لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : تحفة المودود بأحكام المولود الجزء الرابع Empty كتاب : تحفة المودود بأحكام المولود الجزء الرابع {الثلاثاء 5 يوليو - 15:27}

فصل


والحذر كل الحذر من تمكينه من تناول ما يزيل عقله من مسكر وغيره أو عشرة
من يخشى فساده أو كلامه له أو الأخذ في يده فإن ذلك الهلاك كله ومتى سهل
عليه ذلك فقد استسهل الدياثة ولا يدخل الجنة ديوث فما أفسد الأبناء مثل
تغفل الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب فأكثر الآباء
يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا
يشعرون فكم من والد حرم والده خير الدنيا والآخرة وعرضه لهلاك الدنيا
والآخرة وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها وإعراضهم
عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل
الصالح حرمهم الانتفاع بأولادهم وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم
هو من عقوبة الآباء
فصل


ويجنبه لبس الحرير فإنه مفسد له ومخنث لطبيعته كما يخنثه اللواط وشرب
الخمر والسرقة والكذب وقد قال النبي يحرم الحرير والذهب على ذكور أمتي
وأحل لإناثهم والصبي وإن لم يكن مكلفا فوليه مكلف لا يحل له تمكينه من
المحرم فإنه يعتاده ويعسر فطامه عنه وهذا أصح قولي العلماء واحتج من لم
يره حراما عليه بأنه غير مكلف فلم يحرم لبسه للحرير كالدابة وهذا من أفسد
القياس فإن الصبي وإن لم يكن مكلفا فإنه مستعد للتكليف ولهذا لا يمكن من
الصلاة بغير وضوء ولا من الصلاة عريانا ونجسا ولا من شرب الخمر والقمار
واللواط فصل ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال
ومهيأ له
منها فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غيره ما كان مأذونا فيه
شرعا فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه وفاته ما هو مهيأ
له فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعيا فهذه من علامات قبوله
وتهيئه للعلم لينقشه في لوح قلبه ما دام خاليا فإنه يتمكن فيه ويستقر
ويزكو معه وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه وهو مستعد للفروسية وأسبابها من
الركوب والرمي واللعب بالرمح وأنه لا نفاذ له في العلم ولم يخلق له مكنه
من أسباب الفروسية والتمرن عليها فإنه أنفع له وللمسلمين وإن رآه بخلاف
ذلك وأنه لم يخلق لذلك ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعدا لها
قابلا لها وهي صناعة مباحة نافعة للناس فليمكنه منها هذا كله بعد تعليمه
له ما يحتاج إليه في دينه فإن ذلك ميسر على كل أحد لتقوم حجة الله على
العبد فإن له على عباد الحجة البالغة كما له عليهم النعمة السابغة والله
أعلم
الباب السابع عشر


في أطوار ابن آدم من وقت كونه نطفة إلى استقراره في الجنة أو النار قال
الله تعالى ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في
قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما
فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم
إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون المؤمنون 12 - 16 فاستوعب
سبحانه ذكر أحوال ابن آدم قبل كونه نطفة بل ترابا وماء إلى حين
بعثه يوم القيامة فأول مراتب خلقه أنه سلالة من طين ثم بعد ذلك سلالة من
ماء مهين وهي النطفة التي استلت من جميع البدن فتمكث كذلك أربعين يوما ثم
يقلب الله سبحانه تلك النطفة علقة وهي قطعة سوداء من دم فتمكث كذلك أربعين
يوما أخرى ثم يصيرها سبحانه مضغة وهي قطعة لحم أربعين يوما وفي هذا الطور
تقدر أعضاؤه وصورته وشكله وهيئته واختلف في أول ما يتشكل ويخلق من أعضائه
قال قائلون هو القلب وقال آخرون إنه الدماغ وقال آخرون هو الكبد
وقال آخرون فقار الظهر فاحتج أرباب القول الأول بأن القلب هو العضو
والأساس الذي هو معدن الحرارة الغريزية الذي هو مركب الحياة فوجب أن يكون
هو المقدم في الخلق قالوا وقد أخبر المشرحون أنهم وجدوا في النطفة عند
كمال انعقادها نقطة سوداء واحتج من قال إنه الدماغ بأن الدماغ من الحيوان
هو العضو الرئيسي من
الإنسان وهو مجمع الحواس وأن الأمر المختص بالحيوان هو الحس والحركة
الإرادية وأصل ذلك من الدماغ ومنه ينبعث وإذا كان الخاص بالحيوان هو الحس
والحركة الإرادية وكانا عن هذا العضو كان هو المقدم في الإيجاد والتكوين
واحتج من قال إنه الكبد بأنه العضو الذي منه النمو والاغتذاء الذي به قوام
الحيوان قالوا فالنظام الطبيعي يقتضي أن يكون أول متكون الكبد ثم القلب ثم
الدماغ لأن أول فصل الحيوان هو النمو وليس به في هذا الوقت حاجة إلى حس
ولا إلى حركة إرادية لأنه يعد بمنزلة النبات فلا حاجة به حينئذ إلى غير
النمو ولهذا إنما تصير له قوة الحس والإرادة عند تعلق النفس به وذلك في
الطور الرابع من أطوار تخليقه فكان أول الأعضاء خلقا فيه هو آلة النمو
وذلك الكبد والذي شاهده أرباب التشريح حتى إنهم متفوقون عليه أنه أول ما
يتبين في خلق
جثة الحيوان ثلاث نقط متقاربة بعضها من بعض يتوهم أنها رسم الكبد والقلب
والدماغ ثم يزداد بعضها من بعض بعدا على امتداد أيام الحمل فهذا القدر هو
الذي عند المشرحين فأما أن هذه النقط أقدم وأسبق فليس عندهم عليه دليل إلا
الأخلق والأولى والقياس والله أعلم
فصل


ثم تقدر مفاصل أعضائه وعظامه وعروقه وعصبه ويشق له السمع والبصر والفم
ويفتق حلقه بعد أن كان رتقا فيركب فيه اللسان ويخطط شكله وصورته وتكسى
عظامه لحما ويربط بعضها إلى بعض أحكم ربط وأقواه وهو الأسر الذي قال فيه
نحن خلقناهم وشددنا أسرهم الإنسان : 28 ومنه الإسار الذي يربط به ومنه
الأسير قال الإمام أحمد حدثنا روح بن عبادة حدثنا أبو هلال حدثنا ثابت عن
صفوان
بن محرز قال كان نبي الله داود عليه السلام إذا ذكر عذاب الله تخلعت
أوصاله ما يمسكها إلا الأسر فإذا ذكر رحمة الله رجعت فصل قال بقراط في
المقالة الثالثة من كتاب الأجنة أنا أحدثك رأيت المني ينشأ
كانت لامرأة من الأهل جارية نفيسة ولم تكن تحب أن تحبل لئلا
ينقص ثمنها فسمعت الجارية النساء يقلن إن المرأة إذا أرادت أن
تحمل لم يخرج منها مني الرجل بل يبقى محتبسا ففهمت ذلك وجعلت ترصده من
نفسها فأحست في بعض الأوقات أنه لم يخرج منها فبلغني الخبر فأمرتها أن
تطفر إلى خلفها فطفرت سبع طفرات فسقط منها المني بوجبة شبيها بالبيضة غير
مطبوخة قد قشر عنها القشر الخارج وبقيت رطوبتها في جوف الغشاء قال وأنا
أقول أيضا إنه يجري من الأم فضول الرحم ليتغذى بها الجنين وقال إن الذي
تظهر هي الأعصاب الدقاق البيض وهي التي رأيت في وسط السرة وليست في موضع
آخر غير السرة لأن الروح إنما يشق طريقا للنفس هناك ثم قال وأقول شيئا آخر
ظاهرا يعرفه كل من يرغب في العلم وأوضحه بقياسات وأقول إن المني هو في
الحجاب وإنه يغتذي من الدم الذي يجتمع من المرأة وينزل إلى الرحم وقال إن
المني يجتذب الهواء فيتنفس فيه في هذه الحجب في الأسباب التي ذكرنا ويربو
من الدم الذي ينحدر من المرأة وقال إن الطمث لا ينحدر ما دامت المرأة
حاملا إن كان طفلها صحيحا وذلك منذ أول شهر من حبلها إلى الشهر التاسع
ولكن جميع ما ينزل من الدم من البدن كله يجتمع حول الجنين على الحجاب
الأعلى مع اجتذاب النفس والسرة طريق وصوله إلى الجنين فيدخل الغذاء إليه
فيغذيه ويزيد في تربيته وقال إذا أقام المني حينا خلقت له حجب أخر فتمتد
داخلا من الحجاب الأول وتكون مختلفة الأنواع كثيرة
وأما كونها فمثل الحجاب الأول وقال إن الحجب منها ما يخلق أولا ومنها ما
يخلق من بعد الشهر الثاني ومنها ما يخلق في الشهر الثالث وكلها لا تظهر
منافعها أول ما يخلق ولكن بعضها يمتد على المني فتظهر منافعها أولا وبعضها
لا يظهر إلا أخيرا فلذلك يخلق بعضها في الشهر الأول وبعضها في الشهر
الثاني وبعضها في الثالث وهي السرة كأنها مربوط بعضها ببعض في وسط الحجب
تكون السرة التي يتنفس منها ويتربى وإذا نزل الدم واغتذى الجنين منه حالت
الحجب بينه وبين الجنين ولهذا يقول
تعالى يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث الزمر 6 فإن
كل حجاب من هذه الحجب له ظلمة تخصه فذكر سبحانه أطوار خلقه ونقله فيها من
حال إلى حال وذكر ظلمات الحجب التي على الجنين فقال أكثر المفسرين هي ظلمة
البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة فإن كل واحد من هذه حجاب على الجنين وقال
آخرون هي ظلمة أصلاب الآباء وظلمة بطون الأمهات وظلمة المشيمة وأضعف من
هذا القول قول من قال ظلمة الليل وظلمة البطن وظلمة الرحم فإن الليل
والنهار بالنسبة إلى الجنين سواء وقال بقراط إن المرأة إذا حبلت لم تألم
من اجتماع الدم الذي
ينزل ويجتمع حول رحمها ولا تحس بضعف كما تحس إذا انحدر الطمث لأنها لا
يثور دمها في كل شهر لكنه ينزل إلى الرحم في كل يوم قليلا قليلا نزولا
ساكنا من غير وجع فإذا أتى إلى الرحم اغتذى منه الجنين ونما ثم قال وعلى
غير بعيد من ذلك إذا خلق للجنين لحم وجسد تكون الحجب وإذا كبر كبرت الحجب
أيضا وصار لها تجويف خارج من الجنين فإذا نزل الدم من الأم جذبه الجنين
واغتذى به فيزيد في لحمه والرديء من الدم الذي لا يصلح للغذاء ينزل إلى
مجاري الحجب وكذلك تسمى الحجب التي إذا صار لها تجويف يقبل الدم المشيمة
وقال إذا تم الجنين وكملت صورته واجتذب الدم لغذائه بالمقدار اتسعت الحجب
وظهرت المشيمة التي تكون من الآلات التي ذكرنا فإن اتسع داخلها اتسع
خارجها لأنه أولى بذلك لأن له موضعا يمتد إليه قلت ومن ها هنا لم تحض
الحامل بل ما تراه من الدم يكون دم فساد ليس دم الحيض المعتاد هذه إحدى
الروايتين عن عائشة رضي الله عنها وهو المشهور من مذهب أحمد الذي لا يعرف
أصحابه سواه وهو مذهب أبي حنيفة وذهب الشافعي في رواية عن عائشة والإمام
أحمد في رواية عنه اختارها شيخنا إلى أن ما تراه من الدم في وقت عادتها
يكون حيضا وحجة هذا القول ظاهرة وهي عموم الأدلة الدالة على ترك المرأة
الصوم والصلاة إذا
رأت الدم المعتاد في وقت الحيض ولم يستثن الله ورسوله حالة دون حالة وأما
كون الدم ينصرف إلى غذاء الولد فمن المعلوم أن ذلك لا يمنع أن يبقى منه
بقية يخرج في وقت الحيض تفضل عن غذاء الولد فلا تنافي بين غذاء الولد وبين
حيض الأم وأصحاب القول الآخر يحتجون بقوله لا توطأ حامل حتى تضع و لا حائل
حتى
تستبرأ بحيضة فجعل الحيضة دليلا على عدم الحمل فلو حاضت الحامل لم تكن
الحيضة علما على براءة حملها والآخرون يحبيبون عن هذا بأن الحيضة علم ظاهر
فإذا ظهر بها الحمل تبينا أنه لم يكن دليلا ولهذا يحكم بانقضاء العدة
بالحيض ظاهرا ثم تبين المرأة حاملا والنبي قسم النساء إلى قسمين امرأة
معلومة الحمل وامرأة مظنون أنها حامل فجعل استبراء الأولى بوضع الحمل
والثانية بالحيضة وهذا هو الذي دل عليه الحديث لم يدل على أن ما تراه
الحامل من الدم في وقت عادتها تصوم معه وتصلي
فصل


قال بقراط إن العظام تصلب من الحرارة لأن الحرارة تصلب العظام وتربط بعضها
ببعض مثل الشجرة التي ترتبط بعضها ببعض وقال إن العصب جعل داخلا وخارجا
وجعل الرأس بين العاتقين والعضدان والساعدان في الجانبين وفرج ما بين
الرجلين أيضا وجعل في كل مفصل من المفاصل عصب بوثقه ويشده قلت وهو الأسر
الذي شد به الإنسان قال وجعل الفم ينفتح من تلقاء نفسه وركب الأنف
والأذنان من اللحم وثقبت الأذنان ثم العينان بعد ذلك وملئتا رطوبة صافية
وكان النبي يقول في سجوده سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره والواو
وإن لم تقتض ترتيبا فتقديم السمع في اللفظ يناسب تقدمه في الوجود ثم تتسع
الأمعاء بعد ذلك ويصير لها تجويف وترتبط المفاصل ويرتفع النفس إلى الفم
والأنف ويدخل الاستنشاق في الفم والأنف وينفتح البطن والأمعاء ويخرج النفس
إلى الفم بدل السرة فإذا تم ما ذكرنا حضر وقت خروج الجنين ونزلت فضول من
معدته وأمعائه إلى المثانة ويكون لها طريق من المعدة والأمعاء إلى المثانة
ومنها إلى مجرى البول وإنما تنفتح هذه كلها ويتسع تجويفها
بالاستنشاق وبه ينفصل بعضها عن بعض على قدر أشكالها وقال اذا اتسع البطن
وتبين تجويف الأمعاء صار فيها طريق الى المثانة والإحليل اضطرارا قال
والمني اذا تركب يجتمع كل شيء منه الى صاحبه العظام الى العظام والعصب
الى العصب وكذلك جميع الأعضاء ثم يركب الجنين ثم قال إنا قد رأينا كثيرا
من النساء قد فسدت الأجنة فيهن ثم خرجت بعد ثلاثين يوما ثم قال ألا ترى
أنه اذا سقط الجنين بعد ثلاثين يوما رأيت مفاصله مركبة وقال يدرك هذا
بالنظر الى السقط لأنه اذا سقط ليس يسقط من حيلنا بل من قبل نفسه ثم قال
اذا تركب الجنين وأتلفت مفاصله وكبرت أعضاؤه وصلبت عظامه وتحركت جذبت من
البدن دما دسما ويحتبس ذلك ويتحرك في رؤوس العظام مثل تحرك رؤوس الشجر قال
وكذلك الجنين ويتقلب فصل وقال في المقالة الثانية من كتابه هذا ثم يتركب
الجنين ويتم الذكر الى
اثنين وثلاثين يوما والانثى إلى اثنين وأربعين يوما وربما زاد على هذه
الأيام قليلا وربما نقص قليلا وقال إن الجنين يتم ويتصور إن كان
ذكرا في اثنين وثلاثين يوما وان كان أنثى ففي اثنين وأربعين يوما وقال إنا
نرى ذلك من نقاء المرأة لأنها إن ولدت أنثى فإنها تنفى في اثنين وأربعين
يوما وهو أكثر ما تحتبس المرأة الى أن تنقى في اثنين وأربعين يوما عند
ولادة الأنثى وربما كان في الفرد وتنقى في خمسة وثلاثين يوما فإذا ولدت
ذكرا فإنها تنقى في اثنين ووثلاثين يوما اذا احتبست كثيرا وربما بقيت في
الفرد في خمسة وعشرين يوما وقال إن دم الطمث يخرج من حيث يخرج الجنين وكما
أن الذكر يتصور في اثنين
وثلاثين يوما كذلك يكون نقاء أمه من بعد ولاده في اثنين وثلاثين يوما
وتنقى المرأة اذا ولدت أنثى في اثنين وأربعين يوما بعدد الأيام التي
تركيبها فيها ثم قال انما يجري الدم من النفساء بعد ولادها أياما كثيرة
لأنها اذا حملت لم يحتج الجنين أول ما يخلق الى غذاء كثير حتى يتم فإذا تم
له اثنان وأربعون يوما اغتذى كما ينبغي وما اجتمع في الأيام الأربعين من
الدم الذي ينزل الى الجنين بقي إلى ولاد المرأة فإذا ولدت نزل أربعين يوما
قلت في هذا الفصل حديثان صحيحان عن رسول الله نذكرهما ونذكر تصديق أحدهما
للآخر ثم نتعقب كلام بقراط ونبين ما فيه
بحول الله وقوته وتوفيقه وتعليمه وإرشاده ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود
قال حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق
إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك
ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر
بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فو الذي لا إله غيره إن
أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه
الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى
ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة
فيدخلها وفي طريق أخرى أن خلق ابن آدم يجمع في بطن أمه أربعين وفي أخرى
أربعين
ليلة وقال البخاري أربعين يوما وأربعين ليلة وفي بعض طرقه ثم يبعث الله
ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح
000 الحديث وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي قال يدخل
الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة
فيقول يا رب أشقي أو سعيد فيكتبان فيقول إي رب أذكر أم أنثى فيكتبان ويكتب
عمله وأثره وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزداد فيها ولا ينقص وقال
الإمام أحمد حدثني سفيان عن عمرو عن أبي الطفيل عن حذيفة ابن أسيد
الغفاري قال سمعت رسول الله يقول يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في
الرحم بأربعين ليلة فيقول يا رب أشقي أم سعيد فيقول الله عز و جل فيكتبان
فيقولان أذكر أم أنثى فيقول الله عز و جل فيكتبان فيكتب عمله وأثره
ومصيبته ورزقه ثم تطوى الصحيفة فلا يزداد على ما فيها ولا ينقص وفي صحيح
مسلم عن عامر بن واثلة أنه
سمع عبد الله بن مسعود يقول الشقي من
شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره فأتى رجلا من أصحاب رسول الله يقال
له حذيفة بن أسيد الغفاري فحدثه بذلك من قول ابن مسعود فقال وكيف يشقى رجل
بغير عمل فقال له الرجل
أتعجب من ذلك فإني سمعت رسول الله يقول إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة
بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم
قال يا رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب أجله
فيقضي ربك ما شاء فيكتب الملك ثم يقول يا رب رزقه فيقضي ربك ما شاء ويكتب
الملك ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص وفي
لفظ آخر سمعت رسول الله بأذني هاتين يقول إن النطفة تقع في الرحم
أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك قال زهير حسبته قال الذي يخلقها فيقول
يا رب أذكر أم أنثى فيجعله الله ذكرا أو أنثى فيقول يا رب أسوي أم غير سوي
فيجعله الله سويا أو غير سوي ثم يقول يا رب ما رزقه وما أجله وما خلقه ثم
يجعله الله شقيا أو سعيدا وفي لفظ آخر أن ملكا موكلا بالرحم إذا أراد الله
عز و جل أن
يخلق شيئا بإذن الله لبضع وأربعين ليلة ثم ذكر الحديث فاتفق حديث ابن
مسعود وحديث حذيفة بن أسيد على حدوث شأن وحال النطفة بعد الأربعين وحديث
حذيفة مفسر صريح بأن ذلك يكتب بعد الأربعين قبل نفخ الروح كما تقدم في
رواية البخاري وأما حديث ابن مسعود فأحد ألفاظه موافق لحديث حذيفة وإن كان
ذلك التقدير
والكتابة بعد الأربعين قبل نفخ الروح فيه كما تقدم من رواية البخاري ولفظه
ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد
ثم ينفخ فيه الروح فهذا صريح أن الكتابة وسؤال الملك قبل نفخ الروح فيه
وهو موافق لحديث حذيفة في ذلك وأما لفظه الآخر فينفخ فيه الروح ويؤمر
بأربع كلمات فليس بصريح إذ الكلمات
المأمور بها بعد نفخ الروح فإن هذه الجملة معطوفة بالواو ويجوز أن تكون
معطوفة على الجملة التي تليها ويجوز أن تكون معطوفة على جملة الكلام
المتقدم أي يجمع خلقه في هذه الأطوار ويؤمر الملك بكتب رزقه وأجله وعمله
ووسط بين الجمل قوله ثم ينفخ فيه الروح بيانا لتأخر نفخ الروح عن طور
النطفة والعلقة والمضغة
وتأمل كيف أتى ب ثم في فصل نفخ الروح وبالواو في قوله ويؤمر بأربع كلمات
فاتفقت سائر الأحاديث بحمد الله وبقي أن يقال فحديث حذيفة يدل على أن
ابتداء التخليق عقيب الأربعين الأولى
وحديث ابن مسعود يدل على أنه عقيب الأربعين الثالثة فيكيف يجمع بينهما قيل
أما حديث حذيفة فصريح في كون ذلك بعد الأربعين و أما حديث ابن مسعود فليس
فيه تعرض لوقت التصوير والتخليق وإنما فيه بيان أطوار النطفة وتنقلها بعد
كل أربعين وأنه بعد الأربعين الثالثة ينفخ فيه الروح وهذا لم يتعرض له
حديث حذيفة بل اختص به حدثنا بن مسعود فاشترك الحديثان في حدوث أمر بعد
الأربعين الأولى واختص حديث حذيفة بأن ابتداء تصويرها وخلقها بعد الأربعين
الأولى واختص
حديث ابن مسعود بأن نفخ الروح فيه بعد الأربعين الثالثة واشترك الحديثان
في استئذان الملك ربه سبحانه في تقدير شأن المولود في خلال ذلك فتصادقت
كلمات رسول الله وصدق بعضها بعضا وحديث ابن مسعود فيه أمران أمر النطفة
وتنقلها وأمر كتابة الملك ما يقدر
الله فيها والنبي أخبر بالأمرين في الحديث قال الإمام أحمد حدثنا هشيم
أنبأنا علي بن زيد قال سمعت أبا عتبة بن عبد
الله يحدث قال قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله إن
النطفة تكون في الرحم أربعين يوما على حالها لا تتغير فإذا مضت له أربعون
صارت علقة ثم مضغة كذلك ثم عظاما كذلك فإذا أراد أن يسوي خلقه بعث الله
اليه الملك فيقول الملك الذي يليه أي رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد أقصير
أم طويل أناقص أم زائد قوته وأجله أصحيح أم سقيم قال فيكتب ذلك كله فهذا
الحديث فيه الشفاء وإن الحادث بعد الأربعين الثالثة تسوية الخلق عند نفخ
الروح فيه ولا ريب أنه عند نفخ الروح فيه وتعلقها به يحدث له في خلقه أمور
زائدة على
التخليق الذي كان بعد الأربعين الأولى فالأول كان مبدأ التخليق وهذا
تسويته وكمال ما قدر له كما أنه سبحانه خلق الأرض قبل السماء ثم خلق
السماء ثم سوى الأرض بعد ذلك ومهدها وبسطها وأكمل خلقها فذلك فعله في
السكن وهذا فعله في الساكن على أن التخليق والتصوير ينشأ في النطفة بعد
الأربعين على التدريج شيئا فشيئا كما ينشأ النبات فهذا مشاهد في الحيوان
والنبات كما إذا تأملت حال الفروج في البيضة فإنما يقع الإشكال من عدم فهم
كلام الله تعالى ورسوله
فالإشكال في أفهامنا لا في بيان المعصوم والله المستعان وقد أغناك هذا
بحمد الله عن تكلف الشارحين فتأمله ووازن بينه وبين هذا الجمع وبالله
التوفيق
فصل


وقد قال بقراط في كتاب الغذاء تصوير الجنين يكون في خمسة وثلاثين يوما
وحركته في سبعين صباحا وكماله في مائة وعشرة أيام ويتصور أجنة أخر في
خمسين صباحا ويتحركون التحرك الأول في مائة صباح ويكملون في ثلاثمائة
ويتصور أجنة أخر في أربعين صباحا ويتحركون في ثمانين صباحا ويولدون في
مائتين وأربعين صباحا ويتصور أجنة أخر في خمسة وأربعين صباحا ويتحركون في
تسعين صباحا ويولدون في مائتين وسبعين صباحا قال فأما الولادة فتكون في
الشهر السابع والثامن والتاسع والعاشر قلت الحركة حركتان حركة طبيعية غير
أرادية فهذه تكون قبل تعلق الروح به
وأما الحركة الإرادية فلا تكون إلا بعد نفخ الروح ولهذا فرق بقراط بين
التحرك الأول والثاني قلت الذي دل عليه الوحي الصادق عن خلاق البشر أن
الخلق ينتقل في كل أربعين
يوما إلى طور آخر فيكون أولا نطفة أربعين يوما ثم علقة كذلك ثم مضغة كذلك
ثم ينفخ فيه الروح بعد مائة وعشرين يوما
فهذا كأنك تشاهده عيانا وما خالفه فليس مع المخبر به عيان وغاية
ما معه قياس فاسد وتشريح لا يحيط علما بمبدإ ما شاهده منه أو تقليد لواحد
غير معصوم وكل ما جاء به مشى خلفه فيه فيعتقد فيه المعتقد أن هذا أمر متفق
عليه بين الطبائعيين وأصله كله واحد أخطأ فيه ثم قلده من بعده والقوم لم
يشاهدوا ما أخبروا به من ذلك وغاية ما معهم أنهم شرحوا الحاكين أحياء
وأمواتا فوجدوا الجنين في الرحم
على الصفة التي أخبروا بها ولكن لاعلم لهم بما وراء ذلك من مبدإ الحمل
وتغير أحوال النطفة فإن ضيق مقلدهم الفرض وقال نفرض أنهم اعتبروا بكرا من
حيث وطئت ثم جعلوا يعدون أيامها إلى أن بلغت ما ذكروه ثم شرحوها فوجدوا
الأمر على الصفة التي أخبروا بها فهذا غاية الكذب والبهت فإن القوم لم
يدعوا ذلك وكيف يمكنهم دعواهم وهم يخبرون أن بعد ذلك بكذا وكذا يوما يصير
شأن الحمل كذا وكذا وإنما مع القوم كليات وأقيسة وينبغي أن يكون كذا وكذا
والنظام الطبيعي يقتضي كذا وكذا وكثير منهم يأخذ ذلك من حركات القمر
وزيادته ونقصانه ومن حركات الشمس ومن
التثليث والتربيع والتسديس والمقابلة ورد عليهم آخرون منهم وأبطلوا ذلك
عليهم من وجوه وأحال به على الأخلق والأولى والأنسب وأحال به آخرون على
أيام البحارين وتغير الطبيعة فيها
ورد بعض هؤلاء على بعض وأبطل قوله بما تركناه مخافة التطويل وأصح ما
بأيديهم التشريح والاستقراء التام الذي لا يخرم ونحن لا ننكر ذلك
ولكن ليس فيه ما يخالف الوحي عن خلاف الأجنة أبدا ومما يدل على أن القوم
لم يخبروا في ذلك عن مشاهدة قولهم إن الجنين الذي يولد في الشهر السابع
يصير ديديا في تسعة أيام ودمويا في ثمانية أيام أخر ولحميا في تسعة أيام
أخر ويقبل الصورة في أثنى عشر يوما أخر فإذا اجتمعت هذه الأيام صارت خمسة
وثلاثين يوما فجعلوه مضغة في الأربعين الأولى وهذا كذب ظاهر قطعا وإنما
يصير لحميا بعد الثمانين ومثل هذا لا يدرك إلا بوحي أو مشاهدة وكلاهما
مفقود عندهم وإنما بأيديهم قياس اعتبروا به أحوال الأجنة من شهور ولادها
فحكموا على كل جنين ولد في شهر من شهور الولادة على أنه ينبغي أن يكون
ديديا أي نطفة كذا وكذا ودمويا أي علقة كذا وكذا يوما ولحميا أي مضغة كذا
وكذا يوما ثم أضعفوا ذلك العدد وجعلوه وقت تحرك الجنين وكذبوا في ذلك على
الخلاق العليم في خلقه كما كذبوا عليه في صفاته وأسمائه فإن القوم لم يكن
لهم نصيب من العلم الذي جاءت به الرسل بل كانوا كما قال اله تعالى فلما
جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم النساء 83 وما غاية مل
يناله المنكر المعرض عما جاءت به الرسل وغاية ما
نالوا به علما بأمور طبيعية فيها الحق والباطل وأمور رياضية كثيرة التعب
قليلة الجدوى وأمور الهيئة باطلها أضعاف أضعاف حقها فأين العلم المتلقى من
الوحي النازل إلى الظن المأخوذ عن الرأي الزائل وأين العلم المأخوذ عن
رسول الله عن جبريل عن الله عز و جل إلى الظن المأخوذ عن رأي رجل لم يستنر
قلبه بنور الوحي طرفة عين وإنما معه حدسه وتخمينه ونسبه ما يدركه العقلاء
قاطبة بعقولهم إلى ما جاءت به الرسل كنسبة سراج ضعيف إلى ضوء الشمس و لا
تجدو ولو عمرت عمر نوح مسألة واحدة أصلا اتفق فيها العقلاء كلهم على خلاف
ما جاءت به الرسل في أمر من الأمور البتة فالأنبياء لم تأت بما يخالف صريح
العقل البتة وإنما جاءت بما لا يدركه العقل فما جاءت به الرسل مع العقل
ثلاثة أقسام لا رابع لها البتة قسم شهد به العقل والفطرة وقسم يشهد بجملته
ولا يهتدى لتفصيله وقسم ليس في العقل قوة إدراكه وأما القسم الرابع وهو ما
يحيله العقل الصريح ويشهد ببطلانه فالرسل بريئون منه وإن ظن كثير من
الجهال المدعين للعلم والمعرفة أن بعض ما جاءت به الرسل يكون من هذا القسم
فهذا إما لجهله بما جاءت به وإما لجهله بحكم العقل أو لهما فصل
في
مقدار زمان الحمل واختلاف الأجنة في ذلك



قال الله تعالى ووحينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها
وحمله وفصاله ثلاثون شهرا الأحقاف 15 فأخبر تعالى أن مدة الحمل والفطام
ثلاثون شهرا وأخبر في آية البقرة أن مدة تمام الرضاع حولين كاملين فعلم أن
الباقي يصلح مدة للحمل وهو ستة أشهر فاتفق الفقهاء كلهم على أن المرأة لا
تلد لدون ستة أشهر إلا أن يكون سقطا وهذا أمر تلقاه الفقهاء عن الصحابة
رضي الله عنهم فذكر البيهقي وغيره عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي أن عمر
أتي بامرأة قد
ولدت لستة أشهر فهم عمر برجمها فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه فقال ليس عليها
رجم فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه فسأله فقال والوالدات يرضعن أولادهن حولين
كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة البقرة 233 وقال وحمله وفصاله ثلاثون شهرا
الأحقاف 15 فستة أشهر حمله وحولان تمام الرضاعة لا حد عليهما فخلى عنها
وفي موطأ مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أتي
بامرأة قد ولدت في ستة أشهر فأمر بها أن ترجم فقال علي ليس ذلك عليها قال
الله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال وفصاله في عامين فأمر بها عثمان
أن ترد فوجدها قد رجمت وذكر داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان
يقول إذا ولدت المرأة
لتسعة أشهر كفاها من الرضاع أحد وعشرون شهرا وإذا وضعت لسبعة أشهر كفاها
من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا وإذا وضعت لستة أشهر كفاها من الرضاع أربعة
وعشرون شهرا كما قال تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا انتهى كلامه وقال
الله تعالى الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام
وما تزداد الرعد 8 قال ابن عباس وما تغيض الأرحام ما تنقص عن تسعة أشهر
وما تزداد وما تزيد
عليها ووافقه على هذا أصحابه كمجاهد وسعيد ابن جبير وقال مجاهد أيضا إذا
حاضت المرأة على ولدها كان ذلك نقصانا من الولد وما تزداد قال إذا زادت
على تسعة أشهر كان ذلك تماما لما نقص من ولدها وقال أيضا الغيض ما رأت
الحامل من الدم في حملها وهو نقصان من الولد والزيادة ما زاد على التسمة
أشهر وهو تمام النقصان وقال الحسن ما تغيض الأرحام ما كان من سقط وما
تزداد المرأة تلد لعشرة
أشهر وقال عكرمة تغيض الأرحام الحيض بعد الحمل فكل يوم رأت فيه الدم حاملا
ازداد به في الأيام طاهرا فما حاضت يوما إلا ازدادت في الحمل يوما وقال
قتادة الغيض السقط وما تزداد فوق التسعة أشهر وقال سعيد بن جبير إذا رأت
المرأة الدم على الحمل فهو الغيض للولد فهو
نقصان في غذاء الولد وزيادة في الحمل تغيض وتزداد فعلان متعديان مفعولهما
محذوف وهو العائد على ما الموصولة والغيض النقصان ومنه وغيض الماء هود 44
وضده الزياده والتحقيق في معنى الآية أنه يعلم مدة الحمل وما يعرض فيها من
الزيادة والنقصان فهو العالم بذلك دونكم كما هو العالم بما تحمل كل أنثى
هل هو ذكر أو أنثى وهذا أحد أنواع الغيب التي لا يعلمها إلا الله كما في
الصحيح عنه مفاتيح
الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله لا يعلم متى تجيء الساعة إلا الله ولا يعلم
ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يجيء الغيث إلا الله ولا يعلم ما في
الأرحام إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله فهو سبحانه المنفرد
بعلم ما في الرحم وعلم وقت إقامته فيه وما يزيد من
بدنه وما ينقص وما عدا هذا القول فهو من توابعه ولوازمه كالسقط والتام
ورؤية الدم وانقطاعه والمقصود ذكر مدة إقامة الحمل في البطن وما يتصل بها
من زيادة ونقصان
فصل


وأما أقصاها فقال ابن المنذر اختلف أهل العلم في ذلك فقالت طائفة أقصى
مدته سنتان وروي هذا القول عن عائشة وروي عن الضحاك
وهرم بن حيان أن كل واحد منهما أقام في بطن أمه سنتين وهذا قول
سفيان الثوري وفيه قول ثان وهو أن مدة الحمل قد تكون ثلاث سنين روينا عن
الليث بن سعد
أنه قال حملت مولاة لعمر بن عبد الله ثلاث سنين وفيه قول ثالث أن أقصى
مدته أربع سنين هكذا قال الشافعي رحمه الله قلت وعن الإمام أحمد رحمه الله
روايتان أنه أربع سنين والثانية سنتان قال
واختلف فيه عن مالك فالمشهور عنه عند أصحابه مثل ما قال الشافعي وحكى ابن
الماجشون عنه ذلك ثم رجع لما بلغه قصة المرأة التي وضعت لخمس سنين وفيه
قول آخر أن مدة الحمل قد تكون خمس سنين حكي عن عباد بن العوام أنه قال
ولدت امرأة معنا في الدار لخمس سنين قال فولدته وشعره يضرب إلى ها هنا
وأشار إلى العنق قال ومر به طير فقال هش وقد حكي عن ابن عجلان أن امرأته
كانت تحمل خمس سنين وفيه قول خامس قال الزهري أن المرأة تحمل ست سنين وسبع
سنين فيكون ولدها
مخشوشا في بطنها قال وقد أتى سعيد بن مالك بامرأة حملت سبع سنين وقالت
فرقة لا يجوز في هذا الباب التحديد والتوقيت بالرأي لأنا وجدنا
لأدنى الحمل أصلا في تأويل الكتاب وهو الأشهر الستة فنحن
نقول بهذا ونتبعه ولم نجد لآخره وقتا وهذا قول أبي عبيد ودفع بهذا حديث
عائشة وقال المرأة التي روته عنها مجهولة وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل
العلم أن المرأة إذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها الرجل أن
الولد غير لا حق به فان جاءت به لستة أشهر من يوم نكحها فالولد له وهذا
وأمثاله يدل على أن الطبيعة التي هي منتهى سير الطبائعيين لها رب قاهر
قادر يتصرف فيها بمشيئته وينوع فيها خلقه كما يشاء ليدل من له عقل على
وجوده ووحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله وإلا فمن أين في الطبيعة المجردة
هذا الاختلاف العظيم والتباين الشديد ومن أين في الطبيعة خلق هذا النوع
الإنساني على أربعة أضرب أحدهما لا من ذكر ولا من أنثى كآدم الثاني من ذكر
بلا أنثى كحواء صلوات
الله عليها الثالث من أنثى بلا ذكر كالمسيح الرابع من ذكر وأنثى كسائر
النوع ومن أين في الطبيعة والقوة هذا التركيب والتقدير والتشكيل وهذه
الأعضاء والرباطات والقوى والمنافذ والعجائب التي ركبت في هذه النطفة
المهينة لو لا بدائع صنع الله ما وجدت تلك العجائب في مستقذر الماء يا
أيها الأنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء
ركبك الانفطار 6 - 8 إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في
السماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم
آل عمران 5 و 6 لقد دل سبحانه على نفسه أوضح دلالة بما أشهده كل عبد على
نفسه من حاله وحدوثه وإتقان صنعه وعجائب خلقه وآيات قدرته وشواهد حكمته
فيه ولقد دعا سبحانه الإنسان إلى النظر في مبدإ خلقه وتمامه فقال تعالى
فلينظر
الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب الطارق 6 - 7
وقال يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من
نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام
ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى
ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا الحج 5 وقال
تعالى وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون الذاريات 20 -
21 وهذا في القرآن كثير لمن تدبره وعقله وهو شاهد منك عليك فمن أين
للطبيعة والقوة المحصورة هذا الخلق والإتقان والإبداع وتفصيل تلك العظام
وشد بعضها ببعض على اختلاف أشكالها ومقاديرها ومنافعها وصفاتها ومن جعل في
النطفة تلك العروق واللحم والعصب ومن فتح لها تلك الأبواب والمنافذ ومن
شق سمعها وبصرها ومن ركب فيها لسانا تنطق به وعينين تبصر بهما وأذنين تسمع
بهما وشفتين ومن أودع فيها الصدر وما حواه من المنافع والآلات التي لو
شاهدتها لرأيت العجائب ومن جعل هناك حوضا وخزانة يجتمع فيها الطعام
والشراب وساق إليه مجاري
وطرقا ينفذ فيها فيسقي جميع أجزاء البدن كل جزء يشرب من مجراه الذي يختص
به لا يتعداه قد علم كل أناس مشربهم البقرة 60 ومن أخذ منها تلك القوى
التي بها تمت مصالحها ومنافعها ومن أودع فيها العلوم الدقيقة والصنائع
العجيبة وعلمها ما لم تكن تعلم وألهمها فجورها وتقواها ونقلها في أطوار
التخليق طورا بعد طور وطبقا بعد طبق إلى أن صارت شخصا حيا ناطقا سميعا
بصيرا عالما متكلما آمرا ناهيا مسلطا على طير السماء وحيتان الماء ووحوش
الفلوات عالما بما لا يعلمه غيره من المخلوقات قتل الإنسان ما أكفره من أي
شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء
أنشره عبس 22 - 15 فصل وقد زعم طائفة ممن تكلم في خلق الإنسان أنه إنما
يعطى السمع والبصر بعد
ولادته وخروجه من بطن أمه واحتج بقوله تعالى والله أخرجكم من بطون أمهاتكم
لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار
والأفئدة لعلكم تشكرون النحل 77 واحتج أنه في بطن الأم لا يرى شيئا ولا
يسمع صوتا فلم يكن لإعطائه السمع والبصر هناك فائدة وليس ما قاله صحيحا ولا
حجة له في الآية لأن الواو لا ترتيب فيها بل الآية
حجة عليه فإن فؤاده مخلوق وهو في بطن أمه وقد تقدم حديث حذيفة بن أسيد
والصحيح إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها
وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وهذا وإن كان المراد به العين والأذن
فالقوة السامعة والباصرة مودوعة فيها وأما الإدراك بالفعل فهو موقوف على
زوال الحجاب المانع منه فلما زال بالخروج من البطن عمل المقتضى عمله والله
أعلم
فصل


في ذكر أحوال الجنين بعد تحريكه وانقلابه عند تمام نصف السنة يعرض للجنين
في هذا الوقت أن يهتك غشاؤه والحجب التي عليه وأن ينتقل عن مكانه نحو فم
الرحم فإن كان الجنين قويا وكانت أغشيته التي تغشيه وسرته أضعف تم الولاد
وإن كان الجنين ضعيفا وأغشيته وسرته أقوى فإما أن يهتكها بعض الهتك ولا
يولد فيبقى مريضا أربعين يوما إلى تمام آخر الشهر الثامن
فإن ولد في هذه الأربعين يوما مات ولم يمكن تربيته ولا بقاؤه
وإن هو هتك أغشيته كل الهتك حتى يمكن تلافي ذلك ولم يولد مات فإن لم يسقط
والا قتل الحامل به وإن تهتك أغشيته هتكا يمكن تلافيه بقي ولم يمت ومكث في
موضعه الذي تحرك نحوه وانقلب إليه عند فم الفرج وإنما يعرض لهم المرض في
هذه الأربعين يوما إذا لم يولدوا بعد تحركهم لأنهم ينقلبون عن مكانهم الذي
نشؤوا فيه وتتغير مواضعهم وانخلاع السرة بانتقاله ولأن أمهاتهم يعرض لهن
أن يمرضن عند ذلك لتمدد الأغشية وانخلاع السرة المتصلة بالرحم منهن ولأن
الجنين إذا انحل رباطه ثقل على أمه فصل
في سبب الشبه للأبوين أو أحدهما
وسبب الإذكار والإيناث وهل لهما
علامة



وقت الحمل أم لا تقدم ذكر قوله تعالى هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء
آل عمران 6 وثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أم سليم سألت
النبي عن
المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال إذا رأت المرأة ذلك فلتغتسل فقال
أم سليم واستحيت من ذلك وهل يكون
هذا فقال النبي نعم فمن أين يكون الشبه ماء الرجل غليظ أبيض
وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه وفي صحيح مسلم
عن عائشة أن المرأة قالت لرسول الله هل تغتسل المرأة إذا
حملت فأبصرت الماء فقال نعم فقالت لها عائشة تربت يداك فقال رسول الله
دعيها وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد
أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه وفي صحيح مسلم عن ثوبان قال
كنت قائما عند رسول الله فجاء حبر من أحبار
اليهود فقال السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال لم
تدفعني فقلت ألا تقول يا رسول الله فقال اليهودي إنما ندعوه باسمه الذي
سماه به أهله فقال رسول الله اسمي محمد الذي سماني به أهلي فقال اليهودي
جئت أسألك فقال رسول الله أينفعك شبى إن حدثتك فقال أسمع بأذني فنكت رسول
الله بعود معه فقال سل فقال اليهودي أين يكون الناس
حين تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فقال رسول الله هم في الظلمة دون
الجسر فقال فمن أول الناس إجازة يوم القيامة قال فقراء المهاجرين قال
اليهودي فما تحفتهم حين يدخلون الجنة قال زيادة كبد النون قال فما غذاؤهم
على إثرها قال ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال فما
شرابهم عليه قال عينا فيها تسمى سلسبيلا قال صدقت قال أردت أن أسألك عن
شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان قال ينفعك إن
حدثتك قال أسمع بأذني قال جئت أسألك عن الولد قال ماء الرجل أبيض وماء
المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله وإذا
علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله تعالى فقال اليهودي لقد صدقت
وإنك لنبي ثم انصرف فذهب فقال رسول الله لقد سألني عن الذي سألني عنه
ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله عز و جل به وفي مسند الإمام أحمد من
حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله
هو ابن مسعود قال مر يهودي برسول الله وهو يحدث
أصحابه فقال رجل من قريش يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي فقال لأسألنه عن
شيء لا يعلمه إلا نبي فجاء حتى جلس ثم قال يا محمد ممم يخلق الإنسان قال
يا يهودي من كل يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة فأما نطفة الرجل فنطفة
غليظة منها العظم والعصب وأما نطفة المرأة نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها
اللحم والدم فقام اليهودي فقال هكذا كان يقول من قبلك فتضمنت هذه الأحاديث
أمورا أحدها أن الجنين يخلق من ماء الرجل وماء المرأة
خلافا لمن يزعم من الطبائعيين أنه إنما يخلق من ماء الرجل وحده وقد قال
تعالى فلينظر الإنسان مم خلق ; خلق من ماء من ماء دافق ; يخرج من بين
الصلب والترائب الطارق 7 - 5 قال الزجاج قال أهل اللغة التربية موضع
القلادة من الصدر والجمع ترائب وقال أبو عبيدة الترائب معلق الحلي من
الصدر وهو قول جميع أهل اللغة وقال عطاء عن ابن عباس يريد صلب الرجل
وترائب المرأة وهو موضع قلادتها وهذا قول الكلبي ومقاتل وسفيان وجمهور أهل
التفسير وهو المطابق
لهذه الأحاديث وبذلك أجرى الله العادة في أيجاد ما يوجده من بين أصلين
كالحيوان والنبات وغيرهما من المخلوقات فالحيوان ينعقد من ماء الذكر وماء
الأنثى كما ينعقد النبات من الماء والتراب والهواء ولهذا قال الله تعالى
بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة الأنعام 1 : 1 فإن
الولد لا يتكون إلا من بين الذكر وصاحبته و لا ينتقض هذا بآدم وحواء
أبوينا ولا بالمسيح فإن الله سبحانه مزج تراب آدم بالماء حتى صار طينا ثم
أرسل عليه الهواء والشمس حتى صار كالفخار ثم نفخ فيه الروح وكانت حواء
مستلة منه وجزءا من أجزائه والمسيح خلق من ماء مريم ونفخة الملك وكانت
النفخة له كالأب لغيره
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : تحفة المودود بأحكام المولود الجزء الرابع Empty رد: كتاب : تحفة المودود بأحكام المولود الجزء الرابع {الثلاثاء 5 يوليو - 15:28}

فصل


الأمر الثاني إن سبق أحد المائين سبب لشبه السابق ماؤه وعلو أحدهما سبب
لمجانسة الولد للعالي ماؤه فها هنا أمران سبق وعلو وقد يتفقان وقد يفترقان
فإن سبق ماء الرجل ماء المرأة وعلاه كان الولد ذكرا والشبه للرجل وإن سبق
ماء المرأة وعلا ماء الرجل كانت أنثى والشبه للأم وإن سبق أحدهما وعلا
الآخر كان الشبه للسابق ماؤه والإذكار والإيناث لمن علا ماؤه
ويشكل على هذا أمران أحدهما أن الإذكار والإيناث ليس له سبب
طبيعي وإنما هو مستند إلى مشيئة الخالق سبحانه ولهذا قال في الحديث الصحيح
فيقول الملك يا رب أذكر أم أنثى فما الرزق فما الأجل شقي أم سعيد فيقضي
الله ما يشاء ويكتب الملك فكون الولد ذكر أو أنثى مستند إلى تقدير الخلاق
العليم كالشقاوة والسعادة والرزق والأجل وأما حديث ثوبان فانفرد به مسلم
وحده والذي في صحيح البخاري إنما هو الشبه وسببه علو ماء أحدهما أو سبقه
ولهذا قال فمن أيهما علاأو سبق يكون الشبه له الأمر الثاني أن القافة
مبناها على شبه الواطئ لا على شبه الأم ولهذا قال
النبي في ولد الملاعنة انظروها فإن جاءت به على نعت كذا وكذا فهو لشريك بن
السمحاء يعني الذي رميت به وإن جاءت به على نعت كذا وكذا فهو لهلال بن
أمية فاعتبر شبه الواطئ ولم يعتبر شبه الأم ويجاب عن هذين الإشكالين أما
الأول فإن الله سبحانه قدر ما قدره من أمر النطفة من حين وضعها في
الرحم إلى آخر أحوالها بأسباب قدرها حتى الشقاوة والسعادة والرزق والأجل
والمصيبة كل ذلك بأسباب قدرها ولا ينكر أن يكون
للإذكار والإيناث أسباب كما للشبه أسباب لكون السبب غير موجب لمسببه بل
إذا شاء الله جعل فيه اقتضاءه وإذا شاء سلبه اقتضاءه وإذا شاء رتب عليه ضد
ما هو سبب له وهو سبحانه يفعل هذا تارة وهذا تارة وهذا تارة فالموجب مشيئة
الله وحده فالسبب متصرف فيه لا متصرف محكوم عليه لا حاكم مدبر ولا مدبر
فلا تضاد بين قيام سبب الإذكار والإيناث وسؤال الملك ربه تعالى أي الأمرين
يحدثه في الجنين ولهذا أخبر سبحانه أن الإذكار والإيناث وجمعهما هبة محضه
منه سبحانه راجع إلى مشيئه وعلمه وقدرته فإن قيل فقول الملك يا رب أذكر أم
أنثى مثل قوله ما الرزق وما الأجل وهذا
لا يستند إلى سبب من الواطئ وإن كان يحصل بأسباب غير ذلك قيل نعم لا يستند
الإذكار والإيناث إلى سبب موجب من الوطء وغاية ما هناك أن ينعقد جزء من
أجزاء السبب تمام السبب من أمور خارجة عن الزوجين ويكفي في ذلك أنه إن لم
يأذن الله باقتضاء السبب لمسببه لم يترتب عليه فاستناد الإذكار والإيناث
إلى مشيئته سبحانه لا ينافي حصول السبب وكونهما بسبب لا ينافي استنادهما
إلى المشيئة ولا يوجب الاكتفاء بالسبب وحده وأما تفرد مسلم بحديث ثوبان
فهو كذلك والحديث صحيح لا مطعن فيه
ولكن في القلب من ذكر الإيناث والإذكار فيه شيء هل حفظت هذه اللفظة أو هي
غير محفوظة والمذكور إنما هو الشبه كما ذكر في سائر الأحاديث المتفق على
صحتها فهذا موضع نظر كما ترى والله أعلم فصل وأما الأمر الثالث وهو اعتبار
القائف لشبه الأب دون الأم فذلك لأن كون
الولد من الأم أمر محقق لا يعرض فيه اشتباه سواء أشبهها أو لم يشبهها
وإنما يحتاج إلى القافة في دعوى الآباء ولهذا يلحق بأبوين عند أصحاب رسول
الله وأكثر فقهاء الحديث ولا يلحق بأمين فإذا ادعاه أبوان أري القافة
فألحق بمن كان الشبه له إذا لم يكن ثم فراش فإن كان هناك فراش لم يلتفت
إلى مخالفة الشبه له فالشبه دليل عند عدم معارضة ما هو أقوى منه من الفراش
والبينة نعم لو ادعاه امرأتان أري القافة فألحق بمن كان أشبه بها منهما
فعملنا بالشبه في الموضعين ونص الأمام أحمد على اعتبار القافة في حق
المرأتين فسئل عن يهودية ومسلمة
ولدتا فادعت اليهودية ولد المسلمة فقيل له يكون في هذه القافة قال ما
أحسنه وهذا أصح الوجهين للشافعية وقالوا في الوجه الآخر لا تعتبر القافة
ها هنا لإمكان معرفة
الأم يقينا بخلاف الاب والصحيح اعتبار القافة في حق المرأتين لأنه اعتبار
لشبه الأم والولد يأخذ الشبه من الأم تارة ومن الأب تارة بدليل ما ذكرنا
من حديث عائشة وأم سلمة وعبد الله بن سلام وأنس بن مالك وثوبان رضي الله
عنهم وإمكان معرفة الأم يقينا لا يمنع اعتبار القافة عند عدم اليقين كما
نتعبرها بالشبه إلى الرجلين عند عدم الفراش وقد روى سليمان بن حرب عن حماد
عن هشام بن حسان عن محمد ابن سيرين قال حج
بنا الوليد ونحن سبعة ولد سيرين فمر بنا إلى المدينة فلما دخلنا على زيد
بن ثابت رضي الله عنه قيل له هؤلاء بنو سيرين قال فقال زيد هذان لأم وهذان
لأم وهذان لأم فما أخطأ وقد قال بقراط في كتاب الأجنة وإذا كان مني الرجل
أكثر من مني المرأة أشبه
الطفل أباه وإذا كان مني المرأة أكثر من مني الرجل أشبه الطفل أمه وقال
المني ينزل من أعضاء البدن كلها ويجري من الصحيحة صحيحا ومن السقيمة سقيما
وقال إن الصلع يلدون صلعا والشهل يلدون شهلا والحول حولا وقال أما اللحم
فإنه يربو ويزداد مع اللحم ويخلق فيه مفاصل ويكون كل شيء من الجنين شبيها
بما يخرج منه وقال قد يتولد مرارا كثيرة من العميان ومن به شامة أو أثر
ومن به علامات أخر ممن به علامة مثلها وكثيرا ما يولد أبناء يشبهون
أجدادهم أو يشبهون
آباءهم وقال الذكور في الأكثر يشبهون آباءهم والإناث يشبهن أمهاتهن
فصل


وقد يكون قبح المولود وحسنه من أسباب أخر منها أن أفكار الوالدين وخاصة
الوالدة إذا جالت عند المباضعة وبعدها إلى
وقت خلق الجنين في الأشخاص التي تشاهدها وتعاينها وتتذكرها وتشتاقها لأنها
تحبها و تودها فإذا دامت الفكرة فيه والأشتياق إليه أشبه الجنين وتصور
بصورته فإن الطبيعة نقالة واستعدادها وقبولها أمر يعرفه كل أحد وحدثني
رئيس الأطباء بالقاهرة قال أجلست ابن أخي يكحل الناس فما مكث إلا
يسيرا حتى جاء وبه رمد فلما برأ منه عاد فعاوده الرمد فعلمت أنه من فتح
عينيه في أعين الرمد والطبيعة نقالة وقد ذكر الأطباء أن إدمان الحامل على
أكل السفرجل والتفاح مما يحسن وجه
المولود ويصفي لونه وكرهوا للحامل رؤية الصور الشنيعة والألوان الكمدة
والبيوت الوحشة الضيقة وأن ذلك كله يؤثر في الجنين فصل وقال بقراط في كتاب
الأجنة إذا حصل مني الرجل داخل الرحم
عند الجماع ولم يسل إلى خارج ولكنه مكث في فم الرحم وانضم فمه
علقت المرأة وإذا انضم فم الرحم اختلط المنيان في جوفه وتم الحبل فإذا
توافق إنزال الرجل وإنزال المرأة في وقت واحد واختلط الماءان وثبتا في
الرحم واشتمل عليهما وانضم علقت المرأة وتدبير ذلك يكون في ثلاثة أوقات
قبل المباضعة ومعها وبعدها بإعداد الرحم لقبول النطفة ومعها بإيصال النطفة
إلى مستقرها في الرحم واتفاق الإنزالين وبعدها بثبات النطفة في الرحم
وإمساكه عليها وحفظها من الخروج والفساد قلت السبب المذكور غير موجب وإنما
الموجب مشيئة الله وحده كما بينا والله أعلم
فصل


وإذا تكون الجنين وصوره الخالق البارىء المصور خلق ورأسه إلى فوق ورجلاه
إلى أسفل فعندما يأذن الله بخروجه ينقلب ويصير رأسه إلى أسفل فيتقدم رأسه
سائر بدنه هذا باتفاق من الأطباء والمشرحين وهذا من تمام العناية الإلهية
بالجنين وأمه لأن رأسه إذا خرج أولا كان خروج سائر بدنه أسهل من غير أن
يحتاج شيء منها إلى أن ينثني فإن الجنين لو خرجت رجلاه أولا لم يؤمن أن
ينشب في الرحم عند يديه وإن خرجت رجله الواحدة لم يؤمن أن يعلق وينشب في
الرحم عند إدراكه وإن خرجت اليدان لم يؤمن أن ينشب عند رأسه إما أنه يلتوي
إلى خلف وإما
لأن السرة تلتوي إلى عنقه أو كتفه لأن الجنين إذا انحدر فصار
إلى موضع فيه السرة ممتدة التوت هناك على عنقه وكتفه فيعرض من ذلك إما أن
يجاذب السرة فتألم الأم غاية الألم ثم إن الجنين إما أن يموت وإما أن يصعب
خروجه ويخرج وهو عليل متورم فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن ينقلب في البطن
فيخرج رأسه أولا ثم يتبع الرأس باقي البدن فصل
في السبب الذي لأجله لا
يعيش الولد إذا ولد لثمانية أشهر ويعيش
إذا ولد



لسبعة أشهر وتسعة وعشرة إذا أتم الجنين سبعة أشهر عرض له حركة قوية يتحركها
بالطبع للانقلاب
والخروج فإن كان الجنين قويا من الأطفال الذين لهم بالطبع قوة شديدة في
تركيبهم وجبلتهم حتى يقدر بحركته على أن يهتك ما يحيط به من الأغشية
المحيطة به المتصلة بالرحم حتى ينفذ ويخرج منها خرج في الشهر السابع وهو
قوي صحيح سليم لم تؤلمه الحركة ولم يمرضه الانقلاب وإن كان ضعيقا عن ذلك
فهو إما أن يعطب بسب ما يناله من الضرر والألم بالحركة للانقلاب فيخرج
ميتا وإما أن يبقى في البطن فيمرض ويلبث في مرضه نحوا من أربعين يوما حتى
يبرأ وينتعش ويقوى فإذا ولد في حدود الشهر الثامن ولد وهو مريض لم يتخلص
من ألمه فيعطب ولا يسلم ولا يتربى
وإن لبث في الرحم حتى يجوز هذه الأربعين يوما إلى الشهر التاسع
وقوي وصح وانتعش وبعد عهده بالمرض كان حريا أن يسلم وأولاهم بأن يسلم
أطولهم بعد الانقلاب لبثا في الرحم وهم المولودون في الشهر العاشر وأما من
ولد بين العاشر والتاسع فحالهم في ذلك بحسب القرب والبعد وقال غيره العلة
في أنه لا يمكن أن يعيش المولود لثمانية أشهر أنه يتوالى
عليه ضربان من الضرر أحدهما انقلابه في الشهر السابع في جوف الرحم للولادة
والثاني تغير الحال عليه بين مكانه في الرحم وبين مكانه في الهواء وإن كان
قد يعرض ذلك التغيير لجميع الأجنة لكن المولود لسبعة أشهر ينجو من الرحم
قبل أن يناله الضرر الذي من داخل بعقب الانقلاب والأمراض التي تعرض في جوف
الرحم فالمولود لسبعة أشهر وعشرة أشهر يلبث في الرحم حتى يبرأ وينجو من
تلك الأمراض فليس يتوالى عليه الضرران معا والمولود لثمانية أشهر يتوالى
عليه الضرران معا وكذلك لا يمكن أن يعيش وجميع الأجنة في الشهر الثامن
يعرض لهم المرض ويدلك على ذلك أنك تجد جميع الحوامل والحبالى في الشهر
الثامن أسوأ حالا
وأثقل منهن في مدة الشهور التي قبل هذا الشهر وبعده وأحوال الأمهات متصلة
بأحوال الأجنة
فصل


وبكاء الطفل ساعة ولادته يدل على صحته وقوته وشدته وإذا وضع الطفل يده أو
إبهامه أو إصبعه على عضو من أعضائه فهو دليل على ألم ذلك العضو وكل
الحيوان بالطبع يشير إلى ما يؤلمه من بدنه إما بيده أو بفمه أو برأسه أو
بذنبه فلما كان الطفل عادما للنطق أشار بأصبعه أو يده إلى موضع ألمه
كالحيوان البهيم فصل في أن الأطفال وهم حمل في الرحم أقوى منهم بعد ولادهم
وأصبر وأشد احتمالا
لما يعرض لهم وكذلك تكون العناية بهم بعد ولادهم آكد والحذر عليهم أشد فإن
أغصان الشجرة وفروعها ما دامت لاصقة بالشجرة ومتصلة بها لا تكاد الرياح
العواصف تزعزعها ولا تقتلعها فإذا فصلت عنها وغرست في مواضع أخر نالتها
الآفة ووصلت إليها بأدنى ريح تهب حتى تقتلعها وكذلك الجنين ما دام في الرحم
فهو يقوى ويصبر على ما يعرض له ويناله من
سوء التدبير والأذى على ما لا يصبر على اليسير منه بعد ولادته وانفصاله عن
الرحم وكذلك الثمرة على الشجرة أقوى منها وأثبت بعد قطعها منها
ولما كان مفارقة كل معتاد ومألوف بالانتقال عنه شديدا على من
رامه ولا سيما إذا كان الانتقال دفعة واحدة فالجنين عند مفارقته للرحم
ينتقل عما قد ألفه واعتاده في جميع أحواله دفعة واحدة وشدة ذلك الانتقال
عليه أكثر من شدة الانتقال بالتدريج ولذلك قال بقراط قد يعلم بأهون سعي
وأيسره أن التدبير الرديء من المطعم
والمشرب إذا كان يجري مع رداءته على أمر واحد يشبه بعضه بعضا دائما فهو
أوثق وأحرز وأبعد عن الخطر في التماس الصحة للأبدان من أن ينقل الرجل
تدبيره دفعة واحدة إلى غذاء أفضل منه فالجنين ينتقل عما ألفه واعتاده في
غذائه وتنفسه ومداخله وما يكتنفه وهلة واحدة وهذه أول شدة يلقاها في الدنيا
ثم تتوافر عليها الشدائد حتى يكون آخرها
الشدة العظمى التي لا شدة فوقها أو الراحة العظمى التي لا تعب دونها ولذلك
لا يبكي عند ورود هذه الشدة عليه مع ما يلقاه من وكز الشيطان وطعنه في
خاصرته
فصل


والجنين في الرحم كان يغتذي بما يلائمه وكان يجتذب بالطبع المقدار الذي
يلائمه من دم أمه وبعد خروجه يجتذب من اللبن ما يلائمه أيضا لكنه يجتذب
بشهوته وإرادته فيزيد على مقدار ما يحتاج إليه مع كون اللبن
يكون رديئا ومعلولا كما يكون صحيحا وكذلك يعرض له القيء
والغثيان ويجتذب أخلاط بدنه وتعرض له الآلام والأوجاع والآفات التي لم
تعرض له في البطن وقد كان عليه من الأغشية والحجب ما يمنع وصول الأذى اليه
فلما ولد هيىء له أغشية وحجب أخر لم يكن يألفها ويعتادها وربما صحى للحر
والبرد والهواء وكان يجتذبه من سرته وهو ألطف شيء معتدل صحيح قد يصح قلب
الأم وعروقها الضوارب فهو شبيه بما يجتذبه من هو داخل الحمام من الهواء
اللطيف المعتدل ثم يخرج منه وهلة واحدة عريانا إلى الهواء العاصف المؤذي
وبالجملة فقد انتقل عن مألوفه وما اعتاده وهلة واحدة إلى ما هو أشد عليه
منه وأصعب وهذا من تمام حكمة الخلاق العليم ليمرن عبده على مفارقة عوائده
ومألوفاته إلى ما هو أفضل منها وأنفع وأوفق له وقد أشار تعالى إلى هذا
بقوله لتر كبن طبقا عن طبق الانشقاق 19 أي حالا بعد حال فأول أطباقة كونه
نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم جنينا ثم مولودا ثم رضيعا ثم فطميا ثم صحيحا أو
مريضا غنيا أو فقيرا معافى أو مبتلى إلى جميع أحوال الإنسان المختلفة عليه
إلى أن يموت ثم يبعث ثم يوقف بين يدي الله تعالى ثم يصير إلى الجنة أو
النار فالمعنى لتركبن حالا بعد حال ومنزلا بعد منزل وأمرا بعد أمر قال
سعيد بن جبير وابن زيد لتكونن في الآخرة بعد الأولى ولتصيرن
أغنياء بعد الفقر وفقراء بعد الغنى وقال عطاء شدة بعد شدة والطبق والطبقة
الحال ولهذا يقال كان فلان على
طبقات شتى قال عمرو بن العاص لقد كنت على طبقات ثلاث أي أحوال ثلاث قال
ابن الأعرابي الطبق الحال على اختلافها وقد ذكرنا بعض أطباق الجنين في
البطن من حين كونه نطفة إلى وقت ولاده ثم نذكر أطباقه بعد ولادته إلى
آخرها فنقول الجنين في الرحم بمنزلة الثمرة على الشجرة في اتصالها بمحلها
اتصالا قويا
فإذا بلغت الغاية لم يبق إلا انفصالها لثقلها وكمالها وانقطاع العروق
الممسكة لها فكذا الجنين تنهك عنه تلك الأغشية وتنفصل العروق التي تمسكه
بين المشيمة والرحم وتصير تلك الرطوبات المزلفة فتعينه بإزلاقها وثقله
وانتهاك الحجب وانفصال العروق على الخروج فينفتح الرحم انفتاحا عظيما جدا
ولا بد من انفصال بعض المفاصل العظيمة ثم تلتئم في أسرع زمان وقد اعترف
بذلك حذاق الأطباق والمشرحين وقالوا لا يتم ذلك إلا بعناية إلهية وتدبير
يعجز عقول الناس عن إدراك كيفيته فتبارك الله أحسن الخالقين فإذا انفصل
الجنين بكى ساعة انفصاله لسبب طبيعي وهو مفارقة إلفه
ومكانه الذي كان فيه وسبب منفصل عنه وهو طعن الشيطان في خاصرته فإذا انفصل
وتم انفصاله مد يده إلى فيه فإذا تم له أربعون يوما تجد له أمر آخر على
نحو ما كان يتجدد له وهو في الرحم فيضحك عند الأربعين وذلك أول ما يعقل
نفسه فإذا تم له شهران رأى المنامات ثم ينشأ معه التمييز والعقل على
التدريج شيئا فشيئا إلى سن التمييز وليس له سن معين بل من الناس ما يميز
لخمس كما قال محمود بن الربيع عقلت من النبي مجة مجها في وجهي من دلو في
بئرهم وأنا ابن خمس سنين ولذلك جعلت الخمس سنين حدا لحدة سماع الصبي
وبعضهم يميز لأقل منها ويذكر أمورا جرت له وهو دون الخمس سنين وقد ذكرنا
عن إياس بن معاوية أنه قال اذكر يوم ولدتني أمي فإني خرجت من ظلمة إلى ضوء
ثم صرت إلى ظلمة فسئلت أمه عن ذلك فقالت صدق لما انفصل مني لم يكن عندي ما
ألفه به فوضعت عليه قصعة وهذا من أعجب الإشياء وأندرها فإذا صار له سبع
سنين دخل في سن التمييز وأمر بالصلاة كما في المسند والسنن من حديث عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول
الله مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين وأضربوهم عليها
لعشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع وقد خير النبي ابنة فطيما بين أبويها
كما روى أبو داود في سننه من حديث
عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن رافع بن سنان الأنصاري قال أخبرني أبي
عن جدي رافع بن سنان أنه أسلم فأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي فقالت ابنتي
وهي فطيم أو شبهه وقال نافع ابنتي فقال رسول الله اقعد ناحية وقال لها
اقعدي ناحية فأقعد الصبية بينهما ثم قال ادعواها فمالت إلى أمها فقال
النبي اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها و لا أحسن من هذا الحكم ولا
أقرب إلى النظر والعدل وعند النسائي في رواية عن عبد الحميد بن جعفر
الأنصاري عن أبيه أن جده
أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاء بابن له صغير ولم يبلغ فأجلس النبي الأب
هاهنا والأم ها هنا ثم خيره وقال اللهم اهده فذهب إلى أبيه وفي المسند من
حديث أبي هريرة أن رسول الله خير غلاما بين أبيه
وأمه وأما تقيد وقت التخيير بسبع فليس في الأحاديث المرفوعة اعتباره وإنما
ذكر
فيه أثر عن علي وأبي هريرة قال عمارة الجرمي خيرني علي بين أمي وعمي وكنت
ابن سبع سنين أو ثمان سنين وهذا لا يدل على أن من دون ذلك لا يخير بل اتفق
أن ذلك الغلام المخير كان سنه ذلك وفي السنن من حديث أبي هريرة جاءت امرأة
إلى النبي فقالت يا رسول الله إن
زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال له
النبي هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيدأيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به ولم
يسأل عن سنه وظاهر أمره أن غاية ما وصل إليه أنه سقاها من البئر فليس في
أحاديث التخيير مرفوعها وموقوفها تقييد بالسبع والذي دلت عليه أنه متى ميز
بين أبيه وأمه خير بينهما والله أعلم وكذلك صحة إسلامه لا تتوقف على السبع
بل متى عقل الإسلام ووصفه صح إسلامه
واشترط الخرقي أن يكون ابن عشر سنين وقد نص
أحمد على ذلك في الوصية فإنه قال في رواية ابنيه صالح وعبد الله وعمه أبي
طالب وإسحاق بن ابراهيم وأبي داود وابن منصور على اشتراط العشر سنين لصحة
وصيته وقال له أبو طالب فإن كان دون العشرة قال لا واحتج في رواية إسحاق
بن ابراهيم بأنه يضرب على الصلاة لعشر وأما إسلامه فقال في المغنى أكثر
المصححين لإسلامه لم يشترطوا العشر ولم يحدوا له حدا وحكاه ابن المنذر عن
أحمد لأن المقصود حصل لا حاجة الى زيادة عليه وروي عن أحمد إذا كان ابن سبع
سنين فإسلامه إسلام لأن النبي قال مروهم
بالصلاة لسبع فدل على أن ذلك حد لأمرهم وصحة عباداتهم فيكون حدا لصحة
إسلامهم وقال ابن أبي شيبة إذا أسلم وهو ابن خمس سنين جعل إسلامه إسلاما
لأن عليا
أسلم وهو ابن خمس سنين وقال أبو أيوب أجيز إسلام ابن ثلاث سنين من أصاب
الحق من صغيرأو كبير أجزناه وهذا لايكاد يعقل الإسلام ولا يدري ما يقول
ولا يثبت لقوله حكم فإن وجد ذلك منه ودلت أقواله وأفعاله على معرفة
الإسلام وعقاله إياه صح منه كغيره انتهى كلامه فقد صرح الشيخ بصحة إسلام
ابن ثلاث سنين إذا عقل الإسلام وقد قال الميموني قلت لأبي عبد الله الغلام
يسلم وهو ابن عشر
سنين ولم يبلغ الحنث قال أقبل إسلامه قلت بأي شيء تحتج فيه قال أنا أضربه
على الصلاة ابن عشر وأفرق بينهم في المضاجع وقال الفضل بن زيادة سألت أحمد
عن الصبي النصراني يسلم كيف تصنع به قال إذا بلغ عشرا أجبرته على الإسلام
لأن النبي قال علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر فهذه رواية
وعنه رواية أخرى يصح إسلام ابن سبع سنين قال أبو الحارث قيل لأبي عبد الله
إن غلاما صغيرا أقر بالإسلام وشهد أن لا
إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وصلى وهو صغير لم يدرك ثم رجع عن
الإسلام يجوز إسلامه وهو صغير قال نعم إذا أتى له سبع سنين ثم أسلم أجبر
على الإسلام لأن النبي قال علموهم الصلاة لسبع فكان حكم الصلاة قد وجب إذ
أمر أن يعلموهم الصلاة لسبع وقال صالح قال أبي إذا بلغ اليهودي والنصراني
سبع سنين ثم أسلم أجبر على الإسلام لأنه إذا بلغ سبعا أمر بالصلاة قلت وإن
كان ابن ست قال لا فصل فإذا صار ابن عشر ازداد قوة وعقلا واحتمالا للعبادات
فيضرب على ترك الصلاة
كما أمر به النبي وهذا ضرب تأديب وتمرين وعند بلوغ العشر
يتجدد له حال أخرى يقوى فيها تمييزه ومعرفته ولذلك ذهب كثير من الفقهاء
إلى وجوب الإيمان عليه في هذا الحال وأنه يعاقب على تركه وهذا اختيار أبي
الخطاب وغيره وهو قول قوي جدا وإن رفع عنه قلم التكليف بالفروع فإنه قد
أعطي آلة معرفة الصانع والإقرار بتوحيده وصدق رسله وتمكن من نظر مثله
واستدلاله كما هو متمكن من فهم العلوم والصنائع ومصالح دنياه فلا عذر له
في الكفر بالله ورسوله مع أن أدلة الإيمان بالله ورسوله أظهر من كل علم
وصناعة يتعلمها وقد قال تعالى وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ
الأنعام 19 أي ومن
بلغه القرآن فكل من بلغه القرآن وتمكن من فهمه فهو منذر به والأحاديث التي
رويت في امتحان الأطفال والمعتوهين والهالك في الفترة إنما تدل على امتحان
من لم يعقل الإسلام فهؤلاء يدلون بحجتهم أنهم لم تبلغهم الدعوة ولم يعقلوا
الاسلام ومن فهم دقائق الصناعات والعلوم لا يمكنه أن يدلي على الله بهذه
الحجة وعدم ترتيب الأحكام عليهم في الدنيا قبل البلوغ لا يدل على عدم
ترتيبها عليهم في الآخرة وهذا القول هو المحكي عن أبي حنيفة وأصحابه وهو
في غاية القوة
فصل


ثم بعد العشر إلى سن البلوغ يسمى مراهقا ومناهزا للاحتلام فإذا بلغ خمس
عشرة سنة عرض له حال آخر يحصل معه الاحتلام ونبات الشعر الخشن حول القبل
وغلظ الصوت وانفراق أرنبة أنفه والذي اعتبره الشارع من ذلك أمران الاحتلام
والإنبات أما الاحتلام فقال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم
الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات ثم قال وإذا
بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذان الذين من قبلهم النور 59
وقال النبي رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق
وعن النائم حتى يستيقظ وقال لمعاذ خذ من كل حالم دينارا رواهما أحمد وأبو
داود وليس لوقت الاحتلام سن معتاد بل من الصبيان من يحتلم لاثنتي عشرة سنة
ومنهم من يأتي عليه خمس عشرة وست عشرة سنة وأكثر من ذلك ولا يحتلم واختلف
الفقهاء في السن الذي يبلغ به مثل هذا فقال الأوزاعي وأحمد والشافعي وأبو
يوسف ومحمد متى كمل خمس عشرة سنة حكم
ببلوغه ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال أحدها سبع عشرة والثاني ثماني
عشرة والثالث خمس عشرة وهو المحكي عن مالك وعن أبي حنيفة روايتان إحداهما
سبع عشرة والأخرى ثماني عشرة والجارية عند سبع عشرة وقال داود وأصحابه لا
حد له بالسن إنما هو الاحتلام وهذا قول قوي وليس عن
رسول الله في السن حد البتة وغاية ما احتج به من قيده بخمس عشرة سنة بحديث
ابن عمر حيث عرض على النبي في القتال وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم
عرض عليه وهو ابن خمس عشرة فأجازه وهذا الحديث وإن كان متفقا على صحته فلا
دليل فيه على أنه أجازه لبلوغه بل لعله استصغره أولا ولم يره مطيقا للقتال
فلما كان له خمس عشرة سنة رآه مطيقا للقتال فأجازه ولهذا لم يسأله هل
احتملت أو لم تحتلم والله سبحانه إنما علق الأحكام بالاحتلام وكذلك رسول
الله ولم يأت عنه في السن حديث واحد سوى ما حكاه ابن عمر من إجازته ورده
ولهذا اضطربت أقوال الفقهاء في السن الذي يحكم ببلوغ الصبي له وقد نص
الإمام أحمد أن الصبي لا يكون محرما للمرأة حتى يحتلم فاشترط الاحتلام فصل
وأما الإنبات فهو نبات الشعر الخشن حول قبل الصبي والبنت ولا اعتبار
بالزغب الضعيف وهذا مذهب أحمد ومالك وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر هو
علم في حق الكفار دون المسلمين لأن أولاد المسلمين يمكن معرفة بلوغهم
بالبينة وقبول قول البالغ منهم بخلاف الكافر وقال أبو حنيفة لا اعتبار به
بحال كما لا يعتبر غلظ الصوت وانفراق الأنف
واحتج من جعله بلوغا بما في الصحيحين أن النبي لما حكم سعد بن معاذ في بني
قريظة فحكم بأن تقتل مقاتلهتم وتسبى ذراريهم وأمر بأن يكشف عن مؤتزرهم فمن
أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت ألحق بالذرية قال عطية فشكوا في فأمر
النبي أن ينظروا الي هل أنبت بعد فنظروا في فلم يجدوني أنبت فالحقوني
بالذرية واستمر على هذا عمل الصحابة رضي الله عنهم بعد النبي فكتب عمر الى
عامله أن لا تأخذ الجزية الا ممن جرت عليه الموسى وذكر البيهقي من حديث
ابن علية عن اسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان أن عمر رفع اليه
غلام ابتهر جارية في شعره فقال انظروا اليه فلم يوجد أنبت فدرأ عنه الحد
قال أبو عبيد والابتهار أن يقذفها بنفسه ويقول فعلت بها كاذبا وذكر عن
عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه أتي بغلام قد سرق فقال انظروا الى مؤتزره
فنظروا فلم يجدوه أنبت الشعر فلم يقطعه وذكر
عن ابن عمر اذا أصاب الغلام الحد فارتيب فيه هل احتلم أم لا فانظر الى
عانته وفي هذا بيان أن الإنبات علم على البلوغ وعلى أنه علم في حق أولاد
المسلمين والكفار وعلى أنه يجوز النظر الى عورة الأجنبي للحاجة من معرفة
البلوغ وغيره وأما ما ذكره بعض المتأخرين أنه يكشف ويستدبره الناظر
ويستقبلان جميعا
المرآة وينظر اليها الناظر فيرى الإنبات فشيء قاله من تلقاء نفسه لم يفعله
رسول الله ولا أحد من الصحابة ولا اعتبره أحد من الأئمة قبله
فصل


فإذا تيقن بلوغه جرى عليه قلم التكليف وثبت له جميع أحكام الرجل ثم يأخذ
في بلوغ الأشد قال الزجاج الأشد من نحو سبع عشرة سنة الى نحو الأربعين
وقال ابن عباس في رواية عطاء عنه الأشد الحلم وهو اختيار يحيى بن يعمر
والسدي وروى مجاهد عنه ستا وثلاثين سنة وروى عنه أيضا ثلاثين وقال الضحاك
عشرين سنة وقال مقاتل ثمان عشرة وقد أحكم الزهري تحكيم اللفظة فقال بلوغ
الأشد يكون من وقت بلوغ الإنسان مبلغ الرجال الى أربعين
سنة قال فبلوغ الأشد محصور الأول محصور النهاية غير محصور ما
بين ذلك فبلوغ الأشد مرتبة بين البلوغ وبين الأربعين ومعنى اللفظة من
الشدة وهي القوة والجلادة والشديد الرجل القوي فالأشد القوي قال الفراء
واحدها شدة في القياس ولم أسمع لها بواحد وقال أبو الهيثم واحدها شدة كنعمة
وأنعم وقال بعض أهل اللغة واحدها شدة
بضم الشين وقال آخرون منهم هو اسم مفرد كالآنك وليس بجمع حكاهما ابن
الأنباري فصل ثم بعد الأربعين يأخذ في النقصان وضعف القوى على التدريج كما
أخذ في
زيادتها على التدريج قال الله تعالى الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد
ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة الروم 54 فقوته بين ضعفين وحياته
بين موتين فهو أولا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم جنينا ما دام في البطن فإذا
خرج فهو وليد فما لم يستتم سبعة أيام فهو صديغ بالغين المعجمة لأنه لم
يشتد صدغه ثم ما دام يرضع فهو رضيع فإذا قطع عنه اللبن فهو فطيم فإذا دب
ودرج فهو دارج قال الراجز يا ليتني قد زرت غير خارج ... أم صبي قد حبا
ودارج فإذا بلغ طوله خمسة
أشبار فهو خماسي فإذا سقطت أسنانه فهو مثغور
وقد ثفر فإذا نبتت بعد سقوطها فهو مثغر بوزن مدكر بالتاء والثاء معا فإذا
بلغ السبع وما قاربها فهو مميز فإذا بلغ العشر فهو مترعرع وناشئ فإذا قارب
الحلم فهو يافع ومراهق ومناهز للحلم فإذا بلغ فهو بالغ فإذا اجتمعت قوته
فهو حزور واسمه في جميع ذلك غلام ما لم يخضر شاربه فإذا اخضر شاربه وأخذ
عذاره في الطلوع فهو باقل وقد بقل وجهه بالتخفيف ثم هو ما بين ذلك وبين
تكامل لحيته فتى وشارخ بحصول شرخ الشباب له قال الجوهري الفتى الشاب
والفتاة الشابة ويطلق الفتى على المملوك وإن كان
شيخا كبيرا ومنه الحديث لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي ويقال
الفتى على السخي الكريم فإذا اجتمعت لحيته فهو شاب إلى الأربعين ثم يأخذ
في الكهولة إلى الستين ثم يأخذ في الشيخوخة فإذا أخذ شعره في البياض قيل
شاب فإذا ازداد قيل وخطه الشيب فإذا زاد قيل شمط فإذا غلب شيبه فهو أغثم
فإذا اشتعل رأسه ولحيته شيبا فهو متقعوس فإذا انحط قواه فهو هرم فإذا
تغيرت أحواله وظهر نقصه فقد رد إلى أرذل العمر فالموت أقرب إليه من اليد
إلى الفم
فصل


فإذا بلغ الأجل الذي قدر له واستوفاه جاءته رسل ربه عز و جل ينقلونه من
دار الفناء إلى دار البقاء فجلسوا منه مد البصر ثم دنا منه الملك الموكل
بقبض الأرواح فاستدعى بالروح فإن كانت روحا طيبة قال اخرجي أيتها النفس
الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان
فتخرج من بدنه كما تخرج القطرة من في السقاء فإذا أخذها لم يدعها الرسل في
يديه طرفة عين فيحنطونها ويكفنونها بحنوط وكفن من الجنة ثم يصلون عليها
ويوجد لها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ثم يصعد بها للعرض الأول على
أسرع الحاسبين فينتهي بها إلى سماء الدنيا فيستأذن لها فيفتح لها أبواب
السماء ويصلي عليها ملائكتها ويشيعها مقربوها إلى السماء الثانية فيفعل
بها كذلك ثم الثالثة ثم الرابعة إلى أن ينتهي بها إلى السماء التي فيها
الله عز و جل فتحيي ربها تبارك وتعالى بتحية الربوبية اللهم أنت السلام
ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام فإن شاء الله أذن لها بالسجود
ثم يخرج لها التوقيع بالجنة فيقول الرب جل جلاله اكتبوا كتاب عبدي في
عليين ثم أعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم
تارة أخرى ثم ترجع روحه إلى الأرض فتشهد غسله وتكفينه وحمله وتجهيزه
ويقول قدموني قدموني فإذا وضع في لحده وتولى عنه أصحابه دخلت
الروح معه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم على الأرض فأتاه حينئذ فتانا القبر
فيجلسانه ويسألانه من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول ربي الله وديني الإسلام
ونبيي محمد فيصدقانه ويبشرانه بأن هذا الذي عاش عليه ومات عليه وعليه يبعث
ثم يفسح له في قبره مد بصره ويفرش له خضر ويقيض له شاب حسن الوجه طيب
الرائحة فيقول أبشر بالذي يسرك فيقول من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير
فيقول أنا عملك الصالح ثم يفتح له طاقة إلى النار يقال أنظر ما صرف الله
عنك ثم يفتح له طاقة إلى الجنة ويقال انظر ما أعد الله لك فيراهما جميعا
وأما النفس الفاجرة فبالضد من ذلك كله إذا أذنت بالرحيل نزل عليها ملائكة
سود الوجوه معهم حنوط من نار وكفن من نار فجلسوا منه مد البصر ثم دنا
الملك الموكل بقبض النفوس فاستدعى بها وقال اخرجي أيتها النفس الخبيثة
كانت في الجسد الخبيث أبشر بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فيتطاير في
بدنه فيجتذبها من أعماق البدن فتنقطع معها العروق والعصب كما ينتزع الشوك
من الصوف المبلول فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين ويوجد لها كأنتن
رائحة جيفة على وجه الأرض فتحنط بذلك الحنوط
وتلف في ذلك الكفن ويلعنها كل ملك بين السماء والأرض ثم يصعد بها إلى
السماء فيستفتح لها فلا يفتح لها أبواب السماء ثم يجيء النداء من رب
العالمين اكتبوا كتابه في سجين وأعيدوه إلى الأرض فتطرح روحه طرحا فتشهد
بتجيهزه وتكفينه وحمله وتقول وهي على السرير يا ويلها إلى أين تذهبون بها
فإذا وضع في اللحد أعيدت إليه وجاءه الملكان فسألاه عن ربه ودينه ونبيه
فيتلجلج ويقول لا أدري فيقولان له دريت ولا تليت ثم يضربانه ضربة يصيح
صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ثم
يفرش له نار ويفتح له طاقة إلى الجنة فيقال انظر إلى ما صرف الله عنك ثم
يفتح له طاقة الى النار فيقال انظر الى مقعدك من النار فيراهما جميعا ثم
يقيض له أعمى أصم أبكم فيقول من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول أنا
عملك السيء ثم ينعم المؤمن في البرزخ على حسب أعماله ويعذب الفاجر فيه على
حسب أعماله
ويختص كل عضو بعذاب يليق بجناية ذلك العضو فتقرض شفاه المغتابين الذين
يمزقون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم بمقاريض من نار وتسجر بطون أكلة
أموال اليتامى بالنار ويلقم أكلة الربا بالحجارة ويسبحون في أنهار الدم
كما سبحوا في الكسب الخبيث وترض رؤوس
النائمين عن الصلاة المكتوبة بالحجر العظيم ويشق شدق الكذاب الكذبة
العظيمة بكلاليب الحديد قفاه ومنخره الى قفاه وعينه الى قفاه كما شقت
كذبته النواحي وتعلق النساء الزوانى بثديهن وتحبس الزناة والزواني في
التنور المحمى عليه فيعذب محل المعصية منهم وهو الأسافل وتسلط الهموم
والغموم والأحزان والآلام النفسانيه على النفوس البطالة التي
كانت مشغونة باللهو واللعب والبطالة فتصنع الآلام في نفوسهم كما يصنع
الهوام والديدان في لحومهم حتى يأذن الله سبحانه بانقضاء أجل العالم وطي
الدنيا فتمطر الأرض مطرا غليظا أبيض كمني الرجال أربعين صباحا فينبتون من
قبورهم كما تنبت الشجرة والعشب فإذا تكاملت الأجنة وأقربت الأم وكان وقت
الولادة أمر الله سبحانه إسرافيل فنفخ في الصور نفخة البعث وهي الثالثة
وقبلها نفخة الموت وقبلها نفخة الفزع فتشققت الأرض عنهم فإذا هم قيام
ينظرون يقول المؤمن الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور
ويقول الكافر يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق
المرسلون يس 53 فيساقون الى المحشر حفاة عراة غرلا بهما مع كل نفس سائق
يسوقها وشهيد يشهد عليها وهم بين مسرور ومثبور وضاحك وباك وباك وجوه يومئذ
مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة
ترهقها قترة حتى إذا تكاملت عدتهم وصاروا جميعا على وجه الأرض تشققت
السماء وانتثرت الكواكب ونزلت ملائكة السماء فأحاطت بهم ثم نزلت ملائكة
السماء الثانية فأحاطت بملائكة السماء الدنيا ثم كل سماء كذلك فبينما هم
كذلك إذ جاء رب العالمين سبحانه لفصل القضاء فأشرقت الأرض بنوره وتميز
المجرمون من المؤمنين ونصب الميزان وأحضر الديوان واستدعي بالشهود وشهدت
يومئذ الأيدي والألسن والأرجل والجلود ولا تزال الخصومة بين يدي الله
سبحانه حتى يختصم الروح والجسد فيقول الجسد إنما كنت ميتا لا اعقل ولا
أسمع ولا أبصر وأنت كنت السميعة المبصرة العاقلة وكنت تصرفينني حيث أردت
فتقول فتقول الروح وأنت الذي فعلت وباشرت المعصية وبطشت فيرسل الله سبحانه
اليهما ملكا يحكم بينهما فيقول مثلكما مثل بصير مقعد
وأعمى صحيح دخلا بستانا فقال المقعد أنا أرى الثمار ولا أستطيع أن أقوم
اليها وقال الأعمى أنا أستطيع القيام ولكن لا أرى شيئا فقال له المقعد
احملني حتى أصل الى ذلك ففعلا فعلى من تكون العقوبة فيقولان عليهما فيقول
فكذلك أنتما فيحكم الله سبحانه بين عباده بحكمة الذي يحمده عليه جميع أهل
السماوات
والأرض وكل بر وفاجر ومؤمن وكافر وتوفى كل نفس ما عملت فمن يعمل
مثقال ذرة خيرا يره : ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ثم ينادي مناد لتتبع كل
أمة ما كانت تعبد فيذهب أهل الأوثان مع أوثانهم وأهل الصليب مع صليبهم وكل
مشرك مع إلهه
الذي كان يعبد لا يستطيع التخلف عنه فيتساقطون في النار ويبقى الموحدون
فيقال لهم ألا تنطلقون حيث انطلق الناس فيقولون فارقنا
الناس أحوج ما كنا اليهم وإن لنا ربا ننتظره فيقال وهل بينكم وبينه علامة
تعرفونه بها فيقولون نعم إنه لا مثل له فيتجلى لهم سبحانه في غير الصورة
التي يعرفونه فبقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى
يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيتجلى لهم في صورته التى رأوه فيها أول
مرة ضاحكا فيقول أنا ربكم فيقولون نعم أنت ربنا ويخرون له سجدا إلا من كان
لا يصلي في الدنيا أو يصلي رياء فإنه يحال بينه وبين السجود ثم ينطلق
سبحانه ويتبعونه ويضرب الجسر ويساق الخلق اليه وهو دحض مزلة مظلم
لا يمكن عبوره إلا بنور فإذا انتهوا اليه قسمت بينهم الأنوار على حسب نور
إيمانهم وإخلاصهم وأعمالهم في الدنيا فنور كالشمس ونور كالنجم ونور
كالسراج في قوته وضعفه وترسل الأمانة والرحم على جنبتي الصراط فلا يجوزه
خائن ولا قاطع رحم
ويختلف مرورهم عليه بحسب اختلاف استقامتهم على الصراط المستقيم في الدنيا
فمار كالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل وساع وماش وزاحف وحاب حبوا
وينصب على جنبتيه كلاليب لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز و جل تعوق من علقت
به عن العبور على حسب ما كانت تعوقه الدنيا عن طاعة الله ومرضاته وعبوديته
فناج مسلم ومخدوش مسلم ومقطع بتلك الكلاليب ومكدوس في النار وقد طفىء نور
المنافقين على الجسر أحوج ما كانوا اليه كما طفىء في الدنيا من قلوبهم
وأعطوا دون الكفار نورا في الظاهر كما كان إسلامهم في الظاهر دون الباطن
فيقولون للمؤمنين قفوا لنا نقتبس من نوركم وما نجوز به فيقول المؤمنون
والملائكة ارجعوا وراء كم فالتمسوا نورا قيل المعنى ارجعوا إلى الدنيا
فخذوا من الإيمان نورا تجوزون به كما فعل
المؤمنون وقيل ارجعوا وراءكم حيث قسمت الأنوار فالتمسوا هناك نورا تجوزن
به ثم ضرب بينهم وبين أهل الإيمان بسور له باب باطنه الذي يلي المؤمنين
فيه
الرحمة وظاهرة الذي يليهم من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن
معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى
جاء أمر الله وغركم بالله الغرور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين
كفروا مأواكم النار وهي مولاكم وبئس المصير الحديد 15 - 13 فإذا جاوز
المؤمنون الصراط ولا يجوزه إلا مؤمن أمنوا من دخول النار
فيحبسون هناك على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت
بينهم في دار الدنيا حتى إذا هذبوا أذن لهم في دخول الجنة فإذا استقر أهل
الجنة في الجنة وأهل النار في النار أني بالموت في صورة
كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة فيطلعون وجلين ثم
يقال يا أهل النار فيطلعون مستبشرين فيقال هل تعرفون هذا فيقولون نعم
وكلهم قد عرفه فيقال هذا الموت فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل
الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت فهذا آخر أحوال هذه النطفة
التي هي مبدأ الإنسان وما بين هذا المبدإ وهذه
الغاية أحوال وأطباق قدر العزيز العليم تنقل الإنسان فيها وركوبة لها طبقا
بعد طبق حتى يصل إلى غايته من السعادة والشقاوة قتل الإنسان ما أكفره من
أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره
ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره كلا لما يقض
ما أمره عبس 23 - 17 فنسأل الله العظيم أن يجعلنا من الذين سبقت لهم منه
الحسنى ولا يجعلنا من
الذين غلبت عليهم الشقاوة فخسروا في الدنيا والآخرة إنه سميع الدعاء وهو
حسبنا ونعم الوكيل آمين آمين آمين والحمد لله رب العالمين وصلواته على خير
خلقه محمد خاتم النبين وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى