رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
المجلس الثالث فيما يقوم مقام الحج و العمرة عند العجز عنهما
يذكر بعد خروج الحاج في صحيح البخاري [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : ذهب الدثور من
الأموال بالدرجات العلى و النعيم المقيم يصلون كما نصلي و يصومون كما نصوم
و لهم فضل أموال يحجون بها و يعتمرون و يجاهدون و يتصدقون ؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : ألا أحدثكم بمال لو أخذتم به لحقتم من سبقكم و
لم يدرككم أحد بعدكم و كنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله :
تسبحون و تحمدون و تكبرون خلف كل صلاة ثلاثا و ثلاثين ] و في المسند و سنن
النسائي [ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله ذهب
الأغنياء بالأجر يحجون و لا نحج و يجاهدون و لا نجاهد و بكذا و بكذا فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا أدلكم على شيء إن أخذتم به جئتم من
أفضل ما يجيء به أحد منهم : أن تكبروا الله أربع و ثلاثين و تسبحوه ثلاثا
و ثلاثين و تحمدوه ثلاثا و ثلاثين في دبر كل صلاة ] المال لمن استعان به
على طاعة الله و أنفقه في سبل الخيرات القربة إلى الله سبب موصل له إلى
الله و هو لمن أنفقه في معاصي الله و استعان به على نيل أغراضه المحرمة أو
اشتغل به عن طاعة الله قاطع له عن الله كما قال أبو سليمان الداراني :
الدنيا حجاب عن الله لأعدائه و مطية موصلة إليه لأوليائه فسبحان من جعل
سببا واحدا للإتصال به و الإنقطاع عنه و قد مدح الله في كتابه القسم الأول
و ذم القسم الثاني فقال في مدح الأولين : { الذين ينفقون أموالهم بالليل و
النهار سرا و علانية فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون }
و قال : { إن الذين يتلون كتاب الله و أقاموا الصلاة و أنفقوا مما رزقناهم
سرا و علانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم و يزيدهم من فضله إنه
غفور شكور } و الآيات في المعنى كثيرة جدا و قال في ذم الآخرين : { يا
أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله و من يفعل
ذلك فأولئك هم الخاسرون * و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم
الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين } و قد
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس أحد لا يؤتي زكاة ماله إلا سأل الرجعة
عند الموت ثم تلا هذه الآية و أخبر عن أهل النار الذين يؤتي أحدهم كتابه
بشماله أنه يقول : { ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه } و الأحاديث في
مدح من أنفق ماله في سبل الخيرات و في ذم من لم يؤد حق الله منه كثيرة جدا
و قد صلى الله عليه و سلم : [ نعم المال الصالح للرجل الصالح ] و قال : [
الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا و هكذا عن يمينه
و عن شماله و من خلفه و قليل ما هم ] و قال : [ إن هذا المال خضرة حلوة
فمن أخذه بحقه و وضعه في حقه فنعم المعونة هو و إن أخذه بغير حقه كان
كالذي يأكل و لا يشبع ] فالمؤمن الذي يأخذ المال من حقه و يضعه في حقه فله
أجر ذلك كله و كلما أنفق منه يبتغي به وجه الله فهو له صدقة يؤجر عليها
حتى ما يطعم نفسه فهو له صدقة و ما يطعم ولده فهو له صدقة و ما يطعم أهله
فهو له صدقة و ما يطعم خادمه فهو له صدقة و كان عامة أهل الأموال من أصحاب
النبي صلى الله عليه و سلم من هذا القسم قال أبو سليمان : كان عثمان بن
عفان و عبد الرحمن بن عوف خازنين من خزان الله تعالى في أرضه ينفقان في
طاعته و كانت معاملتهم لله بقلوبهما و رأس المنفقين أموالهم في سبيل الله
من هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه و فيه نزلت هذه الآية : { و
سيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * و ما لأحد عنده من نعمة تجزى *
إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * و لسوف يرضى } و في صحيح الحاكم عن ابن
الزبير قال : قال أبو قحافة لأبي بكر : أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك إذا
فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك و يقومون دونك فقال أبو بكر : يا
أبت إني إنما أريد ما أريد قيل : و إنما أنزلت هذه الآيات فيه : { فأما من
أعطى و اتقى } إلى آخر السورة و روي من وجه آخر عن ابن الزبير و خرجه
الإسماعيلي و لفظه : أن أبا بكر كان يبتاع الضعفة فيعتقهم فقال له أبو
قحافة : يا بني لو ابتعت من يمنع ظهرك فقال : يا أبت منع ظهري أريد و نزلت
فيه : { و سيجنبها الأتقى } إلى آخر السورة و خرج أبو داود و الترمذي [ من
حديث عمر قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نتصدق و وافق ذلك
عندي مالا فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما قال : فجئت بنصف مالي
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله و إن
أبا بكر أتى بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت
لهم الله و رسوله فقلت : لا أسابقه إلى شيء أبدا ] و خرج الإمام أحمد و
النسائي و ابن ماجه [ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال : ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر و
قال : هل أنا و مالي إلا لك يا رسول الله ] و خرجه الترمذي بدون هذه
الزيادة في آخره و كان من المنفقين أموالهم في سبيل الله عثمان بن عفان
ففي الترمذي [ عن عبد الرحمن بن خباب قال : شهدت النبي صلى الله عليه و
سلم و هو يحث على جيش العسرة فقام عثمان فقال : يا رسول الله علي مائة
بعير بأحلاسها و أقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال :
يا رسول الله علي مائتا بعير بأحلاسها و أقتابها في سبيل الله ثم حض على
الجيش فقام عثمان فقال : يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها و
أقتابها في سبيل الله قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل على
المنبر و هو يقول : ما على عثمان ما فعل بعد هذه ما على عثمان ما فعل بعد
هذه ] و خرج الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله
عنه أن عثمان جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم بألف دينار حين جهز جيش
العسرة فنثرها في حجره قال : فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم يقلبها في
حجره و يقول : ما ضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم مرتين ] و كان أيضا منهم
عبد الرحمن بن عوف و في مسند الإمام أحمد أنه قدم له عير إلى المدينة
فارتجت لها المدينة فسألت عائشة عنها و حدثت حديثا عن النبي صلى الله عليه
و سلم فبلغ عبد الرحمن فجعلها كلها في سبيل الله بأقتابها و أحلاسها و
كانت سبعمائة راحلة و خرجه ابن سعد من وجه آخر فيه انقطاع و عنده أنها
كانت خمسمائة راحلة و خرج الترمذي [ من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول
تعني لأزواجه : إن أمركن لمما يهمني بعدي و لن يصبر عليكن إلا الصابرون
قال : ثم تقول عائشة لأبي سلمة : سقى الله أباك من سلسبيل الجنة و كان قد
وصل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم بمال بيعت بأربعين ألفا ] و قال :
حسن غريب و خرجه الحاكم و صححه و خرج الإمام أحمد أوله و خرج الإمام أحمد
أيضا و الحاكم [ من حديث أم بكر بنت المسور بن مخرمة أن عبد الرحمن بن عوف
باع أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار فقسمها في فقراء بني زهرة و في
المهاجرين و أمهات المؤمنين قال المسور : فأتيت عائشة رضي الله عنها
بنصيبها من ذلك فقالت لنا : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة ] و
خرج الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى
الله عليه و سلم قال لأزواجه : إن الذي يحنو عليكن بعدي هو الصادق البار :
اللهم ساق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة ] و خرجه ابن سعد و زاد : إن
إبراهيم بن سعد قال : حدثني بعض أهلي من ولد عبد الرحمن بن عوف أن عبد
الرحمن بن عوف باع أمواله من كيدمة و سهمه من بني النضير بأربعين ألف
دينار فقسمها على أزواج النبي صلى الله عليه و سلم و خرج الترمذي من حديث
أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه أن أباه عبد الرحمن بن عوف أوصى
بحديقة لأمهات المؤمنين بيعت بأربعمائة ألف و خرجه الحاكم و لفظه : بيعت
بأربعين ألف دينار و أخبار الأجواد المنفقين أموالهم في سبيل الله من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يطول ذكرها جدا و كان الفقراء من
الصحابة كلما رأوا أصحاب الأموال منهم ينفقون أموالهم فيما يحبه الله من
الحج و الإعتمار و الجهاد في سبيل الله و العتق و الصدقة و البر و الصلة و
غير ذلك من أنواع البر و الطاعات و القربات حزنوا لما فاتهم من مشاركتهم
في هذه الفضائل و قد ذكرهم الله في كتابه بذلك فقال تعالى : { ليس على
الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا
لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم * ولا على الذين إذا
ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع
حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون } : نزلت هذه الآية بسبب قوم من فقراء
المسلمين أتوا النبي صلى الله عليه و سلم و هو يتجهز إلى غزوة تبوك فطلبوا
منه أن يحملهم فقال لهم : [ لا أجد ما أحملكم عليه ] فرجعوا و هم يبكون
حزنا على ما فاتهم من الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بعض
العلماء : هذا و الله بكاء الرجال بكوا على فقدهم رواحل يتحملون عليها إلى
الموت في مواطن تراق فيها الدماء في سبيل الله و تنزع فيها رؤوس الرجال عن
كواهلها بالسيوف فأما من بكى على فقد حظه من الدنيا و شهواته العاجلة فذلك
شبيه ببكاء الأطفال و النساء على فقد حظوظهم العاجلة
( سهر العيون لغير وجهك باطل ... و بكاؤهن لغير فقدك ضائع )
إنما يحسن البكاء و الأسف على فوات الدرجات العلى و النعيم المقيم قال
بعضهم : يرى رجل في الجنة يبكي فيسأل عن حاله فيقول : كانت لي نفس واحدة
قتلت في سبيل الله و وددت أنه كانت لي نفوس كثيرة تقتل كلها في سبيله غزا
قوم في سبيل الله فلما صافوا عدوهم و اقتتلوا رأى كل واحد منهم زوجته من
الحور قد فتحت بابا من السماء و هي تستدعي صاحبها إليها و تحثه على القتال
فقتلوا كلهم إلا واحدا و كان كلما قتل منهم واحد غلق باب و غابت منه
المرأة فأفلت آخرهم فأغلقت تلك المرأة الباب الباقي و قالت ما فاتك يا شقي
؟ فكان يبكي على حاله إلى أن مات و لكنه أورثه ذلك طول الإجتهاد و الحزن و
الأسف
( على مثل ليلى يقتل المرء نفسه ... و إن كان من ليلى على الهجر طاويا )
لما سمع الصحابة رضي الله عنهم قول الله عز و جل : { فاستبقوا الخيرات }
{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها كعرض السماء و الأرض } فهموا أن
المراد من ذلك أن يجتهد كل واحد منهم أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه
الكرامة و المسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية فكان أحدهم إذا رأى من
يعمل عملا يعجز عنه خشي أن يكون صاحب ذلك العمل هو السابق له فيحزن لفوات
سبقه فكان تنافسهم في درجات الآخرة و استباقهم إليها كما قال تعالى : { و
في ذلك فليتنافس المتنافسون } ثم جاء من بعدهم فعكس الأمر فصار تنافسهم في
الدنيا الدنية و حظوظها الفانية قال الحسن : إذا رأيت الرجل ينافسك في
الدنيا فنافسه في الآخرة و قال وهيب بن الورد : إن استطعت أن لا يسبقك إلى
الله أحد فافعل و قال بعض السلف : لو أن رجلا سمع بأحد أطوع لله منه كان
ينبغي له أن يحزنه ذلك و قال غيره : لو أن رجلا سمع برجل أطوع لله منه
فانصدع قلبه فمات لم يكن ذلك بعجب قال رجل لمالك بن دينار رأيت في المنام
مناديا ينادي أيها الناس الرحيل الرحيل فما رأيت أحدا يرتحل إلا محمد بن
واسع فصاح مالك و غشي عليه : { والسابقون السابقون * أولئك المقربون * في
جنات النعيم } قال عمر بن عبد العزيز في حجة حجها عند دفع الناس من عرفة
ليس السابق اليوم من سبق به بعيره إنما السابق من غفر له كان رأس السابقين
إلى الخيرات من هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال عمر : ما
استبقنا إلى شيء من الخير إلا سبقنا أبو بكر و كان سباقا بالخيرات ثم كان
السابق بعده إلى الخيرات عمر و في آخر حجة حجها عمر جاء رجل لا يعرف كانوا
يرونه من الجن فرثاه بأبيات منها :
( فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق )
صاحب الهمة العالية و النفس الشريفة التواقة لا يرضى بالأشياء الدنية
الفانية و إنما همته المسابقة إلى الدرجات الباقية الزاكية التي لا تفنى و
لا يرجع عن مطلوبه و لو تلفت نفسه في طلبه و من كان في الله تلفه كان على
الله خلفه
قيل لبعض المجتهدين في الطاعات : لم تعذب هذا الجسد ؟ قال : كرامته أريد
( و إذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام )
قال عمر بن عبد العزيز إن لي نفسا تواقة ما نالت شيئا إلا تاقت إلى ما هو
أفضل منه و إنها لما نالت هذه المنزلة يعني الخلافة و ليس في الدنيا منزلة
أعلى منها تاقت إلى ما هو أعلى من الدنيا يعني الآخرة
( على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... و تأتي على قدر الكرام المكارم )
قيمة كل إنسان ما يطلب فمن كان يطلب الدنيا فلا أدنى منه فإن الدنيا دنية
و أدنى منها من يطلبها و هي خسيسة و أخس منها من يخطبها قال بعضهم :
القلوب جوالة فقلب يجول حول العرش و قلب يجول حول الحش الدنيا كلها حش و
كل ما فيها من مطعم و مشرب يؤل إلى الحش و ما فيها من أجسام و لباس يصير
ترابا كما قيل : و كل الذي فوق التراب تراب و قال بعضهم في يوم عيد
لإخوانه : هل تنظرون إلا خرقا تبلى أو لحما يأكله الدود غدا و أما من كان
يطلب الآخرة فقدره خطير لأن الآخرة خطيرة شريفة و من يطلبها أشرف منها كما
قيل :
( أثامن بالنفس النفيسة ربها ... و ليس لها في الخلق كلها ثمن )
( بها تدرك الأخرى فإن أنا بعتها ... بشيء من الدنيا فذاك هو الغبن )
( لئن ذهبت نفسي بدنيا أصبتها ... لقد ذهبت نفسي و قد ذهب الثمن )
و أما من كان يطلب الله فهو أكبر الناس عنده كما أن مطلوبه أكبر من كل شيء
كما قيل :
( له همم لا منتهى لكبارها ... و همته الصغرى أجل من الدهر )
قال الشبلي : من ركن إلى الدنيا أحرقته بنارها فصار رمادا تذروه الرياح و
من ركن إلى الآخرة أحرقته بنورها فصار سبيكة ذهب ينتفع به و من ركن إلى
الله أحرقه بنور التوحيد فصار جوهرا لا قيمة له العالي الهمة يجتهد في نيل
مطلوبه و يبذل وسعه في الوصول إلى رضى محبوبه فأما خسيس الهمة فاجتهاده في
متابعة هواه و يتكل على مجرد العفو فيفوته إن حصل له العفو منازل السابقين
المقربين قال بعض السلف : هب أن المسيء عفي عنه أليس قد فاته ثواب
المحسنين
( فيا مذنب يرجو من الله عفوه ... أترضى بسبق المتقين إلى الله )
لما تنافس المتنافسون في نيل الدرجات غبط بعضهم بعضا بالأعمال الصالحات
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه الله
مالا فهو ينفقه في سبيل الله آناء الليل و آناء النهار و رجل آتاه الله
القرآن فهو يتلوه آناء الليل و آناء النهار ] و في رواية : [ لا تحاسد إلا
في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل و النهار يقول :
لو أتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل و رجل آتاه الله مالا فهو ينفقه
في حقه يقول : لو أتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل ] و هذا الحديث في
الصحيحين و في الترمذي و غيره عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إنما
مثل هذه الأمة كأربعة نفر : رجل آتاه الله مالا و علما فهو يعمل بعلمه في
ماله ينفقه في حقه و رجل آتاه الله علما و لم يؤته مالا و هو يقول : لو
كان لي مثل هذا لعملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : فهما في الأجر سواء و رجل آتاه الله مالا و لم يؤته الله علما و لا
مالا فهو يقول : لو كان لي مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : فهما في الوزر سواء ] و روى حميد بن زنجويه بإسناده
عن زيد بن أسلم قال : يؤتى يوم القيامة بفقير و غني اصطحبا في الله فيوجد
للغني فضل عمل فيما كان يصنع في ماله فيرفع على صاحبه فيقول الفقير : يا
رب لما رفعته و إنما اصطحبنا فيك و عملنا لك فيقول الله تعالى : له فضل
عمل بما صنع في ماله فيقول : يا رب لقد علمت لو أعطيتني مالا لصنعت مثل ما
صنع فيقول : صدق فارفعوه إلى منزلة صاحبه و يؤتى بمريض و صحيح اصطحبا في
الله فيرفع الصحيح بفضل عمله فيقول المريض : يا رب لم رفعته علي فيقول :
بما كان يعمل في صحته فيقول : يا رب لقد علمت لو أصححتني لعملت كما عمل
فيقول الله : صدق فارفعوه إلى درجة صاحبه و يؤتى بحر و مملوك اصطحبا في
الله فيقول مثل ذلك و يؤتى بحسن الخلق و سيء الخلق فيقول : يا رب لم رفعته
علي و إنما اصطحبنا فيك و عملنا فيقول : بحسن خلقه فلا يجد له جوابا
العاقل يغبط من أنفق ماله في سبيل الخيرات و نيل علو الدرجات و الجاهل
يغبط من أنفق ماله في الشهوات و توصل به إلى اللذات المحرمات قال الله
تعالى حاكيا عن قارون : { فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة
الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * و قال الذين أوتوا
العلم و يلكم ثواب الله خير لمن آمن و عمل صالحا } إلى قوله : { تلك الدار
الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة
للمتقين }
فلما رأى النبي صلى الله عليه و سلم تأسف أصحابه الفقراء
و حزنهم على ما فاتهم من إنفاق إخوانهم الأغنياء أموالهم في سبيل الله
تقربا إليه و ابتغاء لمرضاته طيب قلوبهم و دلهم على عمل يسير يدركون به من
سبقهم و لا يلحقهم معه أحد بعدهم و يكونون به خيرا ممن هم معه إلا من عمل
مثل عملهم : و هو الذكر عقب الصلوات المفروضات و قد اختلفت الروايات
بأنواعه و عدده و الأخذ بكل ما ورد من ذلك حسن و له فضل عظيم و في حديث
أبي هريرة هذا : أنهم يسبحون و يحمدون و يكبرون خلف كل صلاة ثلاثا و
ثلاثين و قد فسره أبو صالح راوية عنه بالجمع و هو أن يقول : سبحان الله و
الحمد لله و الله أكبر ثلاثا و ثلاثين مرة فيكون جملة ذلك تسعا و تسعين
و قد يستشكل على هذا حديث : [ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم :
عما يعدل الجهاد ؟ فقال : هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم فلا تفطر و
تقوم و لا تفتر ] و هو حديث ثابت صحيح أيضا فلم يجعل للجهاد عدلا سوى
الصيام الدائم و القيام الدائم و في هذا الحديث قد جعل الذكر عقب الصلوات
عدلا له ؟ و الجمع بين ذلك كله : أن النبي لم يجعل للجهاد في زمانه عملا
يعدله بحيث إذا انقضى الجهاد انقضى ذلك العمل و استوى العامل مع المجاهد
في الأجر و إنما جعل الذي يعدل الجهاد الذكر الكثير المستدام في بقية عمر
المؤمن من غير قطع له حتى يأتي صاحبه أجله فإذا استمر على هذا الذكر في
أوقاته إلى أن مات عليه عدل ذكره هذا الجهاد و قد دل على ذلك أيضا ما خرجه
الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه و سلم قال : ألا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و
أرفعها في درجاتكم و خير لكم من إنفاق الذهب و الورق و خير لكم من أن
تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم ؟ قالوا بلى يا رسول الله
قال : ذكر الله عز و جل ] و خرجه مالك في الموطأ موقوفا و خرج الإمام أحمد
و الترمذي أيضا من [ حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه و سلم سئل : أي العبادة أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : {
الذاكرين الله كثيرا } قلت يا رسول الله و من الغازي في سبيل الله ؟ قال :
لو ضرب بسيفه الكفار و المشركين حتى ينكسر و يختصب دما لكان الذاكرون الله
عز و جل أفضل منه درجة ] و قد روي هذا المعنى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه
و طائفة من الصحابة موقوفا و أن الذكر لله أفضل من الصدقة بعدة دراهم و
دنانير و من النفقة في سبيل الله و قيل لأبي الدرداء رضي الله عنه : رجل
أعتق مائة نسمة ؟ قال : إن مائة نسمة من مال رجل كثير و أفضل من ذلك إيمان
ملزوم بالليل و النهار و أن لا يزال لسان أحدكم رطبا من ذكر الله عز و جل
و عنه قال : لأن أقول لا إله إلا الله و الله أكبر مائة مرة أحب إلي من أن
أتصدق بمائة دينار و يروى مرفوعا و موقوفا من غير وجه من فاته الليل أن
يكابده و بخل بالمال أن ينفقه و جبن عن عدوه أن يقاتله فليكثر من سبحان
الله و بحمده فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب أو فضة ينفقه في سبيل الله عز
و جل و ذكر الله من أفضل أنواع الصدقة و خرج الطبراني [ عن ابن عباس رضي
الله عنهما مرفوعا : ما صدقة أفضل من ذكر الله عز و جل ] و قد قال طائفة
من السلف في قول الله عز و جل : { و أقرضوا الله قرضا حسنا } : إن القرض
الحسن قول : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و في
مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ما أنفق عبد نفقة أفضل
عند الله عز و جل من قول ليس من القرآن و هو من القرآن : سبحان الله و
الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ] و روى عبد الرزاق في كتابه [
عن معمر عن قتادة قال : قال ناس من فقراء المؤمنين : يا رسول الله ذهب
أصحاب الدثور بالأجور يتصدقون و لا نتصدق و ينفقون و لا ننفق قال أرأيتم
لو أن مال الدنيا وضع بعضه على بعض أكان بالغا السماء ؟ قالوا : لا يا
رسول الله قال : أفلا أخبركم بما أصله في الأرض و فرعه في السماء : أن
تقولوا في دبر كل صلاة : لا إله إلا الله و الله أكبر و سبحان الله و
الحمد لله عشر مرات فإن أصلهن في الأرض و فرعهن في السماء ] و قد كان بعض
الصحابة يظن أن لا صدقة إلا بالمال فأخبره النبي صلى الله عليه و سلم : [
أن الصدقة لا تختص بالمال و أن الذكر و سائر أعمال المعروف صدقة ] كما في
صحيح مسلم [ عن أبي ذر رضي الله عنه : أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله
عليه و سلم قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الثور بالأجور يصلون كما نصلي و
يصومون كما نصوم و يتصدقون بفضول أموالهم ؟ ! فقال النبي صلى الله عليه و
سلم : أوليس قد جعل الله لكم صلاة العشاء في جماعة تعدل حجة و صلاة الغد
في جماعة تعدل عمرة ] و قال أبو هريرة لرجل : بكورك إلى المسجد أحب إلي من
غزوتنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكره الإمام أحمد أداء الواجبات
كلها أفضل من التنفل بالنفل بالحج و العمرة و غيرهما فإنه ما تقرب العباد
إلى الله تعالى بأحب إليه من أداء ما افترض عليهم و كثير من الناس يهون
عليه التنقل بالحج و الصدقة و لا يهون عليه أداء الواجبات من الديون و رد
المظالم و كذلك يثقل على كثير من النفوس التنزه عن كسب الحرام و الشبهات و
يسهل عليها إنفاق ذلك في الحج و الصدقة قال بعض السلف : ترك دانق مما
يكرهه الله أحب إلي من خمسمائة حجة كف الجوارح عن المحرمات أفضل من التطوع
بالحج و غيره و هو أشف على النفوس قال الفضيل بن عياض : ما حج و لا رباط و
لا جهاد أشد من حبس اللسان و لو أصبحت يهمك لسانك أصبحت في هم شديد ليس
الإعتبار بأعمال البر بالجوارح و إنما الإعتبار بلين القلوب و تقواها و
تطهيرها عن الآثام سفر الدنيا ينقطع بسير الأبدان و سفر الآخرة ينقطع بسير
القلوب قال رجل لبعض العارفين : قد قطعت إليك مسافة قال : ليس هذا الأمر
بقطع المسافات فارق نفسك بخطوة و قد وصلت إلى مقصودك سير القلوب أبلغ من
سير الأبدان كم من واصل ببدنه إلى البيت و قلبه منقطع عن رب البيت و كم من
قاعد على فراشه في بيته و قلبه متصل بالمحل الأعلى
( جسمي معي غير أن الروح عندكم ... فالجسم في غربة و الروح في وطن )
قال بعض العارفين : عجبا لمن يقطع المفاوز و القفار ليصل إلى البيت فيشاهد
فيه آثار الأنبياء كيف لا يقطع هواه ليصل إلى قلبه فيرى فيه أثر : [ و
يسعني قلب عبدي المؤمن ] أيها المؤمن : إن لله بين جنبيك بيتا لو طهرته
لأشرق ذلك البيت بنور ربه و انشرح و انفسح أنشد الشبلي :
( إن بيتا أنت ساكنه ... غير محتاج إلى السرج )
( و مريضا أنت عائده ... قد أتاه الله بالفرج )
( وجهك المأمول حجتنا ... يوم يأتي الناس بالحجج )
تطهيره تفريغه من كل ما يكرهه الله تعالى من أصنام النفس و الهوى و متى
بقيت فيه من ذلك بقية فالله أغنى الأغنياء عن الشرك و هو لا يرضى بمزاحمة
الأصنام قال سهل بن عبد الله : حرام على قلب أن يدخله النور و فيه شيء مما
يكرهه الله
( أردناكم صرفا فلما مزجتم ... بعدتم بمقدار التفاتكم عنا )
( و قلنا لكم لا تسكنوا القلب غيرنا ... فأسكنتم الأغيار ما أنتم منا )
إخواني إن حبستم العام عن الحج فارجعوا إلى جهاد النفوس فهو الجهاد الأكبر
أو أحصرتم عن أداء النسك فأريقوا على تخلفكم من الدموع ما تيسر فإن إراقة
الدماء لازمة للمحصر و لا تحلقوا رؤوس أديانكم بالذنوب فإن الذنوب حالقة
الدين ليست حالقة الشعر و قوموا لله باستشعار الرجاء و الخوف مقام القيام
بأرجاء الخيف و المشعر و من كان قد بعد عن حرم الله فلا يبعد نفسه بالذنوب
عن رحمة الله فإن رحمة الله قريب ممن تاب إليه و استغفر و من عجز عن حج
البيت أو البيت منه بعد فليقصد رب البيت فإنه ممن دعاه و رجاه أقرب من حبل
الوريد
( إليك قصدي رب البيت و الحجر ... فأنت سؤالي من حجي و من عمري )
( و فيك سعيي و تطوافي و مزدلفي ... و الهدي جسمي الذي يغني عن الجزي )
( و مسجد الخيف خوفي من تباعدكم ... و مشعري و مقامي دونكم خطري )
( زادي رجائي لكم و الشوق راحلتي ... و الماء من عبراتي و الهوى سفري )
يذكر بعد خروج الحاج في صحيح البخاري [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : ذهب الدثور من
الأموال بالدرجات العلى و النعيم المقيم يصلون كما نصلي و يصومون كما نصوم
و لهم فضل أموال يحجون بها و يعتمرون و يجاهدون و يتصدقون ؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : ألا أحدثكم بمال لو أخذتم به لحقتم من سبقكم و
لم يدرككم أحد بعدكم و كنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله :
تسبحون و تحمدون و تكبرون خلف كل صلاة ثلاثا و ثلاثين ] و في المسند و سنن
النسائي [ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله ذهب
الأغنياء بالأجر يحجون و لا نحج و يجاهدون و لا نجاهد و بكذا و بكذا فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا أدلكم على شيء إن أخذتم به جئتم من
أفضل ما يجيء به أحد منهم : أن تكبروا الله أربع و ثلاثين و تسبحوه ثلاثا
و ثلاثين و تحمدوه ثلاثا و ثلاثين في دبر كل صلاة ] المال لمن استعان به
على طاعة الله و أنفقه في سبل الخيرات القربة إلى الله سبب موصل له إلى
الله و هو لمن أنفقه في معاصي الله و استعان به على نيل أغراضه المحرمة أو
اشتغل به عن طاعة الله قاطع له عن الله كما قال أبو سليمان الداراني :
الدنيا حجاب عن الله لأعدائه و مطية موصلة إليه لأوليائه فسبحان من جعل
سببا واحدا للإتصال به و الإنقطاع عنه و قد مدح الله في كتابه القسم الأول
و ذم القسم الثاني فقال في مدح الأولين : { الذين ينفقون أموالهم بالليل و
النهار سرا و علانية فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون }
و قال : { إن الذين يتلون كتاب الله و أقاموا الصلاة و أنفقوا مما رزقناهم
سرا و علانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم و يزيدهم من فضله إنه
غفور شكور } و الآيات في المعنى كثيرة جدا و قال في ذم الآخرين : { يا
أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله و من يفعل
ذلك فأولئك هم الخاسرون * و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم
الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين } و قد
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس أحد لا يؤتي زكاة ماله إلا سأل الرجعة
عند الموت ثم تلا هذه الآية و أخبر عن أهل النار الذين يؤتي أحدهم كتابه
بشماله أنه يقول : { ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه } و الأحاديث في
مدح من أنفق ماله في سبل الخيرات و في ذم من لم يؤد حق الله منه كثيرة جدا
و قد صلى الله عليه و سلم : [ نعم المال الصالح للرجل الصالح ] و قال : [
الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا و هكذا عن يمينه
و عن شماله و من خلفه و قليل ما هم ] و قال : [ إن هذا المال خضرة حلوة
فمن أخذه بحقه و وضعه في حقه فنعم المعونة هو و إن أخذه بغير حقه كان
كالذي يأكل و لا يشبع ] فالمؤمن الذي يأخذ المال من حقه و يضعه في حقه فله
أجر ذلك كله و كلما أنفق منه يبتغي به وجه الله فهو له صدقة يؤجر عليها
حتى ما يطعم نفسه فهو له صدقة و ما يطعم ولده فهو له صدقة و ما يطعم أهله
فهو له صدقة و ما يطعم خادمه فهو له صدقة و كان عامة أهل الأموال من أصحاب
النبي صلى الله عليه و سلم من هذا القسم قال أبو سليمان : كان عثمان بن
عفان و عبد الرحمن بن عوف خازنين من خزان الله تعالى في أرضه ينفقان في
طاعته و كانت معاملتهم لله بقلوبهما و رأس المنفقين أموالهم في سبيل الله
من هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه و فيه نزلت هذه الآية : { و
سيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * و ما لأحد عنده من نعمة تجزى *
إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * و لسوف يرضى } و في صحيح الحاكم عن ابن
الزبير قال : قال أبو قحافة لأبي بكر : أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك إذا
فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك و يقومون دونك فقال أبو بكر : يا
أبت إني إنما أريد ما أريد قيل : و إنما أنزلت هذه الآيات فيه : { فأما من
أعطى و اتقى } إلى آخر السورة و روي من وجه آخر عن ابن الزبير و خرجه
الإسماعيلي و لفظه : أن أبا بكر كان يبتاع الضعفة فيعتقهم فقال له أبو
قحافة : يا بني لو ابتعت من يمنع ظهرك فقال : يا أبت منع ظهري أريد و نزلت
فيه : { و سيجنبها الأتقى } إلى آخر السورة و خرج أبو داود و الترمذي [ من
حديث عمر قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نتصدق و وافق ذلك
عندي مالا فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما قال : فجئت بنصف مالي
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله و إن
أبا بكر أتى بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت
لهم الله و رسوله فقلت : لا أسابقه إلى شيء أبدا ] و خرج الإمام أحمد و
النسائي و ابن ماجه [ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال : ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر و
قال : هل أنا و مالي إلا لك يا رسول الله ] و خرجه الترمذي بدون هذه
الزيادة في آخره و كان من المنفقين أموالهم في سبيل الله عثمان بن عفان
ففي الترمذي [ عن عبد الرحمن بن خباب قال : شهدت النبي صلى الله عليه و
سلم و هو يحث على جيش العسرة فقام عثمان فقال : يا رسول الله علي مائة
بعير بأحلاسها و أقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال :
يا رسول الله علي مائتا بعير بأحلاسها و أقتابها في سبيل الله ثم حض على
الجيش فقام عثمان فقال : يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها و
أقتابها في سبيل الله قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل على
المنبر و هو يقول : ما على عثمان ما فعل بعد هذه ما على عثمان ما فعل بعد
هذه ] و خرج الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله
عنه أن عثمان جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم بألف دينار حين جهز جيش
العسرة فنثرها في حجره قال : فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم يقلبها في
حجره و يقول : ما ضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم مرتين ] و كان أيضا منهم
عبد الرحمن بن عوف و في مسند الإمام أحمد أنه قدم له عير إلى المدينة
فارتجت لها المدينة فسألت عائشة عنها و حدثت حديثا عن النبي صلى الله عليه
و سلم فبلغ عبد الرحمن فجعلها كلها في سبيل الله بأقتابها و أحلاسها و
كانت سبعمائة راحلة و خرجه ابن سعد من وجه آخر فيه انقطاع و عنده أنها
كانت خمسمائة راحلة و خرج الترمذي [ من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول
تعني لأزواجه : إن أمركن لمما يهمني بعدي و لن يصبر عليكن إلا الصابرون
قال : ثم تقول عائشة لأبي سلمة : سقى الله أباك من سلسبيل الجنة و كان قد
وصل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم بمال بيعت بأربعين ألفا ] و قال :
حسن غريب و خرجه الحاكم و صححه و خرج الإمام أحمد أوله و خرج الإمام أحمد
أيضا و الحاكم [ من حديث أم بكر بنت المسور بن مخرمة أن عبد الرحمن بن عوف
باع أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار فقسمها في فقراء بني زهرة و في
المهاجرين و أمهات المؤمنين قال المسور : فأتيت عائشة رضي الله عنها
بنصيبها من ذلك فقالت لنا : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة ] و
خرج الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى
الله عليه و سلم قال لأزواجه : إن الذي يحنو عليكن بعدي هو الصادق البار :
اللهم ساق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة ] و خرجه ابن سعد و زاد : إن
إبراهيم بن سعد قال : حدثني بعض أهلي من ولد عبد الرحمن بن عوف أن عبد
الرحمن بن عوف باع أمواله من كيدمة و سهمه من بني النضير بأربعين ألف
دينار فقسمها على أزواج النبي صلى الله عليه و سلم و خرج الترمذي من حديث
أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه أن أباه عبد الرحمن بن عوف أوصى
بحديقة لأمهات المؤمنين بيعت بأربعمائة ألف و خرجه الحاكم و لفظه : بيعت
بأربعين ألف دينار و أخبار الأجواد المنفقين أموالهم في سبيل الله من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يطول ذكرها جدا و كان الفقراء من
الصحابة كلما رأوا أصحاب الأموال منهم ينفقون أموالهم فيما يحبه الله من
الحج و الإعتمار و الجهاد في سبيل الله و العتق و الصدقة و البر و الصلة و
غير ذلك من أنواع البر و الطاعات و القربات حزنوا لما فاتهم من مشاركتهم
في هذه الفضائل و قد ذكرهم الله في كتابه بذلك فقال تعالى : { ليس على
الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا
لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم * ولا على الذين إذا
ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع
حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون } : نزلت هذه الآية بسبب قوم من فقراء
المسلمين أتوا النبي صلى الله عليه و سلم و هو يتجهز إلى غزوة تبوك فطلبوا
منه أن يحملهم فقال لهم : [ لا أجد ما أحملكم عليه ] فرجعوا و هم يبكون
حزنا على ما فاتهم من الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بعض
العلماء : هذا و الله بكاء الرجال بكوا على فقدهم رواحل يتحملون عليها إلى
الموت في مواطن تراق فيها الدماء في سبيل الله و تنزع فيها رؤوس الرجال عن
كواهلها بالسيوف فأما من بكى على فقد حظه من الدنيا و شهواته العاجلة فذلك
شبيه ببكاء الأطفال و النساء على فقد حظوظهم العاجلة
( سهر العيون لغير وجهك باطل ... و بكاؤهن لغير فقدك ضائع )
إنما يحسن البكاء و الأسف على فوات الدرجات العلى و النعيم المقيم قال
بعضهم : يرى رجل في الجنة يبكي فيسأل عن حاله فيقول : كانت لي نفس واحدة
قتلت في سبيل الله و وددت أنه كانت لي نفوس كثيرة تقتل كلها في سبيله غزا
قوم في سبيل الله فلما صافوا عدوهم و اقتتلوا رأى كل واحد منهم زوجته من
الحور قد فتحت بابا من السماء و هي تستدعي صاحبها إليها و تحثه على القتال
فقتلوا كلهم إلا واحدا و كان كلما قتل منهم واحد غلق باب و غابت منه
المرأة فأفلت آخرهم فأغلقت تلك المرأة الباب الباقي و قالت ما فاتك يا شقي
؟ فكان يبكي على حاله إلى أن مات و لكنه أورثه ذلك طول الإجتهاد و الحزن و
الأسف
( على مثل ليلى يقتل المرء نفسه ... و إن كان من ليلى على الهجر طاويا )
لما سمع الصحابة رضي الله عنهم قول الله عز و جل : { فاستبقوا الخيرات }
{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها كعرض السماء و الأرض } فهموا أن
المراد من ذلك أن يجتهد كل واحد منهم أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه
الكرامة و المسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية فكان أحدهم إذا رأى من
يعمل عملا يعجز عنه خشي أن يكون صاحب ذلك العمل هو السابق له فيحزن لفوات
سبقه فكان تنافسهم في درجات الآخرة و استباقهم إليها كما قال تعالى : { و
في ذلك فليتنافس المتنافسون } ثم جاء من بعدهم فعكس الأمر فصار تنافسهم في
الدنيا الدنية و حظوظها الفانية قال الحسن : إذا رأيت الرجل ينافسك في
الدنيا فنافسه في الآخرة و قال وهيب بن الورد : إن استطعت أن لا يسبقك إلى
الله أحد فافعل و قال بعض السلف : لو أن رجلا سمع بأحد أطوع لله منه كان
ينبغي له أن يحزنه ذلك و قال غيره : لو أن رجلا سمع برجل أطوع لله منه
فانصدع قلبه فمات لم يكن ذلك بعجب قال رجل لمالك بن دينار رأيت في المنام
مناديا ينادي أيها الناس الرحيل الرحيل فما رأيت أحدا يرتحل إلا محمد بن
واسع فصاح مالك و غشي عليه : { والسابقون السابقون * أولئك المقربون * في
جنات النعيم } قال عمر بن عبد العزيز في حجة حجها عند دفع الناس من عرفة
ليس السابق اليوم من سبق به بعيره إنما السابق من غفر له كان رأس السابقين
إلى الخيرات من هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال عمر : ما
استبقنا إلى شيء من الخير إلا سبقنا أبو بكر و كان سباقا بالخيرات ثم كان
السابق بعده إلى الخيرات عمر و في آخر حجة حجها عمر جاء رجل لا يعرف كانوا
يرونه من الجن فرثاه بأبيات منها :
( فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق )
صاحب الهمة العالية و النفس الشريفة التواقة لا يرضى بالأشياء الدنية
الفانية و إنما همته المسابقة إلى الدرجات الباقية الزاكية التي لا تفنى و
لا يرجع عن مطلوبه و لو تلفت نفسه في طلبه و من كان في الله تلفه كان على
الله خلفه
قيل لبعض المجتهدين في الطاعات : لم تعذب هذا الجسد ؟ قال : كرامته أريد
( و إذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام )
قال عمر بن عبد العزيز إن لي نفسا تواقة ما نالت شيئا إلا تاقت إلى ما هو
أفضل منه و إنها لما نالت هذه المنزلة يعني الخلافة و ليس في الدنيا منزلة
أعلى منها تاقت إلى ما هو أعلى من الدنيا يعني الآخرة
( على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... و تأتي على قدر الكرام المكارم )
قيمة كل إنسان ما يطلب فمن كان يطلب الدنيا فلا أدنى منه فإن الدنيا دنية
و أدنى منها من يطلبها و هي خسيسة و أخس منها من يخطبها قال بعضهم :
القلوب جوالة فقلب يجول حول العرش و قلب يجول حول الحش الدنيا كلها حش و
كل ما فيها من مطعم و مشرب يؤل إلى الحش و ما فيها من أجسام و لباس يصير
ترابا كما قيل : و كل الذي فوق التراب تراب و قال بعضهم في يوم عيد
لإخوانه : هل تنظرون إلا خرقا تبلى أو لحما يأكله الدود غدا و أما من كان
يطلب الآخرة فقدره خطير لأن الآخرة خطيرة شريفة و من يطلبها أشرف منها كما
قيل :
( أثامن بالنفس النفيسة ربها ... و ليس لها في الخلق كلها ثمن )
( بها تدرك الأخرى فإن أنا بعتها ... بشيء من الدنيا فذاك هو الغبن )
( لئن ذهبت نفسي بدنيا أصبتها ... لقد ذهبت نفسي و قد ذهب الثمن )
و أما من كان يطلب الله فهو أكبر الناس عنده كما أن مطلوبه أكبر من كل شيء
كما قيل :
( له همم لا منتهى لكبارها ... و همته الصغرى أجل من الدهر )
قال الشبلي : من ركن إلى الدنيا أحرقته بنارها فصار رمادا تذروه الرياح و
من ركن إلى الآخرة أحرقته بنورها فصار سبيكة ذهب ينتفع به و من ركن إلى
الله أحرقه بنور التوحيد فصار جوهرا لا قيمة له العالي الهمة يجتهد في نيل
مطلوبه و يبذل وسعه في الوصول إلى رضى محبوبه فأما خسيس الهمة فاجتهاده في
متابعة هواه و يتكل على مجرد العفو فيفوته إن حصل له العفو منازل السابقين
المقربين قال بعض السلف : هب أن المسيء عفي عنه أليس قد فاته ثواب
المحسنين
( فيا مذنب يرجو من الله عفوه ... أترضى بسبق المتقين إلى الله )
لما تنافس المتنافسون في نيل الدرجات غبط بعضهم بعضا بالأعمال الصالحات
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه الله
مالا فهو ينفقه في سبيل الله آناء الليل و آناء النهار و رجل آتاه الله
القرآن فهو يتلوه آناء الليل و آناء النهار ] و في رواية : [ لا تحاسد إلا
في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل و النهار يقول :
لو أتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل و رجل آتاه الله مالا فهو ينفقه
في حقه يقول : لو أتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل ] و هذا الحديث في
الصحيحين و في الترمذي و غيره عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إنما
مثل هذه الأمة كأربعة نفر : رجل آتاه الله مالا و علما فهو يعمل بعلمه في
ماله ينفقه في حقه و رجل آتاه الله علما و لم يؤته مالا و هو يقول : لو
كان لي مثل هذا لعملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : فهما في الأجر سواء و رجل آتاه الله مالا و لم يؤته الله علما و لا
مالا فهو يقول : لو كان لي مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : فهما في الوزر سواء ] و روى حميد بن زنجويه بإسناده
عن زيد بن أسلم قال : يؤتى يوم القيامة بفقير و غني اصطحبا في الله فيوجد
للغني فضل عمل فيما كان يصنع في ماله فيرفع على صاحبه فيقول الفقير : يا
رب لما رفعته و إنما اصطحبنا فيك و عملنا لك فيقول الله تعالى : له فضل
عمل بما صنع في ماله فيقول : يا رب لقد علمت لو أعطيتني مالا لصنعت مثل ما
صنع فيقول : صدق فارفعوه إلى منزلة صاحبه و يؤتى بمريض و صحيح اصطحبا في
الله فيرفع الصحيح بفضل عمله فيقول المريض : يا رب لم رفعته علي فيقول :
بما كان يعمل في صحته فيقول : يا رب لقد علمت لو أصححتني لعملت كما عمل
فيقول الله : صدق فارفعوه إلى درجة صاحبه و يؤتى بحر و مملوك اصطحبا في
الله فيقول مثل ذلك و يؤتى بحسن الخلق و سيء الخلق فيقول : يا رب لم رفعته
علي و إنما اصطحبنا فيك و عملنا فيقول : بحسن خلقه فلا يجد له جوابا
العاقل يغبط من أنفق ماله في سبيل الخيرات و نيل علو الدرجات و الجاهل
يغبط من أنفق ماله في الشهوات و توصل به إلى اللذات المحرمات قال الله
تعالى حاكيا عن قارون : { فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة
الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * و قال الذين أوتوا
العلم و يلكم ثواب الله خير لمن آمن و عمل صالحا } إلى قوله : { تلك الدار
الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة
للمتقين }
فلما رأى النبي صلى الله عليه و سلم تأسف أصحابه الفقراء
و حزنهم على ما فاتهم من إنفاق إخوانهم الأغنياء أموالهم في سبيل الله
تقربا إليه و ابتغاء لمرضاته طيب قلوبهم و دلهم على عمل يسير يدركون به من
سبقهم و لا يلحقهم معه أحد بعدهم و يكونون به خيرا ممن هم معه إلا من عمل
مثل عملهم : و هو الذكر عقب الصلوات المفروضات و قد اختلفت الروايات
بأنواعه و عدده و الأخذ بكل ما ورد من ذلك حسن و له فضل عظيم و في حديث
أبي هريرة هذا : أنهم يسبحون و يحمدون و يكبرون خلف كل صلاة ثلاثا و
ثلاثين و قد فسره أبو صالح راوية عنه بالجمع و هو أن يقول : سبحان الله و
الحمد لله و الله أكبر ثلاثا و ثلاثين مرة فيكون جملة ذلك تسعا و تسعين
و قد يستشكل على هذا حديث : [ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم :
عما يعدل الجهاد ؟ فقال : هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم فلا تفطر و
تقوم و لا تفتر ] و هو حديث ثابت صحيح أيضا فلم يجعل للجهاد عدلا سوى
الصيام الدائم و القيام الدائم و في هذا الحديث قد جعل الذكر عقب الصلوات
عدلا له ؟ و الجمع بين ذلك كله : أن النبي لم يجعل للجهاد في زمانه عملا
يعدله بحيث إذا انقضى الجهاد انقضى ذلك العمل و استوى العامل مع المجاهد
في الأجر و إنما جعل الذي يعدل الجهاد الذكر الكثير المستدام في بقية عمر
المؤمن من غير قطع له حتى يأتي صاحبه أجله فإذا استمر على هذا الذكر في
أوقاته إلى أن مات عليه عدل ذكره هذا الجهاد و قد دل على ذلك أيضا ما خرجه
الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه و سلم قال : ألا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و
أرفعها في درجاتكم و خير لكم من إنفاق الذهب و الورق و خير لكم من أن
تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم ؟ قالوا بلى يا رسول الله
قال : ذكر الله عز و جل ] و خرجه مالك في الموطأ موقوفا و خرج الإمام أحمد
و الترمذي أيضا من [ حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه و سلم سئل : أي العبادة أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : {
الذاكرين الله كثيرا } قلت يا رسول الله و من الغازي في سبيل الله ؟ قال :
لو ضرب بسيفه الكفار و المشركين حتى ينكسر و يختصب دما لكان الذاكرون الله
عز و جل أفضل منه درجة ] و قد روي هذا المعنى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه
و طائفة من الصحابة موقوفا و أن الذكر لله أفضل من الصدقة بعدة دراهم و
دنانير و من النفقة في سبيل الله و قيل لأبي الدرداء رضي الله عنه : رجل
أعتق مائة نسمة ؟ قال : إن مائة نسمة من مال رجل كثير و أفضل من ذلك إيمان
ملزوم بالليل و النهار و أن لا يزال لسان أحدكم رطبا من ذكر الله عز و جل
و عنه قال : لأن أقول لا إله إلا الله و الله أكبر مائة مرة أحب إلي من أن
أتصدق بمائة دينار و يروى مرفوعا و موقوفا من غير وجه من فاته الليل أن
يكابده و بخل بالمال أن ينفقه و جبن عن عدوه أن يقاتله فليكثر من سبحان
الله و بحمده فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب أو فضة ينفقه في سبيل الله عز
و جل و ذكر الله من أفضل أنواع الصدقة و خرج الطبراني [ عن ابن عباس رضي
الله عنهما مرفوعا : ما صدقة أفضل من ذكر الله عز و جل ] و قد قال طائفة
من السلف في قول الله عز و جل : { و أقرضوا الله قرضا حسنا } : إن القرض
الحسن قول : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و في
مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ما أنفق عبد نفقة أفضل
عند الله عز و جل من قول ليس من القرآن و هو من القرآن : سبحان الله و
الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ] و روى عبد الرزاق في كتابه [
عن معمر عن قتادة قال : قال ناس من فقراء المؤمنين : يا رسول الله ذهب
أصحاب الدثور بالأجور يتصدقون و لا نتصدق و ينفقون و لا ننفق قال أرأيتم
لو أن مال الدنيا وضع بعضه على بعض أكان بالغا السماء ؟ قالوا : لا يا
رسول الله قال : أفلا أخبركم بما أصله في الأرض و فرعه في السماء : أن
تقولوا في دبر كل صلاة : لا إله إلا الله و الله أكبر و سبحان الله و
الحمد لله عشر مرات فإن أصلهن في الأرض و فرعهن في السماء ] و قد كان بعض
الصحابة يظن أن لا صدقة إلا بالمال فأخبره النبي صلى الله عليه و سلم : [
أن الصدقة لا تختص بالمال و أن الذكر و سائر أعمال المعروف صدقة ] كما في
صحيح مسلم [ عن أبي ذر رضي الله عنه : أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله
عليه و سلم قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الثور بالأجور يصلون كما نصلي و
يصومون كما نصوم و يتصدقون بفضول أموالهم ؟ ! فقال النبي صلى الله عليه و
سلم : أوليس قد جعل الله لكم صلاة العشاء في جماعة تعدل حجة و صلاة الغد
في جماعة تعدل عمرة ] و قال أبو هريرة لرجل : بكورك إلى المسجد أحب إلي من
غزوتنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكره الإمام أحمد أداء الواجبات
كلها أفضل من التنفل بالنفل بالحج و العمرة و غيرهما فإنه ما تقرب العباد
إلى الله تعالى بأحب إليه من أداء ما افترض عليهم و كثير من الناس يهون
عليه التنقل بالحج و الصدقة و لا يهون عليه أداء الواجبات من الديون و رد
المظالم و كذلك يثقل على كثير من النفوس التنزه عن كسب الحرام و الشبهات و
يسهل عليها إنفاق ذلك في الحج و الصدقة قال بعض السلف : ترك دانق مما
يكرهه الله أحب إلي من خمسمائة حجة كف الجوارح عن المحرمات أفضل من التطوع
بالحج و غيره و هو أشف على النفوس قال الفضيل بن عياض : ما حج و لا رباط و
لا جهاد أشد من حبس اللسان و لو أصبحت يهمك لسانك أصبحت في هم شديد ليس
الإعتبار بأعمال البر بالجوارح و إنما الإعتبار بلين القلوب و تقواها و
تطهيرها عن الآثام سفر الدنيا ينقطع بسير الأبدان و سفر الآخرة ينقطع بسير
القلوب قال رجل لبعض العارفين : قد قطعت إليك مسافة قال : ليس هذا الأمر
بقطع المسافات فارق نفسك بخطوة و قد وصلت إلى مقصودك سير القلوب أبلغ من
سير الأبدان كم من واصل ببدنه إلى البيت و قلبه منقطع عن رب البيت و كم من
قاعد على فراشه في بيته و قلبه متصل بالمحل الأعلى
( جسمي معي غير أن الروح عندكم ... فالجسم في غربة و الروح في وطن )
قال بعض العارفين : عجبا لمن يقطع المفاوز و القفار ليصل إلى البيت فيشاهد
فيه آثار الأنبياء كيف لا يقطع هواه ليصل إلى قلبه فيرى فيه أثر : [ و
يسعني قلب عبدي المؤمن ] أيها المؤمن : إن لله بين جنبيك بيتا لو طهرته
لأشرق ذلك البيت بنور ربه و انشرح و انفسح أنشد الشبلي :
( إن بيتا أنت ساكنه ... غير محتاج إلى السرج )
( و مريضا أنت عائده ... قد أتاه الله بالفرج )
( وجهك المأمول حجتنا ... يوم يأتي الناس بالحجج )
تطهيره تفريغه من كل ما يكرهه الله تعالى من أصنام النفس و الهوى و متى
بقيت فيه من ذلك بقية فالله أغنى الأغنياء عن الشرك و هو لا يرضى بمزاحمة
الأصنام قال سهل بن عبد الله : حرام على قلب أن يدخله النور و فيه شيء مما
يكرهه الله
( أردناكم صرفا فلما مزجتم ... بعدتم بمقدار التفاتكم عنا )
( و قلنا لكم لا تسكنوا القلب غيرنا ... فأسكنتم الأغيار ما أنتم منا )
إخواني إن حبستم العام عن الحج فارجعوا إلى جهاد النفوس فهو الجهاد الأكبر
أو أحصرتم عن أداء النسك فأريقوا على تخلفكم من الدموع ما تيسر فإن إراقة
الدماء لازمة للمحصر و لا تحلقوا رؤوس أديانكم بالذنوب فإن الذنوب حالقة
الدين ليست حالقة الشعر و قوموا لله باستشعار الرجاء و الخوف مقام القيام
بأرجاء الخيف و المشعر و من كان قد بعد عن حرم الله فلا يبعد نفسه بالذنوب
عن رحمة الله فإن رحمة الله قريب ممن تاب إليه و استغفر و من عجز عن حج
البيت أو البيت منه بعد فليقصد رب البيت فإنه ممن دعاه و رجاه أقرب من حبل
الوريد
( إليك قصدي رب البيت و الحجر ... فأنت سؤالي من حجي و من عمري )
( و فيك سعيي و تطوافي و مزدلفي ... و الهدي جسمي الذي يغني عن الجزي )
( و مسجد الخيف خوفي من تباعدكم ... و مشعري و مقامي دونكم خطري )
( زادي رجائي لكم و الشوق راحلتي ... و الماء من عبراتي و الهوى سفري )
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وظيفة شهر ذي القعدة
خرج الإمام أحمد بإسناده [ عن رجل من باهلة قال : أتيت رسول الله صلى الله
عليه و سلم لحاجة مرة فقال : من أنت ؟ قلت : أما تعرفني ؟ قال : و من أنت
؟ قلت : أنا الباهلي الذي أتيتك عام أول فقال : إنك أتيتني و جسمك و لونك
و هيئتك حسنة فما بلغ بك و ما أرى ؟ قلت : و الله ما أفطرت بعدك إلا ليلا
قال : من أمرك أن تعذب نفسك من أمرك أن تعذب نفسك ؟ ـ ثلاث مرات ـ صم شهر
الصبر قلت : إني أجد قوة و إني أحب أن تزيدني قال : صم يوما من الشهر قلت
: إني أجد قوة و إني أحب أن تزيدني قال : فيومين من الشهر قلت : إني أجد
قوة و إني أحب أن تزيدني قال : ثلاثة أيام من الشهر قال : ألح عند الرابعة
فما كاد فقلت : إني أجد قوة و إني أحب أن تزيدني قال : فمن الحرم و أفطر ]
و خرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجه بمعناه و في ألفاظهم زيادة و نقص و
في بعض الروايات : [ صم الحرم و أفطر ] في هذا الحديث دليل على أن من تكلف
من العبادة ما يشق عليه حتى تأذى بذلك جسده فإنه غير مأمور بذلك و لذلك
قال النبي صلى الله عليه و سلم له : [ من أمرك أن تعذب نفسك ] و أعادها
عليه ثلاث مرار و هذا كما قاله لمن رآه يمشي في الحج و قد أجهد نفسه : [
إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه فمروه فليركب ] و قال لعبد الله بن عمرو
بن العاص حيث كان يصوم النهار و يقوم الليل و يختم القرآن في كل ليلة و لا
ينام مع أهله فأمره : [ أن يصوم و يفطر و يقرأ القرآن في كل سبع ] و قال
له [ إن لنفسك عليك حقا و إن لأهلك عليك حقا فآت كل ذي حق حقه ] و لما
بلغه عن بعض الصحابة أنه قال : أنا أصوم و لا أفطر و قال آخر منهم : أنا
أقوم و لا أنام و قال آخر منهم : لا أتزوج النساء فخطب و قال : [ ما بال
رجال يقولون : كذا و كذا : لكني أصوم و أفطر و أقوم و أنام و آكل اللحم و
أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ] و سبب هذا : أن الله تعالى خلق
ابن آدم محتاجا إلى ما يقوم به بدنه من مأكل و مشرب و منكح و ملبس و أباح
له من ذلك كله ما هو طيب حلال تقوى به النفس و يصح به الجسد و يتعاونان
على طاعة الله عز و جل و حرم من ذلك ما هو ضار خبيث يوجب للنفس طغيانها و
عماها و قسوتها و غفلتها و أشرها و بطرها فمن أطاع نفسه في تناول ما
تشتهيه مما حرمه الله عليه فقد تعدى و طغى و ظلم نفسه و من منعها حقها من
المباح حتى تضررت بذلك فقد ظلمها و منعها حقها فإن كان ذلك سببا لضعفها و
عجزها عن أداء شيء من فرائض الله عليه و حقوق الله عز و جل أو حقوق عباده
كان بذلك عاصيا و أن كان ذلك سببا للعجز عن نوافل هي أفضل مما فعله كان
بذلك مفرطا مغبونا خاسرا و قد كان رجل في زمن التابعين يصوم و يواصل حتى
يعجز عن القيام فكان يصلي الفرض جالسا فأنكروا ذلك عليه حتى قال عمرو بن
ميمون : لو أدرك هذا أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم لرجموه و كان ابن
مسعود يقل الصيام و يقول : إنه يضعفني عن قراءة القرآن و قراءة القرآن أحب
إلي و أحرم رجل من الكوفة فقدم مكة و قد أصابه الجهد فرآه عمر بن الخطاب و
هو سيء الهيئة فأخذ عمر بيده و جعل يدور به الحلق و يقول للناس : انظروا
إلى ما يصنع هذا بنفسه و قد وسع الله عليه فمن تكلف من التطوع ما يتضرر به
في جسمه كما فعل هذا الباهلي أو يمنع به حقا واجبا عليه كما فعل عبد الله
بن عمرو بن العاص و غيره ممن عزم على ترك المباحات في عهد النبي صلى الله
عليه و سلم فإنه ينهى عن ذلك و من احتمل بدنه ذلك و لم يمنعه من حق واجب
عليه لم ينه عن ذلك إلا أن يمنعه عما هو أفضل من ذلك من النوافل فإنه يرشد
إلى عمل الأفضل و أحوال الناس تختلف فيما تحمل أبدانهم من العمل كان سفيان
الثوري يصوم ثلاثة أيام من الشهر فيرى أثر ذلك عليه و كان غيره في زمنه
يصوم الدهر فلا يظهر عليه أثره و كان كثير من المتقدمين يحملون على أنفسهم
من الأعمال ما يضر بأجسادهم و يحتسبون أجر ذلك عند الله و هؤلاء قوم أهل
صدق وجد و اجتهاد فيحثون على ذلك و لكن لا يقتدى بهم و إنما يقتدى بسنة
رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن خير الهدي هديه و من أطاعه فقد اهتدى و
من اقتدى به و سلك وراءه وصل إلى الله عز و جل و قد كان النبي صلى الله
عليه و سلم ينهى عن التعسير و يأمر بالتيسير و دينه الذي بعث به يسر و كان
يقول : [ خير دينكم أيسره ] و رأى رجلا يكثر الصلاة فقال : [ إنكم أمة
أريد بكم اليسر ] و لم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه و سلم و خواص
أصحابه بكثرة الصوم و الصلاة بل ببر القلوب و طهارتها و سلامتها و قوة
تعلقها بالله خشية له و محبة و إجلالا و تعظيما و رغبة فيما عنده و زهدا
فيما يفنى و في المسند [ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : إني أعلمكم بالله و أتقاكم له قلبا ] قال ابن مسعود رضي الله
عنه لأصحابه : أنتم أكثر صلاة و صياما من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم
و هم كانوا خيرا منكم قالوا : و لم ؟ قال : كانوا أزهد منكم في الدنيا و
أرغب في الآخرة و قال بكر المزني : ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام و لا صلاة
و لكن بشيء وقر في صدره قال بعض العلماء المتقدمين : الذي وقر في صدره هو
حب الله و النصيحة لخلقه و سئلت فاطمة بنت عبد الملك زوجة عمر بن عبد
العزيز بعد وفاته عن عمله ؟ فقالت : و الله ما كان بأكثر الناس صلاة و لا
بأكثرهم صياما و لكن و الله ما رأيت أحدا أخوف لله من عمر لقد كان يذكر
الله في فراشه فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف حتى نقول : ليصبحن
الناس و لا خليفة لهم قال بعض السلف : ما بلغ من بلغ عندنا بكثرة صلاة و
لا صيام و لكن بسخاوة النفوس و سلامة الصدور و النصح للأمة و زاد بعضهم و
احتقار أنفسهم و ذكر لبعضهم شدة اجتهاد بني إسرائيل في العبادة فقال :
إنما يريد الله منكم صدق النية فيما عنده فمن كان بالله أعرف فله أخوف و
فيما عنده أرغب فهو أفضل ممن دون في ذلك و إن كثر صومه و صلاته وقال أبو
الدرداء رضي الله عنه : يا حبذا نوم الأكياس و فطرهم كيف يسبق سهر
الجاهلين و صيامهم و لهذا المعنى كان فضل العلم النافع الدال على معرفة
الله و خشيته و محبته و محبة ما يحبه و كراهة ما يكرهه لا سيما عند غلبة
الجهل و التعبد به أفضل من التطوع بأعمال الجوارح قال ابن مسعود رضي الله
عنه : أنتم في زمان العمل فيه أفضل من العلم و سيأتي زمان العلم فيه أفضل
من العمل و قال مطرف : فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة و خير دينكم
الورع و خرجه الحاكم و غيره مرفوعا و نص كثير من الأئمة على : أن طلب
العلم أفضل من صلاة النافلة و كذلك الإشتغال بتطهير القلوب أفضل من
الإستكثار من الصوم و الصلاة مع غش القلوب و دغلها و مثل من يستكثر من
الصوم و الصلاة مع دغل القلب و غشه كمثل من بذر بذرا في أرض دغلة كثيرة
الشوك فلا يزكو ما ينبت فيها من الزرع بل يمحقه دغل الأرض و يفسده فإذا
نظفت الأرض من دغلها زكى ما ينبت فيها و نما قال يحيى بن معاذ : كم من
مستغفر ممقوت و ساكت مرحوم هذا استغفر و قلبه فاجر و هذا سكت و قلبه ذاكر
و قال غيره : ليس الشأن فيمن يقوم الليل إنما الشأن فيمن ينام على فراشه
ثم يصبح و قد سبق الركب من سار على طريق الرسول صلى الله عليه و سلم و
منهاجه و إن اقتصد فإنه يسبق من سار على غير طريقه و إن اجتهد
( من لي بمثل سيرك المذلل ... تمشي رويدا و تجيء في الأول )
و المقصود أن هذا الباهلي لما رآه النبي صلى الله عليه و سلم و قد أنهكه
الصوم و غير هيئته و أضر به في جسده أمره : أولا : أن يقتصر على صيام شهر
الصبر و هو شهر رمضان فإنه الشهر الذي افترض الله صيامه على المسلمين و
اكتفى منهم بصيامه من السنة كلها و صيامه كفارة لما بين الرمضانين إذا
اجتنبت الكبائر فطلب منه الباهلي أن يزيده من الصيام و يأمره بالتطوع و
أخبره أنه يجد قوة على الصيام فقال له : [ صم يوما من الشهر فاستزاده و
قال : إني أجد قوة فقال : صم يومين من الشهر فاستزاده و قال : إني أجد قوة
فقال صم ثلاثة أيام من الشهر قال : و ألح عند الثالثة فما كاد يعني ما كاد
يزيده على الثلاثة أيام من الشهر ] و هكذا قال لعبد الله بن عمرو بن العاص
أيضا ففي صحيح مسلم عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : [ صم يوما
من الشهر و لك أجر ما بقي قال : إني أطيق أكثر من ذلك قال : صم يومين و لك
أجر ما بقي قال : إني أطيق أكثر من ذلك قال : صم ثلاثة أيام و لك أجر ما
بقي ] ففي هذا : أن صيام ثلاثة أيام من الشهر يحصل به أجر صيام الشهر كله
و كذلك صيام يومين منه و وجه ذلك أن الصيام يضاعف ما لا يضاعف غيره من
الأعمال و قد سبق ذكر ذلك عند الكلام على حديث : [ كل عمل ابن آدم له
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز و جل : إلا الصيام فإنه
لي و أنا أجزي به ] فالصيام لا يعلم منتهى مضاعفته إلا الله عز و جل و
كلما قوي الإخلاص فيه و إخفاؤه و تنزيهه من المحرمات و المكروهات كثرت
مضاعفته فلا يستنكر أن يصوم الرجل يوما من الشهر فيضاعف له بثواب ثلاثين
يوما فيكتب له صيام الشهر كله و كذلك إذا صام يومين من الشهر و أما إذا
صام منه ثلاثة أيام فهو ظاهر لأن الحسنة بعشر أمثالها و خرج الترمذي و
النسائي [ عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : من صام كل شهر ثلاثة أيام كان كمن صام الدهر ] فأنزل الله عز و جل
تصديق ذلك : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } اليوم بعشرة أيام و في
الصحيحين [ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها و ذلك
مثل صيام الدهر ] و في رواية فيهما أيضا : [ إن بحسبك أن تصوم من كل شهر
ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله ] و في
المسند [ عن قرة المزني عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : صيام ثلاثة
أيام من كل شهر صيام الدهر و إفطاره ] يعني صيامه في مضاعفة الله و إفطاره
في رخصة الله كما كان أبو هريرة رضي الله عنه و أبو ذر يقولان ذلك و كانا
يصومان ثلاثة أيام من كل شهر و يقولان في سائر أيام الشهر نحن صيام و
يتأولان لأنهما صيام في مضاعفة الله و هما مفطران في رخصة الله و قد وصى
النبي صلى الله عليه و سلم جماعة من أصحابه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر
منهم : أبو هريرة رضي الله عنه و أبو الدرداء و أبو ذر و غيرهم و في
المسند [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في صيام ثلاثة أيام من كل شهر
: هو صوم حسن ] و فيه أيضا [ عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول : صوم شهر الصبر و ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر و يذهب
مغلة الصدر قلت : و ما مغلة الصدر ؟ قال : رجس الشيطان ] و فيه أيضا عن
رجل عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ صيام شهر الصبر و ثلاثة من كل
شهر يذهبن كثيرا من وحر الصدر ] و في غير هذه الرواية : [ و غر الصدر ] و
هما بمعنى واحد يقال : وحر صدره و وغر : إذا كان فيه غل و غش و قيل :
الوحر الغل و الوغر الغيظ و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يتحرى صيام
ثلاثة أيام من كل شهر و كذلك كان إبراهيم عليه السلام كما خرجه ابن ماجه [
من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعا : صيام إبراهيم
ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر و أفطر الدهر ] و في السنن [ عن حفصة رضي
الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم العشر و عاشوراء و
ثلاثة أيام من كل شهر ] و في إسناده اختلاف و في صحيح مسلم [ عن عائشة رضي
الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر
] قيل لها من أيه كان يصوم ؟ قالت : كان لا يبالي من أيه صام ففي هذا
الحديث أنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يبالي من أي الشهر صام الأيام
الثلاثة
و قد روي في صفة صيام النبي صلى الله عليه و سلم للأيام
الثلاثة من الشهر أنواع أخر : أحدها : ما خرجه الترمذي [ من حديث عائشة
رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم من الشهر
السبت و الأحد و الإثنين و من الشهر الآخر الثلاثاء و الأربعاء و الخميس ]
و قال حديث حسن و ذكر أن بعضهم رواه موقوفا يعني من قول عائشة رضي الله
عنها غير مرفوع الثاني : ما خرجه أبو داود و غيره [ من حديث حفصة : أن
النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر الإثنين و
الخميس و الإثنين من الجمعة الأخرى ] فعلى هذه الرواية كان النبي صلى الله
عليه و سلم يجعلها من أول الشهر و لا يوالي بينها بل كان يتحرى بها يوم
الإثنين مرتين و الخميس مرة الثالث : عكس الثاني خرجه النسائي [ من حديث
حفصة أيضا : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام
أول اثنين من الشهر ثم الخميس ثم الخميس الذي يليه ] و في رواية له أيضا :
[ أول اثنين من الشهر و خميسين ] و خرج أبو داود من حديث أم سلمة عن النبي
صلى الله عليه و سلم معنى ذلك و في رواية في المسند : [ الإثنين و الجمعة
و الخميس ] و كأنها غير محفوظة فإن كانت محفوظة فهي نوع رابع و النوع
الخامس : ما خرجه أبو داود و النسائي و الترمذي [ من حديث ابن مسعود رضي
الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم من غرة كل شهر ثلاثة
أيام ] و حسنه الترمذي و ذكر أن بعضهم لم يرفعه يعني وقفه على ابن مسعود و
ظاهر هذا أنه كان يوالي بين الأيام الثلاثة من أول كل شهر و النوع السادس
: أنه كان يصوم أيام البيض فخرج النسائي [ عن ابن عباس رضي الله عنهما :
أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يدع صيام أيام البيض في حضر و لا سفر
]
و خرج الترمذي و النسائي [ عن أبي ذر رضي الله عنه : أن النبي صلى
الله عليه و سلم أمره بصيام أيام البيض : ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس
عشرة ] و في السنن الأربعة خلا الترمذي عن قتادة بن ملحان عن النبي صلى
الله عليه و سلم نحوه و خرج النسائي من حديث جابر البجلي عن النبي صلى
الله عليه و سلم نحوه أيضا و قد روي عن الحسن : أنه كان يصوم خمسة أيام من
أول الشهر و يقول : ما يدريني لعلي لا أدرك البيض و في كتاب مناقب الحسن
لأبي حيان التوحيدي : أن رجلا سأل الحسن لأي شيء استحب صيام الأيام البيض
؟ فلم يدر ما يقول فقال أعرابي عنده : لأن القمر ينكسف في لياليهن فيكون
الناس عند حدوث الآيات على عبادة فقال الحسن : خذوها من غير فقيه
و
في حديث الباهلي أنه قال للنبي صلى الله عليه و سلم بعد ذلك : إني أجد قوة
وإني أحب أن تزيدني فقال له : [ فمن الحرم و أفطر ] و في رواية : [ صم
الحرم و أفطر ] و في رواية قال : [ صم الأشهر الحرم ] فهذا دليل على فضل
صيام الأشهر الحرم الأربعة التي ذكرها الله تعالى في كتابه بقوله : { منها
أربعة حرم } و قد فسرها النبي صلى الله عليه و سلم في حديث أبي بكرة ـ [
بأنها ثلاثة متواليات : ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و شهر رجب ] و قد
ذكرناه في وظيفة شهر رجب و ذكرنا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن العمل
الصالح و الأجر في هذه الحرم أعظم و ذكرنا في وظائف المحرم قول النبي صلى
الله عليه و سلم : [ أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم ]
و سيأتي في وظائف ذي الحجة ذكر فضل صيام عشر ذي الحجة إن شاء الله و قد
كان كثير من السلف يصوم الأشهر الحرم كلها روي ذلك عن ابن عمر و الحسن
البصري و أبي إسحاق السبيعي و قال سفيان الثوري : الأشهر الحرم أحب إلي أن
يصام منها و روى خلاد الصفار عن أبي مسلم قال : صيام يوم من أشهر الحج أو
قال أشهر الحرم يعدل شهرا و صيام يوم من غير الأشهر الحرم يعدل عشرا و روي
عن النخعي نحوه لكنه قال : من المحرم فيحتمل أنه أراد جنس الأشهر المحرمة
و روي معناه مرفوعا من حديث أنس و إسناده ضعيف جدا و يروى بإسناد مجهول عن
أنس مرفوعا : [ من صام من شهر حرام الخميس و السبت كتب الله له عبادة
تسعمائة سنة ] و قال كعب : اختار الله الزمان فأحبه إليه الأشهر الحرم و
يروى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا و لا يصح و عن قيس بن عبادة
أنه قال : ليس في الأشهر الحرم شهر إلا في اليوم العاشر منه خير قال : ففي
الحجة في العاشر النحر يوم الحج الأكبر و في المحرم العاشر عاشوراء و في
العاشر من رجب { يمحو الله ما يشاء و يثبت } قال الراوي : و نسيت ما قال
في ذي القعدة و قد تقدم في ذكر وظيفة رجب أنه روي عن عبد الله بن عمرو بن
العاص أنه ذكر من عجائب الدنيا بأرض عاد عمود من نحاس عليه شجرة من نحاس
فإذا كان في الأشهر الحرم قطر منها الماء فملؤوا منه حياضهم و سقوا
مواشيهم و زروعهم فإذا ذهبت الأشهر الحرم انقطع الماء
و ذو القعدة
من الشهر الحرم بغير خلاف و هو أول الأشهر الحرم المتوالية و هل هو أول
الحرم مطلقا أم لا ؟ فيه خلاف ذكرناه في وظيفة رجب و هو أيضا من أشهر الحج
التي قال الله تعالى فيها : { الحج أشهر معلومات } و قيل : إن تحريم ذي
القعدة كان في الجاهلية لأجل السير إلى الحج و سمي ذا القعدة لقعودهم فيه
عن القتال و تحريم المحرم لرجوع الناس فيه من الحج إلى بلادهم و تحريم ذي
الحجة لوقوع حجهم فيه و تحريم رجب كان للإعتمار فيه من البلاد القريبة و
من خصائص ذي القعدة أن عمر النبي صلى الله عليه و سلم كلها كانت في ذي
القعدة سوى عمرته التي قرنها بحجته مع أنه صلى الله عليه و سلم أحرم بها
أيضا في ذي القعدة و فعلها في ذي الحجة مع حجته و كانت عمره صلى الله عليه
و سلم أربعا : عمرة الحديبية و لم يتمها بل تحلل منها و رجع و عمرة القضاء
من قابل و عمرة الجعرانة عام الفتح لما قسم غنائم حنين و قيل : إنها كانت
في آخر شوال و المشهور أنها كانت في ذي القعدة و عليه الجمهور و عمرته في
حجة الوداع كما دلت عليه النصوص الصحيحة و عليه جمهور العلماء أيضا و قد
روي عن طائفة من السلف منهم ابن عمر و عائشة و عطاء تفضيل عمرة ذي القعدة
و شوال على رمضان لأن النبي صلى الله عليه و سلم اعتمر في ذي القعدة و في
أشهر الحج حيث يجب عليه الهدي إذا حج من عامه لأن الهدي زيادة نسك فيجتمع
نسك العمرة مع نسك الهدي و لذي القعدة فضيلة أخرى و هي أنه قد قيل : إنه
الثلاثون يوما الذي واعد الله فيه موسى عليه السلام قال ليث عن مجاهد في
قوله تعالى : { و واعدنا موسى ثلاثين ليلة } قال ذو القعدة { و أتممناها
بعشر } قال عشر ذي الحجة يا من لا يقلع عن ارتكاب الحرام لا في شهر حلال و
لا في شهر حرام يا من هو في الطاعات إلى وراء و في المعاصي إلى قدام يا من
هو في كل يوم من عمره شرا مما كان في قبله من الأيام متى تستفيق من هذا
المنام متى تتوب من هذا الإجرام يا من أنذره الشيب بالموت و هو مقيم على
الآثام أما كفاك واعظ الشيب مع واعظ القرآن و الإسلام الموت خير لك من
الحياة على هذه الحال و السلام
( يا غاديا في غفلة و رائحا ... إلى متى تستحسن القبائحا )
( و كم إلى كم لا تخاف موقفا ... يستنطق الله به الجوارحا )
( واعجبا منك و أنت مبصر ... كيف تجنبت الطريق الواضحا )
( و كيف ترضى أن تكون خاسرا ... يوم يفوز من يكون رابحا )
خرج الإمام أحمد بإسناده [ عن رجل من باهلة قال : أتيت رسول الله صلى الله
عليه و سلم لحاجة مرة فقال : من أنت ؟ قلت : أما تعرفني ؟ قال : و من أنت
؟ قلت : أنا الباهلي الذي أتيتك عام أول فقال : إنك أتيتني و جسمك و لونك
و هيئتك حسنة فما بلغ بك و ما أرى ؟ قلت : و الله ما أفطرت بعدك إلا ليلا
قال : من أمرك أن تعذب نفسك من أمرك أن تعذب نفسك ؟ ـ ثلاث مرات ـ صم شهر
الصبر قلت : إني أجد قوة و إني أحب أن تزيدني قال : صم يوما من الشهر قلت
: إني أجد قوة و إني أحب أن تزيدني قال : فيومين من الشهر قلت : إني أجد
قوة و إني أحب أن تزيدني قال : ثلاثة أيام من الشهر قال : ألح عند الرابعة
فما كاد فقلت : إني أجد قوة و إني أحب أن تزيدني قال : فمن الحرم و أفطر ]
و خرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجه بمعناه و في ألفاظهم زيادة و نقص و
في بعض الروايات : [ صم الحرم و أفطر ] في هذا الحديث دليل على أن من تكلف
من العبادة ما يشق عليه حتى تأذى بذلك جسده فإنه غير مأمور بذلك و لذلك
قال النبي صلى الله عليه و سلم له : [ من أمرك أن تعذب نفسك ] و أعادها
عليه ثلاث مرار و هذا كما قاله لمن رآه يمشي في الحج و قد أجهد نفسه : [
إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه فمروه فليركب ] و قال لعبد الله بن عمرو
بن العاص حيث كان يصوم النهار و يقوم الليل و يختم القرآن في كل ليلة و لا
ينام مع أهله فأمره : [ أن يصوم و يفطر و يقرأ القرآن في كل سبع ] و قال
له [ إن لنفسك عليك حقا و إن لأهلك عليك حقا فآت كل ذي حق حقه ] و لما
بلغه عن بعض الصحابة أنه قال : أنا أصوم و لا أفطر و قال آخر منهم : أنا
أقوم و لا أنام و قال آخر منهم : لا أتزوج النساء فخطب و قال : [ ما بال
رجال يقولون : كذا و كذا : لكني أصوم و أفطر و أقوم و أنام و آكل اللحم و
أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ] و سبب هذا : أن الله تعالى خلق
ابن آدم محتاجا إلى ما يقوم به بدنه من مأكل و مشرب و منكح و ملبس و أباح
له من ذلك كله ما هو طيب حلال تقوى به النفس و يصح به الجسد و يتعاونان
على طاعة الله عز و جل و حرم من ذلك ما هو ضار خبيث يوجب للنفس طغيانها و
عماها و قسوتها و غفلتها و أشرها و بطرها فمن أطاع نفسه في تناول ما
تشتهيه مما حرمه الله عليه فقد تعدى و طغى و ظلم نفسه و من منعها حقها من
المباح حتى تضررت بذلك فقد ظلمها و منعها حقها فإن كان ذلك سببا لضعفها و
عجزها عن أداء شيء من فرائض الله عليه و حقوق الله عز و جل أو حقوق عباده
كان بذلك عاصيا و أن كان ذلك سببا للعجز عن نوافل هي أفضل مما فعله كان
بذلك مفرطا مغبونا خاسرا و قد كان رجل في زمن التابعين يصوم و يواصل حتى
يعجز عن القيام فكان يصلي الفرض جالسا فأنكروا ذلك عليه حتى قال عمرو بن
ميمون : لو أدرك هذا أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم لرجموه و كان ابن
مسعود يقل الصيام و يقول : إنه يضعفني عن قراءة القرآن و قراءة القرآن أحب
إلي و أحرم رجل من الكوفة فقدم مكة و قد أصابه الجهد فرآه عمر بن الخطاب و
هو سيء الهيئة فأخذ عمر بيده و جعل يدور به الحلق و يقول للناس : انظروا
إلى ما يصنع هذا بنفسه و قد وسع الله عليه فمن تكلف من التطوع ما يتضرر به
في جسمه كما فعل هذا الباهلي أو يمنع به حقا واجبا عليه كما فعل عبد الله
بن عمرو بن العاص و غيره ممن عزم على ترك المباحات في عهد النبي صلى الله
عليه و سلم فإنه ينهى عن ذلك و من احتمل بدنه ذلك و لم يمنعه من حق واجب
عليه لم ينه عن ذلك إلا أن يمنعه عما هو أفضل من ذلك من النوافل فإنه يرشد
إلى عمل الأفضل و أحوال الناس تختلف فيما تحمل أبدانهم من العمل كان سفيان
الثوري يصوم ثلاثة أيام من الشهر فيرى أثر ذلك عليه و كان غيره في زمنه
يصوم الدهر فلا يظهر عليه أثره و كان كثير من المتقدمين يحملون على أنفسهم
من الأعمال ما يضر بأجسادهم و يحتسبون أجر ذلك عند الله و هؤلاء قوم أهل
صدق وجد و اجتهاد فيحثون على ذلك و لكن لا يقتدى بهم و إنما يقتدى بسنة
رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن خير الهدي هديه و من أطاعه فقد اهتدى و
من اقتدى به و سلك وراءه وصل إلى الله عز و جل و قد كان النبي صلى الله
عليه و سلم ينهى عن التعسير و يأمر بالتيسير و دينه الذي بعث به يسر و كان
يقول : [ خير دينكم أيسره ] و رأى رجلا يكثر الصلاة فقال : [ إنكم أمة
أريد بكم اليسر ] و لم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه و سلم و خواص
أصحابه بكثرة الصوم و الصلاة بل ببر القلوب و طهارتها و سلامتها و قوة
تعلقها بالله خشية له و محبة و إجلالا و تعظيما و رغبة فيما عنده و زهدا
فيما يفنى و في المسند [ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : إني أعلمكم بالله و أتقاكم له قلبا ] قال ابن مسعود رضي الله
عنه لأصحابه : أنتم أكثر صلاة و صياما من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم
و هم كانوا خيرا منكم قالوا : و لم ؟ قال : كانوا أزهد منكم في الدنيا و
أرغب في الآخرة و قال بكر المزني : ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام و لا صلاة
و لكن بشيء وقر في صدره قال بعض العلماء المتقدمين : الذي وقر في صدره هو
حب الله و النصيحة لخلقه و سئلت فاطمة بنت عبد الملك زوجة عمر بن عبد
العزيز بعد وفاته عن عمله ؟ فقالت : و الله ما كان بأكثر الناس صلاة و لا
بأكثرهم صياما و لكن و الله ما رأيت أحدا أخوف لله من عمر لقد كان يذكر
الله في فراشه فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف حتى نقول : ليصبحن
الناس و لا خليفة لهم قال بعض السلف : ما بلغ من بلغ عندنا بكثرة صلاة و
لا صيام و لكن بسخاوة النفوس و سلامة الصدور و النصح للأمة و زاد بعضهم و
احتقار أنفسهم و ذكر لبعضهم شدة اجتهاد بني إسرائيل في العبادة فقال :
إنما يريد الله منكم صدق النية فيما عنده فمن كان بالله أعرف فله أخوف و
فيما عنده أرغب فهو أفضل ممن دون في ذلك و إن كثر صومه و صلاته وقال أبو
الدرداء رضي الله عنه : يا حبذا نوم الأكياس و فطرهم كيف يسبق سهر
الجاهلين و صيامهم و لهذا المعنى كان فضل العلم النافع الدال على معرفة
الله و خشيته و محبته و محبة ما يحبه و كراهة ما يكرهه لا سيما عند غلبة
الجهل و التعبد به أفضل من التطوع بأعمال الجوارح قال ابن مسعود رضي الله
عنه : أنتم في زمان العمل فيه أفضل من العلم و سيأتي زمان العلم فيه أفضل
من العمل و قال مطرف : فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة و خير دينكم
الورع و خرجه الحاكم و غيره مرفوعا و نص كثير من الأئمة على : أن طلب
العلم أفضل من صلاة النافلة و كذلك الإشتغال بتطهير القلوب أفضل من
الإستكثار من الصوم و الصلاة مع غش القلوب و دغلها و مثل من يستكثر من
الصوم و الصلاة مع دغل القلب و غشه كمثل من بذر بذرا في أرض دغلة كثيرة
الشوك فلا يزكو ما ينبت فيها من الزرع بل يمحقه دغل الأرض و يفسده فإذا
نظفت الأرض من دغلها زكى ما ينبت فيها و نما قال يحيى بن معاذ : كم من
مستغفر ممقوت و ساكت مرحوم هذا استغفر و قلبه فاجر و هذا سكت و قلبه ذاكر
و قال غيره : ليس الشأن فيمن يقوم الليل إنما الشأن فيمن ينام على فراشه
ثم يصبح و قد سبق الركب من سار على طريق الرسول صلى الله عليه و سلم و
منهاجه و إن اقتصد فإنه يسبق من سار على غير طريقه و إن اجتهد
( من لي بمثل سيرك المذلل ... تمشي رويدا و تجيء في الأول )
و المقصود أن هذا الباهلي لما رآه النبي صلى الله عليه و سلم و قد أنهكه
الصوم و غير هيئته و أضر به في جسده أمره : أولا : أن يقتصر على صيام شهر
الصبر و هو شهر رمضان فإنه الشهر الذي افترض الله صيامه على المسلمين و
اكتفى منهم بصيامه من السنة كلها و صيامه كفارة لما بين الرمضانين إذا
اجتنبت الكبائر فطلب منه الباهلي أن يزيده من الصيام و يأمره بالتطوع و
أخبره أنه يجد قوة على الصيام فقال له : [ صم يوما من الشهر فاستزاده و
قال : إني أجد قوة فقال : صم يومين من الشهر فاستزاده و قال : إني أجد قوة
فقال صم ثلاثة أيام من الشهر قال : و ألح عند الثالثة فما كاد يعني ما كاد
يزيده على الثلاثة أيام من الشهر ] و هكذا قال لعبد الله بن عمرو بن العاص
أيضا ففي صحيح مسلم عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : [ صم يوما
من الشهر و لك أجر ما بقي قال : إني أطيق أكثر من ذلك قال : صم يومين و لك
أجر ما بقي قال : إني أطيق أكثر من ذلك قال : صم ثلاثة أيام و لك أجر ما
بقي ] ففي هذا : أن صيام ثلاثة أيام من الشهر يحصل به أجر صيام الشهر كله
و كذلك صيام يومين منه و وجه ذلك أن الصيام يضاعف ما لا يضاعف غيره من
الأعمال و قد سبق ذكر ذلك عند الكلام على حديث : [ كل عمل ابن آدم له
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز و جل : إلا الصيام فإنه
لي و أنا أجزي به ] فالصيام لا يعلم منتهى مضاعفته إلا الله عز و جل و
كلما قوي الإخلاص فيه و إخفاؤه و تنزيهه من المحرمات و المكروهات كثرت
مضاعفته فلا يستنكر أن يصوم الرجل يوما من الشهر فيضاعف له بثواب ثلاثين
يوما فيكتب له صيام الشهر كله و كذلك إذا صام يومين من الشهر و أما إذا
صام منه ثلاثة أيام فهو ظاهر لأن الحسنة بعشر أمثالها و خرج الترمذي و
النسائي [ عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : من صام كل شهر ثلاثة أيام كان كمن صام الدهر ] فأنزل الله عز و جل
تصديق ذلك : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } اليوم بعشرة أيام و في
الصحيحين [ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها و ذلك
مثل صيام الدهر ] و في رواية فيهما أيضا : [ إن بحسبك أن تصوم من كل شهر
ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله ] و في
المسند [ عن قرة المزني عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : صيام ثلاثة
أيام من كل شهر صيام الدهر و إفطاره ] يعني صيامه في مضاعفة الله و إفطاره
في رخصة الله كما كان أبو هريرة رضي الله عنه و أبو ذر يقولان ذلك و كانا
يصومان ثلاثة أيام من كل شهر و يقولان في سائر أيام الشهر نحن صيام و
يتأولان لأنهما صيام في مضاعفة الله و هما مفطران في رخصة الله و قد وصى
النبي صلى الله عليه و سلم جماعة من أصحابه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر
منهم : أبو هريرة رضي الله عنه و أبو الدرداء و أبو ذر و غيرهم و في
المسند [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في صيام ثلاثة أيام من كل شهر
: هو صوم حسن ] و فيه أيضا [ عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول : صوم شهر الصبر و ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر و يذهب
مغلة الصدر قلت : و ما مغلة الصدر ؟ قال : رجس الشيطان ] و فيه أيضا عن
رجل عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ صيام شهر الصبر و ثلاثة من كل
شهر يذهبن كثيرا من وحر الصدر ] و في غير هذه الرواية : [ و غر الصدر ] و
هما بمعنى واحد يقال : وحر صدره و وغر : إذا كان فيه غل و غش و قيل :
الوحر الغل و الوغر الغيظ و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يتحرى صيام
ثلاثة أيام من كل شهر و كذلك كان إبراهيم عليه السلام كما خرجه ابن ماجه [
من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعا : صيام إبراهيم
ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر و أفطر الدهر ] و في السنن [ عن حفصة رضي
الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم العشر و عاشوراء و
ثلاثة أيام من كل شهر ] و في إسناده اختلاف و في صحيح مسلم [ عن عائشة رضي
الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر
] قيل لها من أيه كان يصوم ؟ قالت : كان لا يبالي من أيه صام ففي هذا
الحديث أنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يبالي من أي الشهر صام الأيام
الثلاثة
و قد روي في صفة صيام النبي صلى الله عليه و سلم للأيام
الثلاثة من الشهر أنواع أخر : أحدها : ما خرجه الترمذي [ من حديث عائشة
رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم من الشهر
السبت و الأحد و الإثنين و من الشهر الآخر الثلاثاء و الأربعاء و الخميس ]
و قال حديث حسن و ذكر أن بعضهم رواه موقوفا يعني من قول عائشة رضي الله
عنها غير مرفوع الثاني : ما خرجه أبو داود و غيره [ من حديث حفصة : أن
النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر الإثنين و
الخميس و الإثنين من الجمعة الأخرى ] فعلى هذه الرواية كان النبي صلى الله
عليه و سلم يجعلها من أول الشهر و لا يوالي بينها بل كان يتحرى بها يوم
الإثنين مرتين و الخميس مرة الثالث : عكس الثاني خرجه النسائي [ من حديث
حفصة أيضا : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام
أول اثنين من الشهر ثم الخميس ثم الخميس الذي يليه ] و في رواية له أيضا :
[ أول اثنين من الشهر و خميسين ] و خرج أبو داود من حديث أم سلمة عن النبي
صلى الله عليه و سلم معنى ذلك و في رواية في المسند : [ الإثنين و الجمعة
و الخميس ] و كأنها غير محفوظة فإن كانت محفوظة فهي نوع رابع و النوع
الخامس : ما خرجه أبو داود و النسائي و الترمذي [ من حديث ابن مسعود رضي
الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم من غرة كل شهر ثلاثة
أيام ] و حسنه الترمذي و ذكر أن بعضهم لم يرفعه يعني وقفه على ابن مسعود و
ظاهر هذا أنه كان يوالي بين الأيام الثلاثة من أول كل شهر و النوع السادس
: أنه كان يصوم أيام البيض فخرج النسائي [ عن ابن عباس رضي الله عنهما :
أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يدع صيام أيام البيض في حضر و لا سفر
]
و خرج الترمذي و النسائي [ عن أبي ذر رضي الله عنه : أن النبي صلى
الله عليه و سلم أمره بصيام أيام البيض : ثلاث عشرة و أربع عشرة و خمس
عشرة ] و في السنن الأربعة خلا الترمذي عن قتادة بن ملحان عن النبي صلى
الله عليه و سلم نحوه و خرج النسائي من حديث جابر البجلي عن النبي صلى
الله عليه و سلم نحوه أيضا و قد روي عن الحسن : أنه كان يصوم خمسة أيام من
أول الشهر و يقول : ما يدريني لعلي لا أدرك البيض و في كتاب مناقب الحسن
لأبي حيان التوحيدي : أن رجلا سأل الحسن لأي شيء استحب صيام الأيام البيض
؟ فلم يدر ما يقول فقال أعرابي عنده : لأن القمر ينكسف في لياليهن فيكون
الناس عند حدوث الآيات على عبادة فقال الحسن : خذوها من غير فقيه
و
في حديث الباهلي أنه قال للنبي صلى الله عليه و سلم بعد ذلك : إني أجد قوة
وإني أحب أن تزيدني فقال له : [ فمن الحرم و أفطر ] و في رواية : [ صم
الحرم و أفطر ] و في رواية قال : [ صم الأشهر الحرم ] فهذا دليل على فضل
صيام الأشهر الحرم الأربعة التي ذكرها الله تعالى في كتابه بقوله : { منها
أربعة حرم } و قد فسرها النبي صلى الله عليه و سلم في حديث أبي بكرة ـ [
بأنها ثلاثة متواليات : ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و شهر رجب ] و قد
ذكرناه في وظيفة شهر رجب و ذكرنا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن العمل
الصالح و الأجر في هذه الحرم أعظم و ذكرنا في وظائف المحرم قول النبي صلى
الله عليه و سلم : [ أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم ]
و سيأتي في وظائف ذي الحجة ذكر فضل صيام عشر ذي الحجة إن شاء الله و قد
كان كثير من السلف يصوم الأشهر الحرم كلها روي ذلك عن ابن عمر و الحسن
البصري و أبي إسحاق السبيعي و قال سفيان الثوري : الأشهر الحرم أحب إلي أن
يصام منها و روى خلاد الصفار عن أبي مسلم قال : صيام يوم من أشهر الحج أو
قال أشهر الحرم يعدل شهرا و صيام يوم من غير الأشهر الحرم يعدل عشرا و روي
عن النخعي نحوه لكنه قال : من المحرم فيحتمل أنه أراد جنس الأشهر المحرمة
و روي معناه مرفوعا من حديث أنس و إسناده ضعيف جدا و يروى بإسناد مجهول عن
أنس مرفوعا : [ من صام من شهر حرام الخميس و السبت كتب الله له عبادة
تسعمائة سنة ] و قال كعب : اختار الله الزمان فأحبه إليه الأشهر الحرم و
يروى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا و لا يصح و عن قيس بن عبادة
أنه قال : ليس في الأشهر الحرم شهر إلا في اليوم العاشر منه خير قال : ففي
الحجة في العاشر النحر يوم الحج الأكبر و في المحرم العاشر عاشوراء و في
العاشر من رجب { يمحو الله ما يشاء و يثبت } قال الراوي : و نسيت ما قال
في ذي القعدة و قد تقدم في ذكر وظيفة رجب أنه روي عن عبد الله بن عمرو بن
العاص أنه ذكر من عجائب الدنيا بأرض عاد عمود من نحاس عليه شجرة من نحاس
فإذا كان في الأشهر الحرم قطر منها الماء فملؤوا منه حياضهم و سقوا
مواشيهم و زروعهم فإذا ذهبت الأشهر الحرم انقطع الماء
و ذو القعدة
من الشهر الحرم بغير خلاف و هو أول الأشهر الحرم المتوالية و هل هو أول
الحرم مطلقا أم لا ؟ فيه خلاف ذكرناه في وظيفة رجب و هو أيضا من أشهر الحج
التي قال الله تعالى فيها : { الحج أشهر معلومات } و قيل : إن تحريم ذي
القعدة كان في الجاهلية لأجل السير إلى الحج و سمي ذا القعدة لقعودهم فيه
عن القتال و تحريم المحرم لرجوع الناس فيه من الحج إلى بلادهم و تحريم ذي
الحجة لوقوع حجهم فيه و تحريم رجب كان للإعتمار فيه من البلاد القريبة و
من خصائص ذي القعدة أن عمر النبي صلى الله عليه و سلم كلها كانت في ذي
القعدة سوى عمرته التي قرنها بحجته مع أنه صلى الله عليه و سلم أحرم بها
أيضا في ذي القعدة و فعلها في ذي الحجة مع حجته و كانت عمره صلى الله عليه
و سلم أربعا : عمرة الحديبية و لم يتمها بل تحلل منها و رجع و عمرة القضاء
من قابل و عمرة الجعرانة عام الفتح لما قسم غنائم حنين و قيل : إنها كانت
في آخر شوال و المشهور أنها كانت في ذي القعدة و عليه الجمهور و عمرته في
حجة الوداع كما دلت عليه النصوص الصحيحة و عليه جمهور العلماء أيضا و قد
روي عن طائفة من السلف منهم ابن عمر و عائشة و عطاء تفضيل عمرة ذي القعدة
و شوال على رمضان لأن النبي صلى الله عليه و سلم اعتمر في ذي القعدة و في
أشهر الحج حيث يجب عليه الهدي إذا حج من عامه لأن الهدي زيادة نسك فيجتمع
نسك العمرة مع نسك الهدي و لذي القعدة فضيلة أخرى و هي أنه قد قيل : إنه
الثلاثون يوما الذي واعد الله فيه موسى عليه السلام قال ليث عن مجاهد في
قوله تعالى : { و واعدنا موسى ثلاثين ليلة } قال ذو القعدة { و أتممناها
بعشر } قال عشر ذي الحجة يا من لا يقلع عن ارتكاب الحرام لا في شهر حلال و
لا في شهر حرام يا من هو في الطاعات إلى وراء و في المعاصي إلى قدام يا من
هو في كل يوم من عمره شرا مما كان في قبله من الأيام متى تستفيق من هذا
المنام متى تتوب من هذا الإجرام يا من أنذره الشيب بالموت و هو مقيم على
الآثام أما كفاك واعظ الشيب مع واعظ القرآن و الإسلام الموت خير لك من
الحياة على هذه الحال و السلام
( يا غاديا في غفلة و رائحا ... إلى متى تستحسن القبائحا )
( و كم إلى كم لا تخاف موقفا ... يستنطق الله به الجوارحا )
( واعجبا منك و أنت مبصر ... كيف تجنبت الطريق الواضحا )
( و كيف ترضى أن تكون خاسرا ... يوم يفوز من يكون رابحا )
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وظائف شهر ذي الحجة و يشتمل على مجالس ـ المجلس الأول في فضل
عشر ذي
الحجة
خرج البخاري [ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني
أيام العشر قالوا : يا رسول الله و لا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : و لا
الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه و ماله لم رجع من ذلك بشيء ]
الكلام في فضل عشر ذي الحجة في فصلين : في فضل العمل فيه و عليه دل هذا
الحديث و في فضله في نفسه
الفصل الأول : في فضل العمل فيه
و قد دل هذا الحديث على أن العمل في أيامه أحب إلى الله من العمل في أيام
الدنيا من غير استثناء شيء منها و إذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده و
قد ورد هذا الحديث بلفظ : [ ما من أيام العمل فيها أفضل من أيام العشر ] و
روي بالشك في لفظه : [ أحب أو أفضل ] و إذا كان العمل في أيام العشر أفضل
و أحب إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلها صار العمل فيه و إن
كان مفضولا أفضل من العمل في غيره و إن كان فاضلا و لهذا قالوا : يا رسول
الله و لا الجهاد في سبيل الله قال : [ و لا الجهاد ] ثم استثنى جهادا
واحدا هو أفضل الجهاد فإنه صلى الله عليه و سلم سئل : أي الجهاد أفضل قال
: [ من عقر جواده و أهريق دمه و صاحبه أفضل الناس درجة عند الله ] سمع
النبي صلى الله عليه و سلم رجلا يدعو يقول : اللهم أعطني أفضل ما تعطي
عبادك الصالحين قال : [ إذن يعقر جوادك و تستشهد ] فهذا الجهاد بخصوصه
يفضل على العمل في العشر و أما بقية أنواع الجهاد فإن العمل في عشر ذي
الحجة أفضل و أحب إلى الله عز و جل منها و كذلك سائر الأعمال و هذا يدل
على أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره و يزيد
عليه لمضاعفة ثوابه و أجره و قد روي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : [
هذا زيادة و العمل فيهن يضاعف بسبعمائة ] و في إسنادها ضعف و قد ورد في
قدر المضاعفة روايات متعددة مختلفة فخرج الترمذي و ابن ماجه [ من رواية
النهاس بن قهم عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه و سلم قال : ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من
عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بسنة و كل ليلة منها بقيام ليلة القدر
] و النهاس بن قهم ضعفوه و ذكر الترمذي عن البخاري أن الحديث يروى عن
قتادة عن سعيد مرسلا و روى ثوير بن أبي فاخته ـ و فيه ضعف ـ عن مجاهد عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال : ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة ليس
العشر فإن العمل فيها يعدل عمل سنة و روى أبو عمر و النيسابوري في كتاب
الحكايات بإسناده عن حميد قال : سمعت ابن سيرين و قتادة يقولان : صوم كل
يوم من العشر يعدل سنة و قد روي في المضاعفة أكثر من ذلك فروى هارون بن
موسى النحوي قال : سمعت الحسن يحدث عن أنس بن مالك قال : كان يقال في أيام
العشر : بكل يوم ألف يوم و يوم عرفة عشرة آلاف قال الحاكم : هذا من
المسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و روى في
المضاعفة أقل من سنة قال حميد بن زنجويه : [ حدثنا يحيى بن عبد الله
الحراني حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد أن رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال : صيام كل يوم من أيام من أيام العشر كصيام شهر ] و هذا
مرسل ضعيف الإسناد و روى عبد الرزاق في كتابه عن جعفر عن هشام عن الحسن
قال : صيام يوم العشر يعدل شهرين و قال عبد الكريم عن مجاهد : العمل في
العشر يضاعف و في المضاعفة أحاديث أخر مرفوعة لكنها موضوعة فلذلك أعرضنا
عنها و عما أشبهها من الموضوعات في فضائل العشر و هي كثيرة
و قد دل
حديث ابن عباس على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر من غير استثناء
شيء منها و قد روي في خصوص صيام أيامه و قيام لياليه و كثرة الذكر فيه ما
يذكر مما يحسن ذكره دون ما لا يحسن لعدم صحته و قد سبق حديث أبي هريرة في
ذلك و مرسل راشد بن سعد و ما روي عن الحسن و ابن سيرين و قتادة في صومه و
في المسند و السنن [ عن حفصة : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يدع
صيام عاشوراء و العشر و ثلاثة أيام من كل شهر ] و في إسناده اختلاف و روي
عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم
كان لا يدع صيام تسع ذي الحجة ] و ممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما و قد تقدم عن الحسن و ابن سيرين و قتادة ذكر فضل صيامه و هو
قول أكثر العلماء أو كثير منهم و في صحيح مسلم [ عن عائشة رضي الله عنها
قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صائما العشر قط ] و في
رواية في العشر قط و قد اختلف جواب الإمام أحمد عن هذا الحديث فأجاب مرة
بأنه قد روى خلافه و ذكر حديث حفصة و أشار إلى أنه اختلف في إسناد حديث
عائشة فأسنده الأعمش و رواه منصور عن إبراهيم مرسلا و كذلك أجاب غيره من
العلماء بأنه إذا اختلفت عائشة و حفصة في النفي و الإثبات أخذ بقول المثبت
لأن معه علما خفي على النافي و أجاب أحمد مرة أخرى بأن عائشة أرادت أنه لم
يصم العشر كاملا يعني و حفصة أرادت انه كان يصوم غالبه فينبغي أن يصام
بعضه و يفطر بعضه و هذا الجمع يصح في رواية من روى ما رأيته صائما العشر و
أما من روى ما رأيته صائما في العشر فيبعد أو يتعذر هذا الجمع فيه و كان
ابن سيرين يكره أن يقال : صام العشر لأنه يوهم دخول يوم النحر فيه و إنما
يقال : صام التسع و لكن الصيام إذا أضيف إلى العشر فالمراد صيام ما يجوز
صومه منه و قد سبق حديث : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم العشر
] و لو نذر صيام العشر فينبغي أن ينصرف إلى التسع أيضا فلا يلزم بفطر يوم
النحر قضاء و لا كفارة فإنه غلب استعماله عرفا في التسع و يحتمل أن يخرج
في لزوم القضاء و الكفارة خلاف فإن أحمد قال فيمن نذر صوم شوال فأفطر يوم
الفطر و صام باقيه : أنه يلزمه قضاء يوم و كفارة و قال القاضي أبو يعلى :
هذا إذا نوى صوم جميعه فأما إن أطلق لم يلزمه شيء لأنه يوم الفطر مستثنى
شرعا و هذا قاعدة من قواعد الفقه و هي أن العموم هل يخص بالشرع أم لا ؟
ففي المسألة خلاف مشهور و أما قيام ليالي العشر فمستحب و قد سبق الحديث في
ذلك و قد ورد في خصوص إحياء ليلتي العيدين أحاديث لا تصح و ورد إجابة
الدعاء فيهما و استحبه الشافعي و غيره من العلماء و كان سعيد بن جبير و هو
الذي روى هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما إذا دخل العشر اجتهد
اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه و روي عنه أنه قال : لا تطفئوا سرجكم ليالي
العشر تعجبه العبادة و أما استحباب الإكثار من الذكر فيها فقد دل عليه قول
الله عز و جل : { و يذكروا اسم الله في أيام معلومات } فإن الأيام
المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء و سيأتي ذكر ذلك فيما بعد إن
شاء الله تعالى و في مسند الإمام أحمد [ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما من أيام أعظم و لا أحب إليه العمل
فيهن عند الله من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل و التكبير و
التحميد ] فإن قيل : فإذا كان العمل في أيام العشر أفضل من العمل في غيرها
؟ و إن كان ذلك العمل أفضل في نفسه مما عمل في العشر لفضيلة العشر في نفسه
؟ فيصير العمل المفضول فيه فاضلا حتى يفضل على الجهاد الذي هو أفضل
الأعمال كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة و هو قول الإمام أحمد و غيره من
العلماء فينبغي أن يكون الحج أفضل من الجهاد لأن الحج مخصوص بالعشر و هو
من أفضل ما عمل في العشر أو أفضل ما عمل فيه ؟ فكيف كان الجهاد أفضل من
الحج ؟ فإنه ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال : يا
رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : [ إيمان بالله و رسوله ] قال : ثم ماذا
؟ قال : [ جهاد في سبيل الله ] قال : ثم ماذا ؟ قال : [ حج مبرور ]
قيل التطوع بالجهاد أفضل من التطوع بالحج عند جمهور العلماء و قد نص عليه
الإمام أحمد و هو مروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص و روي فيه أحاديث
مرفوعة في أسانيدها مقال و حديث أبي هريرة هذا صريح في ذلك و يمكن الجمع
بينه و بين حديث ابن عباس بوجهين : أحدهما : أن حديث ابن عباس قد صرح فيه
بأن جهاد من لا يرجع من نفسه و ماله بشيء يفضل على العمل في العشر فيمكن
أن يقال : الحج أفضل من الجهاد إلا جهاد من لم يرجع من نفسه بشيء و يكون
هو المراد من حديث أبي هريرة و يجتمع حينئذ الحديثان و الثاني : و هو
الأظهر : أن العمل المفضول قد يقترن به ما يصير أفضل من الفاضل في نفسه
كما تقدم و حينئذ فقد يقترن بالحج ما يصير به أفضل من الجهاد و قد يتجرد
عن ذلك فيكون الجهاد حينئذ أفضل منه فإن كان الحج مفروضا فهو أفضل من
التطوع بالجهاد فإن فروض الأعيان أفضل من فروض الكفايات عند جمهور العلماء
و قد روي هذا في الحج و الجهاد بخصوصهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص و
روي مرفوعا من وجوه متعددة في أسانيدها لين و قد دل على ذلك ما حكاه النبي
صلى الله عليه و سلم عن ربه عز و جل أنه قال : [ ما تقرب إلي عبدي بمثل
أداء ما افترضت عليه ] و إن كان الحاج ليس من أهل الجهاد فحجه أفضل من
جهاده كالمرأة و في صحيح البخاري [ عن عائشة أنها قالت : يا رسول الله ترى
الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ؟ فقال : أفضل الجهاد حج مبرور ] و في رواية
له : [ جهادكن الحج ] و في رواية له : [ نعم الجهاد الحج ] و كذلك إذا
استغرق العشر كله عمل الحج و أتى به على أكمل وجوه البر من أداء الواجبات
و اجتناب المحرمات و انضم إلى ذلك الإحسان إلى الناس ببذل السلام و إطعام
الطعام و ضم إليه كثرة ذكر الله عز و جل و العج و الثج و هو رفع الصوت
بالتلبية و سوق الهدي فإن هذا الحج على هذا الوجه قد يفضل على الجهاد و إن
وقع عمل الحج في جزء يسير من العشر و لم يؤت به على الوجه المبرور فالجهاد
أفضل منه و قد روي عن عمر و ابن عمر و أبي موسى الأشعري و مجاهد ما يدل
على تفضيل الحج على الجهاد و سائر الأعمال و ينبغي حمله على الحج المبرور
الذي كمل بره و استوعب فعله أيام العشر و الله أعلم فإن قيل : قوله صلى
الله عليه و سلم : [ ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه
الأيام ] هل يقتضي تفضيل كل عمل صالح وقع في شيء من أيام العشر على جميع
ما يقع في غيرها و إن طالت مدته أم لا ؟ قيل : الظاهر و الله أعلم أن
المراد أن العمل في هذه الأيام العشر أفضل من العمل في أيام عشر غيرها فكل
عمل صالح يقع في هذا العشر فهو أفضل من عمل في عشرة فهو أفضل من عمل في
عشرة أيام سواها من أي شهر كان فيكون تفضيلا للعمل في كل يوم منه على
العمل في كل يوم من أيام السنة غيره و قد قيل : إنما يفضل العمل فيها على
الجهاد إذا كان العمل فيها مستغرقا لأيام العشر فيفضل على جهاد في عدد تلك
الأيام من غير العشر و إن كان العمل مستغرقا لبعض أيام العشر فهو أفضل من
جهاد في نظير ذلك الزمان من غير العشر و استدل على ذلك بأن النبي صلى الله
عليه و سلم جعل العمل الدائم الذي لا يفتر من صيام و صلاة معادلا للجهاد
في أي وقت كان فإذا وقع ذلك العمل الدائم في العشر كان أفضل من الجهاد في
مثل أيامه لفضل العشر و شرفه ففي الصحيحين [ عن أبي هريرة قال : جاء رجل
إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : دلني على عمل يعدل الجهاد ؟ قال
: أجده قال لا هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم و لا تفتر و
تصوم و لا تفطر ] قال : و من يستطيع ذلك و لفظه للبخاري و لمسلم معناه و
زاد ثم قال : [ مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات
الله الذي لا يفتر من صلاة و لا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله ] و
للبخاري : [ مثل المجاهد في سبيل الله و الله أعلم بمن يجاهد في سبيله
كمثل الصائم القائم ] و للنسائي : [ كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع
الساجد ] و يدل على أن المراد تفضيله على جهاد في مثل أيامه خاصة : ما في
صحيح ابن حبان [ عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما من أيام
أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة فقال رجل : يا رسول الله هو أفضل أم
عدتهن جهاد في سبيل الله ؟ قال : هو أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله ]
فلم يفضل العمل في العشر إلا على الجهاد في عدة أيام العشر لا مطلقا
و أما ما تقدم من أن كل يوم منه يعدل سنة أو سنتين أو ألف يوم فكلها من
أحاديث الفضائل و ليست بقوية ثم إن أكثر ما ورد ذلك في صيامها و الصيام له
خصوصية في المضاعفة فإنه لله و الله يجزي به فإن قيل : إنه لا يختص بالصوم
بل يعم سائر الأعمال فإنما يدل على تفضيل كل عمل في العشر على مثل ذلك
العمل في غيره سنة فلا يدخل فيه إلا تفضيل من جاهد في العشر على من جاهد
في غيرها سنة و إذا قيل يلزم من تفضيل العمل في هذا العشر على كل عشر غيره
أن يكون صيام هذا العشر أفضل من صوم عشر رمضان و قيام لياليه أفضل من قيام
لياليه ؟ قيل : أما صيام رمضان فأفضل من صيامه بلا شك فإن صوم الفرض أفضل
من النفل بلا تردد و حينئذ فيكون المراد أن ما فعل في العشر في فرض فهو
أفضل مما فعل في عشر غيره من فرض غيره من فرض فقد تضاعف صلواته المكتوبة
على صلوات عشر رمضان و ما فعل فيه من نفل فهو أفضل مما فعل في غيره من نفل
و قد اختلف عمر و علي رضي الله عنهما في قضاء رمضان في عشر ذي الحجة فكان
عمر يحتسبه أفضل أيامه فيكون قضاء رمضان فيه أفضل من غيره و هذا يدل على
مضاعفة الفرض فيه على النفل و كان علي ينهي عنه و عن أحمد في ذلك روايتان
و قد علل قول علي : بأن القضاء فيه يفوت به فضل صيامه تطوعا و بهذا علله
الإمام أحمد و غيره و قد قيل : إنه يحصل به فضيلة صيام التطوع بها و هذا
على قول من يقول : إن نذر صيام شهر فصام رمضان أجزاءه عن فرضه و نذره
متوجه و قد علل بغير ذلك و أما قيام لياليه و تفضيل قيامه على قيام عشر
رمضان فيأتي الكلام فيه إن شاء الله
عشر ذي
الحجة
خرج البخاري [ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني
أيام العشر قالوا : يا رسول الله و لا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : و لا
الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه و ماله لم رجع من ذلك بشيء ]
الكلام في فضل عشر ذي الحجة في فصلين : في فضل العمل فيه و عليه دل هذا
الحديث و في فضله في نفسه
و قد دل هذا الحديث على أن العمل في أيامه أحب إلى الله من العمل في أيام
الدنيا من غير استثناء شيء منها و إذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده و
قد ورد هذا الحديث بلفظ : [ ما من أيام العمل فيها أفضل من أيام العشر ] و
روي بالشك في لفظه : [ أحب أو أفضل ] و إذا كان العمل في أيام العشر أفضل
و أحب إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلها صار العمل فيه و إن
كان مفضولا أفضل من العمل في غيره و إن كان فاضلا و لهذا قالوا : يا رسول
الله و لا الجهاد في سبيل الله قال : [ و لا الجهاد ] ثم استثنى جهادا
واحدا هو أفضل الجهاد فإنه صلى الله عليه و سلم سئل : أي الجهاد أفضل قال
: [ من عقر جواده و أهريق دمه و صاحبه أفضل الناس درجة عند الله ] سمع
النبي صلى الله عليه و سلم رجلا يدعو يقول : اللهم أعطني أفضل ما تعطي
عبادك الصالحين قال : [ إذن يعقر جوادك و تستشهد ] فهذا الجهاد بخصوصه
يفضل على العمل في العشر و أما بقية أنواع الجهاد فإن العمل في عشر ذي
الحجة أفضل و أحب إلى الله عز و جل منها و كذلك سائر الأعمال و هذا يدل
على أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره و يزيد
عليه لمضاعفة ثوابه و أجره و قد روي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : [
هذا زيادة و العمل فيهن يضاعف بسبعمائة ] و في إسنادها ضعف و قد ورد في
قدر المضاعفة روايات متعددة مختلفة فخرج الترمذي و ابن ماجه [ من رواية
النهاس بن قهم عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه و سلم قال : ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من
عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بسنة و كل ليلة منها بقيام ليلة القدر
] و النهاس بن قهم ضعفوه و ذكر الترمذي عن البخاري أن الحديث يروى عن
قتادة عن سعيد مرسلا و روى ثوير بن أبي فاخته ـ و فيه ضعف ـ عن مجاهد عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال : ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة ليس
العشر فإن العمل فيها يعدل عمل سنة و روى أبو عمر و النيسابوري في كتاب
الحكايات بإسناده عن حميد قال : سمعت ابن سيرين و قتادة يقولان : صوم كل
يوم من العشر يعدل سنة و قد روي في المضاعفة أكثر من ذلك فروى هارون بن
موسى النحوي قال : سمعت الحسن يحدث عن أنس بن مالك قال : كان يقال في أيام
العشر : بكل يوم ألف يوم و يوم عرفة عشرة آلاف قال الحاكم : هذا من
المسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و روى في
المضاعفة أقل من سنة قال حميد بن زنجويه : [ حدثنا يحيى بن عبد الله
الحراني حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد أن رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال : صيام كل يوم من أيام من أيام العشر كصيام شهر ] و هذا
مرسل ضعيف الإسناد و روى عبد الرزاق في كتابه عن جعفر عن هشام عن الحسن
قال : صيام يوم العشر يعدل شهرين و قال عبد الكريم عن مجاهد : العمل في
العشر يضاعف و في المضاعفة أحاديث أخر مرفوعة لكنها موضوعة فلذلك أعرضنا
عنها و عما أشبهها من الموضوعات في فضائل العشر و هي كثيرة
و قد دل
حديث ابن عباس على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر من غير استثناء
شيء منها و قد روي في خصوص صيام أيامه و قيام لياليه و كثرة الذكر فيه ما
يذكر مما يحسن ذكره دون ما لا يحسن لعدم صحته و قد سبق حديث أبي هريرة في
ذلك و مرسل راشد بن سعد و ما روي عن الحسن و ابن سيرين و قتادة في صومه و
في المسند و السنن [ عن حفصة : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يدع
صيام عاشوراء و العشر و ثلاثة أيام من كل شهر ] و في إسناده اختلاف و روي
عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم
كان لا يدع صيام تسع ذي الحجة ] و ممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما و قد تقدم عن الحسن و ابن سيرين و قتادة ذكر فضل صيامه و هو
قول أكثر العلماء أو كثير منهم و في صحيح مسلم [ عن عائشة رضي الله عنها
قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صائما العشر قط ] و في
رواية في العشر قط و قد اختلف جواب الإمام أحمد عن هذا الحديث فأجاب مرة
بأنه قد روى خلافه و ذكر حديث حفصة و أشار إلى أنه اختلف في إسناد حديث
عائشة فأسنده الأعمش و رواه منصور عن إبراهيم مرسلا و كذلك أجاب غيره من
العلماء بأنه إذا اختلفت عائشة و حفصة في النفي و الإثبات أخذ بقول المثبت
لأن معه علما خفي على النافي و أجاب أحمد مرة أخرى بأن عائشة أرادت أنه لم
يصم العشر كاملا يعني و حفصة أرادت انه كان يصوم غالبه فينبغي أن يصام
بعضه و يفطر بعضه و هذا الجمع يصح في رواية من روى ما رأيته صائما العشر و
أما من روى ما رأيته صائما في العشر فيبعد أو يتعذر هذا الجمع فيه و كان
ابن سيرين يكره أن يقال : صام العشر لأنه يوهم دخول يوم النحر فيه و إنما
يقال : صام التسع و لكن الصيام إذا أضيف إلى العشر فالمراد صيام ما يجوز
صومه منه و قد سبق حديث : [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم العشر
] و لو نذر صيام العشر فينبغي أن ينصرف إلى التسع أيضا فلا يلزم بفطر يوم
النحر قضاء و لا كفارة فإنه غلب استعماله عرفا في التسع و يحتمل أن يخرج
في لزوم القضاء و الكفارة خلاف فإن أحمد قال فيمن نذر صوم شوال فأفطر يوم
الفطر و صام باقيه : أنه يلزمه قضاء يوم و كفارة و قال القاضي أبو يعلى :
هذا إذا نوى صوم جميعه فأما إن أطلق لم يلزمه شيء لأنه يوم الفطر مستثنى
شرعا و هذا قاعدة من قواعد الفقه و هي أن العموم هل يخص بالشرع أم لا ؟
ففي المسألة خلاف مشهور و أما قيام ليالي العشر فمستحب و قد سبق الحديث في
ذلك و قد ورد في خصوص إحياء ليلتي العيدين أحاديث لا تصح و ورد إجابة
الدعاء فيهما و استحبه الشافعي و غيره من العلماء و كان سعيد بن جبير و هو
الذي روى هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما إذا دخل العشر اجتهد
اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه و روي عنه أنه قال : لا تطفئوا سرجكم ليالي
العشر تعجبه العبادة و أما استحباب الإكثار من الذكر فيها فقد دل عليه قول
الله عز و جل : { و يذكروا اسم الله في أيام معلومات } فإن الأيام
المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء و سيأتي ذكر ذلك فيما بعد إن
شاء الله تعالى و في مسند الإمام أحمد [ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما من أيام أعظم و لا أحب إليه العمل
فيهن عند الله من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل و التكبير و
التحميد ] فإن قيل : فإذا كان العمل في أيام العشر أفضل من العمل في غيرها
؟ و إن كان ذلك العمل أفضل في نفسه مما عمل في العشر لفضيلة العشر في نفسه
؟ فيصير العمل المفضول فيه فاضلا حتى يفضل على الجهاد الذي هو أفضل
الأعمال كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة و هو قول الإمام أحمد و غيره من
العلماء فينبغي أن يكون الحج أفضل من الجهاد لأن الحج مخصوص بالعشر و هو
من أفضل ما عمل في العشر أو أفضل ما عمل فيه ؟ فكيف كان الجهاد أفضل من
الحج ؟ فإنه ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال : يا
رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : [ إيمان بالله و رسوله ] قال : ثم ماذا
؟ قال : [ جهاد في سبيل الله ] قال : ثم ماذا ؟ قال : [ حج مبرور ]
قيل التطوع بالجهاد أفضل من التطوع بالحج عند جمهور العلماء و قد نص عليه
الإمام أحمد و هو مروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص و روي فيه أحاديث
مرفوعة في أسانيدها مقال و حديث أبي هريرة هذا صريح في ذلك و يمكن الجمع
بينه و بين حديث ابن عباس بوجهين : أحدهما : أن حديث ابن عباس قد صرح فيه
بأن جهاد من لا يرجع من نفسه و ماله بشيء يفضل على العمل في العشر فيمكن
أن يقال : الحج أفضل من الجهاد إلا جهاد من لم يرجع من نفسه بشيء و يكون
هو المراد من حديث أبي هريرة و يجتمع حينئذ الحديثان و الثاني : و هو
الأظهر : أن العمل المفضول قد يقترن به ما يصير أفضل من الفاضل في نفسه
كما تقدم و حينئذ فقد يقترن بالحج ما يصير به أفضل من الجهاد و قد يتجرد
عن ذلك فيكون الجهاد حينئذ أفضل منه فإن كان الحج مفروضا فهو أفضل من
التطوع بالجهاد فإن فروض الأعيان أفضل من فروض الكفايات عند جمهور العلماء
و قد روي هذا في الحج و الجهاد بخصوصهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص و
روي مرفوعا من وجوه متعددة في أسانيدها لين و قد دل على ذلك ما حكاه النبي
صلى الله عليه و سلم عن ربه عز و جل أنه قال : [ ما تقرب إلي عبدي بمثل
أداء ما افترضت عليه ] و إن كان الحاج ليس من أهل الجهاد فحجه أفضل من
جهاده كالمرأة و في صحيح البخاري [ عن عائشة أنها قالت : يا رسول الله ترى
الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ؟ فقال : أفضل الجهاد حج مبرور ] و في رواية
له : [ جهادكن الحج ] و في رواية له : [ نعم الجهاد الحج ] و كذلك إذا
استغرق العشر كله عمل الحج و أتى به على أكمل وجوه البر من أداء الواجبات
و اجتناب المحرمات و انضم إلى ذلك الإحسان إلى الناس ببذل السلام و إطعام
الطعام و ضم إليه كثرة ذكر الله عز و جل و العج و الثج و هو رفع الصوت
بالتلبية و سوق الهدي فإن هذا الحج على هذا الوجه قد يفضل على الجهاد و إن
وقع عمل الحج في جزء يسير من العشر و لم يؤت به على الوجه المبرور فالجهاد
أفضل منه و قد روي عن عمر و ابن عمر و أبي موسى الأشعري و مجاهد ما يدل
على تفضيل الحج على الجهاد و سائر الأعمال و ينبغي حمله على الحج المبرور
الذي كمل بره و استوعب فعله أيام العشر و الله أعلم فإن قيل : قوله صلى
الله عليه و سلم : [ ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه
الأيام ] هل يقتضي تفضيل كل عمل صالح وقع في شيء من أيام العشر على جميع
ما يقع في غيرها و إن طالت مدته أم لا ؟ قيل : الظاهر و الله أعلم أن
المراد أن العمل في هذه الأيام العشر أفضل من العمل في أيام عشر غيرها فكل
عمل صالح يقع في هذا العشر فهو أفضل من عمل في عشرة فهو أفضل من عمل في
عشرة أيام سواها من أي شهر كان فيكون تفضيلا للعمل في كل يوم منه على
العمل في كل يوم من أيام السنة غيره و قد قيل : إنما يفضل العمل فيها على
الجهاد إذا كان العمل فيها مستغرقا لأيام العشر فيفضل على جهاد في عدد تلك
الأيام من غير العشر و إن كان العمل مستغرقا لبعض أيام العشر فهو أفضل من
جهاد في نظير ذلك الزمان من غير العشر و استدل على ذلك بأن النبي صلى الله
عليه و سلم جعل العمل الدائم الذي لا يفتر من صيام و صلاة معادلا للجهاد
في أي وقت كان فإذا وقع ذلك العمل الدائم في العشر كان أفضل من الجهاد في
مثل أيامه لفضل العشر و شرفه ففي الصحيحين [ عن أبي هريرة قال : جاء رجل
إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : دلني على عمل يعدل الجهاد ؟ قال
: أجده قال لا هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم و لا تفتر و
تصوم و لا تفطر ] قال : و من يستطيع ذلك و لفظه للبخاري و لمسلم معناه و
زاد ثم قال : [ مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات
الله الذي لا يفتر من صلاة و لا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله ] و
للبخاري : [ مثل المجاهد في سبيل الله و الله أعلم بمن يجاهد في سبيله
كمثل الصائم القائم ] و للنسائي : [ كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع
الساجد ] و يدل على أن المراد تفضيله على جهاد في مثل أيامه خاصة : ما في
صحيح ابن حبان [ عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما من أيام
أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة فقال رجل : يا رسول الله هو أفضل أم
عدتهن جهاد في سبيل الله ؟ قال : هو أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله ]
فلم يفضل العمل في العشر إلا على الجهاد في عدة أيام العشر لا مطلقا
و أما ما تقدم من أن كل يوم منه يعدل سنة أو سنتين أو ألف يوم فكلها من
أحاديث الفضائل و ليست بقوية ثم إن أكثر ما ورد ذلك في صيامها و الصيام له
خصوصية في المضاعفة فإنه لله و الله يجزي به فإن قيل : إنه لا يختص بالصوم
بل يعم سائر الأعمال فإنما يدل على تفضيل كل عمل في العشر على مثل ذلك
العمل في غيره سنة فلا يدخل فيه إلا تفضيل من جاهد في العشر على من جاهد
في غيرها سنة و إذا قيل يلزم من تفضيل العمل في هذا العشر على كل عشر غيره
أن يكون صيام هذا العشر أفضل من صوم عشر رمضان و قيام لياليه أفضل من قيام
لياليه ؟ قيل : أما صيام رمضان فأفضل من صيامه بلا شك فإن صوم الفرض أفضل
من النفل بلا تردد و حينئذ فيكون المراد أن ما فعل في العشر في فرض فهو
أفضل مما فعل في عشر غيره من فرض غيره من فرض فقد تضاعف صلواته المكتوبة
على صلوات عشر رمضان و ما فعل فيه من نفل فهو أفضل مما فعل في غيره من نفل
و قد اختلف عمر و علي رضي الله عنهما في قضاء رمضان في عشر ذي الحجة فكان
عمر يحتسبه أفضل أيامه فيكون قضاء رمضان فيه أفضل من غيره و هذا يدل على
مضاعفة الفرض فيه على النفل و كان علي ينهي عنه و عن أحمد في ذلك روايتان
و قد علل قول علي : بأن القضاء فيه يفوت به فضل صيامه تطوعا و بهذا علله
الإمام أحمد و غيره و قد قيل : إنه يحصل به فضيلة صيام التطوع بها و هذا
على قول من يقول : إن نذر صيام شهر فصام رمضان أجزاءه عن فرضه و نذره
متوجه و قد علل بغير ذلك و أما قيام لياليه و تفضيل قيامه على قيام عشر
رمضان فيأتي الكلام فيه إن شاء الله
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى