لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب اسباب رفع العقوبه عن العبد الجزء الثالث Empty كتاب اسباب رفع العقوبه عن العبد الجزء الثالث {الأربعاء 15 يونيو - 9:20}

وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا رَآهُ بِهَذِهِ الْحَالِ مِنْ الْحِرْصِ
غَلَبَهُ طَبْعُ الْبَشَرِيَّةِ فَدَعَا عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ فِي غَيْرِ
هَذَا الْحَدِيثِ { اللَّهُمَّ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَمَنْ دَعَوْتُ
عَلَيْهِ فَاجْعَلْ دُعَائِي لَهُ رَحْمَةً } وَقِيلَ مَعْنَاهُ احْتَاجَ
فَسَأَلَ مِنْ أَرِبَ الرَّجُلُ يَأْرَبُ إذَا احْتَاجَ .
ثُمَّ قَالَ "
مَا لَهُ " ؟ أَيْ : أَيُّ شَيْءٍ بِهِ وَمَا يُرِيدُ ؟ ( وَالرِّوَايَةُ
الثَّانِيَةُ ) أَرَبٌ بِوَزْنِ جَمَلٍ أَيْ : حَاجَةٌ لَهُ ، وَمَا
زَائِدَةٌ لِلتَّقْلِيلِ أَيْ : لَهُ حَاجَةٌ يَسِيرَةٌ .
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ حَاجَةٌ جَاءَتْ بِهِ ، فَحَذَفَ ثُمَّ سَأَلَ فَقَالَ " مَا لَهُ " .
(
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ) أَرِبٌ بِوَزْنِ كَتِفٍ ، وَالْأَرِبُ
الْحَاذِقُ الْكَامِلُ أَيْ : هُوَ أَرِبٌ فَحَذَفَ الْمُبْتَدَأَ ثُمَّ
سَأَلَ فَقَالَ " مَا لَهُ " أَيْ : مَا شَأْنُهُ .
وَهَذَا أَحْسَنُ
مِنْ إعْلَامِهِ فَإِنَّ فِي إعْلَامِهِ زِيَادَةَ إيذَاءٍ لَهُ فَإِنَّ
تَضَرُّرَ الْإِنْسَانِ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ شَتْمِهِ أَبْلَغُ مِنْ
تَضَرُّرِهِ بِمَا لَا يَعْلَمُ .
ثُمَّ قَدْ يَكُونُ سَبَبُ
الْعُدْوَانِ عَلَى الظَّالِمِ أَوَّلًا إذْ النُّفُوسُ لَا تَقِفُ
غَالِبًا عِنْدَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ ، فَتَبَصَّرْ هَذَا فَفِي
إعْلَامِهِ هَذَانِ الْفَسَادَانِ .
وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ ثَالِثَةٌ
وَلَوْ كَانَتْ بِحَقٍّ وَهُوَ زَوَالُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ كَمَالِ
الْأُلْفِ وَالْمَحَبَّةِ ، أَوْ تَجَدُّدُ الْقَطِيعَةِ وَالْبِغْضَةِ
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْجَمَاعَةِ وَنَهَى عَنْ الْفُرْقَةِ .
وَهَذِهِ
الْمَفْسَدَةُ قَدْ تَعْظُمُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَكْثَرَ مِنْ
بَعْضٍ وَلَيْسَ فِي إعْلَامِهِ فَائِدَةٌ إلَّا تَمْكِينُهُ مِنْ
اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ كَمَا لَوْ عَلِمَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعَاقِبَ إمَّا
بِالْمِثْلِ إنْ أَمْكَنَ أَوْ بِالتَّعْزِيرِ أَوْ بِالْحَدِّ وَإِذَا
كَانَ فِي الْإِيفَاءِ مِنْ الْجِنْسِ مَفْسَدَةٌ عُدِلَ إلَى غَيْرِ
الْجِنْسِ كَمَا فِي الْقَذْفِ .
وَفِي الْفِدْيَةِ وَفِي الْجِرَاحِ
إذَا خِيفَ الْحَيْفُ ، وَهُنَا قَدْ لَا يَكُونُ حَيْفٌ إلَّا فِي غَيْرِ
الْجِنْسِ أَمَّا الْعُقُوبَةُ أَوْ الْأَخْذُ مِنْ الْحَسَنَاتِ كَمَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَتْ
عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ
فَلْيَأْتِهِ فَلْيَسْتَحِلَّهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَيْسَ فِيهِ
دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ إلَّا الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ فَإِنْ كَانَ
لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِ صَاحِبِهِ فَأُعْطِيَهَا ، وَإِنْ
لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ فَأُلْقِيَتْ عَلَى
صَاحِبِهِ ثُمَّ يُلْقَى فِي النَّارِ } .
وَإِذَا كَانَ فَيُعْطِيهِ
فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً بَدَلَ الْحَسَنَةِ فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ فَالدُّعَاءُ لَهُ وَالِاسْتِغْفَارُ إحْسَانٌ
إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بَدَلَ الذَّمِّ لَهُ وَهَذَا
عَامٌّ فِيمَنْ طَعَنَ عَلَى شَخْصٍ أَوْ لَعَنَهُ أَوْ تَكَلَّمَ بِمَا
يُؤْذِيهِ أَمْرًا أَوْ خَبَرًا بِطَرِيقِ الْإِفْتَاءِ أَوْ التَّحْضِيضِ
أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ أَعْمَالَ اللِّسَانِ أَعْظَمُ مِنْ أَعْمَالِ
الْيَدِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا ، حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِتَأْوِيلٍ ،
أَوْ شُبْهَةٍ ثُمَّ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ فَإِنَّ كَفَّارَةَ ذَلِكَ أَنْ
يُقَابِلَ الْإِسَاءَةَ إلَيْهِ بِالْإِحْسَانِ بِالشَّهَادَةِ لَهُ بِمَا
فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّفَاعَةِ لَهُ بِالدُّعَاءِ فَيَكُونُ
الثَّنَاءُ وَالدُّعَاءُ بَدَلَ الطَّعْنِ وَاللَّعْنِ وَيَدْخُلُ فِي
هَذَا أَنْوَاعُ الطَّعْنِ وَاللَّعْنِ الْجَارِي بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ أَوْ
غَيْرِ سَائِغٍ كَالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا
يَقَعُ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ كَمَا
يَقَعُ بَيْنَ أَصْنَافِ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ ، وَأَهْلِ
الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالنُّهَى مِنْ
كَلَامِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ تَارَةً بِتَأْوِيلٍ مُجَرَّدٍ ، وَتَارَةً
بِتَأْوِيلٍ مَشُوبٍ بِهَوًى ، وَتَارَةً بِهَوًى مَحْضٍ ، بَلْ تَخَاصُمُ
هَذَا الضَّرْبِ بِالْكَلَامِ وَالْكُتُبِ كَتَخَاصُمِ غَيْرِهِمْ
بِالْأَيْدِي وَالسِّلَاحِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِقِتَالِ أَهْلِ
الْعَدْلِ وَالْبَغْيِ ، وَالطَّائِفَتَيْنِ الْبَاغِيَتَيْنِ ،
الْعَادِلَتَيْنِ مِنْ وَجْهٍ وَالْبَاغِيَتَيْنِ مِنْ وَجْهٍ .
وَهَذَا
بَابٌ نَافِعٌ جِدًّا وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ مَاسَّةٌ جِدًّا فَعَلَى هَذَا
لَوْ سَأَلَ الْمَقْذُوفُ وَالْمَسْبُوبُ لِقَاذِفِهِ هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ
أَمْ لَا ؟ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ
الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ إذْ تَوْبَتُهُ صَحَّتْ فِي حَقِّ
اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّدَمِ وَفِي حَقِّ الْعَبْدِ بِالْإِحْسَانِ
إلَيْهِ بِالِاسْتِغْفَارِ وَنَحْوِهِ ، وَهَلْ يَجُوزُ الِاعْتِرَافُ ،
أَوْ يُسْتَحَبُّ ، أَوْ يُكْرَهُ ، أَوْ يَحْرُمُ ؟ الْأَشْبَهُ أَنَّ
ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَقَدْ
يَكُونُ الِاعْتِرَافُ أَصْفَى لِلْقُلُوبِ كَمَا يَجْرِي بَيْنَ
الْأَوِدَّاءِ مِنْ ذَوِي الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ
مِنْ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ ، وَقَدْ تَكُونُ فِيهِ مَفْسَدَةُ
الْعُدْوَانِ عَلَى النَّاسِ أَوْ رُكُوبُ كَبِيرَةٍ فَلَا يَجُوزُ
الِاعْتِرَافُ قَالَ : وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ فَلَيْسَ
لَهُ أَنْ يَكْذِبَ بِالْجُحُودِ الصَّرِيحِ ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ
الصَّرِيحَ مُحَرَّمٌ وَالْمُبَاحُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ هَلْ هُوَ
التَّعْرِيضُ أَوْ الصَّرِيحُ ؟ فِيهِ خِلَافٌ ، فَمَنْ جَوَّزَ الصَّرِيحَ
هُنَاكَ فَهَلْ يُجَوِّزُهُ هُنَا ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَكِنْ يُعَرِّضُ
فَإِنَّ الْمَعَارِيضَ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْكَذِبِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي
يُرْوَى عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّهُ بَلَغَ عُثْمَانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ شَيْءٌ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ بِالْمَعَارِيضِ وَقَالَ :
أُرَقِّعُ دِينِي بَعْضَهُ بِبَعْضٍ أَوْ كَمَا قَالَ .
وَعَلَى هَذَا
فَإِذَا اُسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيُعَرِّضَ ؛
لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ بِالِاسْتِحْلَافِ ، فَإِذَا كَانَ قَدْ تَابَ
وَصَحَّتْ تَوْبَتُهُ لَمْ يَبْقَ لِذَلِكَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلَا تَجِبُ
الْيَمِينُ عَلَيْهِ ، لَكِنْ مَعَ عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالْإِحْسَانِ إلَى
الْمَظْلُومِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى عَدَاوَتِهِ وَظُلْمِهِ فَإِذَا أَنْكَرَ
بِالتَّعْرِيضِ كَانَ كَاذِبًا فَإِذَا حَلَفَ كَانَتْ يَمِينُهُ غَمُوسًا
.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا : سُئِلْتُ عَنْ نَظِيرِ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ رَجُلٌ تَعَرَّضَ لِامْرَأَةِ غَيْرِهِ
فَزَنَى بِهَا ثُمَّ تَابَ مِنْ ذَلِكَ وَسَأَلَهُ زَوْجُهَا عَنْ ذَلِكَ
فَأَنْكَرَ فَطَلَبَ اسْتِحْلَافَهُ ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ
الْفِعْلِ كَانَتْ يَمِينُهُ غَمُوسًا ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَوِيَتْ
التُّهْمَةُ ، وَإِنْ أَقَرَّ جَرَى عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا مِنْ الشَّرِّ
أَمْرٌ عَظِيمٌ ؟ فَأَفْتَيْتُهُ أَنَّهُ يَضُمُّ إلَى التَّوْبَةِ فِيمَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى الْإِحْسَانَ إلَى الزَّوْجِ
بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ ، وَالصَّدَقَةِ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ
مِمَّا يَكُونُ بِإِزَاءِ إيذَائِهِ لَهُ فِي أَهْلِهِ ، فَإِنَّ الزِّنَا
بِهَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَحَقُّ زَوْجِهَا مِنْ
جِنْسِ حَقِّهِ فِي عِرْضِهِ ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يَنْجَبِرُ
بِالْمِثْلِ كَالدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ ، بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ
الْقَذْفِ الَّذِي جَزَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، فَتَكُونُ تَوْبَةُ
هَذَا كَتَوْبَةِ الْقَاذِفِ ، وَتَعْرِيضُهُ كَتَعْرِيضِهِ ، وَحَلْفُهُ
عَلَى التَّعْرِيضِ كَحَلْفِهِ .
وَأَمَّا لَوْ ظَلَمَهُ فِي دَمٍ أَوْ
مَالٍ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إيفَاءِ الْحَقِّ فَإِنَّ لَهُ بَدَلًا ،
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ وَبَيْنَ
تَوْبَةِ الْقَاذِفِ .
وَهَذَا الْبَابُ وَنَحْوُهُ فِيهِ خَلَاصٌ
عَظِيمٌ وَتَفْرِيجُ كُرُبَاتٍ لِلنُّفُوسِ مِنْ آثَارِ الْمَعَاصِي
وَالْمَظَالِمِ فَإِنَّ الْفَقِيهَ كُلَّ الْفَقِيهِ الَّذِي لَا يُؤْيِسُ
النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَا يُجَرِّئُهُمْ عَلَى
مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى .
وَجَمِيعُ النُّفُوسِ لَا بُدَّ أَنْ
تُذْنِبَ فَتَعْرِيفُ النُّفُوسِ مَا يُخَلِّصُهَا مِنْ الذُّنُوبِ مِنْ
التَّوْبَةِ وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَاتِ كَالْكَفَّارَاتِ
وَالْعُقُوبَاتِ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ فَوَائِدِ الشَّرِيعَةِ انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : فَإِنْ كَانَتْ الْمَظْلِمَةُ
فَسَادَ زَوْجَةِ جَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَهَتْكِ
فِرَاشِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ : اُحْتُمِلَ أَنْ لَا يَصِحَّ إحْلَالُهُ مِنْ
ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ بِإِبَاحَتِهِ ابْتِدَاءً
فَلَا يَبْرَأُ بِإِحْلَالِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ :
وَعِنْدِي أَنَّهُ يَبْرَأُ بِالْإِحْلَالِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَيَنْبَغِي
أَنْ يَسْتَحِلَّهُ فَإِنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَيَجُوزُ أَنْ يَبْرَأَ
بِالْإِحْلَالِ بَعْدَ وُقُوعِ الْمَظْلِمَةِ وَلَا يَمْلِكُ إبَاحَتَهَا
ابْتِدَاءً كَالدَّمِ وَالْقَذْفِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لَهُ
أَنَّهُ يُلَاعِنُ زَوْجَتَهُ وَيَفْسَخُ نِكَاحَهَا لِأَجْلِ التُّهْمَةِ
بِهِ وَغَلَبَةِ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ وَإِنَّمَا يُتَحَالَفُ فِي حُقُوقِ
الْآدَمِيِّينَ انْتَهَى كَلَامُهُ ..
وَلِهَذَا يُؤْمَرُ
الْعَبْدُ بِالتَّوْبَةِ كُلَّمَا أَذْنَبَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِشَيْخِهِ :
إنِّي أُذْنِبُ قَالَ : تُبْ قَالَ : ثُمَّ أَعُودُ ، قَالَ : تُبْ قَالَ :
ثُمَّ أَعُودُ ، قَالَ : تُبْ قَالَ : إلَى مَتَى قَالَ : إلَى أَنْ
تُحْزِنَ الشَّيْطَانَ (1)
__________
(1) - وفي فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 5993)
رقم الفتوى 57184 الشيطان يقنط الناس من رحمة الله تعالى
تاريخ الفتوى : 10 ذو القعدة 1425
السؤال
.
أنا شاب أبلغ من العمر 17 عاما ومشكلتي أني والحمد لله التزمت منذ 3 أشهر
ولكني قمت بارتكاب كثير من الكبائر مثل عقوق الوالدين والزنا ولكني الحمد
لله تبت إلى الله وأرجو أن يتقبل مني التوبة والذي يشغلني هو أني تنتابني
بعض الوساوس بأن الله لن يغفر لي حيث أني أفعل الكثير من المعاصي ثم أنكث
توبتي وأنا أعلم أن هذا قنوط من رحمة الله ولكن ماذا أفعل وينتابني أيضا
بعض الأفكار السيئة مثل تخيل شكل الله عز وجل والمصيبة أني ذات مرة تخيلت
الرسول عليه الصلاة والسلام في أوضاع وهو يجامع زوجاته وأشعر بالشك في دين
الإسلام ولكني مطمئن إلى أني مسلم ولكن أريد أن أعرف ردا على تساؤلي وهو
أني إذا دارت في نفسي أفكار سيئة ووساوس ولكني لم أؤمن بها هل أحاسب على
تلك الأفكار أم لا وماذا أفعل بشأن فعل الكبائر هل أني عندما أتوب وأعمل
أعمالا صالحة يتقبلها الله إن شاء؟! وأرجو الإفادة .جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله أن وفقك للتوبة من هذه الكبائر قبل أن يدهمك الموت، وحينئذ لا ينفع الندم.
ونبشرك
بأن الله يقبل توبة من جاءه نادما. قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {التوبة: 104}. وقال
أيضا: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ
اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء: 110}.
فالتوبة تجب
ما قبلها، وتمحو الذنوب السالفة. قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب
كمن لا ذنب له. بل إن التائب تتبدل سيئاته حسنات. قال تعالى بعد أن توعد
مرتكبي الفواحش بالعذاب الأليم قال: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ
عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: 70}.
فأحسن الظن بربك وارج
رحمته، ووازن بين خوفك منه وطمعك في سعة رحمته. قال تعالى عن المؤمنين:
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا {السجدة: 16}. وانظر الفتوى رقم:
16907 .
وكما عققت والديك من قبل فأحسن إليهما الآن، فإن الحسنات يذهبن
السيئات، واجتهد في تحصيل الزوجة الصالحة إن كان ذلك ممكنا لتحصن فرجك وتعف
نفسك، فإن لم تستطع فاسرد الصوم، فإن له تأثيرا بالغا في كسر حدة الشهوة.
قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج،
فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
رواه البخاري ومسلم .
واحذر من القنوط واليأس من رحمة الله. قال تعالى:
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}.
واعلم أن
الشيطان يقنط الناس من رحمة الله تعالى حتى يزهدوا في التوبة ولا يسارعوا
إليها، ولذلك قال تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا
الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف: 87}. وقال أيضا: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ
رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر: 56}.
فإذا وقعت في بعض
المعاصي بعد أن تبت منها فجدد التوبة، فإن الله يفرح بتوبة العبد إذا جاء
نادما. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذنب عبد ذنبا فقال:
أي رب أذنبت ذنبا فاغفر لي، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ
به، قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنبا آخر، فقال أي رب أذنبت ذنبا آخر فاغفر لي،
فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، فليفعل
ما يشاء .
وقال بعض السلف لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال ثم أعود،
قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تحزن الشيطان.
وانظر الفتوى: 24031 .
واحذر الاسترسال مع ما يقع في قلبك من تخيلات بشأن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو تشكيك في دين الإسلام.
واعلم
أن هذه الخواطر الرديئة لا تضرك إذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم
وانقطعت ولم تسترسل معها. قال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي
ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم . رواه البخاري ومسلم .
واعلم أن كونك ترفض هذه الوساوس وتستقبحها دليل على أن فيك إيمانا وخوفا من الله. وانظر الفتويين: 187 ، 7950 فإن فيهما بيان ذلك.
كما
نوصيك بالبحث عن الشباب الصالحين المتمسكين بالدين فتنخرط فيهم، وتنتظم في
سلكهم فتحافظ على الصلاة معهم في جماعة، وتتلو معهم القرآن، وتتعلم معهم
العلم النافع، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل
الذئب من الغنم القاصية.
كما ننصحك بكثرة الاستماع إلى الأشرطة
الإسلامية وبمطالعة كتاب في سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى تزداد معرفة
به وبأحواله، فيزداد حبك له فتحشر في زمرته.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب اسباب رفع العقوبه عن العبد الجزء الثالث Empty رد: كتاب اسباب رفع العقوبه عن العبد الجزء الثالث {الأربعاء 15 يونيو - 9:21}

فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 1324)
رقم الفتوى 61553 الوقوع في الذنب بعد التوبة منه
تاريخ الفتوى : 19 ربيع الأول 1426
السؤال
بالنسبة
لموضوع الاستغفار, أجد نفسي في حيرة شديدة في فهم التناقض في بعض النصوص
كالآتي: هناك أقوال تنص على أن المستغفر من الذنب لا ذنب له و إن عاد إلى
الذنب في اليوم سبعين مرة (حديث نبوي) وأن العبد إذا ذكر أن له ربا بعد
الزلة الثالثة فإن الله عز وجل يقول لعبده اعمل ما تشاء (حديث قدسي). كيف
يمكن أن نضع هذه النصوص مع النصوص الأخرى والتى تنص على أن العائد إلى
الذنب كالمستخف بربه وأنه لا تقبل توبة العبد إلا بعد أن ينوي الانقطاع من
الذنب. فأحيانا يكون العبد صادقا في توبتة ومع ذلك يقع في الذنب مرة أخرى
ولو بعد حين؟
أفيدونى أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم
أخي الكريم أن الله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، لا سيما إن تاب صاحبه و
حقق شروط التوبة وهي: الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على أن
لا يعود إلى الذنب مرة أخرى، وأن تكون التوبة قبل بلوغ الروح الحلقوم، وأن
تكون التوبة في وقتها أي: قبل طلوع الشمس من مغربها، وكذلك ورد المظالم
إلى أهلها إن كانت فيما له تعلق بحقوق الآدميين أو طلب العفو منهم، وإذا
تاب المذنب من ذنب دون ذنب قبل الله توبته مما تاب منه، والواجب عليه أن
يتوب من الجميع، فإذا عاد إلى الذنب فإن عليه أن يتوب وهكذا، ولا يستسلم
للشيطان ويصر على الذنب فإن الوقوع في الذنب مصيبة والإصرار عليه مصيبة
أعظم لأن الإنسان ليس معصوما عن المعاصي ولو كان تقيا، فقد قال الله تعالى:
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنْفِقُونَ
فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ
عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*وَالَّذِينَ إِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ*أُولَئِكَ
جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل
عمران:133ـ136}. وإذا استزلك الشيطان فضعفت بعد توبتك وأذنبت، فجدد لذنبك
توبة، ففي الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أذنب عبد ذنبا،
فقال: أي رب أذنبت ذنبا فاغفرلي ، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب
ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنبا آخر فقال: أي رب أذنبت ذنبا آخر،
فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد
غفرت
لعبدي فليفعل ما شاء، قال ذلك في الثالثة أو الرابعة ) أي ما دام يذنب ثم
يستغفر. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم تذنبوا لذهب
لله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم . وقال بعضهم لشيخه :
إني أذنبت، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال:
إلى متى؟ قال: إلى أن تحزن الشيطان . . ولا تعارض بين هذه الأحاديث وبين
شرط التوبة وهو العزم على عدم العود إلى الذنب وأنها لاتصح إلا بذلك فإن
الإنسان بشر معرض للوقوع في الذنب مرة أخرى بعد أن تاب منه التوبة المتضمنة
للعزم على عدم العود، وقد جاء في النصوص السابقة ما يدل على ذلك ولم تعده
مستخفا بربه لمجرد وقوعه في الذنب بعد توبته منه، ولم نقف على الحديث الذي
ذكرته ولو صح فيحمل على محمل لايتعارض مع ما سبق كأن يكون أخل بشرط من شروط
التوبة أو نحو ذلك مما لا يتعارض مع ما ثبت من النصوص التي سقناها سابقا.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
--------------
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 9 / ص 5141)
رقم الفتوى 66163 هل تكرار الذنب وتكرار التوبة من الإصرار على المعصية
تاريخ الفتوى : 17 رجب 1426
السؤال
شاب
تاب وندم على ما فعل واستقام على الطريق المستقيم... ولكن تبقى رواسب
لجاهليته ويذنب ذنبا ما لا يستطيع أن يفارقه، ولكنه حينا بعد حين يلوم نفسه
ويتوب من هذا الذنب، ولكنه سرعان ما يرجع.. فهل في ذلك إصرار على الذنب...
مع العلم بأنه يتوب ويتألم من هذا الذنب، ولكنه سريعا ما يعود أو يبقى
فترة من الزمن تائبا من هذا الذنب، ولكنه يرجع إليه... فهل هذا إصرار أم
لا... وماذا يفعل هذا الشاب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى
هذا الشاب أن يأخذ نفسه بالشدة ويفطمها عن هذا الذنب الذي يعاوده الفينة
بعد الفينة، فيتوب منه توبة نصوحاً يعزم فيها على عدم العودة أبداً، وذلك
لأنه لا يعلم متى تأتيه منيته، وليحذر أن يدركه الموت وهو قائم على معصية
الله، فيختم له بخاتمة السوء والعياذ بالله، وانظر شروط التوبة النصوح في
الفتوى رقم: 9694 ، والفتوى رقم: 5450 .
فإذا تاب توبة نصوحاً ثم
زيَّن له الشيطان المعصية فزلت قدمه وقارفها، فليسارع إلى تجديد التوبة مرة
أخرى، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ
مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ {الأعراف:201}،
قال الحافظ ابن كثير : يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما
أمر وتركوا ما عنه زجر أنهم إذا مسهم: أي أصابهم طائف... ومنهم من فسره
بالهم بالذنب، ومنهم من فسره بإصابة الذنب. وقوله: تذكروا: أي: عقاب الله
وجزيل ثوابه ووعده ووعيده -فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب، فإذا هم مبصرون: أي: قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه. انتهى. باختصار.
وكون
هذا الشخص يقع في الذنب ثم يتوب ثم يقع في الذنب ثم يتوب ليس معناه أنه
مصر عليه، بل قد يكون ذلك دليلاً على حبه لله ورغبته في التوبة، وكراهته
للذنب والمعصية لأنه يكره المداومة على فعلها، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ
فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ
وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}،
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: إن عبداً أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنباً فقال: رب أذنبت وربما قال:
أصبت فاغفر لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت
لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا، فقال رب: أذنبت أو
أصبت آخر فاغفره، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت
لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال: أصبت ذنبا، قال: قال رب
أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي، فقال :علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب
ويأخذ به غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء. قال النووي: وفي الحديث أن
الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو
تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته. وقوله في الحديث: اعمل ما شئت. معناه:
ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك.
ولكن ليس في هذا الحديث ترخيص في فعل
الذنوب، ولكن فيه الحث على التوبة لمن وقع في الذنب، وأنه لا يستمر على
فعله، وقد قال بعضهم لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب،
قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تحزن الشيطان.
فكثرة
التوبة من الأمور المحمودة عند الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كل بني
آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه الترمذي وابن ماجه .
وينبغي للتائب أن يتخذ تدابير تعينه على الاستقامة والاستمرار على التوبة وعدم النكوص وتنكب الطريق، ومن هذه التدابير:
1- دعاء
الله بذل وإلحاح أن يرزقه الاستقامة وأن يعينه على التمسك بدينه، وخير ما
يُدعى به ما كان يدعو به رسول الله صلى الله عيله وسلم: يا مقلب القلوب ثبت
قلبي على دينك. رواه الترمذي .
2- اجتناب
أماكن المعصية وأصدقاء السوء الذين يزينون المعاصي له ويرغبونه فيها، وفي
المقابل اتخاذ رفقة صالحة من الشباب المستقيم المتمسك بالدين، فإن صحبتهم
من أعظم أسباب الاستقامة والثبات على التوبة بعد الله تعالى، فإن الشيطان
مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وقد
قال الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ
عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ
أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ
فُرُطًا {الكهف:28}، فعلى ذلك التائب أن يفتش عن هؤلاء الشباب، فيعبد الله
معهم ويتعاون معهم على فعل الخيرات وطلب العلم النافع، وللمزيد من الفائدة
انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800 ، 1208 ، 16610 ، 12744 ، 21743 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

.
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ
الْمُفَتَّنَ التَّوَّابَ »(1).
وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَصَلَاتُهُ
إذَا اسْتَيْقَظَ(2) أَوْ ذَكَرَهَا كَفَّارَةً لَهَا تَبْرَأُ بِهَا
الذِّمَّةُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ ،وَيَرْتَفِعُ عَنْهُ الذَّمُّ
وَالْعِقَابُ وَيَسْتَوْجِبُ بِذَلِكَ الْمَدْحَ وَالثَّوَابَ ،وَأَمَّا
مَا يَفْعَلُهُ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ فَلَا نَعْلَمُ الْقَدْرَ الَّذِي
يَقُومُ ثَوَابُهُ مَقَامَ ذَلِكَ وَلَوْ عُلِمَ فَقَدْ لَا يُمْكِنُ
فِعْلُهُ مَعَ سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، ثُمَّ إذَا قَدَّرَ أَنَّهُ أُمِرَ
بِمَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ صَارَ وَاجِبًا فَلَا يَكُونُ تَطَوُّعًا،
وَالتَّطَوُّعَاتُ شُرِعَتْ لِمَزِيدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ كَمَا
قَالَ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ
عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا
يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ }
الْحَدِيثَ(3)
__________
(1) - مسند أحمد برقم(615) والدولابى 2/62 والفضائل ( 1191) والحلية 3/178 -179 وبنحوه الشعب ( 7120 و 7121 و 7122) مرفوعاً وموقوفاً والإتحاف 8/595
وهو حسن لغيره
المفتن : الممتحن يمتحنه الله بالذنب ثم يتوب
(2) - سنن الدارمى برقم(1276)عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
: « مَنْ نَسِىَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا
ذَكَرَهَا ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى)
» صحيح .
(3) - صحيح البخارى برقم(6502 )عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «
إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ
بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ
مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ
بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ
الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ
الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ
سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا
تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ
الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ » .
وفي فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 342)
قَوْله
( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا
اِفْتَرَضْت عَلَيْهِ ) يَجُوزُ فِي " أَحَبّ " الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ ،
وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ جَمِيعُ فَرَائِضِ الْعَيْنِ
وَالْكِفَايَةِ ، وَظَاهِرُهُ الِاخْتِصَاصُ بِمَا اِبْتَدَأَ اللَّه
فَرْضِيَّتَهُ ، وَفِي دُخُول مَا أَوْجَبَهُ الْمُكَلَّف عَلَى نَفْسِهِ
نَظَرٌ لِلتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ اِفْتَرَضْت عَلَيْهِ ، إِلَّا إِنْ
أُخِذَ مِنْ جِهَة الْمَعْنَى الْأَعَمِّ ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ
أَدَاء الْفَرَائِض أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّه . قَالَ الطُّوفِيُّ
: الْأَمْرُ بِالْفَرَائِضِ جَازِمٌ وَيَقَعُ بِتَرْكِهَا الْمُعَاقَبَةُ
بِخِلَافِ النَّفْلِ فِي الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ اِشْتَرَكَ مَعَ
الْفَرَائِضِ فِي تَحْصِيلِ الثَّوَابِ فَكَانَتْ الْفَرَائِضُ أَكْمَلَ ،
فَلِهَذَا كَانَتْ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَشَدَّ تَقْرِيبًا ،
وَأَيْضًا فَالْفَرْضُ كَالْأَصْلِ وَالْأُسِّ وَالنَّفْلُ كَالْفَرْعِ
وَالْبِنَاءِ ، وَفِي الْإِتْيَانِ بِالْفَرَائِضِ عَلَى الْوَجْهِ
الْمَأْمُورِ بِهِ اِمْتِثَالُ الْأَمْرِ وَاحْتِرَامُ الْآمِرِ
وَتَعْظِيمُهُ بِالِانْقِيَادِ إِلَيْهِ وَإِظْهَارُ عَظَمَةِ
الرُّبُوبِيَّةِ وَذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ فَكَانَ التَّقَرُّبُ بِذَلِكَ
أَعْظَمَ الْعَمَلِ ، وَاَلَّذِي يُؤَدِّي الْفَرَائِض قَدْ يَفْعَلهُ
خَوْفًا مِنْ الْعُقُوبَةِ وَمُؤَدِّي النَّفْلِ لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا
إِيثَارًا لِلْخِدْمَةِ فَيُجَازَى بِالْمَحَبَّةِ الَّتِي هِيَ غَايَةُ
مَطْلُوبِ مَنْ يَتَقَرَّبُ بِخِدْمَتِهِ .
قَوْله ( وَمَا زَالَ ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " وَمَا يَزَالُ " بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ .
قَوْله
( يَتَقَرَّب إِلَيَّ ) التَّقَرُّب طَلَبُ الْقُرْبِ ، قَالَ أَبُو
الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ : قُرْبُ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ يَقَعُ أَوَّلًا
بِإِيمَانِهِ ، ثُمَّ بِإِحْسَانِهِ . وَقُرْبُ الرَّبِّ مِنْ عَبْدِهِ
مَا يَخُصُّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ عِرْفَانِهِ ، وَفِي الْآخِرَة
مِنْ رِضْوَانه ، وَفِيمَا بَيْن ذَلِكَ مِنْ وُجُوه لُطْفه وَامْتِنَانه .
وَلَا يَتِمُّ قُرْبُ الْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ إِلَّا بِبَعْدِهِ مِنْ
الْخَلْقِ . قَالَ : وَقُرْب الرَّبّ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عَامٌّ
لِلنَّاسِ ، وَبِاللُّطْفِ وَالنُّصْرَةِ خَاصٌّ بِالْخَوَاصِّ ،
وَبِالتَّأْنِيسِ خَاصٌّ بِالْأَوْلِيَاءِ . وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي
أُمَامَةَ " يَتَحَبَّبُ إِلَىَّ " بَدَلَ " يَتَقَرَّبُ " وَكَذَا فِي
حَدِيث مَيْمُونَةَ .
قَوْله ( بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أَحْبَبْته ) فِي
رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " أُحِبَّهُ " ظَاهِرُهُ أَنَّ مَحَبَّةَ
اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ تَقَعُ بِمُلَازَمَةِ الْعَبْدِ التَّقَرُّبَ
بِالنَّوَافِلِ ، وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ بِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلًا أَنَّ
الْفَرَائِضَ أَحَبُّ الْعِبَادَاتِ الْمُتَقَرَّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ
فَكَيْفَ لَا تُنْتِجُ الْمَحَبَّةَ ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ
النَّوَافِلِ مَا كَانَتْ حَاوِيَةً لِلْفَرَائِضِ مُشْتَمِلَةً عَلَيْهَا
وَمُكَمِّلَةً لَهَا ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ "
اِبْن آدَم . إِنَّك لَنْ تُدْرِكَ مَا عِنْدِي إِلَّا بِأَدَاءِ مَا
اِفْتَرَضْت عَلَيْك " وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ : مَعْنَى الْحَدِيث
أَنَّهُ إِذَا أَدَّى الْفَرَائِض وَدَامَ عَلَى إِتْيَان النَّوَافِل مِنْ
صَلَاة وَصِيَام وَغَيْرهمَا أَفْضَى بِهِ ذَلِكَ إِلَى مَحَبَّة اللَّه
تَعَالَى . وَقَالَ اِبْن هُبَيْرَة : يُؤْخَذ مِنْ قَوْله " مَا تَقْرَب
إِلَخْ " أَنَّ النَّافِلَة لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْفَرِيضَة ، لِأَنَّ
النَّافِلَة إِنَّمَا سُمِّيَتْ نَافِلَةً لِأَنَّهَا تَأْتِي زَائِدَةً
عَلَى الْفَرِيضَةِ ، فَمَا لَمْ تُؤَدَّ الْفَرِيضَةُ لَا تَحْصُلُ
النَّافِلَةُ ، وَمَنْ أَدَّى الْفَرْضَ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ النَّفْل
وَأَدَامَ ذَلِكَ تَحَقَّقَتْ مِنْهُ إِرَادَةُ التَّقَرُّبِ اِنْتَهَى .
وَأَيْضًا فَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ التَّقَرُّبَ يَكُون غَالِبًا
بِغَيْرِ مَا وَجَبَ عَلَى الْمُتَقَرِّب كَالْهَدِيَّةِ وَالتُّحْفَة
بِخِلَافِ مَنْ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنْ خَرَاجٍ أَوْ يَقْضِي مَا
عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ . وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ جُمْلَة مَا شُرِعَتْ لَهُ
النَّوَافِل جَبْر الْفَرَائِض كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي
أَخْرَجَهُ مُسْلِم " اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَتَكْمُلُ
بِهِ فَرِيضَتُهُ " الْحَدِيث بِمَعْنَاهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ
مِنْ التَّقَرُّب بِالنَّوَافِلِ أَنْ تَقَع مِمَّنْ أَدَّى الْفَرَائِضَ
لَا مَنْ أَخَلَّ بِهَا كَمَا قَالَ بَعْض الْأَكَابِرِ : مَنْ شَغَلَهُ
الْفَرْضُ عَنْ النَّفْلِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَمَنْ شَغَلَهُ النَّفْلُ عَنْ
الْفَرْضِ فَهُوَ مَغْرُورٌ .

، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ
الْعَبْدُ قَدْ أَدَّى الْفَرَائِضَ كَمَا أُمِرَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ
مَقْصُودُ النَّوَافِلِ، وَلَا يَظْلِمُهُ اللَّهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا
يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ (1)بَلْ
يُقِيمُهَا مَقَامَ نَظِيرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ، كَمَنْ عَلَيْهِ
دُيُونٌ لِأُنَاسِ يُرِيدُ أَنْ يَتَطَوَّعَ لَهُمْ بِأَشْيَاءَ : فَإِنْ
وَفَّاهُمْ وَتَطَوَّعَ لَهُمْ كَانَ عَادِلًا مُحْسِنًا(2) . وَإِنْ
وَفَّاهُمْ وَلَمْ يَتَطَوَّعْ كَانَ عَادِلًا ، وَإِنْ أَعْطَاهُمْ مَا
يَقُومُ مَقَامَ دِينِهِمْ وَجَعَلَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا كَانَ غالطا فِي
جَعْلِهِ ؛ بَلْ يَكُونُ مِنْ الْوَاجِبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ .
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ " الْمُعْتَزِلَةَ (3)
__________
(1) - قال
تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ
حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (40) سورة
النساء
(2) - سنن ابن ماجه برقم(2287 )عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى » وهو صحيح لغيره.
(3) - وفي فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 4108)
رقم الفتوى 17236 المعتزلة..ماهيتهم..عقائدهم..المعتزلة الجدد
تاريخ الفتوى : 16 ذو الحجة 1424
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
السؤال:ما الفرق بين كل من أهل السنة,والمرجئة,والمعتزلة,والأشاعرة,الماتريدية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق الفرق بين أهل السنة وبين الأشاعرة والماتريدية في الفتوى رقم:
10400 16542 10346
وأما
الفرق بينهم وبين المعتزلة فيتضح ذلك ببيان عقيدة المعتزلة، وهذه نبذه
مختصرة عنهم وعن عقيدتهم، ومن أراد التوسع فليراجع كتب العقائد كشرح
العقيدة الطحاوية لابن أبي العز وكتب شيخ الإسلام كالعقيدة التدمرية، ودرء
تعارض العقل والنقل .. وسموا المعتزلة لأن واصل بن عطاء اعتزل مجلس الحسن
البصري وقدر أن مرتكب الكبيرة كالزنا وشرب الخمر لا مؤمن ولا كافر في
الدنيا بل هو في منزلة بين المنزلتين كالمسافر بين بلدين لاينسب لإحداهما.
وأما في الآخرة فهو مخلد في النار إن لم يتب. وقيل سموا بذلك لأنهم أوجبوا
اعتزال مرتكب الكبيرة ومقاطعته.
ثم حرروا مذهبهم في خمسة أصول وهي:
الأول
التوحيد: ويقصدون به نفي صفات الله، وقالوا: إن الصفات ليست شيئاً غير
الذات وإلا تعدد القدماء في نظرهم، ولذلك نفوا رؤية المؤمنين لربهم يوم
القيامة، وقالوا بخلق القرآن إلى غير ذلك من الضلال.
الثاني العدل :
ويقصدون به أن الله لايخلق أفعال العباد ولايريد الفساد بل العباد هم الذين
يفعلونها بالقدرة التي جعلها الله فيهم، وأنه لا يأمر إلا بما يريد ولا
ينهى إلا عما يكره، ولم يهتدوا إلى التفريق بين الإرادة الكونية والإرادة
الشرعية، ولوا اهتدوا إلى ذلك لعلموا أن الله يريد الكفر والفساد بالإرادة
الكونية لحكمة يعلمها سبحانه، ولا يريدها بالإرادة الشرعية. وبين الإرادتين
فوارق من أهمها أن الإرادة الكونية لا تلازمها المحبة، وأما الإرادة
الشرعية فإنها تلازمها المحبة. فلا يريد الله شيئاً إرادة شرعية إلا وهو
يحبه سبحانه.
الثالث الوعد والوعيد: ويقصدون به أن الله يجازي المحسن
على إحسانه والمسيء على إساءته ولايغفر لمرتكب الكبيرة، فعدله يقتضي ذلك
وهو أنه لا يغفر له، ومن ثم أنكروا الشفاعة لأهل الكبائر.
الرابع المنزلة بين المنزلتين: في حق مرتكب الكبيرة. وقد سبق بيان هذا.
الخامس
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ويقصدون به وجوب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، ومن هذا الأصل قالوا بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف
عن الحق؛ ولو لم يكن ما ارتكبه كفراً بواحاً. ومن مبادئ المعتزلة الاعتماد
على العقل كلياً وتقديمه على النقل في مسائل العقائد وغيرها. والقول بأن
النقل الصحيح يعارض العقل الصريح دعوى مفتعلة منقوضة من أساسها، بل الشرع
والعقل يتوافقان ولله الحمد والمنة، وعند توهم التعارض يقدم النقل لأنه عن
المعصوم.
وللأسف الشديد يحاول بعض الكتاب والمفكرين إحياء الاعتزال من
جديد بعد أن عفى عليه الزمن أو كاد، فألبسوه ثوباً جديداً وأطلقوا عليه
أسماء جديدة مثل: العقلانية، والتنوير، والتجديد، والتحرر الفكري،
والمعاصرة، والتيار الديني المستنير ونحو ذلك. ولكن تصدى لهم أهل السنة
والجماعة وفضحوهم وبينوا عوارهم ولله الحمد والمنة. كما تصدى أهل الحق
لأسلافهم من قبل.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
"
يَفْتَخِرُونَ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ " التَّوْحِيدِ " وَ " الْعَدْلِ "
وَهُمْ فِي تَوْحِيدِهِمْ نَفَوْا الصِّفَاتِ نَفْيًا يَسْتَلْزِمُ
التَّعْطِيلَ وَالْإِشْرَاكَ . وَأَمَّا " الْعَدْلُ الَّذِي وَصَفَ
اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ " فَهُوَ أَنْ لَا يَظْلِمَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
وَأَنَّهُ : مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (1)،وَهُمْ
يَجْعَلُونَ جَمِيعَ حَسَنَاتِ الْعَبْدِ وَإِيمَانِهِ حَابِطًا بِذَنْبِ
وَاحِدٍ مِنْ الْكَبَائِرِ ،وَهَذَا مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي نَزَّهَ
اللَّهُ نَفْسَهُ عَنْهُ فَكَانَ وَصْفُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ بِالْعَدْلِ
الَّذِي وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْعَدْلِ هُوَ
التَّكْذِيبُ بِقَدَرِ اللَّهِ .
( الْخَامِسُ ) : أَنَّ اللَّهَ
لَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا يُحْبِطُ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ إلَّا الْكُفْرَ،
كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا يُحْبِطُ جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ إلَّا
التَّوْبَةَ . وَ " الْمُعْتَزِلَةُ مَعَ الْخَوَارِجِ " يَجْعَلُونَ
الْكَبَائِرَ مُحْبِطَةً لِجَمِيعِ الْحَسَنَاتِ حَتَّى الْإِيمَانِ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ
قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ
اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ
يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ
وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ
فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(2)
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب اسباب رفع العقوبه عن العبد الجزء الثالث Empty رد: كتاب اسباب رفع العقوبه عن العبد الجزء الثالث {الأربعاء 15 يونيو - 9:22}

(1) - قال تعالى : {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) }سورة الزلزلة
(2) - وفي تفسير الرازي - (ج 3 / ص 269)
المسألة
الثالثة : ظاهر الآية يقتضي أن الارتداد إنما يتفرع عليه الأحكام المذكورة
إذا مات المرتد على الكفر ، أما إذا أسلم بعد الردة لم يثبت شيء من هذه
الأحكام ، وقد تفرع على هذه النكتة بحث أصولي وبحث فروعي ، أما البحث
الأصولي فهو أن جماعة من المتكلمين زعموا أن شرط صحة الإيمان والكفر حصول
الموافاة ، فالإيمان لا يكون إيماناً إلا إذا مات المؤمن عليه والكفر لا
يكون كفراً إلا إذا مات الكافر عليه ، قالوا : لأن من كان مؤمناً ثم ارتد
والعياذ بالله فلو كان ذلك الإيمان الظاهر إيماناً في الحقيقة لكان قد
استحق عليه الثواب الأبدي ، ثم بعد كفره يستحق العقاب الأبدي فإما أن يبقى
الاستحقاقان وهو محال ، وإما أن يقال : إن الطارىء يزيل السابق وهذا محال
لوجوه أحدها : أن المنافاة حاصلة بين السابق والطارىء ، فليس كون الطارىء
مزيلاً للسابق أولى من كون السابق دافعاً للطارىء ، بل الثاني أولى لأن
الدفع أسهل من الرفع وثانيها : أن المنافاة إذا كانت حاصلة من الجانبين ،
كان شرط طريان الطارىء زوال السابق فلو عللنا زوال السابق بطريان الطارىء
لزم الدور وهو محال وثالثها : أن ثواب الإيمان السابق وعقاب الكفر الطارىء ،
إما أن يكونا متساويين أو يكون أحدهما أزيد من الآخر ، فإن تساويا وجب أن
يتحابط كل واحد منهما بالآخر ، فحينئذ يبقى المكلف لا من أهل الثواب ولا من
أهل العقاب وهو باطل بالإجماع ، وإن ازداد أحدهما على الآخر ، فلنفرض أن
السابق أزيد ، فعند طريان الطارىء لا يزول إلا ما يساويه ، فحينئذ يزول بعض
الاستحقاقات دون البعض مع كونها متساوية في الماهية ، فيكون ذلك ترجيحاً
من غير مرجح وهو محال ، لنفرض أن السابق أقل فحينئذ إما أن يكون الطارىء
الزائد ، يكون جملة أجزائه مؤثرة في إزالة السابق فحينئذ يجتمع على الأثر
الواحد مؤثرات مستقلة وهو محال ، وإما أن يكون المؤثر في إزالة السابق بعض
أجزاء الطارىء دون البعض ، وحينئذ يكون اختصاص ذلك البعض بالمؤثرية ترجيحاً
للمثل من غير مرجح وهو محال ، فثبت بما ذكرنا أنه إذا كان مؤمناً ثم كفر ،
فذلك الإيمان السابق ، وإن كنا نظنه إيماناً إلا أنه ما كان عند الله
إيماناً ، فظهر أن الموافاة شرط لكون الإيمان إيماناً ، والكفر كفراً ،
وهذا هو الذي دلت الآية عليه ، فإنها دلت على أن شرط كون الردة موجبة لتلك
الأحكام أن يموت المرتد على تلك الردة .
أما البحث الفروعي : فهو أن
المسلم إذا صلى ثم ارتد ثم أسلم في الوقت قال الشافعي رحمه الله : لا إعادة
عليه ، وقال أبو حنيفة رحمه الله : لزمه قضاء ما أدى وكذلك الحج ، حجة
الشافعي رضي الله تعالى عنه قوله تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن
دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم } شرط في
حبوط العمل أن يموت وهو كافر ، وهذا الشخص لم يوجد في حقه هذا الشرط ، فوجب
أن لا يصير عمله محبطاً ، فإن قيل : هذا معارض بقوله :{ وَلَوْ
أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأنعام : 88
] وقوله : { وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } [ المائدة :
5 ] لا يقال : حمل المطلق على المقيد واجب .
لأنا نقول : ليس هذا من
باب المطلق والمقيد ، فإنهم أجمعوا على أن من علق حكماً بشرطين ، وعلقه
بشرط أن الحكم ينزل عند أيهما وجد ، كمن قال لعبده : أنت حر إذا جاء يوم
الخميس ، أنت حر إذا جاء يوم الخميس والجمعة : لا يبطل واحد منهما ، بل إذا
جاء يوم الخميس عتق ، ولو كان باعه فجاء يوم الخميس ولم يكن في ملكه ، ثم
اشتراه ثم جاء يوم الجمعة وهو في ملكه عتق بالتعليق الأول .
والسؤال
الثاني : عن التمسك بهذه الآية أن هذه الآية دلت على أن الموت على الردة
شرط لمجموع الأحكام المذكورة في هذه الآية ، ونحن نقول به فإن من جملة هذه
الأحكام : الخلود في النار وذلك لا يثبت إلا مع هذا الشرط ، وإنما الخلاف
في حبط الأعمال ، وليس في الآية دلالة على أن الموت على الردة شرط فيه .
والجواب
: أن هذا من باب المطلق والمقيد لا من باب التعليق بشرط واحد وبشرطين ،
لأن التعليق بشرط وبشرطين إنما يصح لو لم يكن تعليقه بكل واحد منهما مانعاً
من تعليقه بالآخر ، وفي مسألتنا لو جعلنا مجرد الردة مؤثراً في الحبوط لم
يبق للموت على الردة أثر في الحبوط أصلاً في شيء من الأوقات ، فعلمنا أن
هذا ليس من باب التعليق بشرط وبشرطين بل من باب المطلق والمقيد .
وأما
السؤال الثاني : فجوابه أن الآية دلت على أن الردة إنما توجب الحبوط بشرط
الموت على الردة ، وإنما توجب الخلود في النار بشرط الموت على الردة ، وعلى
هذا التقدير فذلك السؤال ساقط .
أما قوله تعالى : { فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم فِي الدنيا والأخرة } ففيه مسائل :
المسألة
الأولى : قال أهل اللغة أصل الحبط أن تأكل الإبل شيئاً يضرها فتعظم بطونها
فتهلك وفي الحديث « وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم » فسمى
بطلان الأعمال بهذا لأنه كفساد الشيء بسبب ورود المفسد عليه .
المسألة
الثانية : المراد من إحباط العمل ليس هو إبطال نفس العمل ، لأن العمل شيء
كما وجد فني وزال ، وإعدام المعدوم محال ، ثم اختلف المتكلمون فيه ، فقال
المثبتون للإحباط والتكفير : المراد منه أن عقاب الردة الحادثة يزيل ثواب
الإيمان السابق ، إما بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي هاشم وجمهور
المتأخرين من المعتزلة أولاً بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي علي ، وقال
المنكرون للإحباط بهذا المعنى المراد من الإحباط الوارد في كتاب الله هو أن
المرتد إذا أتى بالردة فتلك الردة عمل محبط لأن الآتي بالردة كان يمكنه أن
يأتي بدلها بعمل يستحق به ثواباً فإذا لم يأت بذلك العمل الجيد وأتى بدله
بهذا العمل الرديء الذي لا يستفيد منه نفعاً بل يستفيد منه أعظم المضار
يقال : إنه أحبط عمله أي أتى بعمل باطل ليس فيه فائدة بل فيه مضرة ، ثم قال
المنكرون للإحباط هذا الذي ذكرناه في تفسير الإحباط ، إما أن يكون حقيقة
في لفظ الإحباط ، وإما أن لا يكون ، فإن كان حقيقة فيه وجب المصير إليه ،
وإن كان مجازاً وجب المصير إليه ، لأنا ذكرنا الدلائل القاطعة في مسألة أن
الموافاة شرط في صحة الإيمان ، على أن القول بأن أثر الفعل الحادث يزيل أثر
الفعل السابق محال .
المسألة الثالثة : أما حبوط الأعمال في الدنيا ،
فهو أنه يقتل عند الظفر به ويقاتل إلى أن يظفر به ولا يستحق من المؤمنين
موالاة ولا نصراً ولا ثناء حسناً ، وتبين زوجته منه ولا يستحق الميراث من
المسلمين ، ويجوز أن يكون المعنى في قوله : { حَبِطَتْ أعمالهم فِي الدنيا }
أن ما يريدونه بعد الردة من الإضرار بالمسلمين ومكايدتهم بالإنتقال عن
دينهم يبطل كله ، فلا يحصلون منه على شيء لإعزاز الله الإسلام بأنصاره
فتكون الأعمال على هذا التأويل ما يعملونه بعد الردة ، وأما حبوط أعمالهم
في الآخرة فعند القائلين بالإحباط معناه أن هذه الردة تبطل استحقاقهم
للثواب الذي استحقوه بأعمالهم السالفة ، وعند المنكرين لذلك معناه : أنهم
لا يستفيدون من تلك الردة ثواباً ونفعاً في الآخرة بل يستفيدون منها أعظم
المضار ، ثم بين كيفية تلك المضرة فقال تعالى : { وَأُوْلئِكَ أصحاب النار
هُمْ فِيهَا خالدون } .
وفي ظلال القرآن - (ج 1 / ص 208)
ومن يرتدد عن الإسلام وقد ذاقه وعرفه؛ تحت مطارق الأذى والفتنة - مهما بلغت - هذا مصيره الذي قرره الله له . . حبوط العمل في الدنيا والآخرة . ثم ملازمة العذاب في النار خلوداً .
إن
القلب الذي يذوق الإسلام ويعرفه ، لا يمكن أن يرتد عنه ارتداداً حقيقياً
أبداً . إلا إذا فسد فساداً لا صلاح له . وهذا أمر غير التقية من الأذى
البالغ الذي يتجاوز الطاقة . فالله رحيم . رخص للمسلم - حين يتجاوز العذاب طاقته - أن
يقي نفسه بالتظاهر ، مع بقاء قلبه ثابتاً على الإسلام مطمئناً بالإيمان .
ولكنه لم يرخص له في الكفر الحقيقي ، وفي الارتداد الحقيقي ، بحيث يموت وهو
كافر . . والعياذ بالله . .
وهذا التحذير من الله قائم إلى آخر
الزمان . . ليس لمسلم عذر في أن يخنع للعذاب والفتنة فيترك دينه ويقينه ،
ويرتد عن إيمانه وإسلامه ، ويرجع عن الحق الذي ذاقه وعرفه . . وهناك
المجاهدة والمجالدة والصبر والثبات حتى يأذن الله . والله لا يترك عباده
الذين يؤمنون به ، ويصبرون على الأذى في سبيله . فهو معوضهم خيراً : إحدى
الحسنيين : النصر أو الشهادة .

(217)
سورة البقرة ، فَعَلَّقَ الْحُبُوطَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ
ثَبَتَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَافِرِ وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطِ يَعْدَمُ
عِنْدَ عَدَمِهِ . وَقَالَ تَعَالَى :{.. وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ
فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(1)
(5) سورة المائدة ،وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ : {
وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ
وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ
يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)}(2)
__________
(1) - وفي الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1182)
أي
: ومن يكفر بشرائع الله وبتكاليفه التي أنزلها على نبيه صلى الله عليه
وسلم فقد حبط عمله ، أي : خاب سعيه . وفسد عمله الذي عمله . وهو في الآخرة
من الهالكين الذين ضيعوا ما عملوه في الدنيا من أعمال بسبب انتهاكهم لحرمات
الله وأحكام دينه .
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة : الترهيب من مخالفة أوامر الله والترغيب في طاعته - سبحانه - .
وفي ظلال القرآن - (ج 2 / ص 321)
إن
هذه التشريعات كلها منوطة بالإيمان؛ وتنفيذها كما هي هو الإيمان؛ أو هو
دليل الإيمان . فالذي يعدل عنها إنما يكفر بالإيمان ويستره ويغطيه ويجحده .
والذي يكفر بالإيمان يبطل عمله ويصبح رداً عليه لا يقبل منه ، ولا يقر
عليه . . والحبوط مأخوذ من انتفاخ الدابة وموتها إذا رعت مرعى ساماً . .
وهو تصوير لحقيقة العمل الباطل . فهو ينتفخ ثم ينعدم أثره كالدابة التي
تتسمم وتنتفخ وتموت . . وفي الآخرة تكون الخسارة فوق حبوط العمل وبطلانه في
الدنيا . .
وهذا التعقيب الشديد ، والتهديد المخيف ، يجيء على إثر حكم
شرعي يختص بحلال وحرام في المطاعم والمناكح . . فيدل على ترابط جزئيات هذا
المنهج؛ وأن كل جزئية فيه هي « الدين » الذي لا هوادة في الخلاف عنه ، ولا
قبول لما يصدر مخالفاً له في الصغير أو في الكبير .
(2) - وفي ظلال القرآن - (ج 1 / ص 163)
وهذا
تقرير لينابيع الهدى في هذه الأرض . فهدى الله للبشر يتمثل فيما جاءت به
الرسل . وينحصر المستيقن منه , والذي يجب اتباعه , في هذا المصدر الواحد ,
الذي يقرر الله - سبحانه - أنه
هو هدى الله ; وأنه هو الذي يهدي إليه من يختار من عباده . . ولو أن هؤلاء
العباد المهديين حادوا عن توحيد الله , وتوحيد المصدر الذي يستمدون منه
هداه , وأشركوا بالله في الاعتقاد أو العبادة أو التلقي , فإن مصيرهم أن
يحبط عنهم عملهم:أي ان يذهب ضياعا , ويهلك كما تهلك الدابة التي ترعى نبتا
مسموما فتنتفخ ثم تموت . . وهذا هو الأصل اللغوي للحبوط !
وفي الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1495)
وقوله
{ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أى ،
ولو فرض أن أشرك بالله أولئك المهديون المختارون لبطل وسقط عنهم ثواب ما
كانوا يعملونه من أعمال صالحة فكيف بغيرهم .
قال ابن كثير : فى هذه الآية تشديد لأمر الشرك وتغليظ لشأنه ، وتعظيم لملابسته ، كقوله - تعالى - {
وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين } والشرط لا يقتضى
جواز الوقوع ، فهو كقوله ، { قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ
أَوَّلُ العابدين } وكقوله : { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً
لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } وقوله { أولئك
الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب والحكم والنبوة } اسم الإشارة فيه يعود إلى
المذكورين من الأنبياء الثمانية عشرة والمعطوفين عليهم باعتبار اتصافهم بما
ذكر من الهداية وغيرها من النعوت الجليلة .
وقصر بعضهم عودته
على الأنبياء فحسب وإليه ذهب ابن جرير والرازى أى : أولئك المصطفون الأخيار
هم الذين آتيناهم الكتاب أى جنسه المتحقق فى ضمن أى فرد كان من أفراد
الكتب السماوية .
والمرد بإيتائه : التفهيم التام لما اشتمل عليه من
حقائق وأحكام ، وذلك أعم من أن يكون بالإنزال ابتداء أو بالإيراث بقاء ،
فإن المذكورين لم ينزل على كل واحد منهم كتاب معين .
والحكم أى : الحكمة وهى علم الكتاب ومعرفة ما فيه من الأحكام . أو الإصابة فى القول والعمل . أو القضاء بين الناس بالحق .
و { والنبوة } أى : الرسالة .
وقوله
{ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هؤلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ
بِهَا بِكَافِرِينَ } أى : فإن يكفر بهذه الثلاث التى اجتمعت فيك يا محمد
هؤلاء المشركون من أهل مكة ، فلن يضرك كفرهم لأنا قد وفقنا للإيمان بها
قوما كراما ليسوا بها بكافرين فى وقت من الأوقات وإنما هم مستمرون على
الإيمان بك والتصديق برسالتك وفى ذلك ما فيه من التسلية لرسول الله صلى
الله عليه وسلم عن إعراض بعض قومه عن دعوته .
والمراد بالقوم الذين
وكلوا بالقيام بحق هذه الرسالة ووفقوا للإيمان بها أصحاب النبى صلى الله
عليه وسلم من المهاجرين والأنصار مطلقاً ، لأنهم هم الذين دافعوا عن دعوة
الإسلام وبذلوا فى سبيل إعلانها نفوسهم وأموالهم ، ويدخل معهم كل من سار
على نهجهم فى كل زمان ومكان .
وقيل : المراد بهم أهل المدينة من الأنصار . وقيل : المراد بهم الأنبياء المذكورون وأتباعهم ، وقيل غير ذلك .
والذى نراه أن الرأى الأول ارجح لأن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم هم المقابلون لكفار قريش الذين كفروا بها .
وفى التكنية عن توفيقهم للإيمان بها بالتوكيل الذى أصله الحفظ للشىء ومراعاته ، وإيذان بفخامة وعلو قدرها .
قال الإمام الرازى : " دلت هذه الآية على أن الله - تعالى - سينصر
نبيه ، ويقوى دينه ، ويجعله مستعليا على كل من عاداه ، قاهراً لكل من
نازعه ، وقد وقع هذا الذى أخبر الله عنه فى هذا الموضع ، فكان جاريا مجرى
الإخبار عن الغيب فيكون معجزاً " .

[الأنعام/87-88]
، وَقَالَ : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ} (65) سورة الزمر، مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :{إِنَّ
اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن
يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }(1)
__________
(1) - وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 1520)
وفي
قوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } ردّ على
الخوارج؛ حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة كافر . وقد تقدّم القول في هذا المعنى
. وروى الترمذِيّ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ما في القرآن آية
أحبّ إليّ من هذه الآية : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ } ( قال ) : هذا حديث غريب . قال
ابن فُورَك : وأجمع أصحابنا على أنه لا تخليد إلا للكافر ، وأن الفاسق من
أهل القبلة إذا مات غير تائب فإنه إن عُذب بالنار فلا مَحالة أنه يخرج منها
بشفاعة الرسول؛ أو بابتداء رحمةٍ من الله تعالى . وقال الضحاك : إن شيخاً
من الأعراب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ،
إني شيخ منهمك في الذنوب والخطايا ، إلا أني لم أُشرِك بالله شيئاً منذ
عرفته وآمنت به ، فما حالي عند الله؟ فأنزل الله تعالى : { إِنَّ الله لاَ
يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ } .
وفي تفسير الرازي - (ج 5 / ص 227)
وفي الآية مسائل :
المسألة
الأولى : هذه الآية دالة على أن اليهودي يسمى مشركا في عرف الشرع ، ويدل
عليه وجهان : الأول : أن الآية دالة على أن ما سوى الشرك مغفور ، فلو كانت
اليهودية مغايرة للشرك لوجب أن تكون مغفورة بحكم هذه الآية ، وبالاجماع هي
غير مغفورة ، فدل على أنها داخلة تحت اسم الشرك . الثاني : أن اتصال هذه
الآية بما قبلها إنما كان لأنها تتضمن تهديد اليهود ، فلولا أن اليهودية
داخلة تحت اسم الشرك ، وإلا لم يكن الأمر كذلك .
فان قيل : قوله تعالى :
{ إِنَّ الذين ءامَنُواْ والذين هَادُواْ } [ الحج : 17 ] إلى قوله : {
والذين أَشْرَكُواْ } [ الحج : 17 ] عطف المشرك على اليهودي ، وذلك يقتضي
المغايرة .
قلنا : المغايرة حاصلة بسبب المفهوم اللغوي ، والاتحاد حاصل
بسبب المفهوم الشرعي ، ولا بد من المصير إلى ما ذكرناه دفعا للتناقض . إذا
ثبتت هذه المقدمة فنقول : قال الشافعي رضي الله عنه : المسلم لا يقتل
بالذمي ، وقال أبو حنيفة : يقتل . حجة الشافعي أن الذمي مشرك لما ذكرناه ،
والمشرك مباح الدم لقوله تعالى : اقتلوا المشركين . فكان الذمي مباح الدم
على الوجه الذي ذكرناه ومباح الدم هو الذي لا يجب القصاص على قاتله ، ولا
يتوجه النهي عن قتله ترك العمل بهذا الدليل في حق النهي ، فوجب أن يبقى
معمولا به في سقوط القصاص عن قاتله .
المسألة الثانية : هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على العفو عن أصحاب الكبائر .
واعلم أن الاستدلال بها من وجوه :
الوجه
الأول : أن قوله : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } معناه
لا يغفر الشرك على سبيل التفضل لأنه بالاجماع لا يغفر على سبيل الوجوب ،
وذلك عندما يتوب المشرك عن شركه ، فاذا كان قوله : إن الله لا يغفر الشرك
هو أنه لا يغفره على سبيل التفضل ، وجب أن يكون قوله : { وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ } هو أن يغفره على سبيل التفضل؛ حتى يكون النفي والاثبات
متواردين على معنى واحد . ألا ترى أنه لو قال : فلان لا يعطي أحدا تفضلا ،
ويعطي زائدا فانه يفهم منه أنه يعطيه تفضلا ، حتى لو صرح وقال : لا يعطي
أحدا شيئاً على سبيل التفضل ويعطي أزيد على سبيل الوجوب ، فكل عاقل يحكم
بركاكة هذا الكلام ، فثبت أن قوله : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن
يَشَاء } على سبيل التفضل . إذا ثبت هذا فنقول : وجب أن يكون المراد منه
أصحاب الكبائر قبل التوبة ، لأن عند المعتزلة غفران الصغيرة وغفران الكبيرة
بعد التوبة واجب عقلا ، فلا يمكن حمل الآية عليه ، فاذا تقرر ذلك لم يبق
إلا حمل الآية على غفران الكبيرة قبل التوبة وهو المطلوب . الثاني : أنه
تعالى قسم المنهيات على قسمين : الشرك وما سوى الشرك ، ثم إن ما سوى الشرك
يدخل فيه الكبيرة قبل التوبة ، والكبيرة بعد التوبة والصغيرة ، ثم حكم على
الشرك بأنه غير مغفور قطعا ، وعلى ما سواه بأنه مغفور قطعا ، لكن في حق من
يشاء ، فصار تقدير الآية أنه تعالى يغفر كل ما سوى الشرك ، لكن في حق من
شاء . ولما دلت الآية على أن كل ما سوى الشرك مغفور ، وجب أن تكون الكبيرة
قبل التوبة أيضاً مغفورة . الثالث : أنه تعالى قال : { لِمَن يَشَاء } فعلق
هذا الغفران بالمشيئة ، وغفران الكبيرة بعد التوبة وغفران الصغيرة مقطوع
به ، وغير معلق على المشيئة ، فوجب أن يكون الغفران المذكور في هذه الآية
هو غفران الكبيرة قبل التوبة وهو المطلوب ، واعترضوا على هذا الوجه الأخير
بأن تعليق الأمر بالمشيئة لا ينافي وجوبه ، ألا ترى أنه تعالى قال بعد هذه
الآية : { بَلِ الله يُزَكّى مَن يَشَاء } [ النساء : 49 ] ثم إنا نعلم أنه
تعالى لا يزكي إلا من كان أهلا للتزكية ، وإلا كان كذباً ، والكذب على
الله محال ، فكذا ههنا .
واعلم أنه ليس للمعتزلة على هذه الوجوه كلام
يلتفت إليه إلا المعارضة بعمومات الوعيد ، ونحن نعارضها بعمومات الوعد ،
والكلام فيه على الاستقصاء مذكور في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى : {
بلى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطت بِهِ خَطِيئَتُهُ فأولئك أصحاب النار هُمْ
فِيهَا خالدون } [ البقرة : 81 ] فلا فائدة في الاعادة . وروى الواحدي في
البسيط باسناده عن ابن عمر قال : كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا مات الرجل منا على كبيرة شهدنا أنه من أهل النار ، حتى نزلت هذه الآية
فأمسكنا عن الشهادات . وقال ابن عباس : إني لأرجو كما لا ينفع مع الشرك
عمل ، كذلك لا يضر مع التوحيد ذنب . ذكر ذلك عند عمر بن الخطاب فسكت عمر .
وروي مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « اتسموا بالايمان وأقربوا
به فكما لا يخرج إحسان المشرك المشرك من إشراكه كذلك لا تخرج ذنوب المؤمن
المؤمن من إيمانه » . المسألة الثانية : روي عن ابن عباس انه قال : لما قتل
وحشي حمزة يوم أحد ، وكانوا قد وعدوه بالاعتاق ان هو فعل ذلك ، ثم أنهم ما
وفوا له بذلك ، فعند ذلك ندم هو وأصحابه فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه
وسلم بذنبهم ، وانه لا يمنعهم عن الدخول في الاسلام إلا قوله تعالى : {
والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ } [ الفرقان : 68 ] فقالوا :
قد ارتكبنا كل ما في الآية ، فنزل قوله : { إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ
وَعَمِلَ عَمَلاً صالحا } [ الفرقان : 70 ] فقالوا : هذا شرط شديد نخاف أن
لا نقوم به ، فنزل قوله : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } فقالوا : نخاف أن لا نكون من
أهل مشيئته ، فنزل { قُلْ ياعِبَادِى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ } [
الزمر : 53 ] فدخلوا عند ذلك في الاسلام . وطعن القاضي في هذه الرواية
وقال : ان من يريد الايمان لا يجوز منه المراجعة على هذا الحد؛ ولأن قوله :
{ إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً } [ الزمر : 53 ] لو كان على
اطلاقه لكان ذلك اغراء لهم بالثبات على ما هم عليه .
والجواب عنه : لا
يبعد أن يقال : انهم استعظموا قتل حمزة وايذاء الرسول إلى ذلك الحد ، فوقعت
الشبهة في قلوبهم أن ذلك هل يغفر لهم أم لا ، فلهذا المعنى حصلت المراجعة .
وقوله : هذا إغراء بالقبيح ، فهو انه إنما يتم على مذهبه ، أما على قولنا :
انه تعالى فعال لما يريد ، فالسؤال ساقط ، والله أعلم .
ثم قال : {
وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً } أي اختلق ذنبا غير
مغفور ، يقال : افترى فلان الكذب إذا اعتمله واختلقه ، وأصله من الفرى
بمعنى القطع
في ظلال القرآن - (ج 2 / ص 240)
والشرك بالله - كما أسلفنا في هذا الجزء عند تفسير مثل هذه الآية من قبل - يتحقق باتخاذ آلهة مع الله اتخاذاً صريحاً على طريقة الجاهلية العربية وغيرها من الجاهليات القديمة - كما
يتحقق بعدم إفراد الله بخصائص الألوهية؛ والاعتراف لبعض البشر بهذه
الخصائص . كإشراك اليهود والنصارى الذي حكاه القرآن من أنهم { اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } ولم يكونوا عبدوهم مع الله . ولكن
كانوا فقط اعترفوا لهم بحق التشريع لهم من دون الله . فحرموا عليهم وأحلوا
لهم . فاتبعوهم في هذا .
ومنحوهم خاصية من خصائص الألوهية! فحق
عليهم وصف الشرك . وقيل عنهم إنهم خالفوا ما أمروا به من التوحيد { وما
أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً } فيقيموا له وحده الشعائر ، ويتلقوا منه
وحده الشرائع والأوامر .
ولا غفران لذنب الشرك - متى مات صاحبه عليه - بينما
باب المغفرة مفتوح لكل ذنب سواه . . عندما يشاء الله . . والسبب في تعظيم
جريمة الشرك ، وخروجها من دائرة المغفرة ، أن من يشرك بالله يخرج عن حدود
الخير والصلاح تماماً؛ وتفسد كل فطرته بحيث لا تصلح أبداً :{ ومن يشرك
بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً } . .
ولو بقي خيط واحد صالح من خيوط الفطرة لشده إلى الشعور بوحدانية ربه؛ ولو قبل الموت بساعة . . فأما وقد غرغر - وهو على الشرك - فقد انتهى أمره وحق عليه القول :{ ونصله جهنم وساءت مصيراً! } .

(48)
سورة النساء. فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ إذَا لَمْ يُغْفَرْ وَأَنَّهُ مُوجِبٌ
لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ حُبُوطُ حَسَنَاتِ صَاحِبِهِ(1)
، وَلَمَّا ذَكَرَ سَائِرَ الذُّنُوبِ غَيْرَ الْكُفْرِ لَمْ يُعَلِّقْ
بِهَا حُبُوطَ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ ، وَقَوْلُهُ : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ
اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ
أَعْمَالَهُمْ} (28) سورة محمد. لِأَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ ، وقَوْله تَعَالَى
:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ
صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ
لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (2) سورة
الحجرات، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ فَيَقْتَضِي
الْحُبُوطَ وَصَاحِبُهُ لَا يَدْرِي كَرَاهِيَةَ أَنْ يُحْبَطَ أَوْ
خَشْيَةَ أَنْ يُحْبَطَ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ ،لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى
الْكُفْرِ الْمُقْتَضِي لِلْحُبُوطِ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ
قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْكُفْرِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ الْمَعَاصِي
بَرِيدُ الْكُفْرِ (2)
__________
(1) - قال تعالى :{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) [الكهف/103-107] }
(2) - وفي لقاءات الباب المفتوح - (ج 103 / ص 6)
الأمور التي تعين على ترك المعصية:
السؤال: فضيلة الشيخ! ما هي الأمور التي تعين الإنسان على ترك المعصية؟
الجواب:
أهم شيء يعين الإنسان على ترك المعصية خوف الله عز وجل, وأن يردد في فكره
قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ
كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] وأن يؤمن ويوقن بأن أي عمل يعمله فإنه
سيلاقي ربه بذلك. ثانياً: أن يفكر في العاقبة، ما هي العاقبة من المعصية؟
عواقب المعاصي سيئة؛ لأنها تهون على العبد معصية الله عز وجل, فلا يزال مع
الشيطان حتى يوصله إلى الشرك, ولهذا قال بعض أهل العلم: إن المعاصي بريد
الكفر. أي: أن الإنسان يرتحل منها مرحلة مرحلة حتى يصل إلى غايته -والعياذ بالله- ويدل
لهذا القول قول الله تبارك وتعالى: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا
قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:13-14] فالذنوب لما رانت على القلب -والعياذ بالله- أرته
آيات الله القرآن العظيم أنه أساطير الأولين يعني: سواليف, فإذا تأمل
الإنسان في عواقب المعصية فإن هذه من أسباب تركها. ثالثاً: أن يعلم أن
المعصية لا تزيده من الله إلا بعداً, وإذا ابتعد عن الله ابتعد الناس عنه,
لأن الإنسان إذا ابتعد عن الله -والعياذ بالله- صار
في قلبه وحشة, وصار كأن صفحة أمامه يقرؤها الناس بمعايبه ومعاصيه، وتجده
قد كتب عليه الذل، فيتأمل مثل هذه الأشياء وهذا مما يقويه على ترك المعصية.
رابعاً: ومن أسباب ذلك أيضاً: إذا كانت المعصية بسبب معاشرة بعض أهل السوء
فليبتعد عنهم ويجتنبهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مثّل جليس السوء
بنافخ الكير, قال: (إما أن يحرق ثيابك, وإما أن تجد منه رائحة خبيثة).
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 5 / ص 4420)
رقم الفتوى 34468 هل تقبل حسنات مرتكب الكبائر
تاريخ الفتوى : 08 جمادي الأولى 1424
السؤال
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته هل يستطيع الإنسان أن يزود رصيد حسناته وهو
مرتكب كبائر كالنميمة والزنا والسرقة وغيرها وهل يقبل الله منه؟ وهل يوجد
إنسان يدخل الجنة وهو مصر على معاص كبيرة ولكن ترجح كفة حسناته؟ وتمنياتي
لكم بالتوفيق.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكبائر
لا تحبط جميع الحسنات، ولا تمنع قبولها، ولكن قد تُحبط من الحسنات بقدرها
عند وزن أعماله، فإن رجحت حسناته على سيئاته كان من أهل الثواب، وإن رجحت
سيئاته على حسناته كان من أهل العقاب، كما في الحديث الذي رواه البخاري في
"الأدب المفرد" ورواه أيضاً غيره عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن
يعمل بهما قليل. قيل: وما هما يا رسول الله؟ قال: يُكبِّر أحدكم في دبر كل
صلاة عشرًا، ويحمد عشرًا، ويسبح عشرًا، فذلك خمسون ومائة على اللسان وألف
وخمسمائة في الميزان، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعدهنَّ بيده، وإذا
أوى إلى فراشه سبحه وحمده وكبره، فتلك مائة على اللسان وألف في الميزان،
فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة، قيل: يا رسول الله كيف
لا يحصيهما. قال: يأتي أحدكم الشيطان في صلاته فيذكره حاجة كذا وكذا فلا
يذكره. قال الألباني : صحيح.
فدل هذا الحديث على وزن الحسنات والسيئات
والمقاصة بينهما، وقد قرر أهل العلم أنه لا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر،
كما لا يحبط جميع السيئات إلا التوبة، فصاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي
بها رضا الله أثابه الله ذلك، وإن كان مستحقًا العقوبة العظيمة على كبيرته.
وبهذا
تعلم أن مرتكب الكبائر يمكنه أن يزيد رصيده من الحسنات وأن الله يقبلها
منه، وأن من رجحت كفة حسناته على كفة سيئاته إذا اتقاه فيها وعملها خالصة
لوجهه دخل الجنة.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن رجل مسلم
يعمل عملاً يستوجب أن يبنى له قصر في الجنة ويغرس له غراس باسمه، ثم يعمل
ذنوبًا يستوجب بها النار، فإذا دخل النار كيف يكون اسمه أنه في الجنة وهو
في النار؟ فأجاب: وإن تاب عن ذنوبه توبة نصوحاً فإن الله يغفر له ولا يحرمه
ما كان وعده بل يعطيه ذلك، وإن لم يتب وزنت حسناته وسيئاته، فإن رجحت
حسناته على سيئاته كان من أهل الثواب، وإن رجحت سيئاته على حسناته كان من
أهل العذاب. وما أعد له من الثواب يحبط حينئذ بالسيئات التي زادت على
حسناته، كما أنه إذا عمل سيئات استحق بها النار ثم عمل بعدها حسنات تذهب
السيئات. والله أعلم.
ولكن ينبغي أن يعلم أن الإصرار على المعاصي
ولاسيما الكبائر سبب لسوء الخاتمة والعياذ بالله، كما قال تعالى:
فَلْيَحَذَرِ الْذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبُهُمْ
فَتْنَةٌ أَوْ يُصِيبُهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور:].
وفي مسند أحمد
وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل
قلبه، وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكر الله عز وجل في
القرآن كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ[المطففين:] قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده قوي.
ولذا
قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر. كما أن الحمى بريد الموت. وفي مسند
أحمد وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال وهو على المنبر: ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم،
ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون قال
الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن.
فعلى من ابتلي بشيء من الكبائر أن يبادر إلى التوبة قبل أن يختم له بسوء عياذًا بالله من ذلك.
وراجع للأهمية الفتوى رقم: 24874 ، والفتوى رقم: 28748 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
وفي فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 4506)
رقم الفتوى 45849 محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه
تاريخ الفتوى : 30 محرم 1425
السؤال
أنا
شاب عمري 28 سنة مصاب بالشيزوفرينيا منذ سن 12 عاما تقريباً، وقد ابتدأت
بأخذ العلاج منذ 14 إلى الآن عانيت ما يعادل أكثر من سرطان هذا باعتراف
الأطباء، وحسب اعتقاد الأطباء فإن الشفاء ميؤوس منه والله أعلم، والحمد لله
الذي من علي بهذا المرض لأنه حلمي الأول والأخر بأن أكون من المقربين في
الجنة، لكن كيف مع كثرة ذنوبي أعني بالنسبة لمن يريد هذه المنزلة العالية
وربما أقل إذا عجزت عن ترك ذنوبي الثلاثة الإفراط في التدخين وسماع المعازف
ومشاهدة الأفلام الأجنبية كل يوم تقريباً مع أني بعت التلفاز لأسيطر على
ما أشاهد من أي مجون وأحب القرآن وكتب الشرع، وأنا هنا مريض وحيد عاجز عن
العمل لا أريد الموت إلا مقرباً، وما عدت احتمل الدنيا أريد الحياة
الحقيقية مقرباً في الجنة اليوم قبل الغد ما عدت أطيق فراق الحور والقصور،
فليتني الآن في المدينة والدجال واقف فأخرج له هل لي أمل أن أدخل الجنة من
المقربين قريباً جداً، إذا سألت الله سبحانه مع كل هذه الذنوب هل أنتظر
شفاعة معاناتي أم هذا اعتداء في الدعاء ثم يأس؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل
الله أن يعجل لك بالشفاء والعافية، واعلم أنه ما أنزل الله من داء إلا
وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله، ومن الدواء استعمال الرقية
الشرعية والأذكار المأثورة والإلحاح على الله بالدعاء، موقناً بالإجابة
معتصماً بالله متوكلاً عليه متبرئاً من كل حول وقوة لغيره، وأبشر بحسن
العاقبة، وننصح في هذا الصدد بالكتابة إلى قسم الاستشارات بالشبكة وستجد
عندهم إن شاء الله تعالى ما تنتفع به.
وأما ما ذكرت من الذنوب فاعلم أن
الذنوب سبب لكل بلاء وشر في الدنيا والآخرة، والآيات في هذا المعنى كثيرة،
كقوله تعالى: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا
عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ
خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ
اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
[العنكبوت:40]، وقوله تعالى: فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا
مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [الأنعام:6]، وقوله تعالى: مِمَّا
خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن
دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا [نوح:25].
فعليك بالمبادرة إلى التوبة النصوح والإقلاع عن الذنوب إن أردت النجاة يوم القيامة، فضلاً عن أن تكون من المقربين.
وأما
معاناتك للمرض فهي سبب لتكفير الذنوب كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ما
يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة
يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. متفق عليه.
ولكن لا تغتر بذلك، فإن
الذنوب إذا اجتمعت على الإنسان أهلكته، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
إياكم ومحقرات الذنوب، كقوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى
أنضجوا خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه. رواه أحمد .
وقال بعض السلف : المعاصي بريد الكفر كما أن الحمى بريد الموت.
وليس
في سؤالك لله الجنة مع صدور الذنوب منك اعتداء في الدعاء، ولكن تجب عليك
التوبة كما قدمنا ولا تيأس من رحمة الله، فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا
القوم الكافرون، وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30129 ، 26230
، 27224 ، 28748 ، 26549 ، 29853 ، 32068 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
؛
فَيَنْهَى عَنْهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْضِيَ إلَى الْكُفْرِ الْمُحْبِطِ ؛
كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } - وَهِيَ الْكُفْرُ - { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(1)
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب اسباب رفع العقوبه عن العبد الجزء الثالث Empty رد: كتاب اسباب رفع العقوبه عن العبد الجزء الثالث {الأربعاء 15 يونيو - 9:22}

(1) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 3996)
قوله
تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } بهذه الآية
احتجّ الفقهاء على أن الأمر على الوجوب . ووجهها أن الله تبارك وتعالى قد
حذّر من مخالفة أمره ، وتوعّد بالعقاب عليها بقوله : { أَن تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فتحرُم مخالفته ، فيجب امتثال
أمره . والفتنة هنا القتل؛ قاله ابن عباس . عطاء : الزلازل والأهوال .
جعفر بن محمد : سلطان جائر يُسلّط عليهم . وقيل : الطبع على القلوب بشؤم
مخالفة الرسول . والضمير في «أَمْرِهِ» قيل هو عائد إلى أمر الله تعالى؛
قاله يحيى بن سلام . وقيل : إلى أمر رسوله عليه السلام؛ قاله قتادة . ومعنى
{ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } أي يُعرضون عن أمره . وقال أبو عبيدة
والأخفش : «عن» في هذا الموضع زائدة . وقال الخليل وسيبويه : ليست بزائدة؛
والمعنى؛ يخالفون بعد أمره؛ كما قال :
. . . لم تَنْتَطِق عن تَفَضُّلِ
... ومنه قوله : «فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» أي بعد أمر ربه . و«أن» في
موضع نصب بِ«يَحْذر» . ولا يجوز عند أكثر النحويين حذِر زيداً ، وهو في
«أن» جائز؛ لأن حروف الخفض تحذف معها .
تفسير الرازي - (ج 11 / ص 379)
أما قوله : { فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } ففيه مسائل :
المسألة
الأولى : قال الأخفش ( عن ) صلة والمعنى يخالفون أمره وقال غيره معناه
يعرضون عن أمره ويميلون عن سنته فدخلت ( عن ) لتضمين المخالفة معنى الإعراض
.
المسألة الثانية : كما تقدم ذكر الرسول فقد تقدم ذكر الله تعالى لكن
القصد هو الرسول فإليه ترجع الكناية ، وقال أبو بكر الرازي : الأظهر أنها
لله تعالى لأنه يليه ، وحكم الكناية رجوعها إلى ما يليها دون ما تقدمها .
المسألة
الثالثة : الآية تدل على أن ظاهر الأمر للوجوب ، ووجه الاستدلال به أن
نقول : تارك المأمور به مخالف لذلك الأمر ومخالف الأمر مستحق للعقاب فتارك
المأمور به مستحق للعقاب ولا معنى للوجوب إلا ذلك ، إنما قلنا إن تارك
المأمور به مخالف لذلك الأمر ، لأن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه ،
والمخالفة ضد الموافقة فكانت مخالفة الأمر عبارة عن الإخلال بمقتضاه فثبت
أن تارك المأمور به مخالف ، وإنما قلنا إن مخالف الأمر مستحق للعقاب لقوله
تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فأمر مخالف هذا الأمر بالحذر
عن العقاب ، والأمر بالحذر عن العقاب إنما يكون بعد قيام المقتضى لنزول
العقاب ، فثبت أن مخالف أمر الله تعالى أو أمر رسوله قد وجد في حقه ما
يقتضي نزول العذاب ، فإن قيل لا نسلم أن تارك المأمور به مخالف للأمر قوله
موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه ومخالفته عبارة عن الإخلال بمقتضاه ،
قلنا لا نسلم أن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه ، فما الدليل
عليه؟ ثم إنا نفسر موافقة الأمر بتفسيرين أحدهما : أن موافقة الأمر عبارة
عن الإتيان بما يقتضيه الأمر على الوجه الذي يقتضيه الأمر فإن الأمر لو
اقتضاه على سبيل الندب ، وأنت تأتي به على سبيل الوجوب كان ذلك مخالفة
للأمر الثاني : أن موافقة الأمر عبارة عن الاعتراف بكون ذلك الأمر حقاً
واجب القبول فمخالفته تكون عبارة عن إنكار كونه حقاً واجب القبول ، سلمنا
أن ما ذكرته يدل على أن مخالفة الأمر عبارة عن ترك مقتضاه لكنه معارض بوجوه
أخر ، وهو أنه لو كان ترك المأمور به مخالفة للأمر لكان ترك المندوب لا
محالة مخالفة لأمر الله تعالى ، وذلك باطل وإلا لاستحق العقاب على ما
بينتموه في المقدمة الثانية ، سلمنا أن تارك المأمور به مخالف للأمر فلم
قلت إن مخالف الأمر مستحق للعقاب لقوله تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الذين
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } ؟ قلنا لا نسلم أن هذه الآية دالة على أمر من
يكون مخالفاً للأمر بالحذر بل هي دالة على الأمر بالحذر عن مخالفة الأمر ،
فلم لا يجوز أن يكون كذلك؟ سلمنا ذلك لكنها دالة على أن المخالف عن الأمر
يلزمه الحذر ، فلم قلت إن مخالف الأمر لا يلزمه الحذر؟ فإن قلت لفظة ( عن )
صلة زائدة فنقول الأصل في الكلام لا سيما في كلام الله تعالى أن لا يكون
زائداً ، سلمنا دلالة الآية على أن مخالف أمر الله تعالى مأمور بالحذر عن
العذاب ، فلم قلت إنه يجب عليه الحذر عن العذاب؟ أقصى ما في الباب أنه ورد
الأمر به لكن لم قلت إن الأمر للوجوب؟ وهذا أول المسألة ، فإن قلت هب أنه
لا يدل على وجوب الحذر لكن لا بد وأن يدل على حسن الحذر ، وحسن الحذر إنما
يكون بعد قيام المقتضي لنزول العذاب قلت : لا نسلم أن حسن الحذر مشروط
بقيام المقتضي لنزول العذاب بل الحذر يحسن عند احتمال نزول العذاب ولهذا
يحسن الاحتياط وعندنا مجرد الاحتمال قائم لأن هذه المسألة احتمالية لا
قطعية ، سلمنا دلالة الآية على وجود ما يقتضي نزول العقاب ، لكن لا في كل
أمر بل في أمر واحد لأن قوله { عَنْ أَمْرِهِ } لا يفيد إلا أمراً واحداً ،
وعندما أن أمراً واحداً يفيد الوجوب ، فلم قلت إن كل أمر كذلك؟ سلمنا أن
كل أمر كذلك ، لكن الضمير في قوله : { عَنْ أَمْرِهِ } يحتمل عوده إلى الله
تعالى وعوده إلى الرسول ، والآية لا تدل إلا على أن الأمر للوجوب في حق
أحدهما ، فلم قلتم إنه في حق الآخر كذلك؟ الجواب : قوله لم قلتم إن موافقة
الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه؟ قلنا الدليل عليه أن العبد إذا امتثل أمر
السيد حسن أن يقال إن هذا العبد موافق للسيد ويجري على وفق أمره ، ولو لم
يمتثل أمره يقال إنه ما وافقه بل خالفه ، وحسن هذا الإطلاق معلوم بالضرورة
من أهل اللغة فثبت أن موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه ، قوله
الموافقة عبارة عن الإتيان بما يقتضيه الأمر على الوجه الذي يقتضيه الأمر ،
قلنا لما سلمتم أن موافقة الأمر لا تحصل إلا عند الإتيان بمقتضى الأمر ،
فنقول لا شك أن مقتضى الأمر هو الفعل لأن قوله : افعل لا يدل إلا على
اقتضاء الفعل ، وإذا لم يوجد الفعل لم يوجد مقتضى الأمر ، فلا توجد
الموافقة فوجب حصول المخالفة لأنه ليس بين الموافقة والمخالفة واسطة قوله :
الموافقة عبارة عن اعتقاد كون ذلك الأمر حقاً واجب القبول ، قلنا هذا لا
يكون موافقة للأمر بل يكون موافقة للدليل الدال على أن ذلك الأمر حق ، فإن
موافقة الشيء عبارة عن الإتيان بما يقتضي تقرير مقتضاه ، فإذا دل على حقية
الشيء كان الاعتراف بحقيته يقتضي تقرير مقتضى ذلك الدليل ، أما الأمر فلما
اقتضى دخول الفعل في الوجود كانت موافقته عبارة عما يقرر ذلك الدخول
وإدخاله في الوجود يقتضي تقرير دخوله في الوجود فكانت موافقة الأمر عبارة
عن فعل مقتضاه . قوله لو كان كذلك لكان تارك المندوب مخالفاً فوجب أن يستحق
العقاب ، قلنا هذا الإلزام إنما يصح أن لو كان المندوب مأموراً به وهو
ممنوع ، قوله لم لا يجوز أن يكون قوله : { فَلْيَحْذَرِ } أمراً بالحذر عن
المخالف لا أمراً للمخالف بالحذر؟ قلنا لو كان كذلك لصار التقدير فليحذر
المتسللون لواذاً عن الذين يخالفون أمره وحينئذ يبقى قوله : { أَن
تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ضائعاً لأن الحذر
ليس فعلاً يتعدى إلى مفعولين . قوله كلمة ( عن ) ليست بزائدة ، قلنا ذكرنا
اختلاف الناس فيها في المسألة الأولى . قوله لم قلتم إن قوله : {
فَلْيَحْذَرِ } يدل على وجوب الحذر عن العقاب؟ قلنا لا ندعي وجوب الحذر ،
ولكن لا أقل من جواز الحذر ، وذلك مشروط بوجود ما يقتضي وقوع العقاب . قوله
لم قلت إن الآية تدل على أن كل مخالف للأمر يستحق العقاب؟ قلنا لأنه تعالى
رتب نزول العقاب على المخالفة فوجب أن يكون معللاً به ، فيلزم عمومه لعموم
العلة . قوله هب أن أمر الله أو أمر رسوله للوجوب ، فلم قلتم إن الأمر
كذلك؟ قلنا لأنه لا قائل بالفرق ، والله أعلم .
المسألة الرابعة : من
الناس من قال لفظ الأمر مشترك بين الأمر القولي وبين الشأن والطريق ، كما
يقال أمر فلان مستقيم . وإذا ثبت ذلك كان قوله تعالى : { عَنْ أَمْرِهِ }
يتناول قول الرسول وفعله وطريقته ، وذلك يقتضي أن كل ما فعله عليه الصلاة
والسلام يكون واجباً علينا ، وهذه المسألة مبنية على أن الكناية في قوله {
عَنْ أَمْرِهِ } راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أما لو كانت راجعة
إلى الله تعالى فالبحث ساقط بالكلية ، وتمام تقرير ذلك ذكرناه في أصول
الفقه ، والله أعلم .
أما قوله تعالى : { أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ
يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فالمراد أن مخالفة الأمر توجب أحد هذين
الأمرين ، والمراد بالفتنة العقوبة في الدنيا ، والعذاب الأليم عذاب الآخرة
، وإنما ردد الله تعالى حال ذلك المخالف بين هذين الأمرين لأن ذلك المخالف
قد يموت من دون عقاب الدنيا وقد يعرض له ذلك في الدنيا ، فلهذا السبب
أورده تعالى على سبيل الترديد ، ثم قال الحسن : الفتنة هي ظهور نفاقهم ،
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : القتل . وقيل : الزلازل والأهوال ، وعن
جعفر بن محمد يسلط عليهم سلطان جائر .

(63) سورة النور ،
وَإِبْلِيسُ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ فَصَارَ كَافِرًا ؛ وَغَيْرُهُ
أَصَابَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَقَدْ احْتَجَّتْ الْخَوَارِجُ
وَالْمُعْتَزِلَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ
ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن
أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ
إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(1)
(27) سورة المائدة، قَالُوا : فَصَاحِبُ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ مِنْ
الْمُتَّقِينَ فَلَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْهُ عَمَلًا فَلَا يَكُونُ
لَهُ حَسَنَةٌ ،وَأَعْظَمُ الْحَسَنَاتِ الْإِيمَانُ فَلَا يَكُونُ مَعَهُ
إيمَانٌ فَيَسْتَحِقُّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ.
__________
(1) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - (ج 1 / ص 1669)
الثانية
وفي قول هابيل : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين } كلام قبله
محذوف؛ لأنه لما قال له قابيل : { لأَقْتُلَنَّكَ } قال له : ولم تقتلني
وأنا لم أجنِ شيئاً؟ ، ولا ذنب لي في قبول الله قرباني ، أما إني اتقيته
وكنتُ علي لاحِبِ الحق وإنما يتقبل الله من المتقين . قال ابن عطية :
المراد بالتقوى هنا اتقاء الشرك بإجماع أهل السّنة؛ فمن اتقاه وهو موحِّد
فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة؛ وأما المتقي الشرك والمعاصي فله
الدرجة العليا من القبول والختم بالرحمة؛ علم ذلك بإخبار الله تعالى لا أن
ذلك يجب على الله تعالى عقلاً . وقال عدِي بن ثابت وغيره : قربان متقي هذه
الأمة الصلاة .
قلت : وهذا خاص في نوع من العبادات . وقد رَوى البخاري
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تبارك
وتعالى قال من عادى لي ولياً فقد اذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب
إليّ مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا
أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله
التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينهُ ولئن استعاذني لأعيذنّه وما تردّدت عن
شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مَسَاءته " .
تفسير الرازي - (ج 6 / ص 33)
المسألة
الثانية : إنما صار القربانين مقبولاً والآخر مردوداً لأن حصول التقوى شرط
في قبول الأعمال . قال تعالى هاهنا حكاية عن المحق { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
الله مِنَ المتقين } وقال فيما أمرنا به من القربان بالبدن { لَن يَنَالَ
الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ } [ الحج :
37 ] فأخبر أن الذي يصل إلى حضرة الله ليس إلا التقوى والتقوى من صفات
القلوب قال عليه الصلاة والسلام : « التقوى هاهنا » وأشار إلى القلب ،
وحقيقة التقوى أمور : أحدها : أن يكون على خوف ووجل من تقصير نفسه في تلك
الطاعة فيتقى بأقصى ما يقدر عليه عن جهات التقصير ، وثانيها : أن يكون في
غاية الاتقاء من أن يأتي بتلك الطاعة لغرض سوى طلب مرضاة الله تعالى .
وثالثها : أن يتقى أن يكون لغير الله فيه شركة ، وما أصعب رعاية هذه
الشرائط! وقيل في هذه القصة : إن أحدهما جعل قربانه أحسن ما كان معه ،
والآخر جعل قربانه أردأ ما كان معه . وقيل : إنه أضمر أنه لا يبالي سواء
قبل أو لم يقبل ولا يزوج أخته من هابيل . وقيل : كان قابيل ليس من أهل
التقوى والطاعة ، فلذلك لم يقبل الله قربانه .
الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 1235)
أي
: قال هابيل لقابيل ناصحا ومرشداً : إنما يتقبل الله الأعمال والصدقات من
عباده المتقين الذين يخشونه في السر والعلن؛ وليس من سواهم من الظالمين
الحاسدين لغيرهم على ما آتاهم الله من نعم ، فعليك أن تكون من المتقين لكي
يقبل منك الله .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف كان قوله : {
إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين } جوابا لقوله : { لأَقْتُلَنَّكَ }
؟ قلت : لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده
بالقتل قال له : إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى ، لا من
قبلي ، فلم تقتلني؟ ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي
السبب في القبول؟ فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لمعان . وفيه دليل على أن
الله - تعالى - لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق .

وَقَدْ
أَجَابَتْهُمْ الْمُرْجِئَةُ : بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَّقِينَ مَنْ
يَتَّقِي الْكُفْرَ فَقَالُوا لَهُمْ : اسْمُ الْمُتَّقِينَ فِي الْقُرْآنِ
يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلثَّوَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ
مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) }، وَأَيْضًا فَابْنَا آدَمَ حِينَ قَرَّبَا
قُرْبَانًا لَمْ يَكُنْ الْمُقَرِّبُ الْمَرْدُودُ قُرْبَانُهُ حِينَئِذٍ
كَافِرًا وَإِنَّمَا كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ إذْ لَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ
يَتَقَرَّبْ ، وَأَيْضًا فَمَا زَالَ السَّلَفُ يَخَافُونَ مِنْ هَذِهِ
الْآيَةِ ،وَلَوْ أُرِيدَ بِهَا مَنْ يَتَّقِي الْكُفْرَ لَمْ يَخَافُوا
وَأَيْضًا فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُتَّقِينَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَيْسَ
بِكَافِرِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي خِطَابِ الشَّارِعِ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ
عَلَيْهِ .
وَ " الْجَوَابُ الصَّحِيحُ " : أَنَّ الْمُرَادَ
مَنْ اتَّقَى اللَّهَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ كَمَا قَالَ الفضيل بْنُ
عِيَاضٍ فِي قَوْله تَعَالَى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)
[الملك:2] قَالَ : أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ قِيلَ : يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا
أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ قَالَ : إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا
وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ
يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا
وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى
السُّنَّةِ، (1)
__________
(1) - مجموع الفتاوى - (ج 3 / ص 124)
وَلَا بُدَّ فِي عِبَادَتِهِ مِنْ أَصْلَيْنِ .
أَحَدُهُمَا
إخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ وَالثَّانِي مُوَافَقَةُ أَمْرِهِ الَّذِي بَعَثَ
بِهِ رُسُلَهُ ؛ وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ
صَالِحًا وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِك خَالِصًا وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدِ فِيهِ
شَيْئًا ؛ وَقَالَ الْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْله تَعَالَى {
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } قَالَ : أَخْلَصُهُ
وَأَصْوَبُهُ قَالُوا يَا أَبَا عَلِيٍّ : مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ؟
قَالَ : إذَا كَانَ الْعَمَلُ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ
يُقْبَلْ وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ
حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا ؛ وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ
وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ وَلِهَذَا ذَمَّ اللَّهُ
الْمُشْرِكِينَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى اتِّبَاعِ مَا شَرَعَ لَهُمْ
شُرَكَاؤُهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ مِنْ
عِبَادَةِ غَيْرِهِ وَفِعْلِ مَا لَمْ يَشْرَعْهُ مِنْ الدِّينِ كَمَا
قَالَ تَعَالَى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ
مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } كَمَا ذَمَّهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ
حَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ . وَالدِّينُ الْحَقُّ أَنَّهُ لَا
حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَلَا دِينَ إلَّا مَا شَرَعَهُ .
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 172)
وَالْعِبَادَةُ
وَالطَّاعَةُ وَالِاسْتِقَامَةُ وَلُزُومُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ
وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَقْصُودُهَا وَاحِدٌ وَلَهَا أَصْلَانِ
:" أَحَدُهُمَا " أَلَّا يُعْبَدَ إلَّا اللَّهُ . وَ " الثَّانِي " أَنْ
يُعْبَدَ بِمَا أَمَرَ وَشَرَعَ لَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ .
قَالَ تَعَالَى : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } وَقَالَ
تَعَالَى : { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ
أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ
لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا
وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا } فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ
الْإِحْسَانُ وَهُوَ فِعْلُ الْحَسَنَاتِ . و " الْحَسَنَاتُ " هِيَ مَا
أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ مَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ
اسْتِحْبَابٍ فَمَا كَانَ مِنْ الْبِدَعِ فِي الدِّينِ الَّتِي لَيْسَتْ
مَشْرُوعَةً فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّهَا وَلَا رَسُولُهُ فَلَا تَكُونُ
مِنْ الْحَسَنَاتِ وَلَا مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا أَنَّ مَنْ
يَعْمَلُ مَا لَا يَجُوزُ كَالْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ لَيْسَ مِنْ
الْحَسَنَاتِ وَلَا مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ . {
وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } وَقَوْلُهُ : { أَسْلَمَ
وَجْهَهُ لِلَّهِ } فَهُوَ إخْلَاصُ الدِّينِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَكَانَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ
صَالِحًا وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِكَ خَالِصًا وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدِ فِيهِ
شَيْئًا . وَقَالَ الْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ : {
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } قَالَ : أَخْلَصُهُ
وَأَصْوَبُهُ قَالُوا : يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ؟
قَالَ :إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ
يُقْبَلْ وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ
حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ
وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ . فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ
جَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ دَاخِلًا فِي اسْمِ الْعِبَادَةِ فَلِمَاذَا
عَطَفَ عَلَيْهَا غَيْرَهَا ؛ كَقَوْلِهِ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ } وَقَوْلِهِ : { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ }
فَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ - كَأَهْلِ الرِّيَاءِ - لَمْ
يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ . كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ « قَالَ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ
مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِى غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ
»(1)..
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب اسباب رفع العقوبه عن العبد الجزء الثالث Empty رد: كتاب اسباب رفع العقوبه عن العبد الجزء الثالث {الأربعاء 15 يونيو - 9:23}

(1) - صحيح مسلم برقم(7666 )
شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 370)
وَالْمُرَاد أَنَّ عَمَل الْمُرَائِي بَاطِل لَا ثَوَاب فِيهِ ، وَيَأْثَم بِهِ .
لقاءات الباب المفتوح - (ج 90 / ص 2)
شرطي قبول العبادة:
الحمد
لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التسعون من لقاءات
الباب المفتوح التي تتم في كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس العشرون من
شهر ذي القعدة من عام (1415هـ). لقاؤنا هذا اليوم سيشتمل على صفة العمرة
والحج بإيجاز، ثم في اللقاءات الأخرى سوف نتكلم عن أركان وواجبات الحج
والعمرة، ثم عن محظورات الإحرام إن شاء الله تعالى. من المعلوم لنا جميعاً
أن العبادة لا تتم إلا بشرطين: الشرط الأول: الإخلاص لله. الشرط الثاني:
المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. دليل هذا قوله تعالى:
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاءَ [البينة:5] فـ(مخلصين له الدين) هذا الإخلاص، و(حنفاء) هذه
المتابعة، وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى). وفي صحيح
مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن
الله تعالى قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه
غيري تركته وشركه) فهذا الإخلاص. المتابعة: ثبت في الصحيحين أيضاً عن عائشة
رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من عمل عملاً
ليس عليه أمرنا فهو رد)، وفي لفظ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو
رد) إذاً.. لا بد من الإخلاص والمتابعة. ولا تتحقق المتابعة ألا بمعرفة كيف
كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل حتى نكون متبعين له، ولهذا
ينبغي لنا ونحن نفعل العبادات أن نستحضر هذين الأمرين: الإخلاص والمتابعة.
الإخلاص: بأن لا نبتغي بعباداتنا إلا وجه الله والدار الآخرة، وأن نستشعر
أيضاً أننا نمتثل أوامر الله، فمثلاً: عند الوضوء، نحن نتوضأ نغسل الأعضاء
المغسولة منها ونمسح الممسوح لكن ينبغي أن نستحضر بأننا نمتثل قول الله
تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] إلى آخره. حتى يتم الإخلاص والإذعان
والذل لله عز وجل. ثم نستحضر أيضاً أننا نتابع الرسول عليه الصلاة والسلام
في هذا؛ لأن هذا مما أمرنا به، كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].......
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 3480)
رقم الفتوى 7515 إخلاص النية لا يتم إلا بالعمل الخالص الصواب
تاريخ الفتوى : 16 محرم 1422
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يمكن إخلاص النية و كيف يمكن الحفاظ على ذلك الإخلاص؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإخلاص هو: إرادة الإنسان بعمله وجه الله تعالى.
وسبيل
الوصول إليه بأن يعلم الإنسان أن الله تعالى هو المستحق وحده للعبادة،
وأنه المنعم المتفضل الذي لا يليق بعبده أن يلتفت إلى غيره، وأن كل عمل
أريد به غير وجه الله، فهو عمل حابط مردود.
قال الله تعالى: (من كان
يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون
أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما
كانوا يعملون) [هود: 15، 16].
وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" رواه مسلم.
وروى
ابن خزيمة في صحيحه بإسناد حسن عن محمود بن لبيد قال: خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر" قالوا: يا رسول
الله وما شرك السرائر؟ قال: "يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهداً لما يرى
من نظر الرجال إليه، فذلك شرك السرائر".
وقال تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) [الملك: 2].
قال
الفضيل بن عياض في تفسير العمل الحسن: أخلصه وأصوبه، فقيل له: ما أخلصه
وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاً، ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان
صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، فالخالص ما كان
لله، والصواب ما كان على السنة. انتهى.
وينبغي للعبد أن يتعاهد إخلاصه،
وأن يحاسب نفسه، وأن يفتش في أحوالها، فإن الإخلاص عزيز، وهو أشد شيء على
النفس، كما قال التابعي الجليل ابن أبي ملكية: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

وَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « لاَ
يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ »(1).
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ »(2).
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا ، فَهْوَ رَدٌّ » (3)
__________
(1) - سنن النسائى برقم(140 ) صحيح
شرح سنن النسائي - (ج 1 / ص 111)
حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ :
قَوْله
( لَا يَقْبَل اللَّه )قَبُول اللَّه تَعَالَى الْعَمَل رِضَاهُ بِهِ
وَثَوَابه عَلَيْهِ فَعَدَم الْقَبُول أَنْ لَا يُثِيبهُ عَلَيْهِ
(
بِغَيْرِ طُهُور )بِضَمِّ الطَّاء فِعْل التَّطْهِير وَهُوَ الْمُرَاد
هَاهُنَا وَبِفَتْحِهَا اِسْم لِلْمَاءِ أَوْ التُّرَاب وَقِيلَ
بِالْفَتْحِ يُطْلَق عَلَى الْفِعْل وَالْمَاء فَهَاهُنَا يَجُوز
الْوَجْهَانِ وَالْمَعْنَى بِلَا طُهُور وَلَيْسَ الْمَعْنَى صَلَاة
مُلْتَبِسَة بِشَيْءٍ مُغَايِر لِلطُّهُورِ إِذْ لَا بُدَّ مِنْ مُلَابَسَة
الصَّلَاة بِمَا يُغَايِر الطُّهُور ضِدّ الطُّهُور حَمْلًا لِمُطْلَقِ
الْمُغَايِر عَلَى الْكَامِل وَهُوَ الْحَدَث
( مِنْ غُلُول ) بِضَمِّ
الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَصْله الْخِيَانَة فِي خُفْيَة وَالْمُرَاد مُطْلَق
الْخِيَانَة وَالْحَرَام وَغَرَض الْمُصَنِّف رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى
أَنَّ الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى اِفْتِرَاض الْوُضُوء لِلصَّلَاةِ وَنُوقِشَ
بِأَنَّ دَلَالَة الْحَدِيث عَلَى الْمَطْلُوب يَتَوَقَّف عَلَى دَلَالَته
عَلَى اِنْتِفَاء صِحَّة الصَّلَاة بِلَا طُهُور وَلَا دَلَالَة عَلَيْهِ
بَلْ عَلَى اِنْتِفَاء الْقَبُول وَالْقَبُول أَخَصّ مِنْ الصِّحَّة وَلَا
يَلْزَم مِنْ اِنْتِفَاء الْأَخَصّ اِنْتِفَاء الْأَعَمّ وَلِذَا وَرَدَ
اِنْتِفَاء الْقَبُول فِي مَوَاضِع مَعَ ثُبُوت الصِّحَّة كَصَلَاةِ
الْعَبْد الْآبِق وَقَدْ يُقَال الْأَصْل فِي عَدَم الْقَبُول هُوَ عَدَم
الصِّحَّة وَهُوَ يَكْفِي فِي الْمَطْلُوب إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيل عَلَى
أَنَّ عَدَم الْقَبُول لِأَمْرٍ آخَر سِوَى عَدَم الصِّحَّة وَلَا دَلِيل
هَاهُنَا وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .
(2) - سنن أبى داود برقم(641 ) وهو صحيح
عون المعبود - (ج 2 / ص 161)
(
لَا يَقْبَل اللَّه صَلَاة حَائِض ) : أَيْ لَا تَصِحّ صَلَاة الْمَرْأَة
الْبَالِغَة ، إِذَا الْأَصْل فِي نَفْي الْقَبُول نَفْي الصِّحَّة إِلَّا
لِدَلِيلٍ ، كَذَا فِي الْمِرْقَاة . قَالَ الْخَطَّابِيّ : يُرِيد
بِالْحَائِضِ الْمَرْأَة الَّتِي بَلَغَتْ سِنّ الْحَيْض وَلَمْ يُرِدْ
بِهِ الَّتِي هِيَ فِي أَيَّام حَيْضهَا ، لِأَنَّ " الْحَائِض لَا
تُصَلِّي بِوَجْهٍ " : وَقَالَ فِي الْمِرْقَاة : قِيلَ الْأَصْوَب أَنْ
يُرَاد بِالْحَائِضِ مَنْ شَأْنهَا الْحَيْض لِيَتَنَاوَل الصَّغِيرَة
أَيْضًا ، فَإِنَّ سَتْر رَأْسهَا شَرْط لِصِحَّةِ صَلَاتهَا أَيْضًا
(
إِلَّا بِخِمَارٍ ) : " أَيْ مَا يُتَخَمَّر بِهِ مِنْ سِتْر رَأْس .
وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيث : مَنْ سَوَّى بَيْن الْحُرَّة وَالْأَمَة
فِي الْعَوْرَة لِعُمُومِ ذِكْر الْحَائِض وَلَمْ يُفَرِّق بَيْن الْحُرَّة
وَالْأَمَة وَهُوَ قَوْل أَهْل الظَّاهِر ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيّ
وَأَبُو حَنِيفَة وَالْجُمْهُور بَيْن عَوْرَة الْحُرَّة وَالْأَمَة ،
فَجَعَلُوا عَوْرَة الْأَمَة مَا بَيْن السُّرَّة وَالرُّكْبَة كَالرَّجُلِ
، وَقَالَ مَالِك : الْأَمَة عَوْرَتهَا كَالْحُرَّةِ حَاشَا شَعْرهَا
فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَكَأَنَّهُ رَأَى الْعَمَل فِي الْحِجَاز عَلَى
كَشْف الْإِمَاء لِرُءُوسِهِنَّ ، هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ اِبْن عَبْد
الْبَرّ فِي الِاسْتِذْكَار . قَالَ الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ :
وَالْمَشْهُور عَنْهُ أَنَّ عَوْرَة الْأَمَة كَالرَّجُلِ ، كَذَا فِي
النَّيْل .
(3) - صحيح مسلم برقم(4590 )
شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 150)
وَمَعْنَاهُ : فَهُوَ بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ .
وَهَذَا
الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام ، وَهُوَ مِنْ
جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي
رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات .
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة
زِيَادَة وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِد بَعْض الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَة
سَبَقَ إِلَيْهَا ، فَإِذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى
يَقُول : أَنَا مَا أَحْدَثْت شَيْئًا فَيُحْتَجّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ
الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيح بِرَدِّ كُلّ الْمُحْدَثَات ، سَوَاء
أَحْدَثَهَا الْفَاعِل ، أَوْ سَبَقَ بِإِحْدَاثِهَا .
وَفِي هَذَا
الْحَدِيث : دَلِيل لِمَنْ يَقُول مِنْ الْأُصُولِيِّينَ : إِنَّ النَّهْي
يَقْتَضِي الْفَسَاد . وَمَنْ قَالَ : لَا يَقْتَضِي الْفَسَاد يَقُول
هَذَا خَبَر وَاحِد ، وَلَا يَكْفِي فِي إِثْبَات هَذِهِ الْقَاعِدَة
الْمُهِمَّة ، وَهَذَا جَوَاب فَاسِد .
وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات ، وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ .
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 4384)
رقم الفتوى 17613 البدعة في ضوء الكتاب والسنة..تعريفها وخطرها
تاريخ الفتوى : 17 جمادي الأولى 1423
السؤال
ما هي البدعة
آمل إجابة مفصلة في ضوء الكتاب والسنة والفقه (خاصة للفقه الحنفي) لأن الغالبية في مجتمعنا أضاف إضافات؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد
عرف محمد الخادمي الحنفي البدع بقوله: جمع بدعة خلاف السنة اعتقاداً
وعملاً وقولاً، وهذا معنى ما قالوا: البدعة في الشريعة إحداث ما لم يكن في
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر أيضاً: أن المعنى الشرعي للبدعة هو: الزيادة في الدين أو النقصان منه الحادثان بعد الصحابة بغير إذن من الشرع.
وبهذا
التعريف يعلم أنه لا اختلاف بين تعريف الحنفية للبدعة، وتعريف غيرهم من
العلماء من أهل المذاهب الأخرى، فالشاطبي عرف البدعة بقوله: طريقة في الدين
مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله
سبحانه.
وقوله (تضاهي الشرعية) أي: تشبه الطريقة الشرعية لكنها في
الحقيقة مضادة لها، وقد مثل الشاطبي للبدعة بقوله: ومنها: التزام الكيفيات
والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة
النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وما أشبه ذلك.
ومنها: التزام العبادات
المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام
يوم النصف من شبعان وقيام ليلته. انتهى
ومن الضوابط التي وضعها العلماء
للبدعة قولهم: كل عمل لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي
له، وعدم المانع من فعله، ففعله بعد ذلك بدعة، وهذا يخرج صلاة التراويح
وجمع القرآن من البدعة، لأن صلاة التراويح لم يستمر النبي صلى الله عليه
وسلم على فعلها (جماعة) لوجود المانع، وهو الخوف من أن تفرض.
وأما جمع
القرآن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، لعدم وجود المقتضي لذلك،
فلما كثر الناس واتسعت الفتوحات وخاف الصحابة من دخول العجمة جمعوا القرآن.
وليعلم
المسلم أن البدعة خطرها عظيم على صاحبها وعلى الناس وعلى الدين، وهي
مردودة على صاحبها يوم القيامة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد" رواه البخاري ومسلم .
وعند مسلم : "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد" ، وقوله: في أمرنا أي: في ديننا، وقوله: رد أي: مردود على صاحبه كائناً من كان.
وأيضاً: البدعة ضلالة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" رواه النسائي .
نعوذ بالله من البدع ومن النار.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه

.
أَيْ فَهُوَ مَرْدُودٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ . فَمَنْ اتَّقَى الْكُفْرَ
وَعَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ
لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَّقِيًا فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ
وَإِنْ كَانَ مُتَّقِيًا لِلشِّرْكِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى
رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (1)(60)
سورة المؤمنون ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ (الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أَهُوَ
الرَّجُلُ يَزْنِى وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ قَالَ « لاَ يَا بِنْتَ
أَبِى بَكْرٍ أَوْ لاَ يا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ
يَصُومُ وَيُصَلِّى وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُ
»(2)
__________
(1) - الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 3023)
قرأ
القراء السبعة { يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ } بالمد ، على أنه من الإتيان بمعنى
الإعطاء ، والوجل : استشعار الخوف . يقال : وَجِل فلان وَجَلاً فهو واجل ،
إذا خاف ، أى : يعطون ما يعطون من الصدقات وغيرها من ألوان البر ، ومع ذلك
فإن قلوبهم خائفة أن لا يقبل منهم هذا العطاء ، لأى سبب من الأسباب فهم
كما قال بعض الصالحين : لقد أدركنا أقواماً كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم ،
أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها .
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه
: أى : يعطون العطاء وهم خائفون أن لا يتقبل منهم ، لخوفهم أن يكونوا قد
قصروا فى القيام بشروط الإعطاء ، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط .
كما
روى الإمام أحمد عن عائشة أنها قالت : " يا رسول الله { والذين يُؤْتُونَ
مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } هو الذى يسرق ويزنى ويشرب الخمر ،
وهو يخاف الله - عز وجل -؟
قال : " لا يا بنت الصديق ، ولكنه الذى يصلى ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله - تعالى - " " .
ثم قال - رحمه الله - وقد قرأ آخرون : { والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ . . } من الإتيان . أى : يفعلون ما فعلوا وهم خائفون . . .
والمعنى على القراءة الأولى - وهى قراءة الجمهور : السبعة وغيرهم - أظهر لأنه قال - بعد ذلك - :
{ أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } فجعلهم من
السابقين ، ولو كان المعنى على القراءة الأخرى ، لأوشك أن لا يكونوا من
السابقين ، بل من المقتصدين أو المقتصرين .
وجملة { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } حال من الفاعل فى قوله - تعالى - { يُؤْتُونَ } .
وجملة { أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } تعليلية بتقدير اللام ، وهى متعلقة بقوله : { وَجِلَةٌ } .
أى : وقلوبهم خائفة من عدم القبول لأنهم إلى ربهم راجعون ، فيحاسبهم على بواعث أقوالهم وأعمالهم ، وهم - لقوة إيمانهم - يخشون التقصير فى أى جانب من جوانب طاعتهم له - عز وجل - .
وقد جاءت هذه الصفات الكريمة - كما يقول الإمام الرازى - فى
نهاية الحسن ، لأن الصفة الأولى دلت على حصول الخوف الشديد الموجب
للاحتراز عما لا ينبغى ، والثانية : دلت على قوة إيمانهم بآيات ربهم ،
والثالثة دلت على شدة إخلاصهم ، والرابعة : دلت على أن المستجمع لتلك
الصفات يأتى بالطاعات مع الوجل والخوف من التقصير ، وذلك هو نهاية مقامات
الصديقين ، رزقنا الله - سبحانه - الوصول إليها .
واسم الإشارة فى قوله - تعالى - : { أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات } يعود إلى هؤلاء المؤمنين الموصوفين بتلك الصفات الجليلة .
(2) - مسند أحمد برقم(26453) حديث حسن
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 2153)
رقم الفتوى 52671 الشعور بالتقصير يدفع صاحبه إلى المبادرة لفعل الصالحات
تاريخ الفتوى : 13 رجب 1425
السؤال
الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم:
شيخنا:
أنا امرأة ملتزمة بتعاليم الله سبحانه وتعالى ورسوله ولله الحمد، ولكن
يراودني أحساس دائم بأني مقصرة بتعاليم الله عز وجل، فمثلاً عندما أدفع
صدقة أحس بإن هذه الصدقة غير كافية وأنني مهما عملت من صلاة أو زكاة فأنني
أبقى مقصرة مع الله تعالى بشيء لا أعرف ما هو، الذي زاد في خوفي أني منذ
فترة قصيرة حلمت بأني مت ووضعوني في النعش وبدأوا في إنزالي في الحفرة،
فبدأت أحس بذهاب كل الناس الذين كانوا حزينين علي جداً وكان أخرهم زوجي،
وكان بطيئاً جداً بخطواته لا يريد تركي لعلمه بأني أخاف جداً لوحدي، المهم
أني بدأت أقول لنفسي معقول انتهى كل شيء معقول أنني حتى لم أقدم لربي أي
شيء كيف سأقابله ماذا أقول له ماذا عملت ليوم كهذا، أخيراً، استسلمت للأمر
الواقع وبدأت أخبر نفسي كيف يقولون إن القبر ضيق أنا أراه واسعاً وكيف
يقولون إن القبر مظلم أنا أراه مضيئاً ثم قلت يا ربي أنا أعلم أنه لا فائدة
من الكلام الآن ولكني صادقة في قولي وأنت تعلم الغيوب كنت أتمنى أن أكون
في وضع أحسن مما هو عليه الآن فجأة كأنني عدت إلى الحياة وبعدها سمعت صوت
يخبرني ها قد عدت إلى الحياة أريني ماذا ستعملين، شيخنا أحسست بأن هذا
إنذار من شيء معين ولكن لا أعرف ما هو، أرجو مساعدتي لأن هذا الموضوع
يقلقني بجد؟ ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي
رحمك الله أن هذا قد يكون من الخوف المحمود الذي وصف الله به أهل الإيمان،
قال الله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ {النحل:50}، وقال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا
وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
{المؤمنون:60}، قالت عائشة : يا رسول الله أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب
الخمر ؟ قال: لا يا بنت أبي بكر أو لا يا بنت الصديق ولكنه الرجل يصوم
ويصلي ويتصدق وهو يخاف أن لا يقبل منه. رواه الترمذي وأحمد واللفظ له.
وقال
النبي صلى الله عليه وسلم: من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزلة. ألا إن سلعة
الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة . رواه الترمذي والحاكم في المستدرك
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فالخوف والشعور بالتقصير يدفعان
صاحبهما إلى المبادرة بالأعمال الصالحة وهذا ما كان عليه السلف الصالح،
جمعوا إحساناً وخشية، أما المنافق فيجمع إساءة وأمناً، كما قال الحسن
البصري ، ولما نزل قوله تعالى: مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِه ِ
{النساء:123}، بكى أبو بكر الصديق وقال : يا رسول الله كيف الفلاح بعد هذه
الآية؟ فقال: أصلحك الله يا أبا بكر ألست تنصب ألست تحزن أليست تصيبك
اللأواء؟ قال: نعم، قال: فذلك جزاؤه . رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح
الترغيب، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية على استقامته وتبحره في علوم الإسلام
وجهاده في سبيل الله يقول: لا زلت حتى اليوم أجدد إيماني ولم أسلم بعد
إسلاماً صحيحاً . وكان يقول: أنا المكدي وابن المكدي وكذلك كان أبي وجدي .
انتهى.
أما ما تذكرينه من رؤيا فهي بشرى خير إن شاء الله والمعنى والله
أعلم أن تقدمي المزيد من العمل الصالح والمزيد من الخوف والرجاء، والله
نسأل أن يتقبل منك صالح الأعمال.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
..
وَخَوْفُ
مَنْ خَافَ مِنْ السَّلَفِ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ لِخَوْفِهِ أَنْ
لَا يَكُونَ أَتَى بِالْعَمَلِ عَلَى وَجْهِهِ الْمَأْمُورِ : وَهَذَا
أَظْهَرُ الْوُجُوهِ فِي اسْتِثْنَاءِ مَنْ اسْتَثْنَى مِنْهُمْ فِي
الْإِيمَانِ وَفِي أَعْمَالِ الْإِيمَانِ كَقَوْلِ أَحَدِهِمْ : أَنَا
مُؤْمِنٌ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " -(1)
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى