لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث Empty كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 16:26}


ص -81- البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى
يلقى الله وما عليه خطيئة" وفي الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله
عنه قال: "قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الصالحون
ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان في دينه صلابة زيد في
بلائه وان كان في دينه رقة خفف عنه وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على
الارض وليس عليه خطيئة".
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: "دخلت على النبي وهو
يوعك وعكا شديدا قال فقلت يا رسول الله انك لتوعك وعكا شديدا قال أجل انى
لأوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ان لك لأجرين قال نعم والذى نفسى بيده ما
على الارض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه الا حط الله عنه به خطاياه كما
تحط الشجرة ورقها" وفي الصحيحين أيضا من حديث عائشة رضى الله عنها قالت:
"ما رأيت الوجع اشد منه على رسول الله".
وفي بعض المسانيد مرفوعا "ان الرجل لتكون له الدرجة عند الله لا يبلغها
بعمل حتى يبتلى ببلاء في جسمه فيبلغها بذلك" ويروى عن عائشة رضى الله عنها
عنه "اذا اشتكى المؤمن أخلصه ذلك من الذنوب كما يخلص الكير الخبث من
الحديد" وفي صحيح البخارى من حديث خباب بن الارت قال: "شكونا إلى رسول
الله وهو متوسد ببردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا
فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الارض فيجعل فيها ثم يؤتى
بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه
وعظمه ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب من
صنعاء إلى حضرموت لا يخاف الا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون".
وفي لفظ للبخارى "أتيت رسول الله وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا
من المشركين شدة فقلنا ألا تدعو الله فقعد وهو محمر



ص -82- وجهه فقال لقد كان الرجل ليمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه
وعظمه ما يصده ذلك عن دينه".
وقد حمل أهل العلم قول خباب "شكونا إلى رسول الله حر الرمضاء فلم يشكنا"
على هذا المحمل وقال شكوا اليه حر الرمضاء الذى كان يصيب جباههم وأكفهم من
تعذيب الكفار فلم يشكهم وانما دلهم على الصبر
وهذا الوجه أنسب من تفسير من فسر ذلك بالسجود على الرمضاء واحتج به على
وجوب مباشرة المصلى بالجبهة لثلاثة أوجه
أحدها انه لا دليل في اللفظ على ذلك الثانى انهم قد أخبروا أنهم كانوا مع
النبي فكان أحدهم اذا لم يستطع أن يسجد على الأرض يبسط ثوبه فسجد عليه
والظاهر أن هذا يبلغه ويعلم به وقد أقرهم عليه
الثالث ان شدة الحر في الحجاز تمنع من مباشرة الجبهة والكف للأرض بل يكاد
يشوى الوجه والكف فلا يتمكن من الطمأنينة في السجود ويذهب خشوع الصلاة
ويتضرر البدن ويتعرض للمرض والشريعة لا تأتى بهذا فتأمل رواية خباب لهذا
والذى قبله واجمع بين اللفظين والمعنيين والله أعلم ولا تستوحش من قوله
"فلم يشكنا" فانه هو معنى إعراضه عن شكايتهم واخباره لهم بصبر من قبلهم
والله أعلم
وفي الصحيح من حديث أسامة بن زيد قال: "أرسلت ابنة النبي اليه ان ابنا لى
احتضر فاءتنا فأرسل يقريها السلام ويقول ان لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ
عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب فأرسلت اليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه
سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت ورجال فرفع الصبى إلى
رسول الله فأقعده في حجره



ص -83- ونفسه تقعقع كأنها شن ففاضت عيناه فقال سعد يا رسول الله
ما هذا قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب من يشاء من عباده وانما يرحم الله
من عباده الرحماء".
وفي سنن النسائى عن ابن عباس قال: "احتضرت ابنة لرسول الله صغيرة فأخذها
رسول الله وضمها إلى صدره ثم وضع يده عليها وهى بين يدى رسول الله فبكت أم
أيمن فقلت لها أتبكين ورسول الله عندك فقالت مالى لا أبكى ورسول الله يبكى
فقال رسول الله انى لست أبكى ولكنها رحمة ثم قال رسول الله المؤمن بخير
على كل حال تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عزوجل".
وفي صحيح البخارى من حديث أنس رضى الله عنه قال: "اشتكى ابن لأبى طلحة
فمات وأبو طلحة خارج فلما رأت امرأته انه قد مات هيأت شيئا وسجته في جانب
البيت فلما جاء أبو طلحة قال كيف الغلام قالت قد هدأت نفسه وأرجو أن يكون
قد استراح فظن أبو طلحة انها صادقة قال فبات معها فلما أصبح اغتسل فلما
أراد أن يخرج أعلمته انه قد مات فصلى مع رسول الله ثم أخبره بما كان منهما
فقال رسول الله لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما قال ابن عيينة فقال رجل
من الانصار فرأيت له تسعة أولاد كلهم قد قرأو القرآن" وفي موطأ مالك عن
القاسم بن محمد قال هلكت امرأة لى فأتانى محمد بن كعب القرظى يعزينى فيها
فقال انه قد كان في بنى اسرائيل رجل فقيه عابد عالم مجتهد وكانت له امرأة
وكان بها معجبا فماتت فوجد عليها وجدا شديدا حتى خلى في بيت وأغلق على
نفسه واحتجب عن الناس فلم يكن



ص -84- يدخل عليه أحد ثم ان امرأة من بنى اسرائيل سمعت به فجاءته
فقالت ان لى اليه حاجة أستفتيه فيها ليس يجزينى إلا أن أشافهه بها فذهب
الناس ولزمت الباب فأخبر فأذن لها فقالت أستفتيك في أمر قال وما هو قالت
انى استعرت من جارة حليا فكنت ألبسه وأعيره زمانا ثم انها أرسلت إلى فيه
أفأرده اليها قال نعم قالت والله انه مكث عندي زمانا فقال ذلك أحق لردك
إياه فقالت له يرحمك الله أفتأسف على ما أعارك الله ثم أخذه منك وهو أحق
به منك فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها
وفي جامع الترمذى عن شيخ من بنى مرة قال قدمت الكوفة فأخبرت عن بلال ابن
أبى بردة فقلت ان فيه لمعتبرا فأتيته وهو محبوس في داره التى كان بنى واذا
كل شئ منه قد تغير من العذاب والضرب واذا هو في قشاش فقلت له الحمد لله يا
بلال لقد رأيتك تمر بنا وأنت تمسك أنفك من غير غبار وأنت في حالتك هذه
فكيف صبرك اليوم فقال ممن أنت قلت من بنى مرة بن عباد قال ألا أحدثك حديثا
عسى أن ينفعك الله به قال هات قال حدثنى أبو بردة عن أبى موسى أن رسول
الله قال: "لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها الا بذنب وما يعفو الله
عنه أكثر قال وقرأ {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: "كأنى أنظر إلى
رسول الله يحكى أن نبيا من الانبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن
وجهه ويقول اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون" فتضمنت هذه الدعوة العفو
عنهم والدعاء لهم والاعتذار عنهم والاستعطاف بقوله لقومى وفي الموطأ من
حديث عبد الرحمن بن القاسم قال: قال رسول الله: "ليعز المسلمين في مصائبهم
المصيبة بى" وفي الترمذي من حديث يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب رسول الله
قال قال



ص -85- رسول الله: "الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرمن الذي
لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" قال الترمذى كان شعبة يرى أن الشيخ
ابن عمر.
وفي الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبي أنه قال: "ما
أعطى أحد عطاء خير وأوسع من الصبر" وفي بعض المسانيد عنه أنه قال: "قال
الله عزوجل: اذا وجهت إلى عبد من عبيدى مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم
استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر
له ديوانا".
وفي جامع الترمذى عنه: "اذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن
سخط فله السخط" وفي بعض المسانيد عنه مرفوعا "اذا أراد الله بعبد خيرا صب
عليه البلاء صبا" وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن
رسول الله دخل على امرأة فقال: "مالك ترفرفين قالت الحمى لا بارك الله
فيها قال لا تسبى الحمى فإنها تذهب خطايا بنى آدم كما يذهب الكير خبث
الحديد".
ويذكر عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي أنه قال: "من وعك ليلة فصبر
ورضى عن الله تعالى خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وقال الحسن: "إنه ليكفر
عن العبد خطاياه كلها بحمى ليلة" وفي المسند وغيره عن أبى سعيد الخدرى رضى
الله عنه قال دخلت على النبي وهو محموم فوضعت يدى من فوق القطيفة فوجدت
حرارة الحمى فقلت ما أشد حماك يا رسول الله قال "انا كذلك معاشر الانبياء
يضاعف علينا الوجع ليضاعف لنا الاجر" قال قلت يا رسول الله فأى الناس أشد
بلاء قال الانبياء قلت ثم من قال الصالحون ان كان الرجل ليبتلى بالفقر حتى
ما يجد الا العباء فيجوبها فيلبسها وان كان الرجل ليبتلى
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 16:27}


ص -86- بالقمل حتى يقتله القمل وكان ذلك أحب اليهم من العطاء
اليكم"
وقال عقبة بن عامر الجهنى قال رسول الله: "ليس من عمل الا وهو يختم عليه
فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة يا ربنا عبدك فلان قد حبسته عن العمل فيقول
الرب تعالى اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت" وقال أبو هريرة:
"إذا مرض العبد المسلم نودى صاحب اليمين أن أجر على عبدى صالح ما كان يعمل
وهو صحيح ويقال لصاحب الشمال أقصر عن عبدى ما دام في وثاقى" فقال رجل عند
أبى هريرة يا ليتنى لا أزال ضاجعا فقال أبو هريرة كره العبد الخطايا ذكره
ابن أبى الدنيا
وذكر ايضا عن هلال بن بساق قال كنا قعودا عند عمار بن ياسر فذكروا الاوجاع
فقال أعرابى ما اشتكيت قط فقال عمار ما أنت منا أو لست منا ان المسلم
يبتلى بلاء فتحط عنه ذنوبه كما يحط الورق من الشجر وان الكافر أو قال
الفاجر يبتلى ببلية فمثله مثل البعير ان أطلق لم يدر لم أطلق وان عقل لم
يدر لم عقل وذكر عن أبى معمر الازدى قال كنا اذا سمعنا من ابن مسعود شيئا
نكرهه سكتنا حتى يفسره لنا فقال لنا ذات يوم ألا ان السقم لا يكتب له أجر
فساءنا ذلك وكبر علينا فقال ولكن يكفر به الخطيئة فسرنا ذلك وأعجبنا
وهذا من كمال علمه وفقهه رضى الله عنه فإن الاجر انما يكون على الاعمال
الاختيارية ومما تولد منها كما ذكر الله سبحانه النوعين في آخر سورة
التوبة في قوله في المباشر من الانفاق وقطع الوادى {الا كتب لهم} وفي
المتولد من اصابة الظمأ والنصب والمخمصة في سبيله وغيظ الكفار {الا كتب
لهم به عمل صالح} فالثواب مرتبط بهذين النوعين وأما الاسقام والمصائب فإن
ثوابها تكفير الخطايا ولهذا قال تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت
أيديكم والنبي انما قال في المصائب "كفر الله بها من خطاياه" كما تقدم ذكر
الفاظه



ص -87- وكذا قوله: "المرض حطة" فالطاعات ترفع الدرجات والمصائب
تحط السيئات ولهذا قال: "من يرد الله به خيرا يصب منه" وقال: "من يرد الله
به خيرا يفقهه في الدين" فهذا يرفعه وهذا يحط خطاياه
وقال يزيد بن ميسرة: ان العبد ليمرض المرض وما له عند الله من عمل خير
فيذكره الله سبحانه بعض ما سلف من خطاياه فيخرج من عينه مثل رأس الذباب من
الدمع من خشية الله فيبعثه الله ان يبعثه مطهرا أو يقبضه ان قبضه مطهرا
ولا يرد على هذا حديث أبى موسى الاشعرى رضى الله عنه في ثواب من قبض الله
ولده وثمرة فؤاده بأن يبنى له بيتا في الجنة ويسميه بيت الحمد
وقال زياد بن زياد مولى ابن عباس رضى الله عنه وعن أصحاب النبي قال:
"دخلنا على النبي وهو ممعوك اى محموم فقلنا اح اح بآبائنا وأمهاتنا يا
رسول الله ما أشد وعكك قال انا معاشر الانبياء يضاعف علينا البلاء تضعيفا
قال قلنا سبحان الله قال أفعجبتم ان كان النبي من الانبياء ليقتله القمل
قلنا سبحان الله قال أفعجبتم ان أشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون ثم
الامثل فالامثل قلنا سبحان الله قال أفعجبتم ان كانوا ليفرحون بالبلاء كما
تفرحون بالرخاء".
أح: بالحاء المهملة هو المعروف من كلامهم ومن قال بالخاء المعجمة فقد غلط
وذكر النسائى عن عبيدة بن حذيفة عن عمته فاطمة قالت: "أتيت النبي في نسوة
نعوده فاذا سقاء معلقة يقطر ماؤها من شدة ما كان يجد من الحمى فقلنا لو
دعوت الله يا رسول الله أن يذهبها عنك فقال: "ان أشد الناس بلاء الانبياء
ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
وقال مسروق عن عائشة رضى الله عنها: "ما رأيت أحدا أشد وجعا من رسول الله
كان يشدد عليه اذا مرض حتى انه لربما مكث خمس



ص -88- عشرة لا ينام وكان يأخذه عرق الكلية وهو الخاصرة فقلنا يا
رسول الله لو دعوت الله فيكشف عنك قال إنا معاشر الانبياء يشدد علينا
الوجع ليكفر عنا".
وفي المسند والنسائى من حديث أبى سعيد قال: "قال رجل يا رسول الله ارأيت
هذه الامراض التى تصيبنا مالنا بها قال كفارات فقال أبى بن كعب يا رسول
الله وان قلت قال شوكة فما فوقها" قال فدعا ابى على نفسه عند ذلك أن لا
يفارقه الوعك حتى يموت ولا يشغله عن حج ولا عمرة ولا جهاد في سبيل الله
وصلاة مكتوبة في جماعة قال فما مس رجل جلده بعدها الا وجد حرها حتى مات"
وقال عبد الله بن عمر قال رسول الله: "ان العبد اذا كان على طريقة حسنة من
العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به أكتب له مثل عمله اذا كان طلقا أو
أكفته إلى ناقة طلق" بضم الطاء واللام اذا حل عقالها ويقال كفته اليه اذا
ضمه اليه ذكره ابن أبى الدنيا
وذكر أيضا عن ابى أمامة الباهلى قال قال رسول الله: "ان الله ليجرب أحدكم
بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب
الابريز فذلك الذى نجاه الله من السيئات ومنهم من يخرج كالذهب دون ذلك
فذلك الذى يشك بعض الشك ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذى قد أفتتن"
وذكر أيضا من مراسيل الحسن البصرى عن النبي: "ان الله ليكفر عن المؤمن
خطاياه كلها بحمى ليلة".
قال ابن أبى الدنيا قال ابن المبارك هذا من الحديث الجيد قال وكانوا يرجون
في حمى ليله كفارة ما مضى من الذنوب
وذكر عن أنس أن رسول الله دخل على رجل وهو يشتكى فقال: "قل: اللهم انى
أسألك تعجيل عافيتك وصبرا على بليتك وخروجا من الدنيا إلى رحمتك" وقالت
عائشة رضى الله عنها قال رسول



ص -89- الله: "ان الحمى تحط الخطايا كما تحط الشجرة ورقها" وقال
أبو هريرة وقد عاد مريضا فقال له ان رسول الله قال: "ان الله عز وجل يقول
هى نارى أسلطها على عبدى المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة".
وقال مجاهد الحمى حظ كل مؤمن من النار ثم قرأ وان منكم الا واردها كان على
ربك حتما مقضيا وهذا لم يرد به مجاهد تفسير الورود الذى في القرآن فإن
السياق يأبى حمله على الحمى قطعا وانما مراده أن الله سبحانه وعد عباده
كلهم بورود النار فالحمى للمؤمن تكفر خطاياه فيسهل عليه الورود يوم
القيامة فينجو منها سريعا والله أعلم
ويدل عليه حديث أبى ريحانة عن النبي: "الحمى كير من كير جهنم وهى نصيب
المؤمن من النار" وقال أنس رضى الله عنه قال رسول الله: "مثل المؤمن اذا
برأ وصح من مرضه كمثل البردة تقع من السماء في صفائها ولونها" ذكره ابن
أبى الدنيا.
وذكر أيضا عن أبى أمامة يرفعه: "ما من مسلم يصرع صرعة من مرض الا بعث منها
طاهرا" وذكر عنه: "مثل المؤمن حيث يصيبه الوعك مثل الحديدة تدخل النار
فيذهب خبثها ويبقى طيبها" وذكر أيضا عنه مرفوعا: "ان العبد اذا مرض أوحى
الله إلى ملائكته يا ملائكتى أنا قيدت عبدى بقيد من قيودي فإن أقبضه أغفر
له وان أعافه فجسد مغفور لا ذنب له".
وذكر عن سهل بن أنس الجهنى عن أبيه عن جده قال: "دخلت على أبى الدرداء في
مرضه فقلت يا أبا الدرداء انا نحب أن نصح ولا نمرض" فقال أبو الدرداء سمعت
رسول الله يقول: "ان الصداع والمليلة لا يزالان بالمؤمن وان كان ذنبه مثل
أحد حتى لا يدعان عليه من ذنبه مثقال حبة من خردل" المليلة فعيلة من
التململ وأصلها من الملة التى يخبز فيها



ص -90- وقالت أم سلمة عن النبي: "ما ابتلى الله عبدا بلاء وهو
على طريق يكرهها الا جعل الله ذلك البلاء له كفارة وطهورا ما لم ينزل ما
أصابه من البلاء بغير الله أو يدعو غير الله يكشفه" وقال عطيه بن قيس:
"مرض كعب فعاده رهط من أهل دمشق فقالوا كيف تجدك يا أبا اسحاق قال بخير
جسد أخذ بذنبه ان شاء ربه عذبه وان شاء رحمه وان بعثه بعثه خلقا جديدا لا
ذنب له" وقال سعيد ابن وهب: "دخلنا مع سلمان الفارسى على رجل من كنده
نعوده فقال سلمان: إن المسلم يبتلى فيكون كفارة لما مضى ومستعتبا فيما بقى
وان الكافر يبتلى فمثله كمثل البعير أطلق فلم يدر لم أطلق وعقل فلم يدر لم
عقل".
وذكر أيضا عن أبى أيوب الانصارى قال عاد رسول الله رجلا من الأنصار وأكب
عليه فسأله فقال يا نبى الله ما غمضت منذ سبع فقال رسول الله: "أى أخى
أصبر أى أخى أصبر تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها" ثم قال رسول الله: "ساعات
الأمراض يذهبن ساعات الخطايا".
وفي النسائى من حديث أبى هريرة أن رسول الله قال لأعرابى: "هل أخذتك أم
ملدم قال يا رسول الله وما أم ملدم قال حر يكون بين الجلد والدم قال ما
وجدت هذا قال يا أعرابى هل أخذك الصداع قال يا رسول وما الصداع قال عرق
يضرب على الإنسان في رأسه قال ما وجدت هذا فلما ولى قال رسول الله من أحب
أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا".
وقالت أم سليم: "مرضت فعادنى رسول الله فقال يا أم سليم أتعرفين النار
والحديد وخبث الحديد قلت نعم يا رسول الله قال أبشرى يا أم سليم فإنك إن
تخلصى من وجعك هذا تخلصى منه كما يخلص الحديد من النار من خبثه" وخرج بعض
الصحابة زائر لرجل من إخوانه فبلغه أنه شاك قبل أن يدخل عليه فقال أتيتك
زائرا و أتيتك عائدا ومبشرا قال كيف جمعت هذا قال خرجت وأنا أريد زيارتك



ص -91- فبلغى شكاتك فصارت عيادة وأبشرك بشيء سمعته من رسول الله
قال: "اذا سبقت للعبد من الله منزلة لم يبلغها أو قال لم ينلها بعمله
ابتلاه الله في جسده أو في ولده أو في ماله ثم صبره حتى يبلغه المنزلة
التى سبقت له من الله عز وجل".
وقال الحسن وذكر الوجع أما والله ما هو بشر أيام المسلم أيام نورت له فيها
مراحله وذكر فيها ما نسى من معاده وكفر بها عنه من خطاياه وقال بعض السلف
لولا مصائب الدنيا لو لوردنا الآخرة مفاليس
وقال أنس بن مالك رضى الله عنه: "انتهى رسول الله إلى شجرة فهزها حتى سقط
من ورقها ما شاء الله ثم قال المصائب والاوجاع في إحباط ذنوب أمتى أسرع
منى في هذه الشجرة" وذكر ابن أبى الدنيا عن أبى هريرة رضى الله عنه يرفعه:
"ما من مسلم إلا وكل الله به ملكين من ملائكته لا يفارقانه حتى يقضى الله
بأمره بإحدى الحسنيين اما بموت واما بحياة فإذا قال له العواد كيف نجدك
قال أحمد الله أجدنى والله المحمود بخير قال له الملكان أبشر بدم هو خير
من دمك وصحة هى خير من صحتك وان قال أجدنى مجهودا في بلاء شديد قال له
الملكان ابشر بدم هو شر من دمك وبلاء أطول من بلائك".
ولا يناقض هذا قول النبي في وجعه: "واراساه" وقول سعد يا رسول الله قد
اشتد بى الوجع وأنا ذو مال وقول عائشة وارأساه فإن هذا انما قيل على وجه
الاخبار لا على وجه شكوى الرب تعالى إلى العواد فإذا حمد المريض الله ثم
أخبر بعلته لم يكن شكوى منه وان أخبر بها تبرما وتسخطا كان شكوى منه
فالكلمة الواحدة قد يثاب عليها وقد يعاقب بالنية والقصد
وقال ثابت البنانى: انطلقنا مع الحسن إلى صفوان بن محرز نعوده فخرج الينا
ابنه وقال هو مبطون لا تستطيعون أن تدخلوا عليه فقال
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 16:27}


ص -92- الحسن ان أباك ان يؤخذ اليوم من لحمه ودمه فيوجد فيه خير
من أن يأكله التراب
وقال ثابت أيضا: دخلنا على ربيعة بن الحارث نعوده وهو ثقيل فقال انه من
كان في مثل حالتى هذه ملأت الآخرة قلبه كانت الدنيا أصغر في عينيه من ذباب
ويذكر عن أنس عن النبي قال: "اذا مرض العبد ثلاث أيام خرج من ذنوبه كيوم
ولدته أمه" ويذكر عنه: "لا ترد دعوة المريض حتى يبرأ".
وذكر ابن أبى الدنيا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: "كنت مع رسول الله
جالسا فتبسم فقلنا يا رسول الله مم تبسمت قال تعجبا للمؤمن من جزعه من
السقم ولو كان يعلم ماله في السقم أحب أن يكون سقيما حتى يلقى الله ثم
تبسم ثانية ورفع رأسه إلى السماء قلنا يا رسول الله مم تبسمت ورفعت رأسك
إلى السماء قال عجبت من ملكين نزلا من السماء يلتمسان عبدا مؤمنا كان في
مصلاه يصلى فلا يجداه فعرجا إلى الله فقالا يا رب عبدك فلان المؤمن كنا
نكتب له من العمل في يوم وليلة كذا وكذا فوجدنا قد حبسته في حبالك فلم
نكتب له شيئا من عمله فقال اكتبوا لعبدى عمله الذى كان يعمله في يومه
وليلته ولا تنقصوا منه شيئا فعلى أجر ما حبسته وله أجر ما كان يعمل".
ويذكر عنه: "من وعك ليلة فصبر ورضى بها عن الله عز وجل خرج من ذنوبه كهيئة
يوم ولدته أمه" ومن مراسيل يحيى بن كثير قال فقد رسول الله سلمان فسأل عنه
فأخبر أنه عليل فأتاه يعوده فقال شفى الله سقمك وعظم أجرك وغفر ذنبك ورزقك
العافية في دينك وجسمك إلى منتهى أجلك إن لك من وجعك خلالا ثلاثا أما
الأولى فتذكرة من ربك يذكرك بها وأما الثانية فتمحيص لما سلف من ذنوبك
وأما الثالثة فادع بما شئت فإن المبتلى مجاب الدعوة
وقال زياد بن الربيع قلت لابى بن كعب آية من كتاب الله قد



ص -93- أحزنتنى قال ما هى قلت من يعمل سوءا يجز به قال ما كنت
أراك إلا افقه مما أرى إن المؤمن لا يصيبه عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا
بذنب وما يعفو الله عنه أكثر وسئلت عائشة عن هذه الآية فقالت ما سألنى
عنها أحد منذ سألت رسول الله فقال النبي: "يا عائشة هذه معاقبة الله تعالى
لعبده بما يصيبه من الحمى والمليله والشوكة وانقطاع شسعه حتى البضاعة
يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه حتى إن المؤمن ليخرج من
ذنوبه كما يخرج الذهب الأحمر من الكير" ضبن الانسان ما تحت يده يقال اضطبن
كذا اذا حمله تحت يده
وقال وهب بن منبه لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة
ويعد الرخاء مصيبة وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء وصاحب الرخاء ينتظر
البلاء
وفي بعض كتب الله سبحانه: "ان الله ليصيب العبد بالأمر يكرهه وانه ليحبه
لينظر كيف تضرعه إليه".
وقال كعب أجد في التوراة لولا أن يحزن عبدى المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من
حديد لا يصدع أبدا وقال معروف الكرخى ان الله ليبتلى عبده المؤمن بالأقسام
والاوجام فيشكو إلى أصحابه فيقول الله تبارك وتعالى وعزتى وجلالى ما
ابتليتك بهذه الاوجاع والاسقام الا لأغسلك من الذنوب فلا تشكنى وذكر ابن
أبى الدنيا أن رجلا قال: "يا رسول الله ما الاسقام قال أو ما سقمت قط قال
لا فقال قم عنا فلست مؤمنا".
وكان عبد الله بن مسعود قد اشتدت به العلة فدخل عليه بعض اصحابه يعوده
وأهله تقول نفسى فداك ما نطمعك ما نسقيك فأجابها بصوت ضعيف: "بليت
الحرافيف وطالت الضجعة والله ما يسرنى ان الله نقصنى منه قلامه ظفر".



ص -94- وطلق خالد بن الوليد امرأة له ثم أحسن عليها الثناء فقيل
له يا أبا سليمان لأى شيء طلقتها قال ما طلقتها لأمر رابنى منها ولا ساءنى
ولكن لم يصبها عندى بلاء ويذكر عنه: "ما ضرب على مؤمن عرق الا كتب الله له
به حسنة وحط به عنه سيئة ورفع له به درجة".
ولا ينافي هذا ما قدمناه من أن المصائب مكفرات لا غير لأن حصول الحسنة
انما هو بصبره الاختيارى عليها وهو عمل منه وعاد رجل من المهاجرين مريضا
فقال ان للمريض اربعا يرفع عنه القلم ويكتب له من الاجر مثل ما كان يعمل
في صحته ويتبع المرض كل خطيئة من مفصل من مفاصله فيستخرجها فإن عاش عاش
مغفورا له وان مات مات مغفور له فقال المريض اللهم لا أزال مضطجعا
وفي المسند عنه: "والذى نفسى بيده لا يقضى الله للمؤمن قضاء الا كان خيرا
له ان أصابته سرا شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس
ذلك الا للمؤمن" وفي لفظ: "ان أمر المؤمن كله عجيب ان أصابته سراء شكر
فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".



عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين

الباب السابع عشر في ذكر الآثار الواردة عن الصحابة في فضيلة الصبر


الباب السابع عشر: في الآثار الواردة عن الصحابة ومن بعدهم في فضيلة الصبر
قال الامام أحمد حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن السفر قال مرض أبو بكر رضى
الله عنه فعادوه فقالوا ألا ندعو لك الطبيب فقال قد رآنى الطبيب قالوا فأى
شئ قال لك قال انى فعال لما أريد
وقال الامام احمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مجاهد قال قال عمر ابن
الخطاب رضى الله عنه: "وجدنا خير عيشنا بالصبر"



ص -95- وقال أيضا أفضل عيش أدركناه بالصبر ولو أن الصبر كان من
الرجال كان كريما
وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه ألا ان الصبر من الايمان بمنزلة الرأس
من الجسد فإذا قطع الرأس بار الجسم ثم رفع صوته فقال ألا انه لا ايمان لمن
لا صبر له وقال الصبر مطية لا تكبو
وقال الحسن الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده
وقال عمر بن عبد العزيز ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه
مكانها الصبر الا كان ما عوضه خيرا مما انتزعه وقال ميمون بن مهران ما بال
أحد شيئا من ختم الخير فما دونه الا الصبر وقال سليمان بن القاسم كل عمل
يعرف ثوابه الا الصبر قال الله تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير
حساب} قال كالماء المنهمر
وكان بعض العارفين في جيبه رقعة يخرجها كل وقت ينظر فيها وفيها {واصبر
لحكم ربك فإنك بأعيننا} وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لو كان الصبر
والشكر بعيرين لم أبال أيهما ركبت وكان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء قال
سحابة صيف ثم تنقشع وقال سفيان بن عيينة في قوله تعالى {وجعلناهم أئمة
يهدون بأمرنا لما صبروا} لما أخذوا برأس الأمر جعلناهم رءوسا وقيل للأحنف
بن قيس ما الحلم قال أن تصبر على ما تكره قليلا وقال وهب: "مكتوب في
الحكمة قصر السفه النصب وقصر الحلم الراحة وقصر الصبر الظفر وقصر الشيء
وقصاراه غايته وثمرته".
وقدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد وكان من أحسن
الناس وجها فدخل يوما على الوليد في ثياب وشيء وله غديرتان وهو يضرب بيده
فقال الوليد هكذا تكون فتيان قريش



ص -96- فعانه فخرج من عنده متوسنا فوقع في اصطبل الدواب فلم تزل
الدواب تطأه بأرجلها حتى مات ثم ان الآكلة وقعت في رجل عروة فبعث اليه
الوليد الأطباء فقالوا إن لم تقطعها سرت إلى باقى الجسد فتهلك فعزم على
قطعها فنشروها بالمنشار فلما صار المنشار إلى القصبة وضع راسه على الوسادة
ساعة فغشى عليه ثم أفاق والعرق يتحدر على وجهه وهو يهلل ويكبر فأخذها وجعل
يقبلها في يده ثم قال أما والذى حملنى عليك انه ليعلم انى ما مشيت بك إلى
حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضى الله ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت
في قطيفة ثم بعث بها إلى مقابر المسلمين فلما قدم من عند الوليد المدينة
تلقاه أهل بيته وأصدقاؤه يعزونه فجعل يقول {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا}
ولم يزد عليه ثم قال لا أدخل المدينة انما أنا بها بين شامت بنكية أو حاسد
لنعمة فمضى إلى قصر بالعقيق فأقام هنالك فلما دخل قصره قال له عيسى بن
طلحة لا أبا لشانئيك أرني هذه المصيبة التي نعزيك فيها فكشف له عن ركبته
فقال له عيسى أما والله ما كنا نعدك للصراع قد أبقى الله أكثرك عقلك
ولسانك وبصرك ويداك وإحدى رجليك فقال له يا عيسى ما عزاني أحد بمثل ما
عزيتني به ولما أرادوا قطع رجله قالوا له لو سقيناك شيئا كيلا تشعر بالوجع
فقال إنما ابتلاني ليرى صبري أفأعارض أمره وسئل ابنه هشام كيف كان أبوك
يصنع برجله التي قطعت إذا توضأ قال كان يمسح عليها
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا سلام قال سمعت قتادة يقول قال
لقمان وسأله رجل اى شئ خيرا قال صبر لا يتبعه أذى قال فأى الناس خيرا قال
الذى يرضى بما أوتى قال فأى الناس أعلم قال الذى يأخذ من علم الناس إلى
علمه قيل فما خير الكنز من المال أو من العلم قال سبحان الله بل المؤمن
العالم الذى ان



ص -97- ابتغى عنده خيرا وجد وان لم يكن عنده كف نفسه وبحسب
المؤمن أن يكف نفسه وقال حسان بن أبى جبلة من بث فلم يصبر ورواه ابن أبى
الدنيا مرفوعا إلى النبي وان صح فمعناه إلى المخلوق لا من بث إلى الله
وقال حسان ابن أبى جبلة أيضا في قوله تعالى {فصبر جميل} قال لا شكوى فيه
ورفعه ابن أبى الدنيا أيضا
وقال مجاهد فصبر جميل في غير جزع وقال عمرو بن قيس فصبر جميل قال الرضا
بالمصيبة والتسليم وقال بعض السلف فصبر جميل لا شكوى فيه وقال همام عن
قتادة في قوله تعالى {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم} قال كظم على حزن
فلم يقل إلا خيرا وقال يحيى بن المختار عن الحسن الكظيم الصبور وقال همام
عن قتادة في قوله تعالى {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم} أى كميد أى كمد
الحزن وقال الحسن ما جرعتين أحب إلى الله من جرعة مصيبة موجعة محزنة ردها
صاحبها بحسن عزاء وصبر وجرعة غيظ ردها بحلم
وقال عبد الله بن المبارك أخبرنا عبد الله بن لهيعة عن عطاء بن دينار أن
سعيد ابن جبير قال: "الصبر اعتراف العبد لله بما اصابه منه واحتسابه عند
الله ورجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو يتجلد لا يرى منه الا الصبر" فقوله
اعتراف العبد لله بما اصاب منه كأنه تفسير لقوله {انا لله} فيعترف أنه ملك
لله يتصرف فيه مالكه بما يريد وقوله راجيا به ما عند الله كأنه تفسير
لقوله {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} أى ترد اليه فيجزينا على صبرنا ولا
يضيع أجر المصيبة وقوله وقد يجزع الرجل وهو يتجلد أى ليس الصبر بالتجلد
وانما هو حبس القلب عن التسخط على المقدور ورد اللسان عن الشكوى فمن تجلد
وقلبه ساخط على القدر فليس بصابر
وقال يونس بن يزيد سألت ربيعة بن أبى عبد الرحمن ما منتهى الصبر قال أن
يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه وقال قيس
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 16:28}


ص -98- بن الحجاج في قول الله {فاصبر صبرا جميلا} قال أن يكون
صاحب المصيبة في القوم لا يعرف من هو وكان شمر اذا عزى مصابا قال اصبر لما
حكم ربك وقال أبو عقيل رأيت سالم بن عبدالله بن عمر بيده سوط وعليه ازار
في موت واقد بن عبدالله بن عمر لا يسمع صارخة الا ضربها بالسوط.
قال ابن أبى الدنيا حدثنى محمد بن جعفر بن مهران قال قالت امرأة من قريش:
أما والذى لا خلد الا لوجهه ومن ليس في العز المنيع له كفو
لئن كان بدء الصبر مرا مذاقه لقد يجنى من غبه الثمر الحلو
قال وأنشدنى عمرو بن بكير:
صبرت فكان الصبر خير مغبة وهل جزع يجدى على فأجزع
ملكت دموع العين حتى رددتها إلى ناظرى فالعين في القلب تدمع
قال وأنشدنى أحمد بن موسى الثقفي
نبئت خولة أمس قد جزعت من أن تنوب نوائب الدهر
لا تجزعى يا خول واصبرى ان الكرام بنوا على الصبر
قال وحدثنى عبد الله بن محمد بن اسماعيل التيمى أن رجلا عزى رجلا في ابنه
فقال انما يستوجب على الله وعده من صبر له بحقه فلا تجمع إلى ما أصبت به
من المصيبة الفجيعة بالأجر فإنها أعظم المصيبتين عليك وأنكى الرزيتين لك
والسلام وعزى ابن أبى السماك رجلا فقال عليك بالصبر فيه يعمل من احتسب
واليه يصير من جزع وقال عمر بن عبد العزيز أما الرضاء فمنزلة عزيزة أو
منيعة ولكن جعل الله في الصبر معولا حسنا ولما مات عبد الملك ابنه صلى
عليه ثم قال رحمك الله لقد كنت لى وزيرا وكنت لى معينا قال والناس يبكون
وما يقطر من



ص -99- عينيه قطرة وأصيب مطرف بن عبد الله في ابن له فأتاه قوم
يعزونه فخرج اليهم أحسن ما كان بشرا ثم قال انى لأستحى من الله أن أتضعضع
لمصيبة وقال عمرو بن دينار قال عبيد بن عمير ليس الجزع أن تدمع العين
ويحزن القلب ولكن الجزع القول السيء والظن السيء
وقال ابن أبى الدنيا حدثنى الحسين بن عبد العزيز الحروزى قد مات ابن لى
نفيس فقلت لأمه اتق الله واحتسبيه واصبرى فقالت مصيبتى أعظم من أن افسدها
بالجزع قال ابن أبى الدنيا وأخبرنى عمر بن بكير عن شيخ من قريش قال مات
الحسن بن الحصين أبو عبيد الله بن الحسن وعبيد الله يومئذ قاض على البصرة
وأميرا فكثر من يعزيه فتذاكروا ما يتبين به جزع الرجل من صبره فأجمعوا أنه
اذا ترك شيئا مما كان يصنعه فقد جزع
وقال خالد بن أبى عثمان القرشى كان سعيد بن جبير يعزينى في ابنى فرآنى
أطوف بالبيت متقنعا فكشف القناع عن رأسى وقال الاستكانة من الجزع
فصل وأما قول كثير من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم لا بأس أن يجعل المصاب
على رأسه ثوبا يعرف به قالوا لأن التعزية سنة وفي ذلك تيسير لمعرفته حتى
يعزيه ففيه نظر وانكره شيخنا ولا ريب أن السلف لم يكونوا
يفعلوا شيئا من ذلك ولا نقل هذا عن أحد من الصحابة والتابعين والآثار
المتقدمة كلها صريحة في رد هذا القول وقد أنكر اسحق بن راهوايه أن يترك
لبس ما عادته لبسه وقال هو من الجزع
وبالجملة فعادتهم أنهم لم يكونوا يغيرون شيئا من زيهم قبل المصيبة ولا
يتركون ما كانوا يعملونه فهذا كله مناف للصبر والله سبحانه أعلم



عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين

الباب الثامن عشر في ذكر أمور تتعلق بالمصيبة من البكاء والندب وشق الثياب
ودعوى الجاهلية ونحوها


ص -100- الباب الثامن عشر: في ذكر أمور تتعلق بالمصيبة من البكاء والندب
وشق الثياب ودعوى الجاهلية ونحوها
فمنها البكاء على الميت ومذهب أحمد وأبى حنيفة أجازاه قبل الموت وبعده
واختاره أبو اسحاق الشيرازى وكرهه الشافعى وكثير من أصحابه بعد الموت
ورخصوا فيه قبل خروج الروح واحتجوا بحديث جابر بن عتيك: "أن رسول الله جاء
يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به فلم يجب فاسترجع وقال غلبنا
عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال رسول
الله دعهن فاذا وجب فلا تبكين باكية قالوا وما الوجوب يا رسول الله قال
الموت" رواه أبو داود والنسائى
قالوا وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله قال: "ان الميت ليعذب
ببكاء أهله عليه" وهذا انما هو بعد الموت وأما قبله فلا يسمى ميتا وعن ابن
عمر: "أن رسول الله لما قدم من أحد سمع نساء بنى عبد الاشهل يبكين على
هلكاهن فقال لكن حمزة لا بواكى له فجئن نساء الانصار فبكين على حمزة عنده
فاستيقظ فقال ويحهن أتين هاهنا يبكين حتى الآن مروهن فليرجعن ولا يبكين
على هالك بعد اليوم" رواه الامام أحمد وهذا صريح في نسخ الاباحة المتقدمة
والفرق بين ما قبل الموت وبعده أنه قبل الموت يرجى فيكون البكاء عليه حذرا
فاذا مات انقطع الرجاء وأبرم القضاء فلا ينفع البكاء.
قال المجوزون قال جابر بن عبدالله: "أصيب أبى يوم أحد فجعلت أبكى فجعلوا
ينهوننى ورسول الله لا ينهانى فجعلت عمتى فاطمة تبكى فقال النبي تبكين أو
لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعوه" متفق عليه



ص -101- وفي الصحيحين أيضا عن ابن عمر قال: "اشتكى سعد بن عبادة
شكوى له فأتاه النبي يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابى وقاص وعبد
الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشية فقال قد قضى قالوا لا يا رسول
الله فبكى رسول الله فلما رأى القوم بكاءه بكوا فقال ألا تسمعون ان الله
لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو
يرحم"
وفي الصحيحين أيضا من حديث أسامه بن زيد: "أن رسول الله انطلق إلى إحدى
بناته ولها صبى في الموت فرفع اليه الصبى ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت
عيناه فقال سعد ما هذا يا رسول الله قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب
عباده وانما يرحم الله من عباده الرحماء".
وفي مسند الامام أحمد من حديث بن عباس قال ماتت رقية ابنة رسول الله فبكت
النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فقال النبي: "دعهن يا عمر يبكين وإياكن
ونعيق الشيطان ثم قال انه مهما كان من العين ومن القلب فمن الله ومن
الرحمة وما كان من اليد ومن اللسان فمن الشيطان" وفي المسند أيضا عن عائشة
أن سعد بن معاذ لما مات حضره رسول الله وأبو بكر وعمر قالت فوالذى نفسى
بيده انى لأعرف بكاء أبى بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتى وفي المسند أيضا
عن أبى هريرة قال مر على النبي بجنازة يبكى عليها وأنا معه ومعه عمر بن
الخطاب فانتهر عمر اللاتى يبكين عليها فقال النبي: "دعهن يا ابن الخطاب
فان النفس مصابة وان العين دامعة والعهد قريب".
وفي جامع الترمذى عن جابر بن عبدالله قال أخذ النبي بيد عبد الرحمن ابن
عوف فانطلق إلى ابنه ابراهيم فوجده يجود بنفسه فأخذه



ص -102- النبي فوضعه في حجره فبكى فقال له أتبكى أو لم تكن نهيت
عن البكاء قال لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة خمش
الوجه وشق الجيوب ورثة الشيطان قال الترمذى هذا حديث حسن وقد صح عنه أنه
زارقير أمه فبكى وأبكى من حوله وقد صح عنه أنه قبل عثمان بن مظعون حتى
سالت دموعه على وجهه وصح عنه أنه نعى جعفر وأصحابه وعيناه تذرفان وصح عن
أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه قبل النبي وهو ميت وبكى
فهذه إثنا عشرة حجة تدل على عدم كراهة البكاء فتعين حمل أحاديث النهى على
البكاء الذى معه ندب ونياحة ولهذا جاء في بعض ألفاظ حديث عمر: "الميت يعذب
ببعض بكاء أهله عليه" وفي بعضها "يعذب بما ينح عليه" وقال البخارى في
صحيحه قال عمر دعهن يبكين على أبى سليمان يعنى خالد بن الوليد ما لم يكن
نقع أو لقلقة والنقع حث التراب واللقلقة الصوت
وأما دعوى النسخ في حديث حمزة فلا يصح اذ معناه لا يبكين على هالك بعد
اليوم من قتلى أحد
ويدل على ذلك أن نصوص الاباحة أكثرها متأخرة عن غزوة أحد منها حديث أبى
هريرة إذ اسلامه وصحبته كانا في السنة السابعة ومنها البكاء على جعفر
وأصحابه وكان استشهادهم في السنة الثامنة ومنها البكاء على زينب وكان
موتها في السنة الثامنة أيضا ومنها البكاء على سعد بن معاذ وكان موته في
الخامسة ومنها البكاء عند قبر أمه وكان عام الفتح في الثامنة
وقولهم انما جاز قبل الموت حذرا بخلاف ما بعد الموت جوابه أن الباكى قبل
الموت يبكى حزنا وحزنه بعد الموت أشد فهو أولى برخصة البكاء من الحالة
التى يرجى فيها وقد أشار النبي إلى ذلك بقوله: "تدمع
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 16:29}


ص -103- العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وانا بك يا
ابراهيم لمحزونون".
فصل: وأما الندب والنياحة فنص أحمد على تحريمها قال في رواية حنبل النياحة
معصية وقال أصحاب الشافعى وغيرهم النوح حرام وقال ابن عبد البر أجمع
العلماء على أن النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء وقال بعض المتأخرين من
أصحاب أحمد يكره تنزيها وهذا لفظ أبى الخطاب في الهداية قال ويكره الندب
والنياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب والتحفي والصواب القول بالتحريم لما في
الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي قال: "ليس منا من ضرب الخدود
وشق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية" وفي الصحيحين أيضا عن أبى بردة قال وجع
أبو موسى وجعا فغشى عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فصاحت امرأة من أهله
فلم يستطع أن يرد عليها شيئا فلما أفاق قال أنا بريء مما يريء منه رسول
الله فان رسول الله برئ من الصالقة والحالقة والشاقة وفي الصحيحين أيضا عن
المغيرة بن شعبة قال سمعت رسول الله يقول: "إن من ينح عليه يعذب بما نيح
عليه" وفي الصحيحين أيضا أم عطية قالت أخذ علينا رسول الله في البيعة ألا
ننوح فما وفت منا امرأة الا خمس نسوة
وفي صحيح البخارى عن ابن عمر أن النبي قال: "الميت يعذب في قبره بما ينح
عليه" وفي صحيح مسلم عن أبى مالك الأشعرى أن النبي قال أربع في أمتى من
أمر الجاهلية لا يتركونهن "الفخر بالاحساب والطعن في الانساب والاستسقاء
بالنجوم والنياحة" وقال "النائحة اذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة
وعليها سربال من قطران ودرع من جرب"



ص -104- وفي سنن ابى داود عن أسيد بن أبي أسيد عن امرأة من
المبايعات قالت كان فيما أخذ علينا رسول الله في المعروف الذى أخذ علينا
أن لا نعصيه فيه أن لا نخمش وجها ولا ندعو ويلا ولا نشق جيبا ولا ننفش
شعرا وفي المسند عن انس قال: "أخذ النبي على النساء حين بايعهن أن لا ينحن
فقلن يا رسول الله ان نساء أسعدتنا في الجاهلية أفنسعدهن في الاسلام فقال
لا إسعاد في الاسلام" وقد تقدم قوله: "ما كان من اليد واللسان فمن
الشيطان" وقوله "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق
جيوب ورنة شيطان"
وفي مسند الامام أحمد من حديث أبى موسى أن رسول الله قال: "الميت يعذب
ببكاء الحى اذا قالت النائحة واعضداه واناصراه واكاسياه جبذ الميت وقيل له
أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسيها" وفي صحيح البخارى عن النعمان ابن بشير
قال أغمى على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكى وتقول واجبلاه واكذا
واكذا تعدد عليه فقال حين أفاق ما قلت لى شيئا إلا قيل لى أنت كذا فلما
مات لم تبك عليه
وكيف لا تكون هذه الخصال محرمة وهى مشتملة على التسخط على الرب وفعل ما
يناقض الصبر والاضرار بالنفس من لطم الوجه وحلق الشعر ونتفه والدعاء عليها
بالويل والثبور والتظلم من الله سبحانه وإتلاف المال بشق الثياب وتمزيقها
وذكر الميت بما ليس فيه ولا ريب أن التحريم الشديد يثبت ببعض هذا
وقال المبيحون لمجرد الندب والنياحة مع كراهتهم له قد روى حرب عن وائلة بن
الأسقع وأبى وائل أنهما كانا يسمعان النوح ويسكتان
قالوا وفي الصحيحين عن أم عطية قالت لما نزلت هذه الآية {يا أيها النبي
اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا} إلى قوله {ولا
يعصينك في معروف} كان منه النياحة فقلت



ص -105- يا رسول الله "الا آل فلان" فإنهم كانوا أسعدونى في
الجاهلية فلا بد لى من أن أسعدهم فقال الا آل فلان وفي رواية لهما أنها
قالت بايعنا رسول الله فقرأ علينا {أن لا يشركن بالله شيئا} ونهانا عن
النياحة فقبضت منا امرأة يدها فقالت فلانة أسعدتنى فأنا أريد أن أجزيها
قالت فما قال لها شيئا فذهبت فانطلقت ثم رجعت فبايعها قالوا وهذا الاذن
لبعضهن في فعله يدل على أن النهى عنه تنزيه لا تحريم ويتعين حمله على
المجرد من تلك المفاسد جمعا بين الأدلة
قال المحرمون لا تعارض سنة رسول الله بأحد من الناس كائنا من كان ولا نضرب
سننه بعضها ببعض وما ذكرنا من النصوص صحيحة صريحة لا تحتمل تأويلا وقد
انعقد عليها الإجماع وأما المرأة التى قال لها الا آل فلان والمرأة التى
سكت عنها فذلك خاص بهما لوجهين
أحدهما أنه قال لغيرهما لما سألته ذلك لا إسعاد في الإسلام
والثانى أنه أطلق لهما ذلك وهما حديثا عهد بالاسلام وهما لم يميزا بين
الجائز من ذلك وبين المحرم وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فعلم أن
الحكم لا يعدوهما إلى غيرهما وأما الكلمة اليسيرة اذا كانت صدقا لا على
وجه النوح والتسخط فلا تحرم ولا تنافي الصبر الواجب نص عليه أحمد في مسنده
من حديث أنس أن أبا بكر رضى الله عنه دخل على النبي بعد وفاته فوضع فمه
بين عينيه ووضع يده على صدغيه وقال وانبياه واخليلاه واصفياه
وفي صحيح البخارى عن أنس أيضا قال: لما ثقل على النبي جعل يتغشاه الكرب
فقالت فاطمة واكرب أبتاه فقال ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت
يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل
أنعاه فلما دفن قالت فاطمة يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله
التراب وقال النبي: "وانا



ص -106- بك يا ابراهيم لمحزنون" وهذا ونحوه من القول الذى ليس
فيه تظلم للمقدور ولا تسخط على الرب ولا اسخاط له فهو كمجرد البكاء
فصل: وأما قول النبي: "ان الميت ليعذب بالنياحة عليه" فقد ثبت عنه من
رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله والمغيرة بن شعبة وروى نحوه عن عمران
بن حصين وأبى موسى رضى الله عنهم فاختلفت طرق الناس في ذلك فقالت فرقة
يتصرف الله في خلقه بما يشاء وأفعال الله لا تعلل ولا فرق بين التعذيب
بالنوح عليه والتعذيب بما هو منسوب اليه لأن الله خالق الجميع والله تعالى
يؤلم الاطفال والبهائم والمجانين بغير عمل
وقالت فرقة هذه الاحاديث لا تصح عن رسول الله وقد أنكرتها عائشة أم
المؤمنين واحتجت بقوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى}ولما بلغها رواية
عمر وابنه قالت انكم لتحدثون عن غير كاذبين ولا متهمين ولكن السمع يخطئ
وقالت انما مر النبي على قبر يهودى فقال: "ان صاحب هذا القبر يعذب وأهله
يبكون عليه"
وفي رواية متفق عليها عنها انما قال رسول الله: "ان الله ليزيد الكافر
عذابا ببكاء أهله عليه" وقالت حسبكم القرآن {ولا تزر وازرة وزر أخرى}
وقالت فرقة أخرى منهم المزنى وغيره ان ذلك محمول على من أوصى به اذا كانت
عادتهم ذلك وهو كثير في أشعارهم كقول طرفة
اذا مت فانعينى بما أنا أهله وشقى على الجيب يا إبنة معبد
وقول لبيد
فقوما فقولا بالذى قد علمتما ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر
وقولا هو المرء الذى لا صديقه أضاع ولا خان الامين ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر



ص -107- وقالت طائفة هو محمول على من سنته وسنة قومه ذلك اذا لم
ينههم عنه لأن ترك نهيه دليل على رضاه به وهذا قول ابن المبارك وغيره قال
أبو البركات ابن تيمية وهو أصح الاقوال كلها لأنه متى غلب على ظنه فعلهم
ولم يوصهم بتركه فقد رضى به وصار كمن ترك النهى عن المنكر مع القدرة عليه
فأما اذا أوصاهم بتركه فخالفوه فالله أكرم من أن يعذبه بذلك وقد حصل بذلك
العمل بالآية مع اجراء الخير على عمومه في كثير من الموارد وانكار عائشة
لذلك بعد رواية الثقات لا يعول عليه فإنهم قد يحضرون ما لا نحضره ويشهدون
ما نغيب عنه واحتمال السهو والغلط بعيد خصوصا في حق خمسة من أكابر الصحابة
وقوله في اليهود لا يمنع أن يكون قد قال ما رواه عنه هؤلاء الخمسة في
أوقات أخر ثم هى محجوجة بروايتها عنه أنه قال: "ان الله يزيد الكافر عذابا
ببكاء أهله عليه" فإذا لم يمنع زيادة الكافر عذابا بفعل غيره مع كونه
مخالفا لظاهر الآية لم يمنع ذلك في حق المسلم ان الله سبحانه كما لا يظلم
عبده المسلم لا يظلم الكافر والله أعلم فصل ولا تحتاج هذه الاحاديث إلى شئ
من هذه التكلفات وليس فيها بحمد الله اشكال ولا مخالفة لظاهر القرآن ولا
لقاعدة من قواعد الشرع ولا تتضمن عقوبة الانسان بذنب غيره فإن النبي لم
يقل ان الميت يعاقب ببكاء أهله عليه ونوحهم وانما قال يعذب بذلك ولا ريب
أن ذلك يؤلمه ويعذبه والعذاب هو الالم الذى يحصل له وهو أعم من العقاب
والاعم لا يستلزم الاخص وقد قال النبي: "السفر قطعة من العذاب" وهذا
العذاب يحصل للمؤمن والكافر حتى ان الميت ليتألم بمن يعاقب في قبره في
جواره ويتأذى بذلك كما يتأذى الانسان في الدنيا بما يشاهده من عقوبة جاره
فإذا بكى أهل الميت عليه البكاء المحرم وهو البكاء الذى كان أهل الجاهلية
يفعلونه والبكاء على الميت عندهم اسم لذلك وهو معروف في نظمهم ونثرهم تألم
الميت بذلك في قبره
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى