صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
المجلس الثاني في يوم عاشوراء
في الصحيحين [ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن يوم عاشوراء فقال :
ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صام يوما يتحرى فضله على الأيام
إلا هذا اليوم ـ يعني يوم عاشوراء ـ و هذا الشهر ـ ـ يعني رمضان ] يوم
عاشوراء له فضيلة عظيمة و حرمة قديمة و صومه لفضله كان معروفا بين
الأنبياء عليهم السلام و قد صامه نوح و موسى عليهما السلام كما سنذكره إن
شاء الله تعالى و روي [ عن إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يوم عاشوراء كانت تصومه
الأنبياء فصوموه أنتم ] خرجه بقي بن مخلد في مسنده و قد كان أهل الكتاب
يصومونه و كذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه قال دلهم بن صالح : قلت
لعكرمة : عاشوراء ما أمره ؟ قال : أذنبت قريش في الجاهلية ذنبا فتعاظم في
صدورهم فسألوا ما توبتهم ؟ قيل : صوم عاشوراء يوم العاشر من المحرم
و كان للنبي صلى الله عليه و سلم في صيامه أربع حالات :
الحالة الأولى : أنه كان يصومه بمكة و لا يأمر الناس بالصوم ففي الصحيحين
[ عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يصومه فلما قدم المدينة صامه و أمر
بصيامه فلما نزلت فريضة شهر رمضان كان رمضان هو الذي يصومه فترك يوم
عاشوراء فمن شاء صامه و من شاء أفطره ] و في رواية للبخاري [ و قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : من شاء فليصمه و من شاء أفطر ]
الحالة
الثانية : أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قدم المدينة و رأى صيام أهل
الكتاب له و تعظيمهم له و كان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به صامه و أمر
الناس بصيامه و أكد الأمر بصيامه و الحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم
ففي الصحيحين [ عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم
المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه
و سلم : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ قالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه
موسى و قومه و أغرق فرعون و قومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : فنحن أحق و أولى بموسى منكم فصامه رسول الله
صلى الله عليه و سلم و أمر بصيامه ] و في مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : مر النبي صلى الله عليه و سلم بأناس من اليهود قد
صاموا عاشوراء فقال : ما هذا من الصوم ؟ ! قالوا : هذا اليوم الذي نجى
الله عز و جل موسى عليه السلام و بني إسرائيل من الغرق و غرق فيه فرعون و
هذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصام نوح و موسى عليهما السلام شكرا
لله عز و جل فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أنا أحق بموسى و أحق بصوم
هذا اليوم فأمر أصحابه بالصوم [ و في الصحيحين ] عن سلمة بن الأكوع رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر رجلا من أسلم : أن أذن في
الناس : من أكل فليصم بقية يومه و من لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم
عاشوراء [ و فيهما أيضا ] عن الربيع بنت معوذ قالت : أرسل رسول الله صلى
الله عليه و سلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان
أصبح صائما فليتم صومه و من كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه [ فكنا بعد
ذلك نصومه و نصوم صبياننا الصغار منهم و نذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة
من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إياها حتى يكون عند الإفطار و
في رواية فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة نلهيهم حتى يتموا صومهم و في
الباب أحاديث كثيرة جدا و خرج الطبراني ] بإسناد فيه جهالة أن النبي صلى
الله عليه و سلم كان يدعو يوم عاشوراء برضعائه و رضعاء ابنته فاطمة فيتفل
في أفواههم و يقول لأمهاتهم : لا ترضعوهم إلى الليل و كان ريقه صلى الله
عليه و سلم يجزئهم [
و قد اختلف العلماء رضي الله عنهم هل كان صوم
يوم عاشوراء قبل فرض شهر رمضان واجبا أم كان سنة متأكدة ؟ على قولين
مشهورين و مذهب أبي حنيفة أنه كان واجبا حينئذ و هو ظاهر كلام الإمام أحمد
و أبي بكر الأثرم و قال الشافعي رحمه الله بل كان متأكد الاستحباب فقط و
هو قول كثير من أصحابنا و غيرهم
الحالة الثالثة : أنه لما فرض صيام
شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه و سلم أمر الصحابة بصيام عاشوراء و
تأكيده فيه و قد سبق حديث عائشة في ذلك و في الصحيحين ] عن ابن عمر رضي
الله عنهما قال : صام النبي صلى الله عليه و سلم عاشوراء و أمر بصيامه
فلما فرض رمضان ترك ذلك و كان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه و في
رواية لمسلم : إن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء و أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم صامه و المسلمون قبل أن يفرض رمضان فلما فرض رمضان
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن
شاء صامه و من شاء تركه ] و في رواية له أيضا : [ فمن أحب منكم أن يومه
فليصمه و من كره فليدعه ] و في الصحيحين أيضا [ عن معاوية قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه و سلم يقول : هذا يوم عاشوراء و لم يكتب الله عليكم
صيامه و أنا صائم فمن شاء فليصم و من شاء فليفطر ] و في رواية لمسلم
التصريح برفع آخره و في رواية للنسائي أن آخره مدرج من قول معاوية و ليس
بمرفوع و في صحيح مسلم عن ابن مسعود أنه قال في يوم عاشوراء : هو يوم كان
رسول الله صلى الله عليه و سلم يصومه قبل أن ينزل رمضان فلما نزل شهر
رمضان ترك و في رواية أنه تركه و فيه أيضا عن جابر بن سمرة قال : كان رسول
الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء و يحثنا عليه و
يتعاهدنا عنده فلما فرض رمضان لم يأمرنا و لم ينهنا عنه و لم يتعاهدنا
عنده و خرج الإمام أحمد و النسائي و ابن ماجه [ من حديث قيس بن سعد قال :
أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بصيام عاشوراء قبل أن ينزل رمضان
فلما نزل رمضان لم يأمرنا و لم ينهنا ] و في رواية : و نحن نفعله فهذه
الأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجدد أمر الناس
بصيامه بعد فرض صيام شهر رمضان بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن
صيامه فإن كان أمره صلى الله عليه و سلم بصيامه قبل فرض صيام شهر رمضان
للوجوب فإنه ينبني على أن الوجوب إذا نسخ فهل يبقى الإستحباب أم لا ؟ و
فيه اختلاف مشهور بين العلماء رضي الله عنهم و إن كان أمره للاستحباب
المؤكد فقد قيل : إنه زال التوكيد و بقي أصل الإستحباب و لهذا قال قيس بن
سعد : و نحن نفعله و قد روي عن ابن مسعود و ابن عمر رضي الله عنهما ما يدل
على أن أصل استحباب صيامه زال و قال سعيد بن المسيب : لم يصم رسول الله
صلى الله عليه و سلم عاشوراء و روي عنه عن سعد بن أبي وقاص و المرسل أصح
قال الدارقطني
و أكثر العلماء على استحباب صيامه من غير تأكيد و ممن
روي عنه صيامه من الصحابة عمر و علي و عبد الرحمن بن عوف و أبو موسى و قيس
بن سعد و ابن عباس و غيرهم و يدل على بقاء استحبابه قول ابن عباس رضي الله
عنهما : لم أر رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم يوما يتحرى فضله على
الأيام إلا يوم عاشوراء و شهر رمضان و ابن عباس إنما صحب النبي صلى الله
عليه و سلم بآخرة و إنما عقل منه صلى الله عليه و سلم من آخر أمره و في
صحيح مسلم [ عن أبي قتادة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن صيام
عاشوراء ؟ فقال : أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ] و إنما سأله
عن التطوع بصيامه فإنه سأله أيضا عن صيام يوم عرفة و صيام الدهر و صيام
يوم و فطر يوم و صيام يوم و فطر يومين فعلم أنه إنما سأله عن صيام التطوع
و خرج الإمام أحمد و النسائي [ من حديث حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله
عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يدع صيام يوم عاشوراء و العشر
و ثلاثة أيام من كل شهر ] و خرجه أبو داود إلا أن عنده عن بعض أزواج النبي
صلى الله عليه و سلم غير مسماة
الحالة الرابعة : أن النبي صلى الله
عليه و سلم عزم في آخر عمره على أن لا يصومه مفردا بل يضم إليه يوما آخر
مخالفة لأهل الكتاب في صيامه ففي صحيح مسلم [ عن ابن عباس رضي الله عنهما
أنه قال حين صام رسول الله صلى الله عليه و سلم عاشوراء و أمر بصيامه
قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود و النصارى فقال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ]
قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و في
رواية له أيضا [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر ] يعني عاشوراء و
خرجه الطبراني و لفظه إن عشت إلى قابل صمت التاسع مخافة أن يفوتني عاشوراء
و في مسند الإمام أحمد [ عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال : صوموا يوم عاشوراء و خالفوا اليهود صوموا قبله يوما و
بعده يوما ] و جاء في رواية : [ أو بعده ] فإما أن تكون [ أو ] للتخير أو
يكون شكا من الراوي : هل قال قبله أو بعده و روي هذا الحديث بلفظ آخر و هو
: [ لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله و يوم بعده ] يعني عاشوراء و في رواية
أخرى : [ لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع و لآمرن بصيام يوم قبله و يوم
بعده ] يعني عاشوراء أخرجهما الحافظ أبو موسى المديني
و قد صح هذا
عن ابن عباس من قوله من رواية ابن جريج قال : أخبرنا عطاء أنه سمع ابن
عباس يقول في يوم عاشوراء : خالفوا اليهود صوموا التاسع و العاشر قال
الإمام أحمد أنا أذهب إليه و روي عن ابن عباس : أنه صام التاسع و العاشر و
علل بخشية فوات عاشوراء و روى ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن
عباس : أنه كان يصوم عاشوراء في السفر و يوالي بين اليومين خشية فواته و
كذلك روي عن ابن اسحاق أنه صام يوم عاشوراء و يوما قبله و يوما بعده و قال
: إنما فعلت ذلك خشية أن يفوتني و روي عن ابن سيرين أنه كان يصوم ثلاثة
أيام عند الإختلاف في هلال الشهر احتياطا و روي عن ابن عباس و الضحاك أن
يوم عاشوراء هو تاسع المحرم قال ابن سيرين : كانوا لا يختلفون أنه اليوم
العاشر إلا ابن عباس فإنه قال : إنه التاسع و قال الإمام أحمد في رواية
الميموني : لا أدري هو التاسع أو العاشر و لكن نصومهما فإن اختلف في
الهلال صام ثلاثة أيام احتياطا و ابن سيرين يقول ذلك و ممن رأى صيام
التاسع و العاشر : الشافعي رضي الله عنه و أحمد و اسحاق و كره أبو حنيفة
إفراد العاشر بالصوم
و روى الطبراني من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه
عن خارجة بن زيد عن أبيه قال : ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقول الناس :
إنما كان يوم تستر فيه الكعبة و تقاس فيه الحبشة عند النبي صلى الله عليه
و سلم و كان يدور في السنة فكان الناس يأتون فلانا اليهودي يسألونه فلما
مات اليهودي أتوا زيد بن ثابت فسألوه و هذا فيه إشارة إلى أن عاشوراء ليس
هو في المحرم بل يحسب بحساب السنة الشمسية كحساب أهل الكتاب و هذا خلاف ما
عليه عمل المسلمين قديما و حديثا و في صحيح مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى
الله عليه و سلم كان يعد من هلال المحرم ثم يصبح يوم التاسع صائما و ابن
أبي الزناد لا يعتمد على ما ينفرد به و قد جعل الحديث كله عن زيد بن ثابت
و آخره لا يصلح أن يكون من قول زيد فلعله من قول من دونه و الله أعلم و
كان طائفة من السلف يصومون عاشوراء في السفر منهم ابن عباس و أبو اسحاق و
الزهري و قال : رمضان له عدة من أيام أخر و عاشوراء يفوت و نص أحمد على أن
يصام عاشوراء في السفر و روى عبد الرزاق في كتابه عن إسرائيل [ عن سماك بن
حرب عن معبد القرشي قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم بقديد فأتاه رجل
فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : أطعمت اليوم شيئا ليوم عاشوراء ؟ قال
لا إلا أني شربت ماء قال : فلا تطعم شيئا حتى تغرب الشمس و أمر من وراءك
أن يصوموا هذا اليوم ] و لعل المأمور كان من أهل قديد و روى بإسناده عن
طاوس أنه كان يصوم عاشوراء في الحضر و لا يصومه في السفر
المجلس الثاني في يوم عاشوراء
في الصحيحين [ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن يوم عاشوراء فقال :
ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صام يوما يتحرى فضله على الأيام
إلا هذا اليوم ـ يعني يوم عاشوراء ـ و هذا الشهر ـ ـ يعني رمضان ] يوم
عاشوراء له فضيلة عظيمة و حرمة قديمة و صومه لفضله كان معروفا بين
الأنبياء عليهم السلام و قد صامه نوح و موسى عليهما السلام كما سنذكره إن
شاء الله تعالى و روي [ عن إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يوم عاشوراء كانت تصومه
الأنبياء فصوموه أنتم ] خرجه بقي بن مخلد في مسنده و قد كان أهل الكتاب
يصومونه و كذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه قال دلهم بن صالح : قلت
لعكرمة : عاشوراء ما أمره ؟ قال : أذنبت قريش في الجاهلية ذنبا فتعاظم في
صدورهم فسألوا ما توبتهم ؟ قيل : صوم عاشوراء يوم العاشر من المحرم
و كان للنبي صلى الله عليه و سلم في صيامه أربع حالات :
الحالة الأولى : أنه كان يصومه بمكة و لا يأمر الناس بالصوم ففي الصحيحين
[ عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يصومه فلما قدم المدينة صامه و أمر
بصيامه فلما نزلت فريضة شهر رمضان كان رمضان هو الذي يصومه فترك يوم
عاشوراء فمن شاء صامه و من شاء أفطره ] و في رواية للبخاري [ و قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : من شاء فليصمه و من شاء أفطر ]
الحالة
الثانية : أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قدم المدينة و رأى صيام أهل
الكتاب له و تعظيمهم له و كان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به صامه و أمر
الناس بصيامه و أكد الأمر بصيامه و الحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم
ففي الصحيحين [ عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم
المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه
و سلم : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ قالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه
موسى و قومه و أغرق فرعون و قومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : فنحن أحق و أولى بموسى منكم فصامه رسول الله
صلى الله عليه و سلم و أمر بصيامه ] و في مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : مر النبي صلى الله عليه و سلم بأناس من اليهود قد
صاموا عاشوراء فقال : ما هذا من الصوم ؟ ! قالوا : هذا اليوم الذي نجى
الله عز و جل موسى عليه السلام و بني إسرائيل من الغرق و غرق فيه فرعون و
هذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصام نوح و موسى عليهما السلام شكرا
لله عز و جل فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أنا أحق بموسى و أحق بصوم
هذا اليوم فأمر أصحابه بالصوم [ و في الصحيحين ] عن سلمة بن الأكوع رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر رجلا من أسلم : أن أذن في
الناس : من أكل فليصم بقية يومه و من لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم
عاشوراء [ و فيهما أيضا ] عن الربيع بنت معوذ قالت : أرسل رسول الله صلى
الله عليه و سلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان
أصبح صائما فليتم صومه و من كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه [ فكنا بعد
ذلك نصومه و نصوم صبياننا الصغار منهم و نذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة
من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إياها حتى يكون عند الإفطار و
في رواية فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة نلهيهم حتى يتموا صومهم و في
الباب أحاديث كثيرة جدا و خرج الطبراني ] بإسناد فيه جهالة أن النبي صلى
الله عليه و سلم كان يدعو يوم عاشوراء برضعائه و رضعاء ابنته فاطمة فيتفل
في أفواههم و يقول لأمهاتهم : لا ترضعوهم إلى الليل و كان ريقه صلى الله
عليه و سلم يجزئهم [
و قد اختلف العلماء رضي الله عنهم هل كان صوم
يوم عاشوراء قبل فرض شهر رمضان واجبا أم كان سنة متأكدة ؟ على قولين
مشهورين و مذهب أبي حنيفة أنه كان واجبا حينئذ و هو ظاهر كلام الإمام أحمد
و أبي بكر الأثرم و قال الشافعي رحمه الله بل كان متأكد الاستحباب فقط و
هو قول كثير من أصحابنا و غيرهم
الحالة الثالثة : أنه لما فرض صيام
شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه و سلم أمر الصحابة بصيام عاشوراء و
تأكيده فيه و قد سبق حديث عائشة في ذلك و في الصحيحين ] عن ابن عمر رضي
الله عنهما قال : صام النبي صلى الله عليه و سلم عاشوراء و أمر بصيامه
فلما فرض رمضان ترك ذلك و كان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه و في
رواية لمسلم : إن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء و أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم صامه و المسلمون قبل أن يفرض رمضان فلما فرض رمضان
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن
شاء صامه و من شاء تركه ] و في رواية له أيضا : [ فمن أحب منكم أن يومه
فليصمه و من كره فليدعه ] و في الصحيحين أيضا [ عن معاوية قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه و سلم يقول : هذا يوم عاشوراء و لم يكتب الله عليكم
صيامه و أنا صائم فمن شاء فليصم و من شاء فليفطر ] و في رواية لمسلم
التصريح برفع آخره و في رواية للنسائي أن آخره مدرج من قول معاوية و ليس
بمرفوع و في صحيح مسلم عن ابن مسعود أنه قال في يوم عاشوراء : هو يوم كان
رسول الله صلى الله عليه و سلم يصومه قبل أن ينزل رمضان فلما نزل شهر
رمضان ترك و في رواية أنه تركه و فيه أيضا عن جابر بن سمرة قال : كان رسول
الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء و يحثنا عليه و
يتعاهدنا عنده فلما فرض رمضان لم يأمرنا و لم ينهنا عنه و لم يتعاهدنا
عنده و خرج الإمام أحمد و النسائي و ابن ماجه [ من حديث قيس بن سعد قال :
أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بصيام عاشوراء قبل أن ينزل رمضان
فلما نزل رمضان لم يأمرنا و لم ينهنا ] و في رواية : و نحن نفعله فهذه
الأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجدد أمر الناس
بصيامه بعد فرض صيام شهر رمضان بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن
صيامه فإن كان أمره صلى الله عليه و سلم بصيامه قبل فرض صيام شهر رمضان
للوجوب فإنه ينبني على أن الوجوب إذا نسخ فهل يبقى الإستحباب أم لا ؟ و
فيه اختلاف مشهور بين العلماء رضي الله عنهم و إن كان أمره للاستحباب
المؤكد فقد قيل : إنه زال التوكيد و بقي أصل الإستحباب و لهذا قال قيس بن
سعد : و نحن نفعله و قد روي عن ابن مسعود و ابن عمر رضي الله عنهما ما يدل
على أن أصل استحباب صيامه زال و قال سعيد بن المسيب : لم يصم رسول الله
صلى الله عليه و سلم عاشوراء و روي عنه عن سعد بن أبي وقاص و المرسل أصح
قال الدارقطني
و أكثر العلماء على استحباب صيامه من غير تأكيد و ممن
روي عنه صيامه من الصحابة عمر و علي و عبد الرحمن بن عوف و أبو موسى و قيس
بن سعد و ابن عباس و غيرهم و يدل على بقاء استحبابه قول ابن عباس رضي الله
عنهما : لم أر رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم يوما يتحرى فضله على
الأيام إلا يوم عاشوراء و شهر رمضان و ابن عباس إنما صحب النبي صلى الله
عليه و سلم بآخرة و إنما عقل منه صلى الله عليه و سلم من آخر أمره و في
صحيح مسلم [ عن أبي قتادة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن صيام
عاشوراء ؟ فقال : أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ] و إنما سأله
عن التطوع بصيامه فإنه سأله أيضا عن صيام يوم عرفة و صيام الدهر و صيام
يوم و فطر يوم و صيام يوم و فطر يومين فعلم أنه إنما سأله عن صيام التطوع
و خرج الإمام أحمد و النسائي [ من حديث حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله
عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يدع صيام يوم عاشوراء و العشر
و ثلاثة أيام من كل شهر ] و خرجه أبو داود إلا أن عنده عن بعض أزواج النبي
صلى الله عليه و سلم غير مسماة
الحالة الرابعة : أن النبي صلى الله
عليه و سلم عزم في آخر عمره على أن لا يصومه مفردا بل يضم إليه يوما آخر
مخالفة لأهل الكتاب في صيامه ففي صحيح مسلم [ عن ابن عباس رضي الله عنهما
أنه قال حين صام رسول الله صلى الله عليه و سلم عاشوراء و أمر بصيامه
قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود و النصارى فقال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ]
قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و في
رواية له أيضا [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر ] يعني عاشوراء و
خرجه الطبراني و لفظه إن عشت إلى قابل صمت التاسع مخافة أن يفوتني عاشوراء
و في مسند الإمام أحمد [ عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال : صوموا يوم عاشوراء و خالفوا اليهود صوموا قبله يوما و
بعده يوما ] و جاء في رواية : [ أو بعده ] فإما أن تكون [ أو ] للتخير أو
يكون شكا من الراوي : هل قال قبله أو بعده و روي هذا الحديث بلفظ آخر و هو
: [ لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله و يوم بعده ] يعني عاشوراء و في رواية
أخرى : [ لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع و لآمرن بصيام يوم قبله و يوم
بعده ] يعني عاشوراء أخرجهما الحافظ أبو موسى المديني
و قد صح هذا
عن ابن عباس من قوله من رواية ابن جريج قال : أخبرنا عطاء أنه سمع ابن
عباس يقول في يوم عاشوراء : خالفوا اليهود صوموا التاسع و العاشر قال
الإمام أحمد أنا أذهب إليه و روي عن ابن عباس : أنه صام التاسع و العاشر و
علل بخشية فوات عاشوراء و روى ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن
عباس : أنه كان يصوم عاشوراء في السفر و يوالي بين اليومين خشية فواته و
كذلك روي عن ابن اسحاق أنه صام يوم عاشوراء و يوما قبله و يوما بعده و قال
: إنما فعلت ذلك خشية أن يفوتني و روي عن ابن سيرين أنه كان يصوم ثلاثة
أيام عند الإختلاف في هلال الشهر احتياطا و روي عن ابن عباس و الضحاك أن
يوم عاشوراء هو تاسع المحرم قال ابن سيرين : كانوا لا يختلفون أنه اليوم
العاشر إلا ابن عباس فإنه قال : إنه التاسع و قال الإمام أحمد في رواية
الميموني : لا أدري هو التاسع أو العاشر و لكن نصومهما فإن اختلف في
الهلال صام ثلاثة أيام احتياطا و ابن سيرين يقول ذلك و ممن رأى صيام
التاسع و العاشر : الشافعي رضي الله عنه و أحمد و اسحاق و كره أبو حنيفة
إفراد العاشر بالصوم
و روى الطبراني من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه
عن خارجة بن زيد عن أبيه قال : ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقول الناس :
إنما كان يوم تستر فيه الكعبة و تقاس فيه الحبشة عند النبي صلى الله عليه
و سلم و كان يدور في السنة فكان الناس يأتون فلانا اليهودي يسألونه فلما
مات اليهودي أتوا زيد بن ثابت فسألوه و هذا فيه إشارة إلى أن عاشوراء ليس
هو في المحرم بل يحسب بحساب السنة الشمسية كحساب أهل الكتاب و هذا خلاف ما
عليه عمل المسلمين قديما و حديثا و في صحيح مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى
الله عليه و سلم كان يعد من هلال المحرم ثم يصبح يوم التاسع صائما و ابن
أبي الزناد لا يعتمد على ما ينفرد به و قد جعل الحديث كله عن زيد بن ثابت
و آخره لا يصلح أن يكون من قول زيد فلعله من قول من دونه و الله أعلم و
كان طائفة من السلف يصومون عاشوراء في السفر منهم ابن عباس و أبو اسحاق و
الزهري و قال : رمضان له عدة من أيام أخر و عاشوراء يفوت و نص أحمد على أن
يصام عاشوراء في السفر و روى عبد الرزاق في كتابه عن إسرائيل [ عن سماك بن
حرب عن معبد القرشي قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم بقديد فأتاه رجل
فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : أطعمت اليوم شيئا ليوم عاشوراء ؟ قال
لا إلا أني شربت ماء قال : فلا تطعم شيئا حتى تغرب الشمس و أمر من وراءك
أن يصوموا هذا اليوم ] و لعل المأمور كان من أهل قديد و روى بإسناده عن
طاوس أنه كان يصوم عاشوراء في الحضر و لا يصومه في السفر
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ذكر فضل هذه الأمة
إخواني من كان من هذه الأمة فهو من خير الأمم عند الله عز و جل قال تعالى
: { كنتم خير أمة أخرجت للناس } و قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أنتم
توفون سبعين أمة أنتم خيرها و أكرمها عل الله عز و جل لما كان هذا الرسول
النبي الأمي خير الخلق و أفضلهم كانت أمته خير أمة و أفضلها فما يحسن بمن
كان من خير الأمم و انتسب إلى متابعة خير الخلق و خصوصا من كان يسكن خير
منازل المسلمين في آخر الزمان إلا أن يكون متصفا بصفات الخير مجتنبا لصفات
الشر و قبيح به أن يرضى لنفسه أن يكون من شر الناس مع انتسابه إلى خير
الأمم و متابعة خير الرسل قال الله تعالى : { إن الذين آمنوا و عملوا
الصالحات أولئك هم خير البرية } فخير الناس من آمن و عمل صالحا و قال
تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و
تؤمنون بالله } ] و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ خير
الناس من فقه في دين الله و وصل رحمه و أمر بالمعروف و نهى عن المنكر ] و
في رواية : [ خير الناس أتقاهم للرب و أوصلهم للرحم و آمرهم بالمعروف و
أنهاهم عن المنكر ] و قال : [ الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في
الإسلام إذا فقهوا ] و قال : [ خير الناس من طال عمره و حسن عمله و شر
الناس من طال عمره و ساء عمله ] و قال : [ خيركم من يرجى خيره و يؤمن شره
و شركم من لا يرجى خيره و لا يؤمن شره ] و قال : [ ألا أخبركم بخياركم ؟
قالوا : بلى قال : الذين إذا رؤوا ذكر الله و قال : ألا أنبئكم بشراركم ؟
قالوا : بلى قال : المشاؤن بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء
العيب ] و قال : [ شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه ] و
قال : [ إن من شر الناس يوم القيامة منزلة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي
هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه ] و قال : [ إن من شر الناس عند الله منزلة من
يقرأ كتاب الله ثم لا يرعوي إلى ما فيه ] و قال : [ من شر الناس منزلة عند
الله يوم القيامة من أذهب آخرته بدنيا غيره ]
أعمال الأمة تعرض على
نبيها في البرزخ فليستح عبد أن يعرض على نبيه من عمله ما نهاه عنه لما وقف
صلى الله عليه و سلم عام حجة الوداع قال : [ إني فرطكم على الحوض و أني
مكاثر بكم الأمم فلا تسودوا وجهي ] يشير إلى أنه صلى الله عليه و سلم
يستحي من سيئات أمته إذا عرضت عليه و قال : [ ليؤخذن برجال من أمتي ذات
الشمال فأقول : يا رب أصحابي ! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول
: سحقا سحقا لمن بدل بعدي ]
خير هذه الأمة أولها قرنا كما قال النبي
صلى الله عليه و سلم : [ خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
] و قال : [ بعثت في خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كتبت من القرن الذي
كنت منه ]
كما قد جاء مدح أصحابه في كتابه تعالى : { محمد رسول الله
و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } و { لقد رضي الله عن المؤمنين
إذ يبايعونك تحت الشجرة } و خص الصديق من بينهم بالصحبة بقوله : { إذ يقول
لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } لما جلى الرسول صلى الله عليه و سلم عروس
الإسلام و أبرزها للبصائر من خدرها أخرج أبو بكر رضي الله عنه ماله كله
نثارا لهذا العروس فأخرج عمر النصف موافقة له فقام عثمان بوليمة العرس
فجهز جيش العسرة فعلم علي رضي الله عنه أن الدنيا ضرة هذه العروس و أنهما
لا يجتمعان فبت طلاقها ثلاثا
فالحمد لله الذي خصنا بهذه الرحمة و
أسبغ علينا هذه النعمة و أعطانا ببركة نبينا هذه الفضائل الجمة فقال لنا :
{ كنتم خير أمة أخرجت للناس } من أين في الأمم مثل أبي بكر الصديق أو عمر
الذي ما سلك طريقا إلا هرب الشيطان من ذلك الطريق أو عثمان الصابر على مر
الضيق أو عليا بحر العلم العميق أو حمزة و العباس أفيهم مثل طلحة و الزبير
القرنين أو مثل سعد و سعيد هيهات من أين أو مثل ابن عوف و أبي عبيدة و من
مثل الإثنين إن شبهتهم بهم فقد أبعدتم القياس من أين في زهاد الأمم مثل
أويس أو في عبادهم مثل عامر بن عبد قيس أو في خائفهم مثل عمر بن عبد
العزيز هيهات ليس ضوء الشمس كالمقايس أو في علمائهم مثل أبي حنيفة و مالك
و الشافعي السديد المالك كيف تمدحه و هو أجل من ذلك ما أحسن بنيانه و
الأساس أثم أعلى من الحسن البصري و أنبل أو ابن سيرين الذي بالورع تقبل أو
سفيان الثوري الذي بالخوف و العلم تسربل أو مثل أحمد الذي بذل نفسه لله و
سبل تالله ما في الأمم مثل ابن حنبل إرفع صوتك بهذا و لا بأس : { كنتم خير
أمة أخرجت للناس }
( لاح شيب الرأس مني فنصح ... بعد لهو وشباب و مرح )
( إخوتي توبوا إلى الله بنا ... قد لهونا و جهلنا ما صلح )
( نحن في دار نرى الموت بها ... لم يدع فيها لذي اللب فرح )
( يا بني آدم صونوا دينكم ... ينبغي للدين أن لا يطرح )
( و احمدوا الله الذي أكرمكم ... بنبي قام فيكم فنصح )
( بنبي فتح الله به ... كل خير نلتموه و منح )
( مرسل لو يوزن الناس به ... في التقى و البر خفوا و رجح )
( فرسول الله أولى بالعلى ... و رسول الله أولى بالمدح )
المجلس الثاني في ذكر المولد أيضا
خرج مسلم في صحيحه [ من حديث أبي قتادة الأنصاري أن النبي صلى الله عليه و
سلم سئل عن صيام يوم الإثنين فقال : ذاك يوم ولدت فيه و أنزلت علي فيه
النبوة ] أما ولادة النبي صلى الله عليه و سلم يوم الإثنين فكالمجمع عليه
بين العلماء و قد قاله ابن عباس و غيره و قد حكي عن بعضهم أنه ولد يوم
الجمعة و هو قول ساقط مردود و روي عن أبي جعفر الباقر : أنه توقف في ذلك و
قال : لا يعلم ذلك إلا الله و إنما قال هذا لأنه لم يبلغه في ذلك ما يعتمد
عليه فوقف تورعا و أما الجمهور فبلغهم في ذلك ما قالوا بحسبه : و قد روي
عن أبي جعفر أيضا موافقتهم و أن النبي صلى الله عليه و سلم ولد يوم
الإثنين موافقة لما قاله سائر العلماء و حديث أبي قتادة يدل على أنه صلى
الله عليه و سلم ولد نهارا في يوم الإثنين و قد روي : أنه ولد عند طلوع
الفجر منه و روى أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه و خرجه من طريقه أبو نعيم
في الدلائل بإسناد فيه ضعف عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كان بمر
الظهران راهب يدعى عيص من أهل الشام و كان يقول : يوشك أن يولد فيكم يا
أهل مكة مولود تدين له العرب و يملك العجم هذا زمانه فكان لا يولد بمكة
مولود إلا سأل عنه فلما كان صبيحة اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله
عليه و سلم خرج عبد الله بن عبد المطلب حتى أتى عيص فناداه فأشرف عليه
فقال له عيص : كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذي كنت أحدثكم عنه يوم
الإثنين و يبعث يوم الإثنين و يموت يوم الإثنين قال : إنه ولد لي مع الصبح
مولود قال : فما سميته ؟ قال : محمدا قال : و الله لقد كنت أشتهي أن يكون
هذا المولود فيكم أهل البيت لثلاث خصال بها نعرفه فقد أتى عليهن منها أنه
طلع نجمه البارحة و أنه ولد اليوم و أن اسمه محمد انطلق إليه فإنه الذي
كنت أحدثكم عنه
و قد روي ما يدل على إنه ولد ليلا و قد سبق في
المجلس الذي قبله من الآثار ما يستدل به لذلك و في صحيح الحاكم [ عن عائشة
قالت : كان بمكة يهودي يتجر فيها فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود
قالوا : لا نعلمه فقال : ولد الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة بين كتفيه
علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس فخرجوا باليهودي حتى أدخلوه على
أمه فقالوا : أخرجي إلينا ابنك فأخرجته و كشفوا عن ظهره فرأى تلك الشامة
فوقع اليهودي مغشيا عليه فلما أفاق قالوا : ويلك ما لك ؟ قال : ذهبت و
الله النبوة من بني إسرائيل ] و هذا الحديث يدل على أنه ولد بخاتم النبوة
بين كتفيه
و خاتم النبوة : من علامات نبوته التي كان يعرفه بها أهل
الكتاب و يسألون عنها و يطلبون الوقوف عليها و قد روي : أن هرقل بعث إلى
النبي بتبوك من ينظر له خاتم النبوة ثم يخبره عنه و قد روي [ من حديث أبي
ذر و عتبة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه و سلم : أن الملكين اللذين شقا
صدره و ملآه حكمة هما اللذان ختماه بخاتم النبوة ] و هذا يخالف حديث عائشة
هذا و قد روي أن هذا الخاتم رفع بعد موته من بين كتفيه و لكن إسناد هذا
الخبر ضعيف
و قد روي في صفة ولادته آيات تستغرب فمنها : روي [ عن
آمنة بنت وهب أنها قالت : وضعته فما وقع كما وقع الصبيان وقع واضعا يده
على الأرض رافعا رأسه إلى السماء ] و روي أيضا : [ أنه قبض من التراب بيده
لما وقع بالأرض ] فقال بعض القافة : إن صدق الفال ليغلبن أهل الأرض و روي
: [ أنه وضع تحت جفنة فانفلقت عنه و وجدوه ينظر إلى السماء ]
و
اختلفت الروايات هل ولد مختونا ؟ ! فروي : [ أنه ولد مختونا مسرورا ] يعني
مقطوع السرة حتى قال الحاكم : تواترت الروايات بذلك و روي أن جده ختنه و
توقف الإمام أحمد في ذلك قال المروذي : سئل أبو عبد الله هل ولد النبي صلى
الله عليه و سلم مختونا ؟ قال : الله أعلم ثم قال : لا أدري قال أبو بكر
عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا : قد روي : [ أنه صلى الله عليه و سلم ولد
مختونا مسرورا ] و لم يجترىء أبو عبد الله على تصحيح هذا الحديث
و
أما شهر ولادته فقد اختلف فيه : : فقيل : في شهر رمضان روي عن عبد الله بن
عمرو بإسناد لا يصح و قيل : في رجب و لا يصح و قيل : في ربيع الأول و هو
المشهور بين الناس حتى نقل ابن الجوزي و غيره عليه الإتفاق و لكنه قول
جمهور العلماء ثم اختلفوا في أي يوم كان من الشهر : فمنهم من قال : هو غير
معين و إنما ولد في يوم الإثنين من ربيع من غير تعين لعدد ذلك اليوم من
الشهر و الجمهور على أنه يوم معين منه ثم اختلفوا فقيل : لليلتين خلتا منه
و قيل : لثمان خلت منه و قيل : لعشر و قيل : لاثنتي عشرة و قيل : لسبع
عشرة و قيل : لثماني عشرة و قيل لثمان بقين منه و قيل : إن هذين القولين
غير صحيحين عمن حكيا عنه بالكلية و المشهور الذي عليه الجمهور : أنه ولد
يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول و هو قول ابن إسحاق و غيره
و أما
عام ولادته فالأكثرون على أنه عام الفيل و ممن قال ذلك : قيس بن مخرمة و
قبات بن أشيم و ابن عباس و روي عنه : أنه ولد يوم الفيل و قيل : إن هذه
الرواية وهم إنما الصحيح عنه أنه قال : عام الفيل و من العلماء من حكى
الإتفاق على ذلك و قال : كل قول يخالفه وهم و المشهور أنه صلى الله عليه و
سلم ولد بعد الفيل بخمسين يوما و قيل : بعده بخمس و خمسين يوما و قيل :
بشهر و قيل : بأربعين يوما و قد قيل : إنه ولد بعد الفيل بعشر سنين و قيل
: بثلاث و عشرين سنة و قيل : بأربعين سنة و قيل : قبل الفيل بخمس عشرة سنة
و هذه الأقوال وهم عند جمهور العلماء و منها لا يصح عمن حكي عنه قال
إبراهيم بن المنذر الحزامي : الذي لا يشك فيه أحد من علمائنا أنه صلى الله
عليه و سلم ولد عام الفيل و قال خليفة بن خياط : هذا هو المجمع عليه و
كانت قصة الفيل توطئة لنبوته و تقدمة لظهوره و بعثته و قد قص الله ذلك في
كتابه فقال : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في
تضليل * و أرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف
مأكول } فقوله : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } استفهام تقرير لمن
سمع هذا الخطاب و هذا يدل على اشتهار ذلك بينهم و معرفتهم به و أنه مما لا
يخفى علمه عن العرب خصوصا قريشا و أهل مكة و هذا أمر اشتهر بينهم و
تعارفوه و قالوا فيه الأشعار السائرة و قد قالت عائشة : رأيت قائد الفيل و
سائسه بمكة أعميين يستطعمان و في هذه القصة ما يدل على تعظيم مكة و
احترامها و احترام بيت الله الذي فيها ولادة النبي صلى الله عليه و سلم
عقب ذلك تدل على نبوته و رسالته فإنه صلى الله عليه و سلم بعث بتعظيم هذا
البيت و حجه و الصلاة إليه فكان هذا البلد هو موطنه و مولده فاضطره قومه
عند دعوتهم إلى الله تعالى إلى الخروج منه كرها بما نالوه به من الأذى ثم
إن الله تعالى ظفره بهم و أدخله عليهم قهرا فملك البلد عنوة و ملك رقاب
أهله ثم من عليهم و أطلقهم و عفا عنهم فكان في تسليط نبيه صلى الله عليه و
سلم على هذا البلد و تمليكه إياه و لأمته من بعده ما دل على صحة نبوته فإن
الله حبس عنه من يريد بالأذى و أهلكه ثم سلط عليه رسوله و أمته كما قال
صلى الله عليه و سلم : [ إن الله حبس عن مكة الفيل و سلط عليها رسوله و
المؤمنين ] فإن الرسول صلى الله عليه و سلم و أمته إنما كان قصدهم تعظيم
البيت و تكريمه و احترامه و لهذا أنكر النبي صلى الله عليه و سلم يوم
الفتح على من قال : اليوم تستحل الكعبة و قال : [ اليوم تعظم الكعبة ] و
قد كان أهل الجاهلية غيروا دين إبراهيم و إسماعيل بما ابتدعوه من الشرك و
تغيير بعض مناسك الحج فسلط الله رسوله و أمته على مكة فطهروها من ذلك كله
و ردوا الأمر إلى دين إبراهيم الحنيف و هو الذي دعا لهم مع ابنه إسماعيل
عند بناء البيت أن يبعث فيهم رسولا منهم عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم
الكتاب و الحكمة فبعث الله فيهم محمدا صلى الله عليه و سلم من ولد إسماعيل
بهذه الصفة فطهر البيت و ما حوله من الشرك و رد الأمر إلى دين إبراهيم
الحنيف و التوحيد الذي لأجله بني البيت كما قال الله تعالى : { و إذ بوأنا
لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا و طهر بيتي للطائفين و القائمين و
الركع السجود }
و أما تسليط القرامطة على البيت بعد ذلك فإنما كان
عقوبة بسبب ذنوب الناس و لم يصلوا إلى هدمه و نقضه و منع الناس عن حجه و
زيارته كما كان يفعل أصحاب الفيل لو قدروا على هدمه و صرف الناس عن حجه و
القرامطة أخذوا الحجر و الباب و قتلوا الحجاج و سلبوهم أموالهم و لم
يتمكنوا من منع الناس من حجة بالكلية و لا قدروا على هدمه بالكلية كما كان
أصحاب الفيل يقصدونه ثم أذلهم الله بعد ذلك و خذلهم و هتك أستارهم و كشف
أسرارهم و البيت المعظم باق على حاله من التعظيم و الزيارة و الحج و
الإعتمار و الصلاة إليه لم يبطل شيء من ذلك عنه بحمد الله و منه و غاية
أمرهم أنهم أخافوا حج العراق حتى انقطعوا بعض السنين ثم عادوا و لم يزل
الله يمتحن عباده المؤمنين بما يشاء من المحن و لكن دينه قائم محفوظ لا
يزال تقوم به أمة من أمة محمد صلى الله عليه و سلم لا يضرهم من خذلهم حتى
يأتي أمر الله و هم على ذلك كما قال تعالى : { يريدون أن يطفئوا نور الله
بأفواههم و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون * هو الذي أرسل
رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } و قد
أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن هذا البيت يحج و يعتمر بعد خروج يأجوج
و مأجوج و لا يزال كذلك حتى تخربه الحبشة و يلقون حجارته في البحر و ذلك
بعد أن يبعث الله ريحا طيبة تقبض أرواح المؤمنين كلهم فلا يبقى على الأرض
مؤمن و يسرى بالقرآن من الصدور و المصاحف فلا يبقى في الأرض قرآن و لا
إيمان و لا شيء من الخير فبعد ذلك تقوم الساعة و لا تقوم إلا على شرار
الناس
و قوله صلى الله عليه و سلم : [ و يوم أنزلت علي فيه النبوة ]
يعني أنه صلى الله عليه و سلم نبىء يوم الإثنين و في المسند عن ابن عباس
قال : ولد النبي صلى الله عليه و سلم يوم الإثنين و استنبىء يوم الإثنين و
خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الإثنين و دخل المدينة يوم الإثنين و
توفي يوم الإثنين و رفع الحجر الأسود يوم الإثنين و ذكر ابن إسحاق : أن
النبوة نزلت يوم الجمعة و حديث أبي قتادة يرد هذا و اختلفوا : في أي شهر
كان ابتداء النبوة ؟ فقيل : في رمضان و قيل : في رجب و لا يصح و قيل في
ربيع الأول و قيل : إنه نبىء يوم الإثنين لثمان من ربيع الأول
و أما
الإسراء فقيل كان في رجب و ضعفه غير واحد و قيل : كان في ربيع الأول و هو
قول إبراهيم الحربي و غيره و أما دخول المدينة و وفاته : فكانا في ربيع
الأول بغير خلاف مع اختلاف في تعيين ذلك اليوم من أيام الشهر و في قول
النبي صلى الله عليه و سلم لما سئل عن صيام يوم الإثنين ؟ : [ ذاك يوم
ولدت فيه و أنزلت علي فيه النبوة ] إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي
تتجدد فيها نعم الله على عباده فإن أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار
محمد صلى الله عليه و سلم لهم و بعثته و إرساله إليهم كما قال تعالى : {
لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } فإن النعمة على
الأمة : بإرساله أعظم من النعمة عليهم بإيجاد السماء و الأرض و الشمس و
القمر و الرياح و الليل و النهار و إنزال المطر و إخراج النبات و غير ذلك
فإن هذه النعم كلها قد عمت خلقا من بني آدم كفروا بالله و برسله و بلقائه
فبدلوا نعمة الله كفرا فأما النعمة بإرسال محمد صلى الله عليه و سلم فإن
بها تمت مصالح الدنيا و الآخرة و كمل بسببها دين الله الذي رضيه لعباده و
كان قبوله سبب سعادتهم في دنياهم و آخرتهم فصيام يوم تجددت فيه هذه النعم
من الله على عباده المؤمنين حسن جميل و هو من باب مقابلة النعم في أوقات
تجددها بالشكر و نظير هذا صيام يوم عاشوراء حيث أنجى الله فيه نوحا من
الغرق و نجى فيه موسى و قومه من فرعون و جنوده و أغرقهم في اليم فصامه نوح
و موسى شكرا لله فصامه رسول الله صلى الله عليه و سلم متابعة لأنبياء الله
و قال لليهود : [ نحن أحق بموسى منكم ] و صامه و أمر بصيامه
و قد
روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتحرى صيام يوم الإثنين و يوم
الخميس روي ذلك عنه [ من حديث عائشة و أبي هريرة و أسامة بن زيد و في حديث
أسامة : أنه سأله عن ذلك ؟ فقال : إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على رب
العالمين فأحب أن يعرض عملي و أنا صائم ] و [ في حديث أبي هريرة أنه سئل
عن ذلك ؟ فقال : إنه يغفر فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين يقول دعهما حتى
يصطلحا ] و في صحيح مسلم [ عن أبي هريرة مرفوعا : تفتح أبواب الجنة يوم
الإثنين و الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله إلا رجل كانت بينه و بين
أخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا ] و يروى [ من حديث أبي أمامة
مرفوعا : ترفع الأعمال يوم الإثنين و الخميس فيغفر للمستغفرين و يترك أهل
الحقد كما هو ] و في المسند [ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم
: أن أعمال بني آدم تعرض علي كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم ]
كان بعض التابعين يبكي إلى امرأته يوم الخميس و تبكي إليه و يقول : اليوم
تعرض أعمالنا على الله عز و جل يا من يبهرج بعلمه على من تبهرج و الناقد
بصير يا من يسوف بتطويل أمله إلى كم تسوف و العمر قصير
( صروف الحتف مترعة الكؤوس ... تدور على الرعايا و الرؤوس )
( فلا تتبع هواك فكل شخص ... يصير إلى بلى و إلى دروس )
( و خف من هول يوم قمطرير ... تخوف شره ضنك عبوس )
( فمالك غير تقوى الله زاد ... و فعلك حين تقبر من أنيس )
( فحسنه ليعرض مستقيما ... ففي الإثنين يعرض و الخميس )
إخواني من كان من هذه الأمة فهو من خير الأمم عند الله عز و جل قال تعالى
: { كنتم خير أمة أخرجت للناس } و قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أنتم
توفون سبعين أمة أنتم خيرها و أكرمها عل الله عز و جل لما كان هذا الرسول
النبي الأمي خير الخلق و أفضلهم كانت أمته خير أمة و أفضلها فما يحسن بمن
كان من خير الأمم و انتسب إلى متابعة خير الخلق و خصوصا من كان يسكن خير
منازل المسلمين في آخر الزمان إلا أن يكون متصفا بصفات الخير مجتنبا لصفات
الشر و قبيح به أن يرضى لنفسه أن يكون من شر الناس مع انتسابه إلى خير
الأمم و متابعة خير الرسل قال الله تعالى : { إن الذين آمنوا و عملوا
الصالحات أولئك هم خير البرية } فخير الناس من آمن و عمل صالحا و قال
تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و
تؤمنون بالله } ] و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ خير
الناس من فقه في دين الله و وصل رحمه و أمر بالمعروف و نهى عن المنكر ] و
في رواية : [ خير الناس أتقاهم للرب و أوصلهم للرحم و آمرهم بالمعروف و
أنهاهم عن المنكر ] و قال : [ الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في
الإسلام إذا فقهوا ] و قال : [ خير الناس من طال عمره و حسن عمله و شر
الناس من طال عمره و ساء عمله ] و قال : [ خيركم من يرجى خيره و يؤمن شره
و شركم من لا يرجى خيره و لا يؤمن شره ] و قال : [ ألا أخبركم بخياركم ؟
قالوا : بلى قال : الذين إذا رؤوا ذكر الله و قال : ألا أنبئكم بشراركم ؟
قالوا : بلى قال : المشاؤن بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء
العيب ] و قال : [ شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه ] و
قال : [ إن من شر الناس يوم القيامة منزلة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي
هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه ] و قال : [ إن من شر الناس عند الله منزلة من
يقرأ كتاب الله ثم لا يرعوي إلى ما فيه ] و قال : [ من شر الناس منزلة عند
الله يوم القيامة من أذهب آخرته بدنيا غيره ]
أعمال الأمة تعرض على
نبيها في البرزخ فليستح عبد أن يعرض على نبيه من عمله ما نهاه عنه لما وقف
صلى الله عليه و سلم عام حجة الوداع قال : [ إني فرطكم على الحوض و أني
مكاثر بكم الأمم فلا تسودوا وجهي ] يشير إلى أنه صلى الله عليه و سلم
يستحي من سيئات أمته إذا عرضت عليه و قال : [ ليؤخذن برجال من أمتي ذات
الشمال فأقول : يا رب أصحابي ! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول
: سحقا سحقا لمن بدل بعدي ]
خير هذه الأمة أولها قرنا كما قال النبي
صلى الله عليه و سلم : [ خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
] و قال : [ بعثت في خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كتبت من القرن الذي
كنت منه ]
كما قد جاء مدح أصحابه في كتابه تعالى : { محمد رسول الله
و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } و { لقد رضي الله عن المؤمنين
إذ يبايعونك تحت الشجرة } و خص الصديق من بينهم بالصحبة بقوله : { إذ يقول
لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } لما جلى الرسول صلى الله عليه و سلم عروس
الإسلام و أبرزها للبصائر من خدرها أخرج أبو بكر رضي الله عنه ماله كله
نثارا لهذا العروس فأخرج عمر النصف موافقة له فقام عثمان بوليمة العرس
فجهز جيش العسرة فعلم علي رضي الله عنه أن الدنيا ضرة هذه العروس و أنهما
لا يجتمعان فبت طلاقها ثلاثا
فالحمد لله الذي خصنا بهذه الرحمة و
أسبغ علينا هذه النعمة و أعطانا ببركة نبينا هذه الفضائل الجمة فقال لنا :
{ كنتم خير أمة أخرجت للناس } من أين في الأمم مثل أبي بكر الصديق أو عمر
الذي ما سلك طريقا إلا هرب الشيطان من ذلك الطريق أو عثمان الصابر على مر
الضيق أو عليا بحر العلم العميق أو حمزة و العباس أفيهم مثل طلحة و الزبير
القرنين أو مثل سعد و سعيد هيهات من أين أو مثل ابن عوف و أبي عبيدة و من
مثل الإثنين إن شبهتهم بهم فقد أبعدتم القياس من أين في زهاد الأمم مثل
أويس أو في عبادهم مثل عامر بن عبد قيس أو في خائفهم مثل عمر بن عبد
العزيز هيهات ليس ضوء الشمس كالمقايس أو في علمائهم مثل أبي حنيفة و مالك
و الشافعي السديد المالك كيف تمدحه و هو أجل من ذلك ما أحسن بنيانه و
الأساس أثم أعلى من الحسن البصري و أنبل أو ابن سيرين الذي بالورع تقبل أو
سفيان الثوري الذي بالخوف و العلم تسربل أو مثل أحمد الذي بذل نفسه لله و
سبل تالله ما في الأمم مثل ابن حنبل إرفع صوتك بهذا و لا بأس : { كنتم خير
أمة أخرجت للناس }
( لاح شيب الرأس مني فنصح ... بعد لهو وشباب و مرح )
( إخوتي توبوا إلى الله بنا ... قد لهونا و جهلنا ما صلح )
( نحن في دار نرى الموت بها ... لم يدع فيها لذي اللب فرح )
( يا بني آدم صونوا دينكم ... ينبغي للدين أن لا يطرح )
( و احمدوا الله الذي أكرمكم ... بنبي قام فيكم فنصح )
( بنبي فتح الله به ... كل خير نلتموه و منح )
( مرسل لو يوزن الناس به ... في التقى و البر خفوا و رجح )
( فرسول الله أولى بالعلى ... و رسول الله أولى بالمدح )
خرج مسلم في صحيحه [ من حديث أبي قتادة الأنصاري أن النبي صلى الله عليه و
سلم سئل عن صيام يوم الإثنين فقال : ذاك يوم ولدت فيه و أنزلت علي فيه
النبوة ] أما ولادة النبي صلى الله عليه و سلم يوم الإثنين فكالمجمع عليه
بين العلماء و قد قاله ابن عباس و غيره و قد حكي عن بعضهم أنه ولد يوم
الجمعة و هو قول ساقط مردود و روي عن أبي جعفر الباقر : أنه توقف في ذلك و
قال : لا يعلم ذلك إلا الله و إنما قال هذا لأنه لم يبلغه في ذلك ما يعتمد
عليه فوقف تورعا و أما الجمهور فبلغهم في ذلك ما قالوا بحسبه : و قد روي
عن أبي جعفر أيضا موافقتهم و أن النبي صلى الله عليه و سلم ولد يوم
الإثنين موافقة لما قاله سائر العلماء و حديث أبي قتادة يدل على أنه صلى
الله عليه و سلم ولد نهارا في يوم الإثنين و قد روي : أنه ولد عند طلوع
الفجر منه و روى أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه و خرجه من طريقه أبو نعيم
في الدلائل بإسناد فيه ضعف عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كان بمر
الظهران راهب يدعى عيص من أهل الشام و كان يقول : يوشك أن يولد فيكم يا
أهل مكة مولود تدين له العرب و يملك العجم هذا زمانه فكان لا يولد بمكة
مولود إلا سأل عنه فلما كان صبيحة اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله
عليه و سلم خرج عبد الله بن عبد المطلب حتى أتى عيص فناداه فأشرف عليه
فقال له عيص : كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذي كنت أحدثكم عنه يوم
الإثنين و يبعث يوم الإثنين و يموت يوم الإثنين قال : إنه ولد لي مع الصبح
مولود قال : فما سميته ؟ قال : محمدا قال : و الله لقد كنت أشتهي أن يكون
هذا المولود فيكم أهل البيت لثلاث خصال بها نعرفه فقد أتى عليهن منها أنه
طلع نجمه البارحة و أنه ولد اليوم و أن اسمه محمد انطلق إليه فإنه الذي
كنت أحدثكم عنه
و قد روي ما يدل على إنه ولد ليلا و قد سبق في
المجلس الذي قبله من الآثار ما يستدل به لذلك و في صحيح الحاكم [ عن عائشة
قالت : كان بمكة يهودي يتجر فيها فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود
قالوا : لا نعلمه فقال : ولد الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة بين كتفيه
علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس فخرجوا باليهودي حتى أدخلوه على
أمه فقالوا : أخرجي إلينا ابنك فأخرجته و كشفوا عن ظهره فرأى تلك الشامة
فوقع اليهودي مغشيا عليه فلما أفاق قالوا : ويلك ما لك ؟ قال : ذهبت و
الله النبوة من بني إسرائيل ] و هذا الحديث يدل على أنه ولد بخاتم النبوة
بين كتفيه
و خاتم النبوة : من علامات نبوته التي كان يعرفه بها أهل
الكتاب و يسألون عنها و يطلبون الوقوف عليها و قد روي : أن هرقل بعث إلى
النبي بتبوك من ينظر له خاتم النبوة ثم يخبره عنه و قد روي [ من حديث أبي
ذر و عتبة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه و سلم : أن الملكين اللذين شقا
صدره و ملآه حكمة هما اللذان ختماه بخاتم النبوة ] و هذا يخالف حديث عائشة
هذا و قد روي أن هذا الخاتم رفع بعد موته من بين كتفيه و لكن إسناد هذا
الخبر ضعيف
و قد روي في صفة ولادته آيات تستغرب فمنها : روي [ عن
آمنة بنت وهب أنها قالت : وضعته فما وقع كما وقع الصبيان وقع واضعا يده
على الأرض رافعا رأسه إلى السماء ] و روي أيضا : [ أنه قبض من التراب بيده
لما وقع بالأرض ] فقال بعض القافة : إن صدق الفال ليغلبن أهل الأرض و روي
: [ أنه وضع تحت جفنة فانفلقت عنه و وجدوه ينظر إلى السماء ]
و
اختلفت الروايات هل ولد مختونا ؟ ! فروي : [ أنه ولد مختونا مسرورا ] يعني
مقطوع السرة حتى قال الحاكم : تواترت الروايات بذلك و روي أن جده ختنه و
توقف الإمام أحمد في ذلك قال المروذي : سئل أبو عبد الله هل ولد النبي صلى
الله عليه و سلم مختونا ؟ قال : الله أعلم ثم قال : لا أدري قال أبو بكر
عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا : قد روي : [ أنه صلى الله عليه و سلم ولد
مختونا مسرورا ] و لم يجترىء أبو عبد الله على تصحيح هذا الحديث
و
أما شهر ولادته فقد اختلف فيه : : فقيل : في شهر رمضان روي عن عبد الله بن
عمرو بإسناد لا يصح و قيل : في رجب و لا يصح و قيل : في ربيع الأول و هو
المشهور بين الناس حتى نقل ابن الجوزي و غيره عليه الإتفاق و لكنه قول
جمهور العلماء ثم اختلفوا في أي يوم كان من الشهر : فمنهم من قال : هو غير
معين و إنما ولد في يوم الإثنين من ربيع من غير تعين لعدد ذلك اليوم من
الشهر و الجمهور على أنه يوم معين منه ثم اختلفوا فقيل : لليلتين خلتا منه
و قيل : لثمان خلت منه و قيل : لعشر و قيل : لاثنتي عشرة و قيل : لسبع
عشرة و قيل : لثماني عشرة و قيل لثمان بقين منه و قيل : إن هذين القولين
غير صحيحين عمن حكيا عنه بالكلية و المشهور الذي عليه الجمهور : أنه ولد
يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول و هو قول ابن إسحاق و غيره
و أما
عام ولادته فالأكثرون على أنه عام الفيل و ممن قال ذلك : قيس بن مخرمة و
قبات بن أشيم و ابن عباس و روي عنه : أنه ولد يوم الفيل و قيل : إن هذه
الرواية وهم إنما الصحيح عنه أنه قال : عام الفيل و من العلماء من حكى
الإتفاق على ذلك و قال : كل قول يخالفه وهم و المشهور أنه صلى الله عليه و
سلم ولد بعد الفيل بخمسين يوما و قيل : بعده بخمس و خمسين يوما و قيل :
بشهر و قيل : بأربعين يوما و قد قيل : إنه ولد بعد الفيل بعشر سنين و قيل
: بثلاث و عشرين سنة و قيل : بأربعين سنة و قيل : قبل الفيل بخمس عشرة سنة
و هذه الأقوال وهم عند جمهور العلماء و منها لا يصح عمن حكي عنه قال
إبراهيم بن المنذر الحزامي : الذي لا يشك فيه أحد من علمائنا أنه صلى الله
عليه و سلم ولد عام الفيل و قال خليفة بن خياط : هذا هو المجمع عليه و
كانت قصة الفيل توطئة لنبوته و تقدمة لظهوره و بعثته و قد قص الله ذلك في
كتابه فقال : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في
تضليل * و أرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف
مأكول } فقوله : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } استفهام تقرير لمن
سمع هذا الخطاب و هذا يدل على اشتهار ذلك بينهم و معرفتهم به و أنه مما لا
يخفى علمه عن العرب خصوصا قريشا و أهل مكة و هذا أمر اشتهر بينهم و
تعارفوه و قالوا فيه الأشعار السائرة و قد قالت عائشة : رأيت قائد الفيل و
سائسه بمكة أعميين يستطعمان و في هذه القصة ما يدل على تعظيم مكة و
احترامها و احترام بيت الله الذي فيها ولادة النبي صلى الله عليه و سلم
عقب ذلك تدل على نبوته و رسالته فإنه صلى الله عليه و سلم بعث بتعظيم هذا
البيت و حجه و الصلاة إليه فكان هذا البلد هو موطنه و مولده فاضطره قومه
عند دعوتهم إلى الله تعالى إلى الخروج منه كرها بما نالوه به من الأذى ثم
إن الله تعالى ظفره بهم و أدخله عليهم قهرا فملك البلد عنوة و ملك رقاب
أهله ثم من عليهم و أطلقهم و عفا عنهم فكان في تسليط نبيه صلى الله عليه و
سلم على هذا البلد و تمليكه إياه و لأمته من بعده ما دل على صحة نبوته فإن
الله حبس عنه من يريد بالأذى و أهلكه ثم سلط عليه رسوله و أمته كما قال
صلى الله عليه و سلم : [ إن الله حبس عن مكة الفيل و سلط عليها رسوله و
المؤمنين ] فإن الرسول صلى الله عليه و سلم و أمته إنما كان قصدهم تعظيم
البيت و تكريمه و احترامه و لهذا أنكر النبي صلى الله عليه و سلم يوم
الفتح على من قال : اليوم تستحل الكعبة و قال : [ اليوم تعظم الكعبة ] و
قد كان أهل الجاهلية غيروا دين إبراهيم و إسماعيل بما ابتدعوه من الشرك و
تغيير بعض مناسك الحج فسلط الله رسوله و أمته على مكة فطهروها من ذلك كله
و ردوا الأمر إلى دين إبراهيم الحنيف و هو الذي دعا لهم مع ابنه إسماعيل
عند بناء البيت أن يبعث فيهم رسولا منهم عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم
الكتاب و الحكمة فبعث الله فيهم محمدا صلى الله عليه و سلم من ولد إسماعيل
بهذه الصفة فطهر البيت و ما حوله من الشرك و رد الأمر إلى دين إبراهيم
الحنيف و التوحيد الذي لأجله بني البيت كما قال الله تعالى : { و إذ بوأنا
لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا و طهر بيتي للطائفين و القائمين و
الركع السجود }
و أما تسليط القرامطة على البيت بعد ذلك فإنما كان
عقوبة بسبب ذنوب الناس و لم يصلوا إلى هدمه و نقضه و منع الناس عن حجه و
زيارته كما كان يفعل أصحاب الفيل لو قدروا على هدمه و صرف الناس عن حجه و
القرامطة أخذوا الحجر و الباب و قتلوا الحجاج و سلبوهم أموالهم و لم
يتمكنوا من منع الناس من حجة بالكلية و لا قدروا على هدمه بالكلية كما كان
أصحاب الفيل يقصدونه ثم أذلهم الله بعد ذلك و خذلهم و هتك أستارهم و كشف
أسرارهم و البيت المعظم باق على حاله من التعظيم و الزيارة و الحج و
الإعتمار و الصلاة إليه لم يبطل شيء من ذلك عنه بحمد الله و منه و غاية
أمرهم أنهم أخافوا حج العراق حتى انقطعوا بعض السنين ثم عادوا و لم يزل
الله يمتحن عباده المؤمنين بما يشاء من المحن و لكن دينه قائم محفوظ لا
يزال تقوم به أمة من أمة محمد صلى الله عليه و سلم لا يضرهم من خذلهم حتى
يأتي أمر الله و هم على ذلك كما قال تعالى : { يريدون أن يطفئوا نور الله
بأفواههم و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون * هو الذي أرسل
رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } و قد
أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن هذا البيت يحج و يعتمر بعد خروج يأجوج
و مأجوج و لا يزال كذلك حتى تخربه الحبشة و يلقون حجارته في البحر و ذلك
بعد أن يبعث الله ريحا طيبة تقبض أرواح المؤمنين كلهم فلا يبقى على الأرض
مؤمن و يسرى بالقرآن من الصدور و المصاحف فلا يبقى في الأرض قرآن و لا
إيمان و لا شيء من الخير فبعد ذلك تقوم الساعة و لا تقوم إلا على شرار
الناس
و قوله صلى الله عليه و سلم : [ و يوم أنزلت علي فيه النبوة ]
يعني أنه صلى الله عليه و سلم نبىء يوم الإثنين و في المسند عن ابن عباس
قال : ولد النبي صلى الله عليه و سلم يوم الإثنين و استنبىء يوم الإثنين و
خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الإثنين و دخل المدينة يوم الإثنين و
توفي يوم الإثنين و رفع الحجر الأسود يوم الإثنين و ذكر ابن إسحاق : أن
النبوة نزلت يوم الجمعة و حديث أبي قتادة يرد هذا و اختلفوا : في أي شهر
كان ابتداء النبوة ؟ فقيل : في رمضان و قيل : في رجب و لا يصح و قيل في
ربيع الأول و قيل : إنه نبىء يوم الإثنين لثمان من ربيع الأول
و أما
الإسراء فقيل كان في رجب و ضعفه غير واحد و قيل : كان في ربيع الأول و هو
قول إبراهيم الحربي و غيره و أما دخول المدينة و وفاته : فكانا في ربيع
الأول بغير خلاف مع اختلاف في تعيين ذلك اليوم من أيام الشهر و في قول
النبي صلى الله عليه و سلم لما سئل عن صيام يوم الإثنين ؟ : [ ذاك يوم
ولدت فيه و أنزلت علي فيه النبوة ] إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي
تتجدد فيها نعم الله على عباده فإن أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار
محمد صلى الله عليه و سلم لهم و بعثته و إرساله إليهم كما قال تعالى : {
لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } فإن النعمة على
الأمة : بإرساله أعظم من النعمة عليهم بإيجاد السماء و الأرض و الشمس و
القمر و الرياح و الليل و النهار و إنزال المطر و إخراج النبات و غير ذلك
فإن هذه النعم كلها قد عمت خلقا من بني آدم كفروا بالله و برسله و بلقائه
فبدلوا نعمة الله كفرا فأما النعمة بإرسال محمد صلى الله عليه و سلم فإن
بها تمت مصالح الدنيا و الآخرة و كمل بسببها دين الله الذي رضيه لعباده و
كان قبوله سبب سعادتهم في دنياهم و آخرتهم فصيام يوم تجددت فيه هذه النعم
من الله على عباده المؤمنين حسن جميل و هو من باب مقابلة النعم في أوقات
تجددها بالشكر و نظير هذا صيام يوم عاشوراء حيث أنجى الله فيه نوحا من
الغرق و نجى فيه موسى و قومه من فرعون و جنوده و أغرقهم في اليم فصامه نوح
و موسى شكرا لله فصامه رسول الله صلى الله عليه و سلم متابعة لأنبياء الله
و قال لليهود : [ نحن أحق بموسى منكم ] و صامه و أمر بصيامه
و قد
روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتحرى صيام يوم الإثنين و يوم
الخميس روي ذلك عنه [ من حديث عائشة و أبي هريرة و أسامة بن زيد و في حديث
أسامة : أنه سأله عن ذلك ؟ فقال : إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على رب
العالمين فأحب أن يعرض عملي و أنا صائم ] و [ في حديث أبي هريرة أنه سئل
عن ذلك ؟ فقال : إنه يغفر فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين يقول دعهما حتى
يصطلحا ] و في صحيح مسلم [ عن أبي هريرة مرفوعا : تفتح أبواب الجنة يوم
الإثنين و الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله إلا رجل كانت بينه و بين
أخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا ] و يروى [ من حديث أبي أمامة
مرفوعا : ترفع الأعمال يوم الإثنين و الخميس فيغفر للمستغفرين و يترك أهل
الحقد كما هو ] و في المسند [ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم
: أن أعمال بني آدم تعرض علي كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم ]
كان بعض التابعين يبكي إلى امرأته يوم الخميس و تبكي إليه و يقول : اليوم
تعرض أعمالنا على الله عز و جل يا من يبهرج بعلمه على من تبهرج و الناقد
بصير يا من يسوف بتطويل أمله إلى كم تسوف و العمر قصير
( صروف الحتف مترعة الكؤوس ... تدور على الرعايا و الرؤوس )
( فلا تتبع هواك فكل شخص ... يصير إلى بلى و إلى دروس )
( و خف من هول يوم قمطرير ... تخوف شره ضنك عبوس )
( فمالك غير تقوى الله زاد ... و فعلك حين تقبر من أنيس )
( فحسنه ليعرض مستقيما ... ففي الإثنين يعرض و الخميس )
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى