صفحة 1 من اصل 3 • 1, 2, 3
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ص -183- صالحا وعلى كل حال لا يلقى ذلك إلا الصابرون على الفقر وعن الدنيا
وشهواتها وما أترف فيه الاغنياء وقد شهد الله سبحانه لهم أنهم من أهل
العلم دون الذين تمنوا الدنيا وزينتها
الوجه الثامن: انه سبحانه أنكر على من ظن أن التفضيل يكون بالمال الذى
يحتاج اليه لاقامة الملك فكيف بما هو زيادة وفضلة فقال تعالى {وَقَالَ
لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً
قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ
بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ
وَالْجِسْمِ} فرد الله سبحانه قولهم وأخبر سبحانه أن الفضل ليس بالمال كما
توهموه وأن الفضل بالعلم لا بالمال وقال سبحانه قال بفضل الله وبرحمته
فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ففضله ورحمته العلم والايمان والقرآن
والذى يجمعونه هو المال وأسبابه ومثله قوله تعالى أهم يقسمون رحمة ربك الى
قوله ورحمة ربك خير مما يجمعون
الوجه التاسع: انه سبحانه أخبر أن التكاثر فى جمع المال وغيره ألهى الناس
وشغلهم عن الآخرة والاستعداد لها وتوعدهم على ذلك فقال تعالى {أَلْهَاكُمُ
التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} فأخبر سبحانه أن التكاثر شغل أهل الدنيا
وألهاهم عن الله والدار الآخرة حتى حضرهم الموت فزاروا المقابر ولم يفيقوا
من رقدة من ألهاهم التكاثر وجعل الغاية زيارة المقابر
وشهواتها وما أترف فيه الاغنياء وقد شهد الله سبحانه لهم أنهم من أهل
العلم دون الذين تمنوا الدنيا وزينتها
الوجه الثامن: انه سبحانه أنكر على من ظن أن التفضيل يكون بالمال الذى
يحتاج اليه لاقامة الملك فكيف بما هو زيادة وفضلة فقال تعالى {وَقَالَ
لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً
قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ
بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ
وَالْجِسْمِ} فرد الله سبحانه قولهم وأخبر سبحانه أن الفضل ليس بالمال كما
توهموه وأن الفضل بالعلم لا بالمال وقال سبحانه قال بفضل الله وبرحمته
فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ففضله ورحمته العلم والايمان والقرآن
والذى يجمعونه هو المال وأسبابه ومثله قوله تعالى أهم يقسمون رحمة ربك الى
قوله ورحمة ربك خير مما يجمعون
الوجه التاسع: انه سبحانه أخبر أن التكاثر فى جمع المال وغيره ألهى الناس
وشغلهم عن الآخرة والاستعداد لها وتوعدهم على ذلك فقال تعالى {أَلْهَاكُمُ
التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} فأخبر سبحانه أن التكاثر شغل أهل الدنيا
وألهاهم عن الله والدار الآخرة حتى حضرهم الموت فزاروا المقابر ولم يفيقوا
من رقدة من ألهاهم التكاثر وجعل الغاية زيارة المقابر
دون الموت ايذانا بأنهم غير مستوطنين ولا مستقرين فى القبور
وأنهم فيها بمنزلة الزائرين يحضرونها مدة ثم يظعنون عنها كما كانوا فى
الدنيا زائرين لها غير مستقرين فيها ودار القرار هى الجنة أو النار ولم
يعين سبحانه المتكاثر به بل ترك ذكره اما لأن المذموم هو نفس التكاثر
بالشئ لا المتكاثر به كما يقال شغلك اللعب واللهو ولم يذكر ما يلعب ويلهو
به واما ارادة الاطلاق وهو كل ما تكاثر به العبد غيره من أسباب الدنيا من
مال أو جاه أو عبيد أو اماء أو
ص -184- بناء أو غراس أو علم لا ينبغى به وجه الله أو عمل لا
يقربه الى الله فكل هذا من التكاثر الملهى عن الله والدار الآخرة
وفى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الشخير أنه قال: "انتهيت الى النبى وهو
يقرأ ألهاكم التكاثر قال يقول ابن آدم مالى مالى وهل لك من مالك الا ما
تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت"، ثم أوعد سبحانه من ألهاه
التكاثر وعيدا مؤكدا اذا عاين تكاثره هباء منثورا وعلم دنياه التى كاثر
بها انما كانت خدعا وغرورا فوجد عاقبة تكاثره عليه لا له وخسر هنالك
تكاثره كما خسر أمثاله وبدا له من الله ما لم يكن فى حسابه وصار تكاثره
الذى شغله عن الله والدار الآخرة من أعظم أسباب عذابه فعذب بتكاثره فى
دنياه ثم عذب به فى البرزخ ثم يعذب به يوم القيامة فكان أشقى بتكاثره اذ
أفاد منه العطب دون الغنيمة والسلامة فلم يفز من تكاثره الا بأن صار من
الأقلين ولم يحفظ به من علوه به فى الدنيا بأن حصل مع الاسفلين فيا له
تكاثرا ما أقله ورزءا ما أجله ومن غنى جالبا لكل فقر وخيرا توصل به الى كل
شر يقول صاحبه اذا انكشف عنه غطاؤه يا ليتنى قدمت لحياتى وعملت فيه بطاعة
الله قبل وفاتى رب ارجعونى لعلى أعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو
قائلها تلك كلمة يقولها فلا يعول عليها ورجعة يسألها فلا يجاب إليها
وتأمل قوله أولا { رَبّ } استغاث بربه ثم التفت الى الملائكة الذين أمروا
بإحضاره بين يدى ربه تبارك وتعالى فقال أرجعونى ثم ذكر سبب سؤال الرجعة
وهو أن يستقبل العمل الصالح فيما ترك خلفه من ماله وجاهه وسلطانه وقوته
وأسبابه فيقال له كلا لا سبيل لك الى الرجعى وقد عمرت ما يتذكر فيه من تذكر
ولما كان شأن الكريم الرحيم أن يجيب من استغاث وأن يفسح له فى المهلة
لتيذكر مافاته أخبر سبحانه أن سؤال هذا المفرط الرجعة كلمة هو
ص -185- قائلها لا حقيقة تحتها وأن سجيته وطبيعته تأبى أن تعمل
صالحا لو أجيب وانما ذلك شئ يقوله بلسانه وأنه لو رد لعاد لما نهى عنه
وأنه من الكاذبين فحكمه أحكم الحاكمين وعزته وعلمه وحمده يأبى اجابته الى
ما سأل فإنه لا فائدة فى ذلك ولو رد لكانت حالته الثانية مثل حالته الاولى
كما قال تعالى ولو ترى اذ وقفوا على النار قالوا ياليتنا نرد ولا نكذب
بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا
لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون
وقد حام أكثر المفسرين حول معنى هذه الآية وما أوردوا فراجع أقوالهم تجدها
لا تشفى عليلا ولا تروى غليلا ومعناها أجل وأعظم مما فسروها به ولم
يتفطنوا لوجه الاضراب ببل ولا للأمر الذى بدا لهم وكانوا يخفونه وطنوا أن
الذى بدا لهم العذاب فلما لم يروا ذلك ملتئما مع قوله {مَا كَانُوا
يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} قد روا مضافا محذوفا وهو خبر ما كانوا يخفون من
قبل فدخل عليهم أمر آخر لا جواب لهم عنه وهو أن القوم لم يكونوا يخفون
شركهم وكفرهم بل كانوا يظهرونه ويدعون إليه ويحاربون عليه ولما علموا أن
هذا وارد عليهم قالوا ان القوم فى بعض موارد القيامة ومواطنها أخفوا شركهم
وجحدوه وقالوا والله ربنا ما كنا مشركين فلما وقفوا على النار بدا لهم
جزاء ذلك الذى أخفوه قال الواحدى وعلى هذا أهل التفسير ولم يصنع أرباب هذا
القول شيئا فإن السياق والاضراب ببل والاخبار عنهم بأنهم لو ردوا لعادوا
لما نهوا عنه وقولهم والله ربنا ما كنا مشركين لا يلتئم بهذا الذى ذكروه
فتأمله
وقالت طائفة منهم الزجاج بل بدا للاتباع ما أخفاه عنهم الرؤساء من أمر
البعث وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير وفيه من التكلف ما ليس بخاف واجود من
هذا ما فهمه المبرد من الآية قال كأن كفرهم لم يكن باديا لهم اذ خفيت
عليهم مضرته ومعنى كلامه أنهم لما خفيت عليهم مضرة عاقبته ووباله فكأنه
كان خفيا عنهم لم تظهر لهم حقيقته
فلما عاينوا
ص -186- العذاب ظهرت لهم حقيقته وشره قال وهذا كما تقول لمن كنت حدثته فى
أمر قبل وقد ظهر لك الآن ما كنت قلت لك وقد كان ظاهرا له قبل هذا ولا يسهل
أن يعبر عن كفرهم وشركهم الذى كانوا ينادون به على رءوس الاشهاد ويدعون
اليه كل حاضر وباد بأنهم كانوا يخفونه لخفاء عاقبته عنهم ولا يقال لمن
أظهر الظلم والفساد وقتل النفوس والسعى فى الأرض بالفساد أنه أخفى ذلك
لجهله بسوء عاقبته وخفائها عليه
فمعنى الآية والله أعلم بما أراد من كلامه أن هؤلاء المشركين لما وقفوا
على النار وعاينوها وعلموا أنهم داخلوها تمنوا أنهم يردون الى الدنيا
فيؤمنون بالله وآياته ولا يكذبون رسله فأخبر سبحانه أن الأمر ليس كذلك
وأنهم ليس فى طبائعهم وسجاياهم الايمان بل سجيتهم الكفر والشرك والتكذيب
وأنهم لو ردوا لكانوا بعد الرد كما كانوا قبله وأخبر أنهم كاذبون فى زعمهم
أنهم لو ردوا لآمنوا وصدقوا
فإذا تقرر مقصود الآية ومرادها تبين معنى الاضراب ببل وتبين معنى الذى بدا
لهم والذى كانوا يخفونه والحامل لهم على قولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب
بآيات ربنا فالقوم كانوا يعلمون أنهم كانوا فى الدنيا على باطل وأن الرسل
صدقوهم فيما بلغوهم عن الله وتيقنوا ذلك وتحققوه ولكنهم أخفوه ولم يظهروه
بينهم بل تواصوا بكتمانه فلم يكن الحامل لهم على تمنى الرجوع والايمان
معرفة ما لم يكونوا يعرفونه من صدق الرسل فإنهم كانوا يعلمون ذلك ويخفونه
وظهر لهم يوم القيامة ما كانوا ينطوون عليه من علمهم أنهم على باطل وأن
الرسل على الحق فعاينوا ذلك عيانا بعد أن كانوا يكتمونه ويخفونه فلو ردوا
لما سمحت نفوسهم بالايمان ولعادوا الى الكفر والتكذيب فإنهم لم يتمنوا
الايمان لعلمهم يومئذ أنه هو الحق وأن الشرك باطل وانما تمنوا لما عاينوا
العذاب الذى لا طاقة لهم باحتماله وهذا كمن كان يخفى محبة شخص ومعاشرته
وهو يعلم أن حبه باطل وأن الرشد فى عدوله عنه فقيل له ان اطلع
عليه وليه عاقبك وهو يعلم
ص -187- ذلك ويكابر ويقول بل محبته ومعاشرته هى الصواب فلما أخذه وليه
ليعاقبه على ذلك وتيقن العقوبة تمنى أن يعفى من العقوبة وأنه لا يجتمع به
بعد ذلك وفى قلبه من محبته والحرص على معاشرته ما يحمله على المعاوده بعد
معاينة العقوبة بل بعد أن مسته وأنهكته فظهر له عند العقوبة ما كان يخفى
من معرفته بخطئه وصواب ما نهاه عنه ولو رد لعاد لما نهى عنه
وتأمل مطابقة الاضراب لهذا المعنى وهو نفى قولهم انا لو رددنا لآمنا
وصدقنا لأنه ظهر لنا الآن أن ما قاله الرسل هو الحق أى ليس كذلك بل كنتم
تعلمون ذلك وتعرفونه وكنتم تخفونه فلم يظهر لكم شئ لتكونوا عالمين به
لتعذروا بل ظهر لكم ما كان معلوما وكنتم تتواصون بإخفائه وكتمانه والله
أعلم
ولا تستطل هذا الفضل المعترض فى أثناء هذه المسألة فلعله أهم منها وأنفع
وبالله التوفيق فلنرجع الى تمام الكلام فيها
وقوله {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} جوابه محذوف دل عليه
ما تقدم أى لما ألهاكم التكاثر وانما وجد هذا التكاثر وإلهاؤه عما هو أولى
بكم لما فقد منكم علم اليقين وهو العلم الذى يصل به صاحبه الى حد
الضروريات التى لا يشك ولا يمارى فى صحتها وثبوتها ولو وصلت حقيقة هذا
العلم الى القلب وباشرته لما ألهاه عن موجبه ويرتب أثره عليه فإن مجرد
العلم بقبح الشئ وسوء عواقبه قد لا يكفى فى تركه فإذا صار له علم اليقين
كان اقتضاء هذا العلم لتركه أشد فاذا صار عين يقين كجملة المشاهدات كان
تخلف موجبه عنه من أندر شئ وفى هذا المعنى قال حسان بن ثابت رضى الله عنه
فى أهل بدر:
سرنا وساروا إلى بدر لحتفهم لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
وقوله {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} قيل
تأكيد لحصول العلم كقوله {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ
سَيَعْلَمُونَ} وقيل ليس
ص -188- تأكيدا بل العلم الأول عند المعاينة ونزول الموت والعلم
الثانى فى القبر هذا قول الحسن ومقاتل ورواه عطاء عن ابن عباس ويدل على
صحة هذا القول عدة أوجه أحدها أن الفائدة الجديدة والتأسيس هو الأصل وقد
أمكن اعتباره مع فخامة المعنى وجلالته وعدم الاخلال بالفصاحة الثانى توسط
ثم بين العلمين وهى مؤذنة بتراخى ما بين المرتبتين زمانا وخطرا الثالث ان
هذا القول مطابق للواقع فإن المحتصر يعلم عند المعاينة حقيقة ما كان عليه
ثم يعلم فى القبر وما بعده ذلك علما هو فوق الأول الرابع أن عليا بن أبى
طالب رضى الله عنه وغيره من السلف فهموا من الآية عذاب القبر قال الترمذى
حدثنا أبو كريب حدثنا حكام بن سليم الرازى عن عمرو بن أبى قيس عن الحجاج
بن المنهال بن عمر عن زر عن على رضى الله عنه قال ما زلنا نشك فى عذاب
القبر حتى نزلت الهاكم التكاثر
قال الواحدى: يعنى أن معنى قوله {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} فى القبر
الخامس: ان هذا مطابق لما بعده من قوله {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ
لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} فهذه الرؤية الثانية غير الأولى من
وجهين إطلاق الأولى وتقييد الثانية بعين اليقين وتقدم الأولى وتراخى
الثانية عنها ثم ختم السورة بالاخبار المؤكد بواو القسم ولام التأكيد
والنون الثقيلة عن سؤال النعيم فكل أحد يسأل عن نعيمه الذى كان فيه فى
الدنيا هل ناله من حلاله ووجهه أم لا فاذا تخلص من هذا السؤال سئل سؤالا
آخر هل شكر الله تعالى عليه فاستعان به على طاعته أم لا فالأول سؤال عن
سبب استخراجه والثانى عن محل صرفه كما فى جامع الترمذى من حديث عطاء بن
أبى رباح عن ابن عمر عن النبى قال: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من
عند ربه حتى يسئل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن
ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن ماذا عمل فيما علم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ص -189- وفيه أيضا عن أبى برزة قال قال رسول الله: "لا تزول قدما
عبد يوم القيامة حتى يسئل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما عمل فيه وعن
ماله من أين اكتسبه وفيما أبلاه" قال هذا حديث صحيح
وفيه أيضا من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ان أول ما
يسئل عنه العبد يوم القيامة يعنى من النعيم أن يقال له ألم نصح جسمك
ونرويك من الماء البارد
وفيه أيضا من حديث الزبير بن العوام رضى الله عنه لما نزلت لتسئلن يومئذ
عن النعيم قال الزبير يا رسول الله فأى النعيم نسئل عنه وانما هو الأسودان
التمر والماء قال أما انه سيكون قال هذا حديث حسن وعن أبى هريرة نحوه وقال
انما هو الاسودان العدو حاضر سيوفنا على عواتقنا قال ان ذلك سيكون وقوله
ان ذلك سيكون إما أن يكون المراد به أن النعيم سيكون ويحدث لكم وإما أن
يرجع الى السؤال أي ان السؤال يقع عن ذلك وان كان تمرا وماء فانه من
النعيم ويدل عليه قوله فى + الحديث الصحيح + وقد أكلوا معه رطبا ولحما
وشربوا من الماء البارد "هذا من النعيم الذى تسئلون عنه يوم القيامة" فهذا
سؤال عن شكره والقيام بحقه
وفى الترمذى من حديث أنس رضى الله عنه عن النبى قال: "يجاء بالعبد يوم
القيامة كأنه بذج فيوقف بين يدى الله تعالى فيقول الله أعطيتك وخولتك
وأنعمت عليك فماذا صنعت فيقول يا رب جمعته وثمرته فتركته أوفر ما كان
فارجعنى آتيك به فاذا أعيد لم يقدم خيرا فيمضى به الى النار" وفيه من حديث
أبى سعيد وأبى هريرة رضى الله عنهما قالا قال رسول الله: "يؤتى بالعبد يوم
القيامة فيقول الله ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا وسخرت لك الأنعام
والحرث وتركتك ترأس
ص -190- وترتع أفكنت تظن أنك ملاق يومك هذا فيقول لا فيقول له
اليوم أنساك كما نسيتنى" قال هذا حديث صحيح
وقد زعم طائفة من المفسرين أن هذا الخطاب خاص بالكفار وهم المسؤلون عن
النعيم وذكر ذلك عن الحسن ومقاتل واختار الواحدى ذلك واحتج بحديث ابى بكر
لما نزلت هذه الآية قال رسول الله أرأيت أكلة أكلتها معك ببيت أبى الهيثم
بن النبهان من خبز شعير ولحم وبسر قد ذنب وماء عذب أتخاف علينا أن يكون
هذا من النعيم الذى نسأل عنه فقال رسول الله انما ذلك للكفار ثم قرأ وهل
نجازى إلا الكفور قال الواحدى والظاهر يشهد بهذا القول لأن السورة كلها
خطاب للمشركين وتهديد لهم والمعنى أيضا يشهد بهذا القول وهو أن الكفار لم
يؤدوا حق النعيم عليهم حيث اشركوا به وعبدوا غيره فاستحقوا أن يسئلوا عما
أنعم به عليهم توبيخا لهم هل قاموا بالواجب فيه أم ضيعوا حق النعمة ثم
يعذبون على ترك الشكر بتوحيد المنعم قال وهذا معنى قول مقاتل وهو قول
الحسن قال لا يسئل عن النعيم الا أهل النار
قلت ليس فى اللفظ ولا فى السنة الصحيحة ولا فى أدلة العقل ما يقتضى اختصاص
الخطاب بالكفار بل ظاهر اللفظ وصريح السنة والاعتبار يدل على عموم الخطاب
لكل من اتصف بإلهاء التكاثر له فلا وجه لتخصيص الخطاب ببعض المتصفين بذلك
ويدل على ذلك قول النبى عند قراءة هذه السورة يقول ابن آدم مالى مالى وهل
لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فابليت الحديث وهو فى صحيح مسلم
وقائل ذلك قد يكون مسلما وقد يكون كافرا ويدل عليه أيضا الأحاديث التى
تقدمت وسؤال الصحابة النبى وفهمهم العموم حتى قالوا له وأى نعيم نسئل عنه
وانما هو الاسودان فلو كان الخطاب مختصا
ص -191- بالكفار لبين لهم ذلك وقال ما لكم ولها انما هى للكفار
فالصحابة فهموا التعميم والأحاديث صريحة فى التعميم والذى أنزل عليه
القرآن أقرهم على فهم العموم
وأما حديث ابى بكر الذى أحتج به أرباب هذا القول فحديث لا يصح والحديث
الصحيح فى تلك القصة يشهد ببطلانه ونحن نسوقه بلفظه ففى صحيح مسلم عن ابى
هريرة قال: "خرج رسول الله ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبى بكر وعمر فقال ما
أخرجكما من بيوتكما فى هذه الساعة قالا الجوع يا رسول الله قال وأنا والذى
نفسى بيده لأخرجنى الذى أخرجكما قوما فقاما معه فأتى رجلا من الأنصار فإذا
هو ليس فى بيته فلما رأته امرأته قالت مرحبا وأهلا فقال لها رسول الله
وأين فلان قالت ذهب يستعذب لنا من الماء إذ جاء الأنصارى فنظر الى رسول
الله وصاحبيه فقال الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا منى قال فانطلق
فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال كلوا من هذا فأخذ المدية فقال له رسول
الله إياك والحلوبة فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما
أن شبعوا ورووا قال رسول الله لابى بكر وعمر والذى نفسى بيده لتسئلن عن
هذا النعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم
هذا النعيم" فهذا الحديث الصحيح صريح فى تعميم الخطاب وأنه غير مختص
بالكفار
وايضا فالواقع يشهد بعدم اختصاصه وأن الالهاء بالتكاثر واقع من المسلمين
كثيرا بل أكثرهم قد الهاه التكاثر وخطاب القرآن عام لمن بلغه وان كان أول
من دخل فيه المعاصرين لرسول الله فهو متناول لمن بعدهم وهذا معلوم بضرورة
الدين وان نازع فيه من لا يعتد بقوله من المتأخرين فنحن اليوم ومن قبلنا
ومن بعدنا داخلون تحت قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ونظائره كما دخل
ص -192- تحته الصحابة بالضرورة المعلومة من الدين فقوله ألهاكم
التكاثر خطاب لكل من اتصف بهذا الوصف وهم فى الالهاء والتكاثر درجات لا
يحصيها الا الله
فإن قيل فالمؤمنون لم يلههم التكاثر ولهذا لم يدخلوا فى الوعيد المذكور
لمن الهاه قيل هذا هو الذى أوجب لأرباب هذا القول تخصيصه بالكفار لأنه لم
يمكنهم حمله على العموم ورأوا أن الكفار أحق بالوعيد فخصوهم به وجواب هذا
أن الخطاب للانسان من حيث هو إنسان على طريقة القرآن فى تناول الذم له من
حيث هو إنسان كقوله {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً} {وَكَانَ الإِنْسَانُ
قَتُوراً} {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} {وَحَمَلَهَا
الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} {إِنَّ الإِنْسَانَ
لَكَفُورٌ} ونظائره كثيرة فالانسان من حيث هو عار عن كل خير من العلم
النافع والعمل الصالح وانما الله سبحانه هو الذى يكمله بذلك ويعطيه إياه
وليس له ذلك من نفسه بل ليس له من نفسه إلا الجهل المضاد للعلم والظلم
المضاد للعدل وكل علم وعدل وخير فيه فمن ربه لا من نفسه فإلهاء التكاثر
طبيعته وسجيته التى هى له من نفسه ولا خروج له عن ذلك الا بتزكية الله له
وجعله مريدا للآخرة مؤثرا لها على التكاثر بالدنيا فان أعطاه ذلك وإلا فهو
ملته بالتكاثر فى الدنيا ولا بد
وأما احتجاجه بالوعيد على اختصاص الخطاب بالكفار فيقال الوعيد المذكو
مشترك وهو العلم عند معاينة الآخرة فهذا أمر يحصل لكل أحد لم يكن حاصلا له
فى الدنيا وليس فى قوله {سَوْفَ تَعْلَمُون} ما يقتضى دخول النار فضلا عن
التخليد فيها وكذلك رؤية الجحيم لا يستلزم دخولها لكل من رآها فان أهل
الموقف يرونها ويشاهدونها عيانا وقد اقسم الرب تبارك وتعالى أنه لا بد أن
يراها الخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم فليس فى جملة هذه السورة
ما ينفى عموم خطابها وأما
ص -193- ما ذكره عن الحسن أنه لا يسأل عن النعيم الا أهل النار
فباطل قطعا اما عليه واما منه والاحاديث الصحيحة الصريحة ترده وبالله
التوفيق
ولا يخفى أن مثل هذه السورة مع عظم شأنها وشدة تخويفها وما تضمنته من
تحذير الملهى وانطباق معناها على أكثر الخلق يأبى اختصاصها من أولها الى
آخرها بالكفار ولا يليق ذلك بها ويكفى فى ذلك تأمل الاحاديث المرفوعة فيها
والله أعلم
وتأمل ما فى هذا العتاب الموجع لمن استمر على الهاء التكاثر له مدة حياته
كلها الى أن زار القبور ولم يستيقظ من نوم الالهاء بل أرقد التكاثر قلبه
فلم يستفق منه الا وهو فى عسكر الأموات وطابق بين هذا وبين حال أكثر الخلق
يتبين لك أن العموم مقصود وتأمل تعليقه سبحانه الذم والوعيد على مطلق
التكاثر من غير تقييد بمتكاثر به ليدخل فيه التكاثر بجميع أسباب الدنيا
على اختلاف أجناسها وأنواعها وأيضا فان التكاثر تفاعل وهو طلب كل من
المتكاثرين أن يكثر صاحبه فيكون أكثر منه فيما يكاثره به والحامل له على
ذلك توهمه أن العزة للكاثر كما قيل:
ولست بالأكثر منهم حصى وانما العزة للكاثر
فلو حصلت له الكثرة من غير تكاثر لم تضره كما كانت الكثرة حاصلة لجماعة من
الصحابة ولم تضرهم اذ لم يتكاثروا بها وكل من كاثر انسانا فى دنياه أو
جاهه أو غير ذلك شغلته مكاثرته عن مكاثرة أهل الآخرة فالنفوس الشريفة
العلوية ذات الهمم العالية انما تكاثر بما يدوم عليها نفعه وتكمل به وتزكو
وتصير مفلحة فلا تحب أن يكثرها غيرها فى ذلك وينافسها فى هذه المكاثرة
ويسابقها اليها فهذا هو التكاثر الذى هو غاية سعادة العبد وضده تكاثر أهل
الدنيا بأسباب دنياهم فهذا تكاثر مله عن الله والدار الاخرة هو صائر الى
غاية القلة فعاقبة هذا التكاثر قل وفقر وحرمان والتكاثر بأسباب السعادة
الاخروية تكاثر لا يزال بذكر بالله ولقائه وعاقبته الكثرة الدائمة التى لا
تزول ولا تفنى وصاحب هذا
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ص -194- التكاثر لا يهون عليه أن يرى غيره أفضل منه قولا وأحسن
منه عملا وأغزر علما واذا رأى غيره أكثر منه فى خصلة من خصال الخير يعجز
عن لحاقه فيها كاثره بخصلة أخرى هو قادر على المكاثرة بها وليس هذا
التكاثر مذموما ولا قادحا فى اخلاص العبد بل هو حقيقة المنافسة واستباق
الخيرات
وقد كانت هذه حال الاوس مع الخزرج رضى الله عنهم فى تصاولهم بين يدى رسول
الله ومكاثرة بعضهم لبعض فى اسباب مرضاته ونصره وكذلك كانت حال عمر مع أبى
بكر رضى الله عنهما فلما تبين له مدى سبقه له قال والله لا أسابقك الى شئ
أبدا
فصل: ومن تأمل حسن موقع كلا فى هذا الموضع فانها تضمنت ردعا لهم وزجرا عن
التكاثر ونفيا وابطالا لما يؤملونه من نفع التكاثر لهم وعزتهم وكمالهم به
فتضمنت اللفظة نهيا ونفيا وأخبرهم سبحانه أنهم لا بد أن يعلموا عاقبة
تكاثرهم علما بعد علم وأنهم لا بد أن يروا دار المكاثرين بالدنيا التى
ألهتهم عن الاخرة رؤية بعد رؤية وأنه سبحانه لا بد أن يسألهم عن اسباب
تكاثرهم من أين استخرجوها وفيما صرفوها
فلله ما أعظمها من سورة وأجلها وأعظمها فائدة وأبلغها موعظة وتحذيرا
واشدها ترغيبا فى الآخرة وتزهيدا فى الدنيا على غاية اختصارها وجزالة
ألفاظها وحسن نظمها فتبارك من تكلم بها حقا وبلغها رسوله عنه وحيا
فصل: وتأمل كيف جعلهم عند وصولهم الى غاية كل حى زائرين غير مستوطنين بل
هم مستودعون فى المقابر مدة وبين أيديهم دار القرار فإذا كانوا عند وصولهم
الى الغاية زائرين فكيف بهم وهم فى الطريق فى هذه الدار فهم فيها عابرو
سبيل الى محل الزيارة ثم منتقلون من محل الزيارة إلى المستقر فهنا هنا
ثلاثة أمور عبور السبيل فى هذه الدنيا وغايته زيارة القبور وبعدها النقلة
إلى دار القرار.
ص -195- فصل: فلنرجع الى تمام المناظرة قالوا فالله تعالى حمى
أولياءه عن الدنيا وصانهم عنها ورغب بهم عنها تكريما لهم وتطهيرا عن
أدناسها ورفعة عن دناءتها وذمهالهم وأخبرهم بهوانها عليه وسقوط قدرها عنده
وأعلمهم أن بسطها فتنة وأنه سب الطغيان والفساد فى الارض وإلهاء التكاثر
بها عن طلب الاخرة وأنها متاع الغرور وذم محبيها ومؤثريها وأخبر أن من
أرادها أو أراد زينتها وحرثها فليس له فى الاخرة من نصيب واخبر أن بسطها
فتنة وابتلاء لا كرامة ومحبة وإن إمداد أهلها بها ليس مسارعة لهم فى
الخيرات وأنها لا تقرب اليه ولا تزلف لديه وأنه لولا تتابع الناس فى الكفر
لأعطى الكفار منها فوق مناهم ووسعها عليهم أعظم التوسعة بحيث يجعل سقوف
بيوتهم وأبوابهم ومعارجهم وسررهم كلها من فضة وأخبر أنه زينها لأعدائه
ولضعفاء العقول الذين لا نصيب لهم فى الاخرة ونهى رسوله عن مد عينيه اليها
والى مامتع به أهلها وذم من أذهب طيباته فيها واستمتع بها وقال لنبيه ذرهم
يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون وفى هذا تعزية لما منعه أولياءه
من التمتع بالدنيا وكثرة الأكل فيها وتأديب لمن بسط له فيها ألا يطغى فيها
ولا يعطى نفسه شهواتها ولا يتمتع بها ولام سبحانه محبيها المفتخرين بها
المكاثرين بها الظانين أن الفضل والكرامة فى سعتها وبسطها فأكذبهم الله
سبحانه
واخبر أنه ليس كما قالوه ولا توهموه ومثلها لعباده بالأمثلة التى تدعو كل
لبيب عاقل الى الزهد فيها وعدم الوثوق بها والركون اليها فأحضر صورتها
وحقيقتها فى قلوبهم بما ضربه لها مثلا كماء أنزله من السماء فخالط نبات
الأرض فلما أخذت به الارض زخرفها وتزينت بأنواع النبات أتاها أمره فجعل
تلك الزينة يبسا هشيما تذروه الرياح كأن لم يكن قط منه شيء
وأخبر سبحانه عن فنائها وسرعة انقضائها وأنه اذا عاين العبد الأخرة فكأنه
لبث فيها ساعة من نهار أو يوما أو بعض يوم ونهى سبحانه عباده
ص -196- أن يغتروا بها واخبرهم أنها لهو ولعب وزينة وتفاخر
وتكاثر ومتاع غرور وطريق ومعبر الى الاخرة وأنها عرض عاجل لابقاء له ولم
يذكر مريدها بخير قط بل حيث ذكره ذمه وأخبر أن مريدها مخالف لربه تعالى فى
ارادته فالله يريد شيئا ومريد الدنيا يريد خلافه فهو مخالف لربه بنفس
ارادته كفى بهذا بعدا عنه سبحانه واخبر سبحانه عن أهل النار انهم انما
دخلوها بسبب غرور الدنيا وأمانيها لهم قالوا وهذا كله تزهيد لهم منه
سبحانه فيها وترغيب فى التقلل منها ما أمكن
قالوا وقد عرضها سبحانه وعرض مفاتيح كنوزها على أحب الخلق اليه وأكرمهم
عليه عبده ورسوله محمد فلم يردها ولم يخترها ولو أثرها وارادها لكان أشكر
الخلق بما اخذه منها وأنفقه كله فى مرضاة الله وسبيله قطعا بل اختار
التقلل منها وصبر على شدة العيش فيها
قال الامام أحمد حدثنا اسماعيل بن محمد حدثنا عباد يعنى ابن عباد حدثنا
مجالد بن سعيد عن الشعبى عن مسروق عن عائشة رضى الله عنها قالت: "دخلت على
امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله عباءة مثنية فرجعت الى منزلها فبعثت
إلى بفراش حشوه الصوف فدخل على رسول الله فقال ما هذا فقلت فلانة
الانصارية دخلت على فرأت فراشك فبعثت الى بهذا فقال رديه فلم أرده وأعجبنى
أن يكون فى بيتى حتى قال ذلك ثلاث مرات فقال يا عائشة رديه والله لو شئت
لأجرى الله معى جبال الذهب والفضة"
وعرض عليه مفاتيح كنوز الدنيا فلم يأخذها وقال بل أجوع يوما وأشبع يوما
فاذا جعت تضرعت اليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك وسأل ربه أن يجعل رزق
أهله قوتا كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول
الله: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا" وفيهما عنه قال: "والذى نفس أبى
هريرة بيده ما شبع نبى الله وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق
الدنيا".
ص -197- وفى صحيح البخارى عن أنس رضى الله عنه ما أعلم أن رسول
الله رأى رغيفا مرققا ولا شاة سميطا قط حتى لحق بربه وفى صحيحه أيضا عنه
قال خرج رسول الله ولم يشبع من خبز الشعير وفى الصحيحين عن عائشة رضى الله
عنها: "ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى
قبض" وفى صحيح مسلم عن عمر رضى الله عنه: "لقد رأيت رسول الله يظل اليوم
ما يجد دقلا يملأ بطنه"
وفى المسند والترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما كان رسول الله يبيت
الليالى المتتابعات طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير
قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح وفى الترمذى من حديث أبى أمامة ما كان يفضل
أهل بيت رسول الله خبز الشعير وفى المسند عن عائشة رضى الله عنها والذى
بعث محمدا بالحق ما رأى منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله عز وجل
الى أن قبض قال عروة فقلت فكيف كنتم تأكلون الشعير قالت كنا نقول أف أى
ننفخه فيطير ما طار ونعجن الباقى
وفى صحيح البخارى عن أنس قال: "لقد رهن رسول الله درعه بشعير ولقد سمعته
يقول ما أصبح لآل محمد صاع ولا أمسى وانهم لتسعة ابيات" وفى مسند الحارث
عن أبى أسامة عن أنس: "أن فاطمة رضى الله عنها جاءت بكسرة خبز الى النبى
فقال ما هذه الكسرة يا فاطمة قالت قرص خبزته فلم تطب نفسى حتى أتيتك بهذه
الكسرة فقال أما إنه أول طعام دخل فى فم أبيك منذ ثلاثة أيام".
وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا عبد الواحد بن أيمن عن ابيه عن جابر
رضى الله عنه قال لما حفر رسول الله الخندق أصابهم جهد شديد حتى ربط النبى
على بطنه حجرا من الجوع
وقد أسرف أبو حاتم بن حبان فى تقاسيمه فى رد هذا الحديث وبالغ
ص -198- فى إنكاره وقال المصطفى أكرم على ربه من ذلك وهذا من
وهمه وليس فى هذا ما ينقص مرتبته عند ربه بل ذلك رفعة له وزيادة فى كرامته
وعبرة لمن بعده من الخلفاء والملوك وغيرهم وكأن أبا حاتم لم يتأمل سائر
الاحاديث فى معيشة النبى وهل ذلك إلا من أعظم شواهد صدقه فإنه لو كان كما
يقول أعداؤه وأعداء ربه أنه ملك طالب ملك ودنيا لكان عيشه عيش الملوك
وسيرته سيرتهم ولقد توفاه الله وان درعه مرهونة عند يهودى على طعام أخذه
لأهله وقد فتح الله عليه بلاد العرب وجبيت اليه الاموال ومات ولم يترك
درهما واحدا ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا ولا عبدا ولا أمة
قال الامام أحمد حدثنا حسين بن محمد بن مطرف عن أبى حازم عن عروة أنه سمع
عائشة تقول كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد فى بيت من بيوت رسول الله نار
قلت يا خالة فعلى أى شئ كنتم تعيشون قالت على الأسودين التمر والماء وقد
تقدم حديث أبى هريرة فى قصة أبى الهيثم ابن النبهان وانه خرج رسول الله من
بيته فرأى أبا بكر وعمر رضى الله عنهما فقال ما أخرجكما قالا الجوع قال
وأنا والذى نفسى بيده لأخرجنى الذى أخرجكما
وذكر أحمد من حديث مسروق قال: "دخلت على عائشة فدعت لى بطعام وقالت ما
أشبع من طعام فأشاء أن أبكى الا بكيت قال قلت لم قالت أذكر الحال التى
فارق عليها رسول الله الدنيا والله ما شبع فى يوم مرتين من خبز البر حتى
قبض" وفيه عنها: "ما شبع رسول الله من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض"
والحديثان صحيحان وفيه ايضا عنها ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام
حتى لحق بالله عزوجل وفى الصحيحين عن أبى هريرة: "ما شبع رسول الله وأهله
ثلاثا أتباعا من خبز البر حتى فارق الدنيا"
وفى الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان النبى يبيت الليالى طاويا
وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير
ص -199- وفيه أيضا عن أنس عنه: "لقد اخفت فى الله وما يخاف أحد
ولقد أوذيت فى الله وما يؤذى أحد ولقد أتت على ثلاثون من بين يوم وليلة
ومالى ولبلال طعام يأكله ولبد إلا شئ يواريه إبط بلال" والحديثان صحيحان
وفيه ايضا عن أنس بن مالك رضى الله عنه عن أبى طلحة رضى الله عنه قال:
"شكونا الى رسول الله الجوع ورفعنا عن بطوننا حجرا حجرا فرفع رسول الله عن
بطنه حجرين" وفيه أيضا عن علقمة عن عبدالله رضى الله عنه قال: "نام رسول
الله على حصير فقام وقد اثر فى جنبه فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء
فقال مالى وللدنيا ما أنا فى الدنيا الا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح
وتركها" حديث صحيح وفيه عن على رضى الله عنه قال: "خرجت فى يوم شات من بيت
رسول الله وقد أخذت اهابا معطونا فجوبت وسطه وأدخلته فى عنقى فشددت به
وسطى فحزمته بخوص من النخل وانى لشديد الجوع ولو كان فى بيت رسول الله
طعام لطعمت منه فخرجت التمس شيئا فمررت بيهودى فى مال له وهو يسقى ببكرة
له فاطلعت عليه من ثلمة من الحائط فقال مالك يا أعرابى وهل لك فى كل دلو
بتمرة قلت نعم فافتتح الباب حتى أدخل ففتح فدخلت فأعطانى دلوه فكلما نزعت
دلوا أعطانى تمرة حتى امتلأت كفى أرسلت دلوه وقلت حسبى فأكلتها ثم جرعت من
الماء فشربت ثم جئت الماء فوجدت رسول الله فيه وقال سعد بن ابى وقاص رضى
الله عنه لقد رأيتنا نغزو مع رسول الله ما لنا طعام الا الحبلة وهذا السمر
والحبلة ثمر العضاة ذات الشوك" وهو حديث صحيح
وكان يصلى من الليل أحيانا وعليه كساء صوف بعضه عليه وبعضه على عائشة قال
الحسن أثمان ستة دراهم أو سبعة وقال أحمد حدثنا أبو سعيد حدثنا أبو زائدة
حدثنا عطاء عن أبيه عن على قال جهز رسول الله فاطمة فى خميل وقربة ووسادة
من أدم حشوها ليف والخميل الكساء الذى خمل قال وحدثنا بهز بن اسد حدثنا
سليمان بن المغيرة عن حميد قال قال أبو بردة دخلت على عائشة فأخرجت إلينا
إزارا غليظا
مما
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ص -200- يصنع باليمن وكساء من هذه التى تدعونها الملبدة فقالت قبض رسول
الله فى هذين الثوبين
قالوا ولو كان الغنى مع الشكر افضل من الفقر مع الصبر لاختاره رسول الله
إذ عرضت عليه الدنيا ولأمره ربه أن يسأله إياه كما أمره أن يسأله زيادة
العلم ولم يكن رسول الله ليختار الا ما اختاره الله له ولم يكن الله
ليختار له الا الافضل اذ كان افضل خلقه وأكملهم
قالوا وقد أخبر النبى أن خير الرزق ما كان بقدر كفاية العبد فلا يعوزه ما
يضره ولا يفضل عنه ما يطغيه ويلهيه
قال الامام أحمد حدثنا ابن مهدى حدثنا همام عن قتادة عن خليد العصرى عن
أبى الدرداء قال قال رسول الله: "ما طلعت شمس قط الا بعث بجنبيها ملكان
يناديان يسمعان أهل الأرض الا الثقلين يا أيها الناس هلموا الى ربكم فإن
ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا آبت شمس قط الا بعث بجنبيها ملكان
يناديان يسمعان أهل الأرض الا الثقلين اللهم أعط منفقا خلفا واعط ممسكا
تلفا"
وقال الامام أحمد حدثنا وكيع حدثنا أسامة بن زيد عن محمد بن عبد الرحمن
ابن ابى لبيبة عن سعد بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله: "خير الرزق
ما يكفى وخير الذكر الخفى".
وتأمل جمعه فى هذا الحديث بين رزق القلب والبدن رزق الدنيا والآخرة
واخباره أن خير الرزقين ما لم يتجاوز الحد فيكفى من الذكر اخفاؤه فإن زاد
على الاخفاء خيف على صاحبه الرياء والتكبر به على الغافلين وكذلك رزق
البدن اذا زاد على الكفاية خيف على صاحبه الطغيان والتكاثر
قالوا وقد غبط رسول الله المتقلل من الدنيا ما لم يغبط به الغنى
قال الامام أحمد حدثنا وكيع حدثنا على بن صالح عن أبى
الله فى هذين الثوبين
قالوا ولو كان الغنى مع الشكر افضل من الفقر مع الصبر لاختاره رسول الله
إذ عرضت عليه الدنيا ولأمره ربه أن يسأله إياه كما أمره أن يسأله زيادة
العلم ولم يكن رسول الله ليختار الا ما اختاره الله له ولم يكن الله
ليختار له الا الافضل اذ كان افضل خلقه وأكملهم
قالوا وقد أخبر النبى أن خير الرزق ما كان بقدر كفاية العبد فلا يعوزه ما
يضره ولا يفضل عنه ما يطغيه ويلهيه
قال الامام أحمد حدثنا ابن مهدى حدثنا همام عن قتادة عن خليد العصرى عن
أبى الدرداء قال قال رسول الله: "ما طلعت شمس قط الا بعث بجنبيها ملكان
يناديان يسمعان أهل الأرض الا الثقلين يا أيها الناس هلموا الى ربكم فإن
ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا آبت شمس قط الا بعث بجنبيها ملكان
يناديان يسمعان أهل الأرض الا الثقلين اللهم أعط منفقا خلفا واعط ممسكا
تلفا"
وقال الامام أحمد حدثنا وكيع حدثنا أسامة بن زيد عن محمد بن عبد الرحمن
ابن ابى لبيبة عن سعد بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله: "خير الرزق
ما يكفى وخير الذكر الخفى".
وتأمل جمعه فى هذا الحديث بين رزق القلب والبدن رزق الدنيا والآخرة
واخباره أن خير الرزقين ما لم يتجاوز الحد فيكفى من الذكر اخفاؤه فإن زاد
على الاخفاء خيف على صاحبه الرياء والتكبر به على الغافلين وكذلك رزق
البدن اذا زاد على الكفاية خيف على صاحبه الطغيان والتكاثر
قالوا وقد غبط رسول الله المتقلل من الدنيا ما لم يغبط به الغنى
قال الامام أحمد حدثنا وكيع حدثنا على بن صالح عن أبى
ص -201- المهلب عن عبيد الله ابن زحر عن على بن يزيد عن القاسم
عن أبى أمامة رضى الله عنه قال قال رسول الله: "ان أغبط أوليائى عندى مؤمن
خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة أحسن عبادة ربه وكان غامضا فى الناس لا يشار
اليه بالاصابع فعجلت منيته وقل تراثه وقلت بواكيه" قال عبد الله بن أحمد
سألت أبى ما تراثه قال ميراثه
قالوا وحمية الله لعبده المؤمن عن الدنيا انما هو من محبته له وكرامته قال
الامام أحمد حدثنا أبو سعيد حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن أبى عمرو عن
عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد رضى الله عنه أن رسول الله قال:
"ان الله تبارك وتعالى يحمى عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون
مرضاكم الطعام والشراب تخافون عليهم" قالوا وقل أن يقع اعطاء الدنيا
وتوسعتها الا استدراجا من الله لا اكراما ومحبة لمن أعطاه
قال الامام أحمد حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا رشد بن سعد عن حرملة بن عمران
النجبى عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر رضى الله عنه عن النبى قال: "اذا
رأيت الله يعطى العبد من الدنيا على معاصيه وما يحب فإنما هو استدراج" ثم
تلا قوله تعالى فلما نسو ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء الآية
قالوا ولهوان الدنيا على الله منعها أكثر أوليائه وأحبائه
قال الامام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الاعمش عن سالم بن ابى الجعد قال
قال رسول الله: "ان من أمتى لو أتى باب احدكم فسأله دينارا لم يعطه اياه
ولو سأله فلسا لم يعطه اياه ولو سأل الله تعالى الجنة لأعطاها اياه ولو
سأله الدنيا لم يعطها اياه وما يمنعها اياه لهوانه عليه ذو طمرين لا يؤبه
له لو أقسم على الله لأبره" وهذا يدل على انه انما يمنعه اياها لهوانها
عليه لا لهوانه هو عليه ولهذا يعطيه أفضل منها وأجل فإن الله تعالى يعطى
الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطى الآخرة الا من يحب.
ص -202- قالوا وقد اخبرهم النبى أن أقربهم منه مجلسا ذووا التقلل
من الدنيا الذين لم يستكثروا منها قال الامام أحمد حدثنا يزيد بن هرون
أخبرنا محمد بن عمرو قال سمعت عراك بن مالك يقول قال ابو ذر: "إنى لأقربكم
مجلسا من رسول الله يوم القيامة وذلك إنى سمعته يقول ان أقربكم منى مجلسا
يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئة ما تركته فيها وانه والله ما منكم من
أحد الا وقد تشبث منها بشيء غيرى" قالوا وقد غبط النبى من كان عيشه كفافا
وأخبر بفلاحه قال الامام أحمد حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة قال
أخبرنى أبو هانى أن أبا على الحبشى أخبره أنه سمع فضاله بن عبيد يقول أنه
سمع رسول الله يقول: "طوبى لمن هدى الى الاسلام وكان عيشه كفافا وقنع".
وذكر أيضا من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله قال: "قد أفلح من اسلم
ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه" قالوا ولو لم يكن فى التقلل الا خفة
الحساب لكفى به فضلا على الغنى قال عبد الله بن الامام أحمد حدثنا بيان بن
الحكم حدثنا محمد بن حاتم قال حدثنى بشر بن الحارث حدثنا عيسى بن يونس عن
هشام عن الحسن قال قال رسول الله: "ثلاثة لا يحاسب بهن العبد ظل خص يستظل
به وكسرة يشد بها صلبه وثوب يوارى عورته"
وقال الامام أحمد حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا ليث عن أبى عثمان قال لما
افتتح المسلمون جوجى دخلوا يمشون فيها وأكداس الطعام فيها أمثال الجبال
وكان رجل يمشى الى جنب سلمان فقال يا أبا عبد الله ألا ترى الى ما فتح
الله علينا ألا ترى الى ما أعطانا الله فقال سلمان وما يعجبك مما ترى الى
جنب كل حبة مما ترى حساب
قالوا وقد شهد النبى لأصحابه أنهم يوم فقرهم وفاقتهم خير منهم يوم غناهم
وبسط الدنيا عليهم قال الامام أحمد حدثنا عبد الصمد أبو الاشهب عن الحسن
قال قال نبى الله: "يا أهل الصفة كيف أنتم"
ص -203- قالوا نحن بخير قال أنتم اليوم خير أم يوم تغدو على
أحدكم جفنة وتروح أخرى ويغدو فى حلة ويروح فى أخرى وتسترون فى بيوتكم مثل
أستار الكعبة قالوا يا نبى الله نحن يومئذ خير يعطينا ربنا تبارك وتعالى
فنشكر قال: "بل أنتم اليوم خير" فهذا صريح فى أنهم فى وقت صبرهم على فقرهم
خير منهم فى وقت غناهم مع الشكر
وقال عبد الله بن أحمد حدثنا أبن ذر حدثنا حفص بن غياث عن داود بن أبى هند
عن أبى حرب بن أبى الاسود عن طلحة البصرى قال قدمت المدينة ولم يكن لى بها
معرفة فكان يجرى علينا مد من تمر بين اثنين فصلى بنا رسول الله صلاة فهتف
به هاتف من خلفه فقال يا رسول الله قد حرق بطوننا التمر وعرفت عنا الكنف
فخطب فحمد الله وأثنى عليه وقال: "والله لو أجد لكم اللحم والخبز
لأطعمتكموه وليأتين عليكم زمان تغدو على أحدكم الجفان وتراح ولتلبسن
بيوتكم مثل أستار الكعبة قالوا يا رسول الله نحن اليوم خير منا أو يومئذ
قال بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ أنتم اليوم خير منكم يومئذ يضرب بعضكم
رقاب بعض"
قال الامام أحمد وحدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن نبى
الله دخل على أهل الصفة فذكر نحوه
قالوا ولو لم يكن فى الغنى والمال الا أنه فتنة وقل من سلم من اصابتها له
وتأثيرها فى دينه كما قال تعالى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ
فِتْنَةٌ} وفى الترمذى من حديث كعب ابن عياض قال سمعت رسول الله يقول ان
لكل أمة فتنة وفتنة أمتى المال قال هذا حديث + حسن صحيح + قالوا والمال
يدعو الى النار والفقر يدعو الى الجنة قال الامام أحمد حدثنا يزيد حدثنا
أبو الاشهب حدثنا سعيد بن أيمن مولى كعب بن سور قال بينا رسول الله يحدث
أصحابه اذ جاء رجل من الفقراء فجلس الى جنب رجل من الاغنياء فكأنه قبض من
ثيابه عنه فقال
ص -204- رسول الله: "أخشيت يا فلان أن يغدو وغناك عليه أو يغدو
فقره عليك قال يا رسول الله وشر الغنى قال نعم ان غناك يدعوك الى النار
وان فقره يدعوه الى الجنة قال فما ينجينى منه قال تواسيه قال اذن افعل
فقال الآخر لا أرب لى فيه قال فاستغفر وادع لأخيك"
قالوا وحق الغنى أعظم من أن يقوم العبد بشكره وقد روى الترمذى فى جامعه من
حديث عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبى قال ليس لابن آدم حق فى سوى هذه
الخصال بيت يسكنه وثوب يوارى به عورته وجلف الخبز والماء قال هذا حديث حسن
صحيح وفى صحيح مسلم عن أبى أمامة رضى الله عنه قال قال رسول الله: "يا ابن
آدم انك ان تبذل الفضل خير لك وأن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ
بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى".
وفى صحيحه أيضا من حديث أبى نضرة عن أبى سعيد رضى الله عنه قال بينما نحن
فى سفر مع رسول الله اذ جاء رجل على راحلة له فجعل يضرب يمينا وشمالا فقال
رسول الله: "من كان معه فضل من ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان
عنده فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له قال فذكر من أصناف المال ما
ذكر حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا فى فضل".
قالوا فهذا موضع النظر فى تفضيل الغنى الشاكر ببذل الفضل كله وأما غنى
يمتع بأنواع الفضل ويشكر بالواجب وبعض المستحب فكيف يفضل على فقير صابرا
راض عن الله فى فقره قالوا وقد أقسم رسول الله لأصحابه وهم أئمة الشاكرين
أنه لا يخاف عليهم الفقر وانما يخاف عليهم الغنى ففى الصحيحين من حديث
عمرو بن عوف وكان شهد بدرا أن رسول الله بعث أبا عبيدة بن الجراح الى
البحرين يأتى بجزيتها وكان رسول الله صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء
بن الحضرمى فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الانصار بقدوم أبى عبيدة
فوافوا صلاة
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ص -205- الفجر مع رسول الله فلما صلى رسول الله انصرف فتعرضوا له
فتبسم رسول الله حين رآهم ثم قال: "أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشئ من
البحرين فقالوا أجل يا رسول الله قال أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما
الفقر أخشى عليكم ولكنى أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان
قبلكم فتتنافسوا فيها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم".
قال الامام أحمد حدثنا روح حدثنا هشام عن الحسن قال قيل لأبى ثعلبة الخشنى
أين دنياكم والتى كنتم تعدون يا أصحاب محمد قال ليبشر الآخر بدنيا قد ظلت
تأكل والله الذى لا اله الا هو الايمان كما تأكل النار الحطب الجزل وقال
أحمد حدثنا يزيد حدثنا هشام بن حسان قال سمعت الحسن يقول: "والله ما أحد
من الناس بسط الله له دنياه فلم يخف أن يكون قد مكر به فيها الا كان قد
نقص علمه وعجز رأيه وما أمسكها الله عن عبد فلم يظن أنه قد خير له فيها
إلا كان قد نقص علمه وعجز رأيه".
قالوا وقد مر على النبى فقير وغنى فقال عن الفقير: "هذا خير من ملء الأرض
مثل هذا" وروى البخارى فى صحيحه عن سهل بن سعد رضى الله عنه قال مر رجل
على رسول الله فقال: "ما تقولون فى هذا فقالوا جرى ان خطب أن ينكح وان شفع
أن يشفع وان قال أن يسمع قال ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين فقال ما
تقولون فى هذا قالوا حرى ان خطب أن لا ينكح وان يشفع الأيشفع وان قال ان
لا يسمع لقوله فقال رسول الله هذا خير من ملء الارض مثل هذا".
وقد بشر رسول الله الفقراء الصابرين بما لم يبشر به الأغنياء ففى الترمذى
من حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله: "كان إذا صلى بالناس يخر رجال من
قامتهم فىالصلاة من الخصاصة وهم أصحاب الصفة حتى يقول الاعراب هؤلاء
مجانين فإذا صلى رسول الله انصرف اليهم وقال لو تعلمون ما لكم عند الله
لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة" قال فضالة وأنا يومئذ مع رسول الله وبشرهم
بسبقهم الاغنياء الى الجنة.
ص -206- وقد اختلفت الروايات فى مدة هذا السبق ففى صحيح مسلم عن
عبد الله ابن عمر أنه جاء ثلاثة نفر فقالوا يا أبا محمد والله ما نقدر على
شئ لا نفقة ولا دابة ولا متاع فقال لهم ما شئتم ان شئتم رفعتم الينا
فأعطيناكم ما يسر الله لكم وان شئتم ذكرنا أمركم للسلطان وان شئتم صبرتم
فإنى سمعت رسول الله يقول: "ان فقراء المهاجرين يسبقون الاغنياء يوم
القيامة بأربعين خريفا قالوا نصبر ولا نسأل شيئا".
وقال الامام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن بن سلمة عن أبى هريرة رضى الله
عنه أن رسول الله قال: "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم
وهو خمسمائة عام" قال الترمذى حديث حسن صحيح وفى الترمذى أيضا من حديث أبى
سعيد قال قال رسول الله: "فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم
بخمسمائة سنة" وهو حديث حسن وفيه وأيضا من حديث جابر بن عبد الله رضى الله
عنه عن النبى قال: "يدخل فقراء أمتى الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا"
وهو حديث حسن وهو موافق لحديث عبد الله بن عمر ولحديث أنس الذى فى
الترمذى: "ان المساكين يدخلون قبل الاغنياء باربعين خريفا".
فهؤلاء ثلاثة جابر وأنس وعبد الله بن عمر وقد اتفقوا على الاربعين وهذا
أبو هريرة وأبو سعيد قد اتفقا على التقدير بخمسمائة سنة ولا تعارض بين هذه
الاحاديث إذ التأخر والسبق درجات بحسب الفقر والغنى فمنهم من يسبق باربعين
ومنهم من يسبق بخمسمائة ولا يتقيد السبق بهذا المقدار بل يزيد عليه وينقص.
وقد روى أبو داود فى سننه من حديث أبى هريرة عن النبى: "أن أول الامة
دخولا الى الجنة أبو بكر الصديق رضى الله عنه" ومعلوم أن المدة التى بينه
وبين اخوانه من فقراء المهاجرين لا تطول وانها أطول مدة بين دخوله وبين
دخول آخر من يدخل الجنة
وقد روى الامام أحمد فى مسنده من حديث عبد الله بن عمر رضى
ص -207- الله عنه عن النبى أنه قال: "هل تدرون أول من يدخل الجنة
قالوا الله ورسوله أعلم قال فقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره يموت
أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء تقول الملائكة يا ربنا ملائكتك
وخزنتك وسكان سماواتك لا تدخلهم الجنة قبلنا فيقول عبادى لا يشركون بى
شيئا يتقى بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء فعند
ذلك تدخل عليهم الملائكة من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار".
وقال الامام أحمد حدثنا حسين بن محمد ثنا دويد عن مسلم بن بشير عن عكرمة
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله: "التقى مؤمنان على باب
الجنة مؤمن غنى ومؤمن فقير كانا فى الدنيا فأدخل الفقير الجنة وحبس الغنى
ما شاء الله أن يحبس ثم أدخل الجنة فلقيه الفقير فيقول أى أخى ماذا حبسك
والله لقد احتبست حتى خفت عليك فيقول أى أخى انى حبست بعدك محبسا فظيعا
كريها ما وصلت اليك حتى سال منى من العرق ما لو ورده ألف بعير كلها أكلت
حمصا لصدرت عنه رواء" وقال الطبرانى فى معجمه حدثنا محمد بن عبد الله
الحضرمى وعلى بن سعيد الرازى قالا حدثنا على بن بهرام العطار حدثنا عبد
الملك ابن أبى كريمة عن الثورى عن محمد بن زيد عن أبى حازم عن أبى هريرة
رضى الله عنه قال سمعت رسول الله يقول: "إن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة
قبل أغنيائهم بنصف يوم وذلك خمسمائة سنة فقال رجل أمنهم أنا يا رسول الله
قال إن تغديت رجعت على عشاء وإذا تعشيت يبيت معك غداء قال نعم قال لست
منهم فقام رجل فقال أمنهم أنا يارسول الله قال هل سمعت ما قلنا لهذا قال
نعم ولست كذلك قال هل تجد ثوبا ستيرا سوى ما عليك قال نعم قال فلست منهم
فقام آخر فقال أمنهم أنا يا رسول الله فقال هل سمعت ما قلت لهذين قبلك قال
نعم قال هل تجد قرضا كلما شئت أن تستقرض قال نعم قال فلست منهم فقام
ص -208- آخر فقال أمنهم أنا يارسول الله فقال هل سمعت ما قلت
لهؤلاء قال نعم قال تقدر ان تكتسب قال نعم قال فلست منهم قال فقام خامس
فقال أنا منهم يا رسول الله فقال هل سمعت ما قلت لهؤلاء قال نعم قال هل
تمسى عن ربك راضيا وتصبح كذلك قال نعم قال فأنت منهم قال النبى ان سادات
المؤمين فى الجنة من اذا تغدى لم يجد عشاء واذا تعشى لم يبت عنده غداء وان
استقرض لم يجد قرضا وليس له فضل كسوة إلا ما يوارى به مالا يجد منه بدا
ولا يقدر على أن يكتسب ما يعشيه ويمسى عن الله راضيا ويصبح راضيا أولئك مع
الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن
أولئك رفيقا" قال الطبرانى هذا حديث غريب من حديث سفيان الثورى عن محمد بن
زيد يقال هو العبدى تفرد به عبد الملك
قلت محمد هذا هو العبدى وثقه قوم وضعفه آخرون قال الداقطنى ليس بالقوى
وقال أبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان فى الثقات وروى له الترمذى وابن
ماجه وفى هذه الطبقة محمد بن زيد الشامى يروى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن
وهو متروك ونخاف أن يكون هذا هو الثورى لم ينسبه وانما يقال هو العبدى
والله أعلم
وقال الامام أحمد حدثنا اسماعيل بن ابراهيم حدثنا هشام الدستوائى عن يحيى
ابن أبى كثير عن عامر العقيلى عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال
رسول الله: "عرض على أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار فأما
أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة
ربه وفقير متعفف ذو عيال وأما أول ثلاثة يدخلون النار فأمير مستلط وذو
ثروة من مال لا يؤدى حق الله فى ماله وفقير فخور" وروى الترمذى منه ذكر
الثلاثة الذين يدخلون الجنة فقط
قالوا ويكفى فى فضل الفقير أن عامة أهل الجنة الفقراء وعامة أهل النار
الاغنياء قال الامام أحمد حدثنا عبد الله بن محمد بن أبى شيبة حدثنا
ص -209- شريك عن ابى اسحاق عن السائب بن مالك عن عبد الله بن عمر
رضى الله عنهما قال قال رسول الله: "أطلعت فى الجنة فرأيت أكثر أهلها
الفقراء واطلعت فى النار فرأيت أكثر اهلها الأغنياء والنساء".
وفى صحيح البخارى عن أبى رجاء قال جاء عمران بن حصين الى امرأته من عند
رسول الله فقالت حدثنا ما سمعت من النبى فقال انه ليس من حديث فلم تدعه أو
قال فأغضبته فقال سمعت رسول الله يقول: "نظرت فى الجنة فرأيت أكثر أهلها
الفقراء ونظرت فى النار فرأيت أكثر أهلها النساء".
وفى الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن رسول الله قال: "قمت على باب الجنة
فإذا عامة من دخلها المساكين وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها
النساء" وفى صحيح مسلم عن ابن عباس: "أن النبى اطلع فى النار فرأى أكثر
أهلها النساء واطلع فى الجنة فرأى أكثر أهلها الفقراء".
قالوا ويكفى فى فضل الفقر أن كل أحد يتمناه يوم القيامة من الاغنياء قال
الامام احمد حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا اسماعيل يعنى ابن خالد عن نفيع
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله ما من أحد يوم القيامة غنى
ولا فقير الا ود أن ما كان أوتى فى الدنيا قوتا قال البخارى يتكلمون فى
نفيع وهذا أليق ما قيل فيه
قالوا وقد صرح رسول الله فى تفضيل الفقراء فى غير حديث فمنها ما تقدم من
حديث سهل بن سعد وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاويه حدثنا الاعمش عن زيد
بن وهب عن أبى ذر رضى الله عنه قال قال رسول الله: "يا أبا ذر ارفع بصرك
فانظر أرفع رجل تراه فى المسجد قال فنظرت فإذا رجل جالس عليه حلة له قال
فقلت هذا قال فقال يا أبا ذر ارفع بصرك فانظر أوضع رجل تراه في المسجد قال
ص -210- فنظرت فاذا رجل ضعيف عليه أخلاق قال فقلت هذا قال فقال
رسول الله والذى نفسى بيده لهذا أفضل عند الله يوم القيامة من قراب الارض
من هذا".
صفحة 1 من اصل 3 • 1, 2, 3
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى