صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تَذْهَبُ
الشَّحْنَاءُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ :
الْمُصَافَحَةُ تَجْلِبُ الْمَوَدَّةَ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ
الرَّازِيّ فِيمَا أَلَّفَهُ فِي ابْتِدَاءِ الشَّافِعِيِّ وَلَقِيَهُ
مَالِكٌ أَخْبَرَنِي أَبُو رَافِعٍ أُسَامَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعْدٍ
بِمِصْرَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ
: سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الِاعْتِنَاقِ فِي الْحَمَّامِ لِلْغَائِبِ
، فَقَالَ : لَا يَجُوزُ لَا دَاخِلَ وَلَا خَارِجَ قَالَ وَكَانَ مَالِكٌ
يَكْرَهُ الْمُصَافَحَةَ فَكَيْفَ الِاعْتِنَاقُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ
اتَّفَقُوا أَنَّ مُصَافَحَةَ الرَّجُلِ حَلَالٌ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : {
خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
طَائِفَةٍ مِنْ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى
جَاءَ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ انْصَرَفَ حَتَّى أَتَى خِبَاءَ
فَاطِمَةَ فَقَالَ : أَثَمَّ لُكَعُ ؟ أَثَمَّ لُكَعُ يَعْنِي حَسَنًا
فَظَنَنَّا أَنَّهُ إنَّمَا تَحْبِسُهُ أَمَةٌ لَأَنْ تُغَسِّلَهُ
وَتُلْبِسَهُ سِخَابًا فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى حَتَّى
اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُ
فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ } قَوْلُهُ فِي طَائِفَةٍ : أَيْ
قِطْعَةٍ مِنْهُ وَقَيْنُقَاعَ مُثَلَّثُ النُّونِ ، وَلُكَعُ هُنَا
الصَّغِيرُ ، وَالْخِبَاءُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ بَيْتُهَا .
وَالسِّخَابُ
بِكَسْرِ السِّينِ جَمْعُهُ سُخُبُ الْقِلَادَةِ مِنْ الْقُرُنْفُلِ
وَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَخْلَاطِ الطِّيبِ يُعْمَلُ
عَلَى هَيْئَةِ السُّبْحَةِ وَيُجْعَلُ قِلَادَةً لَلصِّبْيَانِ
وَالْجَوَارِي .
وَقِيلَ هُوَ خَيْطٌ سُمِّيَ سِخَابًا لِصَوْتِ
خَرَزِهِ عِنْدَ حَرَكَتِهِ مِنْ السَّخَبِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْخَاءِ
وَيُقَالُ الصَّخَبُ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ .
وَفِيهِ جَوَازُ
لِبَاسِ الصِّبْيَانِ الْقَلَائِدَ وَالسُّخُبَ مِنْ الزِّينَةِ ،
وَتَنْظِيفِهِمْ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ لِقَاءَ أَهْلِ الْفَضْلِ ،
وَمُلَاطَفَةِ الصَّبِيِّ وَالتَّوَاضُعِ
.
وَكَرِهَ مَالِكٌ
مُعَانَقَةَ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَقَالَ بِدْعَةٌ ، وَاعْتَذَرَ عَنْ
فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِجَعْفَرٍ
حِين قَدِمَ بِأَنَّهُ خَاصٌّ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ مَا
تَخُصُّهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَسَكَتَ مَالِكٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ
وَسُكُوتُهُ دَلِيلٌ لِتَسْلِيمِ قَوْلِ سُفْيَانَ وَمُوَافَقَتِهِ وَهُوَ
الصَّوَابُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى التَّخْصِيصِ .
فَصْلٌ فِي
تَقْبِيلِ الْمَحَارِمِ مِنْ النِّسَاءِ فِي الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسِ )
قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يُقَبِّلُ الرَّجُلُ ذَاتَ
مَحْرَمٍ مِنْهُ ؟ قَالَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى
نَفْسِهِ ، وَذَكَرَ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ إِسْحَاقُ
بْنُ رَاهْوَيْهِ كَمَا قَالَ { النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مِنْ الْغَزْوِ فَقَبَّلَ فَاطِمَةَ } وَلَكِنْ
لَا يَفْعَلُهُ عَلَى الْفَمِ أَبَدًا ، الْجَبْهَةِ أَوْ الرَّأْسِ .
وَقَالَ
بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَسُئِلَ
عَنْ الرَّجُلِ يُقَبِّلُ أُخْتَهُ ؟ قَالَ قَدْ قَبَّلَ خَالِدُ بْنُ
الْوَلِيدِ أُخْتَهُ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ
الْمُصَافَحَةِ لِذِي مَحْرَمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْقِيَامِ حَدِيثُ
عَائِشَةَ فِي تَقْبِيلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِفَاطِمَةَ .
فَصْلٌ ( فِي التَّنَاجِي وَكَلَامِ السِّرِّ وَأَمَانَةِ الْمَجَالِسِ ) .
وَيُكْرَهُ
أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ ثَالِثِهِمَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ
وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ وَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ ،
وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا { لَا يَحِلُّ
لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ
الثَّالِثِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّهْي عَامٌّ وِفَاقًا
لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ، وَخَصَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ
بِالسَّفَرِ ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَأَنَّهُ كَانَ فِي
أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، وَمُرَادُهُمْ جَمَاعَةٌ دُونَ وَاحِدٍ ،
وَأَنَّهُ إنْ أَذِنَ فَلَا نَهْيَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ .
وَقَدْ
قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ يُكْرَهُ أَنْ يَتَنَاجَى الْجَمِيعُ دُونَ
مُفْرَدٍ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَأَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ فِي سِرِّ
قَوْمٍ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِيهِ وَالْجُلُوسُ وَالْإِصْغَاءُ إلَى مَنْ
يَتَحَدَّثُ سِرًّا بِدُونِ إذْنِهِ ، وَقِيلَ يَحْرُمُ وَظَاهِرُهُ
عَوْدُهُ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي
الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ ، وَإِنْ كَانَ إذْنُهُ
اسْتِحْيَاءً فَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ يُكْرَهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ مَنْ أَعْطَى مَالًا حَيَاءً لَمْ يَجُزْ
الْأَخْذُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ مَعْنَى الْفُصُولِ .
وَلَا
يَجُوزُ الِاسْتِمَاعُ إلَى كَلَامِ قَوْمٍ يَتَشَاوَرُونَ وَيَجِبُ
حِفْظُ سِرِّ مَنْ يَلْتَفِتُ فِي حَدِيثِهِ حَذَرًا مِنْ إشَاعَتِهِ ؛
لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَوْدَعِ لِحَدِيثِهِ .
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ وَهُوَ ثِقَةٌ .
وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ
عَتِيكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا { إذَا حَدَّثَ
الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذًا هِيَ أَمَانَةٌ } ثُمَّ
قَالَ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَرَأْت عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ عَنْ
ابْنِ أَخِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْمَجَالِسُ
بِالْأَمَانَةِ إلَّا ثَلَاثَةُ مَجَالِسَ : سَفْكُ دَمٍ حَرَامٍ وَفَرْجٌ
حَرَامٌ ، وَاقْتِطَاعُ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ } وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثٍ
أَبِي الدَّرْدَاءِ { مَنْ سَمِعَ مِنْ رَجُلٍ حَدِيثًا لَا يَشْتَهِي
أَنْ يُذْكَرَ عَنْهُ فَهُوَ أَمَانَةٌ وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْتِمْهُ }
وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ
بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ .
وَلَهُ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ { : مَا خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا
قَالَ : لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا
عَهْدَ لَهُ } .
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ {
أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَتَى السَّاعَةُ قَالَ : إذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ
السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : إذَا
وُسِّدَ الْأَمْرُ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ } .
وَسَبَقَ
فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ الْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ أَنَّهُ
يَحْرُمُ إفْشَاءُ السِّرِّ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ : الْمُصَرِّ .
وَفِي
مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحَيْنِ أَنَّ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَيْنَبَ
امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْمَرْأَةِ الْأَنْصَارِيَّةِ لَمَّا
سَأَلَهُ " مَنْ هُمَا ؟ " بَعْدَ قَوْلِهِمَا لَا تُخْبِرْهُ مَنْ ،
نَحْنُ ، وَكَانَتَا تَسْتَفْتِيَانِهِ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
جَوَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبٌ وَلَا يُقَدَّمُ
عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ بُدِئَ بِأَهَمِّهَا
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخَبَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَسَرَّ إلَى أَخِيهِ
سِرًّا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُفْشِيَهُ عَلَيْهِ } وَقَالَ الْعَبَّاسُ
بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا بُنَيَّ إنَّ أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ
يُدْنِيك يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَاحْفَظْ عَنِّي ثَلَاثًا : لَا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا ، وَلَا
تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا ، وَلَا يَطَّلِعَنَّ مِنْك عَلَى كِذْبَةٍ
.
وَقَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ : إنَّ سِرَّك مِنْ دَمِك فَانْظُرْ
أَيْنَ تُرِيقُهُ وَكَانَ يُقَالُ أَكْثَرُ مَا يُتِمُّ التَّدْبِيرَ
الْكِتْمَانُ وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً
وَرَّى بِغَيْرِهَا .
قَالَ الشَّاعِرُ : وَسِرُّك مَا كَانَ عِنْدَ
امْرِئٍ وَسِرُّ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ الْخَفِيِّ وَقَالَ آخَرُ : فَلَا
تُخْبِرْ بِسِرِّك كُلُّ سِرٍّ إذَا مَا جَاوَزَ الِاثْنَيْنِ فَاشِ
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ السِّرَّ مَا أَسْرَرْته فِي نَفْسِك
وَلَمْ تُبْدِهِ إلَى أَحَدٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مَا
اسْتَوْدَعْت رَجُلًا سِرًّا فَأَفْشَاهُ فَلُمْته لِأَنِّي كُنْت
أَضْيَقَ صَدْرًا مِنْهُ حَيْثُ اسْتَوْدَعْته إيَّاهُ ، وَإِلَى هَذَا
ذَهَبَ الْقَائِلُ : إذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ
فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَقُ وَأَنْشَدَ بَعْضُ
الْأَعْرَابِ : وَلَا أَكْتُمُ الْأَسْرَارَ لَكِنْ أَبُثُّهَا وَلَا
أَدَعُ الْأَسْرَارَ تَقْتُلُنِي غَمَّا وَإِنَّ سَخِيفَ الرَّأْيِ مَنْ
بَاتَ لَيْلَةً حَزِينًا بِكِتْمَانٍ كَأَنَّ بِهِ حُمَّى وَفِي بَثِّك
الْأَسْرَارَ لِلْقَلْبِ رَاحَةٌ وَتَكْشِفُ بِالْإِفْشَاءِ عَنْ قَلْبِك
الْهَمَّا وَقَالَ آخَرُ : وَلَا أَكْتُمُ الْأَسْرَارَ لَكِنْ أُذِيعُهَا
وَلَا أَدَعُ الْأَسْرَارَ تَغْلِي عَلَى قَلْبِي وَإِنَّ ضَعِيفَ
الْقَلْبِ مَنْ بَاتَ لَيْلَةً تُقَلِّبُهُ الْأَسْرَارُ جَنْبًا عَلَى
جَنْبِ وَكَانَ يُقَالُ لَا تُطْلِعُوا النِّسَاءَ عَلَى سِرِّكُمْ ،
يَصْلُحُ لَكُمْ أَمْرُكُمْ وَكَانَ يُقَالُ كُلُّ شَيْءٍ تَكْتُمُهُ عَنْ
عَدُوِّك فَلَا تُظْهِرْ عَلَيْهِ صَدِيقَك .
قَالَ الشَّاعِرُ : إذَا
كَتَمَ الصَّدِيقُ أَخَاهُ سِرًّا فَمَا فَضْلُ الْعَدُوِّ عَلَى
الصَّدِيقِ وَقَالَ آخَرُ : أُدَارِي خَلِيلِي مَا اسْتَقَامَ بِوُدِّهِ
وَأَمْنَحُهُ وُدِّي إذَا يَتَجَنَّبُ وَلَسْت بِبَادٍ صَاحِبِي
بِقَطِيعَةٍ وَلَا أَنَا مُبْدٍ سِرَّهُ حِينَ يَغْضَبُ وَقَالَ آخَرُ :
إذَا مَا ضَاقَ صَدْرُك عَنْ
حَدِيثٍ فَأَفْشَتْهُ الرِّجَالُ
فَمَنْ تَلُومُ إذَا عَاتَبْتُ مَنْ أَفْشَى حَدِيثِي وَسِرِّي عِنْدَهُ
فَأَنَا الظَّلُومُ وَإِنِّي حِينَ أَسْأَمُ حَمْلَ سِرِّي وَقَدْ
ضَمَّنْته صَدْرِي سَئُومُ وَلَسْت مُحَدِّثًا سِرِّي خَلِيلًا وَلَا
عِرْسِي إذَا خَطَرَتْ هُمُومُ وَأَطْوِي السِّرَّ دُونَ النَّاسِ إنِّي
لِمَا اسْتَوْدَعْت مِنْ سِرِّي كَتُومُ وَقَدْ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ
الثَّالِثِ ، } وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { إذَا كُنْتُمْ
ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى رَجُلَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا
بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
فَصْلٌ ( مَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِإِسْكَاتِ الْغَضَبِ ) .
قَالَ
الْقَاضِي وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ غَضِبَ إنْ كَانَ قَائِمًا جَلَسَ ،
وَإِذَا كَانَ جَالِسًا اضْطَجَعَ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَيُسْتَحَبُّ
لِمَنْ غَضِبَ أَنْ يُغَيِّرَ ، فَإِنْ كَانَ جَالِسًا قَامَ وَاضْطَجَعَ
، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا مَشَى ، وَقَوْلُ الْقَاضِي هُوَ الصَّوَابُ
قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَلِأَحْمَدَ
وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ { إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ
قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا
فَلْيَضْطَجِعْ } إسْنَادُهُ صَحِيحٌ { وَقَدْ اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْد
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ غَضَبُ
أَحَدِهِمَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ
قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ فَفِي خَبَرِ مُعَاذٍ اللَّهُمَّ
إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ .
وَفِي خَبَرِ
سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ
فِي خَبَرِ مُعَاذٍ فَأَبَى وَمَحِكَ وَجَعَلَ يَزْدَادُ غَضَبًا .
وَفِي خَبَرِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ الرَّجُلُ هَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ } رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد .
وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ خَبَرَ سُلَيْمَانَ وَرَوَى أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ خَبَرَ مُعَاذٍ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ
لِخَبَرِ عَطِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { إنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ
مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ .
فَصْلٌ ( فِي الدُّعَاءِ وَآدَابِهِ وَالْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ بِهِ ) .
يُكْرَهُ
رَفْعُ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ مُطْلَقًا قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : سَمِعْت
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : يَنْبَغِي أَنْ يُسِرَّ دُعَاءَهُ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا
} .
قَالَ هَذَا الدُّعَاءُ قَالَ : وَسَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ وَكَانَ يُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالدُّعَاءِ لَا
سِيَّمَا عِنْد شِدَّةِ الْحَرْبِ وَحَمْلِ الْجِنَازَةِ وَالْمَشْيِ
بِهَا وَقِيلَ يُسَنُّ أَنْ يَسْمَعَ الْمَأْمُومُ الدُّعَاءَ .
قَدَّمَهُ
ابْنُ تَمِيمٍ ، وَقِيلَ مَعَ قَصْدِ تَعْلِيمِهِ وَلَا يَجِبُ لَهُ
الْإِنْصَاتُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ
حَمْدَانَ ، وَقِيلَ خَفْضُ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ أَوْلَى قَالَ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ
يُخْفِيَ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { اُدْعُوا رَبَّكُمْ
تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } .
فَأَمَرَ بِذَلِكَ .
وَعَنْ سَعْدٍ مَرْفُوعًا { خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَنَا عِنْدَ ظَنِّ
عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إذَا ذَكَرَنِي } وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ
مَاجَهْ { أَنَا مَعَ عَبْدِي إذَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ
} وَلِأَحْمَدَ { أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا
فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ بِي شَرًّا فَلَهُ } قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ
مَرْفُوعًا { أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إذَا
دَعَانِي } وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ الْجَوْزِيِّ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ
غَيْرُ أَبِي الْمَلِيحِ الْفَارِسِيِّ وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ ،
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ
يَغْضَبْ عَلَيْهِ } وَعَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا { لَيْسَ شَيْءٌ
أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الدُّعَاءِ } وَفِيهِ عِمْرَانُ الْقَطَّانُ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ
حَدِيثِهِ ، رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .
وَرَوَى أَحْمَدُ الثَّانِيَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ .
وَرَوَى أَبُو
يَعْلَى
الْمُوصِلِيِّ ثنا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ
عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجِزَ بِالدُّعَاءِ ، وَأَبْخَلُ
النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ } حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمَسْرُوقٌ
وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ ،
يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ حَمْلِ
الْجِنَازَةِ وَعِنْدَ شِدَّةِ الْقِتَالِ ، وَلَا يُكْرَهُ الْإِلْحَاحُ
بِهِ لِلْأَثَرِ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَدُعَاءُ الرَّغْبَةِ
بِبَطْنِ الْكَفِّ وَدُعَاءُ الرَّهْبَةِ بِظَهْرِهِ مَعَ قِيَامِ
السَّبَّابَةِ كَدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى تُسْتَحَبُّ
الْإِشَارَةُ إلَى نَحْوِ السَّمَاءِ فِي الدُّعَاءِ قَالَ صَالِحٌ فِي
مَسَائِلِهِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ قَالَ :
يَدْعُو بِدُعَاءٍ مَعْرُوفٍ .
فَصْلٌ ( فِي الدُّعَاءِ وَالتَّوَكُّلِ وَمُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ وَسُؤَالِ الْمَخْلُوقِ ) .
قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اللَّهُ هُوَ الَّذِي
خَلَقَ السَّبَبَ وَالْمُسَبِّبَ وَالدُّعَاءُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ
الَّتِي يُقَدِّرُهَا ، فَالِالْتِفَاتُ إلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي
التَّوْحِيدِ ، وَمَحْوُ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا نَقْصٌ فِي
الْعَقْلِ ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي
الشَّرْعِ ، بَلْ الْعَبْدُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَوَكُّلُهُ وَدُعَاؤُهُ
وَسُؤَالُهُ وَرَغْبَتُهُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاَللَّهُ
يُقَدِّرُ لَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ مِنْ دُعَاءِ الْخَلْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
مَا يَشَاءُ ، وَالدُّعَاءُ مَشْرُوعٌ أَنْ يَدْعُوَ الْأَعْلَى
لِلْأَدْنَى وَالْأَدْنَى لِلْأَعْلَى .
وَمِنْ ذَلِكَ طَلَبُ
الشَّفَاعَةِ وَالدُّعَاءُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ، وَذَكَرَ الْأَخْبَارَ
فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ : فَالدُّعَاءُ لِلْغَيْرِ يَنْتَفِعُ بِهِ
الدَّاعِي وَالْمَدْعُوُّ لَهُ ، فَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ اُدْعُ لِي
قَصَدَ انْتِفَاعَهُمَا جَمِيعًا بِذَلِكَ كَانَ هُوَ وَأَخُوهُ
مُتَعَاوِنَيْنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، فَهُوَ نَبَّهَ
الْمَسْئُولَ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِمَا يَنْفَعُهُمَا ، وَالْمَسْئُولُ
فَعَلَ مَا يَنْفَعُهُمَا ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِبِرٍّ
وَتَقْوَى فَيُثَابُ الْمَأْمُورُ عَلَى فِعْلِهِ وَالْآمِرُ أَيْضًا
يُثَابُ مِثْلَ ثَوَابِهِ لِكَوْنِهِ دَعَاهُ إلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ
وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ مَخْلُوقًا أَنْ يَسْأَلَ مَخْلُوقًا شَيْئًا
لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ الْمَخْلُوقَ الْمَسْئُولَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ
الْعَبْدَ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ إلَى أَنْ قَالَ :
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ مَخْلُوقًا أَنْ يَسْأَلَ
مَخْلُوقًا إلَّا مَا كَانَ مَصْلَحَةً لِذَلِكَ الْمَخْلُوقِ
الْمَسْئُولِ إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ
لَا يَطْلُبُ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا ذَلِكَ فَكَيْفَ يَأْمُرُ غَيْرَهُ
أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ ، بَلْ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْعَبْدِ
أَنْ يَسْأَلَ الْعَبْدَ مَسْأَلَةً إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِنْ
كَانَ
إعْطَاءُ الْمَالِ مُسْتَحَبًّا ، ثُمَّ مَنْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ
وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا إنْ كَانَ قَصْدُهُ مَصْلَحَةَ الْمَأْمُورِ
أَيْضًا فَهَذَا مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ حُصُولَ
مَطْلُوبِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ لِانْتِفَاعِ الْمَأْمُورِ فَهَذَا
مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ حُصُولُ مَطْلُوبِهِ مِنْ
غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ لِانْتِفَاعِ الْمَأْمُورِ فَهَذَا مِنْ نَفْسِهِ
أَتَى .
وَمِثْلُ هَذَا السُّؤَالِ لَا يَأْمُرُ اللَّهِ بِهِ قَطُّ
بَلْ قَدْ نَهَى عَنْهُ ؛ إذْ هَذَا سُؤَالٌ مَحْضٌ لِلْمَخْلُوقِ مِنْ
غَيْرِ قَصْدِهِ لِنَفْعِهِ وَلَا لِمَصْلَحَتِهِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى
يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَنَرْغَبَ إلَيْهِ وَيَأْمُرُنَا أَنْ
نُحْسِنَ إلَى عِبَادِهِ ، وَهَذَا لَمْ يَقْصِدْ هَذَا وَلَا هَذَا إلَى
أَنْ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ لَا يَأْثَمُ بِمِثْلِ هَذَا
السُّؤَالِ لَكِنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَا يُؤْمَرُ الْعَبْدُ بِهِ وَمَا
يُؤْذَنُ لَهُ فِيهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ
السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ
" إنَّهُمْ لَا يَسْتَرْقُونَ " وَإِنْ كَانَ الِاسْتِرْقَاءُ جَائِزًا ،
إلَى أَنْ قَالَ : الْأَصْلُ فِي سُؤَالِ الْخَلْقِ أَنْ يَكُونَ
مُحَرَّمًا فَإِنَّمَا يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ فَإِنَّ فِيهِ الظُّلْمَ
الْمُتَعَلِّقَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَظُلْمَ الْعِبَادِ ،
وَظُلْمَ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ إلَى أَنْ قَالَ الطَّاعَةُ وَالْإِيتَاءُ
لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَشْيَةُ وَالتَّحَسُّبُ لِلَّهِ وَحْدَهُ إلَى
أَنْ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ فِي الْأَسْبَابِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ :
( أَحَدُهَا ) أَنَّ السَّبَبَ الْمُعَيَّنَ لَا يَسْتَقِلُّ
بِالْمَطْلُوبِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ أَسْبَابٍ أُخْرَى ، وَمَعَ
هَذَا فَلَهَا مَوَانِعُ ، فَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ اللَّهُ الْأَسْبَابَ
وَيَدْفَعْ الْمَوَانِعَ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ ( الثَّانِي )
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنَّ الشَّيْءَ سَبَبٌ إلَّا بِعِلْمٍ كَمَنْ
يَظُنُّ أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فِي دَفْعِ الْبَلَاءِ وَحُصُولِ
النَّعْمَاءِ ( الثَّالِثُ ) أَنَّ الْأَعْمَالَ الدِّينِيَّةَ لَا
يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ شَيْءٌ سَبَبًا
إلَّا أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْقِيفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ
فِي كَوْنِ التَّوَكُّلِ وَالدُّعَاءِ نَافِعَيْنِ فِي الدُّنْيَا لَا
عِبَادَتَيْنِ لِنَفْعِ الْآخِرَةِ وَحْدَهُ ) قَالَ الشَّيْخُ أَيْضًا
ظَنَّ طَائِفَةٌ أَنَّ التَّوَكُّلَ لَا يَحْصُلُ بِهِ جَلْبُ مَنْفَعَةٍ
وَلَا دَفْعُ مَضَرَّةٍ ، بَلْ كَانَ مَقْدُورًا بِدُونِ التَّوَكُّلِ
فَهُوَ مَقْدُورٌ مَعَهُ وَلَكِنَّ التَّوَكُّلَ عِبَادَةٌ يُثَابُ
عَلَيْهَا مِنْ جِنْسِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ يُشْبِهُ
قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ الدُّعَاءَ لَا يَحْصُلُ بِهِ جَلْبُ مَنْفَعَةٍ
وَلَا دَفْعُ مَضَرَّةٍ بَلْ هُوَ عِبَادَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ
قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ وَالدَّاعِيَ
يَحْصُلُ لَهُ مِنْ جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ مَا لَا
يَحْصُلُ لِغَيْرِهِ ، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ هُوَ
سَبَبٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَعَلَامَةٌ وَأَمَارَةٌ عِنْدَ مَنْ
يَنْفِي الْأَسْبَابَ وَيَقُولُ إنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ عِنْدَهَا لَا
بِهَا وَيَقُولُونَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَذَكَرَ كَلَامًا
كَثِيرًا ، احْتَجَّ بِالْآيَاتِ الْمَشْهُورَةِ .
وَذُكِرَ فِي
التُّحْفَةِ الْعِرَاقِيَّةِ أَنَّ التَّوَكُّلَ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ
أَئِمَّةِ الدِّينِ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ
رَحِمَهُمُ اللَّهُ اسْتِعَاذَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِتَكْمُلَ صِفَاتُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ ،
وَشَرَعَهُ أَيْضًا تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ .
وَفِي هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ
هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا ، وَهَذَا هُوَ
الصَّحِيحِ وَاَلَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ
الْفَتَاوَى فِي الْأَمْصَارِ فِي كُلِّ الْأَعْصَارِ وَذَهَبَ طَائِفَةٌ
مِنْ الزُّهَّادِ وَأَهْلِ الْمَعَارِفِ إلَى أَنَّ تَرْكَ الدُّعَاءِ
أَفْضَلُ اسْتِسْلَامًا لِلْقَضَاءِ .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إنْ
دَعَا لِلْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ ، وَإِنْ دَعَا لِنَفْسِهِ فَالْأَوْلَى
تَرْكُهُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ بَاعِثًا
لِلدُّعَاءِ اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا ، وَدَلِيلُ الْفُقَهَاءِ
ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وَالسُّنَّةِ فِي الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ
وَفِعْلِهِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ بِفِعْلِهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوَاضِعَ : أَعْمَالُ الْقُلُوبِ كَمَحَبَّةِ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ
لَهُ وَالشُّكْرِ لَهُ وَالصَّبْرِ عَلَى حُكْمِهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ
وَالرَّجَاءِ لَهُ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ
مَأْمُورُونَ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الدِّينِ لَا يَكُونُ تَرْكُهَا
مَحْمُودًا فِي حَالِ أَحَدٍ وَإِنْ ارْتَقَى مَقَامُهُ وَاَلَّذِي ظَنَّ
أَنَّ التَّوَكُّلَ مِنْ الْمَقَامَاتِ الْعَامَّةِ ظَنَّ أَنَّ
التَّوَكُّلَ لَا يُطْلَبُ بِهِ إلَّا حُظُوظُ الدُّنْيَا وَهُوَ غَلَطٌ ،
بَلْ التَّوَكُّلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ أَعْظَمُ .
قَالَ
وَأَمَّا الْحُزْنُ فَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ بَلْ
قَدْ نَهَى عَنْهُ فِي مَوَاضِعَ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِأَمْرِ الدِّينِ
كَقَوْلِهِ : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا } { لَا تَحْزَنْ إنَّ
اللَّهَ مَعَنَا } { فَلَا يَحْزُنْك قَوْلُهُمْ } { لِكَيْلَا تَأْسَوْا
عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } .
وَذَلِكَ ؛
لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَا يَأْمُرُ
اللَّهُ بِهِ ، نَعَمْ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ صَاحِبُهُ إذَا لَمْ
يَقْتَرِنْ بِحُزْنِهِ مُحَرَّمٌ وَقَدْ يَقْتَرِنُ الْحُزْنُ بِمَا
يُثَابُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَيُحْمَدُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَحْمُودًا
مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْحُزْنِ ، كَالْحَزِينِ عَلَى
مُصِيبَةٍ فِي دِينِهِ وَعَلَى مَصَائِبِ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا ،
فَهَذَا يُثَابُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ حُبِّ
الْخَيْرِ وَبُغْضِ الشَّرِّ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ الْحُزْنَ
عَلَى ذَلِكَ إذَا أَفْضَى إلَى تَرْكِ مَأْمُورٍ مِنْ الصَّبْرِ
وَالْجِهَادِ وَجَلْبِ مَنْفَعَةٍ وَدَفْعِ مَضَرَّةٍ نُهِيَ عَنْهُ
وَإِلَّا كَانَ حَسْبَ صَاحِبِهِ رُفِعَ الْإِثْمُ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ
الْحُزْنِ ، وَأَمَّا إذَا أَفْضَى إلَى ضَعْفِ الْقَلْبِ وَاشْتِغَالِهِ
بِهِ عَنْ فِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ كَانَ مَذْمُومًا
وَمَرْدُودًا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَإِنْ كَانَ مَحْمُودًا
مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى .
وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ لَهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَالْإِخْلَاصُ لَهُ فَهَذِهِ كُلُّهَا خَيْرٌ مَحْضٌ وَهِيَ مَحْبُوبَةٌ .
وَمَنْ
قَالَ إنَّ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ تَكُونُ لِلْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ
فَقَدْ غَلِطَ إنْ أَرَادَ خُرُوجَ الْخَاصَّةِ عَنْهَا فَإِنَّ هَذَا لَا
يَخْرُجُ مِنْهَا مُؤْمِنٌ قَطُّ ، إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْهَا الْكَافِرُ
وَالْمُنَافِقُ ، وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ
فِي الْفُنُونِ : الْعُقَلَاءُ يَعْلَمُونَ أَنَّ الِاحْتِرَازَ لَا
يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ وَأَنَّ دَقِيقَ الْحِيَلِ مِنْ الْأَعْدَاءِ
يُدْفَعُ بِلَطِيفِ التَّحَرُّزِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّحَفُّظِ ،
وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي الْجَامِعِ فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ
سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : إنْ
لَقِيت رَبَّك فَأَخْبَرَنِي مَا لَقِيت وَإِنْ لَقِيته قَبْلَك
أَخْبَرْتُك ، فَذَكَرَ سَعِيدٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا تُوُفِّيَ فَلَقِيَ
صَاحِبَهُ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ الْمَيِّتُ تَوَكَّلْ وَأَبْشِرْ
فَإِنِّي مَا رَأَيْت مِثْلَ التَّوَكُّلِ .
وَرُوِيَ فِيهِ أَيْضًا
فِي التِّجَارَةِ وَالتَّكَسُّبِ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ : سَأَلَ الْمَازِنِيُّ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ عَنْ
التَّوَكُّلِ فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ لَا يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ
لِيُكْفَى وَلَوْ حَلَّتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي قُلُوبِ الْمُتَوَكِّلَةِ
لَضَجُّوا إلَى اللَّهِ بِالنَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ ، وَلَكِنَّ
التَّوَكُّلَ يُحِلُّ بِقَلْبِهِ الْكِفَايَةَ مِنْ اللَّهِ فَيَصْدُقُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا ضَمِنَ .
وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَلَّالُ
مَا يُخَالِفُ كَلَامَ بِشْرٍ لَا مِنْ عِنْدِهِ وَلَا مِنْ عِنْدِ
غَيْرِهِ ، فَبِشْرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ مَنْ تَوَكَّلَ لِيُكْفَى
لَمْ يَخْلُصْ التَّوَكُّلُ لِلَّهِ فَيَقْدَحُ فِيهِ وَيَكُونُ لِغَيْرِ
اللَّهِ ، وَنَظِيرُهُ مَنْ اتَّقَى اللَّهَ لِيَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ
مَخْرَجًا ، وَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ لِيَجْعَلَ لَهُ فُرْقَانًا ، وَمَنْ
تَوَاضَعَ لِيَرْتَفِعَ .
وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ
لِلَّهِ
إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ } وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَنْ
تَوَاضَعَ لِيَرْتَفِعَ : لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوَاضُعِ أَيْ لَا
يَقْصِدُ هَذَا وَهُوَ نَظِيرُ الْكَلَامِ الْمَشْهُورِ مَنْ أَخْلَصَ
لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ .
وَفَعَلَ بَعْضُ
النَّاسِ لَهُ لِيَنْطِقَ بِالْحِكْمَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا ،
وَسَأَلَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَنْ هَذَا فَقَالَ لَهُ : لَمْ تُخْلِصْ
إنَّمَا فَعَلْت هَذَا لِأَجَلِ هَذَا ، وَهَذَا الْكَلَامُ " مَنْ
أَخْلَصَ لِلَّهِ " يُرْوَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَسَبَقَ فِي فُصُولِ التَّوْبَةِ
مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْهِ فِي بَابِ مَا
يُبْطِلُ الصَّلَاةَ .
فَصْلٌ ( التَّسْلِيمُ لِلَّهِ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ ) .
قَالَ
ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : قَدْ نَدَبَ اللَّهُ إلَى الدُّعَاءِ
وَفِيهِ مَعَانٍ : الْوُجُودُ وَالْغِنَى وَالسَّمْعُ وَالْكَرَمُ
وَالرَّحْمَةُ وَالْقُدْرَةُ ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يُدْعَى
، وَمَنْ يَقُولُ بِالطَّبَائِعِ يَعْلَمُ أَنَّ النَّارَ لَا يُقَالُ
لَهَا كُفِّي ، وَلَا النَّجْمُ لَا يُقَالُ لَهُ أَصْلِحْ مِزَاجِي ؛
لِأَنَّ هَذِهِ عِنْدَهُمْ مُؤَثِّرَةٌ طَبْعًا لَا اخْتِيَارًا ،
فَشَرَعَ الدُّعَاءَ وَالِاسْتِسْقَاءَ لِيُبَيِّنَ كَذِبَ أَهْلِ
الطَّبَائِعِ وَقَالَ : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ
} .
حَتَّى لَا يُطْلَبَ إلَّا مِنْهُ ، ثُمَّ أَحَبَّ أَنْ يُظْهِرَ
جَوَاهِرَ أَهْلِ الِابْتِلَاءِ فَقَالَ لِذَا اذْبَحْ وَلَدَك ، وَقَرَنَ
هَذَا بِالْبَلَاءِ لِيَحْمِلَهُمْ عَلَى الدُّعَاءِ وَاللَّجَاءِ .
وَقَالَ
أَيْضًا فِي الْفُنُونِ : تَسْتَبْطِئُ الْإِجَابَةَ مِنْ اللَّهِ
تَعَالَى لِأَدْعِيَتِك فِي أَغْرَاضِك الَّتِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي
بَاطِنِهَا الْمَفَاسِدُ فِي دِينِك وَدُنْيَاك ، وَتَتَسَخَّطُ
بِإِبْطَاءِ مُرَادِك مَعَ الْقَطْعِ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا
يَمْنَعُك شُحًّا وَلَا بُخْلًا وَلَا نِسْيَانًا ، وَقَدْ شَهِدَ
لِصِحَّةِ ذَلِكَ مُرَاعَاتُهُ لَك .
وَلَا لِسَانَ يَنْطِقُ بِدُعَاءٍ
، وَلَا أَرْكَانَ لِعَبْدِهِ ، وَلَا قُوَّةً تَتَحَرَّك بِهَا فِي
طَاعَةٍ مِنْ طَاعَاتِهِ ، فَكَيْفَ وَجُمْلَتُك وَأَبْعَاضُك وَقْفٌ
عَلَى خِدْمَتِهِ ، وَلِسَانُك رَطْبٌ بِأَذْكَارِهِ ؟ لَكِنْ إنَّمَا
أُخِّرَ رَحْمَةً لَك وَحِكْمَةً وَمَصْلَحَةً ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إلَيْك
بِذَلِكَ تَقْدِمَةً ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ : { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ
شَرٌّ لَكُمْ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } .
وَأَنْتَ الْعَبْدُ الْمُحْتَاجُ تَتَخَلَّفُ عَنْ أَكْثَرِ أَوَامِرِهِ ، وَلَا تَسْتَبْطِئُ نَفْسَك فِي أَدَاءِ حُقُوقِهِ .
هَلْ
هَذَا إنْصَافٌ أَنْ يَكُونَ مِثْلُك يُبْطِئُ عَنْ الْحُقُوقِ وَلَا
تُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِك ، ثُمَّ تَسْتَبْطِئُ الْحَكِيمَ
الْأَزَلِيَّ الْخَالِقَ فِي
بَابِ الْحُظُوظِ الَّتِي لَا تَدْرِي كَيْفَ حَالُك فِيهَا هَلْ طَلَبُهَا عَطَبٌ وَهَلَاكٌ ، أَوْ غِبْطَةٌ وَصَلَاحٌ .
وَقَالَ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } .
وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ يُنَبِّهُك عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِك وَسِرِّك وَمَالِك
، بِالِاحْتِيَاطِ لِمَالِ غَيْرِك ، لَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْك ذَلِكَ
التَّحَرُّزَ وَالتَّحَفُّظَ وَالِارْتِيَادَ وَالْمُبَالَغَةَ فِي
الِانْتِقَادِ لِكُلِّ مَحَلٍّ تُودِعُهُ سِرًّا أَوْ مَالًا أَوْ
تَرْجِعُ إلَيْهِ ، أَوْ مَشُورَةٍ تَقْتَبِسُ بِهَا رَأْيًا ، وَنَبَّهَك
عَلَى مَا هُوَ أَوْكَدُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ تَعْلَمَ بِأَنَّك
وَإِنْ بَلَغْت الْغَايَةَ مِنْ الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ وَالتَّجْرِبَةِ
يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ تَقْصِيرَك عَنْ تَدْبِيرِ
نَفْسِك ، فَإِذَا بَالَغَتْ فِي الدُّعَاءِ الْمَحْبُوبِ نَفْسَك جَازَ
لَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُعْطِيَك بِحَسَبِ مَا طَلَبْت ، وَلَا يُرْخِي
لِذَلِكَ الْعِنَانَ بِحُكْمِ مَا لَهُ أَرَدْت ، بَلْ يَحْبِسُ عَنْك
لِصَلَاحِك ، وَيُضَيِّقُ عَلَيْك مَا وَسَّعَهُ عَلَى غَيْرِك نَظَرًا
لَك ؛ لِأَنَّهُ فِي حِجْرِ الرُّبُوبِيَّةِ مَا دُمْت عَبْدًا .
فَإِذَا
أَخْرَجَك عَنْ رِبْقَةِ التَّكْلِيفِ سَرَّحَك تَسْرِيحًا ، وَلَا
تَطْلُبْ التَّخْلِيَةَ حَالَ حَبْسِك ، وَلَا التَّصَرُّفَ بِحَسْبِ
مُرَادِك حَالَ حَجْرِك فَلَسْت رَشِيدًا فِي مَصَالِحِك ، فَكُنْ
بِاَللَّهِ كَالْيَتِيمِ ، مَعَ الْوَلِيِّ الْحَمِيمِ ، تَسْتَرِحْ مِنْ
كَدِّ التَّسَخُّطِ ، وَتَنْجُو مِنْ مَأْثَمِ الِاعْتِرَاضِ
وَالتَّحَيُّرِ ، وَلَيْسَ يُمْكِنُك هَذَا إلَّا بِشِدَّةِ بَحْثٍ
وَنَظَرٍ فِي حُبِّك وَقَدْرِك .
فَإِذَا عَلِمْت أَنَّك
بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحِكْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ
الْإِلَهِيِّ دُونَ الْيَتِيمِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَلِيِّ بِكَثِيرٍ
، صَحَّ لَك التَّفْوِيضُ وَالتَّسْلِيمُ ، وَاسْتَرَحْت مِنْ كَدِّ
الِاعْتِرَاضِ وَمَرَارَةِ التَّسَخُّطِ وَالتَّدْبِيرِ .
وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَكَفَى بِرَبِّك وَكِيلًا } .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ فِي أَسْرِ الْأَقْدَارِ تُصْرَفُ فَإِنْ اعْتَرَضْت صِرْت فِي أَسْرِ الشَّيْطَانِ ، فَلَأَنْ
تَكُونَ
فِي أَسْرِ مَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْك خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي
أَسْرَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا مَحِيصَ لَك عَنْهُ ، وَالْآخَرُ أَنْتَ
أَوْقَعْت نَفْسَك فِيهِ .
وَلَا أَقْبَحَ مِنْ عَاقِلٍ حَمَاهُ
اللَّهُ وَحَجَرَ عَلَيْهِ حَمِيمُهُ نَظَرًا لَهُ أَدْخَلَ عَلَى
نَفْسِهِ عَدُوًّا بِقُبْحِ آثَارِ وَلِيِّهِ عَنْدَهُ ، وَيُسْخِطُهُ
عَلَيْهِ لِيُفْسِدَ عَلَيْهِ مَعَ الْوَلِيِّ .
وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا .
وَقَالَ
أَيْضًا كُلُّ حَالٍ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ
فَيَنْبَغِي أَنْ يَغْتَنِمَ تِلْكَ اللَّحْظَةَ فَإِنَّهَا سَاعَةُ
إجَابَةٍ .
فَحُضُورُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَلْبِ الْعَبْدِ
حُضُورٌ وَاسْتِحْضَارٌ ، وَخَيْرُ أَوْقَاتِ الطَّلَبِ اسْتِحْضَارُ
الْمُلُوكِ ، وَمَنْ اشْتَدَّتْ فَاقَتُهُ فَدَعَا ، أَوْ اشْتَدَّ
خَوْفُهُ فَبَكَى ، فَذَلِكَ الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ
فِيهِ فَإِنَّهُ سَاعَةُ إجَابَةٍ وَسَاعَةُ صِدْقٍ فِي الطَّلَبِ وَمَا
دَعَا صَادِقٌ إلَّا أُجِيبَ .
وَسَبَقَ مَا يُسْتَعْمَلُ لِإِزَالَةِ
الْهَمِّ وَالْغَمِّ قُبَيْلَ فُصُولِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَفِي
الْكَلَامِ عَلَى دَعْوَةِ ذِي النُّونِ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَيَأْتِي أَدْعِيَةٌ فِي فُصُولِ التَّدَاوِي .
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الْفُصُولُ
الْخَاصَّةُ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ نَقْطِ
الْمُصْحَفِ وَشَكْلِهِ وَكِتَابَةِ الْأَخْمَاسِ وَالْأَعْشَارِ
وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ ) .
وَعَدَدِ الْآيَاتِ فِيهِ رِوَايَتَانِ ،
وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ نَقْطُهُ وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَمِثْلُهُ
شَكْلُهُ ، وَيُكْرَهُ التَّغَيُّرُ فِيهِ وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ ،
وَتَحْرُمُ مُخَالَفَةُ خَطِّ عُثْمَانَ فِي وَاوٍ وَيَاءٍ وَأَلِفٍ أَوْ
غَيْرِ ذَلِكَ نُصَّ عَلَيْهِ ، وَيَجُوزُ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ ،
قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا .
وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ
لِأَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ رَوَاهُ
جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ ،
وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ وَفِي جَعْلِهِ عَلَى عَيْنَيْهِ قَالَ
الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إنَّمَا تَوَقَّفَ عَنْ ذَلِكَ
وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِفْعَةٌ وَإِكْرَامٌ لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْقُرْبُ
إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَدْخَلٌ لَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ
وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ إلَّا بِتَوْقِيفٍ أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ
لَمَّا رَأَى الْحَجَرَ قَالَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَك مَا
قَبَّلْتُك .
وَكَذَلِكَ مُعَاوِيَةُ لَمَّا طَافَ فَقَبَّلَ
الْأَرْكَانَ كُلَّهَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ :
لَيْسَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ مَهْجُورٌ ، فَقَالَ إنَّمَا هِيَ السُّنَّةُ
فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَسَبَقَ بِنَحْوِ ثَلَاثَةِ كَرَارِيسَ أَنَّ
أَحْمَدَ اسْتَوَى جَالِسًا لَمَّا ذُكِرَ عِنْدَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ
طَهْمَانَ ، وَقَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ أَخَذْت مِنْ هَذَا أَحْسَنَ
الْأَدَبِ فِيمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عِنْدَ إمَامِ الْعَصْرِ مِنْ
النُّهُوضِ لِسَمَاعِ تَوْقِيعَاتِهِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقِيَامَ لِلْمُصْحَفِ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ .
وَكَلَامُ
الْقَاضِي السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ بِالتَّوْقِيفِ وَقَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إذَا اعْتَادَ النَّاسُ قِيَامَ بَعْضِهِمْ
لِبَعْضٍ فَقِيَامُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أَحَقُّ .
فَصْلٌ ( فِي
أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَمَا تَجِبُ صِيَانَةُ الْمُصْحَفِ عَنْهُ )
تَوَقَّفَ أَحْمَدُ أَنْ يُقَالَ سُورَةُ كَذَا قَالَ الْخَلَّالُ لَا
بَأْسَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقَالَ الْقَاضِي
الْأَشْبَهُ أَنْ يُكْرِمَهُ بَلْ يُقَالُ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ
فِيهَا كَذَا .
وَيَحْرُمُ أَنْ يُكْتَبَ الْقُرْآنُ وَذِكْرُ اللَّهِ
تَعَالَى بِشَيْءٍ نَجِسٍ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ فَإِنْ كُتِبَا بِهِ
أَوْ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ غُسِلَا .
وَقِيلَ إنْ نَجَّسَ وَرَقَةَ
الْمَكْتُوبِ فِيهِ أَوْ كَتَبَ بِشَيْءٍ نَجِسٍ أَوْ بُلَّ وَانْدَرَسَ
أَوْ غَرِقَ دُفِنَ كَالْمُصْحَفِ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُصْحَفِ إذَا
بَلِيَ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
السِّتْرِ يُكْتَبُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ؟ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ : لَا
يُكْتَبُ الْقُرْآنُ عَلَى شَيْءٍ مَنْصُوبٍ وَلَا سِتْرٍ وَلَا غَيْرِهِ .
وَيُكْرَهُ
تَوَسُّدُ الْمُصْحَفِ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَذَكَرَهُ فِي
الرِّعَايَةِ وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَرِهَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
أَنْ يَضَعَ الْمُصْحَفَ تَحْتَ رَأْسِهِ فَيَنَامُ عَلَيْهِ قَالَ
الْقَاضِي : إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ ابْتِذَالًا لَهُ
وَنُقْصَانًا مِنْ حُرْمَتِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ كَمَا يَفْعَلُ
بِالْمَتَاعِ .
وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ التَّحْرِيمَ وَقَطَعَ بِهِ
فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ ،
وَكَذَا سَائِرُ كُتُبِ الْعِلْمِ إنْ كَانَ فِيهَا قُرْآنٌ وَإِلَّا
كُرِهَ فَقَطْ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ نُعَيْمِ بْنِ نَاعِمٍ
وَسَأَلَهُ أَيَضَعُ الرَّجُلُ الْكُتُبَ تَحْتَ رَأْسِهِ ؟ قَالَ أَيُّ
كُتُبٍ ؟ قُلْت كُتُبَ الْحَدِيثِ قَالَ : إذَا خَافَ أَنْ تُسْرَقَ فَلَا
بَأْسَ وَأَمَّا أَنْ تَتَّخِذَهُ وِسَادَةً فَلَا .
وَرَوَى
الْخَلَّالُ فِي الْأَخْلَاقِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ فِي رِحْلَتِهِ إلَى
الْكُوفَةِ أَوْ غَيْرِهَا فِي بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ وَكَانَ يَضَعُ
تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةً وَيَضَعُ كُتُبَهُ فَوْقَهَا .
وَقَالَ ابْنُ
عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي كِتَابِهِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَنَّهُ يَحْرُمُ
الِاتِّكَاءُ عَلَى الْمُصْحَفِ وَعَلَى كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَا
فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ اتِّفَاقًا انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَيَقْرُبُ
مِنْ ذَلِكَ مَدُّ الرِّجْلَيْنِ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ
الْحَنَفِيَّةُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى
وَإِسَاءَةِ الْأَدَبِ قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ
الْعَزِيزِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَتَنْزِيهِهِ وَصِيَانَتِهِ وَأَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّ مَنْ جَحَدَ حَرْفًا لَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ وَهُوَ
عَالِمٌ بِذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ .
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ :
اعْلَمْ أَنَّ مَنْ اسْتَخَفَّ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْمُصْحَفِ أَوْ
بِشَيْءٍ مِنْهُ أَوْ جَحَدَ حَرْفًا مِنْهُ أَوْ كَذَّبَ بِشَيْءٍ مِمَّا
صُرِّحَ بِهِ فِيهِ مِنْ حُكْمٍ أَوْ خَبَرٍ أَوْ أَثْبَتَ مَا نَفَاهُ
أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ
مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَذَلِكَ إنْ
جَحَدَ التَّوْرَاةَ أَوْ الْإِنْجِيلَ أَوْ كُتُبَ اللَّهِ
الْمُنَزَّلَةَ أَوْ كَفَرَ بِهَا أَوْ سَبَّهَا أَوْ اسْتَخَفَّ بِهَا
فَهُوَ كَافِرٌ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ
الْمَتْلُوَّ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ الْمَكْتُوبَ فِي الْمُصْحَفِ
الَّذِي بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مَا جَمَعَتْهُ الدَّفَّتَانِ مِنْ
أَوَّلِ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } إلَى آخِرِ { قُلْ
أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } كَلَامُ اللَّهِ وَحْيُهُ الْمُنَزَّلُ عَلَى
نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ جَمِيعَ
مَا فِيهِ حَقٌّ وَأَنَّ مَنْ نَقَصَ مِنْهُ حَرْفًا قَاصِدًا لِذَلِكَ
أَوْ بَدَّلَهُ بِحَرْفٍ آخَرَ مَكَانَهُ أَوْ زَادَ فِيهِ حَرْفًا لَمْ
يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ
وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ عَامِدًا بِكُلِّ هَذَا
فَهُوَ كَافِرٌ .
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ بْنُ الْحَذَّاءِ جَمِيعُ مَنْ
يَنْتَحِلُ التَّوْحِيدَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْجَحْدَ بِحَرْفٍ
مِنْ الْقُرْآنِ كُفْرٌ وَقَدْ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ عَلَى
اسْتِتَابَةِ ابْنِ شَنَبُوذٍ الْمُقْرِي أَحَدِ أَئِمَّةِ الْمُقْرِئِينَ
الْمُتَصَدِّرِينَ بِهَا مَعَ ابْنِ مُجَاهِدٍ لِقِرَاءَتِهِ
وَإِقْرَائِهِ بِشَوَاذٍّ مِنْ الْحُرُوفِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ
وَعَقَدُوا عَلَيْهِ لِلرُّجُوعِ عَنْهُ وَالتَّوْبَةِ سِجِلًّا أُشْهِدَ
فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَجْلِسِ الْوَزِيرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ
سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ .
وَأَفْتَى مُحَمَّدُ
بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ لَعَنَ اللَّهُ مُعَلِّمَك
وَمَا عَلَّمَك وَقَالَ أَرَدْت سُوءَ الْأَدَبِ وَلَمْ أُرِدْ الْقُرْآنَ
قَالَ يُؤَدَّبُ الْقَائِلُ قَالَ : وَأَمَّا مَنْ
لَعَنَ
الْمُصْحَفَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَكَذَا مُحَمَّدُ
بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مِقْسَمٍ أَبُو بَكْرٍ الْمُقْرِئُ النَّحْوِيُّ
أَحَدُ الْأَئِمَّةِ اُسْتُتِيبَ مِنْ قِرَاءَتِهِ بِمَا لَا يَصِحُّ
نَقْلُهُ فَكَانَ يَقْرَأُ بِذَلِكَ فِي الْمِحْرَابِ وَيَعْتَمِدُ عَلَى
مَا يَسُوغُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَارِئٌ .
تُوُفِّيَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَثَلَاثِ مِائَةٍ .
وَيَحْرُمُ السَّفَرُ بِهِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ
إنْ كَثُرَ الْعَسْكَرُ وَأُمِنَ اسْتِيلَاءُ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ فَلَا ،
لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ " مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ " .
وَقَالَ
فِي الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ
الْعَدُوِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَسْكَرُ كَثِيرًا فَيَكُونَ الْغَالِبُ
فِيهِ السَّلَامَةُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ
وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ .
وَلِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ أَنْ
يَكْتُبَا فِي كُتُبِهِمَا إلَى الْكُفَّارِ آيَتَيْنِ أَوْ أَقَلَّ
كَالتَّسْمِيَةِ فِي الرِّسَالَةِ .
وَهَلْ لِلذِّمِّيِّ نَسْخُهُ
بَيْنَ يَدَيْهِ بِدُونِ حَمْلِهِ وَلَمْسِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ
وَيُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَتِهِ نُصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ لَا يُمْنَعُ
مِنْهَا بَلْ يُمْنَعُ مِنْ لَمْسِهِ وَتَمَلُّكِهِ .
وَيُمْنَعُ الْمُسْلِمُ مِنْ تَمْلِيكِهِ لَهُ فَإِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ .
وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى نَسْخِ الْمُصْحَفِ نُصَّ عَلَيْهِ .
فَصْلٌ
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْقُرْآنُ
بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ
لَهُ أَشْبَهَ اسْتِعْمَالَ الْمُصْحَفِ فِي التَّوَسُّدِ وَنَحْوِهِ
ذَكَرَهُ فِي الِاعْتِكَافِ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي قَالَ ابْنُ
عَقِيلٍ : ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَلَمْ يَزِدْهُ ،
وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ
وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ .
فَصْلٌ ( فِي
الِاقْتِبَاسِ بِتَضْمِينِ بَعْضٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي النَّظْمِ
وَالنَّثْرِ ) سُئِلَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ وَضْعِ كَلِمَاتٍ وَآيَاتٍ مِنْ
الْقُرْآنِ فِي آخِرِ فُصُولِ خُطْبَةٍ وَعْظِيَّةٍ ؟ فَقَالَ تَضْمِينُ
الْقُرْآنِ لِمَقَاصِدَ تُضَاهِي مَقْصُودَ الْقُرْآنِ لَا بَأْسَ بِهِ
تَحْسِينًا لِلْكَلَامِ ، كَمَا يُضَمَّنُ فِي الرَّسَائِلِ إلَى
الْمُشْرِكِينَ آيَاتٌ تَقْتَضِي الدِّعَايَةَ إلَى الْإِسْلَامِ ،
فَأَمَّا تَضْمِينُ كَلَامٍ فَاسِدٍ فَلَا يَجُوزُ كَكُتُبِ
الْمُبْتَدِعَةِ وَقَدْ أَنْشَدُوا فِي الشِّعْرِ : وَيُخْزِهِمْ
وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَا وَلَمْ
يُنْكَرْ عَلَى الشَّاعِرِ ذَلِكَ لِمَا قَصَدَ مَدْحَ الشَّرْعِ
وَتَعْظِيمَ شَأْنِ أَهْلِهِ وَكَانَ تَضْمِينُ الْقُرْآنِ فِي الشَّعْرِ
سَائِغًا لِصِحَّةِ الْقَصْدِ وَسَلَامَةِ الْوَضْعِ .
فَصْلٌ ( فِي
تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ وَحُكْمِ تَفْسِيرِ
الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ لَهُ وَفِي جَوَازِ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ
بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ ) رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ وَيَلْزَمُ قَبُولُهُ إنْ قُلْنَا
حُجَّةٌ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ يُرْجَعُ إلَى تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ
لِلْقُرْآنِ قَالَ وَقَالَ الْقَاضِي تَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ كَقَوْلِهِ
: فَإِنْ قُلْنَا هُوَ حُجَّةٌ لَزِمَ الْمَصِيرُ إلَى تَفْسِيرِهِ ،
وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَنَقْلُ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ
صِيرَ إلَيْهِ ، وَإِنْ فَسَّرَهُ اجْتِهَادًا أَوْ قِيَاسًا عَلَى
كَلَامِ الْعَرَبِ لَمْ يَلْزَمْ ، وَلَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَى
تَفْسِيرِ التَّابِعِيِّ إلَّا أَنْ يُنْقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ
وَعَنْهُ هُوَ كَالصَّحَابِيِّ فِي الْمَصِيرِ إلَى تَفْسِيرِهِ وَقَالَ
أَبُو الْحُسَيْنِ إذَا لَمْ نَقُلْ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ فَفِي
تَفْسِيرِهِ وَتَفْسِيرِ التَّابِعِيِّ رِوَايَتَانِ : اللُّزُومُ
وَعَدَمُهُ .
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا لِمَنْ
ثَبَتَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ) تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ لِمَاشٍ وَرَاكِبٍ
وَمُضْطَجِعٍ وَمُحْدِثٍ حَدَثًا أَصْغَرَ وَنَجِسِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ ،
وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ
سُئِلَ عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ فَاسْتَوَى جَالِسًا وَقَالَ
أَكْرَهُ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَّكِئٌ ، فَكَلَامُ اللَّهِ أَوْلَى وَيُحْتَمَلُ
أَنْ يُمْنَعَ مِنْهَا نَجِسُ الْفَمِ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : لَا
تَمْنَعُ نَجَاسَةُ الْفَمِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ
الْقُرْآنِ فِي الطَّرِيقِ .
وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ مَعَ حَمْلِ
الْجِنَازَةِ جَهْرًا وَحَالَ خُرُوجِ الرِّيحِ لَا حَالَ لَمْسِ
الذَّكَرِ وَالزَّوْجَةِ ، زَادَ الْقَاضِي وَأَكْلِهِ لِلَحْمِ
الْجَزُورِ وَغُسْلِهِ لِلْمَيِّتِ عَلَى احْتِمَالٍ فِيهِ لِأَنَّ تِلْكَ
الْحَالَ غَيْرُ مُسْتَقْذَرَةٍ فِي الْعَادَةِ ، ؛ وَلِأَنَّهُ فِي
هَذِهِ الْحَالِ يَبْعُدُ مِنْهُ الْمَلَكُ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ
يَعْقُوبَ فِي الرَّجُلِ يَقْرَأُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الرِّيحُ يُمْسِكُ
عَنْ الْقِرَاءَةِ .
وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْحَمَّامِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَابْنُ تَمِيمٍ عَلَى الْأَصَحِّ صِيَانَةً لِلْقُرْآنِ .
وَرَوَاهُ
سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ
عُمَرَ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَلَمْ يَكْرَهْهُ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ ؛
لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ حُجَّةً عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ غَيْرَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ
مَجْدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ وَبِهِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَإِسْحَاقُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ
عَلِيٍّ .
فَصْلٌ ( فِي الْقُرَّاءِ فِي السُّوقِ وَاخْتِلَافِ حَالِ الْقَارِئِ وَالسَّامِعِينَ فِيهِ ) .
قَالَ
ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ قَالَ حَنْبَلِيٌّ : كَمْ مِنْ أَقْوَالٍ
وَأَفْعَالٍ تَخْرُجُ مَخْرَجَ الطَّاعَاتِ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهِيَ
مَأْثَمٌ وَبُعْدٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مِثْلُ
الْقِرَاءَةِ فِي أَسْوَاقٍ يَصِيحُ فِيهَا أَهْلُ الْمَعَاشِ
بِالنِّدَاءِ وَالْبَيْعِ وَلَا أَهْلُ السُّوقِ يُمْكِنُهُمْ السَّمَاعُ
، ذَلِكَ امْتِهَانٌ .
قَالَ حَنْبَلِيٌّ : أَعْرِفُ هُوَ وَلَعَلَّ
أَهْلَ السُّوقِ يَسْمَعُونَ النَّهْيَ عَنْ مُرَاءَاتٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ
فَيَتْرُكُونَهَا انْتَهَى كَلَامُهُ .
فَصْلٌ ( فِي التِّلَاوَةِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ لِتَسْكِينِهَا ) .
مِنْ
الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُشْرَعُ فِي أَوْقَاتِ الشَّدَائِدِ وَالْمَصَائِبِ
قِرَاءَةُ شَيْءٍ يُسْكِنُهَا بِذِكْرِ مَا جَرَى عَلَى الْأَئِمَّةِ .
لِيَتَأَسَّى بِهِمْ صَاحِبُ الْمُصِيبَةِ وَمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ مِنْ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ .
فَأَمَّا قِرَاءَةُ شَيْءٍ يُهَيِّجُ الْحُزْنَ وَيَحْمِلُ عَلَى الْجَزَعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ .
وَفِي
كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ
لَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ عَقِيلٌ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِمِائَةٍ
وَعُمْرُهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَكَانَ تَفَقَّهَ وَنَاظَرَ فِي
الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَظَهَرَ مِنْهُ أَشْيَاءُ تَدُلُّ عَلَى دِينِهِ
وَخَيْرِهِ حَزِنَ عَلَيْهِ وَصَبَرَ صَبْرًا جَمِيلًا فَلَمَّا دُفِنَ
جَعَلَ يَتَشَكَّرُ لِلنَّاسِ فَقَرَأَ قَارِئٌ { يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ
إنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إنَّا
نَرَاك مِنْ الْمُحْسِنِينَ } فَبَكَى ابْنُ عَقِيلٍ وَبَكَى النَّاسُ
وَضَجَّ الْمَوْضِعُ بِالْبُكَاءِ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ لِلْقَارِئِ يَا
هَذَا : إنْ كَانَ يُهَيِّجُ الْحُزْنَ فَهُوَ نِيَاحَةٌ ، وَالْقُرْآنُ
لَمْ يَنْزِلْ لِلنَّوْحِ بَلْ لِتَسْكِينِ الْأَحْزَانِ .
فَصْلٌ (
فِي تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ وَتَقْسِيمِ خَتْمِهِ عَلَى الْأَيَّامِ )
وَيُسْتَحَبُّ الْقُرْآنُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي
كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً وَلَا تَزِيدَنَّ عَلَى ذَلِكَ } وَقَالَ أَوْسُ
بْنُ حُذَيْفَةَ سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ ؟ قَالُوا : ثَلَاثٌ
وَخَمْسٌ وَسَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثُ عَشْرَةَ
وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَرَوَى الثَّانِيَ أَحْمَدُ وَفِيهِ حِزْبُ الْمُفَصَّلِ مِنْ قَافْ حَتَّى تَخْتِمَ .
وَرَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَزِّبُ الْقُرْآنَ ؟ قَالُوا كَانَ يُحَزِّبُهُ
ثَلَاثًا وَخَمْسًا } وَذَكَرَهُ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ .
وَإِنْ قَرَأَهُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ فَحَسَنٌ لَمْ يُذْكَرْ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو { قُلْت لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ بِي قُوَّةً قَالَ : اقْرَأْهُ فِي ثَلَاثٍ }
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
أَبِيهِ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الرَّجُلِ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ
مِنْ سَبْعٍ : مَا يُعْجِبنِي وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ رُخْصَةً ثُمَّ ذَكَرَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ نَظَرَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو { لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ
} فَهَذِهِ رُخْصَةٌ قَالَ الْقَاضِي وَظَاهِرُ هَذَا الرُّجُوعُ يَعْنِي
عَنْ رِوَايَةِ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَعَنْهُ تُكْرَهُ
قِرَاءَتُهُ دُونَ السَّبْعِ قَالَ الْقَاضِي نُصَّ عَلَيْهِ فِي
رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي
كُلِّ لَيْلَةٍ ؟ فَقَالَ لَهُ اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ
مَرَّةً قُلْت إنِّي أُطِيقُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فِي كُلِّ عِشْرِينَ قُلْت
: إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ : فِي
كُلِّ عَشْرٍ
قُلْت إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَلَا
تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ } وَفِي لَفْظٍ { اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ
شَهْرٍ قُلْت : إنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ : فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً
قُلْت : إنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ : فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى
ذَلِكَ .
وَفِي لَفْظٍ اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ قُلْت :
أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَرَدَّدَهُ فِي الصَّوْمِ إلَى صَوْمِ
دَاوُد وَقَالَ وَاقْرَأْهُ فِي سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً } مُتَّفَقٌ عَلَى
ذَلِكَ .
وَتُكْرَهُ قِرَاءَتُهُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ قَالَ فِي
رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَكْرَهُ لَهُ دُونَ ثَلَاثٍ وَهُوَ مَعْنَى
مَا نَقَلَ حَرْبٌ وَيَعْقُوبُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ
ثَلَاثٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ لِمَا
رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي
كُلِّ شَهْرٍ قَالَ أُطِيقُ أَكْثَرَ فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ فِي
ثَلَاثٍ } .
وَالْمُرَادُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا لَمْ
يُكْرَهْ أَنَّ الْفِعْلَ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مَطْلُوبَةٌ
وَلَا كَرَاهَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ
أَحْيَانًا وَكَرِهَ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ
تَمِيمٍ وَهُوَ أَصَحُّ وَتَجُوزُ قِرَاءَتُهُ كُلُّهُ فِي لَيْلَةٍ
وَاحِدَةٍ ، وَعَنْهُ تُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ .
وَعَنْهُ
أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بَلْ هُوَ عَلَى حَسْبِ حَالِهِ مِنْ
النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ
يَخْتِمُهُ فِي لَيْلَةٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ .
وَيُكْرَهُ
تَأْخِيرُ خَتْمِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ نُصَّ
عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ { عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو سَأَلَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَمْ يُخْتَمُ الْقُرْآنُ قَالَ :
فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا } الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَإِنْ خَافَ
نِسْيَانَهُ
أَوْ زَادَ عَلَيْهَا كَنَسْيِهِ بِلَا عُذْرٍ حَرُمَ وَفِيهِ وَجْهٌ
يُكْرَهُ ، وَيُسَنُّ خَتْمُهُ فِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَفِي
الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَذَكَرَهُ
أَبُو دَاوُد لِأَحْمَدَ فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ وَيَجْمَعُ أَهْلَهُ
وَوَلَدَهُ وَغَيْرَهُمْ عِنْد خَتْمِهِ وَيَدْعُو نُصَّ عَلَيْهِ ،
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا خِلَافُهُ فَرَوَى الْمَرُّوذِيُّ قَالَ :
كُنْت مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ نَحْوًا عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
بِالْعَسْكَرِ وَلَا يَدَعُ قِيَامَ اللَّيْلِ وَقِرَاءَةَ النَّهَارِ
فَمَا عَلِمْت بِخَتْمَةٍ خَتَمَهَا وَكَانَ يُسِرُّ ذَلِكَ .
وَقَدْ
رَوَى طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ قَالَ : أَدْرَكْت أَهْلَ الْخَيْرِ مِنْ
صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَسْتَحِبُّونَ الْخَتْمَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ
وَأَوَّلِ النَّهَارِ وَيَقُولُونَ : إذَا خَتَمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ
صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُمْسِي ، وَإِذَا خَتَمَ أَوَّلَ
اللَّيْلِ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ وَرَوَاهُ
ابْن أَبِي دَاوُد وَنَصَّ عَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ
حَبِيبٍ وَكَانَ أَنَسٌ إذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ
وَوَلَدَهُ .
قَالَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ وَغَيْرِهِ .
وَرُوِيَ
ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ ، وَرَوَاهُ ابْنُ شَاهِينَ
مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ : وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا
الْمَعْنَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا .
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي
الْمُفَصَّلِ أَقْوَالٌ : ( أَحَدُهَا ) أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ ( ق )
صَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ فِي مَطْلَعِهِ وَغَيْرُهُ قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ حَكَاهُ عِيسَى بْنُ عُمَرَ عَنْ كَثِيرٍ
مِنْ الصَّحَابَةِ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ
وَالثَّانِي مِنْ الْحُجُرَاتِ وَالثَّالِثُ مِنْ أَوَّلِ الْفَتْحِ
وَالرَّابِعُ مِنْ أَوَّلِ الْقِتَالِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ
قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَالْخَامِسُ مِنْ : { هَلْ أَتَى عَلَى
الْإِنْسَانِ } .
وَالسَّادِسُ مِنْ سُورَةِ الضُّحَى قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ سَيْفُ الدِّينِ
ابْنُ الشَّيْخِ فَخْرِ الدِّينِ الْحَنْبَلِيِّ الْحَرَّانِيُّ فِي
خُطْبَةٍ لَهُ : وَفِي الْمُفَصَّلِ خِلَافٌ مُفَصَّلٌ غَيْرُ مُجْمَلٍ ،
فَقِيلَ هُوَ مِنْ سُورَةِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ النَّبِيُّ الْمُرْسَلُ
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْفَتْح وَهُوَ قَوْلٌ مُهْمَلٌ وَقَوْلُ قَوْمٍ
مِنْ ( ق ) وَهَذَا الْقَوْلُ أَجْزَلُ وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الضُّحَى ،
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ هَلْ أَتَى عَلَى
الْإِنْسَانِ وَمَا عَلَيْهِ مُعَوَّلٌ .
وَفِي تَسْمِيَتِهِ بِالْمُفَصَّلِ لِلْعُلَمَاءِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : ( أَحَدُهَا ) لِفَصْلِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ .
( وَالثَّانِي ) لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ بَيْنَهَا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
( وَالثَّالِثُ ) لِإِحْكَامِهِ .
( وَالرَّابِعُ ) لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ .
فَصْلٌ
( فِي فَضْلِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ ) وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي
الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ
دُحَيْمٍ الدِّمَشْقِيُّ ثنا أَبِي وَحَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ حَمْدَانَ
ثنا دُحَيْمٌ الدِّمَشْقِيُّ ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَبُو
سَعِيدِ بْنِ عَوْنٍ الْمَكِّيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قِرَاءَةُ الرَّجُلِ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِ
الْمُصْحَفِ أَلْفُ دَرَجَةٍ وَقِرَاءَتُهُ فِي الْمُصْحَفِ تُضَاعَفُ
عَلَى ذَلِكَ إلَى أَلْفَيْ دَرَجَةٍ } كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ
الْحَافِظِ ضِيَاءِ الدِّينِ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو سَعِيدِ بْنِ عَوْدٍ
رَوَى ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ
وَرَوَى غَيْرُهُ عَنْهُ : ضَعِيفٌ .
وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ خَبَرَهُ
هَذَا وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي مَتْنِهِ وَقَالَ : مِقْدَارُ مَا
يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْآمِدِيُّ مِنْ
أَصْحَابِنَا ، وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى فِي ( الْوَظَائِفِ )
فِي ذَلِكَ آثَارًا .
وَفِي الْحَدِيثِ { النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ
عِبَادَةٌ } قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : كَانَ أَبِي يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ
سَبْعًا لَا يَكَادُ يَتْرُكُهُ نَظَرًا قَالَ الْقَاضِي : وَإِنَّمَا
اخْتَارَ أَحْمَدُ الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ لِأَخْبَارٍ فَرَوَى
ابْنُ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا { مَنْ
قَرَأَ مِائَتَيْ آيَةٍ كُلَّ يَوْمٍ نَظَرًا شُفِّعَ فِي سَبْعَةِ
قُبُورٍ حَوْلَ قَبْرِهِ وَخُفِّفَ الْعَذَابُ عَنْ وَالِدَيْهِ وَإِنْ
كَانَا مُشْرِكَيْنِ } وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ
بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
فَضْلُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ نَظَرًا عَلَى مَنْ يَقْرَؤُهُ ظَاهِرًا
كَفَضْلِ الْفَرِيضَةِ عَلَى النَّافِلَةِ } وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا
دَخَلَ الْبَيْتَ نَشَرَ الْمُصْحَفَ فَقَرَأَ فِيهِ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ مَعْنَى ذَلِكَ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ الْحَثُّ عَلَى ذَلِكَ
رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ ، قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رُوِيَ فِي فَضْلِ النَّظَرِ
إلَى الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ أَخْبَارٌ فَرَوَى ابْنُ أَبِي
دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَالنَّظَرُ إلَى الْكَعْبَةِ
عِبَادَةٌ ، وَالنَّظَرُ فِي وَجْهِ الْوَالِدَيْنِ عِبَادَةٌ ،
وَالنَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ عِبَادَةٌ } وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ
الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ كَانَ يُعْجِبُهُمْ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ
بَعْدَ الْقِرَاءَةِ هَيْبَةً قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَيَنْبَغِي
لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مُصْحَفٌ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ آيَاتٍ
يَسِيرَةً لِئَلَّا يَكُونَ مَهْجُورًا .
فَصْلٌ فِي الْعَمَلِ
بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَرِوَايَتِهِ وَالتَّسَاهُلِ فِي أَحَادِيثِ
الْفَضَائِلِ دُونَ مَا تَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ وَالْحَلَالِ
وَالْحَرَامِ وَالْحَاجَةِ إلَى السُّنَّةِ وَكَوْنِهَا ) وَلِأَجْلِ
الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَ هَذَا يَنْبَغِي
الْإِشَارَةُ إلَى ذِكْرِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ ، وَاَلَّذِي
قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ
حِكَايَةً عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ
فِيمَا لَيْسَ فِيهِ تَحْلِيلٌ وَلَا تَحْرِيمٌ كَالْفَضَائِلِ ، وَعَنْ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا يُوَافِقُ هَذَا .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسِ بْنِ
مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ : سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَهُوَ شَابٌّ
عَلَى بَابِ أَبِي النَّضْرِ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ،
مَا تَقُولُ فِي مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ؟
قَالَ : أَمَّا مُحَمَّدٌ فَهُوَ رَجُلٌ نَسْمَعُ مِنْهُ وَنَكْتُبُ
عَنْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ يَعْنِي الْمَغَازِيَ وَنَحْوَهَا ، وَأَمَّا
مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ فَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ وَلَكِنَّهُ رَوَى عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ ،
فَأَمَّا إذَا جَاءَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ أَرَدْنَا أَقْوَامًا ،
هَكَذَا قَالَ الْعَبَّاسُ ، وَأَرَانَا بِيَدِهِ ، قَالَ الْخَلَّالُ :
وَأَرَانَا الْعَبَّاسُ فِعْلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَبَضَ كَفَّيْهِ
جَمِيعًا وَأَقَامَ إبْهَامَيْهِ .
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْقَطَّانُ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ سَمِعْت أَبَا زَكَرِيَّا
الْعَنْبَرِيَّ سَمِعْت أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ
السِّجْزِيَّ يَقُولُ : سَمِعْت النَّوْفَلِيَّ يَعْنِي أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ يَقُولُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ
يَقُولُ : إذَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْحَلَالُ وَالْحَرَامِ شَدَّدْنَا فِي الْأَسَانِيدِ ،
وَإِذَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَمَا لَا يَضَعُ حُكْمًا وَلَا
يَرْفَعُهُ تَسَاهَلْنَا فِي الْأَسَانِيدِ .
وَذَكَرَ هَذَا النَّصَّ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي طَبَقَاتِ أَصْحَابِنَا فِي تَرْجَمَةِ النَّوْفَلِيِّ .
وَذَكَرَ
الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ ضَعَّفَ
الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا : { أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ ،
وَآخِرُ الْوَقْتِ عَفْوُ اللَّهِ } .
قَالَ : وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ
الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى الْمَاءِ ، ثُمَّ قَالَهُ
الْقَاضِي مُجِيبًا لِمَنْ قَالَ : إنَّ الْعَفْوَ يَكُونُ مَعَ
الْإِسَاءَةِ ؛ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُسِيئًا بِتَأْخِيرِهَا
وَيَشْهَدُ لِهَذَا أَحَادِيثُ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي
الْمُسْنَدِ : ثنا شُرَيْحٌ ثنا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { : مَا جَاءَكُمْ عَنِّي مِنْ خَيْرٍ قُلْته أَوْ لَمْ
أَقُلْهُ فَأَنَا أَقُولُهُ ، وَمَا أَتَاكُمْ مِنْ شَرٍّ فَإِنِّي لَا
أَقُولُ الشَّرَّ } .
أَبُو مَعْشَرٍ اسْمُهُ نَجِيحٌ لَيِّنٌ مَعَ أَنَّهُ صَدُوقٌ حَافِظٌ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِهِ .
وَرَوَى
الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ ثنا ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { : إذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تُنْكِرُونَهُ وَلَا
تَعْرِفُونَهُ فَلَا تُصَدِّقُوا ؛ فَإِنِّي لَا أَقُولُ مَا يُنْكَرُ
وَلَا يُعْرَفُ } .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ
يَحْيَى بْنِ آدَمَ فَقَالَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَعَلَّ أَحْمَدَ رَوَاهُ هَكَذَا وَسَقَطَ مِنْ
النُّسْخَةِ ، وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ .
وَسَيَأْتِي فِي
كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ فِي آخِرِ الْفَصْلِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا :
ثنا أَبُو عَامِرٍ ثنا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ
بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي أَسِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا سَمِعْتُمْ الْحَدِيثَ
عَنِّي
تَعْرِفُهُ قُلُوبُكُمْ ، وَتَلِينُ لَهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ ،
وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَرِيبٌ فَأَنَا أَوْلَاكُمْ بِهِ .
وَإِذَا
سَمِعْتُمْ الْحَدِيثَ عَنِّي تُنْكِرُهُ قُلُوبُكُمْ ، وَتَنْفِرُ مِنْهُ
أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ ، وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ بَعِيدٌ
فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ } .
إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ أَبُو
بَكْرٍ الْخَلَّالُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الثَّانِيَ
مِنْ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَمِنْ حَدِيثِ
الدَّرَاوَرْدِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ رَبِيعَةَ بِهِ قَالَ ، وَتَابَعَهُ
عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
سُوَيْدٍ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ
أَوْ أَبِي أَسِيدٍ بِالشَّكِّ قَالَ : وَهَذَا أَمْثَلُ إسْنَادٍ رُوِيَ
فِي هَذَا الْبَابِ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ : قَالَ
لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ثنا بَكْرٌ هُوَ ابْنُ مُضَرَ عَنْ
عَمْرٍو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ حَدِيثُهُ عَنْ
عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { : إذَا
بَلَغَكُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
يُعْرَفُ وَيُلِينُ الْجِلْدَ ، فَقَدْ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْخَيْرَ ، وَلَا يَقُولُ إلَّا الْخَيْرَ .
}
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةٍ عَنْهُ عَنْ أَبِي
حُمَيْدٍ أَوْ أَبِي أَسِيدٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : فَصَارَ الْحَدِيثُ
الْمُسْنَدُ مَعْلُولًا .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ فِي
جُزْئِهِ ثنا أَبُو يَزِيدَ خَالِدُ بْنُ حِبَّانَ الرَّقِّيُّ عَنْ
فُرَاتِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَعِيسَى بْنِ كَثِيرٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي
رَجَاءٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { :
مَنْ بَلَغَهُ عَنْ اللَّهِ شَيْءٌ لَهُ فِيهِ فَضِيلَةٌ فَأَخَذَ بِهِ
إيمَانًا
وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ } .
خَالِدٌ قَوَّاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ وَضَعَّفَهُ الْفَلَّاسُ .
وَأَمَّا أَبُو رَجَاءٍ فَهُوَ مُحْرِزُ الْجَزَرِيُّ فِيمَا أَظُنُّ .
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ : لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ إذَا انْفَرَدَ وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الثِّقَاتِ .
وَقَالَ : يُدَلِّسُ .
وَقَالَ : أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ شَيْخٌ ثِقَةٌ .
وَقَالَ
أَبُو دَاوُد : لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَلَعَلَّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ،
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا رَجَاءٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَرَّرٍ
بِرَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ بِالِاتِّفَاقِ ، لَكِنْ
لَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَ لَهُ كُنْيَةً ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ
مَجْهُولٌ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ .
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَوْضُوعَاتِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ
طَرِيقٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ .
وَعَنْ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِالْحَدِيثِ
الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ وَالْمُسْتَحَبَّات ؛ وَلِهَذَا لَمْ
يَسْتَحِبَّ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ لِضَعْفِ خَبَرِهَا عِنْدَهُ مَعَ
أَنَّهُ خَبَرٌ مَشْهُورٌ عَمِلَ بِهِ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
الْأَئِمَّةِ وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَيْضًا التَّيَمُّمَ بِضَرْبَتَيْنِ
عَلَى الصَّحِيحِ عَنْهُ مَعَ أَنَّ فِيهِ أَخْبَارًا وَآثَارًا ،
وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ ، فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ
عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الثَّانِي ؛
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُشَدِّدْ فِي الرِّوَايَةِ فِي الْفَضَائِلِ لَا
يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا وَاهِيًا ، وَلَا أَنْ يُعْمَلَ بِهِ
بِانْفِرَادِهِ ، بَلْ يَرْوِيهِ لِيَعْرِفَ وَيُبَيِّنَ أَمْرَهُ
لِلنَّاسِ أَوْ يُعْتَبَرَ بِهِ وَيُعْتَضَدَ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ ،
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى عَدَمِ الشِّعَارِ
وَإِنَّمَا تَرْكُ الْعَمَلِ بِالثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ الشِّعَارِ ،
هُوَ مَعْنًى مُنَاسِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ قَوْلِ أَحْمَدَ وَعَنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فَضَائِلِ
الْأَعْمَالِ قَالَ : الْعَمَلُ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو
ذَلِكَ الثَّوَابَ أَوْ تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ ، وَمِثَالُ ذَلِكَ
التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ بِالْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَالْمَنَامَاتِ
وَكَلِمَاتِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ وَوَقَائِعِ الْعَالِمِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهِ لَا
اسْتِحْبَابٌ وَلَا غَيْرُهُ ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ فِي
التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ
بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ ، وَسَوَاءٌ
كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا إلَى أَنْ قَالَ :
فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُرْوَى وَيُعْمَلُ بِهِ فِي
التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَا فِي الِاسْتِحْبَابِ ، ثُمَّ اعْتِقَادُ
مُوجِبِهِ وَهُوَ مَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى
الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي
التَّيَمُّمِ بِضَرْبَتَيْنِ : وَالْعَمَلُ بِالضِّعَافِ إنَّمَا يُشْرَعُ
فِي عَمَلٍ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ ، فَإِذَا
رَغِبَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ عُمِلَ بِهِ ، أَمَّا
إثْبَاتُ سُنَّةٍ فَلَا ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَأَمَّا الْعَمَلُ
بِالضَّعِيفِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ قَدْ كَانَ حَسَنًا فَإِنَّهُ
يُحْتَجُّ بِهِ ، وَقَدْ يُطْلِقُ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ حَدِيثٌ
ضَعِيفٌ وَلَمْ يَكُنْ حَسَنًا لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقَدْ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا : { النَّاسُ أَكْفَاءٌ
إلَّا حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ أَوْ كَسَّاحٌ } هُوَ ضَعِيفٌ وَالْعَمَلُ
عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْخَطَّابِ : مَعْنَى قَوْلِهِ :
ضَعِيفٌ عَلَى طَرِيقَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُضَعِّفُونَ
بِالْإِرْسَالِ وَالتَّدْلِيسِ وَالْعَنْعَنَةِ ، وَقَوْلُهُ :
وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا
يُضَعِّفُونَ بِذَلِكَ .
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ فِي
التَّيَمُّمِ مِنْ جَامِعِهِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ عَنْ
أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا { : الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ }
إنَّ أَحْمَدَ
لَمْ يَمِلْ إلَيْهِ قَالَ : لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ
عَمْرَو بْنَ بُجْدَانَ ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ هُوَ حَدِيثٌ
تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ صَحِيحًا لَقَالَ بِهِ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مَذْهَبُهُ إذَا
ضَعُفَ إسْنَادُ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَالَ إلَى قَوْلِ أَصْحَابِهِ ، وَإِذَا ضَعُفَ إسْنَادُ
الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُعَارِضٌ قَالَ بِهِ فَهَذَا كَانَ مَذْهَبُهُ .
وَقَالَ
الْخَلَّالُ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
كَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ قَالَ كَأَنَّهُ يَعْنِي الْإِمَامَ
أَحْمَدَ : أَحَبَّ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ
مُضْطَرِبًا ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِي الْأَحَادِيثِ إذَا كَانَتْ
مُضْطَرِبَةً ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُخَالِفٌ قَالَ بِهَا .
وَقَالَ
الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي التَّعْلِيقِ فِي حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ
أَسْلَمَ : فِي أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ قُرْءَانِ ، مُجَرَّدُ طَعْنِ
أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَا يُقْبَلُ حَتَّى يُبَيِّنُوا جِهَتَهُ مَعَ
أَنَّ أَحْمَدَ يَقْبَلُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَالْمَشْهُورُ
عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
فِي الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ بِتَجَرُّدِهِ ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ
فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حَسَنًا فَإِنَّهُ
يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا سَبَقَ قَالَ تَعَالَى { وَمَا أَتَاكُمْ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } .
قَالَ
الْمُفَسِّرُونَ : وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَازِلًا فِي أَمْوَالِ الْفَيْءِ
فَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَى عَنْهُ ، وَالْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى
مَشْهُورَةٌ صَحِيحَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَخَبَرِ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِي كَرِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَلَا إنِّي أُوتِيت الْكِتَابَ
وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ
فَيَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِهَذَا
الْقُرْآنِ .
فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ } .
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ .
وَرَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا
مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ثنا الْحَسَنُ بْنُ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ
الْمِقْدَامَ فَذَكَرَهُ مَرْفُوعًا ، وَلَفْظُهُ { : يُوشِكُ أَنْ
يَقْعُدَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِي
فَيَقُولُ : بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ
حَلَالًا اسْتَحْلَلْنَاهُ ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ
.
إنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ .
} وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ : إسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَرَوَى
أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَالنُّفَيْلِيِّ عَنْ
سُفْيَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ
الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ
فَيَقُولُ : لَا نَدْرِي ، مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ
اتَّبَعْنَاهُ } .
حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَرَوَى الْخَطِيبُ فِي كِفَايَةِ
الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ مَكْحُولِ أَنَّهُ قَالَ :
الْقُرْآنُ أَحْوَجُ إلَى السُّنَّةِ مِنْ السُّنَّةِ إلَى الْقُرْآنِ .
وَقَالَ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرِ : السُّنَّةُ قَاضِيَةٌ عَلَى الْكِتَابِ وَلَيْسَ الْكِتَابُ قَاضِيًا عَلَى السُّنَّةِ .
وَقَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ كَانَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالسُّنَّةُ
تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ .
وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ إذَا
حُدِّثَ الرَّجُلُ بِالسُّنَّةِ فَقَالَ : دَعْنَا مِنْ هَذَا حَدِّثْنَا
مِنْ الْقُرْآنِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ ضَالٌّ مُضِلٌّ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ
أَطَاعَ اللَّهَ } .
وَقَالَ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } .
وَقَالَ
مَالِكُ : مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا
قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَهُ
قَبْلَهُ مُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إذَا صَحَّ
الْحَدِيثُ فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي هَذَا الْحَائِطَ .
وَقَالَ
الْأَوْزَاعِيُّ : قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ : مَا تُوُفِّيَ
عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَرَامٌ
فَهُوَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَا تُوُفِّيَ عَنْهُ وَهُوَ
حَلَالٌ فَهُوَ حَلَالٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَخَطَبَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
وَقَدْ
رَوَى أَبُو دَاوُد { : أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ
الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ مَا طَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَفْتَى
بِأَنَّهَا لَا تَرْحَلُ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ ،
فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ : إنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهَا ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُ
بِالدُّرَّةِ .
وَيَقُولُ لَهُ : وَيْلُكَ تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ سَأَلْتَ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَقَدْ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ : قَالَ الشَّافِعِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ بَعْضُ مَنْ رَدَّ الْأَخْبَارَ : فَهَلْ
تَجِدُ حَدِيثًا فِيهِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : مَا جَاءَكُمْ عَنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ
اللَّهِ ، فَمَا وَافَقَهُ فَأَنَا قُلْتُهُ ، وَمَا خَالَفَهُ فَلَمْ
أَقُلْهُ } فَقُلْتُ لَهُ : مَا رَوَى هَذَا أَحَدٌ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ
فِي صَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعَةٍ
عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ ، وَنَحْنُ لَا نَقْبَلُ مِثْلَ هَذِهِ
الرِّوَايَةِ فِي شَيْءٍ ، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ أَبُو
يُوسُفَ : حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ {
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ دَعَا
الْيَهُودَ فَسَأَلَهُمْ فَحَدَّثُوهُ حَتَّى كَذَبُوا عَلَى عِيسَى
فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ
فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : إنَّ الْحَدِيثَ سَيَفْشُو عَنِّي ، فَمَا
أَتَاكُمْ عَنِّي فَوَافَقَ الْقُرْآنَ فَهُوَ عَنِّي ، وَمَا أَتَاكُمْ
عَنِّي فَخَالَفَ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ عَنِّي } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ
: وَلَيْسَ يُخَالِفُ الْحَدِيثُ الْقُرْآنَ وَلَكِنَّهُ يُبَيِّنُ
مَعْنَى مَا أَرَادَ : خَاصًّا وَعَامًّا ، وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا ،
ثُمَّ يُلْزِمُ النَّاسَ مَا سُنَّ بِفَرْضِ اللَّهِ ، فَمَنْ قَبِلَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَنْ اللَّهِ قَبِلَ
، وَاحْتَجَّ بِالْآيَاتِ الْوَارِدَاتِ فِي ذَلِكَ .
قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ : وَكَأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ بِالْمَجْهُولِ خَالِدَ
بْنَ أَبِي كَرِيمَةَ فَلَمْ يُعْرَفْ مِنْ حَالِهِ مَا يَثْبُتُ بِهِ
خَبَرُهُ ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ،
ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ كَمَا قَالَ
، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَنْبَلِ بْن إِسْحَاقَ ثنا
جُبَارَةُ بْنُ الْمُفْلِسِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ
بْن أَبِي النَّجُودِ عَنْ زَرٍّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { :
إنَّهَا تَكُونُ بَعْدِي رُوَاةٌ يَرْوُونَ عَنِّي الْحَدِيثَ فَاعْرِضُوا
حَدِيثَهُمْ عَلَى الْقُرْآنِ ، فَمَا وَافَقَ الْقُرْآنَ فَحَدِّثُوا
بِهِ ، وَمَا لَمْ يُوَافِقْ الْقُرْآنَ فَلَا تَأْخُذُوا } .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : وَالصَّوَابُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زَيْدِ بْن عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ : أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ
أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْعَدْلُ حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادَةَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ
سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : إذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تَعْرِفُونَهُ وَلَا تُنْكِرُوا
، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ فَصَدِّقُوا بِهِ ، فَإِنِّي أَقُولُ مَا
يُعْرَفُ وَلَا يُنْكَرُ ، وَإِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا
تُنْكِرُونَهُ وَلَا تَعْرِفُونَهُ فَلَا تُصَدِّقُوا بِهِ فَإِنِّي لَا أَقُولُ مَا يُنْكَرُ وَلَا يُعْرَفُ .
ثُمَّ
رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي
صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ مَقَالٌ لَمْ نَرَ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَلَا
غَرْبِهَا أَحَدًا يَعْرِفُ خَبَرَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مِنْ غَيْرِ
رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَلَا رَأَيْتَ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ
الْحَدِيثِ يُثْبِتُ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَقَالَ عَبَّاسُ
الدُّورِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ كَانَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ
يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ
يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مُرْسَلًا .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
: قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلًا قَالَ الْبُخَارِيُّ
: وَهُوَ وَهْمٌ لَيْسَ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَسَبَقَ بِنَحْوِ
ثَلَاثَةِ كَرَارِيسَ فِي مَعْرِفَةِ عِلَلِ الْحَدِيثِ .
وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ عَنْ الْأَصَمِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ
الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا بَلَغَكُمْ عَنِّي
مِنْ حَدِيثٍ حَسَنٍ لَمْ أَقُلْهُ فَأَنَا قُلْتُهُ } .
قَالَ
الْحَاكِمُ : هَذَا بَاطِلٌ وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلٌ فَاحِشٌ ، ثُمَّ ذَكَرَ
الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي أَسِيدٍ السَّابِقَ .
وَيَجِبُ
أَنْ يُحْمَلَ مَا صَحَّ مِنْ الْأَخْبَارِ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ
وَأَوْلَاهُمَا وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي مَكَان آخَرَ قَوْلَ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : لَا تَظُنَّ كَلِمَةً خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ شَرًّا
وَأَنْتَ تَجِدَ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا .
وَقَالَ عَلِيٌّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا حَدَّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ
عَدْلٌ
وَاَلَّذِي هُوَ أَهْنَأُ وَاَلَّذِي هُوَ أَنْقَى ، وَسَبَقَ مَا
يَتَعَلَّقُ بِعِلَلِ الْحَدِيثِ بِنَحْوِ كُرَّاسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ .
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى