لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث - صفحة 2 Empty كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 16:26}

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :


ص -81- البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى
يلقى الله وما عليه خطيئة" وفي الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله
عنه قال: "قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الصالحون
ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان في دينه صلابة زيد في
بلائه وان كان في دينه رقة خفف عنه وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على
الارض وليس عليه خطيئة".
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: "دخلت على النبي وهو
يوعك وعكا شديدا قال فقلت يا رسول الله انك لتوعك وعكا شديدا قال أجل انى
لأوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ان لك لأجرين قال نعم والذى نفسى بيده ما
على الارض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه الا حط الله عنه به خطاياه كما
تحط الشجرة ورقها" وفي الصحيحين أيضا من حديث عائشة رضى الله عنها قالت:
"ما رأيت الوجع اشد منه على رسول الله".
وفي بعض المسانيد مرفوعا "ان الرجل لتكون له الدرجة عند الله لا يبلغها
بعمل حتى يبتلى ببلاء في جسمه فيبلغها بذلك" ويروى عن عائشة رضى الله عنها
عنه "اذا اشتكى المؤمن أخلصه ذلك من الذنوب كما يخلص الكير الخبث من
الحديد" وفي صحيح البخارى من حديث خباب بن الارت قال: "شكونا إلى رسول
الله وهو متوسد ببردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا
فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الارض فيجعل فيها ثم يؤتى
بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه
وعظمه ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب من
صنعاء إلى حضرموت لا يخاف الا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون".
وفي لفظ للبخارى "أتيت رسول الله وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا
من المشركين شدة فقلنا ألا تدعو الله فقعد وهو محمر



ص -82- وجهه فقال لقد كان الرجل ليمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه
وعظمه ما يصده ذلك عن دينه".
وقد حمل أهل العلم قول خباب "شكونا إلى رسول الله حر الرمضاء فلم يشكنا"
على هذا المحمل وقال شكوا اليه حر الرمضاء الذى كان يصيب جباههم وأكفهم من
تعذيب الكفار فلم يشكهم وانما دلهم على الصبر
وهذا الوجه أنسب من تفسير من فسر ذلك بالسجود على الرمضاء واحتج به على
وجوب مباشرة المصلى بالجبهة لثلاثة أوجه
أحدها انه لا دليل في اللفظ على ذلك الثانى انهم قد أخبروا أنهم كانوا مع
النبي فكان أحدهم اذا لم يستطع أن يسجد على الأرض يبسط ثوبه فسجد عليه
والظاهر أن هذا يبلغه ويعلم به وقد أقرهم عليه
الثالث ان شدة الحر في الحجاز تمنع من مباشرة الجبهة والكف للأرض بل يكاد
يشوى الوجه والكف فلا يتمكن من الطمأنينة في السجود ويذهب خشوع الصلاة
ويتضرر البدن ويتعرض للمرض والشريعة لا تأتى بهذا فتأمل رواية خباب لهذا
والذى قبله واجمع بين اللفظين والمعنيين والله أعلم ولا تستوحش من قوله
"فلم يشكنا" فانه هو معنى إعراضه عن شكايتهم واخباره لهم بصبر من قبلهم
والله أعلم
وفي الصحيح من حديث أسامة بن زيد قال: "أرسلت ابنة النبي اليه ان ابنا لى
احتضر فاءتنا فأرسل يقريها السلام ويقول ان لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ
عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب فأرسلت اليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه
سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت ورجال فرفع الصبى إلى
رسول الله فأقعده في حجره



ص -83- ونفسه تقعقع كأنها شن ففاضت عيناه فقال سعد يا رسول الله
ما هذا قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب من يشاء من عباده وانما يرحم الله
من عباده الرحماء".
وفي سنن النسائى عن ابن عباس قال: "احتضرت ابنة لرسول الله صغيرة فأخذها
رسول الله وضمها إلى صدره ثم وضع يده عليها وهى بين يدى رسول الله فبكت أم
أيمن فقلت لها أتبكين ورسول الله عندك فقالت مالى لا أبكى ورسول الله يبكى
فقال رسول الله انى لست أبكى ولكنها رحمة ثم قال رسول الله المؤمن بخير
على كل حال تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عزوجل".
وفي صحيح البخارى من حديث أنس رضى الله عنه قال: "اشتكى ابن لأبى طلحة
فمات وأبو طلحة خارج فلما رأت امرأته انه قد مات هيأت شيئا وسجته في جانب
البيت فلما جاء أبو طلحة قال كيف الغلام قالت قد هدأت نفسه وأرجو أن يكون
قد استراح فظن أبو طلحة انها صادقة قال فبات معها فلما أصبح اغتسل فلما
أراد أن يخرج أعلمته انه قد مات فصلى مع رسول الله ثم أخبره بما كان منهما
فقال رسول الله لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما قال ابن عيينة فقال رجل
من الانصار فرأيت له تسعة أولاد كلهم قد قرأو القرآن" وفي موطأ مالك عن
القاسم بن محمد قال هلكت امرأة لى فأتانى محمد بن كعب القرظى يعزينى فيها
فقال انه قد كان في بنى اسرائيل رجل فقيه عابد عالم مجتهد وكانت له امرأة
وكان بها معجبا فماتت فوجد عليها وجدا شديدا حتى خلى في بيت وأغلق على
نفسه واحتجب عن الناس فلم يكن



ص -84- يدخل عليه أحد ثم ان امرأة من بنى اسرائيل سمعت به فجاءته
فقالت ان لى اليه حاجة أستفتيه فيها ليس يجزينى إلا أن أشافهه بها فذهب
الناس ولزمت الباب فأخبر فأذن لها فقالت أستفتيك في أمر قال وما هو قالت
انى استعرت من جارة حليا فكنت ألبسه وأعيره زمانا ثم انها أرسلت إلى فيه
أفأرده اليها قال نعم قالت والله انه مكث عندي زمانا فقال ذلك أحق لردك
إياه فقالت له يرحمك الله أفتأسف على ما أعارك الله ثم أخذه منك وهو أحق
به منك فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها
وفي جامع الترمذى عن شيخ من بنى مرة قال قدمت الكوفة فأخبرت عن بلال ابن
أبى بردة فقلت ان فيه لمعتبرا فأتيته وهو محبوس في داره التى كان بنى واذا
كل شئ منه قد تغير من العذاب والضرب واذا هو في قشاش فقلت له الحمد لله يا
بلال لقد رأيتك تمر بنا وأنت تمسك أنفك من غير غبار وأنت في حالتك هذه
فكيف صبرك اليوم فقال ممن أنت قلت من بنى مرة بن عباد قال ألا أحدثك حديثا
عسى أن ينفعك الله به قال هات قال حدثنى أبو بردة عن أبى موسى أن رسول
الله قال: "لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها الا بذنب وما يعفو الله
عنه أكثر قال وقرأ {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: "كأنى أنظر إلى
رسول الله يحكى أن نبيا من الانبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن
وجهه ويقول اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون" فتضمنت هذه الدعوة العفو
عنهم والدعاء لهم والاعتذار عنهم والاستعطاف بقوله لقومى وفي الموطأ من
حديث عبد الرحمن بن القاسم قال: قال رسول الله: "ليعز المسلمين في مصائبهم
المصيبة بى" وفي الترمذي من حديث يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب رسول الله
قال قال



ص -85- رسول الله: "الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرمن الذي
لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" قال الترمذى كان شعبة يرى أن الشيخ
ابن عمر.
وفي الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبي أنه قال: "ما
أعطى أحد عطاء خير وأوسع من الصبر" وفي بعض المسانيد عنه أنه قال: "قال
الله عزوجل: اذا وجهت إلى عبد من عبيدى مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم
استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر
له ديوانا".
وفي جامع الترمذى عنه: "اذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن
سخط فله السخط" وفي بعض المسانيد عنه مرفوعا "اذا أراد الله بعبد خيرا صب
عليه البلاء صبا" وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن
رسول الله دخل على امرأة فقال: "مالك ترفرفين قالت الحمى لا بارك الله
فيها قال لا تسبى الحمى فإنها تذهب خطايا بنى آدم كما يذهب الكير خبث
الحديد".
ويذكر عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي أنه قال: "من وعك ليلة فصبر
ورضى عن الله تعالى خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وقال الحسن: "إنه ليكفر
عن العبد خطاياه كلها بحمى ليلة" وفي المسند وغيره عن أبى سعيد الخدرى رضى
الله عنه قال دخلت على النبي وهو محموم فوضعت يدى من فوق القطيفة فوجدت
حرارة الحمى فقلت ما أشد حماك يا رسول الله قال "انا كذلك معاشر الانبياء
يضاعف علينا الوجع ليضاعف لنا الاجر" قال قلت يا رسول الله فأى الناس أشد
بلاء قال الانبياء قلت ثم من قال الصالحون ان كان الرجل ليبتلى بالفقر حتى
ما يجد الا العباء فيجوبها فيلبسها وان كان الرجل ليبتلى

رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث - صفحة 2 Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 16:29}


ص -108- فهذا التألم هو عذابه بالبكاء عليه وهذه طريقة شيخنا في
هذه الاحاديث وبالله التوفيق



عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين

الباب التاسع عشر في الصبر نصف الإيمان وأن الإيمان نصفان صبر ونصف شكر


الباب التاسع عشر: في أن الصبر نصف الايمان
والايمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر قال غير واحد من السلف الصبر نصف
الايمان وقال عبدالله بن مسعود رضى الله عنه: "الايمان نصفان نصف صبر ونصف
شكر" ولهذا جمع الله سبحانه بين الصبر والشكر في قوله {ان في ذلك لآيات
لكل صبار شكور} في سورة ابراهيم وفي سورة حمعسق وفي سورة سبأ وفي سورة
لقمان وقد ذكر لهذا التنصيف اعتبارات
أحدها أن الايمان اسم لمجموع القول والعمل والنية وهى ترجع إلى شطرين فعل
وترك فالفعل هو العمل بطاعة الله وهو حقيقة الشكر والترك هو الصبر عن
المعصية والدين كله في هذين الشيئين فعل المأمور وترك المحظور
الاعتبار الثانى أن الايمان مبنى على ركنين يقين وصبر وهما الركنان
المذكوران في قوله تعالى {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا
بآياتنا يوقنون} فباليقين يعلم حقيقة الامر والنهى والثواب والعقاب
وبالصبر ينفذ ما أمر به ويكف نفسه عما نهى عنه ولا يحصل له التصديق بالامر
والنهى انه من عند الله وبالثواب والعقاب الا باليقين ولا يمكنه الدوام
على فعل المأمور وكف النفس عن المحظور الا بالصبر فصار الصبر نصف الايمان
والنصف الثانى الشكر بفعل ما أمر به وبترك ما نهى عنه



ص -109- الاعتبار الثالث أن الايمان قول وعمل والقول قول القلب
واللسان والعمل عمل القلب والجوارح وبيان ذلك أن من عرف الله بقلبه ولم
يقر بلسانه لم يكن مؤمنا كما قال عن قوم فرعون {وجحدوا بها واستيقنتها
أنفسهم} وكما قال عن قوم عاد وقوم صالح {وعادا وثمود وقد تبين لكم من
مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين} وقال
موسى لفرعون {لقد علمت ما أنزل هؤلاء الا رب السموات والارض بصائر} فهؤلاء
حصل قول القلب وهو المعرفة والعلم ولم يكونوا بذلك مؤمنين وكذلك من قال
بلسانه ما ليس في قلبه لم يكن بذلك مؤمنا بل كان من المنافقين وكذلك من
عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمنا حتى يأتى بعمل القلب من
الحب والبغض والموالاة والمعاداة فيحب الله ورسوله ويوالى أولياء الله
ويعادى أعداءه ويستسلم بقلبه لله وحده وينقاد لمتابعة رسوله وطاعته
والتزام شريعته ظاهرا وباطنا واذا فعل ذلك لم يكف في كمال ايمانه حتى يفعل
ما امر به
فهذه الاركان الاربعة هى أركان الايمان التى قام عليها بناؤه وهى ترجع إلى
علم وعمل ويدخل في العمل كف النفس الذى هو متعلق النهى وكلاهما لا يحصل
الا بالصبر فصار الايمان نصفين أحدهما الصبر والثانى متولد عنه من العلم
والعمل
الاعتبار الرابع أن النفس لها قوتان قوة الاقدام وقوة الاحجام وهى دائما
تتردد بين أحكام هاتين القوتين فتقدم على ما تحبه وتحجم عما تكرهه والدين
كله اقدام واحجام اقدام على طاعة واحجام عن معاصى الله وكل منهما لا يمكن
حصوله الا بالصبر
الاعتبار الخامس أن الدين كله رغبة ورهبة فالمؤمن هو الراغب الراهب قال
تعالى انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وفي الدعاء عند
النوم الذى رواه البخارى في



ص -110- صحيحه"اللهم انى أسلمت نفسى اليك ووجهت وجهى اليك وفوضت
امرى اليك وألجأت ظهرى اليك رغبة ورهبة اليك" فلا تجد المؤمن أبدا الا
راغبا وراهبا والرغبة والرهبة لا تقوم الا على ساق الصبر فرهبته تحمله على
الصبر ورغبته تقوده إلى الشكر
الاعتبار السادس ان جميع ما يباشره العبد في هذه الدار لا يخرج عما ينفعه
في الدنيا والآخرة أو يضره في الدنيا والاخرة أو ينفعه في أحد الدارين
ويضره في الاخرى وأشرف الاقسام أن يفعل ما ينفعه في الاخرة ويترك ما يضره
فيها وهو حقيقة الايمان ففعل ما ينفعه هو الشكر وترك ما يضره هو الصبر
الاعتبار السابع ان العبد لا ينفك عن أمر يفعله ونهى يتركه وقدر يجرى عليه
وفرضه في الثلاثة الصبر والشكر ففعل المأمور هو الشكر وترك المحظور والصبر
على المقدور هو الصبر
الاعتبار الثامن إن العبد فيه داعيان داع يدعوه إلى الدنيا وشهواتها
ولذاتها وداع يدعوه إلى الله والدار الآخرة وما أعد فيها لأوليائه من
النعيم المقيم فعصيان داعى الشهوة والهوى هو الصبر وإجابة داعى الله
والدار الآخرة هو الشكر
الاعتبار التاسع ان الدين مداره على أصلين العزم والثبات وهما الأصلان
المذكوران في الحديث الذى رواه أحمد والنسائى عن النبي: "اللهم إنى أسألك
الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد" وأصل الشكر صحة العزيمة وأصل الصبر
قوة الثبات فمتى أيد العبد بعزيمة وثبات فقد أيد بالمعونة والتوفيق
الاعتبار العاشر ان الدين مبنى على أصلين الحق والصبر وهما المذكوران في
قوله تعالى
{وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} ولما كان المطلوب من العبد هو العمل بالحق
في نفسه وتنفيذه في الناس وكان هذا
ص -111- هو حقيقة الشكر لم يمكنه ذلك إلا بالصبر عليه فكان الصبر نصف
الايمان والله سبحانه وتعالى أعلم



عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين

الباب العشرون في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر


الباب العشرون: في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
حكى أبو الفرج ابن الجوزى في ذلك ثلاثة أقوال أحدها ان الصبر أفضل والثانى
ان الشكر أفضل والثالث أنهما سواء كما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لو
كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت
ونحن نذكر ما احتجت به كل فرقة وما لها وعليها في احتجاجها بعون الله
وتوفيقه. فصل: قال الصابرون قد أثنى الله سبحانه على الصبر وأهله ومدحه
وأمر به وعلق عليه خير الدنيا والاخرة وقد ذكره الله في كتابه في نحو
تسعين موضعا وقد تقدم من النصوص والأحاديث فيه وفي فضله ما يدل على أنه
أفضل من الشكر ويكفي في فضله قوله "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر"
فذكر ذلك في معرض تفضيل الصبر ورفع درجته على الشكر فإنه ألحق الشاكر
بالصابر وشبهه به ورتبة المشبه به أعلى من رتبة المشبه وهذا كقوله: "مدمن
الخمر كعابد وثن" ونظائر ذلك قالوا وإذا وازنا بين النصوص الواردة في
الصبر والواردة في الشكر وجدنا نصوص الصبر اضعافها ولهذا لما كانت الصلاة
والجهاد أفضل الاعمال كانت الاحاديث فيهما في سائر الابواب فلا تجد
الاحاديث النبوية في باب أكثر منها في باب الصلاة والجهاد قالوا وايضا
فالصبر يدخل في كل باب بل في كل مسئلة من مسائل الدين ولهذا كان من
الايمان بمنزلة الرأس من الجسد



ص -112- قالوا وأيضا فالله سبحانه وتعالى علق على الشكر الزيادة
فقال {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} وعلق على الصبر الجزاء بغير حساب
وايضا فإنه سبحانه أطلق جزاء الشاكرين فقال وسيجزى الله الشاكرين وقيد
جزاء الصابرين بالاحسان فقال {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا
يعملون} قالوا وقد صح عن النبي أنه قال: يقول الله تعالى: "كل عمل ابن آدم
له الا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به".
وفي لفظ: "كل عمل ابن آدم يضاعف له الحسنة بعشر أمثالها قال الله تعالى
الا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به" وما ذاك الا لأنه صبر النفس ومنعها من
شهواتها كما في الحديث نفسه يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلى ولهذا قال
النبي لمن سأله عن أفضل الاعمال: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له" ولما كان
الصبر حبس النفس عن اجابة داعى الهوى وكان هذا حقيقة الصوم فإنه حبس النفس
عن اجابة داعى شهوة الطعام والشراب والجماع فسر الصبر في قوله تعالى
{واستعينوا بالصبر والصلاة} أنه الصوم وسمى رمضان شهر الصبر وقال بعض
السلف الصوم نصف الصبر وذلك أن الصبر حبس النفس عن اجابة داعى الشهوة
والغضب فإن النفس تشتهى الشئ لحصول اللذة بإدراكه وتغضب لنفرتها من المؤلم
لها والصوم صبر عن مقتضى الشهوة فقط وهى شهوة البطن والفرج دون مقتضى
الغضب ولكن من تمام الصوم وكماله صبر النفس عن اجابة داعى الامرين وقد
أشار إلى ذلك النبي في الحديث الصحيح وهو قوله: "إذا كان يوم صوم أحدكم
فلا يجهل ولا يصخب فإن أحد سابه أو شاتمه فليقل انى صائم" فأرشد إلى تعديل
قوى الشهوة والغضب وأن الصائم ينبغى له أن يحتمى من افسادهما لصومه فهذه
تفسد صومه وهذه تحبط أجره كما قال في الحديث الاخر: "من لم يدع قول الزور
والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".



ص -113- قالوا ويكفي في فضل الصبر على الشكر قوله تعالى أنى
جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون فجعل فوزهم جزاء صبرهم وقال
تعالى والله مع الصابرين لا شئ يعدل معيته لعبده كما قال بعض العارفين ذهب
الصابرون بخير الدنيا والاخرة لأنهم نالوا معية الله وقال تعالى واصبر
لحكم ربك فانك بأعيننا وهذا يتضمن الحراسة والكلاءة والحفظ للصبر لحكمه
وقد وعد الصابرين بثلاثة أشياء كل واحد خير من الدنيا وماعليها وهى صلواته
تعالى عليهم ورحمته لهم وتخصيصهم بالهداية في قوله تعالى أولئك عليهم
صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون وهذا مفهم لحصر الهدى فيهم وأخبر
أن الصبر من عزم الأمور في آيتين من كتابه وأمر رسوله أن يتشبه بصبر أولى
العزم من الرسل وقد تقدم ذكر ذلك
قالوا وقد دل الدليل على أن الزهد في الدنيا والتقلل منها مهما أمكن من
الاستكثار منها والزهد فيها حال الصابر والاستكثار منها حال الشاكر قالوا
وقد سئل المسيح صلوات الله وسلامه عليه عن رجلين مرا بكنز فتخطاه أحدهما
ولم يلتفت اليه وأخذه الاخر وأنفقه في طاعة الله تعالى أيهما أفضل فقال
الذى لم يلتفت اليه وأعرض عنه أفضل عند الله
قالوا ويدل على صحة هذا أن النبي عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فلم يأخذها
وقال بل أجوع يوما وأشبع يوما ولو أخذها لأنفقها في مرضاة الله وطاعته
فآثر مقام الصبر عنها والزهد فيها قالوا وقد علم أن الكمال الانسانى في
ثلاثة أمور علوم يعرفها



ص -114- وأعمال يعمل بها وأحوال ترتب له على علومه وأعماله وأفضل
العلم والعمل والحال العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله والعمل بمرضاته
وانجذاب القلب إليه بالحب والخوف والرجاء فهذا أشرف ما في الدنيا وجزاؤه
أشرف ما في الاخرة وأجل المقاصد معرفة الله ومحبته والأنس بقربه والشوق
إلى لقائه والتنعم بذكره وهذا أجل سعادة الدنيا والآخرة وهذا هو الغاية
التى تطلب لذاتها وانما يشعر العبد تمام الشعور بأن ذلك عين السعادة اذا
انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الاخرة والا فهو في الدنيا وان شعر
بذلك بعض الشعور فليس شعوره به كاملا للمعارضات التى عليه والمحن التى
امتحن بها والا فليست السعادة في الحقيقة سوى ذلك وكل العلوم والمعارف تبع
لهذه المعرفة مرادة لأجلها وتفاوت العلوم في فضلها بحسب افضائها إلى هذه
المعرفة وبعدها فكل علم كان أقرب افضاء إلى العلم بالله وأسمائه وصفاته
فهو أعلى مما دونه وكذلك حال القلب فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذى خلق
له فهو أشرف مما دونه وكذلك الاعمال فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا
المقصود كان أفضل من غيره ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال
وأفضلها لقرب افضائها إلى المقصود وهكذا يجب أن يكون فإن كل ما كان الشيء
أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها فالعمل المعد للقلب المهيئ له
لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك واذا
أشتركت عدة أعمال في هذا الافضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى ولهذا
اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة لله واشتركت المعاصى في حجب
القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها وتأثير الطاعات والمعاصى بحسب
درجاتها
وها هنا أمر ينبغى التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق
غيره فالغنى الذى بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شئ منه فصدقته
وايثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة والشجاع الشديد

الذى يهاب العدو سطوته وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث - صفحة 2 Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 16:30}

ص -115- أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع والعالم الذى قد عرف السنة
والحلال والحرام وطرق الخير والشر مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم
أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح وولى الامر
الذى قد نصبه الله للحكم بين عباده جلوسه ساعة للنظر في المظالم وانصاف
المظلوم من الظالم واقامة الحدود ونصر المحق وقمع المبطل أفضل من عبادة
سنين من غيره ومن غلبت عليه شهوة النساء فصومه له أنفع وأفضل من ذكر غيره
وصدقته وتأمل تولية النبي لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من
أمرائه وعماله وترك تولية ابى ذر بل قال له: "إنى أراك ضعيفا وانى أحب لك
ما أحب لنفسى لا تؤمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم" وأمره وغيره بالصيام
وقال: "عليك بالصوم فانه لا عدل له" وأمر آخر بأن لا يغضب وأمر ثالثا بأن
لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله ومتى أراد الله بالعبد كمالا وفقه
لاستفراغ وسعه فيما هو مستعد له قابل له قد هيئ له فاذا استفرغ وسعه على
غيره وفاق الناس فيه كما قيل
ما زال يسبق حتى قال حاسده هذا طريق إلى العلياء مختصر
وهذا كالمريض الذى يشكو وجع البطن مثلا اذا استعمل دواء ذلك الداء انتفع
به واذا استعمل دواء وجع الرأس لم يصادف داءه فالشح المطاع مثلا من
المهلكات ولا يزيله صيام مائة عام ولا قيام ليلها وكذلك داء اتباع الهوى
والاعجاب بالنفس لا يلائمه كثرة قراءة القرآن واستفراغ الوسع في العلم
والذكر والزهد وانما يزيله اخراجه من القلب بضده ولو قيل ايما افضل الخبز
أو الماء لكان الجواب أن هذا في موضعه أفضل وهذا في موضعه أفضل
واذا عرفت هذه القاعدة فالشكر ببذل المال عمل صالح يحصل به للقلب حال فهو
دواء للداء الذى في القلب يمنعه من المقصود وأما


ص -116- الفقير الزاهد فقد استراح من هذا الداء والدواء وتوفرت
قوته على استفراغ الوسع في حصول المقصود
ثم أوردوا على أنفسهم سؤالا فقالوا فإن قيل فقد حث الشرع على الاعمال
وانفصلوا عنه بأن قالوا الطبيب اذا أثنى على الدواء لم يدل على أن الدواء
يراد لعينه ولا أنه أفضل من الشفاء الحاصل به ولكن الاعمال علاج لمرض
القلوب ومرض القلوب مما لا يشعر به غالبا فوقع الحث على العمل المقصود وهو
شفاء القلب فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل كالحجام يستخرج منك
الدم المهلك
قالوا واذا عرف هذا عرف أن حال الصابر حال المحافظ على الصحة والقوة وحال
الشاكر حال المتداوى بأنواع الأدوية لإزالة مواد السقم فصل قال الشاكرون
لقد تعديتم طوركم وفضلتم مقاما غيره أفضل منه وقدمتم الوسيلة على الغاية
والمطلوب لغيره على المطلوب لنفسه والعمل الكامل على الأكمل والفاضل على
الأفضل ولم تعرفوا للشكر حقه ولا وفيتموه مرتبته وقد قرن تعالى ذكره الذى
هو المراد من الخلق بذكره وكلاهما هو المراد بالخلق والأمر والصبر خادم
لهما ووسيلة اليهما وعونا عليهما قال تعالى اذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا
تكفرون
وقرن سبحانه الشكر بالإيمان وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا
وآمنوا به فقال {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ
وَآمَنْتُمْ} أى ان وفيتم ما خلقتم له وهو الشكر والايمان فما أصنع بعذابكم
هذا وأخبر سبحانه أن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عباده
فقال {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ
مَنَّ اللَّهُ



ص -117- عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ
بِالشَّاكِرِينَ} وقسم الناس إلى شكور وكفور فأبغض الأشياء اليه الكفر
وأهله وأحب الأشياء اليه الشكر وأهله قال تعالى في الانسان {إِنَّا
هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}
وقال نبيه سليمان {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ
أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ
كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} وقال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وقال تعالى {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ
لَكُمْ} وهذا كثير في القرآن يقابل سبحانه بين الشكر والكفر فهو ضده قال
تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ
الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً
وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} والشاكرون هم الذين ثبتوا على نعمة
الايمان فلم ينقلبوا على أعقابهم وعلق سبحانه المزيد بالشكر والمزيد منه
لا نهاية له كما لا نهاية لشكره وقد وقف سبحانه كثيرا من الجزاء على
المشيئة كقوله {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ}
وقوله في الاجابة {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} وقوله
في الرزق {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} وفي المغفرة {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ}
والتوبة {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} وأطلق جزاء الشكر اطلاقا
حيث ذكر كقوله وسنجزى الشاكرين وسيجزى الله الشاكرين ولما عرف عدو الله
ابليس قدر مقام الشكر وأنه من أجل المقامات وأعلاها جعل غايته أن يسعى في
قطع الناس عنه فقال {ثُمَّ



لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}
ووصف الله سبحانه الشاكرين بأنهم قليل من عباده فقال تعالى {وَقَلِيلٌ
مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.

ص -118- وذكر الامام أحمد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه سمع رجلا
يقول اللهم اجعلنى من الاقلين فقال ما هذا فقال يا أمير المؤمنين ان الله
قال وما آمن معه الا قليل وقال تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ
الشَّكُورُ} وقال { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} فقال عمر صدقت وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أول
رسول بعثه إلى أهل الارض بالشكر فقال ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا
شكورا وفي تخصيص نوح ها هنا بالذكر وخطاب العباد بأنهم ذريته اشارة إلى
الاقتداء به فانه أبوهم الثانى فان الله تعالى لم يجعل للخلق بعد الغرق
نسلا الا من ذريته كما قال تعالى وجعلنا ذريته هم الباقين فأمر الذرية أن
يتشبهوا بأبيهم في الشكر فانه كان عبدا شكورا


وقد أخبر سبحانه انما يعبده من شكره فمن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته
فقال واشكروا الله ان كنتم اياه تعبدون وأمر عبده موسى ان يتلقى ما آتاه
من النبوة والرسالة والتكليم بالشكر فقال تعالى يا موسى انى اصطفيتك على
الناس برسالاتى وبكلامى فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وأول وصية وصى الله
بها الانسان بعد ماعقل عنه بالشكر له وللوالدين فقال ووصينا الانسان
بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى
المصير
وأخبر أن رضاه في شكره فقال تعالى وان تشكروا يرضه لكم وأثنى سبحانه على
خليله ابراهيم بشكر نعمه فقال ان ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك
من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم فأخبر عنه سبحانه
بأنه أمة أى قدوة يؤتم به في الخير وانه قانتا لله والقانت هو



المطيع المقيم على طاعته والحنيف هو المقبل على الله المعرض عما
سواه ثم ختم له بهذه

ص -119- الصفات بأنه شاكر لأنعمه فجعل الشكر غاية خليله


وأخبر سبحانه أن الشكر هو الغاية من خلقه وأمره بل هو الغاية التى خلق
عبيده لأجلها والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع
والابصار والافئدة لعلكم تشكرون فهذه غاية الخلق وغاية الأمر فقال ولقد
نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ويجوز أن يكون قوله
لعلكم تشكرون تعليلا لقضائه لهم بالنصر ولأمره لهم بالتقوى ولهما معا وهو
الظاهر فالشكر غاية الخلق والامر وقد صرح سبحانه بأنه غاية أمره وارساله
الرسول في قوله تعالى كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا
ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكرونى
أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون قالوا فالشكر مراد لنفسه والصبر مراد لغيره
والصبر انما حمد لافضائه وايصاله إلى الشكر فهو خادم الشكر وقد ثبت في
الصحيحين عن النبي أنه قام حتى تفطرت قدماه فقيل له أتفعل هذا وقد غفر
الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: "أفلا أكون عبدا شكورا" وثبت في
المسند والترمذى أن النبي قال لمعاذ: "والله انى لأحبك فلا تنسى أن تقول
دبر كل صلاة: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وقال ابن أبى الدنيا حدثنا اسحاق بن اسماعيل حدثنا أبو معاويه وجعفر بن
عون عن هشام بن عروة قال كان من دعاء النبي: "اللهم أعنى على ذكرك وشكرك
وحسن عبادتك".قال وحدثنا محمود بن غيلان حدثنا المؤمل بن اسماعيل حدثنا
حماد بن سلمه حدثنا حميد الطويل عن طلق بن حبيب عن ابن عباس رضى الله
عنهما أن رسول الله قال: "أربع من أعطيهن فقد أعطى خير الدنيا والآخرة:
قلبا شاكرا ولسانا



ص -120- ذاكرا وبدنا على البلاء صابرا وزوجة لا تبغيه خونا في
نفسها ولا في ماله" وذكر ايضا من حديث القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي
قال: "ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله الا كتب الله له
شكرها وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر الله له قبل أن يستغفره
وإن الرجل يشترى الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى
يغفر له".
وقد ثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكله
فيحمده عليها ويشرب الشربه فيحمده عليها" فكان هذا الجزاء العظيم الذى هو
أكبر أنواع الجزاء كما قال تعالى ورضوان من الله أكبر في مقابلة شكره
بالحمد وذكر ابن أبى الدنيا من حديث عبد الله بن صالح حدثنا أبو زهير يحيى
بن عطارد القرشى عن أبيه قال قال رسول الله: "لا يرزق الله عبدا الشكر
فيحرمه الزيادة" لأن الله تعالى يقول لئن شكرتم لأزيدنكم وقال الحسن
البصرى: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا"
ولهذا كانوا يسمون الشكر الحافظ لأنه يحفظ النعم الموجودة والجالب لأنه
يجلب النعم المفقودة وذكر ابن أبى الدنيا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه
أنه قال لرجل من همذان: "إن النعمة موصولة بالشكر والشكر يتعلق بالمزيد
وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد"
وقال عمر بن عبد العزيز قيدوا نعم الله بشكر الله وكان يقال الشكر قيد
النعم وقال مطرف بن عبد الله "لأن أعافى فأشكر أحب إلى من أن ابتلى فأصبر"
وقال الحسن "أكثروا من ذكر هذه النعم فإن ذكرها شكر" وقد أمر الله تعالى
نبيه أن يحدث بنعمة ربه فقال وأما بنعمة ربك فحدث والله تعالى يحب من عبده
أن يرى عليه أثر نعمته فإن ذلك شكرها بلسان الحال وقال على بن الجعدى سمعت
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث - صفحة 2 Empty رد: كتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين الجزءالجزء الثالث {السبت 4 يونيو - 16:31}


ص -121- سفيان الثورى يقول إن داود عليه الصلاة والسلام قال
الحمد لله حمدا كما ينبغى لكرم وجهه وعز جلاله فأوحى الله اليه يا داود
أتعبت الملائكة
وقال شعبة حدثنا المفضل بن فضالة عن أبى رجاء العطاردى قال خرج علينا
عمران بن الحصين وعليه مطرف خز لم نره عليه قبل ولا بعد فقال ان رسول الله
قال: "إذا أنعم الله على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" وفي
صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال: "كلوا واشربوا وتصدقوا
في غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
وذكر شعبة عن أبى اسحاق عن أبى الأحوص عن أبيه قال: "أتيت رسول الله وأنا
قشف الهيئة فقال هل لك من مال قال قلت نعم قال من أى المال قلت من كل
المال قد آتانى الله من الابل والخيل والرقيق والغنم قال فإذا آتاك الله
مالا فليرى عليك".
وفي بعض المراسيل "ان الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده في مأكله
ومشربه" وروى عبد الله بن يزيد المقرى عن أبى معمر عن بكير بن عبد الله
رفعه: "من أعطى خيرا فرؤى عليه سمى حبيب الله محدثا بنعمة الله ومن أعطى
خيرا ولم ير عليه سمى بغيض الله معاديا لنعمة الله" وقال فضيل بن عياض كان
يقال من عرف نعمة الله بقلبه وحمده بلسانه لم يستتم ذلك حتى يرى الزيادة
لقول الله تعالى ولئن شكرتم لأزيدنكم وقال من شكر النعمة أن يحدث بها وقد
قال تعالى: "يا ابن آدم إذا كنت تتقلب في نعمتى وأنت تتقلب في معصيتى
فاحذرنى لأصرعك بين معاصى يا ابن آدم اتقنى ونم حيث شئت".



ص -122- وقال الشعبى الكشر نصف الايمان واليقين الايمان كله وقال
أبو قلابة لا تضركم دنيا شكرتموها وقال الحسن إذا أنعم الله على قوم سألهم
الشكر فإذا شكروه كان قادرا على أن يزيدهم وإذا كفروه كان قادرا على أن
يبعث نعمته عليهم عذابا وقد ذم الله سبحانه الكنود وهو الذى لا يشكر نعمه
قال الحسن {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} يعد المصائب وينسى
النعم وقد أخبر النبي إن النساء أكثر أهل النار بهذا السبب قال: "لو أحسنت
إلى إحداههن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط" فإذا كان
هذا بترك شكر نعمة الزوج وهى في الحقيقة من الله فكيف بمن ترك شكر نعمة
الله
يا أيها الظالم في فعله والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى تشكو المصيبات وتنسى النعم
ذكر ابن أبى الدنيا من حديث أبى عبد الرحمن السلمي عن الشعبى عن النعمان
بن بشير قال قال رسول الله: "التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر ومن لا يشكر
القليل لا يشكر الكثير ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله والجماعة بركة
والفرقة عذاب" وقال مطرف بن عبد الله نظرت في العافية والشكر فوجدت فيهما
خير الدنيا والآخرة ولأن أعافى أعافي فأشكر أحب إلى من أن أبتلى فأصبر
ورأى بكر بن عبد الله المزنى حمالا عليه حمله وهو يقول الحمد الله أستغفر
الله قال فأنتظرته حتى وضع ما على ظهره وقلت له أما تحسن غير هذا قال بلى
أحسن خيرا كثيرا أقرأ كتاب الله غير أن العبد بين نعمة وذنب فأحمد الله
على نعمه السابغة وأستغفره لذنوبى فقلت الحمال أفقه من بكر.
وذكر الترمذى من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: "خرج رسول
الله على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال
قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن ردا منكم كنت كلما أتيت على قوله
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قالوا لا بشئ من



ص -123- نعمك ربنا نكذب فلك الحمد" وقال مشعر لما قيل لآل داود
{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} لم يأت على القوم ساعة الا وفيهم مصل
وقال عون بن عبد الله قال بعض الفقهاء انى رأيت في أمرى لم أر خيرا الا شر
معه الا المعافاة والشكر فرب شاكر في بلائه ورب معافى غير شاكر فإذا سألتم
الله فاسألوهما جميعا وقال أبو معاويه لبس عمر بن الخطاب قميصا فلما بلغ
ترقوته قال الحمد لله الذى كسانى ما أوارى به عورتى وأتجمل به في حياتى ثم
مد يديه فنظر شيئا يزيد على يديه فقطعه ثم أنشأ يحدث قال سمعت رسول الله
يقول: "من لبس ثوبا أحسبه جديدا فقال حين يبلغ ترقوته أو قال قبل أن يبلغ
ركبتيه مثل ذلك ثم عمد إلى ثوبه الخلق فكسا به مسكينا لم يزل في جوار الله
وفي ذمة الله وفي كنف الله حيا وميتا ما بقى من ذلك الثوب سلك".
وقال عون بن عبد الله لبس رجل قميصا جديدا فحمد الله فغفر له فقال رجل
ارجع حتى أشترى قميصا فألبسه وأحمد الله وقال شريح ما أصيب عبد بمصيبة الا
كان لله عليه فيها ثلاث نعم ألا تكون كانت في دينه وألا تكون أعظم مما
كانت وأنها لا بد كائنه فقد كانت
وقال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ما قلب عمر بن عبد العزيز بصره إلى
نعمة أنعم الله بها عليه الا قال اللهم انى أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفرا
وأن أكفرها بعد أن عرفتها وأن أنساها ولا أثنى بها وقال روح بن القاسم
تنسك رجل فقال لا آكل الخبيص لا أقوم بشكره فقال الحسن هذا أحمق وهل يقوم
بشكر الماء البارد
وفي بعض الآثار الالهية يقول الله عزوجل: "ابن آدم خيرى اليك نازل وشرك
إلى صاعد أتحبب اليك بالنعم وتتبغض إلى بالمعاصى ولا يزال ملك كريم قد عرج
إلى منك بعمل قبيح".
قال ابن أبى الدنيا حدثنى أبو على قال كنت أسمع جارا لي يقول في



ص -124- الليل: "يا الهى خيرك على نازل وشرى اليك صاعد كم من ملك
كريم قد صعد اليك منى بعمل قبيح وأنت مع غناك عنى تتحبب إلى بالنعم وأنا
مع فقرى اليك وفاقتى أتمقت اليك بالمعاصى وأنت في ذلك تجبرنى وتسترنى
وترزقنى وكان أبو المغيرة اذا قيل له كيف أصبحت يا أبا محمد أصبحنا مغرقين
في النعم عاجزين عن الشكر يتحبب الينا ربنا وهو غنى عنا ونتمقت اليه ونحن
اليه محتاجون وقال عبد الله بن ثعلبة الهى من كرمك أنك تطاع ولا تعصى ومن
حلمك أنك تعصى وكأنك لا ترى وأى زمن لم يعصك فيه سكان أرضك وأنت بالخير
عواد وكان معاوية بن قرة اذا لبس ثوبا جديدا قال بسم الله والحمد لله وقال
أنس بن مالك ما من عبد توكل بعبادة الله الا عزم الله السموات والارض تعبر
رزقه فجعله في أيدى بنى آدم يعملونه حتى يدفع عنه اليه فإن العبد قبله
أوجب عليه الشكر وان أباه وجد الغنى الحميد عبادا فقراء يأخذون رزقه
ويشكرون له".
وقال يونس بن عبيد: "قال رجل لأبى تميمة كيف أصبحت قال أصبحت بين نعمتين
لا أدرى أيتهما أفضل ذنوب سترها الله فلا يستطيع أن يعيرنى بها أحد ومودة
قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملى".
وروى ابن أبى الدنيا عن سعيد المقبرى عن أبيه عن عبد الله بن سلام أن موسى
عليه السلام قال: "يارب ما الشكر الذى ينبغى لك قال لا يزال لسانك رطبا من
ذكرى" وروى سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال دعا
رجل من الأنصار من أهل قباء النبي فانطلقنا معه فلما طعم وغسل يديه قال
الحمد لله الذى يطعم ولا يطعم من علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء
حسن أبلانا الحمد لله غير مودع ربى ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه
الحمد لله الذى أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسى من العرى وهدى من
الضلالة وبصر من العمى وفضل على كثير من خلقه تفضيلا الحمد لله رب
العالمين.



ص -125- وفي مسند الحسن بن الصلاح من حديث أنس بن مالك رضى الله
عنه قال قال رسول الله: "ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ولا مال أو ولد
فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت ويذكر عن
عائشة رضى الله عنها أن النبي دخل عليها فرآى كسرة ملقاة فمسحها وقال يا
عائشة أحسنى جوار نعم الله فإنها فلما نفرت عن أهل بيت فكادت أن ترجع
اليهم" ذكره ابن أبى الدنيا.
وقال الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا صالح عن أبى عمران الجونى عن
أبى الخلد قال قرأت في مسألة داود أنه قال: "يا رب كيف لى أن أشكر وأنا لا
أصل إلى شكرك الا بنعمك" قال فأتاه الوحى: "يا داود أليس تعلم أن الذى بك
من النعم منى قال بلى يا رب قال فإنى نرضى بذلك منك شكرا".
وقال عبد الله بن أحمد حدثنا أبو موسى الانصارى حدثنا أبو الوليد عن سعيد
ابن عبد العزيز قال كان من دعاء داود سبحان مستخرج الشكر بالعطاء ومستخرج
الدعاء بالبلاء وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنى الأعمش عن
المنهال عن عبد الله بن الحارث قال أوحى الله إلى داود أحبنى وأحب عبادتى
وحببنى إلى عبادى قال يا رب هذا حبك وحب عبادتك فكيف أحببك إلى عبادك قال
تذكرنى عندهم فإنهم لا يذكرون منى إلا الحسن فجل جلال ربنا وتبارك اسمه
وتعالى جده وتقدست أسماؤه وجل ثناؤه ولا اله غيره
وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق بن عمران قال سمعت وهبا يقول وجدت في كتاب آل
داود بعزتى ان من اعتصم بى فإن كادته السموات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن
فإنى أجعل له من بين ذلك مخرجا ومن لم يعتصم بى فإنى أقطع يديه من أسباب
السماء وأخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء ثم أكله إلى نفسه
كفي بى لعبدى مالا اذا كان



ص -126- عبدى في طاعتى أعطيته قبل أن يسألنى وأجبته قبل أن
يدعونى وإنى أعلم بحاجته التى ترفق به من نفسه.
وقال أحمد حدثنا يسار حدثنا حفص حدثنا ثابت قال كان داود عليه السلام قد
جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم يكن ساعة من ليل أو نهار الا وانسان
من آل داود قائم يصلى فيها قال فعمهم تبارك وتعالى في هذه الآية
{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
قال أحمد وحدثنا جابر بن زيد عن المغيرة بن عيينة قال داود يا رب هل بات
أحد من خلقك الليلة أطول ذكرا لك منى فأوحى الله اليه نعم الضفدع وأنزل
الله عليه {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ
الشَّكُورُ} قال يا رب كيف أطيق شكرك وأنت الذى تنعم على ثم ترزقنى على
النعمة الشكر ثم تزيدنى نعمة بعد نعمة فالنعم منك والشكر منك فكيف أطيق
شكرك قال الآن عرفتنى يا داود قال أحمد وحدثنا عبد الرحمن حدثنا الربيع بن
صبيح عن الحسن قال نبى الله داود: "الهى لو أن لكل شعرة منى لسانين
يسبحانك الليل والنهار والدهر ما وفيت حق نعمة واحدة".
وذكر ابن أبى الدنيا عن أبى عمران الجونى عن أبى الخلد قال قال موسى يا رب
كيف لى أن أشكرك وأصغر نعمة وضعتها عندى من نعمك لا يجازى بها عملى كله
قال فأتاه الوحى يا موسى الآن شكرتنى
قال بكر بن عبد الله ما قال عبد قط الحمد لله الا وجبت عليه نعمة بقوله
الحمد لله فجزاء تلك النعمة أن يقول الحمد لله فجاءت نعمة أخرى فلا تنفد
نعم الله وقال الحسن سمع نبى الله رجلا يقول الحمد لله بالاسلام فقال انك
لتحمد الله على نعمة عظيمة وقال خالد بن معدان سمعت عبد الملك بن مروان
يقول: "ما قال عبد كلمة أحب إلى الله وأبلغ في الشكر عنده من أن يقول
الحمد لله الذى أنعم علينا وهدانا للإسلام".



ص -127- وقال سليمان التيمى ان الله سبحانه أنعم على عبده على
قدره وكلفهم الشكر على قدرتهم وكان الحسن اذا ابتدأ حديثه يقول الحمد لله
اللهم ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأنقذتنا وفرجت
عنا لك الحمد بالاسلام والقرآن ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة كبت
عدونا وبسطت رزقنا وأظهرت أمننا وجمعت فرقتنا وأحسنت معافاتنا ومن كل ما
سألناك ربنا أعطيتنا فلك الحمد على ذلك حمدا كثيرا لك الحمد بكل نعمة
أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو سر أو علانية أو خاصة أو عامة أو حى
أو ميت أو شاهد أو غائب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد اذا رضيت
وقال الحسن قال موسى يا رب كيف يستطيع آدم أن يؤدى شكر ما صنعت اليه خلقته
بيدك ونفخت فيه من روحك وأسكنته جنتك وأمرت الملائكة فسجدوا له فقال يا
موسى علم أن ذلك منى فحمدنى عليه فكان ذلك شكر ما صنعت اليه وقال سعد بن
مسعود الثقفي انما سمى نوح عبدا شكورا لأنه لم يلبس جديدا ولم يأكل طعاما
الا حمد الله وكان على بن أبى طالب اذا خرج من الخلاء مسح بطنه بيده وقال
يا لها من نعمة لو يعلم العباد شكرها
وقال مخلد بن الحسين كان يقال الشكر ترك المعاصى وقال أبو حازم كان نعمة
لا تقرب من الله فهى بلية وقال سليمان ذكر النعم يورث الحب لله وقال حماد
بن زيد حدثنا ليث عن أبى بردة قال قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام
فقال لى ألا تدخل بيتا دخله النبي ونطعمك سويقا وتمرا ثم قال ان الله اذا
جمع الناس غدا ذكرهم بما أنعم عليهم فيقول العبد ما آية ذلك فيقول آية ذلك
انك كنت في كربة كذا وكذا قد دعوتنى فكشفتها وآية ذلك أنك كنت في سفر كذا
وكذا فاستصحبتنى فصحبتك قال يذكره حتى يذكر فيقول آية ذلك أنك خطبت فلانة
بنت فلان وخطبها معك خطاب فزوجتك ورددتهم يقف



ص -128- عبده بين يديه فيعدد عليه نعمه فبكى ثم بكى ثم قال انى
لأرجو الله أن لا يقعد الله عبدا بين يديه فيعذبه
وروى ليث بن أبى سليم عن عثمان عن ابن سيرين عن أنس بن مالك قال قال رسول
الله: "يؤتى بالنعم يوم القيامة والحسنات والسيئات فيقول الله عزوجل لنعمة
من نعمه خذى حقك من حسناته فما تترك له من حسنة الا ذهبت بها".
وقال بكر بن عبد الله المزنى ينزل بالعبد الامر فيدعو الله فيصرف عنه
فيأتيه الشيطان فيضعف شكره يقول ان الامر كان أيسر مما تذهب اليه قال أو
لا يقول العبد كان الامر أشد مما أذهب اليه ولكن الله صرفه عنى وذكر ابن
أبى الدنيا عن صدقة بن يسار قال بينا داود عليه السلام في محرابه اذ مرت
به ذره فنظر اليها وفكر في خلقها وعجب منها وقال ما يعبؤ الله بهذه
فأنطقها الله فقالت يا داود أتعجبك نفسك فو الذى نفسى بيده لأنا على ما
آتانى الله من فضله أشكر منك على ما آتاك الله من فضله
وقال أيوب ان من أعظم نعمة الله على عبده أن يكون مأمونا على ماجاء به
النبي وقال سفيان الثورى كان يقال ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة
والرخاء معصيبة وقال زازان مما يجب لله على ذى النعمة بحق نعمته أن لا
يتوصل بها إلى معصية قال ابن أبي الدنيا أنشدنى محمود الوراق:
اذا كان شكرى نعمة الله نعمة فكيف وقوع الشكر الا بفضله
على له في مثلها يجب الشكر اذا مس بالسراء عم سرورها
وان طالت الايام واتصل العمر وما منهما الا له فيه منة
وان مس بالضراء أعقبها الاجر تضيق بها الاوهام والبر والبحر
وقد روى الدراوردى عن عمرو بن أبى عمرو عن سعيد المقبرى عن أبى
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى