه حديث الزلل، وندمه على ركوب الخطل، فرأيت العين التي كانت فجرت
قد انفجرت، وسمعت لسان الأسى يعيد لفظة: لا أعود وعانيت عامل اليقظة قد بث
عمال الجد في رستاق القلب للعمارة، فيا أيها المذنب: إذا أشكل عليك أمر
فليفصح لك دمعك.
إِذا أَعجَمَت أَطلالُ هِندٍ عَلى البِلا ... فَدمعُكَ في بَثِّ الغَرامِ فصيحُ
يا مطلقا في وصالنا راجع، يا حالفا على هجرنا كفر، إنما أبعدنا إبليس لأنه لم يسجد لك.
فواعجبا!! كيف صالحته وهجرتنا!!؟ ويحك لك من عندنا من القدر ما لا تعرفه لليلة القدر.
رَعى اللَهُ مِن نَهوى وَإِن كانَ ما رَعى ... حَفِظنا لَهُ الوُدَّ القَديمَ وَضَيَّعا
وَصالَحَتَ قَوماً كُنتُ أَنهاكًَ عَنهُم ... وَحَقَّكَ ما أَبقيتَ للِصُلحِ مَوضِعا
الفصل الثالث والعشرون
في ترك الشهوات

حبال الدنيا خيال تعز العز، انقطعت منذ الصلة اتصلت بعزة " فرعون " الهوى. إذا ألقى موسى الزهد عصا الشهوات إذا هي تتلقف.
الدنيا
سوق فيها ضجيج الشهوات، فإذا اشتغلت بها فمن يسمع المواعظ، نادى بالصالحين
أمير " نمل " التوفيق، عند ممر " سليمان " البلاء، كفوا أكف الطباع عن
تناول لقم الهوى (لا يُحَطِمَنِكُم سُليمانَ وَجُنودَهُ).

(سبعة يظلهم
الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم رجل دعته امرأة ذات جمال إلى
نفسها فقال إني أخاف الله) اسمع يا من أجاب عجوزا شوهاء، لاح للأولياء حب
المشتهى فمدوا أيدي التناول، فبان للبصائر خيط الفخ، فطاروا بأجنحة الحذر،
وصوت مناديهم إلى الرعيل الثاني (يا لَيتَ قَومي يَعلمون).
ما أصعب
السباحة في غدير التمساح؟ ما أشق السفر في الأرض المسبعة، أي مقيد الوجود
في فناء الفناء: قامت قيامة الملامة وما تسمع، لقد نصحك صوت النصح، ولكن
صلج الآذان مانع.
كم لاحت لك شهوة تردي، و " يعقوب " المواعظ يعض أنامل التحذير يوم البرهان؟ وأنت لا تلتفت.
ويحك أحضر الطبع الجاهل مجلس التفكر، فقد فهم " حبيب العجمي " وعظ الحسن.
يا
مقيما على الهوى وليس بمقيم، يا مبذرا في بضاعة العمر، متى يؤنس منك رشد؟
يا أكمه البصيرة ولا حيلة فيه " لعيسى " أي طويل الرقاد ولا نومة أهل
الكهف: قدر أن الموت لا يتفق بغتة، أليس المرض يبغت؟.
ويحك قد بقي القليل فاستدرك ذبالة السراج، أما يزعجك صوت الحادي؟ أما يؤلمك سوط السائق؟
لَهَفي عَلى غَفَلاتِ أَيامٍ مَضَت ... عَني وَما لَهَفي بِراجِعٍ ما مَضى.
يا دائرة الشقا: أين أولك؟ يا أرض التيه: متى آخرك؟ يا " أيوب " البلاء: كم تقيم على الكناسة؟ أما حان حين (اِركض).
خَليلي ما أرجو مِنَ العَيشِ بَعدَما ... أَرى حاجَتي تُشرى وَلا تُشتَرى لَيا
يا
محصرا عن الوصال لا في سفر الحج، وضالا عن الهدى لا يجزيه الهدي، يا
منقطعا في سبيل السلوك عن جملة الوفد، إذا احتسبت في مرض الهوى بموت
الطرد، فتحامل إلى فناء خيمة أهل الوصل، وأشهد على وصيتك من المقبولين ذوي
عدل، وناد بانكسار الذل على حسرة الفوت.
إِذا ما وَصَلتُم سالِمين فَسَلِّموا ... عَلى خَيرَةِ المَعالي بتَسنَموا
؟الفصل الرابع والعشرون

إياك والذنوب

أعظم
المصائب شماتة الأعداء، وعداوة الشيطان قديمة من يوم (أَبَى وَاستَكبَر)
وحسد إبليس من يوم (أَتَجعَلُ) وفرح النظراء بك أعظم الكل، وما انتقم منك
حاسد بأكثر من تفريطك، ولا انتقمت منه بأعظم من تقويمك، فالحظ كيف أبت
نفسك الحظ وأنلت الحاسد المراد:
ما بَلغَ الأعداءَ مِن جاهِلٍ ... ما بَلَغ الجاهِلُ مِن نَفسِهِ
ويحك تبصر عن الهوى تحمد عواقب السلامة
فإِنّ المَرءَ حينَ يَسُرّ حِلوٌ ... وَإِنّ الحِلوَ حينَ يَضُرُ مُرُّ
فَخُذ مُرّاً تُصادِف عَنهُ حِلواً ... وَلا تَعدِلُ إلى حِلوٍ يَضرُّ
إياك
والذنوب، فلو لم يكن فيها إلا كراهة اللقاء كفىعقوبة. أطيب الأشياء عند "
يعقوب " رؤية " يوسف " وأصعبها عند إخوته لقاؤه. إذا كان القلب نقيا ضج
لحدوث المعصية، فإذا تكررت مرت عليه ولم ينكر، كانت الخطيئة عنده غريبة
فاستوحش، فلما صارت بليد الطبع لم ينفر.
لابس الثوب الأسود لا يجزع من
وقوع الحبر عليه، يا جرحى الذنوب قد عرفتهم المراهم، إن لم تقدروا على
أجرة نائحة فنسكوا رؤوس الندم، فما يخفى صاحب المصيبة، فإن فاتكم عز "
معاذ " فلا تعجزوا عن ذل الثلاثة الذين خلفوا.
خذوا دليل العزم إن لم
تعرفوا سبيل الوصول، فلعل حيرة الطالب توقعه على ماء " مدين " سيروا في
بوادي الدجى، وأنيخوا بوادي الذل في كسر الإنكسار، وأصيخوا بأسماع اليقظة
لعل حداء الواصلين تحرك أطراب القلوب، لا بل ربما عوق السائرون لوصول
المنقطع، فكم قد صار في الرعيل الأول من كان في الساقة؟ لا تملوا الوقوف
ولو طردتم، ولا تقطعوا الإعتذار وإن رددتم، فإن فتح باب للواصلين دونكم
اهجموا هجوم الكدائين، ونكسوا رؤوس الفقر، وابسطوا أكف (وَتصَدَق عَلَينا)
لعل هاتف القبول يقول: (لا تَثريبَ عَلَيكُم).
وَإذا جِئتُم ثَنياتِ اللَوى ... فَلَجوا ربعَ الحِمى في خَطري
وَصَفوا شَوقي إِلى سُكانِهِ ... وَاذكروا ما عِندَكُم مِن خَبَري
وَحَينَني نَحو أَيامٍ مَضَت ... بِالحُمى لَم أَقضِ مِنها وَطَري
كُلَما اِشتَقَتُ تَمَنَيتُكُم ... ضاعَ عُمري في المُنى واعمري
؟الفصل الخامس والعشرون محبة الله سبحانه

الجنة
ترضي منك بالزهد، والنار تندفع عنك بترك الدنيا، والمحبة لا تقنع إلا
بالروح، إن سلطان المحبة لا يقبل الرشا. أيها الطالب لي: اخرج إليّ عنك،
قلبك ضعيف لا يفي بي وبك، إما أنت وإما أنا، افقد نفسك تجدني. لما نسي "
الخليل " نفسه قويت صولته يوم " أما إليك فلا " ما سلك قط طريقا أطيب من
تلك الفلاة التي دخلها عند انفصاله من المنجنيق. زيارة تسعى فيها أقدام
الرضى على أرض الشوق شابهت ليلة " فزجني في النور " فقال: (ها أَنتَ
وَرَبُك).
زُرناكَ شَوقاً وَلَو أَنّ الفُلا بُسِطَت ... نَشرُ الفُلا بَينَنا جَمراً لَزُرناكَ
لاحت أوصاف الصانع في جمال الكمال، فأُشربت قلوبهم حبه، فصاح غلاء الثمن.
بدم المحب يباع وصلهم.
فأجاب
عزم المحبة: وما غَلَت نَظرَةٌ مِنكُم بِسَفكِ دَمِ قلبهم الحب في قفر على
أكف البلاء، فقطع أوداج الأغراض بسكين المسكنة، والمحبوب يقول
(أَتَصبِرون) والأرواح تجيب: (لا ضَيرَ)
شَغَلتُ نَفسي وَقَلبي في مَودَتِكُم ... لا خَلَّص اللَهَ روحي مِن محَبَتِكُم
ها قَد غَضِبتُ عَلى نَفسي لأجلِكُم ... حَتى جَفوتُ حَياتي بَعدُ جَفوَتِكُم
إِذا تَلَهَّبَ جَمرُ الشَوقِ في كَبَدي ... أَطفاهُ ماءُ التَلاقي عِندَ رُؤيَتِكُم
غاب
القوم عن وجودهم شغلا بموجدهم طرق طارق باب " أبي يزيد " وقال: ههنا أبو
يزيد؟ فصاح أبو يزيد: أبو يزيد يطلب أبا يزيد فما يراه!!! ؟ لا يعرف رموز
الأحباب إلا مجانس، سل ليلى عن حال المجنون؟ بلغت بهم المحبة إلى استحلاء
الآلام لعلمهم أنها مراد الحبيب.
وكل ما يفعل المحبوب محبوب لما طعن " حرام بن ملحانط قال: فزت ورب الكعبة.
ضني :سويد بن شعبة " على فراشه فكان يقول: والله ما أحب أن الله نقصني منه قلامة ظفر.
تَعجَبوا مِن تَمنّي القَلبِ مؤلَمَهُ ... وَما دَروا أَنّهُ أَحلى مِنَ العَسَلِ
المحبوب محبو وإن عذب. استقرت جبال المحبة في أرض القلوب، فلم تزعزعها عواصف البلاء.
أمر " الحجاج " بصلب " ماهان " العابد فوق خشبة، فصلب وهو يسبح ويعقد بيده حتى بلغ تسعا وعشرين، فبقي شهرا ويده على ذلك العقد.
لُتحشرنَّ عِظامي بَعدَما بَكيتُ ... يَومَ الحِسابِ وَفيها حُبُّكُم عَلَقُ
إذا وقعت المعرفة في القلب سهل البلاء، فإن مازجتها المحبة فلا أثر للبلاء، لأن المحب يستلذ إذن كل أذى.
عَذابُهُ فيكَ عَذبُ ... وَبَعدَه فيكَ قُربُ
وَأَنتَ عِندَهُ كَنَفسي ... بَل أَنتَ عِندي أَحبُّ
مروا على مجذوم قد قطعه الجذام فقالوا: لو تداويت، فقال: لو قطعتني قطعا، ما ازددت له إلا حبا.
وَاعجَباً ما للِعُذولِ وَمالَهُم ... قَد رَضيَ المَقتولُ كُلَّ الرِضا
الفصل السادس والعشرون

طلب العلم

العلم والعمل توأمان، أمّهما علو الهمة. أيها الشاب: جوهر نفسك بدراسة العلم، وحلها بحلة العمل، فإن قبلت نصحي لم تصلح.
إلا
لصدر سرير أو لذروة منبر من لم يعمل بعلمه، لم يدر ما معه، حامل المسك إذا
كان مزكوما فلا حظ له فيما حمل. بحر قلب العالم يقذف إلى ساحل اللفظ جواهر
النطق، فتلتقطها أكف الفهم.
تالله إن العالم لخاتم خنصر الدهر. العلماء غرباء في الدنيا لكثرة الجهال بينهم. تصنيف العالم: ولده المخلد. للعالم علم.
أيها
المعلم: ثبت على المبتدي (وَقَدِر في السَرد) فالعالم رسوخ، والمتعلم قلق.
ويا أيها الطالب: تواضع في الطلب، فإن التراب لما ذل لأخمص القدم، صار
طهورا للوجه، ولا يتأس مع مداومة الخير أن يقوى ضعفك، فالرمل مع الزمان
يستحجر. صابر ليل البلاء، فبعين الصبر ترى فجر الأجر، ما يدرك منصب بلا
نصب، ألا ترى إلى الشوك في جوار الورد.
أيها المبتدي: تلطف بنفسك، فمداراة الجاهل صعبة، تنقل من درج الرخص إلى سطوح العزائم ولا تيأس من المراد، فأول الغيث قطر ثم ينسكب.
ندم
على حضور المجلس، فالطفل يحتاج كل ساعة إلى الرضاع، فإذا صار رجلا صبر على
الفطام، على أن الماء إذا كثر صدمه للحجر أثر. يا عطاش الهوى في تيه
القوى: انحرفوا إلى جادة العلم، فكم في فيافي التعلم من عين تعين على قطع
البادية.يا جَيرَةَ الحَي هُبُّوا مِن رُقادِكُمُ ... فَلي حَديثٌ لَه مَعَ سَمعِكُم شُغُلُ
طريق
الفضائل مشحونة بالبلاء، ليرجع عنها محنث العزم، إذا نزلت بالحازم بلية
فوجد مذاقها مرا، أدار في الفكر حلو العواقب، فنسخ وسخ ما رسخ. العاقل
صابر للشدائد لعلمه بقرب الفرج، والجاهل على الضد، كما أن النار إذا
اشتعلت في حطب الزيتون لم يدخن، بخلاف السوس، ألا إن الطبع طفل، والعقل
بالغ.
وَعاقِبَةُ الصَبرِ الجَميلِِ جَميلَةٌ ... فَلا تَسأَمَنَّ الصَبرَ وَاصبِِر لَعَلَها؟؟

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : اللطائف الجزء الثانى - صفحة 2 Empty رد: كتاب : اللطائف الجزء الثانى {الثلاثاء 24 مايو - 17:02}

الفصل التاسع والأربعون

الذين سبقت لهم منا الحسنى

إذا
وقت عزيمة الإنابة في قلب من سبقت لهم الحسنى قلعت قواعد الهوى من مشتاة
الأمل، ركب " إبراهيم " يوما للصيد، وقد نصب له فخ (يَهديهِم رَبُهُم)
حوله حب (يُحِبُهُم) فصيد قبل أن يصيد.
عبر ترجمان الهوى عن لغة "
سَبَقَت لَهُم) فقال: ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت، رماه الطبيب وقت
انقضاء المرض، فسقاه دواء مفردا، فنفض به قولنج الهوى، رماه بسهم مواعظ
ألقته عن قربوسه وبؤسه، لاحت له نار الهدى، فصاح في جنود الهوى: (إني
آَنَستُ ناراً) فتجلى له انيس تجدني فاستحضره، فغاب عن وجوده، فلما أفاق
من صعقة وجده، وقد دك طور نفسه، صاح لسان الإنابة بعبارة الإصابة (تُبتُ
إِليكَ) فلما خرج عن ديار الغفلة أومأت اليقظة إلى الهوى:
سَلامٌ عَلى اللَذاتِ وَاللَهوِ وَالصِبا ... سَلامَ وَداعٍ لا سَلامُ قُدومِ
يا " ابن أدهم " : لو عدت إلى قصرك، فتعبدت فيه، قال العزم: كلا، ليس للمبتوتة نفقة ولا سكنى.
أَحَنُّ إِلى الرَملِ اليَماني صِبابَةٌ ... وَهَذا لَعَمري لَو رَضيتُ كَثيبِ
وَلَو أَنَّ ما بي بالحَصى فَلَقُ الحَصى ... وَبالرِيحِ لَم يُسمَع لَهُنّ هُبوبُ
هام في بيداء وجده، فاستراح من عذول أمرضته التخم، فاستلذ طعم طعام الجوع، وحمل جلده على ضعف جلده خشونة بالصوف.
ظَفِرتُم بِكِتمانِ اللِسانِ فَمَن لَكُم ... بِكِتمانِ عَينٍ دَمعُها يَذرِفُ
حَمَلتُم جِبالَ الحُبِّ فَوقي وَإِنَني ... لأَعجَزُ عَن حَملِ القَميصِ وَأَضعُفُ
لاح له جمال الآخرة من خلال سجف (لَنَهدِيَنّهُم) فتمكن الحب من حبة القلب، فقام يسعى في جمع المهر من كسب الفقر.
طال عليه انتظار اللقاء، فصار ناطور البساتين.
تقاضته المحبة بباقي دينها، فسلم الروح في الغربة، هذا ثمن الجنة، فتأخر يا مفلس.
الفصل الخمسون
الحزم مطية النجاح

إخواني:
في الأعداء كثرة، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، قاتلوا بسلاح العزائم
(حَتى لا تَكونَ فِتنَة) فمتى حمل عليهم فارس حد (غُلِبوا هُنالِكَ
وَانقَلَبوا صاغِرين) إخواني: من تلمح حلاوة العواقب نسي مرارة الصبر.
الغاية أول في التقدير، آخر في الوجود، مبدأ في نظر العقل، منتهى في منازل الوصول.

إخواني:
عليكم بطلب الجنة، فإن النار وسط الكف، شهوات الدنيا مصائد تقطع عن
الوصول، فإذا بطلت الشهوات بحلول الموت أحس الهالك بما لم يكن يدري، كما
أن خوف المبارز يشغله عن ألم الجراح، فإذا عاد إلى المأمن زاد الألم، فإذا
ماتوا انتبهوا.
كما شَيّعتُم قَريباً، وَرَميتُموهُ سَليباً، وتركتموه وأسمعكم من الوعظ عجيبا (ثُمَّ قَسَت قُلوبُكُم مِن بَعدِ ذَلِك).
تالله إن الزاد لطيف، وإن المزاد لخفيف، مع أن الأمر جد، والخطب إد، إن الحازم لا يترك الحذر حتى يصل المأمن.
لما اِعترض إبليس " لأحمد " قال: فتني، قال: لا بعد.
لا
فرح بوصول الكوفة وما عبرت العقبة، الطمع مركب التلف، والحزم مطية النجع،
والتواني أبو الفاقة، والبطالة أم الخسران، وما يحصل برد العيس إلا بحر
التعب.
ما العز إلا تحت ثوب الكد
إخواني: ذهب والله في التفريط العمر، غفل الوصي فضيع مال الطفل، مصيبتنا في التفريط واحدة.
أَجارَتُنا إِنا غَريبان ها هُنا ... وَكُلُ غَريبٍ للِغَريبِ نَسيبُ
رحل
ركب المحبة في ظلام الدجى، فصبح القوم المنزل ، ونحن على غير الطريق.
واأسفا من قلة الأسف، واحزناه على عدم الحزن، قفوا على آثار السالكين
فاندبوا المنقطع.
لَيسَت بِأَطلالي وَلِكِنَها ... رُسومُ أحبابي فَنُوحوا مَعِيَ
يا ساكِناً بِالبَلدِ البَلقَعِ ... وَيا دِيارَ الظاعِنينَ اِسمَعي
يا ديار الأحباب: أين سكانك؟ يا مرابع الأحباب: أين قطانك؟
ها إِنّها مَنازِلٌ تَعَوَّدَت ... مِني إِذا شارَفتُها التَسليما
يا نَفحَةَ الشِمالِ مَن تِلقائِها ... رُدَّي عَلي ذاك النَسيما
يا
متخلفا ما جاء مع المعتذرين: رحل الركب في زمان رقادك، فإذا قمت من الكرى
فأقم مأتم الندب، قف على الرسوم وابك على انقطاعك، لعلك تؤنس رفيق " تجدني
" .
إذا جُزتَ بِالغَورِ عَرَّجَ يَميناً ... فَقَد أَخَذَ الشَوقُ مِنّا يَمينا
وَسلِّم عَلى بانَةِ الواديين ... فَإِن سَمِعَت أَوشَكتَ أَن تَبينا
فَصَح في مَغانِيهِم أَينَ هُم ... وَهَيهاتَ أَمَّوا طَريقاً شُطونا
وَرَوِّ ثُرى أَرضِهِم بِالدُموعِ ... وَخَلِّ الضُلوعَ عَلى ما طَوينا
أَراكَ يَشوقُكَ وادي الأَراكِ ... ألِلدارِ تَبكي أَم لِلساكِنينا
سَقى اللَهُ مُرَبَعَنا بِالحُمى ... وَإِن كانَ أَورثَ داءً دَفينا
الفصل الحادي والخمسون

عاقبة التفريط

إذا
قمتم من المجلس فادخلوا دار الخلوة ساعة، وشاوروا نصيح الفكر، وحاسبوا
شريك الخيانة، وتلمموا تفريط الكسل في بضاعة العمر، تأسفوا على كل ذنب
كان، أو حظ من الله فات.
البدار البدار نحو البقية، فيلقى المفرط ما
ضاع، وليحذر الأعور الحجر، لا تحتقر يسير الخير، فالذود إلى الذود إبل،
ضلت قلوبكم في بوادي الهوى، فقوموا على أقدام الطلب، وألقوا أزمة السير
إلى حادي الأسف و (تَحسَسوا مِن يُوسُفَ وَأَخيهِ).
جد في نشدان ضالتك ولا تيأس من روح الله، فكم شفي من أشفى على الهلاك.
عَرِّجوا بِالرِفاقِ نَحوَ الرَكبِ ... وَقَفوا وَقفَةً لأنشُدَ قَلَبي
وَخُذوا لي مِنَ النَقيبِ لِماظاً ... أَو رُدوا بي إِلى العُذيبَ وَحَسبي
فَهُبوبُ الرِياحِ مِن أَرضِ نَجدٍ ... قَوتُ قَلبي وَحَبَّذا مِن مَهَبِّ
يا نَسيمَ الصِبا تَرَنَم عَلى الدَّوَحِ بِصوتٍِ يَشجي وَإِن طارَ لُبِّي
مَن مُعيدٌ أَيامنا بَلوى الجَزِعِ وَهَيهاتَ أَينَ مِنّي صَحبي
واعجبا!!
ما انظر الأجساد، لكن فقد نظر القلوب، إذا لم يحركك الربيع وَأزهاره،
والسماع وأوتاره، فمن أنت؟ ويحك: نوح الحمام غزل، لو كان في قلبك محبة
فابك بكاء " الجنيد " لعلك تقع بسر " سري " بع مال الهوى فيمن يزيد، إن
شئت لحقا " أبي زيد " .
كم دعتك فرصة لو كنت أجبتها، إن جناب الحق لفسيح، غير أن الجهل مطرود.
ويحك: قد لاحت نار الهدى من زناد المواعظ، فقم على أقدام الجد لعلك تجد على النار هدى.

لأيِّ مَرمىً تَزجُرُ الأَيَانِقا ... إِن جاوَزت نَجداً فَلَستَ عاشِقا
وَإِنّما كانَ بُكائي حادِيا ... رَكبَ الغَرامِ وَزفيري سائِقا
واعجبا من الواقفين على مواقف: إن وفقنا!! ثم لا يتعرضون بجناب التوفيق (إِن يُريدونَ إِلاّ فِراراً).
ويحك:
دنت عساغكر البطالة (فَانفِروا خِفافاً وَثِقالاً) خذوا من الدنيا قدر ما
يعبر القنطرة، ولعمري: إن ضرورات المعاش تغير وجه المراد، فيتعثر السالك
(وَمَن يَتِقِ اللَهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجاً) هذا إن جرى القدر بمحبوب أو
بمكروه (فَلا يَكُن في صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ).
دليل محبته لك في الأزل
حراسة توحيده عندك، والتخويف سوط يسوق النفس عن ديار الكسل، وما تظنه
تعذيب، ورب تقويم بالكسر، تخريق مكان الحبيب من القميص جعله قميصا، لو لم
تذنبوا، صولة الوداد تحفظ أهل الأدب، وإن كان الحب في السويداء.
بكت العيون وأنت طارقها
وُدٌ تَقادَمَ عَهدُهُ فَصَفا ... وَجَديداً ودٍّ لَيسَ يَخلُقُهُ
لما
ذاق آدم وحواء من الشجرة دار في دائرة التحير، فضربهما صولجان البعد
فهبطا، وضارب الكرة يسعى بنفسه في طلبها، هل من سائل؟ هل من تائب؟
فَلَولا البَعدُ ما حُمِدَ التَداني ... وَلَولا البَينُ ما طابَ التَلاقي
يا
قائما في سوق الأرباح: ماذا حصلت؟ يا منقطعا في طريق الوصال: هلا توصلت؟
أتراك اشتغلت بنا أو عنا؟ يا منكر، يا نكير: انزلا إلى الخارج من بساتين
الأرباح في دار المعاملة، فانظر أهل استصحب شوكة من الشك، أووردة من
اليقين اتنكهها فمه الذي قال ((بَلى) يوم (أَلَستُ) هَل غَيرَّ طيبه طول
رقا الغفلة؟ هل أنجاس زلله مما يدخل قليلها تحت العفو؟ هل ثمد ماء توحيده
يبلغ قلتين؟ أنا مقيم له على الوفاء بكل حال، فانظر هل حال؟
أَلا حَبَذا نَجدٌ وَطَيبُ تُرابِهِ ... وَأَرواحُهُ إِن كانَ نَجدٌ عَلى العَهدِ
أَلا لَيتَ شِعري عَن عَوارِضَتي قُبا ... بِطُولِ اللَيالي هَل تَغَيرَتا بَعدي
وَعَن عَلَوِيَّات الرِياحِ إِذا جَرَت ... بِريحِ الخُزامى هَل تَمُرُّ عَلى نَجدِ
الفصل الثاني والخمسون

التفكير في الرحيل

من تفكر في قرب رحيله تشاغل بالتزود، ولبئس ما صنع بائع نفسه النفسية بالأعراض الخسيسة.
إن الروح في ذاته جوهر لا يتجزأ أو لا يموت، وقدره جوهر لا قيمة له، وإنما آلات البدن خادمة له تعين على السفر له في زجاجة القلب.
نار
كالسراج، الحياة ضؤوها، والدم دهنها، والحركة نورها، والشهوة حرارتها،
والغضب دخانها، وقد اتخذ من مقدم الدماغ حارسا، ومن وسطه وزيرا، ومن مؤخره
حافظا، وجعل العقل استاذا، والحس تلميذا، وفرق الأعضاء في خدمته رجالا
وركبانا، وجعل الدنيا له ميدانا يجول فيه في صف حربه لمحاربة أعدائه، فإن
غلب، قهر كسرى، وإن غلب فلا أحد.
لما تيقظ تيقظ الأولياء لهذا السفر،
خاضوا في ظلمات الطبع يقطعونها بأقدام المجاهدة، فلاح لهم نور الغيب
(كُلَما أَضاءَ لَهُم مَشَوا فيه) فإذا هم على باب الوصول، الفقر حليتهم،
والليل لذتهم، والخشوع صفتهم.
طال حبسهم في الدنيا، فضجوا إلى الحبيب، فلو انتهبت بالليل سمعت أصوات أهل الحبوس.
يا وُقوفاً ما وَقَفنا ... في ظِلالِ السَلَماتِ
نَتَشاكى ما عِناناً ... بِكَلامِ العَبَرات
أطيار
الأشجان في أقفاص الأسرار تصيح من وجدها في الأسحار، كلما هدلت حمائم
الشجون هطلت عمائم العيون، فإذا كان حين تتوفاهم الملائكة فتح القفص عن
روح تطلب الروح، فتتحير لقرعة (مَن راق) فيهتف به هاتف الوِدادَ (اِرجَعي
إلى رَبِكَ) فتنسى مرارة الكأس بحلاوة الخطاب، فتهون شدائد الموت.
فما
لجرح إذا أرضاهم ألم يا بعيدا عنهم: أين أنت منهم؟ لا تحسبن الأمر سهلا،
نيل سهيل أسهل، أتصقل سيفا ليس في سنحه جوهرية؟ أتحمل صعبا مسنا على
الرياضة؟ وهل ينهض البازي بغير جناح.
من لم يهتز بيسير الإشارة، لم ينفعه كثير العبارة، أترى من نبل مواعظي مقرطس؟ بلى ربما وقعت نبلة في قلب حزينن ولم يدر الرامي.
سهم أصاب وراميه بذي سلم

سر في السر على أقدام العزيمة، وليكن همك الظفر لا الغنيمة، فالعز لا يناله جبان، وإنّ أكتب الأقلام الأسنة.
انتبه
من رقاد الغفلة، فقد طلع ضوء الشيب، وأسرع في سير الجد فقد رحلت الرفقة،
وصوت في أودية الأسحار لعلها ترحمك الساقة، وتلمح آثار السالكين لعلك تقع
على الجادة، فإذا لحقت أعراض الركب فقف نفسك على خدمة الإبل، فربما دخلت
خيمة من أحببت.
فَقُلتَ دَعوني وَاتّباعي رِكابَكُم ... أَكن طَوعَ أَيديكُم كَما يَفعَل العَبدُ
وَما بالُ زَعمي لا يَهونُ عَلَيهِمُ ... وَقَد عَلِموا أَنّ لَيسَ لي مِنهُم بُدُّ
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين تم الكتاب بحمد الله وحسن توفيقه، وصلى
الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

تم بفضل الله
كتاب : اللطائف
المؤلف : ابن الجوزي


الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى